القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الصوفيّ العُماني الكل
المجموع : 163
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ / ساهرَ الطَّرفِ للنجوم مُسامِرْ
كلما أَمَّ طارقٌ حارَ فكرِي / يَا لَفكرٍ بطارقٍ ظلّ حائر
ومتى شِمتُ بالمَهامِه رَكْباً / صرتُ أهوى أنني أفنى فِي الركب صائر
همتي أقطع السَّباسِبَ دهراً / عند ركبٍ بظهر خُفٍّ وحافر
أركب الصَّعْبَ والذّلولَ وأمشى / لا أُبالي بأيِّ نفسٍ أُخاطر
صحبتي للعلى ظهورُ المَطايا / فِي ليالٍ أَبيت فِيهِنّ ساهر
خاليَ الهمِّ لا أرى غير مُهْرٍ / أَوْ شجاع عَلَى المهمات صابر
بَيْنَ ركب ورفقةٍ تَتعاطَى / كأسَ صفوٍ لا كؤوسَ المُخامر
نأكل الدَّسْمَ والغَريضَ ونسقي / أَكرمَ القوم مَحْض دَرِّ وخاثر
نُطعَم الوحشَ أهنأَ العيشِ طمعاً / وسط قَفْرٍ وذابلاتِ الحوافر
هكذا أطلب الليالي بحرصٍ / مَا تَغنّى بدوحةِ المجد طائر
رفقتي والعُلى وحافرُ مُهْرِي / واجتنابُ الفَلا وضمُّ العساكر
هنّ أحلى من التّرفُّه عندي / أيُّ يوم أكنْ بهاتيك ظافر
فَوْقَ دُهم مُطهَّمات كرام / تَعلك اللُّجْمَ عادياتٍ نَوافر
صامداً أجتلِي وجوه الأماني / بسَنا النّصل والسيوف البَواتر
ذَاكَ مَا كنت أرقب الدهرَ فِيهِ / إِنْ يكُ الدهرُ للمحبِّ مُؤازرْ
إنّ يومَ النفيرِ فَرَّج همي / فرج الله همَّ كل مسافر
قِف بالشوارع وانظرْ هل لَهُم أَثَرُ
قِف بالشوارع وانظرْ هل لَهُم أَثَرُ / إني وحقِّ الهوى قَدْ عاقَني النظرُ
آنَ الرحيلُ فما لي عنهمُ بَدَلٌ / كلا ولا عنهمُ يَا صاحِ مُصْطَبَر
رُحماكمُ جِيرتي إني قتيل هوىً / إِذ لَمْ يَطِب بعدَهم عيشٌ ولا سمر
أَبيتَ يومَ النوى أرعى النجومَ أسىً / هيهاتَ لَمْ يُسْلِني نجمٌ ولا قمر
يا سائقاً بالنَّوى مَهْلاً أودِّعُهم / إن كَانَ فِي جمعهم لَمْ يُسْعفِ القدر
لله من ليلةٍ قَدْ طاب مَضْجَعُنا / والأُنسُ يجمعنا والعودُ والوتَر
وشملُنا والهوى يَا صاحِ مجتمعٌ / وبيننا دُررُ الآدابِ تَنْتَثِرُ
لا رَبَّح اللهُ يوماً للفراق دَعا / ولا عَرَا جمعَنا التَّشتيتُ والغِيَرُ
فارجعْ فَدتْك ليالي الأنسِ يَا زمني / من حَيْثُ لا يَعْتري همٌّ ولا كَدر
يا للحِمى وسقيطُ الدمع منتثِر / يومَ الوداعِ سَقاك الطَّلُّ والمطر
إني دعوتُ ودعوى الصَّب من لهفٍ / بأن تعود لنا أيامُنا الغُرر
إن كَانَ قَدْ أزفت أيامُ فرقتِنا / فالويلُ للصبِّ إِن أَفضَى بِهِ السفر
إني وحقِّ الهَوى يَا حيرتِي قَلِق / لَمْ أصطبرْ مَا عن سواد العين مُصطبَر
سفكتُ من أدمعي ماءَ الحياة بكم / إِذ أَوقِدتْ بالحَشا من حبكم سَفَرُ
ودَّعتُكم نظراتٍ مَا شفيتُ بِهَا / لَمْ يَشْفِ ذا الغلَّةِ التوديع والنظر
قَدْ كنتُ فِي مرتعٍ والخِلُّ مُحْتضِر / يعيش كالبانِ تِيهاً زانه الخَفَر
يا ليته كَانَ رِدْفاً فَوْقَ راحلتي / تسير بي وبِهِ الآصالُ والبُكَر
أَُقبِّل الثغرَ منه ثُمَّ ألثِمُه / وأقطف الورد ثُمَّ الغصنُ أَهتصِرُ
وقلْ عسى الدهرُ يُدنِي بالحبيبِ عَسى / فيَذهب من فؤادي الهمُّ والكدر
سَناك أَبهجني فِي الشرقِ يَا قمرُ
سَناك أَبهجني فِي الشرقِ يَا قمرُ / هَلاّ مررتَ عَلَى من زانه الحَوَرُ
إني أراك بنور الحسن مستتِراً / هل أنت من نور ذَاكَ الحسن تستتر
وهل وقفتَ عَلَى الأعتاب ملتمِساً / تقبيلَ أعتابه بالتُّرْب تفتخر
أم شاقك البرقُ من لأْلاء مَبْسَمِه / فظلتَ من بارقِ الألاء تُبتَهر
من ذَاكَ أصبحتُ يَا بدر الدُّجى قلقاً / مشتتاً لوصالِ الحب أنتظر
يا ليتَه من رحيقِ الوصل أنْهَلَني / وعَلَّني من رُضاب الثغر أبتكر
وَلَمْ يكن باللِّقا دهراً يُشَوِّقُني / أُضحِي بكأس عُقارِ السُّقم أعتقِرُ
يُفَرِّح الدمعُ من عيني مجاريَها / فالعينُ من شوقها بالدمع تَهْتَصر
وَلَيْسَ دمعيَ حقاً حين أَنثُره / لكنها النفسُ من عينيَّ تُعْتَصَر
قَدْ حَلَّلوا هجرَ صبٍّ وهْو قاتلُه / وقتلُ أهلِ الهوى فِي الشرع يُهْتَدر
بلغتُ فِي الحب حداً لا أَرى فرجاً / فكيف بي وليالي الهجرِ تعتكِرُ
فنيتُ لولا أنيني مَا اهتدى أحد / لمنظري ساقه من سُقْمِيَ الكدر
أروم أَسلو الهوى والشوقُ فِي كبدي / وجرحُ سيفِ النوى فِي القلب ينفجر
شكوتُ لا أشتكي أشيا أُعدِّدها / فليس حالُ الهوى فِي الحب يَنحصِر
صبرت لَمْ يُجْدِ لي صبري ولا جَلَدي / قَدْ لجَّ بي السٌّقُمُ حَتَّى لاتَ مُصْطَبَر
قَدْ قَطَّع البينُ أسبابَ الوصال بهم / والقلبُ من بعدِهم قَدْ كاد ينفطِر
باللهِ يَا قمرٌ إِنْ جئتَ ساحَتهم / وطاب فِي رَبْعِهم مَسْراك يَا قمر
وفاح رَيّا الكبا من نَشْرهم أَرِجاً / ونام واشي الهوى واستأنس السَّمَرُ
فألقِ العصا بَيْنَهم واغْنَم حديثَهُمُ / من حَيْثُ لا منهمُ خوفٌ ولا حذر
فقل لهم مُغْرَم يُرثى لحالته / قَدْ عاقه عنكم الأَسقام والسهر
خلَّفتُه كاللَّقَى إذ لا حراكَ لَهُ / لعلَّ عن سالف الأيام يَدّكروا
وقَبِّل التُّرْبَ مَهْمَا عَزَّ منظرُهم / فإن تربَ الحِمى من بِشْرهم عَطِر
وعانِق الغصن عن قاماتِهم بَدَلاً / فالقَدُّ تحكي بِهِ أغصانَها الشجر
وإن غدوتَ ليوم النَّفْرِ مبتكِراً / وداعَهم فهمُ للصبِّ يبتكِروا
فانثرْ بوادِرَ دمعٍ منك مبتدِراً / عساهمُ من بُكا عينيك يَبْتدروا
فيسألوا عن كثيبٍ جُلُّ مَقْصِده / يومٌ بذاك الحِمى يرمي بِهِ القَدر
يُحيي بِهِ دِراسات الأُنس من قِدَمٍ / يومٌ تعود بِهِ أيامُه الغُرر
يا حُبَّ ذَاكَ الحمى والشملُ مجتمعٌ / وجمعُنا بنوادي الأُنس معتمِر
ويا رَعَى اللهُ ذَاكَ اليومَ حَيْثُ أَقُلْ / سناك أبهَجني فِي الشرقِ يَا قمر
ففي المحولةِ الذَّرذيرُ جاراً
ففي المحولةِ الذَّرذيرُ جاراً / فلا يَرْعَى الذِّمامَ ولا الجِوارا
فلم نصبرْ وَلَيْسَ لَنَا اقتدارٌ / ألا نختار يَا صحبي ديارا
فظل بليلنا تَطْوي سُهاداً / فلا ليلاً ننام ولا نهارا
فبالمحمولة العينانِ قَرَّت / وأشعلَ حبُّها فِي القلب نارا
وأَضحى القلبُ فِيهَا مستقراً / ولكنْ من أذى الذرذير طارا
يَبيت عَلَى الجسوم يَشُنُّ رقصاً / ويشرب دَمَّها خمراً عُقارا
ويُطربه البعوضُ إِذَا تغنَّى / ودَنْدَنَ طبلُه وسعى جهارا
فبِتنا بَيْنَ رقْصاتٍ وزَمْرٍ / وطعنٍ وَخْزُه يُورِي شَرارا
وإِن شق الصباحُ ترى جيوشاً / من الذِّبان لا يخْشَون عارا
إِذَا جئنا لنأكلَ من طعامٍ / تركناه وإن كنا ضَمارى
تُحمِّل أنفساً منا كراماً / لأمرٍ لا نُطِيق لَهُ اصْطبارا
فها يَا قوم نحن لَفِي أمورٍ / بِهَا يَا قوم قَدْ صرنا حيارى
تَبدَّى ووجهُ الدهرِ بالخطب عابسُ
تَبدَّى ووجهُ الدهرِ بالخطب عابسُ / وطرفُ العُلَى عن نهضةِ المجد ناعسُ
ودُهمُ ليالٍ شاحبات كَأَنَّها / غَرابيبُ من سودِ الرَّزايا دَوامس
ودهرٌ مَطاهُ للأَراذِل مركبٌ / وصعبٌ جَموحٌ بالأَماجدِ شامِس
تُدافع منهوماً عَلَى كل ماجدٍ / وشأنُ الليالي للكرام أَحامِس
حَنانَيْك من دهرٍ تَقاعَس جَدُّه / رُوَيْدَك مفتاحُ الخمولِ التقاعُس
إِذَا أنت لَمْ تُسعد عَلَى المجد ساعةً / فإياك فِي يومِ المَعَالي تُعاكِس
فإن نَشَزَتْ يوماً سترجع عاجلاً / فإن عَلَى الأَكْفا تَقَرُّ العرائس
فغرسُ المعالي لا يطيب بسَبْخةٍ / وبالشَّرف الأعلى تَطيب المَغارس
لَعَمرُك إن المجدَ بالجِد يُقْتَنى / وَلَيْسَ يَنالُ المجدَ من لا يُمارِس
وَمَا كلُّ نَهّاسِ المَطاعم ضَيْغَماً / فتأكل مرذولَ الوُخومِ الخَنافس
فباتتْ كقرنِ الشمسِ عنها تَكشَّفَتْ / سحائبُ جونٌ ساجَلتْها الحَنادس
مُحَفَّرةً جاءته تُزْجى شئونَها / وهل يقتني العلياءَ إِلاَّ الأَكابس
تَبَخْترُ فِي ثوبِ الدلالِ منيعةً / وعينُ رقيبِ المجدِ فِيهَا تُخالس
حَرُونٌ فلولا الشدُّ راضَ نِفارها / لما بَرِحت للراكبين تُعاكسُ
عَلَى منهجٍ تمشي دلالاً وإِن وَنتْ / فإدلالها عن سرعةِ المشيِ حابس
لَهَا وَهَجٌ بالخافِقين شعاعُه / تَشعْشَعَ من نور الخلافة قابِس
تمادتْ لكي تدري البريةٌ أنها / نفيسةُ عِرضٍ لن تَنَلْها الخَسائس
عزيزةُ نفسٍ بالتمنُّعِ تَزْدَهي / وبالعِزة القَعْسا تَشَمُّ المَعاطس
فآبت تَهادَى بالجلال وتحتمي / بأروعَ مَنْ للملكِ والدينِ حارس
بمُنتجَع العليا وإن جدَّ شَأْوُها / كما انتجع الهِيمُ النميرَ القَناعِس
قريعُ ملوكِ الأرضِ قَدْ مَهَدَتْ لَهُ / بهمته فَوْقَ النجوم الطَّنافِس
حميتَ ذِمار الملكِ عن كل رائدٍ / ومن بُرد العَليا وكفُّك لامس
تَبسَّم ثغرُ الدهرِ عنك وأصبحتْ / مراتبُ أهلِ المجد فيك تَنافَسُ
تَهادتْ بك الأيامُ زَهْواً مثلما / تهادتْ بكفيك الرماح المَداعِس
وأقبل فيك الدهرُ يمرحُ مُعجَباً / كما فرحتْ يوم الزَّبون الغَطارس
وأضحى نبات الملكِ بالعز مُورِقاً / وغصنُ العُلى يهتز بالمجد مائس
لبستَ قَشيبَ المجدِ دِرْعاً مُسَهَّماً / ومثلُك من تزدان فِيهِ الملابس
فدونَك فارْبَعْ بالخلافةِ مُنْعَماً / أبا ماجدٍ والدهرُ عبدٌ وحارِس
أتاك وَقَدْ ملَّ التجنِّي وإِنما / تَهيج لدى ضِيق النفوسِ الوَساوس
وأصبح فِي كفيك بالرِّقِّ مُعْلِناً / وخَدُّ العلى مُرْخَى الشَّكيمةِ بائس
فأنت أمينُ اللهِ فاصْدَعْ بأمرِه / فإنك للدين المُروَّعِ آنِس
تحملتَ أعباءَ الخلافةِ فاقتصِدْ / عَلَى منهجٍ تَقْفو ثَراه العَنابِسُ
فإنك مذ رُشِّحت للملكِ لَمْ تزَل / تُعمِّر من عَلياه مَا هو دارِس
ولا زال ثغرُ الملكِ يدعوك باسِماً / وتَغْبِط فيك العُرْبَ رومٌ وفارِس
وإِن كادك الدهرُ الخئونُ بأمرِه / يُرَدُّ ورأسُ الكيدِ دونَك ناكِس
إِلَيْكَ أمينَ اللهِ جَدَّت رَكائِبي / فما لسواك اليومَ تُحْدى العَرامِس
وقفتُ عن الشكوى إِلَيْكَ مخافةً / لبذلِكَ نَفْساً إِذ تَعِزُّ النَّفائس
فإني أرى كفيك تُجرى مَواهباً / لأنك من جَمْعِ الدنانير آيس
تحيرتُ فِي مَدْحِيك حصراً فإنما / تفوتُ الورى فضلاً وإن قاس قائس
فإن خفاءَ الفضلِ يَظْهر بالثَّنا / وَلَمْ يَخْفَ ضوءُ الصبحِ والصبحُ عاطِس
تُراصِد أَوْهامي نَخائلَ فكرتي / فترجع عجزاً بالمديح الهَواجِس
فليس يُقاس البحرُ حوداً بكفِّه / فبالبحرِ بهد الجهدِ تبدو التَّرامس
ولا بالكرامِ العُرْب من كَانَ قبله / ولا السحب إِذ تَهْمِي الغمام الرَّواجس
ويومَ بذلتُ المالَ فِيهِ فلامني / عَلَى البذل موهومُ المَخيلة ناحس
فقلت وهل يُخشَى عليّ مَضاضةٌ / وكفى ببحر الجودِ تيمور غامِس
وأَنَّى أخاف الفقرَ أَوْ أُحرَم الغنى / وإني بظلِّ المَلْكِ تيمورَ جالس
سيَجْمعُنا بعدَ التفرق مَجْمَعُ
سيَجْمعُنا بعدَ التفرق مَجْمَعُ / تَظلُّ بِهِ وُرْقُ البشائرِ تَسْجَعُ
عشيةَ يومِ الوصلِ ظلتْ قلوبُنا / من البِشْر والآماقُ بالدمع تَهْمَع
فيا ليلةَ النعماءِ باللهِ فأسرِعي / فإن يدَ النعماءِ للبؤس تَقَمَّع
ويا طلعةَ الوجهِ البشوشِ فأسفِري / فإنّا بكِ الدهرَ العَبوسَ سنَدْفع
ورُحماكَ من دهرٍ فهل أنت سامعٌ / تلمُّ لَنَا شَمْلاً شَتيتاً ونَجمع
فإنك لَمْ تبرح مِلَمّاً مُشتتاً / وتعطي عَلَى طول الليالي وتَمْنَع
فبادِرْ بجمع لا رَعَى اللهُ يومَنا / غداةَ افترْقنا والبوابيرُ تُسرع
تجحِدُّ بِنَا شرفاً وغرباً كَأَنَّها / سَحائبُ من كل الجوانبِ تَهْطع
تمر عَلَى متنِ الحديد كَأَنَّها / زَعازعُ والإِنْجينُ رعدٌ مُلعلِع
فيا سائقَ البابور إن مدامعي / تجَرِّح آماقِي وَشيكاً وتَقْطع
لَكَ اللهُ رفْقاً فالقلوبُ تَقَطَّعت / لدى زَجراتُ الريلِ والعينُ تَدْمَع
فإن كنت بالحسنَى ستُدنِي أحبّتي / فإني بجمع الأَكْرَمين لأَطمع
عَلَى مَهلٍ إن الجفونَ تَقرَّحت / وإِن فؤادي مَسْلَكَ الريل يَتْبَع
لَحا اللهُ يوماً آذَنَ الدهرُ بَيْنَنا / بتفريق جَمْع للقلوب يُزعزِع
فأصبحتُ كالمخلوع أبكي كآبةً / أَعَضُّ عَلَى كفِّي وللسنِّ أَقْرَعُ
عسى يجمعُ الرحمنُ بينِي وسادتي / ونَغْنَم أوقاتاً بِهَا العيشُ أَوْسع
وَنَحْظَى بمولانا المعظَّم قَدرُه / أبيّ المجدِ تيمورٍ لَهُ الدهر يَخْضع
مَجامع أُنسٍ يحسد الدهرُ مثلَها / ومن مثلُ تيمورٍ لَهُ الدهرُ يخضع
فيا ربِّ مَتِّعنا بجمع يلمُّنا / ويوم ببُشراهُ الحَنادس تَسْطَعُ
على نَغَماتِ الأنسِ تقتطفُ الهَنا / ومن كوثَرِ الأَفراحِ لِلشُّربِ نكْرع
فللهِ يومٌ أصبح الدهرُ ناطِقاً / سيَجمعنا بعد التفرقِ مَجْمَع
تِهْ دلالاً أَيَّهذا المَرْبَعُ
تِهْ دلالاً أَيَّهذا المَرْبَعُ / إنك اليومَ المَقامُ الأَرْفَعُ
رجع المجدُ فطوبَى لَكَ من / تختِ ملكٍ طابَ فيك المَرجِع
سجع الدهرُ وغنى بالهنا / فترى الأكوانَ طُراَ تَسْجع
فطفِقنا من غِناها طَرَباً / نُحسن الرقص وطوراً نسمع
يا ليومٍ سَطع البدرُ بِهِ / كَانَ قِدْماً فِي دُجاه يَسْطع
هَطع البِشرُ علينا سَرْمداً / فَغَدونا للتهاني نَهْطع
نَجْتليه مذ تَجَلَّى وَلَعاً / وضياءُ البدر طبعاً يُولَع
نقطع الأيامَ شوقاً ومُنىً / ومَسيسُ الشوقِ فينا يقطع
والليالي وَسِعْتنا جَفوةً / بالدهر ضاق فِيهِ الأَوْسَعُ
تَقْرع الأعداءَ فِينا مَضَضاً / كلُّ سنٍّ ظلَّ فينا يُقْرَعُ
صَدْعُ شملٍ أَوْسعتْه غربةٌ / ظل منهُ كلُّ شملٍ يُصْدَع
طالما أرفع كفّي ضارِعاً / علَّ يوماً بالأماني يَضْرع
إن يوماً بالأماني مسرعٌ / ذَاكَ بالأفراح يوم أَسْرَع
دمعتْ عيني سروراً وعَدتْ / كلُّ عين من سروري تَدْمَعُ
خَرَّتِ الأكوانُ طوعاً رُكَّعاً / مذ رأتْ تيمورَ ظلَّتْ تركع
بدرُ تِمٍّ أشرق الأفقُ بِهِ / واستنارت من سماه الأَرْبُع
واستطارتْ فرحاً لما بدا / برِحاب المجد مَلْكٌ أَروعُ
فهنيئاً يَا بني الأوطانِ قَدْ / جُمع الأنسُ وطاب المَجْمَعُ
واطمأنَّ المُلك مسروراً وَقَدْ / كَانَ بالشوق كئيباً يَظْلع
قرتِ الأكوانُ عيناً واستوى / بسرير الملك قرمٌ أَمْنَعُ
غصنُ مجدٍ بالمَعالي مُورِقٌ / ولمثل المجدِ مَن ذا يزرعُ
فاشربوا كأسَ التهاني قَرْقَفاً / إن يومَ البشرِ روضٌ مُمْرِع
وارفعوا أيدي الدُّعا مبسوطةً / إن للداعين أيدٍ تُرفَعُ
إن ذا السلطانَ فينا رحمةٌ / فاشكروا المولى جميعاً واسمعوا
دُمْ بِعزٍّ أَيُّها السلطانُ مَا / لاح برقٌ فِي الدَّياجِي يَلْمَعُ
قال أَرِّخْ فمتى البدرُ بدا / قلت عُدَّ الفضلُ طراً أَجْمع
قِفا حَدِّثاني واطْنِبا عن مَرابِعي
قِفا حَدِّثاني واطْنِبا عن مَرابِعي / وسيلاً إِلَى ذكرى حديثِ الأَجارعِ
فإن دياري لا تزالُ مَراتِعاً / لغزلانِ أنسٍ كالبذور الطوالع
قِفا وانثرا عني الدموعَ فإنني / أضعتُ فؤادي بَيْنَ تِلْكَ المواضع
مواضعُ أرامٍ وسُكْنَى وأوانس / شُغفتُ بِهَا والبينُ شر الموانع
لقد حالتِ الأيامُ بيني وخُلَّتي / وأصبحتُ أقفو الرَّكْبَ فِي كل طالع
أطوِّفُ شرقَ الأرض طوراً وغربها / كَأَنَّ جهاتِ الأرض طُراً ودَائِعي
وأعدو لأسلاكِ التليفون معرضاً / وأسلك أَحياناً خلال المَخادع
وأهفو إِلَى الرَّكْبِ إِنْ عَنَّ سائِحٌ / أُردِّد طرفي فِي جهات الشوارع
وأُصغِي إِلَى الأصوات من كل ناطقٍ / وأَنْصِب طرفي للبُروق اللَّوامع
لعلَّ من الأحباب تأتي بَشائر / فأذكر منها بالسُّعود مَطالِعي
فطَنَّ بأُذني باغِمٌ يسلب الحَشا / يُجاذب أوتارَ الهوى بالأصابع
يُمازجه صوتٌ أرقُّ من الهوا / لدَى نَعْمة الأسلاكِ بَيْنَ مَسامعي
يقول وَقَدْ جَدَّ الفؤادَ بنُطقِه / ألا هل لقولي من مُجيبٍ وسامع
من الرعب العَرْباء يفهم لهجتي / ويُحسن منطوقاً بحُسن البدائع
فطرتُ اشتياقاً والهوى يمنع الفتى / وذا الدهرُ عن دَرْكِ الحقائق مَانعي
من الصُّدَف اللائي جَلَبْنَ ليَ الهَوى / وأَسْبَلْنَ من عيني غزيرَ المَدامعِ
لَعوبٌ بسهم الغُنْجِ تَرشَقُ مهجتي / فأدنو وسهمُ البين يَحْنِي أَضالِعي
يُخاطِبُني والبعدُ يحكم بالنوى / ودمعي لهذا بَيْنَ عاصٍ وطائع
فأنطقُ مبهوتاً وبيني وبينها / من البُعد مَا بيني وبين المطامع
جواذبُ أسلاكٍ تُواصل بَيْنَنا / كما يوصل الأحلامَ نومُ المَضاجعِ
فأصبحتُ مأسوراً وعينيَّ لن ترى / وَقَدْ تجلب الأُذنانِ جَمَّ المَصارع
فقلتُ وَقَدْ هاج الفؤادُ بلوعةٍ / أسيرُ هواكم لا أسير الوقائع
لكِ اللهُ كم أُضحي أسيراً بحبكم / وَلَمْ أَلقَ منكم مَا يسدُّ ذَرائعي
تجاهلتُم عني وذو الجهل فِي الهوى / يَبيت ويُضحى بَيْنَ راجٍ وجازع
ألا أيهذا التيلفون فبالهوى / سألتك من ذا بالحديث مُنازِعي
ومن هو بالعُتبى يفنِّت مهجتي / فإِني بحقِّ الحب أرجوك شافِعي
وصلتَ حبالَ الحب بَيْنَ وبينها / فهل أنت يوماً بالأحبة جامِعي
لَحاك الهوى بالثغر عنيَ مُقْبِلاً / ودون الَّذِي أهواه أصبحتَ رَادِعي
أُهَيْلَ الهوى باللهِ ألا سمحتمُ / بتعريفكم إياي قبل التَّوادعِ
ومن أنتمُ أَوْفوا إليّ بوعدِكم / فما وعدُكم إِلاَّ شِراكُ الخَدائع
يُخاطبني والصوتُ يَرْضَخُ بالحَشا / وعن وصلِه بالوعدِ لا زال دافِعي
ويَنْصِبني للبين والبينُ خافِضٌ / ولا زال عن قُرب التواصل دافِعي
سَمِيري ألا صَرَّح باسمك مُعلِناً / فعنْ منهجِ العشاقِ لستُ براجع
وخَبِّر فدتك النفسُ من أنت يَا تُرى / فقال وهل ذا عن شُهودي بنافع
فصفَّقتُ مبهوتاً وقوليَ هكذا / ينوب لفقد الماءِ تُرْبُ البَلاقع
فردّتْ بصوتٍ كالنسيم تقول لي / فاسمي ميمي من ذوات البَراقِع
فمالتْ وقالت للوادع سعيدةٌ / لياليك فارقُبني ليوم التَّراجُع
فما صدقتْ أَذْني ولا كَذَّب الهوى / ولا صَدِئتْ عيني بغير المَدامع
ولا نلتُ مَا أهوى ولا مَا أُحبه / ولا مَا أُرجِّي من قريبٍ وشاسِع
فأصبحتُ محلوقاً أحنُّ إِلَى اللقا / وهل ترجع الخِلانُ بعد التقاطع
فها أنا أرجو والموانعُ جَمَّةٌ / ولكنْ مراعاةُ الإخا من طَبائعي
أَلا حَدِّثوا عني أَيُّها القومُ واسمعوا
أَلا حَدِّثوا عني أَيُّها القومُ واسمعوا / بأني مُعَنًّى بالديار ومُولَعُ
صَبوتُ إِلَيْهَا وهْي عني بعيدةٌ / فِهَا أنا فِيهَا يَا أَخِلاّيَ أَرْتَع
سَباني هواها واطَّباني خَريفُها / وكم ليَ فِيهَا بالأَكارِم مَجْمع
وكم مَسْرحٍ بالدَّوِّ نرمي قَنيصَه / وعينُ السما بالطّلِّ تَهْمِي وتَدْمَعُ
نسير عَلَى بُسْطٍ من الزَّهر والحَيا / كَأَنَّا بروض الخلد نمشي ونَهْطَعُ
تُنَشُّ علينا بارداتٌ من الصَّبا / فتُهدي لَنَا عِطراً من الزهر يَنْزع
وكم طيباتٍ فِي مديحي تركتُها / بدارٍ لَهَا فِي القلب سُكْنَى ومَرْتع
وكم من ديارٍ فِي حياتي نزلتها / وَلَمْ يك لي فِيهَا قَرار ومَطْمَع
فإن ظفار اليومَ بيتُ قَصيدها / هي الوجهُ والبُلدان يَا صاح يُرْفع
بلادٌ أَلِفناها ونهوَى سكونَها / وإن لن يَطِب فِيهَا مَقِيل ومَضْجَع
أحنُّ عَلَيْهَا مَا حييت وإِن أَمُتْ / عَلَيْهَا سلامُ الله مَا البرقُ يلمع
فإن تكُ فِيهَا للبراغيث صولةٌ / فأي بلادٍ لَيْسَ فِيهَا مُروِّع
يَعِزّ الكمالُ البحت إِلاَّ لخالقٍ / وَلَيْسَ لمخلوقٍ كمالٌ مُجمَّع
كفى شرفاً مَهْمَا تُعَدُّ عيوبها / فكلُّ كريمٍ فِيهِ للعيبِ موضع
فلا عيب فِيهَا غير أن جنودَها / أُلوفٌ من الذِّبان بالكاس تَكْرع
فنشربُ شاهيناً وألفُ ذبابة / تطنُّ عَلَيْهِ أَوْ وعشرون وُقَّع
إِذَا مَا حضرنا فِي غذاءٍ وقهوة / نقوم ونحن يَا أخا القوم جُوَّعُ
ومهما مددْنا للطعام أَكُفنا / إِذَا هو قبلَ الكف يَهْوِي ويسرع
وإن نحن جئنا للجلوس سُوَيعةً / ترانا من الذرذير بالسنِّ نَقْرع
نُحكِّك كالمجروب جسماً وتارةً / عَلَى الوجه والخدين بالكف نَصْفع
نَذُبُّ عن الوجه الكريم ونتقي / بعوضاً عَلَى الأجسام يهوى ويَلْسع
وإن نحن نمنا نريحُ جُسومنا / أتتنا جيوشُ البق للجسمِ تَمْزع
وتسمع للجرذان رقصاً كَأَنَّها / كتائبُ خيلٍ للإغارةِ تُجْمع
فهذا بَلاءٌ ثُمَّ داءٌ وغُصّة / فأية حالٍ أَيُّها القوم نصنع
ولكنما حسنُ الديارِ وحبُّها / يُهوِّن عنها النائباتِ ويمنع
تزيد نشاطاً كل يومٍ بحبها / وَمَا نحنُ من لَدْغ البراغيثِ نَجْزع
فما هي إِلاَّ وردةٌ قَدْ تَفتحتْ / يَحُفّ بِهَا روضٌ خصيب ومُمرع
سقاكِ الحَيا يَا ظفار وغَرَّدت / قمارِيك دهراً بالأَفانين تَسْجَع
فإن أقفرتْ منا لياليك إننا / سنأتيك يوماً عن قريبٍ ونرجعُ
يَؤُمُّ بِنَا مَلْك كريم وسيدٌ / لَهُ من كرامِ القومِ مَنْشاً ومنبع
أبو طارقٍ قلبُ الزمان وتاجُه / وللملك عينٌ والسياسةِ مَسْمَع
أَرِقتُ ووجهُ البدرِ فِي الأفق يَسْطع
أَرِقتُ ووجهُ البدرِ فِي الأفق يَسْطع / ومن حَرِّ نار السُّهد عينيَ تَدْمَعُ
أقلِّب طرفي لا أرى النومَ لحظةً / وطرفُ الدُّجَى وَسْنانُ والناس هُجَّعُ
وبِتُّ وَمَا لي مؤنسٌ غيرَ زَفْرَتِي / أَردِّدها والقلبُ بالحزن مُوجَع
تُساوِرُني الأوهامُ مَا ليَ ناصرٌ / وبين ضلوعي غُلَّةٌ لَيْسَ تُنْقَعُ
أُناجي ضميري والجوى يستفِزني / وَمَا لي إِلاَّ صوَتُ يومٍ يُرجِّع
ونارُ همومي بالحشا قَدْ تَوقَّدت / ولي ناظرٌ من شدة الحزن يهمع
وقد طلبتْ عيني المنامَ سُويعةً / فلم تر عيني غيرَ سهدٍ يُروِّع
أطارت منامي مزعجاتٌ من الأسى / وللناسِ مهدٌ فِي الظلامِ ومَضْجَع
بأرضٍ عفتْ أطلالُها وربوعُها / وَلَمْ يبقَ فِيهَا للعمارةِ موضع
تَقَضَّتْ ليالي الوصل بيني وبينها / فللهِ أطلالٌ ولله أَرْبُع
وقفتُ بِهَا والليلُ هادٍ رشواقُه / وسِنّي لأسنان الكوارِثِ تَقْرعُ
ووجهي بوجهِ الأرض كرهاً وضعتُه / أفكر فِي صوتٍ عَلَى البُعدِ يَنْزِع
فقمت وَمَا من صاحبٍ أستشسيرُه / أَعَضُّ عَلَى كفي وللسيرِ أُسرع
فلم أرَ من يُسْلى فؤادي من الجَوى / وسرتُ وهمي فَوْقَ مَا أتوقع
وجئت إِلَى دارٍ تَداعَى جدارُها / ينوحُ عَلَيْهَا البومُ والأرضُ بَلْقَع
تَساقط أَعلاها بأَدْنَى أساسِها / إِذَا ما رآها الطرفُ فالقلب يَهْلع
كم ذا أُدارِي الهوى والنفسُ فِي تلفِ
كم ذا أُدارِي الهوى والنفسُ فِي تلفِ / أُبيت بَيْنَ الأسى والسُّهد واللّهَفِ
ما زلت أرجو وفاءً من عهودِهِمُ / مَا أَقْتلَ الحبَّ مَا لَمْ بالوصال يَفي
جاروا بصدِّهِمُ والجورُ شِيمتُهم / للهِ من حاكمٍ بالصدِّ والجَنَف
تملَّكوا بالهوى قلبي فمذ مَلَكوا / لَمْ يحكموا بسوى الهجرانِ والعَنَف
من لي بهم سادةً بالقَصْد قربُهمُ / لكن يبعدهمُ يقضون بالسَّرَف
همُ أيقظوا فكرتي بالوصلِ فانتبهتْ / حَتَّى دَنَتْ بالوفا قالوا لَهَا انصرِفي
قَدْ فَجَّروا عينَ دمعي من تَباعُدهم / وأَوْفدوا جمراتِ الشوقِ من كَلفي
فاعجبْ لدمعٍ جرى من مُقلةٍ وبها / نارانِ من كَبدٍ حَرّاً ومن شَغَف
أبحْتُهم مهجتي والقلبُ مسكنُهم / ففاز عندهمُ الأضداد بالزَّلَفِ
أحبابَنا رحمةً بالصبِّ ذي وَلهٍ / بزَورَةٍ فعسى تَشفيه من دَنَف
مُعذَّبٌ لعبتْ أيدي الغرام بِهِ / بهمة الهجرِ لعْبَ الريحِ بالسَّعَفِ
تِرْياقُه وصلُكم تُسعفون بِهِ / لَوْ انه بسواكم يشتفي لَشُفي
عانٍ برقْبَته غِلُّ الهوى كمْدَاً / أَنَّى يُفَكُّ أسيرُ الحبِّ من أَسَف
ما أجملَ الصبرَ إِن بالوصلِ قَدْ بخلوا / لكنما الصبرُ من قلبِ المَشوق نُفي
فَوَّقتمُ من نِصال الهجرِ نَبْلَكُمُ / فما لَهَا غيرَ قلبِ الصَّبِّ من هدف
تجري بيَ الريحُ فِي بحرِ الهوى عَسَفاً / إن الهوى قَدْ يجرُّ المرء بالعَنَف
مَا للمُحبِّ وللأيام تُبعِده / إن الحفاءَ لمَودِي الصبِّ للتلف
ما أغدرَ الدهرَ والإنسانُ يطلبه / لَوْ قيل قِفْ عن هواه قط لَمْ يَقف
فالنفسُ بالطبع تسعَى فِي مَضرَّتها / كَأَنَّما خُلِق الإِنسان من جَنَف
كم ذا أخوضُ غمارَ الدهرِ من قلق / فلم أجد ساعةًٍ تخلو من الكُلَف
ويحَ الزمانِ الَّذِي كنا نُؤمِّله / أن يمنحَ الدُّر حَتَّى عَزَّ بالصَّدَف
أَنفقتُه عنفوانَ العمرِ محتسباً / أَنِّي أحلُّ أوانَ الشيبِ فِي غُرَف
جاريتُه مسرِعاً للوصل أرقبُه / فظلّ يمشي الهُوَيْنَا مِشْيَةَ الدَّلِف
عُدْ بالجَفا إِن تَعُد فالصبرُ أجملُ بي / إِن عَزَّ وصلُك مَا أَوْلَى بمُنْصَرَفِ
تَحدو بيَ البِيدَ لا داءٌ فيوهنُها / تُدافع السير بالإرقالِ والوَجَفِ
تَخْطو بِمَنْسِمها فَوْقَ الكَلا وبها / من لاعج الشوقِ مَا أَلَهَى عن العَلَفِ
قَدْ شاقها شَغَفاً مَا شاق راكبَها / تُواصل السيرَ بالنوار والسُّدَفِ
مَا آدَها كُللٌ ثِقْلاً بمن حَملتْ / تَطير بالرَّكْبِ إقداماً إِلَى النَّجَفِ
شددتُ أَكوارَها بالعزم فانبعثتْ / تجرِي بَوْعَساءَ جرياً غير مُنعسِف
حَتَّى إذَا رَمَقت بالبعد عن شَزَر / والخفُّ بالسير يُدمِي صفحة الكَتِف
نَهْنَهْتُها إِذ رأت دوح العُلى بَسَقت / أغصانُها قَدْ زَهتْ فِي روضةٍ أُنُف
تَداخلَتْ ترتمي بالمشي من عَنَق / فقلتُ هَذَا الجَنَى بُشراكِ فاقتطِفي
قالت إِلَى مَنْهَلٍ تَرْوَى العِطاشُ بِهِ / فقلت بالملكِ الميمونِ واكْتَنِفي
أبي سعيدٍ لَهُ كَنَفٌ يُلاد بِهِ / من كل طارفةٍ ناهيكَ من كَنَف
إِلَى ابن فيصلَ قلبِ الملكَ جَوهرِه / تيمورَ غصن العُلى جرثومةِ الشَّرف
تَدَّفقتْ زاخراتُ الجودِ من يده / فلا ترى من نداه غيرَ مغترِف
كَأَنَّما الدُّر والإبْريز شانَهما / بكفه خِسَّةٌ أَدْنَى من الخَزَفِ
لا أَكذِب اللهَ مَا فِي الأرض من ملكٍ / إِلاَّ وعن جودِه بالعجز معترِف
أُجِلُّه شَرفاً من أنْ أُمثِّله / بخاتم أَوْ بمَعْن أَوْ أبى دُلَف
يَسْخُو فيَفْضح من بالجود مُتَّصفاً / فلو رأتْ كفَّه الأنواءُ لَمْ تكِف
بدرٌ بطَلْعته الأيامُ مشرقةٌ / لكنه قَدْ خلا من خطة الكَلَف
لم يَسْتَجِر من صروفٍ ذو مَلَقٍ / يوماً بذِمَّته إِلاَّ وقيل كُفِي
ينسى المكارهَ من قَدْ حَلَّ ساحَته / وراحةُ النفسِ تُنْسِي شدة الطخفِ
قَدْ كَانَ فِي عالم التكوينِ منطوِياً / فِي صُلبِ أحمدَ سِرّاً غيرَ منكشِف
حَتَّى تَمهَّد عرش الملك مستوياً / علا بكرسيه المحفوف بالطُّرَفِ
قَدْ أبرزَ اللهُ للدنيا حقيقتَه / أن كَانَ بالدِّين صَدْعٌ غيرُ مؤتلِف
خليفةٌ ألقتِ الأيامُ أَزْمتَها / بكفه فانبرتْ محفوظةَ الطَّرف
تقلد الملكُ سيفاً كي يذودَ بِهِ / أن يستبيحَ حِمى الإسلام ذو سَخَف
فلم يزل منهجُ الإسلام يرقبُه / فانهجْ لنُصْرته يَا خيرَ منتصِف
إِن الإله قَدْ اسْتَرْعاكَ أَمّتَه / فاحفظْ كَلاءتها صَوْناً من العَجَف
خليفةَ اللهِ إن اللهُ أَهَّلكم / للأمرِ والنهيِ تحيا سنةُ السَّلَفِ
إِن الحياةَ بنشرِ العدل مَنْعَمَةٌ / بعيش صاحبها فِي غاية التَّرف
يقوم بالعز راقٍ فِي أَسِرَّته / مُنعَّماً فِي قصور المجد والشرفِ
أسلافُكم فَخَرت كلُّ الملوك بِهِم / لكنما الفخرُ كلًّ الفخرِ للخَلَف
أئمةٌ وملوكٌ كالنجوم بهم / قَدْ يهتدي الأَكْمَةَ السارون بالعَسَف
كم حومةٍ فِي الوَغى خاضَ مَعامِعها / لَمْ يرجعوا أَوْ يغني السيفُ فِي القَحَفِ
خُطَّتْ مكارمُهم تُتْلَى مُحبَّرة / فِي جبهةِ الدهر لا تُنْسَى مع الصُّحُفِ
كسوتُهم شرفاً إِذ فيك قَدْ جُمِعوا / فاللهُ يَجْمع فِي فردٍ من الأُلُفِ
جاءتك مسرعةً عَلَى عَجَلٍ / فقُم بِهَا مسرِعاً فاحْرِم بِهَا وطُفِ
خلافةٌ بكمُ فَوْقَ السُّها رَتَعت / فاحفظْ دعائمَها من نهضة السُّفُفِ
عانقتُها ورسيسُ الشوقِ يُلزِمها / لَمْ تَقلتْ كعِناقِ اللام للألِف
أنت الكفيلُ لَهَا مَا إِن لَهَا وَزَرٌ / فمن يكنْ بحِماك الدهرَ لَمْ يَخَفِ
إِن الزمان لَسيفٌ أنت قائمُه / مُحكَّم فِي القَضا مَا شئتَ فانتصِفِ
قُلِّدتَه نُصرةً للدين منصلِتاً / لضربةٍ تترك الأعداءَ كالنُّدَفِ
تصون بالجِدِّ وجهَ المجد محتفِظاً / كما تصون وجوهَ العِزِّ والشرف
إذَا وعدتْني زورةً رقصتْ لَهَا
إذَا وعدتْني زورةً رقصتْ لَهَا / جوانحُ قلبي فرحةً وتَلطُّفا
أُحس بزأزاءِ الحَوايا كَأَنَّما / بقلبيَ إِلاَّ سلكُ دَقُا تَرادَفَا
عَلَى أن بالرُّوحين روحِي وروحِها / لدى العالم المَخْفيِّ قِدْاً تَعارُفا
هنالك من علم المَشيئة عالَمٌ / لأرواحنا يلقى عليها التآلُفا
جنودٌ عَلَى بحر الأثير تَزاحمتْ / تعوم بأقطارِ الفضاءِ تكاثُفا
لهن بطَيّات الغُيوبِ شَواهدٌ / وَلَيْسَ لنا علمٌ سوى الوهمِ كاشِفا
وَمَا نحن إِلاَّ كالخيالِ وإننا / نعيش أضغاثِ تُلِمّ هَواتفا
تُرينا عيونُ الوهم أنا حقائقٌ / فنُجْهد فِي الدنيا نَلثمّ السَّفاسِفا
نظل عَلَى ظهر التطور دُلَّها / حَيارى كأَنْضاءِ يَخِدنَ النَّفنِفا
كَأَنَّا هَباءٌ قَدْ تَقَلَّص ظِلُّهُ / يهبّ عَلَيْهِ السافَياتُ عواصفا
خُلقنا وكنا فِي الحياةِ كلَم نكن / كآلٍ بقَفر غَرَّ بالشَّرب غارفا
أُزَخّار بحرِ بالأثير عُبابُه / يسيل بتيار العجائبِ جارفا
خفيتَ وَلَمْ تخفَى شِياتُك عندنا / إذَا نحن بالطيّار طِرْفاً زَعانفا
وكم لَكَ برهانٌ تُرينا عُجابَه / بأن من الجبار فيك لَطائفا
تَحيَّرتَ عن كونِ الكثيفِ لطافةً / فظلتْ بك الجرامُ تجري تخالُفا
تعيش وتَحْيى فِي فضاكَ وَمَا لَهَا / سوى خالقٍ الأكوان للضُّرِّ كاشِفا
فهل فيك للأرواح حين تألفتْ / نَوادٍ بِهَا الأرواحُ تأتي طوائِفا
فيألفُ ممشوقٌ هناك بعاشقٍ / فيُشْعِرنا الوجدانُ مَا كَانَ آنفا
لذاك ترى الرُّوحَين مَهْمَا تلاقتا / بقلبٍ يَخال القلبُ قِدماً تَعارَفا
فلا شكَّ تأثيرُ التعارفِ أنه / تَسْلَسل عن عهدِ التآلفِ سالفا
فهل تسمح الأيامُ كونَ خيالِنا / بمَخفيِّ هاتيك الحقائق عارِفا
وتعلم سراً بالأثير مُحققاً / نخوض مع الأرواح فِيهِ زعانفا
للكونِ من بحرِ السرورِ تَدفُّقُ
للكونِ من بحرِ السرورِ تَدفُّقُ / منه تُعَلُّ الكائناتُ وتُغْبَقُ
سَفرتْ بِهِ الأيامُ فهْي بَواسمٌ / والدهرُ يَبْسم بالسرورِ ويَنْطِق
والأفقُ أشرق ضاحكاً متهلِّلاً / وعيونُ أشخاص الدَّراري تَرْمق
والأرضُ من فرحِ البشائر تنثني / ويدُ الليالي بالهناءِ تُصفِّقُ
تتدفق الأفراحُ فِي عَرصاتها / فكأنما عرصاتُ مَسْقَط زِئْبَقُ
نَشر الجمالُ عَلَى شوارع مسقط / حُللاً يُحاك بِهَا الجُلال ويُنْسَق
وتَطوَّقت أجيادُها حَلَق البَها / وعلتْ بنورِ الملكِ مَجْداً تَخْفق
وتَسربلتْ بالعز بعد تَطوُّقٍ / وكذاك من يكن العزيزَ يطوَّقُ
لبست نِطاقَ الفخرِ بعد بلوغها / والخَودُ بعد بلوغها تَتَمَنْطق
في كل حصنٍ من حِماها فَيْلَقٌ / من عسكرٍ يهوَى القتالَ ويعشقُ
مُتسربل بالمُحرِقاتِ مُدجَّج / بالبُندقات فنصرُه متحقِّقُ
قد ثُقِّفوا للحربِ تثقيفَ الظُّبا / وبفنِّ قانونِ الحروب تَدفَّقوا
أبناءُ جِلدةِ مسقطٍ فهمُ بِهَا / كالأُفعوانِ بسورِها قَدْ أَحْدَقوا
فغدتْ تَتيه من الدلالِ كَأَنَّها / رمحٌ بكفِّ أبي سعيد يَرْشُقُ
خُلقت لَهُ فأتتْ تُزَفُّ بفرشها / وبعرشها كرسي الخلافةِ مُحدِق
تختالُ تِيهاً بالجَلال وغصنُها / يُسقَى بماءِ المجد ثُمَّتْ يورِق
ملك تأَهَّلَ للخلافةِ وهْو فِي / سِرِّ المشيئة بالتكوُّن أَسْبَق
برزتْ حقيقتُه فصار بعرشها / نوراً بِهِ وجه الحَنادِسِ يُشرِقُ
بسمت بِهِ الأيامُ وهْي عَوابِس / فتكاد من ماء التبسُّم تُشرِقُ
ما حل عرش الملك إِلاَّ وانثنتْ / تعلو بِهِ رُتَبُ العلى وتُحلِّقُ
مُتهلِّل يَعْلوه سيفُ مَهابةٍ / فإذا بدَا بَداك وجهٌ أَطْلَق
وإِذا المكارمُ للملوك تَعدَّدت / عُدّت إِلَيْهِ مكارمٌ ولا تُلْحَق
أَنْدَى من المطرِ المُلثِّ سَخاؤُه / فعلى الخَلائق دائماً يتدفق
صعبُ المِراسِ أفكارُه / حُرِمت بِهِ قومٌ وقومٌ يُرزَقوا
سيف نَضتْه يدُ الزمانِ وإنه / لأعزُّ سيفٍ للزمانِ وأصْدق
لو أن مَا فِي الكون حَلَّ بكفه / أَفْناء فِي يومٍ عَلَى من يُنفِق
أضحتْ يداك أبا سعيد للورى / غيثَ العُفاةِ وغَوْثَ عانٍ يَطْرق
بدرٌ أضاء بك الزمانُ وأشرقتْ / حُلَل الليالي من شَذائِك تَعْبَقُ
فلْيَهْنأ الكرسيُّ والعرشُ الَّذِي / يَرْقَى عَلَيْهِ سَناؤُك المُتألِّقُ
حَمل الخلافةَ وهي هيكلُك الَّذِي / لولاك لَمْ تكن الخلافةُ تُخْلَق
ثِبْ للعُلى فَلأنت بدرُ كمالِها / واستعبِدِ الأرواحَ إنك مُعتِقُ
قد حَكَّمتْك مَشِيئةٌ لَمْ يَثْنِها / كيدُ الزمان ولا حسودٌ أحمق
فطلعتَ شمساً يستمدّ بنورِها / قمرٌ بِهِ ثوبُ الضلالِ يُمزِّقُ
فِي كل يومٍ منك بِظَهْر للورى / تأييدُ أمرٍ من ذكائِك يُفْرَق
أعلنتَ مولدَ خيرِ من وَطِئَ الثَّرَى / طلباً لرسم حقيقةٍ لا تُمْحَقُ
أظهرتَ فِيهِ للنبي مَشاعِراً / بظهورِها أنت الحَرِيُّ الأَخْلَق
شَكَّلت أنواعَ السرور بهيئةٍ / طَفقت لَهَا الأبصارُ دهراً تُحْدِق
وفتحتَ أبوابَ المكارِم للورى / نِعَماً بطولِ الدهرِ ليست تَخْلق
أطلقتَ أفواهَ المَدافع مُعلِناً / بالطَّلْقِ للمولودِ حيناً يُخْلق
كُتبتْ برسمِك خطةٌ تُتْلَى عَلَى / حِقَب الزمانِ جديدةً لا تَخْلق
في كل فعلٍ جاء نَسْقَ صنيعِها / فله بفضلك شاهدٌ وتَعَلٌّق
إن المكارمَ من صفاتِك كلَّها / خُلْقٌ وإِن لِمن سواك تَخَلُّق
فاقصِدْ بسيرِك أن تَقُدها جُفَّلاً / فالقصدُ إن يكُ بالديانَةِ أليَق
قِيدتْ إِلَيْكَ فسِرْ بِهَا محفولةً / ماءَ العدالةِ إِنّ عدلَك مُغرِق
حُمِّلتَها فارْفُقْ فتلك أمانةٌ / عَلِم الإله لَهَا بأنك أَرْفَق
واسلكْ بِهَا سُبلَ الهُداةِ فإنها / سبل إِلَى نَهْجِ المكارم تُلْحِق
وتَرشَّحتْ وصلاً إِلَيْكَ فهالَها / إِن كنت مُشتاقاً فها هي أَشْوَق
جاءتْ إِلَيْكَ إراثةً بُلِّغتَها / من سادةٍ مثلِ الكواكب تُنْسَقُ
زرعوا بقولَ المجدِ فِي فَلَكِ السًّما / وسَقَوهُ من بحرِ المَجَرّةِ فارتَقُوا
مُتسلسلينَ إِلَى العُلى يَرِثونها / إِن المعالي بالإراثة أعْرَقُ
إن غابَ بدرٌ فِي سماءِ سُعودِه / طلع الهلالُ بأُفْقِ سعدٍ يَبْرَق
فهمُ الأئمةُ والملوكُ بأُقْرَةٍ / فمُقيَّدُ بهمُ وفيهم مُطْلَق
أحسنتَ من دهرٍ وفَى لي وعدُه / إني بعهدِك يَا زمانُ لَمُوثَق
غَرض تَلَجْلج فكرتي ببُروزه / فبذا وعيني بالدموع تَرَقْرق
حزناً عَلَى بدرٍ تَغَّب شخصُه / ومَسَّرةً ببروز بدرٍ يُشرق
مَا غاب من يَكُ مثلُ تيمورٍ لَهُ / خَلَفاً وهذا للشدائد أَحْنَق
قَدْ طالما شدت عزائمُ همتي / تَخْدو وتذمل لي النِّياق وتَعْتِق
حَتَّى وصلتُ مَرابعَ الفضلِ الَّذِي / أعتز إِلَيْهِ فقلت يَا ركبُ ارْفُقوا
هَذَا الَّذِي وَخَدَ المَطيُّ لبابِه / وإليه حَجَّ المُعْتَفون وأَحْلَقوا
من كنت أرجو أن تُرَدَّ شَبِيبَتي / بزمانه والغصنُ مني يُورِقُ
فإليك يَا عَلَمَ الهدى قَدْ أَرْقلتْ / حُمْر النِّياق وكلُّ فحلٍ أورق
برزتْ إِلَيْكَ من الخِبا محصورةً / خجلاً يُكلِّلُها الحَياء ويَخْنق
فطفقتُ أَعِتيها فقالت إن ذا / جهدي وَمَا قَدْ أستطيع فأُنفقُ
كلُّ الوجوهِ إِذَا رأيت يَعوقني / قَدْ حال بيني والمدائح خَنْدق
لكنّ مدح أبي سعيد واجبٌ / فرضٌ عَلي بذمتي مُتعلِّق
أنت الكفيلُ فَدُمْ كذاك مؤمِّلاً / مَا زلتَ تفتق بالزمان وَتَرْتُق
هَوِّنْ عَلَيْكَ فليس فَوْقَك مَرْقَى
هَوِّنْ عَلَيْكَ فليس فَوْقَك مَرْقَى / نلتَ السماءَ فأين تَقْصِد تَرْقَى
حَفَّت عَلَيْكَ من السماء غمامةٌ / فارْبَأْ بنفسك عَلَّ يومك تُسقَى
وإِذا سقتْك غمامةٌ من دونِها / قومٌ ترى قَدْحَ السَّنابِك برقا
خاضت جيادُك بالمَجرة أَبْحُراً / حَتَّى غدت بَيْنَ المجرة غرقى
خيمتَ تَحْتَ سماء ربِّك راقياً / يكفيك من شرفٍ لجاهك أَبْقى
إن الملائكَ يحسبونك زُرْتهم / إذ صرت تخترق السحائبَ خَرْقا
هِممٌ تُريك النجمَ تحتك منزلاً / والشمسَ أدنى من جِيادِك سَبْقَا
ما سار سيرَك ذو السيادة تُبَّعٌ / أبداً ولا كِسْرَى المُملَّك أَتْقى
فأتيتَ تخترِق السحائب بعد مَا / شَقَّت سَوابِقُك المَهامهَ شقا
سافرتَ تنتهِب الفَدافد طالباً / رَخَيوتَ إِذ طارت لوصلك شوقا
فطفقتَ تقطع وَعْرها وسهولها / تعلو السما غرباً وتَنْزل شرقا
فبعَوقد عَقد الكَتائبُ قَسْطلاً / سُحباً نَصَبْن إِلَى الكواكب طُرْفا
فظَللت فِيهَا سائراً والرَّكْبُ فِي / أثر الصَّواهِل يَقْتَفُونَك عَنْقا
حَتَّى إِذَا برد النهار وأطرقت / شمسُ الظهيرة للتغيُّب طرقا
ألقَيتَ رَحْلَك للمبيتِ وطُنِّبتْ / خِيَمٌ حَدَقْن بِهَا المكارمُ حَدْقا
بتنا بمفتلكوتَ تَعْلك خيلُنا / لُجُماً ويَسْحقن الحجارةَ سحقا
والقومُ بالتكبير تُعلِن والظُّبا / مسلولةٌ والركبُ يَحْنَق حَنْقا
ودنا الصباحُ فهبَّت الرُّكْبانُ من / وَهَدٍ تسير عَلَى الرّكائب عَنْقا
فأَقَلْت بالمغسيل يَنْبِط ماءها / كالبحرِ يَدْفق بالأباطحِ دَفقا
فأقَمت فَرْضَ الظُّهْرِ ثُمَّ رَحلتها / كالطيرِ تعتنق الفَدافد عنْقا
فبدوتَ من جمجومَ تسمو صادِراً / درجاتِها أُفْقاً وتقطع أُفْقا
فترى المُقدَّم كالخيال بكفِّه / ينتاش من عين الحَميئةِ وَدْقا
فنزلتَ فِيهَا والنفوسُ زَواهقٌ / يخشون من وَطْءِ الركائب زَلْقا
تنحطُّ من فَلك السماءِ كَأَنَّها / شُهُب تَخِرُّ من الكواكب صَعْقا
فنصبتَ فِي وادي عقولَ مُخيَّماً / كالسُّحْب أبيضَ مَا يكون وأنقى
ثُمَّ ابتدرتَ من الصباح مُيمِّماً / قيشانَ أقربَ للنجوم وأرقى
فعلَوتَها والشمسُ تَرْمق عينُها / فرأتْك أعظمَ فِي المكارم خَلْقا
فسموتَ ذروتَها لتنتاش السُّها / والقومُ قَدْ مَلأوا بفخرِك شدْقا
فحَدرتَ منها والسماءُ بغبطةٍ / والجنُّ من فرحٍ تُصفق صَفْقا
لما رأتْكَ تحثُّ رَكْبَك نحوها / وتَؤُمُّ من أُرضِ التَّهائمِ عُمقا
ظنتْك من طربٍ تؤم رِحاتها / فتنالُ من أَسرِ التَّملُّك عِتْقا
فغدتْ بك الخيلُ الجياد عَواصِفاً / كالريحِ تَخفِق فِي السَّباسب خَفْقا
فأرحتَ عِيسَك بالصبارة تبتغي / ترويحَ قومٍ أُرهِقوا بك رَهْقا
فأطرتها رَهَجاً تُحلِّق فِي الهوى / تبغي مداحق للمبيت مُحِقّا
فحللتَها كالبدرِ فِي مَلَكوته / دارتْ عَلَيْكَ عيونُ جندِك زُرْقا
فقصدتَ مجد وروت تَرْهَق ظلَّها / كيما تُقيلَ بِهَا وتَرْتُقَ فَتقا
شاهدتَ بعد العصر أُفْقَ مَشاهدٍ / فأدرتَ عزمك أن تُيمم شقا
فأَنخْتها قُلُصاً حَنايا طُلَّحاً / مثلَ القِسِي سودَ الحَدائق وُرْقا
تَتخلَّل الغِيطانَ بَيْنَ حدائقٍ / يَمْرُقن فِي ضِيقِ المَسالك مَرْقَا
ثُمَّ انطلقتَ وأنت تَسمُك صاعداً / فِي عَقْبة القمر المُنيفة طَلْقا
نافتْ عَلَى سَمْكِ السحابِ ترفُّعاً / ورستْ بقاعِ الأرضِ تنزل عُمْقا
للهِ دارٌ بالسُّعودِ نزلتَها / زادتْ بوصلك فِي البرية وَمْقا
حَيَّتك لما أن نزلتَ بسُوحِها / رخيوتُ والتزمتْ لملكك رِقا
لَمْ يبقَ من فخرِ الكرامِ بقيةٌ / إِلاَّ ونِسْبَتُها لفخرِك صِدقا
فلْيفخرِ القطرُ الَّذِي بك فخرُه / إذ بالقِيادِ لطوعِ كَفِّك أَلقَى
إن طاوَلتْك ملوكُ عصرِك رفعةً / يَا ابنَ الملوكِ فأنت أطولُ عُنْقا
طِيبِي ظفار فذا أَوانُك فافْخري / بأبي سعيدٍ إن فخرَك أَبقى
قامت سُعودُك فاستقيمي للعلى / فيدُ المليك تجسُّ هامَك رِفْقا
ثُمَّ استضيفي من يديه فإنه / أَوْفَى البرية فِي العطية رِزقا
وإليك يَا ابن الأكرمين قلائداً / يَفْلُقْن هاماتِ المَدائح فَلْقا
قَلدن جِيدَ الدهرِ منك مَفاخراً / طارتْ بِهَا فَوْقَ الكواكب عَنْقا
أرسلتُها بيضاءَ تسحر للنُّهى / حَدقت إِلَى غُرر المَفاخر حَدْقا
في القِعدة الشهرِ الحرامِ تَشرَّفت / رخيوت إذ رَسخت بوصلك عِرْقا
أرختُ إذ بظفار قام بعدلِه / ملكٌ ولي وفرُ المحاسنِ خَلْقا
أَبيتُ وقلبي بالفراقِ تَحرَّقا
أَبيتُ وقلبي بالفراقِ تَحرَّقا / وجسمي بيومِ البينِ أضحى مُمزَّقا
فلا يجعلِ الرحمنُ ذا العهدَ آخِرا / ففيكِ فؤادي يَا ظفار تَعلَّقا
سقتكِ شآبيب السحائب بعدَنا / وأَدْنَى الليالي يَا ظفار بك اللِّقا
فلا ربحتْ يومُ الفراقِ لقد دعتْ / ولا زال روحُ الحب فيك مُعلَّقا
ولا زالتِ الآمالُ فيكِ منوطةً / ودهرُ الأماني بالرجوع مُمنطَقا
تفارقكِ الأشباحُ منا وإنما / تركنا نفوساً لا تريد التقرُّقا
فيا دهرُ عَجِّل بالتراجع بَيْنَنا / فإنك للرُّجْعى مُعِيناً ومُشفِقا
هَمِّي أتى من هِمَمِي
هَمِّي أتى من هِمَمِي / وصحتي من سَقَمِي
من عِلَّة البدءِ أنا / فِي علةٍ من هَرَمي
أفضِي حياتي تَعِساً / مذ كنتُ طَيَّ الرَّحِم
مُنغَّصاً فِي عيشةٍ / وإِن تكن كالدِّيَم
أسعَى ضَئيلاً مثلَما / يسعى بكفِّي قلمي
أودُّ أني لَمْ أكن / لكنّ سهمي قَدْ رُمي
فها وجودي عدمٌ / ليت وجودي عدمي
فإن أَعِشْ دهراً فطو / لُ العيشِ أدنَى الحُلُم
مَا ذقتُ أشهى مَطْعماً / إِلاَّ كصابٍ عَلْقم
إن أشْتهيها نِعَماً / من مَلْبَس أَوْ مَطعم
تَكدَّرت لداتُها / من السؤال الأعظم
رَبَّاه مَا أغناك عن / وجدان عبدٍ مجرِم
كم نعمةٍ أَوْليتَه / فذو الحِجَا لَوْ يَنْعَم
يرمي بطرفٍ دونَه / مَرْمَى شهابِ الأَنجُم
فلم يزل مُنغَّصاً / بعقلهِ المحتدِم
رُحماك ربي إنني / فِي بحر فكرٍ مُفْعَم
تحيط بي أمواجُه / فلك أكد أن أَسْلَم
ربَّاه إني بالحِمى / أرعى مَراعيَ الغَنم
أَهيم لا أدري بما / يضمّ كفي أَوْ فمي
يغيبُ عن فكريَ مَا / يَنطِق عنه كَلِمي
عجائبُ الكونِ لَهَا / تجري دموعي بدمِي
في كل آنٍ كم لَهَا / تطورٌ لَمْ يُحْسَم
صار خيالي غَرضاً / ترميه كلُّ الأَسهُمِ
إذَا أتيت حَرَماً / أتى الأسى من حَرَم
كَأَنَّ قلبي فِي فضا ال / أفكارِ سيراً يرتمي
يَطير فِي أفكاره / طَيْرانَ أُم قَشْعَمِ
ربَّاه إني لَمْ أزل / عن كل مَا يأتي عَمِي
تطير نفسي شَرراً / إذَا ذكرتُ مَأْثَمِي
ونادبُ البينِ يصي / ح نادِباً فِي مَأْتمي
رُحماك ربي إن أكن / فِي حالِ موتٍ مؤلم
يبكون حولي وأنا / فِي حالةٍ لَمْ تُعلَم
تنزِع نفسي مُكرَهاً / وقبلَ ذا لَمْ تُسَم
فيا لَهَا من جُرعةٍ / يَغَذُّ منها غَلْصَمي
هناك يبدو مَا خَفِي / من حَسَن أَوْ جُرُم
هناك يبدو ندمي / من حَيْثُ لاتَ مَنْدَم
حَتَّى أُدَسَّ صاغِراً / فِي جَدثٍ مُلتئمِ
يضمُّني ملتزِماً / ضماً يدق أعظُمي
يا وحشتي فِي مسكنٍ / يطول فِيهِ مَجْثمي
مَاذَا يكون بعد ذا / رَبَّاه من تيمُّمي
يطوف بي مُطهَّمٌ / يمرق مثل الزَّلم
يقوده مَلائِكٌ / يَسْعَون مثلَ الخدم
حَتَّى أُوافِي جنة / محفوفة بالنِّعم
أبقَى بِهَا مخلَّداً / عَلَى صفوفِ الكَرم
أو للشفا يَدُعُّني / موكَّلٌ بالحَطَم
يجرني قَهْراً إِلَى / دارِ الشقا جهنم
رباه جسمي لَمْ يُطِق / عَلَى مَسيس الضَّرم
هناك ربي لَمْ يكن / غيرَ الرجا مُعتصَمي
فارحمْ إلهي شَيْبَتي / فالويلُ إن لَمْ تَرْحم
بلَوْتَني مختبِراً / فلم أكن أن أَحتمي
فاصفحْ إلهي عن فتى / من الأسى لَمْ يَنَم
يطوِي الدَّياجي عِبَراً / تسيل مثلَ العَنْدم
رباه إن تغفرْ فما / أحلاهُ من مُقدَّم
وإِن تعاقبْني فوي / لي دائماً وانَدَمي
فاجعلْ رجائي شافعاً / عن زَلّةٍ بالقَدَمِ
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ / وانزلْ برَجْلِك دونَ الروض والخِيَمِ
واربعْ بنا واقصُرِ الأقدامَ من حَذَر / فالمرءُ قَدْ يحذر الزَّلاّتِ بالقدم
وانزلْ بنا طرقاً دون الحِمى ومتى / تأمنْ فدونَك ركنَ الحيِّ فالتزِم
واقصدْ هنالك بابَ الجود مُلتزِماً / وابسُطْ يديك عَلَى أعتابِه وقُم
واسبِلْ رداءَ الحيا واشددْ يديك عَلَى / خُفوقِ قلبِك إن الحيَّ ذو حَشَمِ
وانثرْ بِهِ دُرَّ لفظٍ منك منتظِماً / فالبحرُ يقذف دراً غيرَ منتظِم
ثُمَّ التقط نثر جودٍ نظمُه ذهبٌ / من كف تيمورَ يَكْفِي عِلَّةَ العَدم
شِبْلٌ تَسَلْسل من آسادِ سلطنةٍ / عظيمُ مرتبةٍ من سادةٍ بهُمِ
قَدْ ماز بالحلمِ عن أقرانِه وكذا / حاز المكارمَ طِفلاً غير مُحتلِم
قومٌ لهم بِفنونِ الملكِ معرفةٌ / مأخوذةٌ من سطور اللَّوح والقَلم
تَوارَثوا الملكَ من آبائهم قِدَماً / فأَعظِمْ بِهِ من تُراثٍ نِيلَ من قِدَم
كم صفحةٍ بطُروس المجدِ قَدْ كتبوا / بالسيف والرمح من أعدائهم بدم
وكم وكم لهمُ من خطة شهدت / أن الملوك همُ والناس كالخدم
لقد بنَوا بسيوف الهندِ بيت عُلى / كما بنى منزلاً تيمور ذو العِظَم
تناولتْ كفُّه كفَّ السحاب فما / أَعلاهُ من منزلٍ نال السما بفم
بناه للضيفِ والملهوفِ إِن طَرَقا / كَهْفاً وكَنْفاً فلم يَسْغَب وَلَمْ يَضِم
أَكرِمْ بِهِ منزلاً تَأوِي العُفاةَ بِهِ / يبقى عَلَى الدهر عالٍ غيرَ منهدمِ
وَلَمْ يزل واكفُ الأنواءِ يُمطِره / والأرضُ تنبت بالنسرين والعَتم
تبكي السماءُ عَلَيْهَا وهْي ضاحكةٌ / فاعْجَبْ عَلَى ضاحكٍ يبكي لمبتسِم
والورد أكمامُه بالروضِ قَدْ فُتحت / بكف سَحْسيحَ يبري القلب من ألم
والطَّلحُ يبسط نحوَ الزهرِ ساعدَه / يشير بالكف أن الوردَ من خدمي
ذَاكَ البنفسجُ والرَّيجانُ بَيْنَهما / تَخاصُمٌ يَنْصِبان الوردَ للحُكُم
والجُلَّنار يقول الزهرُ يشهد لي / بأنني بارِقٌ قَدْ لاح من إِضَم
والياسَمينُ شقيقُ الوردِ يفخر من / حُسن البياضِ يقول الحسنُ من شِيَمي
والروضُ يضحك إِن قام النزاعُ بِهِ / مَا بَيْنَ منتصر فِيهِ ومنهزِم
تطاردت سَطَراً أشجارُهُ وغدتْ / معكوسةً باشتباك الأصل والقمم
من كل فاكهةٍ زوجانِ قَدْ نظِما / بسلكِ روضٍ بديعِ الحسنِ منتظِم
يَحُفّه النهرُ ثَجّاجٌ لَهُ زَجَلٌ / ينهلُّ تيارُه من بحرِه الخَضِم
والطيرُ ترجز بالألحانِ مطرِبةً / يَهيم مَا بَيْنَها الشُّحرور بالنَّغَم
يظل قلبُ الفتى بالشَّجْوِ مُنفطراً / والشيخُ فِي زهدِه يَصْبو إِلَى التُّهَمِ
وقفتُ أسأل رَكْباً بالحِمى نزلوا / والقلبُ من لاعجِ الأشواق فِي ضَرَم
يَا أَيُّهَا الركبُ هل قبلَ النزولِ لكم / من أهل هَذَا الحمى باللهِ من ذِمَمِ
خلفتْمُ مُغْرماً يَقْفُو النِّياق أَلا / تَهْدون صَبّاً بسهمِ المُشكلات رُمي
يهوَى أُهَيْلَ الحمى والحظُّ يُبعِده / والعمرُ قَدْ آن للتَّرحال والهَرم
يؤخر الرَّجْل طَوراً ثُمَّ يُقْدِمها / عَلَى السلوِّ فلم يُقْدِم وَلَمْ يخِم
قضى الحياةَ وحاجاتُ الفؤادِ لَهَا / غُلْيُ المَراجلِ لَمْ تَهْدأ وَلَمْ تَعِم
قَدْ كَانَ والرأسُ كفُّ الليل تَمسحه / فما دَرَى غيرَ كفِّ الصبح باللُّمم
قَدْ هاجَه واجِسٌ ظلتْ هَواجِسُه / تَئِطُّ من باهظِ الإحساس والندم
من لَمْ تُفدِه صروفُ الدهرِ تجربة / فلْيَرْعَ بَيْنَ المَها والشاء والنَّعَم
يا ركبُ مَهْمَا تكن بالحي ذا كَلَفٍ / فنادِه عَلَّه يُبْديك بالكَلِم
وأخبرْه مستفهِماً عني سأَنشُده / عسى يرقُّ لقلب صار كالحِمَم
قَدْ أَوْقد الحبُّ فِي سودائِه لهباً / فناله من صروف الدهرِ والِّلمَم
أقول والقلبُ مني بالحِمى وَلِهٌ / والعين مَهْمَا هَوِيتَ الحيَّ لَمْ تنم
يا منزلاً بالحمى قَدْ شِيد بالهمم / أصبحتَ فِي ذِروة العَلْياء كالعَلم
لا زلتَ فِي أفق الإسعادِ شمسَ ضُحى / تَسْقِيك واقيةُ الرحمنِ بالدِّيَمِ
بنتْك كفُّ العلى والمجدُ ساعدها / صَرْحاً مُمَرَّد للترحيبِ والكرم
فأنت يَا منزلٌ طاب النَّزِيلُ بِهِ / من حل فيك كمن قَدْ حل بالحرَم
يَأْوِيك ذو حاجةٍ عز الزمانُ بِهَا / تَشْفيه من بَهْظة الأيام والسَّقَم
أَنْعِم بِهِ منزلاً جادتْ مَوارِده / يَسْقي العِطاشَ ندى قَدْ شُجَّ من شَبِمِ
حُيِّيتَ من منزلٍ زانتْ ظفارُ بِهِ / يزهو بطَلْعته كالبدر فِي الظُّلَم
وَلَمْ تزل سُحُب وَطْفَاءٌ ماطرةٌ / تسقى حِماك بوَبْلٍ هاطِلٍ رَذِم
سقاكِ والروضَ نَهلاً قَدْ سقيت بِهِ / حَتَّى الخيام ومن بالروض من أُمم
لله من خِيَمٍ شُدَّت فَواصلُها / بعروةِ المجد شدا غير مُنفصِم
يكاد ينطح قرنَ الشمس منكبُها / كَأَنَّها سحبٌ تعلو عَلَى العُصُم
أرستْ سفينُ العلى مذ هَبَّ عاصفُها / بنهرِ أرزات حَيْثُ الجودُ كالدِّيم
فاربعْ بنا يَا أخا الحاجاتِ إِن لنا / بمنزلِ الجودِ أطواراً من النِّعَم
وادعُ الإله عظيمَ المَنِّ مبتهِلاً / أن يحفظ المنزلَ المأنوسَ من نِقَم
يظلُّ بالدهر معموراً بساكنه / بالمجد والجود لا بالضال والسَّلم
أرَّختُه مذ علا بالجو مرتفِعاً / ينمو علوّاً كمثل النار فِي العَلم
بَرح الخَفاء وزالتِ الأوهامُ
بَرح الخَفاء وزالتِ الأوهامُ / وَعَلَى الهنا تَتبسَّم الأعوامُ
وعَوالمُ الأكوانِ تُعلن بالثَّنا / وَتَخُط من كلماتِها الأَقلامُ
والجنُّ تهتف بالتشكُّر والمَلا / فَرحاً وثغرُ المجتدِي بَسّام
والأرضُ تُضحك والسما تبكي نَدًى / والبحرُ من طربٍ عَراه هُيام
نشوانُ من خمر السرورِ كَأَنَّما / بسروره قدمَته إلمام
يرتاح حَتَّى أنه من موجِه / ضُربت عَلَيْهِ من السحاب خِيام
والقفرُ أصبح بالنبات مُطرَّزاً / فبَنَفسجٌ بمُروجِه وبَشّام
والريحُ تسحبُ بالمروجِ ذيولَها / وبكفها تَتفتح الأكمام
والذئبُ والأَنعامُ تَرْتَع بالفَلا / عُقدت لَهُ والشائمات ذِمام
والسحبُ تُمطر والرياضُ نَوافِح / فكأنما بالمسك فُضَّ خِتام
والشمسُ قَدْ ضحيت لَوافح حَرِّها / وكأنما بالزَّمهرير لِثام
سِيّانِ شأنُك يَا زمانُ وشأن من / سكن الجِنانَ تَساوت الأحكام
وإذا الليالي بالسرور تَواتَرَت / حِجَجاً فكلُّ شهورِهن تَمام
تِيهي ظفار فقدَ شَرُفْتِ كمثلما / تيمورُ قَدْ شَرُفتْ بِهِ الأيام
أصبحت فِي روض السعادة تَرتعِي / والناسُ من أمن المَليك نِيام
والعزُّ فِي مَثْواك أضحى راتعاً / وَعَلَى حصونك تُنشَر الأعلام
أمسيتِ فِي وجه الممالك غُرّةً / وذووك فِي فلك السعود قِيامُ
قَدْ طال مَا كَانَتْ رِكابُك غُفَّلاً / والآنَ فِي كل الأُنوفِ خِطامُ
فألقِ الزِّمامَ بكفِّ أَروعَ باسلٍ / فيممتُه لَكَ حارسٌ وزمام
ثُمَّ اسحبِي ذيلَ الفَخارِ تَبختُراً / فيَحقُّ منك تبخترٌ وغَرامُ
قَدْ كنتِ كالرِّعْدِيدِ مُرتعِدَ القُوى / ينتاشُك الضَّيْوَنُّ والضُّرْغام
حَتَّى أتاكِ أبو سعيدٍ فاستوت / بأمانه الأوهاد والآكام
فاليومَ صرتِ من المَخاوف جَنَّةً / كظِباءِ مكةَ صيدُهن حَرام
فظِباك فِي أنس الكِناسِ أَوانِسٌ / والطيرُ فِي وُكُناتهن نِيامُ
فلْيَهْنَ قطرُك يَا ظفار بمَرْبع / لأبي سعيدٍ طال فِيهِ مُقام
للهِ أنت فلا عَدتْكَ كرامةٌ / إِذ أنت بالملكِ الأمين عِصام
ملكٌ أرقُّ من النسيم خَلائِقاً / وأشد خُلْقاً إِذ يكون خِصام
لا يَحذرنَّ من المخاوفِ جارُه / أبداً وَلَيْسَ أخو الجوار يُضام
أَنْدَى من المطرِ المُلِثِّ نَداؤُه / وأجلُّ مَهْمَا عُدَّت الأوهام
وأحدُّ من نظرِ العليم ذكاؤُه / فتَحار من تخمينِه الأفهام
كم ذا أُعالج فكرتي بمديحه / فيَعُزُّني عن دَرْكه الإقدام
لا زال كَنْفاً للوجود وملجأً / والدهرُ فِي كفيه ثَمَّ حُسام
فمشيتُ أعثر والخمولُ يَصدُّني / علماً بأنّ عَذِيريَ الإحجامُ
فركبت صعباً والسماحةُ عُدَّني / إني عَلَى التقصير لستُ أُلام
فأتيت فِي قَيْد الولاء مهنئاً / عيداً يُجدِّد عهدَه الإسلام
فَلْيَهنأِ العيدُ السعيد تَشرُّفاً / بمليكه ولْيَهنأ الأَقوام
ولْيَهْنَ دهرٌ أنت بدرُ كمالِه / وسديدُ ملكٍ أنت فِيهِ ختام
أَلِيَ بعدَ سكانِ الفؤادِ سكونُ
أَلِيَ بعدَ سكانِ الفؤادِ سكونُ / وعيشي عَقيبَ الظاعنين سُجونُ
أناخوا رِكابَ الشوقِ فَوْقَ مَدَامعي / فثارن ودمعي كالسحاب هَتون
وكنت قَريرَ العينِ والشملُ جامعٌ / فبانوا وقلبي بالفراق يَبينُ
رَعى اللهُ ذَيَّاك التلاقي وجمعُنا / وتَبَّت يدُ التفريق أَيْنَ تكون
لقد كنت قبلَ البين أخشى من النوى / فها أنا فِي قيدِ الفراق رَهين
تناوب أشجاني همومٌ وفرقةٌ / ودهرٌ بتشتيتِ الكرام ضَنين
فدعْني وسفحَ الدمعِ والحزنِ والجَوى / تَبارِيحَ شوقٍ والفراقُ مَنون
لقد حَمَّلوني وِزْرَ مَا لا أُطيقه / فحملي الهوى والبينَ ثَمَّ مُهين
لحا اللهُ يوماً فَرَّق الدهرُ بَيْنَنا / وحَيّا ليالٍ والحبيبُ قَطين
لئن كنت أرجو للتلاقي سُويعةً / ولكنّ قلبي للفراق حزين
فما لي وخلعي يَا رَعى الله سادتي / فأَيّانَ عهدي والحديثُ شُجونُ
أُبدِّد أيامي لجمعي بشَمْلكم / فأَصبحت نِسْياً والعهودُ دُيونُ
فها مُهجتي بَيْنَ الحُمول وديعةً / وجسمي برمح الظاعنين طَعينُ
عَلَى ثَفِنات البين أجثو وإنني / أَحنُّ وهل يَشْفي المحبَّ حنين
مُشتَّتَ أفكارٍ وحقَّ لمن دُهِي / بفرقةِ خِل أن عَراهُ جنون
فلولا رجائي والحظوظُ مَقاسمٌ / لَقُرِّح مني بالبكاءِ جفونُ
ولولا بأشْطانِ الولاءِ تمسكتْ / يميني بتيمورٍ لكنتُ أُبين
ولولاه قَدْ صان المَكارِمَ لَمْ أكن / لحفظِ عهودي بالولاءِ أَصونُ
ولولا شَمولٌ من شمائلِ جودِه / لَفاضت بعينِ المُدقِعين شُجون
ولولا عيونُ الفضلِ تَرْمُق حاجتي / لسالتْ بوادي الفقر وَيْك عيون
تَملَّكَ قَهْراً والمُملَّك قاهرٌ / وَلَمْ يَعْدُ حكمَ العدلِ وهو مَكين
وعَزَّ فلا يدنو لفحشٍ ولا خَنا / ولا ينطِق العوراء وهْو مُبينُ
تسامتْ بِهِ الأيامُ فخراً وسُؤْدداً / وَشدَّت بِهِ الأَزْرَيْنِ وهو أمين
تَحدَّر سرُّ المجدِ فِيهِ تَحفُّظاً / فها هو فِي طَيِّ الحِفاظِ مَصون
فيا بهجةَ الأيامِ أصبحتِ نَيِّراً / وأفْقُ سماءِ الملكِ فيك يَزين
وأضحى لسانُ الكون يَلْهَج شاكراً / عَلَيْكَ وهوُّ الدين فيك حَصين
وأَدْبر شهرُ الصومِ يَبدِي تَولُّهاً / تحييك بالتوديع منه يَمينُ
يعود عَلَيْكَ الدهرُ مَا ذَرَّ شارِق / وَمَا حَنَّ قُمْرِيٌّ وشدَّ ظُعون
وما عاد بالبشرى يُهنِّيك عائداً / زمانٌ بَعوْدِ العيد منك ضَمينُ
فصحتُ وصوتي للرحيل مؤرخاً / بشوال حُلَّت كالسيول شئون
بَيْنَ المَرابعِ لي هوى وشئونُ
بَيْنَ المَرابعِ لي هوى وشئونُ / إن الغرامَ صبابةٌ وشُجونُ
قَسما بكم يَا سادتي وبحبِّكم / مَا خنتُ فِي عهدي ولستُ أخون
إِن تُطلِقُوني فِي الهوى فأنا الَّذِي / يهواكمُ طالتْ عليَّ سُجون
ولئن وَفيتُم بالصدود مَطالبي / بقيتْ عليَّ من الوفاءِ ديون
فهَواي فيكم والفؤادُ ومُهْجتي / كيْفَ الخلاصُ وكلُّهن رُهون
إِن صَدَّكم عني الجَفاء عن الوفا / فأنا الَّذِي فِي الحب لست أخون
ما حُلتُ عن نَهْجِ الهوى لَوْ صَدَّني / عن قَطْعه وَعْرُ الجفا وحُزون
يا سادتي رِقُّوا عليَّ تَعطُّفاً / فالصبرُ صابٌ والعذابُ مُهين
ناديتموني فِي الهوى وقعدتمُ / هَذَا لعمرِي فِي الغرام لَهُون
لا والهوى العُذْرِيّ إني لَمْ اَحُل / لَوْ متّ فيكم فالممات يهون
غَرس الهوى فِي مهجتي زَرْعَ الوفا / فلِذاك عهدي ثابتٌ ومَكين
أَيحول صبٌّ لا يزال مُتيَّماً / بهواكمُ والدمعُ منه هَتون
يُمسي رَقيباً للنجوم مُسامِراً / أبداً ويُصبح لا يكاد يَبينُ
بالليلِ يفترش السُّهاد وإن بدا / وجهُ الصباحِ فللهمومِ قَرين
فإِلَى متى ذا البعدُ يَا لَمودتي / فالهجرُ قتلٌ والبعادُ مَنون
لا ترقُبون لمؤمنٍ إِلاَّ ولا / ذِمَماً ولا عهدُ الغرامِ مَصون
أَثْخَنتموني بالصدودِ وقلتمُ / صبٌّ عَراه من الغرام جنون
أوَ مَا طَعِمتم مَا الهوى وعلمتمُ / أن الهوى مثلَ الجنون فنون
لو ذقتمُ طعم الصَّبابةِ والجوى / لعلمتُم كيْفَ الغرام يكون
آهاً عَلَى زمنِ الوصال فإنه / زمن لَهُ تبكي الدماءَ عيون
يَا دهرًُ مَا لَكَ بالفراقِ مُولَّعاً / نرجو وَفاك وللعهود تخونُ
هل لي بذاك العيشِ عَوْدٌ يا تُرى / أم أنت بالتفريق وَيْك ضَنين
أدباً فليس تدوم منك مودةٌ / إِن الزمان قَلاقِلٌ وشُجون
لا تأتينَّ بحالةٍ محمودةٍ / إِلاَّ ستُعقِبها بما سيَشين
إني سئمتُ من الزمان وأهلِه / مَا فيهمُ من للذِّمام يصون
وخَبرتُ كلَّ العالمين فلم أجد / من فِي الزمان عَلَى الزمان يُعين
فأدرت طَرْفي بالسماء مُفتشاً / أَفلاكها فعسى السماءُ تُبين
فرأيتُ فِي فَلك السعادة طالعاً / تيمورُ من هو للزمان أَمين
قد أعربتْ بالفضلِ أيةُ مجدِه / فلِذا إِلَيْهِ العالَمون تَدين
طلعتْ شموسُ المجدِ فِي هالاتِهِ / فعليه من شمسِ الجلالِ يقين
وترنَّمتْ وُرْقُ المَكارمِ سُجَّعاً / فلهنّ فِيهِ تفنُّن وفنونُ
بزغتْ عَلَى عرش الخلافة شمسُه / ولها إذن قبلَ البزوغِ حنين
يختال دستُ الملكِ منه إِذَا بدا / وتَميد منه أَسِرَّةٌ وحُصون
تَتهلَّل الآفاقُ من بَهَجائه / والدهرُ يَبْسم والعدوُّ حَزون
خُلُق لَهُ مثلُ النسيم إِذَا شَذا / وبحورُ فكرٍ مَا لهنّ سَفين
ملكٌ تشدُّ بِهِ الخلافةُ أَزْرَها / فلها إِلَيْهِ تحنُّن وحنين
قد سُلَّ سيفاً من أبيه مُهنَّداً / يسطو بِهِ وَعَلَى الزمان عَوين
سيفٌ نَضَتْه يدُ الزمانِ غِرارُه / عَضْب وَلَيْسَ المتنُ منه يَلين
فاشددْ بِهِ عَضُدَ الخلافةِ إنه / يَا فيصلٌ رَحْبُ الذراعِ مَتين
فلأَنتَ روحٌ والخلافةُ هيكلٌ / وشِمالك التوفيقُ وهْو يمين
فبه افترِسْ أُسْد البُغاةِ فإنه / أَسَدٌ لَهُ النصرُ المُبين عَرين
للهِ من أصلٍ تَفَرَّعَ فيكمُ / مُدَّت إِلَى العَلياء منه غصون
من آل أحمدَ للمكارم والندى / وُلِدوا فنِعْم عناصرٌ وبطونُ
ولَنِعْم مولودٌ ونِعْم بوالدٍ / فكلاهما للمَكرمات خَدين
دُوما مَلاذاً للأَنام وملجأً / مَا بالزمانِ تَحرُّك وسكون

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025