المجموع : 139
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ / فهل لقربٍ منهمُ موعدُ
هيهاتَ لا قربُهمُ يُرتَجى / ولا غرامي بهمُ يَنْفَدُ
ولا دموعي بعدَ توديعِهم / تَرْقا ولا نارُ الهوى تَبرُدُ
نأوا فلا الدارُ كعهدي بها / ولا أحبائي كما أعهَدُ
وقفتُ في الأطلالِ مستخبراً / هل أتهمَ الأحبابُ أو أنجدوا
فلم تُجبني مِن أسىً نالَها / عليهمُ أحجارُها الركَّدُ
وكانَ لي في نطقِها راحةٌ / لو نطقتْ أرسُمها الهُمَّدُ
أسألُها عنهمْ وفي أضلُعي / زفيرُ وجدٍ قلَّما يَخْمَدُ
ضلالةً أسألُ عن حورِها / ما لا يعي منها ولا يُسعِدُ
بَعُدتُمُ يا أهلَها بعدَما / أدناكُم الدهرُ فلا تُبْعُدوا
ولم أجدْ لمّا ترحّلتُمُ / على النوى والبينِ مَن يُنجِدُ
أنشدُ في آثاركمْ بعدَكُمْ / قلباً بغيرِ الوصلِ لا يُنشِدُ
قد كانَ موجوداً فمذْ غِبتُمْ / ضاعَ فلا يُلفى ولا يوجَدُ
أأجحدُ الوجدَ ولي أدمعٌ / شهودُها تُثْبِتُ ما أجحَدُ
لا تحسبوا قلبي جوًى بعدكمْ / يَقَرُّ أو طرفي أسىً يَهجُدُ
ولا هدوئي ممكناً بعدَما / أصبحَ مِن دونكمُ الفَدْفَدُ
وثوَّرَتْ نجبكمُ للنوى / تَقْدُمُهنَّ العِرْمسُ الجَلْعَدُ
وغرَّدَ الحادونَ في اِثرِها / ليتَ حُداةَ العيسِ لا غرَّدوا
والبينُ ما زالَ له مَوْرِدٌ / مستوبِلٌ يكرهُهُ الورَّدُ
هل يُبْلِغَنَّي حيَّكمْ بالحِمى / وبالعقيقِ البازلُ الأقودُ
اِذا ونتْ أو كَرَبتْ عيسُكم / تلغبُ اهوى وهو بي يُسئدُ
فلا الفلا تمنعُه حثَّهُ / ولا اللَّوى والقُورُ والقَرْدَدُ
له على غاربهِ سائقٌ / لا يعرفُ الأينَ ولا يرقُدُ
ملَّ ظلامُ الليلِ من عزمهِ / فيه إذا ما هجدَ الهُجَّدُ
ما عارضٌ هَيْدَبُهُ مكثِبٌ / مُطَرَّزٌ مِن برقِه مُرْعِدُ
مجلجِلٌ شؤبوبُه دافقٌ / فهو على وجهِ الثرى مُزْبِدُ
أغزرُ مِن دمعي وقد أزمعتْ / على الرحيلِ العُرُبُ النهَّدُ
يا سربُ نعمانَ لقد شاقني / لما سنحتَ الرشاُ الأغيدُ
مرَّ أمامَ السَّرْبِ يعطو وقد / وَلَّهَ عقلي جِيدُه الأجيَدُ
يَخْجَلُ غصنُ البانِ مِن قَدَّه / اذا تثنى قده الأملد
لي من جنى مبسمه مشرب / لم يُغنني مِن غيرِه موردُ
يوعدُني الوصلَ ولكنَّهُ / يُخِلفُني بالمَطْلِ ما يوعدُ
أطالَ بالمطلِ سَقامي الى / أنْ ملَّ أسقامي بهِ العُوَّدُ
ليالي القربِ هل لكِ أن تعودي / لقد أسرفتِ في طولِ الصدودِ
حميداتٍ كما أهوى سراعاً / فاِنَّ العمرَ بالعيشِ الحميدِ
سقى أيامنَا بالنَّعْفِ دمعي / وطيبَ زمانِنا بلِوى زَرودِ
وحيّا المزنُ أكنافَ المصلى / يسوقُ عِشارَه حَدْوُ الرعودِ
ملاعبٌ خُرَّدٍ بيضٍ حسانٍ / صقيلاتِ الطُّلى هِيفِ القدودِ
نأينَ وفي الربوعِ لهنَّ عَرْفٌ / أقامَ بهنَّ مِن رَدْعِ النُّهودِ
ألا يا ضرَّةَ القمرينِ رِقَّي / لمكتئبٍ مِنَ البلوى عَميدِ
يُذيلُ الدمعَ في الأطلالِ ممّا / يُعانيهِ مِنَ الشوقِ الشديدِ
كأنَّ دموعَه فيها لآلٍ / تناثرَ دُرُّهُنَّ مِنَ العقودِ
وكانَ يرى فراقَ اليومِ صعباً / فكيف يكونُ في الأمدِ البعيدِ
ملكتِ فؤادَه بكحيلِ طرفٍ / وفاحمِ طُرَّةٍ وبياضِ جيدِ
ورمتِ زيادةً في الحبَّ منّي / وليس على غرامي مِنْ مزيدِ
أعينيني على سَهَرِ الليالي / اِذا جَنَّ الظلامُ على الهُجُودِ
فقبلَ البينِ كنتُ أُخالُ جلداً / فلمّا حَلَّ لم أكُ بالجليدِ
وَمنّيني بعودِ العيشِ غضّاً / فاِنّ الحرَّ يقنعُ بالوعودِ
فكم يسعى بيَ الواشونَ ظلماً / إليكِ وسقمُ جسمي مِن شهودي
وجودي لي بوصلكِ بعدَ هجرٍ / رضيتُ به لعلَّكِ أن تجودي
وعودي بي إلى المعهودِ ممّا / به عُوَّدتُ مِن كرمِ العهودِ
لعلَّ الدارَ أن تدنو نواها / ويورِقَ بعدَ طولِ اليُبْسِ عُودي
فقد سئمتْ مصاحبتي المَهارى / وشدَّي للحدائج والقُتودِ
وخَوضي بحرَ كلَّ سرابِ قفرٍ / عليها واعتسافي كلَّ بيدِ
وتعليلي نجائبَها بهادٍ / اِذا كلتْ مِنَ المسرى وهِيدِ
على أكوارِها أنضاءُ شوقٍ / يؤودُ قواهمُ حملُ البرودِ
ترامى بالأزمَّةِ خاضعاتٍ / لواغبَ في هبوطٍ أو صعودِ
اِذا ما القيظُ اظمأها فدمعي / سَيُغنيها عنِ العَذْبِ البَرودِ
لها ولِمنْ عليها منهُ وِردٌ / اِذا حَنَّ العِطاشُ إلى الورودِ
واِنْ ضلَّتْ سأهديها إذا ما / ألاحَ الركبُ من أرجِ الصعيدِ
تؤمُّ حبائباً مذ بِنَّ أمستْ / تُخّدَّدُ أدمعي وَرْدَ الخدودِ
لئن قُربَّنَ بعدَ البينِ منّي / وراجعَ عازبٌ الوصلِ الشريدِ
فذلكَ مِنَّةٌ للدهرِ عندي / واِقبالٌ مِنَ الحظَّ السعيدِ
أراها عنِ الجِزعِ تبغي عُدولا
أراها عنِ الجِزعِ تبغي عُدولا / وكانتْ تَمنَّي اليه وصولا
وما ذاكَ إلا لأنَّ سُعادَ / قد أزمعتْ عن رُباهُ رحيلا
أطعتُ الغَوايةَ في حبَّها / غراماً بها وعصيتُ العّذولا
كفى حَزَناً أننَّي لم أجدْ / لتوديعِها بومَ بانتْ سبيلا
وماذا على سائقِ اليَعْمَلاتِ / لو عطفَ العيسَ نحوي قليلا
لعلي اخالِسُها نظرةً / على القربِ تشفي فؤاداً عليلا
وأنظُر مِن بينِ سَجْفِ الحدوجِ / طرفاً كحيلاً وخداً أسيلا
وهيهاتَ يومَ النوى ما ظفِرْتُ / بخلٍ شفيقٍ يُراعي الخليلا
يَبُلُّ الأُوامَ بحبسِ المطيَّ / لعلّي أراها ويَروى الغليلا
اِذا لم أجدْ نحوها مُرسَلاً / بعثتُ النسيمَ اليها رسولا
يُخَبَّرُها أنَّني بعدَها / أذوبُ اشتياقاً وأفنى نُحولا
وما كنتُ أحسبُ أن الفراقَ / أراهُ ولو متُّ منهُ مَهُولا
كفاها دليلاً سقامي اِذا / أردتْ على الحبَّ منَّي دليلا
ومِن فرطِ وجدي غَداةَ الرحيلِ / أُسائلُ رسماً تعفَّى مَحيلا
وأندبُ ارسمَها الماثلا / ت وجداً عليها وابكي الطُّلُولا
وأسفحُ مِن فوقِها أدمعاً / تُخَدَّدُ في صَحْنِ خدَّي مَسيلا
ولولا الهوى وأليمُ النوى / لقد كنتُ بالدمعِ فيها بخيلا
وما ذاتُ طوقٍ على بانَةٍ / تَبيتُ بشجوٍ تُداعي الهديلا
يُؤرَّقُها بُعْدُهُ فوقَها / اِذا غابَ عن ناظِرَيْها طويلا
فتسجعُ شوقاً إلى قربهِ / اِذا الليلُ أرخى عليها السُّدولا
بأوجدَ منّي على أربُعٍ / عَهِدْتُ الأحبَّةَ فيها حُلُولا
ومعتدلِ القدَّ ميّادُة / يُعيرُ الذوابلُ منه الذُّبُولا
يَمَلُّ هوايَ وبي لوعةً / تكلَّفُني أن أُحبَّ المَلُولا
تناءىَ ولولا نوًى غربةٌ / به طوَّحتْ لهجرتُ الرحيلا
سرى وهوايَ إلى أرضِه / ينازِعُني أن أشدَّ الحمولا
فيا عزمُ أين المَضاءُ الذي / يُري السيفَ في مضربيهِ فُلولا
ويا ناقتي كم يكونُ المُقام / لقد أن انْ أقتضيكِ الذَّميلا
أأنكرتِ شدقمَ حتى ألفتِ / لذيذَ المُناخِ به والجديلا
ألم تألفي لا عثرتِ الحزونَ / اِذا الاِبْلُ أنكرنَها والسُّهولا
وجبتِ الظلامَ واهوالَهُ / متى أجتابتِ النُّجبُ فيه الشَّليلا
أرى العزَّ فوقَ ظهورِ النياقِ / اِذا كانَ غيري عليها ذليلا
يهابُ الهِدانُ صريرَ القُتودِ / فيحسبُ ما صَرَّ منها صليلا
خَدَى بي سريعاً إلى حاجرٍ / ففيه الظعائنُ أمستْ نزولا
واِنْ أوجسَ النَّكْسُ خوفاً اِذا / أجشُّ الجيادِ يَجُشُّ الصهيلا
وعاينَ آسادَ فرسانِها / وقد تَخِذَتْ مِنْ قنا الخَطَّ غِيلا
هنالكَ أُلقي بعزمي الغيورَ / وحُمْسَ مداعيسِهِ والرعيلا
ومَنْ لم تكنْ نفسُه حُرَّةً / سترعى مِنَ الضيمِ مرعًى وبيلا
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ / حَنَّتْ اليهِ الاِبِلُ الضُّلَّعُ
أومضَ والركبُ نشاوى هوًى / فاندفعتْ أعينُهمْ تَدمَعُ
بَكَوا مِنَ الوجدِ على جيرةٍ / ساروا عنِ الخَيْفِ وما ودَّعوا
اَسْرَوا مِنَ الخَيْفِ إلى لَعْلَعٍ / ولم تَزَلْ دارَ الهوى لَعْلَعُ
يا برقُ كم هجتَ لهم من جوًى / باتتْ عليه تنطوي الأضلعُ
ما لمعتْ منكَ سنا شعلةٍ / اِلاّ وسحَّتْ منهمُ الأدمعُ
وكان في الدمعِ لهمْ راحةٌ / لو أنَّه بعدَهمُ ينفعُ
يبكونَ في أربعِ أحبابِهم / شوقاً وقد بكَّتْهُمُ الأربُعُ
خلتْ مِن السكّان أقطارُها / فهي قِفارٌ منهمُ بلقعُ
وحلَّها مِن بعدِ غِزلانِها / مِنَ الفلا غِزلانُها الرّتَّعُ
أقسمتُ ما السحبُ غدتْ حُفَّلاً / على الرُّبى مُثجِمةً تَهْمَعُ
غصَّ يَفاعُ الرضِ مِن مائِها / ليستْ تَني سَحّاً ولا تُقلِعُ
يكادُ أن يدفعَها خيفةً / يكفَّهِ مِن قربِها المُرضِعُ
اهمعَ مِن دمعي غداةَ النوى / والعيسُ في بيدِهمُ تُوضِعُ
ناديتُ بالحادي واظعانُهم / للبينِ لا كان النوى تُرفَعُ
قفْ ساعةً يحظُ بتوديِعهم / صبٌّ من التفريقِ لا يهجعُ
لم يُلهِه بعدَهمُ ملعبٌ / ولا اطبَّاهُ لهمُ مربعُ
لموقه سارتْ مطاياهمُ / قلبٌ على بينهمُ مُوجَعُ
ساروا فسارَ القلبُ في اِثرهم / كيف استقلَّتْ عيسهمْ يَتبعُ
يا سُجَّعَ الورقِ لقد شاقَني / حمامةٌ فوقَ النقا تَسجعُ
ما سمعتْ أذنٌ وقد رَّجعتْ / كصوتِها طيباً ولا تَسمعُ
أطرَبها الدوحُ فناحتْ على / أفنانهِ وهو لها مُونِعُ
ونحتُ مِن تَذكارِ عهدِ الهوى / فهل له بعدَ النوى مَرجِعُ
وعِرْمِسٍ حَنَّتْ إلى حاجرٍ / فهي برحلي في الفلا تَنْزِعُ
تشوقُها أنوارُ نُوّارِه / فروضُهُ غِبَّ الحيا مُمرِعُ
كأنَّها الهَيْقُ إذا ما بدا / نعمانُ أو لاحَ الأجرَعُ
منازلٌ راقَ لها نبتُها / مِن بعدِما راقَ لها المشرَعُ
فهي من الآل وتهاره / نحو الحمى ظامئة تطلع
يغرُّها الرقراقُ مِن بحرِه / فمِن صداها تَنثني تكرعُ
تطلبُ وصلاً فاتَ ميقاتُه / وفائتُ الأزمانِ لا يَرْجِعُ
اِذا لم تقرُبِ الأجسامُ منّا
اِذا لم تقرُبِ الأجسامُ منّا / على طولِ التباعدِ والتمادي
ففيما تنقلُ الأقلامُ عنّا / وان لم تُغنِ ترويحُ الفؤادِ
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم / أجرى دموعاً على الخدَّينِ تنهمرُ
اليومُ عامٌ إذا الأحبابُ لم أرهمْ / والشهرُ دهرٌ وساعاتُ النوى عُمُرُ
أَرِقْتُ هوًى والليلُ مُرخي الذوائبِ
أَرِقْتُ هوًى والليلُ مُرخي الذوائبِ / ووكَّلَني وجدي برعي الكواكبِ
ونامتْ عيونُ الهاجدينَ ن ولم أنمْ / غراماً ووجداً في دياجي الغياهبِ
لي اللّهُ مِن قلبٍ يُعَلَّلُه المُنى / فيصبو إلى وعدِ الأماني الكواذبِ
ومِن رسمِ دارٍ قد تبدَّلَ ربعها / على الكرهِ مِن سُماّرِه بالنواعبِ
ومِن مقلةِ لا يعرفِ الغُمْضَ جفنُها / إِذا هجعَ الرُّكبانُ فوقَ النجائبِ
متى لاحَ برقٌ أو ترنَّمَ طائرٌ / تكنَّفني التَّذكارُ مِن كلَّ جانبِ
كأنَّ عليَّ الوجدَ حتمٌ ولم يزلْ / عليَّ طَوالَ الدهرِ ضربةَ لازبِ
أفي كلَّ يومٍ لا أزالُ موكَّلاً / بتَسآلِ آثارٍ عَفَتْ وملاعبِ
تحيفَّها ريبُ الزمانِ فأصبحتْ / مسارحَ أرواحِ الصَّبا والجنائبِ
واِنْ لمعَ البرقُ الحِجازيُّ شاقَني / تألُّقُهُ فوقَ الرُّبى والأهاضيبِ
يلوحُ ويخبو ومضُه فكأنَّه / وميضُ الثنايا مِن شفاهِ الحبائبِ
يُكَلَّفُني وجدي ركوبَ مطامعي / وما زالَ يعلو بي صِعابَ المراكبِ
ولم أَرَ أَمضي من جفونِ سهامِها / إليَّ ترامي عن قِسيِّ الحواجبِ
لقد منعتْ أجفانَ عينيِّ نومَها / فليس إليها ما حَييتُّ بآيبِ
وما كنتُ أدري والنوى مطمئَّنْةٌ / بأنَّ المنايا في ارتحاليِ الوكائبِ
ولا أنذَ أقمارَ الخدورش يُرى لها / مغاربُ تهواها النوى في الغواربِ
تُباعِدُها ايدي المطيَّ ودارُها / على البعدِ ما بينَ الحشاة الترائبِ
فهل تُبْلِغَنَّي حبَّها بعدَ بُعْدِها / مراسيلُ افنتْها طِوالُ السباسبِ
تَدافعُ في أرسانِها فكانَّها / على البيدِ شَطْرٌ رثَّ مِن خَطَّ كاتبِ
وما ظَمِئتْ إلا وقلتُ مسارعاً / لعينَّي جودا بالدموعِ السواكبِ
فَتَغْنَى بها عمّا يطيبُ على الظما / من المنهلِ العذبِ الزَّلالِ لشاربِ
ومَنْ لي بسقياها الدموعَ وقد غدتْ / تُجَمَّعُ شملي بالظباءِ الكواعبِ
فلا نفعَ في قُربِ الديارِ إذا دَنَتْ / ولم ارَ شملَ الوصلِ بالمتقارب
عفا الّلهُ عن ليلى واِنْ كان هجرُها / يُجرِّعُني أمثالَ سُمِّ العقاربِ
فكم ليلةٍ قد بِتُّ فيها مِنَ الهوى / مساهرَ أضواءِ النجومِ الثواقبِ
ولو أن مِن دوني ودونِ مزارِها / صدورُ العوالي أوشِفارُ القواضبِ
وأحماسُ حربٍ فوقَ كلِّ طِمِرَّةٍ / نمتْها كما اختارتْ عتاقُ السَّلاهبِ
طرقتُ حِماها لستُ أحفلٌ بالقنا / تَنَضْنَعنُ نحويِ في عَجاجِ الكتائبِ
ولا سَورةِ الغيرانِ بينَ صِحابهِ / يُسارِقُني لحظَ العدوِّ المراقبِ
كأنَّ صميمَ العزِّ في كلِّ هجمةٍ / على الموتِ مابينَ الحُماةِ المصاعبِ
أقارعُهم في درعٍ عزمي وقد حكتْ / مساميرُ أدراعي عيونَ الجنادبِ
هنالكَ أردي القِرنَ وهو مصمِّمٌ / وأشياعَهُ في الملتقى غيرَ هائبِ
وما زلتُ في الحربِ الزَّبونِ مُبَشِّراً / لأوجهِ آمالي بنيلِ المطالبِ
ماذا الوقوفُ وقد بانوا على الطلل
ماذا الوقوفُ وقد بانوا على الطلل / الاّ اشتياقٌ إلى أيامِكَ الأُوَلِ
أبلاكَ بعدَ رحيلِ الحيِّ عنهُ بما / يُبليكَ مِن ذِكَرٍ بعد النوى وبلي
ووافقتكَ الأماني وهي باطلةٌ / بعدَ الفراقِ على التشبيبِ والغزلِ
أكلَّما بانَ حَيٌّ عن مرابعِه / تبكي بدمعٍ مِنَ التَّرحالِ منهملِ
وكلَّما أومضتْ في الجوِّ بارقةٌ / قابلتَ مشتعِلاً منها بمشتعِلِ
فلستَ تنفكُّ ذا نارٍ يضرِّمُها / برقٌ ودمعٌ على آثارِ مُرتحِلِ
مغرًى بتسآلِ أطلالٍ تحيفَّهَا / مرُّ الرياحِ وصَوْبُ العارضِ الهَطِلِ
ومستهاماً بأقمارٍ مغاربُها / بينَ السُّجوفِ سُجُوفِ الوشي والكُلَلِ
مِن كلِّ هيفاءَ ما مالتْ ولا خطرتْ / اِلاّ أغارتْ غصونَ البانِ بالمَيَلِ
ولا رمتْ بسهامِ المقلتينِ حشاً / اِلاّ استطيشتْ نبالُ الحيِّ مِن ثُعَلِ
ترمي فتُصمي واِنْ لم تَنْكِ أسهمُها / جَلْدَ الرميَّةِ أن الفخرَ للمقلِ
أقولُ والركبُ قد أعياهمُ سَهَري / فوقَ الرِّحالِ على المُهْريّة الذُّلُلِ
أسري عليهنَّ لايعتادُني مَذَلَ / وليس بالخِرْقِ مَنْ يُعزى إلى المَذَلِ
مالي وللربعِ قد أقوتْ معالِمُه / بعدَ الخليطِ وما للهاتفاتِ ولي
بانتْ أوانسُه عنه وبدَّلَهُ / بعدَ التحلّي بهنَّ الدهرُ بالعَطَلِ
وأذ كَرتَني زماناٌ بانَ منفصِلاً / عنّي ووجدي عليه غيرُ منفصِلِ
رعايةً أندبُ الأطلالَ دارسةً / لعهدِهنَّ وأنحوهنَّ بالاِبِلِ
وفي الوقوفِ إذا حيَّيتُ أرسمَها / معنىً تولَّدَ بينَ الحُزنِ والجَذَلِ
حتى كأنَّ ليالي الوصلِ ما برحتْ / اوقاتُها وزمانَ البُعدِ لم يَزُلِ
وروضةٍ قد سقَى أزهارَها عَلَلاً / ماءٌ تقطَّعَ بينَ النَّوْرِ والنَّفَلِ
مالتْ عليها غصونُ البانِ مونعةً / خُضْراً مطارِفُها مِن ادمُعِ الطَّفَلِ
روَّى أقاحيَّها ماءُ الغمامِ وقد / امسى يَرِفُّ على خِيرِيِّها الخَضِلِ
تميلُ مِن نسماتِ الريحِ نافحةً / نَشوى الهبوبِ كميلِ الشاربِ الثَّمِلِ
سرَّحتُ أسودَ طرفي في خمائِلها / والشمسُ رافلةٌ في حُلَّةِ الأصُلِ
فما اطَّباني مرآها وقد نزحتْ / عنها الظباءُ ذواتْ الأعينِ النُّجُلِ
هِيفُ القدودِ إذا ما الدَّلُ رنَّحَها / لاحَ الخمولُ على العسّالةٍ الذُّبُلِ
بُدِّلتُ بالهجرِ بعدَ الوصلِ فاندفعتْ / عينايَ تهمي على التعويضِ والبَدَلِ
فما الحياةُ واِنْ أمستْ مساعِفَةً / اِلاّ اِذابِتُّ مِن وصلٍ على أمَلِ
فلا تلُمني على وجدي الوشاةُ فما / وقفتُ سمغي على التعنيفِ والعَذَلِ
حالَ الزمانُ وحالَ العيدُ وانفصمتْ / عُرى الوصالِ وحالي فيه لم يَحُلِ
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا
بانوا وبانَ لذيذُ العيشِ مذ بانوا / فلي وللدمعِ مِن بعدَ النوى شانُ
للّهِ كم غادَروا في الربعِ بعدَهمُ / مضنىً له مِن أتيِّ الدمعِ غُدْرنُ
يشتاقُ نُعماً ونعماناً وبغيتُه / على تنائيهما نُعْمُ ونُعمانُ
هيهاتَ مالي وقد سارت مودِّعَةً / قلبٌ إلى أبرُقِ الحنّانِ حَنّانُ
لا خيرَ في الربعِ تُصبيني ملاعبُه / حسناً إذا لم يكنْ في الربعِ سكّانُ
ما الدارُ مِن بعدِها داري ولو ملأتْ / عَيني رُواءٌ ولا الأوطانُ أوطانُ
قد كنتُ أصبو اليها وهي آهلَةٌ / بها وجيرانُ ذاكَ الحيِّ جيرانُ
سقَّى زمانَ التلاقي صيِّبٌ غَدِقٌ / مزمجرُ الرعدِ داني السحبِ هتّانُ
زمانَ أنسٍ قطعناهُ بعرصتِها / والدهرُ مبتسِمٌ والوقتُ جذلانُ
والغانياتُ إذا ما شئتُ ساعدَني / منهنَّ حسنٌ على وجدي واِحسانُ
فيهنَّ حاليةٌ بالحسن خاليةٌ / مما اغتدى منهُ قلبي وهو ملآنُ
كأنَّما غازلَتْني مِن لواحِظها / عندَ التغازلِ آرامٌ وغِزلانُ
مِنَ البدورِ اللواتي قد كَمُلْنَ فما / يَطرأ عليهنَّ كالأقمارِ نقصانُ
هيفُ القدودِ إذا مالَ الدلالُ بها / وسُكُره غارَفي أوطانهِ البانُ
مِن كلِّ دعجاءَ قنواءِ اللثامِ لها / لحظٌ بقلبيَ فتاكُ وفتانُ
حلَّتْ بنجدٍ فأضحى وهو مِن أرَبي / اِذا اطّبى الناسَ أوطانٌ وبلدانُ
سارتْ بها سَحَراً عن أرضِ كاظمةٍ / نجائبٌ ثُوِّرتْ عنها وأظعانُ
كأنِّها وَهْيَ في الأرسانِ ناحلةً / وقد ترامتْ تؤمُّ الجِزعَ أرسانُ
وفي البُرِينَ وقد راحتْ على عجلٍ / تسابقُ الريحَ في الموماةِ ظِلمانُ
تنكبتْ قُلَلَ الأعلامِ مِن أجاً / وشاقَها دونَه سَلْعٌ وعُفانُ
ثمَّ انبرتْ تتهادى في أزمَّتِها / لم يُثنِها دونَه رمْثٌ وحَوْذانُ
يا هندُ لم أنسَ يوَم البينِ موقفنا / والتربَ مِن عبراتي وهو ريّانُ
والعيشُ مُحْدَجةٌ تبغي الرحيلَ وما / طارتْ ولا ذعِرَتْ لليلِ غرِيانُ
وموقفُ البينِ لا ينساه ذو شَجَنٍ / حرانُ مِن وَلَهِ التفريقِ حيرانُ
أحباَبنا أن أطالَ الليلُ شقَّتَهُ / وحالَ دونكمُ بيدٌ وغِطانُ
لا تبعثوا لي سلاماً في النسيمِ فلي / قلبٌ كما عَهِدَ الأحبابُ غيرانُ
يبيتُ بينَ ضلوعي كلّما نفحتْ / صباً تمر عليكم وهو خَشيانُ
وفي الخدورِ التي صانتْ جمالكَمُ / عنِ النواظرِ قُضبانٌ وكُثبانُ
أمسْت تَحُفُّ بها والظعنُ سائرةٌ / بيضٌ مجرَّدَةٌ تَدْمَى وخِرصانُ
يا صاحبيَّ ولولا الوجدُ ما حفزتْ / عَنْسي على الأينِ للحاديَن ألحانُ
قد كانَ للطيفِ لودامتْ زيارتُهُ / نحوى إذا نمتُ اِلمامٌ وغشيانُ
أيامَ كانَ أحبائي الذين نأوا / على عهودِ الوفا مثلي كما كانوا
ما خنتُ عهدَهمُ كلاّ ولا خطرتْ / ليَ الخيانةُ في بالٍ ولا خانوا
واليومُ أصبحَ حظي وهو بعدَهمُ / مِن طولِ وصلِهمُ مَطْلٌ وليّانُ
ما مرَّ في خَلَدي للراحلينَ وقد / مَلُّوا ومالوا على الِعلاّتِ سُلوانُ
ولا لذكرِ لياليَّ التي ذهبتْ / حميدةً بأهَيْلِ الحيِّ نِسيانُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ / أنَّى وقد صاحَ حادي عيسكمْ سيروا
سرتمْ فكم حنَّ مشغوفٌ بكم دَنِفٌ / في الربعِ حُزناً وكم قد أن مهجورُ
طوى على لهبِ الأشواقِ أضلعَه / وحشوُها منه تأجيجٌ وتسعيرُ
تُذكي الغرامَ وفي وجدي وزفرتِه / لو لامسَ الصخرَاِضرامٌ وتأثيرُ
جمعتمُ بين اشجاني وبينكمُ / وكلُّ ذنبٍ سوى التفريقِ مغفورُ
حسبي من الوجدِ أجفانٌ مباعَدَةٌ / ما تلتقي وحشاً بالشوقِ مسجورُ
وادمعٌ كلما أنشْدتُ مِن طربي / شِعرى فضدّانِ منظومٌ ومنشورُ
تنهلُّ في أربعُ الأحبابِ نائبةً / عنِ الغمامِ وجيبُ الليلِ مزرورُ
مرابعٌ عَفَّتِ النّكباءُ ما ثلَها / مِن بعدِ ما مرَّ دهرٌ وهو معمورُ
وللزمانِ بأهليهِ / ولو كَرِهوا
وبالدَّيارِ تصاريفٌ وتغييرُ /
يا مُنحَني الجِزْعِ لا زالَ السحابُ له / عليكَ بالغيثِ ترويحٌ وتكبيرُ
يروي ثراكَ فيبدو في رياضِكَ مِن / بدائعِ النَّورِ للرائي أزاهيرُ
وينثني البانُ ريانَ الغصونِ اِذا / ما ميّلَتهُ النُّعامى وهو مَمْطُورُ
تنوحُ مِن فوقهِ الورقاءُ ساجعةً / والصبحُ لائحةٌ منه التباشيرُ
لنوحها فوقَ أفنانِ الأراكِ وقد / غابَ الهديلُ مِن الأشواقِ تكريرُ
فاِنْ يَهِمْ بحنينِ الوُرقِ حِلْفُ هوًى / شوقاً فاِنَّ حليفَ الشوقِ معذورُ
مذ بانَ أحبابهُ عنهُ وجيرتُهُ / أمسى الكرى وهو عن عينيهِ مذعورُ
وعوَّضتْه النوى مِن بعدِهم حُزناً / وكانَ بالقربِ منهمْ وَهْوَ مسرورُ
فأصبحَ الدهرُ مذموماً فليتهمُ / عادوا ليرجِعُ عندي وهو مشكورُ
وما على جَلَدي عارٌ وقد نَزَحُوا / اِذا اغتدى وَهْوَ مغلوبٌ ومقهورُ
حَمَّلْتُهُ الحبَّ يعني ثِقلُه اِضَماً / فبانَ فيه مِنَ الاعياءِ تقصيرُ
أحبابَنا كانَ سرّي قبلَ بينكمُ / وقبلَ فيضِ دموعي وهو مستورُ
أيام كنتُ بقربي منكمُ جَذِلاً / للبِشْرِ تُبْرِقُ مِنْ وجهي اساريرُ
واليومَ قد صارَ حظَّي مِن دنوكُّمُ / نَزْراً وقد كانَ منه وهو موفورُ
أُعلَّلُ القلبُ أن أضحى يُطالِبُني / بالوصلِ منكمْ فيُمسي وهو مغرورُ
حتى كأنَّ التئامَ الشملِ لا بَعُدَتْ / أيامُ أُنسي بأهلِ الودَّ محظورُ
هل تُدِنينَّهمُ عيسٌ مزمَمةٌ / بُدْنٌ مراسيلُ أو وجناءُ عَيْسُورُ
مِنْ بعدِ ما حجزتْ بيني وبينهمُ ال / بيدُ البلاقعُ والأعلامُ والقُورُ
أظَنُّ فيها حليفُ الكُورِ مُنْتَصِباً / فيه اليفايَ تخويدٌ وتهجيرُ
حتى تعودَ ليالي الوصلِ مشرقةً / بهم وذيلُ سروري وهو مَجْرُورُ
دعني أكابدُ أشجاني وأوصابي
دعني أكابدُ أشجاني وأوصابي / قد بانَ عن عرصاتِ الدارِ أحبابي
أبلى فراقُهمُ جسمي وغادَرَهُ / مثلَ الخِلالِ نحيلاً بينَ أثوابي
بانوا وسارتْ بهم أجمالُهم سَحَراً / عنه فَبُدَّلَ شَهْدُ العيشِ بالصابِ
خلتْ ملاعبُهم مِن كلَّ راشقةٍ / قلبي باَسْهُمِ الحاظٍ وأهدابِ
هيفاءُ يَثني الصَّبا مِن قدَّها غُصُناً / كالخَيزُرانةِ ليناً بينَ أترابِ
أومتْ بإصبَعِها نحوي مُخَضَّبةً / خوفَ الرقيبِ فحيَّتني بِعُنّابِ
وأعقبتْهُ ببينٍ راعني عَجَلاً / مُستكْرَهٍ لدواعي الشَّوقِ جّلابِ
حتى رجعتُ إلى الأطلالِ أسأَلُها / عنها وأُخبرُها مِن بعدِها ما بي
وما عليَّ اذا أحييتُ معلمَها / حفظاً لعهدكِ يا لمياءُ مِن عابِ
وما وجدتُ وقد خاطبتُ أرسمَها / بعدَ الأحبَّةِ غيرَ الأورَقِ الهابي
أَضْحَوا ودأبُهمُ البينُ المُشِتُّ كما / أمسيتُ بعدَهمُ والدمعُ مِن دابي
وضقتُ ذرعاً بأيامِ الفراقِ وما / مُنَّيتُ منها بأعوامٍ وأحقابِ
فما احتيالي إذا طالَ الزمانُ بهم / وما أرى الزمنَ الخالي بأوّابِ
وما انتفاعي بجفنٍ في الديارِ اِذا / ما زرتُهنَّ على الأحباب سَكّابِ
ولا تذكُّرُ أيامي بقربهمُ / يُجدي عليَّ ولا ليلاتُ أطرابي
صدّوا وصدَّ خيالٌ كانَ يَطْرُقُني / عندَ الهجوعِ فأمسى غيرَ مُنتابِ
يا حارِ هل يُبلِغَنَي العزمُ دارَهمُ / بكلَّ هوجاءَ مثلِ الريحِ هِرجابِ
مثل الوضينِ تبذُّ الهَيْقَ مُعْنِقَةَّ / والليلُ عنِّي وعنها غيرُ منجابِ
وفتيةٍ كالنجومِ الزُّهرِ أوجُههمْ / عندَ الكريهةِ بسامينَ أَنجابِ
إذا رميتَ بهمْ في صدرِ معركةٍ / رميتَ فيها بطعّانِ وضُرابِ
وإِ هم جلسوا في السلمِ وانبعثوا / في العلمِ فاقوا باِعراب واِغرابِ
أحبابُنا بعدوا عنّا وذكرُهمُ / مُرَدَّدٌ بيننا مِن غيرِ اِسهابِ
لئن وصلتِ بنا يا نوقُ أرضَهمُ / فلا نزلتِ بوادٍ غيرِ معشابِ
الى مواطنَ قد أعيتْ مسافتُها / على نجائبِ قُصّادٍ وطُلاّبِ
مرابعٍ طالما كانتْ اوانسُها / تزورُني دائماً مِن غيرِ اِغبابِ
هنَّ البدورُ التي عزَّتْ منازلُها / على عزائمِ خُطّار وخُطّابِ
ممنوعةٌ أن ينالَ الضيمُ خِطَّتهَا / بكلِّ ليثٍ جرىءٍ غيرِ مِهيابِ
تسري إلى رَهَجِ الهيجاءِ في كَنَفٍ / مِن القنا ومِنَ المُرّانِ في غابِ
مابين شُوسٍ مداعيسٍ جحاجحةٍ / كالأُسدِ في ملتقى الأقرانِ أضرابِ
أجوبُ نحوَهمُ البيداءَ معتسفاً / كالسيفِ غيرِ كَهامِ الحدِّ أونابي
مِن فوقِ أعيسَ في الموماةِ مضطلِعٍ / بالوجدِ يشأى النعامَ الرُّبدَ جَلْعابِ
متى اغتدى النكسُ خوفاً مِن قراعِهمُ / للبيدِ أولليالي غيرَ جوّابِ
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا / والليلُ قد خلعَ الرداءَ الأسودا
أبدى على عَذْبِ الغصونِ حنينَهُ / والصبحُ مِن أُفْقِ المشارقِ قد بدا
فكأنَّه لمّا اصفحتَ لنوحِه / علمَ الذي بكَ مِن هواكَ فردَّدا
وذكرتَ مَنْ لم تنسَ مِن أهلِ الحِمى / فأعدتَ دمعكَ في الطلولِ مُبَدَّدا
ولكم جحدتَ هواهمُ حتى اِذا / سجعَ الحمامُ أبى الهوى أن يُجْحَدا
فجرتْ مدامعُكَ اللواتي غادرتْ / أثراً بخدَّكَ ما يزالُ مخدَّدا
ويرى كما تبري المُدى منكَ الهوى / جسداً يُعفَّيهِ على طولِ المدى
وتَخِذْتَ بعدهمُ المدامعَ مورداً / لولا الغرامُ لعفتُ ذاكَ الموردا
واِذا الكرى عشّى الجفونَ قضى الهوى / لكَ أن تبيتَ مؤرَّقاً ومسهّدا
كَلَفٌ يزيدُ على التقادمِ جدَّةً / وهوًى يَعِزُّ نظيرُهُ أن يوجَدا
وصبابةٌ جلبتْ إليكَ ضلالةً / لا يُهتدى معها إلى طرقِ الهدى
غلبتْ عليكَ فصرتَ رَهْنَ اِسارِها / تَمشي بأَدْهَمِها المتينِ مقّيدا
واِذا الأحبَّةُ عن ربوعِكَ قوضَّوا / لم تُلْفَ إلا هائماً متلدَّدا
اِنْ أتهموا فهواكَ أوَّلُ متهِمٍ / أو أنجدوا عَطَفَ الغرامُ فانجدا
ولقد نهاكَ البينُ يومَ ترحَّلوا / والعيسُ تُحدَجُ فيه أن تتجلَّدا
فنثرتَ مِن دررِ الدموعِ لآلئاً / كادتْ على الأطلالِ أن تتنضَّدا
وأثرتَ في اِثرِ الظعائنِ زفرةً / تُغني مطايا الراحلينَ عنِ الحِدا
حُرَقٌ متى ما قلتُ يبردُ وقدُها / زادتْ بأمواهِ العيونِ توقُّدا
والوصلُ لو سمَح الزمانُ بعودِه / لرجوتُ مِن زفراتِها أن تَبرُدا
وعلى العُذَيبِ أوانسٌ مثلُ الدُّمى / غيدٌ يُرِقْنَ دمَ المحبَّ تعمُّدا
بيضُ الطُّلى حورُا العيونِ أعادني / ولعي بهنَّ على التنائي مُكْمَدا
دَنِفاً أُعاصي اللائمينّ فلم أُطِعْ / مَن لامني في حُبَّهنَّ وفنَّدا
ولقد تعنَّدني الفراقُ فليتَه / لا كانَ جارَ ببينهنَّ ولا اعتدى
دَرَستْ عهودُ الغانياتِ وكلمَّا / قَدُمَ الزمانُ على هوايَ تجدَّدا
قد كانَ عوَّدني حلاوةَ عدلِه / فعلامَ مالَ وحالَ عمّا عوَّدا
يا هندُ لي مِن بعدِ بُعْدِكِ أَنَّةٌ / تحتَ الظلامِ بها أُلينُ الجَلْمَدا
ونحولُ جسمٍ قد تطاولَ سُقْمُهُ / حتى لقد سئمَ الضَّنى والعُوَّدا
وغريمُ شوقٍ يستثيرُ اِذا النوى / طالتْ مسافتُها الامْونَ الجَلْعَدا
تَخدي وقد مدَّ الهجيرُ رِواقَه / فاِخالُها تطسُ الاكامَ خَفَيْدَدا
في مهمهٍ قد عبَّ بحرَ سرابِه / فيكادُ يكرعُ فيه مِن فرطِ الصَّدى
عجباً لطيفكِ والتنائفُ بيننا / لمّا سرى أنىَّ ألمَّ أوِ اهتدى
فسقى العِهادُ معاهداً لكِ غادرتْ / قلبي لنيرانِ الصبابةِ مَعهَدا
وأما وقضبانِ القدودِ تميسُ مِن / تَرَفِ النعيمِ على الحضورِ تأودا
ومباسمٍ عَذُبَتْ موارِدُ ظَلِمْها / فحمتْهُ أسهمُ لحظِها أن يُوردا
مُحَّئتُ عنه وفي الفؤادِ لبردِه / نارٌ أبتْ جَمَراتُها أن تَخْمُدا
لولا التعلُّلُ بالمُنى وبأنَّهُمْ / جعلوا لميقاتِ التداني موعدا
ما كنتُ أفرقُ بينَ يومِ فراقهمْ / لمّا نأوا عنّي وما بينَ الردى
يا حاديَ الأظعانِ قَدْكَ فِنَّها / مُهَجٌ تذوبُ إذا طَوَيْتَ الفَدفَدا
تسري الركائبُ في الفلاةِ ولو عرا / وجدي المطايا لم تَمُدَّ لها يدا
نزحتْ وفوقَ ظهورهنَّ أحبَّةٌ / لولا سوابقُهمْ لقلتُ همُ العِدى
قد كانَ عصرُ الوصلِ قبلَ بعادِهم / رَغَداً ويَرجِعُ أن تدانَوا أرغدا
يسائلُها والبينُ ترغو رواحِلُهْ
يسائلُها والبينُ ترغو رواحِلُهْ / أيرجِعُ مِن عهدِ الكثيبِ أوائلُهْ
اِذا مرَّ يومٌ لا أراكِ فاِنَّهُ / هو الموتُ أو أسبابُهُ أو دلائلُهْ
يسائلُ ربعاً بعدَ بينكِ كلَّما / ألمَّ يُحييَّهِ شجتْهُ منازلُهْ
وماذا عسى يُجدي عليه سؤالُهُ / وقد كادتِ الأطلالُ شوقاً تسائلُه
يزورُ مِنَ الوجدِ الديارَ واِنَّها / لتضرِمُ نارَ الشوقِ والشوقُ قاتلُه
واِنْ لمعتْ في الليلِ مِن نحوِ ارضِها / بوارقُ مزنٍ فالتصبُّرُ خاذلُه
واِنْ هبَّ عن دارٍ تَحُلُّ ربوعَها / نسيمٌ أبتْ أن تستقرَّ بلابلُه
أليس عجيباً أن يفارقَ اِلفَهُ / وتقوى على نَيْلِ الفراقِ مقاتلُه
اِذا ما اقتضى وعدَ الزمانِ بقربِها / ويا بعده أضحى الزمانُ يماطلُه
تُؤرَّقُه تحتَ الظلامِ حمامةٌ / يُهَيَّجها بانُ الحمى وخمائلُه
لها فيه لمّا أن نأتْ عن جَنابِهِ / هَدِيلٌ تُرَجَّي قُرْبَهُ وتُحاولُه
صبتْ نحوَه والدهرُ قهراً يعوقُها / وأحداثُه عن قصدِهِ وغوائلُه
تُردَّدُ في أعلى الاراكة نوحها / فتقلقه والليل تدجو غياطله
فيبكي على اِلْفٍ رَمتْهُ يدُ النوى / بفائضِ دمعٍ لا تَغُبُّ هواملُه
ويُذْكِرُه البانُ القدودَ إذا انثنتْ / تَرنَّحُ مِن مَرَّ النَّسيمِ موائلُه
كأنَّ النوى والهجرَ قد خُلِقا لهُ / اِذا زالَ ذا عنه فذا لا يُزايلُه
ويكفيهِ شُغلاً بعدَ فُرقةِ بينهِ / سَقامٌ عَنِ العذّالِ واللَّومِ شاغلُهْ
بَرى جسمَه فرطُ الغرامِ وزادَه / غراماً لواحيهِ به وعواذلُه
سقى دمعُه ربعاً لاْسماءَ مُقْفِراً / وروَّى ثرى تلكَ المرابعِ هاطلُه
فاِنَّ بها رسماً يكادُ لأُنسِهِ / به كلَّما حيّاهُ حيّاهُ ماحلُه
اِذا ما أتاهُ بعدَ لاْيٍ وقد عَفا / بكَى عهدَهُ فيه فرقَّتْ جنادِلُه
مرابعُ كم راقتْ بها غَدَواتُهُ / على غِرَّةِ الواشي ورقَّتْ أصائلُه
يعوجُ عليها وهي قفرٌ وما بها / سوى طللٍ بادٍ لعينيهِ ماثلُه
تقضَّى بها الوصلُ القليلُ وزادَه / بها شغفاً والوصلُ تُصبي قلائلُه
أأحبابَهُ غبتمْ فأوحشَ ربعُكمْ / مُحِبَّكمْ والربعُ يُؤْنِسُ آهلُه
وقد كنتمُ هدَّدتُموه ببينِكمْ / مُزاحاً إلى أن حُقَّ لاحُقَّ باطلُه
فعوَّضتُموهُ عن تداني مزارِكمْ / بِعاداً لقد خابَ الذي كانَ يأمُلُه
وكدَّرتُم صفَو الوصالِ فهل تُرى / تعودُ كما كانتْ عِذاباً مناهلُه
ويَرجِعُ عصرُ القربِ يبسِمُ ثغرُهُ / وتُبدي له بُشرى التداني مخايلُه
لئن عُدْنَ أيامُ الأُثيلِ وطيبُها / كميدانِها الماضي فهنَّ وسائلُه
يغازلُ في ظلَّ الكِناسِ غزالَهُ / وترنوا اليه بالعشيَّ مطافلُهْ
ومُنْخَرَقٍ تبقى الرَّكابُ بعَرضِه / مطلَّحةً مما تَمُدُّ مجاهلُه
سرى فيه مغلوبُ التجلُّدِ والِهٌ / يؤمُّ النقا واليومُ تَغلي مراجلُه
على ضامرٍ أودى الكَلالُ بِنَيَّهِ / يَصِرُّ مِنَ الاِعياءِ والجَهدِ بازلُه
يزيدُ على بعدِ المسافةِ وَخْدُهُ / نشاطاً متى شطَّتْ لديهِ مراحلُه
يناحلُ مِن فرطِ الهزالِ زِمامَه / وراكبُه نَصْلُ الحُسامِ يناحلُه
له عزماتٌ في الأمورِ كأنمَّا / حكتْه مُضَاءً وانصلاتاً مناصِلُه
تبيتُ نِهالاً مِن دماءِ عُداتِه / اِذا ما دعتْهُ بالنزالِ ذوابلُه
ولولا تلظَّي البأسِ منه لأورقتْ / وقد لمستْها كفُّه وأناملُه
اِذا خاضَ بالسيفِ العجاجَ حسبتَهُ / أخا لِبَدٍ نيطتْ عليه حمائلُه
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ / في يومِ رامةَ والأظعانُ تبتكِرُ
زَمُّوا المطيَّ فكم مِن مقلةٍ ثَعَبَتْ / في عَرْصَةِ الدارِ ما لا يَتْعَبُ النَهَرُ
وأجَّجَ البينُ في الأحشاءِ نارَ هوًى / بعدَ الحبائبِ أمستْ وهي تَستعِرُ
أضحتْ مُمَنَّعةً بالسمهريِّ فلو / زالَ الوشيجُ تولَّى منعَها الخَفَرُ
وكلمَّا اضطرمتْ أطفأتُ سورتَها / بأدمعٍِ في الربوعِ العُجمِ تنتصرُ
تُسمي وتصبحُ قي الأطلالِ دافقةً / فليس تُخشى إذا ما أخلفَ المطرُ
أحبَّةٌ رحلوا فالدمعُ مستبقٌ / من مقلتَّي على الأثارِ يَبتدِرُ
في منزلٍ تُرْبُهُ مِن بعدِما ذهبتْ / كرُّ السنينَ على أصابِه عَطِرُ
لا ذنبَ لي عندَ مَنْ رثَّتْ عهودُهمُ / اِلاّ بوادرُ شيبٍ جَرَّهُ الكِبَرُ
والبيضُ عندَهمُ كالبيضِ مصلتةً / على الرءوسِ وذنبٌ ليس يُغْتَفَرُ
آليتُ لاحِلتُ عن دينِ الوفاءِ كما / قد كانَ يعهدُ من حالي واِنْ غدروا
ياريحُ لا أرجٌ منهمُ وقد رحلوا / عن الجَنابِ ولاعِلمٌ ولاخَبَرُ
مُرِّي على أَثَرِ الأحبابِ واحتملي / الَّي نشراً يحاكي عَرْفَهُ القَطُرُ
يضوعُ طيباً وقد مَّرتْ سعادُ بهِ / كما تَضَوَّعَ غِبَّ الدِّيمةِ الزَّهَرُ
أشكو الفراقَ اليها وَهْيَ لاهيةٌ / كأنَّما قلبُها مِن قسوةٍ حجرُ
أسأتْ مِن بِعدِها إذا لم أمتْ كمداً / يوَم الرَّحيلِ فقلْ ليكيف أعتذرُ
وبا زمانَ تناجينا على أمَمٍ / تُراكَ بعدَ تمادي البينِ تَنْتَظِرُ
هيهاتَ ساروا وأبقَوا للنوى حَرَقاً / تبيتُ تُضرِمُها الأشجانُ والفِكَرُ
ووكلوني برعي الفرقدينِ وقد / نامتْ عيونُ تحامَي أهلَها السَّهَرُ
واليومَ لم يبقَ لي إلا تذكُّرهُمْ / اِنَّ التحرُّقَ يُذكي جمَرهُ الذِّكَرُ
للّهِ كم في الديارِ الخُرسِ مِن وَصَبٍ / فيه لأهلِ الهوى والوجدِ معتبرُ
صبُّ يُرى أبداً مِن بعدِ بعدِهمُ / عِقْدُ الدموعِ على خدَّيهِ يَنْتثَرُ
براهُ بريَ المُدى بُعْدُ الخليطِ فما / يكادُ يُثبِتَه مِن سُقمِه النَّظَرُ
يبكي على أَثَرِ الأظعانِ في دِمَنٍ / وفي رسومِ ديارٍ مالها أثرُ
عفَّى معالِمَها طولُ الزمانِ وما / تَبيتُ تُحدِثُه للأربعِ الغِيَرُ
وعاذلٍ دأْبهُ عَذْلي فقلتُ له / مالي على العذلِ والتأنيبِ مُصْطَبرُ
بَلومُني وزنَادُ الحبِّ مضطرمٌ / في القلبِ يَقدحُ ما لا يقدحُ العُشَرُ
خَفِّضْ عليكَ فمالي عنهمُ عِوَضٌ / يا مَنْ يلومُ ولا في عيرِهمْ وَطَرُ
وفي الهوادجِ أقمارٌ إذا سَفَرَتْ / تُغنيكَ أنوارُها أن يَطْلُعَ القمرُ
هِيفُ المعاطفِ كالباناتِ رنَّحها / مرُّ النسيمِ غدا أوراقَها الشَّعَرُ
بانوا فعادَ زمانُ القربِ مذ هجروا / بعداً وعانيتُ ليلاً مالَهُ سَحَرُ
وكادَ مِن سَهَري فيه ومِن قَلقَي / يمَلُّ في جنحهِ تعليلَي السّمَرُ
كم كانَ في عنفوانِ الوصلِ يُذكِرنُي / هذا الصدودَ الذى جُرِّعتُه الحَذَرُ
سقاكَ يا مَنحنى الوادي القطارُ فكم / أظلنَّي في ذراكَ البانُ والسَّمُرُ
أين الأحبَّةُ لاحتْ لي معالِمَها / مجهولةً قد محا آثارَها الدَّهَرُ
وأين تلكَ القدودُ الملدُ مائسةً / تكادُ مِن ثِقَلِ الأردافِ تنأَطِرُ
غابوا فأضحتْ مغاني الأنسِ خاليةً / حتى كأنهَّمُ فيهنَّ ما حضروا
كفاك على وجدي دليلاً مدامعي
كفاك على وجدي دليلاً مدامعي / لقد عبَّرَِتْ عمّا تَجُنُّ أضالِعي
كتمتُ الهوى حتى تحدَّثَ ناظري / بألْسُنِ أَجفاني الهوامي الهوامعِ
ولو لم تَزُلْ تلكَ القِبابُ عنِ الحِمى / لما أهملتْ عينايَ حِفظِ الودائعِ
أيا منزلاَّ حالتْ نضارةً حسنِه / فأضحى مَحَلاَّ بعدَها للخَوامعِ
عليكَ سلامٌ مِن مشوقٍ كأَنَّما / يبيتُ على جَمْرٍ مِنَ الشوقِ لاذعٍ
لقد كانَ قبلَ البينِ فيكَ أحبَّهٌ / عِذابُ الثنايا كالبدورِ الطوالعِ
يَميسونَ في ثِنْي البرودِ كماثنتْ / غصونَ النقا مرُّ الرياحِ الزَّعازعِ
ولما تمادَى البينُ أصبحتُ خاضعاً / وقد كنتُ مِن قبلِ النوى غيرَ خاضعِ
وأمسيتُ بالطيفِ الملمِّ وقد سَرَوا / قَنوعاً وكم صاحبتُهمْ غيرَ قانعِ
فباعدتِ الأيامُ بالكُرهِ بيننا / على سُنَنٍ مِن فعلِها التتابعِ
فصرتُ إذا ناحَ الحمامُ على الغَضا / أهيُم إلى نوحِ الحمامِ السواجعِ
تجاوبُ مِن فوقٍ الغصونِ كأنَّما / خُلِقنَ لها عيدانُها كالصوامعِ
ويُقلِقني نوحُ الحمامةِ كلَّما / تغنَّتْ على فرعٍ مِنَ البانِ يانعِ
تنوحُ ولم تَفقِدْ قريناً ولا رمتْ / يدُ الدهرِ في أُلاّفِها بالروائعِ
ولا فارقتْ ظِلَّ الأراكِ ولا غدتْ / مُحَلأَّةً عن طَيبِّاتِ المشارعِ
فلا يَلْحَينِّي العاذلونَ إذا هَمَتْ / جفوني على بالي الرسومِ البلاقعِ
وقد حالَ ما بيني وبينَ أهيلِها / تَعرُّضُ قفرٍ موحشِ البيدِ واسعِ
مررتُ بها فأستوقفتني عِراصُها / وقد أصبحتْ صَفْراً خِلاءَ المرابعِ
فخاطبتُها بعدُ الأنيسِ واِنَّه / خِطابٌ على علاّتهِ غيرُ نافعِ
سقى اللّهُ ذاكَ الرسمَ دمعي فانَّهُ / منازلُ آرامِ الظِّباءِ الرَّواتعِ
وحيّا ثرى تلكَ الربوعِ سحائبُ / مِنَ الَودْقِ تُجلَى بالبروقِ اللوامعِ
مرابعُ غيدٍ عهدُهنَّ على الهوى / مصونٌ وكم سِرِّلنا غيرِ ذائعِ
أوانسُ يجرحنَ القلوبَ إذا رَنَتْ / لواحظُها كالمرهفاتِ القواطعِ
وِانْ سُتَرِتْ تلكَ الوجوهُ حسبتَها / تَجُنُّ شموساً مِن وراءِ البراقعِ
بدائعٌ حسنٍ مذ رأينا جمالَها / منحناهُ مِن أشعارِنا بالبدائعِ
ولما تفرَّقنا وودعن خفية / أنامل في حنائها كالأسارعِ
لقد سهرت للبعد منا نواظر / تبرا من رؤيا العيون الهواجع
ألا خبر عنهن من بعد ما برى / صدورَ المطايا الهوج شدُّ النسائعِ
ومِن بعدِما أزمعنَ عن رملِ عالجٍ / رحيلاً إلى حَزْنِ اللِّوى والأجارع
سرتْ رُقَّصاً في البيدِ وهي من الوجا / نُجانبُ أقداحَ الحصى واليرامعِ
فما شاقهاوهي الخوامسُ منهلُ / ولا جَنَحَتْ تبغي بحارَ اليلامعِ
جَزَعْنَ بهنَّ الجِزعَ تأتمُّ حاجراً / ولا عُذْرَ لي أن لاأُرى غيرَ جازعِ
رواقلُ بالأحبابِ في كلَّ مَجهَلٍ / بعيدِ منالِ الخطوِأزورَ شاسعِ
ومَنْ لي بأنْ تأتي الأحاديثُ عنهمُ / معطَّرةً تأوي خروقَ المسامع
تُريحُ فؤاداً لا يَقَرُّ وجيبُهُ / على نأيهمْ إلا بِشَدِّ الأصابعِِ
ولا عهدَ لي بالنومِ إلا صبابةً / تَرنَّقُ في جفنٍ مِنَ الشوقِ دامعِ
فنفَّرَهُ الحادونَ عنّي وأورثوا / قوارصَ ما بيني وبينَ المضاجعِ
فهل ما مضى مِن سالفِ الوصلِ راجعٌ / كما كانَ بالخَلْصاءِ أم غيرُ راجعِ
ومَنْ شافعٌ لي أن يعودَ زمانُه / اِذا كانَ لا يرتدُّ إلا بشافعِ
لئن حَجَزَتْ دونَ اللقاءِ مفاوزٌ / وصرَّحتِ الأيامُ لي بالموانعِ
لأرتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً / غواربُها تحكي هِضابَ مُتالعِ
الى حيث كانوا مِن بلادٍ بعيدةٍ / بأيدٍ لها نحوَ الخليطِ نوازعِ
اِذا عَرَفَ العيسَ الكلالُ رفضنَهُ / وسِرْنَ كأمثالِ السُّيولِ الدوافعِ
أطلِ الوقوفَ على رسومِ الدارِ
أطلِ الوقوفَ على رسومِ الدارِ / واسقِ الربوعَ بدمعكَ المدرارِ
هي معهدُ البثَّ الشهيَّ ومألفُ / العيشِ الرخيَّ ومُنتدى السُّمارِ
وكِناسُ كلَّ غزالةٍ فتّانَةٍ / ترنو إليكَ بناظرٍ بتّارِ
دارُ الربابِ سقى معاهدَ أُنسِها / داني الربابِ بدمعِ كلَّ قِطارِ
فيها صحبتُ الغانياتِ وحبذا / الأوطانُ اِذ يُسعِفنَ بالأوطارِ
وبها عرفتُ هوى الأحبَّةِ برهَةً / والعاذلونَ على الهوى أنصاري
أيامَ لم أجنحْ إلى خُدَعِ المُنى / فأبيتُ أحلَمُ بالخيالِ الساري
واليومَ بعدَ البينِ صارَ موكّلاً / طرفي برعي كواكبٍ ودراري
بانوا فكم مِنْ مقلةٍ بكَّتهمُ / بمدامعٍ بعدَ الخليطِ غِزارِ
ولكم أطلتُ عنِ الذين ترحَّلوا / لما وقفتُ بربعِها استخباري
أبكي وقد عزَّ الجوابُ وما الذي / يُجدي سؤالُ منازلٍ وديارِ
وكفى المحبَّ بأنْ يروحَ ويَغتدي / مِن بعدِ نأيهمُ على الآثارِ
يا ريمَ رامةَ كم مَنَعْتَ على النوى / عنّي ممرَّ خيالكَ الزّوارِ
وجنى الفراقُ عليَّ حتى اِنّني / قد صرتُ أقنعُ منكَ بالأخبارِ
ورضيتُ بعدَ القربِ لي ببعادك / المضني وبعدَ الوصلِ بالأعذارِ
ما كانَ عندي أن أيامَ الهوى / تُنسى لذاذتُها على الأعصارِ
واِذا الحمامةُ في الأراكةِ غرَّدتْ / فرحاً بلمعِ تبلُّجِ الأسحارِ
فالشوقُ بينَ أضالِعي متوقِّدٌ / يرمي حشايَ مِنَ الجوى بأوارِ
وبواعثُ الوجدِ القديمِ تحثُّني / أنْ أبلُغَ الأهواءَ بالأخطارِ
ومهوِّمينَ مِنَ الوجيفِ كأنِّما / عاطيتَهمْ في الشَّربِ كأسَ عُقارِ
أفناهمُ عنتُ الذميلِ فلم يدعْ / منهم سوى الأشباحِ في الأكوارِ
صاحبتُهمْ أبغي الُعذَيبَ فكم لنا / مِن مدمعٍ فوق النجائبِ جاري
أجراه ذكرُ الظاعنينَ وهكذا / رسمُ الدموعِ يزيدُ بالتَّذكارِ
يا أبرقَ الوادي ويا ويعَ امرىءٍ / يرجو معونتَهُ مِنَ الأحجارِ
أين البدورُ يُميلُها سكرُث الصِّبا / مرحاً فتهزاً بالقنا الخطّارِ
عهدي بها في جلهتيكَ أُزيرُها / ما لاقَ أو ما راقَ من أشعاري
وسواحرُ المقلِ اللواتي لم تَزَلْ / تُصمي القلوبَ بلحظِها السحّارِ
بل أين كاساتُ الثغورِ تُمِيلُني / سُكْراً ولم تُعْقِبهُ لي بخُمارِ
رحلوا وكانَ العيشُ قبلَ رحيلهم / يجري بقربهمُ على الاِيثارِ
وكتمتُ لما ثوَّروا أسرارَهمْ / والبينُ فيه يُذاعُ بالأسرارِ
وحَفِظتْ بعدَهمُ العهودَ وهذه / شِيَمٌ يُدَلُّ بها على الأحرارِ
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها
أعائدٌ ليَ أيامٌ نعِمتُ بها / بالرقمتينِ وأهلُ البانِ ما بانوا
أيامَ كنا وكانَ الربعُ يجمعُنا / ولم نقل اِننا كنّا ولا كانوا
في لذةٍ مِن وصالٍ لا يُنغَّصُه / بينٌ ولا كاشحٌ يُغريهِ شنآنُ
فهل معيدٌ لنا أيامَهنَّ كما / كنّا على الجِزعِ لا خُنّا ولا خانوا
لا خيرَ في كاشحٍ يسعى ليمنعَني / فرباً نعمتُ به والوقتُ جَذْلانُ
قطعتُ أطيبَهُ بالرقمتينِ ولي / في الربعِ والغيدِ أوطارٌ وأوطانُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ / نعمْ معالمُ لا تُغني وأحجارُ
اِذا وقفتَ بها بكّاكَ ما حلُها / وآيةُ الشوقِ أن تبكي لكَ الدارُ
منازلٌ لم تزلْ مأوًى لغانيةٍ / دمعي عليها واِنْ لم يُجْدِ مِدْرارُ
نأت فلم يبق مذ زمت ركائبها / للبين إلا أحاديث وأخبار
مِن بعدِ ما كانتِ الأيامُ تُتْحِفُني / بقربِها زمناً والوصلُ أطوارُ
أبكي وقد باعدَتْها عن مرابِعها / نوًى لعوبٌ بها والدهرُ غدّارُ
وفي الدموعِ اِذا ما الصبرُ أعوزَني / على الصبابةِ أعوانٌ وأنصارُ
أين الأحبَّةُ كانوا في الديارِ لَهاً / وهمْ شُمُوسٌ منيراتٌ وأقمارُ
بانوا فلي مِن دموعي بعدَ بينهمُ / وفي ازديادِ الهوى العذريَّ أعذارُ
يا حارِ عنديَ سِرٌّ لا أبوحُ بهِ / اِلاّ إليكَ وللعُشّاقِ أسرارُ
شوقٌ تضاعفَ حتى ليس لي قِبَلٌ / به ونارُ غرامٍ دونَها النارُ
ومقلةٌ لم تذقْ بعدَ النوى وَسَناً / أنَّي ومِن دونِهمْ بيدٌ وأخطارُ
قد ملَّ تَسهادَها إلا ظلامُ بعدهمُ / وملَّني فيه حدّاثٌ وسمّارُ
تنامُ عينُ الخليَّ القلبِ مِن شَجَنٍ / ولي على السَّهَرِ المقليَّ اِصرارُ
اِيهٍ حديثَكَ عن نَعمانَ أين مضى / سكانُه فحديثُ الوجدِ أسمارُ
حَدَّثتَني ما أجدَّ الذكرَ أيسرُه / أعِدُْهُ أن الهوى والشوقَ تَذكارُ
فكم أثارتْ لنا ذكراهمُ حُرَقاً / كأنَّ ذكراهمُ في الربعِ آثارُ
وكم وقفتُ به مِنْ وقفةٍ صدعتْ / قلبي وقد أزمعَ الحبابُ أو ساروا
مخاطباً لعراصٍ كم زهتْ بهمُ / وهكذا الدهرُ اِقبالٌ واِدبارُ
مَلُّوا الثواءَ بها فاستبدلوا بدلاً / عنها وبانوا فهم في القلبِ حُضّارُ
فهل عليَّ إذا بكَّيتُ دراسَها / بعدَ الخليطِ الذى ودَّعتُه عارُ
ومهمهٍ قذفتْ بي في مجاهلهِ / الى الأحبَّةِ أحلاسٌ وأكوارُ
يختبُّ في هبواتِ المُورِ مُنْصَلتاً / بي بازلٌ قلِقُ الأنساعِ مَوّارُ
أحثُّهُ والهوى مِن فوقِ غاربهِ / يَحثُّني فهو في الحالينِ صبّارُ
وما المدامةُ كالابريزِ صافيةً / قد شَقَّ عنها ثيابَ القارِ خمّارُ
تضوعُ طيباً وقد دارتْ زجاجتُها / كأنَّما عَلَّها بالملكِ عطّارُ
يسعى بها رشأٌ في الشَّربِ تحسبُه / كالبدرِ قد بتَّ منه الخصرَ زُنّارُ
أمالَهُ في خفاراتِ الصَّبا مرحٌ / بينَ النَّدامى فغارَ البانُ والغارُ
يوماً بألعبَ منه بالعقولِ وقد / سَجا له ناظرٌ لِلُّبَّ سحّارُ
ولا الخمائلُ قد أضحتْ موشَّعَةً / تُصْبِيكَ منهنَّ أنهارٌ وأزهارُ
تَرِفٌ فيها غصونٌ مِن حدائقها / وتستبيكَ على الباناتِ أطيارُ
يوماً بأحسنَ مِن نظمٍ أوشَّعُهُ / والناسُ مِن بعدِه في الشَّعرِ أنظارُ
يروقُ سمعَكَ منها شُرَّدٌ عُرُبٌ / مختارٌة والنُّضارُ الطلقُ مُخْتارُ
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما / وعصراً لِرَيْعانِ الشبابِ تَصَرَّما
ومدَّةَ لهوٍ قصَّرَتْها حبائبٌ / سُقِيتُ بها خمرَ الرُّضابِ مُخَتَّما
فأجريتُ مِن عينيَّ دمعاً مُوَرَّدا / فلم أدرِ ماءً ما تحدَّرَ أم دما
وأجَّجَ في قلبي الغرامُ لواعجاً / مِنَ الشوقِ يبعثنَ الزفيرَ المضرَّما
ليَ اللهُ مِن قلبٍ إذا ذَكَرَ النوى / توجَّعَ مِن أيامِها وتظلَّما
ومما شجاني معهدٌ ما عَهِدتُه / خَلاءً وربعٌ بعدَهنَّ تهدَّما
ديارُ الأولى أضحتْ وقد بانَ أهلُها / بأيدي البِلى والبينِ نهباً مقسَّما
عبرتُ بها فاستوقفَتْني ملاعبٌ / سحبتُ بها بُردَ الشبيبةِ مُعْلَما
فلم أعرفِ الأطلالَ وهي دوارسٌ / خوالٍ مِنَ الأحبابِ إلا توهُّما
لقد كانَ ميقاتُ الدنوَّ بقربهمْ / حميداً فلمّا عزَّ صار مذمَّما
أليسَ عجيباً والعجائب جَمَّةٌ / فصيحٌ يناجي بالصَّبابةِ أَعْجَما
يسائلُ آثارَ الديارِ عنِ الذي / ترحَّلَ عنها أين حلَّ وخيَّما
وقد كَرَبتْ لما ألمَّ مخاطباً / لعرفانِه الأطلالُ أن تتكلَّما
منازلُ أحبابٍ يَحُثُّ مسارعاً / اليهنَّ فتلاءَ الذراعينِ عَيْهَما
تُلاعبُ أثناءَ الزَّمامِ وعندَها / أليمُ وجاً لم يُبقِ للوخدِ مَنْسِما
تَرفَّعُ أخفاقُ المطيَّهِ عن دمٍ / اِذا نَظَرتْهُ العينُ خالتْهُ عَنْدَما
فِانْ أنجدَ الأحبابُ أنجدَني الهوى / واِنْ أتهموا عادَ الغرامُ فأتهَما
خليلَّي هلاَّ تُسعدانِ أخاكما / وقد قرَّبَ الحيُّ المطيَّ المخزَّما
أمِنْ بعدِ ما تنأى به غُربَةُ أن النوى / تُعينانِ صبّاً بالأحبَّةِ مُغرَما
وماذا عسى تُجدي الاِعانةُ سرتْ / بهمْ قُلُصٌ تشأى النعامَ المُصَلّما
اِذا رُفِعتْ تلكَ القِبابُ عنِ الحِمى / وغرَّدَ حادي عيسِها فترنَّما
دعاني وما ألقاهُ مِن لاعجِ الهوى / فلا أنتُما منّي ولا أنا منكُما
أعينَيَّ هذا موقفُ البينِ فاسفَحا / مدامعَ تُغني الصبَّ أن يتذممَّا
فمالي اِذا حُمَّ الفراقُ وأزمعوا / رحيلاً سوى حثُ النياقِ وأنتُما
أجوبُ بها مِنْ شاسعِ البيدِ مَخرِما / اِذا جاورتهُ العيسُ يمَّمتُ مَخْرِما
أُغذُّ ومِن تحتِ الرفاقِ أيانِقٌ / لواغبُ يتبعنَ النجيبَ المزممَّا
سواهمُ مِن نسلِ الجديلِ وشدقمٍ / كرائمُ خَجَّلنَ الجديلَ وشَدْقَما
أخوضُ بها بحرَ السرابِ وتَنثني / فتجتابُ قَطْعاً مِن دجى الليلِ مظلما
أصاحبُ فيه مِن ظُبى الهندِ صارماً / وأسمرَ عسالاً وأجردَ شَيْظَما
وعزماً إذا خامَ الكماةُ وأحجموا / عنِ الموتِ في يومِ النزالِ تَقَدَّما
وفرسانُ حربٍ لاتَمَلُّ صدورهُمْ / لقاءَ الأغادي والوشيج المقوَّما
الى حيثُ كانوا في البلادِ فاِنَّني / أرى العيشَ إلا بالتواصلِ مَغْرَما
لئن قرَّبَ الأحبابُ منّي مزارهمْ / وأصبحَ زَنْدُ البينِ بالوصلِ أجذَما
وأصغُوا إلى نجوايَ فهي شكايةُ / وجدتُ لها طعماً حكى الصّابَ عَلْقَما
بثثتُهمُ والدارُ تجمعُ شملَنا / على غِرَّةِ الواشينَ وَجْداً مكتَّما
بلفظٍ يَغارُ الروضُ منه وقد بدا / يروقُكَ مُوشِيَّ اللَّباسِ مُنَمْنمَا
تخلَّلَ أنواعَ النباتِ بديعَه / بساطٌ غدا بالأُقحُوانِ مرقَّما
وما مزنةٌ أرختْ شآبيبَ وَبْلِها / فأسبلَ مِن فوقِ الربوعِ وديمَّا
تجلجلَ فيها الرعدُ والبرقُ لامعٌ / يُطرَّزُ بُرداً للسحابِ مسهَّما
بأغزرَ مِن دمعي عُقَيْبَ نواهمُ / وقد زُرْتُ للغادينَ ربعاً ومَعْلمَا
كم رضتُ جامحَ قلبي عنكمُ فأبى
كم رضتُ جامحَ قلبي عنكمُ فأبى / وكانَ ذاكَ لا فرطِ الهوى سببا
غالبتُه ودواعي الشوقِ تُسمِعُني / خوفُ الفراقِ ولكنْ وجدُه غَلَبا
وكنتُ أعهدُهُ مِنْ قبلِ حبَّكمُ / يُطيعُني فمتى عاتبتُه انعتَبا
لم يتركِ الوجدُ لي لمّا هويتُكمُ / في سائرِ الناسِ تأميلاً ولا أربَا
يا مُخجلي الشمسَ كم أنضبتُ بعدكُمُ / نُجْباً مُزَمَّمةً لا تَعْرِفُ اللَّغَبا
يحدو لها وهي في البيداءِ جانحةٌ / حادٍ إذا زِدنَ وجداً زادها طَرَبا
تطوي الفيافي وما أنفكُّ أُوسِعُها / سوقاً يُكلَّفهنَّ النصَّ والخَبَبا
رواقلاً في عُبابِ الآلِ تحسبُها / قَطاً سِراعاً إلى أورادِها سُرُبا
يا مُرخصي الدمعَ هذى الورقُ ساجعةٌ / في البانِ تُظهِرُ مِن تطريبها عَجَبا
تنوحُ والصبحُ في أثناءِ شَمْلَتِهِ / والريحُ قد حرَّكتْ مِن قُضْبِهِ العَذَبا
فكلَّما رَدَّدَتْ في الأيكِ عُجمتَها / على ضِرامِ غرامي زِدنَهُ لَهبَا
أحبابَنا كيف لا تُرعى محافظتي / لودَّكمْ وهي قد صارتْ لنا نَسَبا
أرومُ عودكمُ والبينُ معترِضٌ / بيني وبينكمُ يستغرقُ الحُقُبا
حمَّلتموني ما لو أن أيسرَهُ / يُمنى به حَضَنٌ لاندكَّ أو كَرَبا
بنتمْ فلا مقلتي تَرْقا مدامعُها / بعدَ الرحيلِ ولا وجدي بكم عَزَبا
الحالُ ما حالَ والأشواقُ ما برحتْ / كما عهدتمْ وحبلُ الوجدِ ما انقضبا
وفي الهوادجِ والأظعانِ بدرُ دجًى / يروعُني سافراً منه ومُنتقبا
اِذا وصفتُ له وجدي على ثقةٍ / بأنْ يُريحَ فؤادي زادَهُ تَعَبا
يا بينُ هلاّ تردُّ العيسَ حاملةً / على غواربهنَّ الجيرةَ الغُيُبا
مِن كلَّ غانيةٍ بيضاءَ حاليةٍ / ممكورةٍ تَخِذَتْ مِن صونِها حُجُبا
ضنَّتْ بزُوْرِ مواعيدٍ تريحُ بها / قلباً اليها على علاّتِها انجذبا
وجشَّمتْنَي جوبَ البيدِ طامسةً / يلقى الخيالُ إذا ما جاسَها نَصَبا
أحثُّ فيها علنداءً هملَّعةً / تفلي الفلاةَ إلى أبياتِها طَلَبا
أرومُ منها على بُخلٍ بها شَنَباً / بَذلْتُ فيه لها قبلَ النوى النَّشَبا
يا عاذلَ الصبَّ في دمعٍ يرقرقُهُ / بعدَ الخليطِ على شملٍ قد انشعبا
لا تعذليهِ فهذا الدمعُ بعدَهمُ / يُقضَى به مِنْ حقوقِ الربعِ ما وَجَبا
ربعٌ ينوحُ على سكانهِ فاِذا / ما كظّهُ الشوقُ في أطلالهِ انتحبا
وما الغمامُ مُلِثَّ القطرِ منبجساً / يوماً بأغزرَ مِن دمعي إذا انسكبا
كلاّ ولا البرقُ قد طارتْ شرارتُه / ليلاً بأضرمَ مِن وجدي إذا التهبا
تكادُ تُحْرِقُ أنفاسي الربوعُ وقد / أثارَ عنها حُداةُ الجيرةِ النُّجُبا
ألا حيَّ آثارَ الرسومِ الدوائرِ
ألا حيَّ آثارَ الرسومِ الدوائرِ / سَقَتْها شآبيبُ الغيوثِ البواكرِ
وجادِ على أطلالِها كلُّ هاطلٍ / مِنَ المزنِ ثَجاجِ الأماعجِ هامرِ
منازلُ احبابٍ ومَبْرَكُ أينُقٍ / ومجمعُ خُلاّنٍ ومجلسُ سامرِ
حبستُ عليها اليَعْملاتِ ضوامراً / مِنَ الوخدِ والارقالِ خُوصَ النواظرِ
عليها أولو شوقٍ إذا ذُكِرَ النوى / أسالوا غُرُوبَ الدمعِ بينَ المحاجرِ
كأنَّ عتاقَ النُّجْبِ قد ضمنتْ لهمْ / وشيكَ التلاقي أو متونَ الأباعرِ
فمِنْ ناشدٍ بينَ المنازلِ قلبَهُ / ومِن مشتكٍ فيها صدودَ الجآذرِ
اِذا ما تساقَى القومُ كاساتِ حبَّهمْ / عليها سَقَوها بالدموعِ البوادرِ
براها أذى التَّرحالِ أعادَها / مِنَ الضُّمْرِ في الأنساعِ شِبهَ المخاصرِ
لواغبُ أنضاها الذميلُ بواركاً / مِنَ الأينِ يَفْحَصْنَ الحصى بالكَراكِرِ
قِرًى في صِحافَ البيدِ اضحتْ لحومُها / لحوماً لِعقْبانِ الرَّعانِ الكواسرِ
فللهِ كم في الخَرقِ منها رذيَّةٌ / تُناشُ بأفواه المنايا الفواغرِ
فيا صاحبيَّ اليومَ عوجا لعلَّنا / نُجَدَّدُ أوقاتَ اللَّقاءِ بحاجرِ
ففيه ظباءٌ آنساتٌ سوافرٌ / تخجَّلُ آرامَ الظباءِ النوافرِ
ولا تُنكروا أن شمتُ بارقُ أرضهِ / غراماً إلى تلكَ الخدودِ النواضرِ
اِذا نفحتْ عن روضهِ نفحةُ الصَّبا / نشقنا شَذا ضوعاتِها بالمناخرِ
تُجَرَّرُ مِن فوقِ الرياضِ ذيولها / فَتُودعُها أنفاسَ فارةِ تاجرِ
أما وليالٍ في الوصالِ تصرَّمتْ / أوائلُها ما رُوعَّتْ بأواخرِ
ليالي ما وكَّلْتُ طرفي صبابةً / برعي النجومِ النيَّراتِ الزواهرِ
لقد عُدْتُ في أِثْرِ الصبابةِ بعدَهمْ / رهيناً بتَذكارِ الليالي الغوابرِ
وأيامِ لهوٍ كلَّما عَنَّ ذِكرُها / وجدتُ له في القلبيِ حَرَّ الهواجرِ
فيا عهدَها الخالي بميثاءِ حاجرٍ / سقاكَ عِهادٌ مِن دموعي المواطرِ
دموعٌ إذا ما الغيثُ أثجمَ أثجمتْ / سحائبُها كاللؤلؤ المتناثرِ
ويا معهدَ الأحبابِ حوشيتَ أن أُرى / لعهدِكَ روَاكَ الحيا غيرَ ذاكرِ
حلفتُ بِشُعْثٍ في الرَّحالِ كأنمَّا / على كلَّ كُورٍ منهمُ ظِلُّ طائرِ
وبالعيسِ أشباهِ الحنايا مُغِذَّةً / تسابقُ أنفاسَ الرَّياحِ الخواطرِ
وبالجُرْدِ أمثالِ السَّعالى وحبَّذا / عِشارُ المذاكي بالقنا المتشاجرِ
ووقفةِ مشبوحِ الذراعِ غَشَمشَمٍ / جريءٍ على حربِ الكُماةِ المساعرِ
بأني واِنْ كانَ القريضُ سجيَّةً / لغيريَ مِن بادي القريضِ وحاضرِ
لأُخرِسُ اربابَ الفصاةِ منهمُ / بنظمٍ يُعِيدُ النظمَ صُلْبَ المكاسرِ
وما الناسُ إلا كالبحورِ فبعضُهمْ / عقيمٌ وبعضٌ مَعدِنٌ للجواهرِ