القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 138
سارِي الْهَواءِ مَلَكْتَ أَيَّ جَناحِ
سارِي الْهَواءِ مَلَكْتَ أَيَّ جَناحِ / وحَلَلْتَ أيَّ مَشارِفٍ وَبِطاحِ
وبِأَيِّ ناحِيَةٍ أَقَمْتَ فإِنَّني / أَلْقاكَ بَيْنَ تَوثُّبٍ وجمِاحِ
في كُلِّ مَغْدىً مِنْ ذُيُولِكَ مَسحَبٌ / وخُطاكَ ماثِلَةٌ بِكُلِّ مَراحِ
تَجْرِي فَتَنْتَظِمُ الْمَدَائِنَ والْقُرَى / وتَفُوتُهُنَّ إلى مَدىً فَيَّاحِ
لا الْبَرْقُ يَسْرِي حَيْث سِرْتَ ولا رَمَى / نَسْرٌ إِلى ما رُمْتَهُ بِجنَاحِ
يَكْبُو الظَلِيمُ وأَيْنَ مِنْكَ عِداؤُهُ / ويَكِلُّ جُهْدُ الأَجْرَدِ السَبّاحِ
تَمْضِي فلا تَقِف الْعَوَائِقُ حائِلاً / وتَمُرُّ بَيْنَ الصَلْدِ والصُّفّاحِ
دانٍ وما عَلقَتْ بِشَخْصِكَ أَعْيُنٌ / يَوْماً ولا مُسَّتْ يَداكَ بِراحِ
تَتَمايَلُ الأشْباحُ إنْ تَخْطِرْ بها / ومِنَ السُرورِ تَمايُلُ الأَشْباحِ
وتَهُزُّ أَدْواحَ الرياضِ فَتَنْثَنِي / شَوْقاً إِلَيْكَ بَواسِقُ الأَدْواحِ
لَوْلاكَ ما صَبَّ الْغَمامُ عُيْونَهُ / تَسْقِيِ الْبِطاحَ بِوابِلٍ سَحَّاحِ
لَوْلاكَ ما زَهَتِ الربَا بِمُرَقَّشٍ / مِنْ نَسْجِ مَنْثُورٍ وَوَشِي أقاحِي
قَدَحُ الْحَيَاةِ وَأَنْتَ أَغْلَى مَشْرَباً / مِنْ صَفْوَةِ الْمَاذِيِّ في الأَقْدَاحِ
سِرْ يا هَواءُ فَأنْتَ أَوْطَأُ مَرْكَبٍ / واهْتِفْ بِصَوْتِ الطَائِرِ الصَدَّاحِ
واحْرِصْ عَلَى سِحْرِ الْبَيانِ وَوَحْيِهِ / وَارْفُقْ بآيٍ في الْقَرِيض فِصاحِ
جَمَعَتْ مِنَ الزَهْرِ النَديِّ قَوافِياً / تَسْبِي النهَى بِعَبِيرِها الْفَوّاحِ
دُرَرٌ صِحاحٌ لَوْ تُقاسُ بِشِبْهِهَا / لَبَدَتْ دَرارِي اللَّيْلِ غَيْرَ صِحاحِ
ما السَيْفُ في كَفِّ الْمُفَزَّعِ قَلْبُهُ / كالسَيْفِ في كَفِّ الفَتَى الْجَحْجَاحِ
الشعْرُ مِنْ سِرِّ السَماءِ فَهمْسُهُ / وَحْيُ النُفُوسِ وَرَاحَةُ الأَرَْاحِ
كَمُلَتْ صِفَاتُ الراحِ في نَشَوَاتِهِ / وَنَجا فَلَمْ يُوصَمْ بإِثْمِ الراحِ
سِرْ يا قَرِيضُ إِلَى الْعُرُوبَةِ مُسْرِعاً / وَانْزِلْ بآفاقٍ بِها ونَواحِي
وَامْزُجْ بمِسْكِيِّ الأَثِيرِ تَحيَّةً / لِعَشائِرٍ شُمِّ الأُنُوفِ سِماحِ
شَحُّوا بِأَنْ تَلِدَ الْمَكارِمُ غَيْرَهُمْ / وَهُمُ عَلَى النَّجَداتِ غَيْرُ شِحاحِ
جَعَلُوا مِنَ الْفُصْحَى وَمِنْ آياتِها / نَسَباً مُضِيئاً كالنهارِ الضاحِي
الضادُ تَجْمَعُهُمْ وَتَرْأَبُ صَدْعَهُمْ / سِيَّانِ في الأَفْراحِ وَالأَتْرَاحِ
دارَ الإِذاعَةِ لا تَمَليِّ إنَّني / أَطْلَقْتُ لِلأَمَل الْبَعيدِ سَراحِي
حُبُّ الْعُروبَةِ قَدْ جَرَى بِمفَاصِلي / بالرَّغْمِ مِنْ هَذِرِ الْحَدِيثِ مُلاَحي
دارَ الإِذاعَةِ أَنْتِ بِنْتُ ثَلاثَةٍ / مَرَّتْ كَوَمْضِ الْبَارِقِ اللَّمَّاحِ
كَمْ فِيكِ لِلْقُرآنِ رَنَّةُ قارِىءٍ / تَحْلُو لَدَى الإِمْسَاءِ والإِصْبَاحِ
كَشَفَتْ عَنِ النفْسِ الْمَلُولِ حِجابَها / فَتَوَجَّهَتْ لِلْخَالِقِ الْفَتَّاحِ
الدِينُ سَلْوَى النفْسِ في آلامِها / وطَبيبُها مِنْ أَدْمُع وَجِراحِ
أوْدَعْتُه حُزْني فَلَمْ تَعْبَثْ بِهِ / شكْوَى ولا صَدَع الدجَى بِنُواحِ
دارَ الإِذاعَةِ كَمْ نَشَرْتِ ثَقافَةً / جَلَّتْ مَآثِرُها عَنِ الإِفْصَاحِ
كمْ جازَ صَوْتُك مِنْ بِحارٍ سُجِّرَتْ / وَفَدافِدٍ شُعْثِ الْفِجاجِ فِساحِ
أَصْبَحْتِ أُسْتاذَ الشُعُوبِ وَكافَحَتْ / نَجْواكِ جَيْشَ الْجَهْلِ أَيَّ كِفاحِ
وَمَلأْتِ بِالْعِلْمِ الْبِلادَ فَنُورُهُ / في كُلِّ مُنْعَطَفٍ وَبُهْرَةِ ساحِ
تَتَلَقَّفُ الدنْيَا حديثَكِ مِثْلَمَا / يَتَلَقَّفُ الأَبْرارُ وَحْيَ الْوَاحِي
دَارَ الإِذاعَةِ أَنْتِ أَمْرَحُ أَيْكَةٍ / صَدَحَتْ فكانَتْ أيْكَةَ الأَفْراحِ
صاحَتْ بَلابِلُكِ الْحِسانُ فَأَخْمَلتْ / في الْجَوِّ صَوْتَ البُلْبُلِ الصَيَّاحِ
مِنْ كُلِّ شادِيَةٍ كَأَنَّ حَنِينَها / هَمْسُ الْمُنَى لِلْيائِسِ الْكَدَّاحِ
اللَّيْلُ إِنْ نادَتْهُ ماسَ بِعِطْفِهِ / فَتَراهُ بَيْنَ الْمُنْتَشي والصَاحِي
كَمْ فِيك مِْ لَهْوٍ بهِ رِيُّ النهَى / وفُكاهَةٍ مَحبُوبَةٍ ومُزاحِ
النفْسُ تَسْأَمُ إِنْ تَطاوَلَ جِدُّها / فَأكْشِفْ سَآمَةَ جِدِّهَا بِمُباحِ
زُمَرَ الشَبابِ وَلي مَلامَةُ ناصِحٍ / لَوْ تَسْمَعُونَ نَصِيحَةِ النصاحِ
بِالْعِلْمِ مَرْكُونِي تَسَلَّقَ لِلْعُلا / وَبعَزْمَةِ الْوَثّابَةِ الطمّاحِ
رَجُلٌ عِصامِيُّ الأَرُومَةِ لَمْ يَنَلْ / مَجْداً بِآمُونٍ ولا بِفتاحِ
تَتَطَلعُ الدنْيا إِلَيْهِ وتَمْتَطِي / ذِكْرَى مَآثِرِهِ مُتُونَ رِياحِ
إِنَّ التفاخُرَ بِالْقَدِيمِ تَعِلَّةٌ / وَالْجَهْلُ لِلْمَجْدِ الْمُؤَثَّلِ ماحي
والْعِلْمُ مِصْباحُ الْحَياةِ فَنَقِّبُوا / مِنْ قَبْلِ أَنْ تَثِبُوا عَنِ الْمِصْباحِ
بَلَى السِلاحُ مَعَ الْقَدِيمِ وَعَهْدِهِ / والآنَ صارَ الْعِلْمُ خَيْرَ سِلاحِ
الْيَوْمَ فِكْرَةُ عالِمٍ في مَصْنَعٍ / تُغْنِي عَنِ الأَسْيافِ والأَرْماحِ
وَتَصُدُّ كُلَّ كَتِيبَةٍ مَوَّارَةٍ / خَضْرَاءَ تَقْذِفُ بِالْكُماةِ رَدَاحِ
أَمْضُوا الْجُهُودَ وأخْلِصُوا لِبلادِكُمْ / في الْجَهْدِ والإِخْلاص كلُّ نَجاحِ
لاَ يُرْتَجَى مِنْ أُمَّةٍ مَفْتُونَةٍ / بِاللَّهْوِ والتسْوِيفِ أَيُّ فَلاحِ
خُوضُوا الصعابَ ولا تَملُّوا إنَّما / نَيْلُ الْمُنَى بالصبْرِ والإِلْحاحِ
قَدْ يُنْجِدُ اللُّجُّ الْغَرِيقَ بِقَذْفِهِ / حَيَّا فَيَلْقَى الْمَوْتَ في الضَحْضَاحِ
الْعَهْدُ مِثْلكُمُ جَدِيدٌ مُشْرِقٌ / فَهَلُمَّ لِلإِنْتاجِ والإِصْلاحِ
وَمَلِيكُكُمْ مَثَلُ الشبابِ مُجّمَّلٌ / بِخلائِقٍ غُرِّ الْوُجُوهِ صِباحِ
يَتَفاءَلُ النيلُ الْوَفِيُّ بِعَهْدِهِ / وَبِيُمْنِ طَلْعَةِ وَجْهِهِ الْوَضّاحِ
سارَتْ مَحَامِدُهُ وسارَتْ خَلْفَها / تَشْدُو بِسابِغِ فَضْلِهِ أَمْداحِي
قالوا علِيٌّ غدا نَقيباً
قالوا علِيٌّ غدا نَقيباً / قلتُ مَتَى لم يكنْ نقيبَا
المسكُ مسْكٌ فإن تُبالغْ / في وَصْفهِ لم تَزِدْه طِيبا
لو اشتكَى الدهرُ من سَقامٍ / لم يتَّخِذْ غيرَه طَبيبا
نظمتُ لآلىءَ الفِرْدوسِ عِقدا
نظمتُ لآلىءَ الفِرْدوسِ عِقدا / ومن ذهب الأصيلِ وشيْتُ بُرْدا
وسار مع النسيم نسيمُ شعري / فكان أرقَّ أذيالاً وأندَى
غلائلُه ترِفُّ بكلِّ أرضٍ / فتنشرُ حوله مسكاً ونَدّا
تلقاه الخمائلُ ضاحكاتٍ / تهزّ معاطفاً وتمُدّ خَدّا
ويرقُمُ في الغديرِ سطورَ وَحْيٍ / وعاها الطيرُ حين شدا فأشْدى
وكم همست بِمسمعه غصونٌ / فردَّد همسَها وَلَهاً ووجدا
إذا ما الشعرُ كان شعاعَ نورٍ / أعار الشمسَ إشراقاً وخُلْدا
يشيبُ فيستردّ صباه غضا / وما أحلى الشبابَ المستَردَّا
طوَى الدنيا فليس الوعرُ وعراً / لوثبته وليس النجدُ نجدا
إذا كفُّ الزمانِ رمت رماها / وإن جدّت به الأحداثُ جدّا
وإن بسمت له الدنيا سمِعنا / نشيداً يملأ الأطيارَ حِقدا
تمنّت أن يكونَ لها صداه / فصعّر خدَّه ونأَى وصدَّا
وأين لمثلها وترٌ مُرِنٌّ / من الإلهامِ إحكاماً وشَدَّا
يغرِّدُ للخلودِ بكل أُفْقٍ / وما عرفتْ له الآفاقُ حدّا
لمستُ جَناحَه رفقاً فوافَى / وأغريتُ الوِدادَ به فودّا
له حَبُّ القلوبِ فليس يطوَى / وماءُ المقلتين فليس يصدى
أداعبُه فيصدَحُ عبقريا / فتمتدّ الرقابُ إليه مدا
ضننتُ به فلم يهتِف بعمرٍو / ولم تستهوهِ بَسَماتُ سُعدَى
وصنتُ لهاتَه عن كل لغوٍ / له خدّ الفتى العربي يندَى
تلثّم بالإباءِ فعاش حرّا / ولو عرف الرياءَ لمات عبدا
يهزّ حميَّةَ الفتيان نصلاً / ويحشُدُ رابضَ العزمات جُندا
ويُشعِلُ في القلوبِ وميضَ نارٍ / كنيرانِ الكليمِ هدىً ورشدا
ويشدو بالمروءة إن تراءت / وبالصنع الجميل إذا تبدّى
تلفّت حوله فرأى عليّا / ولم يبصر له في الطب نِدَّا
حوى هِمَمَ الرجال فكان جَمْعاً / وأُفرِد بالنبوغ فكان فَرْدا
عزيمته ترد الغِمدَ سيفاً / وحكمتهُ تردُّ السيفَ غمدا
يُحَبُّ دَماثةً ويُهاب خوفاً / كغَمْرِ السيلِ خيف وطاب وِرْدا
وفاء لو تَقَسَّم في الليالي / لما نقضت لراجيهِن عهدا
وعلمٌ يملأ الآفاقَ نوراً / وذِكْرٌ يملأ الأيامَ حمدا
وصولة حازم ما حاد يوْماً / عن القصد السويِّ ولا استبدا
وفكرٌ يلمَحُ الأقدارَ حتى / يكاد يردُّها للغيْبِ رَدّا
ووجهٌ مشرقُ القَسَماتِ سَمْحٌ / يَفيضُ بشاشةً ويلوحُ سعدا
رآه الصبحُ منه فزاد حسناً / وغار البدرُ منه فزاد سُهدا
دنا كالشمس حين دنت شعاعاً / وحلّق مثلَها في الأفق بُعدا
فلم نعرف له في الفضلِ قبْلاً / ولم نعرف له في النُبْل بَعْدا
فتى مصرٍ وهل تلقى بمصرٍ / فتى أمضى وأورى منه زَنْدا
تدارك مصرَ والميكروبُ يطغَى / وينفثُ سُمَّه ويؤُدُّ أدا
طوىَ آجالَ أهليها هَباءً / وبدّد نسلَها فتكاً ووَأْدا
فشدّ عليه مقداماً جريئاً / كما هيّجتَ يوم الرَوْع أسدا
تحدّاه وصال ولو سواه / أراد لما استطاع ولا تحدّى
فطهّر أرضها وحمى حِماها / وصان شبابَها وهدى وأهدَى
تطيرُ بها البعوضةُ وهي تدري / بأنّ وراءَها للموْتِ حَشْدا
ويمشي القَمْل والدي دي رَصيدٌ / يُصوِّبُ خلفه السهمَ الأسدّا
وما طَنُّ الذبابِ سوى نُواحٍ / وقد حصدته أيدي العلم حصدا
إذا الحشراتُ في مصرٍ تصدّت / مُناجِزةً فأنت لها تصدَّى
أننسى الجامبيا والموتُ فيها / يزمجرُ والقلوبُ تذوب كَمْدا
وكاد اليأسُ يُوهِنُ كلَّ عزمٍ / ومصرُ تصارعُ الخصمَ الألدّا
فخضتَ غِمارَها صَمداً هماماً / ورُعت بها جيوش الموت جَلْدا
وأنقذتَ الكِنانة من فناءٍ / وكنتَ لقومك الركنَ الأشدّا
نُحيِّي المرء إن نجىّ حياةً / فكيف إذا نجا الوطنُ المفدَّى
فعش للطبِّ والفُصحى إماماً / وكن لكليهما عَضُداً وزَندا
مدحتُك كي أُشيدَ بمجد مصرٍ / وأرسُمَ للشبابِ النهجَ قَصْدا
وليس ينالُ شَأْوَك وصفُ شعري / ولو أفنيتُ عمر الشعر كدّا
ومن أحصَى مآثرك الغوالي / فقد أحصى نجومَ الليل عدّا
أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا
أَغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابَا / وَامْلأْ مَدَاها شَبَابَا
وَافْتَحْ عَلَى النَاسِ فِيهَا / لِلْخَيْرِ بَاباً فَبَابا
جُزْتَ الطَرِيقَ فَصَارَتْ / تِبْراً وَكَانَتْ تُرَابَا
الْيُمْنُ يَحْدو ذَهَاباً / وَالسَعْدُ يَشْدُو إِيَابا
وَالنَخلُ ماسَتْ وَمَالَتْ / تَشَوُّقاً وَاجْتِذَابَا
قَدْ هَزَّهَا الشَوْقُ حَتَّى / كادَت تُجَارِي الركابَا
وَألزَهْرُ يَنْضَحُ عِطْراً / بَيْنَ الربَا وَمَلابَا
لَهُ ابْتِسَامُ حَبِيبٍ / أَنْسَى الْمُحِبَّ الْعِتابا
يَرْنُو فَيُرْخِي حَيَاءً / مِنَ الْكِمامِ نِقَابا
رَأَى شَبَاباً وَضِيئاً / عَمَّ الْقُرَى وَالرحَابا
رَأَى خَلاَئِقَ زُهْراً / كَالْمِسْك طَابَتْ وَطَابا
تَطَامَنَتْ هَضَبَاتٌ / ماذَأ أَصَابَ الْهِضَابَا
كَانَتْ تُسَامِي الثرَيَّا / وَالْيَوْمَ تَحْنِي الرقابَا
رَأَتْ جَلالاً مَهيباً / فَمَا وَنَتْ أَنْ تَهَابَا
وَهَالَهَا مِنْكَ عَزْمٌ / لَوْ لاَمَسَ الصخْرَ ذَابَا
وَالْبَحْرُ يَدْنُو وَيَعْلُو / تَطَلُّعاً وَارْتِقابَا
لَمَّا تَلَقَّاك قُلْنَا / لاَقَى الْعُبَابُ الْعُبَابَا
فَارُوقُ أَعْظَمُ نَفْساً / مِنْهُ وَأَسْخَى جَنابَا
يزْجِي السحابَ ثِقَالاً / وَأَنْتَ تُزْجِي الرغَابَا
وَالنيلُ يَنْسَابُ تِيهاً / بَيْنَ الْمُرُوجِ انْسِيَابَا
كالْخَوْدِ ضَمَّتْ ثِيَاباً / عُجْباً وَأَرْخَتْ ثِيَابَا
صَفَا لُجَيْناً نَقِيّاً / وَمَاجَ تِبْراً مُذَابَا
أَلْقَى الدَرَاهِمَ بُشْرَى / بِكُمْ فَكانت حَبابَا
تَوثَّبَ الْمَوْجُ فِيهِ / لِنَظْرَةٍ ثُمَّ ثَابا
جَرَى ذَلُولاً بِمَلْكٍ / ماضٍ أَذَلَّ الصعَابا
إِذَا رَأَى كَانَ حَقا / أوْ قالَ كَانَ صَوَابا
وَالناسُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ / تَهْوِي إِلَيْكَ انْصِبَابا
جَاءُوا شُعُوباً شُعُوباً / حَتَّى أَسَالُوا الشعَابا
يَرْجُونَ مِنْكَ دُنُوّاً / فَيَرْجعُونَ اهْتِيَابا
وَالشمْسُ أَعْلَى مَكاناً / مِنْ أَنْ تُنَالَ اقْتِرابا
لهُمْ دُعاءٌ أَمَاطَتْ / لَهُ السمَاءُ الْحِجَابَا
إِنْ تَلْقَهُمْ تَلْقَ مَوْجاً / إِنْ قَارَبَ الشَطَّ آبا
تَلْقَى عَجِيجاً وَشَوْقاً / وَزَفْرَةً وَاصْطِخَابا
قُلُوبُهُمْ في يَدَيْهِمْ / تُهْدَى إلَيْكَ احْتِسَابا
وَحُبُّهُمْ في وُجُوهٍ / فَاقْرَأْهُ فِيهَا كِتَابا
لاَحَ السَفِينُ فَهَامَتْ / رَشِيدُ تَعْدُو وِثابا
وَأَقْبَلَتْ وَهْيَ تَرْنُو / مَآذِناً وَقِبَابَا
تَوَدُّ خَوْضا إِلَيْهِ / لَوِ اسْتَطاعَتْ ذَهَابا
وَالشَّوْقُ إنْ غَالَ نَفْسا / لا تَسْتَطِيعُ غِلاَبا
أَعْلاَمُها خافِقاتٌ / كَمَا هَزَزْتَ القِضابا
قَدْ زَارَهَا مِنْكَ غَيْثٌ / فَانْهَلَّ فِيها انْسِكابا
وَلُحْتَ فِيهَا فَصَارَتْ / خِصْبا وَكانَتْ يَبَابا
اللّهُ أَكْبَرُ عادَتْ / بَعَدَْ الْمَشِيبِ كَعَابا
إِنْ سُوئِلَتْ عَنْ سِنِيهَا / قَالَتْ نَسيتُ الْحِسَابَا
فِيهَا نُهىً ثاقِبَاتٌ / كَمَا أَضَأْتَ الثقابا
كَالتبْرِ غَطَّاهُ تُرْبٌ / وَالدرِّ فِي الْبَحْرِ غَابا
كَمْ عَامِرَاتِ عُقُولٍ / تَأْوِي الديَارُ الْخَرابا
صَحِبْتُ فِيهَا شبابي / فَما ذَمَمْت الصحَابا
سَقْياً لِمَلْعَبِ أنْسٍ / شَابَ الزَمانُ وَشابا
إِنْ يَجْرِ فِي الْوَهْمِ يَوْماً / جَرَتْ دُمُوعِي اكْتِئَابا
مَنْ غاضَ مَاءُ صِباهُ / رَأَى الْحَيَاةَ سَرَابا
أَبُوكَ راشَ جَناحِي / حَتَّى لَمَسْتُ السحابا
وَكانَ يُصْغِي لِشِعْري / وَكانَ شِعْرِي عُجَابا
رَشِيدُ لاَقَتْ رَشِيداً / شَهْماً مُجيباً مُجابا
سَوَّاهُ مَوْلاهُ نُوراً / صِرْفاً وَمَجْداً لُبابا
نَالَتْ بِيُمْنِ سَناهُ / مِصرُ الْمُنَى وَالطِلاَبا
ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ
ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ / فَهَلْ أَجْدَى بُكَاؤُكَ أَوْ بُكَائي
وَقُلْتَ بِأَنَّةِ الْمَحْزُونِ أُشْفَى / فَأَحْوَجَكَ الشِّفاءُ إِلَى شِفَاءِ
وَمَنْ يَغْسِلْ بِأَدْمُعِهِ جَوَاهُ / أَرَادَ الْبُرْءَ مِنْ دَاءِ بِدَاءِ
بِنَفْسي الراحِلِينَ مَضَوْا سِرَاعاً / لِوَرْدِ الْمَوْتِ كَالْهِيمِ الظمَاءِ
تَوَلّى عَهْدُهُمْ وَبَقِيتُ وَحْدِي / أُقَلِّبُ طَرْفَ عَيْني في السَماء
رَثَيْتُهُمُ فَأَدْمَى الْحُزْنُ قَلْبِي / فَهَلْ نَدْبٌ يَخِفُّ إِلَى رِثائي
وَكَم حيٍ يَعيشُ بنَفْسِ مَيْتٍ / طَوَتْ آمالَها طَيَّ الردَاءِ
مضَتْ بِهِمُ النَّجَائِبُ مُصْعِدَاتٍ / وَللْبَاكِين رَنَّاتُ الْحُداءِ
تَجلَّوْا في النِّجَادِ ضُحَى صَبَاحٍ / وَغَابُوا في الوِهَادِ دُجَى مَساءِ
وَقَفْتُ أُزَوِّدُ النظَرَاتِ منْهُمْ / وَأُصْغِي لِلنوَادِبِ مِنْ وَرَائي
فَلَمْ أَرَ إِذْ نَظَرْتُ سِوَى جَلالٍ / يَهُولُ وَمَا لَمَسْتُ سِوَى هَبَاءِ
وَنَادَيْتُ الصحَابَ فَبَحَّ صَوْتِي / وَعَادَ إِلَيَّ مَكْدُوداً نِدائِي
تُفَرِّقُنَا الْحَياةُ فَإِنْ أَرَدْنَا / لِقَاءً لَمْ نَجدْ غَيْرَ الْفَنَاءِ
طَرِيقٌ عُبدَتْ مِنْ قَبْلِ نُوحٍ / ولم تُلْقَ التمائِمُ عَنْ ذُكَاءِ
بِهَا الأَضْدَادُ تُجْمَعُ في صَعِيدٍ / وَفِيهَا يَلْتَقِي دَانٍ بِنَاءِ
إِذَأ لَبِسَ الربيعَ شَبَابُ قَوْمٍ / فَأسْرَعُ مَا يُفَاجَأُ بِالشتَاءِ
وَكُلُّ نَضِيرَةٍ فَإِلَى ذُبُولٍ / وَكُلُّ مُضِيئَةٍ فَإِلى انْطِفَاءِ
وَهَلْ تَهْوِي ثِمَارُ الروْضِ إلاَّ / إِذَا أَدْرَكْنَ غَاياتِ النماءِ
أَيَا دَاوُدُ وَالذكْرَى بَقَاءٌ / ظَفِرْتَ بكُلِّ أَسْبَابِ الْبَقَاءِ
نَعَاكَ لِيَ النُعَاةُ فَقُلْتُ مَيْنٌ / وَكَمْ يَأْسٍ تشَبَّثَ بالرجَاءِ
نُمَارِي كُلَّمَا فَدَحَتْ خُطُوبٌ / فَتَرْتَاحُ النفُوسُ إِلَى الْمِرَاءِ
مَلَكْتَ يَرَاعَةً وَمَلَكْتَ قَلْباً / فَكَانَا سُلَّمَيْنِ إِلَى الْعَلاءِ
شَبَاةٌ شَقَّها الْبَارِي فَشَقَّتْ / طَرِيقاً لِلْمَجادَةِ والسراءِ
إِذَا ما أُشرِعَتْ في الْخَطِّ مالَتْ / رِماحَ الْخَطِّ مِيلَةَ الازْدِهاءِ
وَإنْ هِيَ جُرِّدَتْ لِمَضاءِ عَزْمٍ / تَوَارَى السَيْفُ مِنَ هَوْلِ الْمَضَاءِ
وَإنْ هِيَ لاَمَسَتْ يَدَهُ أَضَاءَتْ / فَهَلْ أَبْصَرْتَ فِعْلَ الْكَهْرَباءِ
كَأَنَّ لُعَابَهَا قِطْعُ اللَّيالِي / تَنَفَّسُ عن تَبَاشِيرِ الضيَاء
كَأَنَّ النِّقْسَ فَوْقَ الطْرسَ غَيْثٌ / أَعَارَ الأَرْضَ ثَوْباً مِنْ رُوَاءِ
بَيَانُكَ وَاضِحُ الْقَسَمَاتِ صَافٍ / يَكادُ يُشِعُّ مِنْ فَرْطِ الصفَاءِ
يَكادُ يَسِيلُ فِي الْقِرْطَاسِ لُطْفاً / فَتَحْبِسُهُ عَلاَمَةُ الانْتِهاءِ
بَيَانٌ لَوْ صَدَعْتَ بِهِ اللَّيَالِي / رَأَيْتَ الصبْحَ مِنْهَا في الْعِشَاءِ
لَهُ نُورٌ يَكادُ يَسِيرُ فِيهِ / رَهِينُ المَحْبِسَيِنْ بِلاَ عَنَاءِ
لَهُ النَّبَراتُ نَدْعُوهَا غِنَاءً / فَتَأْبَى أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْغِنَاءِ
سُلاَفٌ تَنْهَلُ الأَرْوَاحُ مِنْهُ / وَتَحْمِلُهُ السُقَاةُ بِلاَ إِنَاءِ
وَرَوْضَاتٌ حَلَتْ في كُلِّ عَيْنٍ / وَأَغْرَتْ بِالأَزَاهِرِ كُلَّ رَائي
طَلَبْنَ إِلَى الْغَمامِ كِسَاءَ حُسْنٍ / فَكَلَّفَ قَطْرَهُ وَشْيَ الْكِسَاءِ
تُرِيكَ عَجَائِبَ الألْوَانِ شَتَّى / كَمَا عَكَسَتْ أَشِعَّتَهَا الْمَرَائي
أَوِ الْعَذْرَاءَ حِينَ رَأَتْ غَرِيباً / فَلَثَّمَتِ الْمَلاَحَةَ بِالْحَيَاءِ
بَنَي لُبْنَانَ خَطْبُكُمْ جَلِيلٌ / دَعُونا نَقْتَسِمْهُ عَلَى السَواءِ
مَضَى شَيْخُ الصحَافَةِ أَرْيَحيّاً / مُبِيد الْوَفْرِ جَمَّاعَ الثنَاءِ
خِلالٌ كُلُّهَا أَنْفَاسُ رَوْضٍ / وَنَفْسٌ كُلُّها قَطَرَاتُ مَاءِ
نُعَزِّي فِيهِ لُبْنَاناً وَنَبْكِي / فَمَنْ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِالْعَزَاءِ
مُصَابُكُمُ وَقَدْ أَدْمَى مُصَابِي / وَرُزْءُ الْعَبْقَرِيَّةِ وَالذكاءِ
لَهُ اهْتَزَّتْ بَوَاسِقُ نَخْلِ مِصْرٍ / وَهَالَ الأَرْزَ إِرْجَافُ الْفَضَاءِ
بَنِي الْقُطْرِ الشَقِيقِ لَنَا صِلاَتٌ / كَرِيمَاتٌ عُقِدْنَ عَلَى الْوَفَاءِ
بَنُو أَعْمَامِنَا أَنْتُمْ وَفِيكُمْ / حِفَاظٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالإِخَاءِ
وَفِي الْفُصْحَى لَنَا نَسَبٌ كَرِيمٌ / كَقُرْصِ الشمْسِ شَمَّاخُ السنَاءِ
أَعَدْناهَا نِزَارِيةً عَرُوباً / لَها حُسْنُ الْتِفاتٍ وانْثِناءِ
إِذَا خَطَرتَ بِنَادِي الْقَوْمِ حَلُّوا / مِنَ الإِكْبَارِ مَعْقُودَ الْحُبَاءِ
تَجَاوَزْنَا بِهَا أَطْلاَلَ سُعْدَى / وبَدَّلْنَا الْمَقَاصِرَ بِالْخِبَاءِ
وَجِئْنَا بِالْعُجَابِ يُخَالُ سِحْراً / وَكُلُّ السحْرِ مِنْ أَلِفٍ وَباءِ
وَكانَتْ قَبْلَ نَهْضَتِنَا نُحَاساً / وَكُنَّا سَادَةً فِي الْكِيمِيَاءِ
قَضَى دَاوُدُ فَالأقْلاَمُ حسْرَى / نَوَاكِسُ خَاشِعاتٌ لِلْقَضَاءِ
هِيَ الأيَّامُ تَهْدِمُ ما بَنَتْهُ / فَماذَا يَبْتَغِينَ مِنَ الْبِنَاءِ
حَيَاةُ الْمَرْءِ في الدنْيَا هَبَاءٌ / وَآمَالُ الْمُؤَمِّلِ مِنْ هَوَاءِ
وَمَا لِلْجَازِعِينَ سِوَى اصْطِبَارٍ / وَمَا للسَّاخِطِينَ سِوى الرضَاءِ
هاج شوْقَ الوالِهِ المُضطربِ
هاج شوْقَ الوالِهِ المُضطربِ / حُلُمٌ شَقَّ ظَلامَ الحُجُبِ
جرّدَ الليلُ عليه غَيْهباً / فتخطَّى عقَباتِ الغَيْهبِ
زارني والليلُ في غَفْوتِه / يَتَمطّى عن دِثارِ السُّحُب
طائفٌ إنْ رُمتَه لم تلْقَه / وهو من جفنِكَ بين الهُدُب
بارعُ الريشةِ حتّى لَتَرَى / غائبَ الشخصِ كأنْ لم يَغِب
بسَماتُ الروضِ من ألوانِه / وسَنا الكأسِ ودُرُّ الحُبَب
في يديه مِجْهَرٌ من عَجَبٍ / تُفَتَحُ العينُ به عن عَجبِ
قلتُ هذِي جَنَّةٌ أم ما أرَى / أم تهاويلُ خَيالٍ كَذِبِ
أم أنا غيْري وإلاّ مَنْ أنا / أم هو السحْرُ غدا يلعَبُ بي
ما الذي يبدو لعيني سامِقاً / يتحدّى سَبَحاتِ الكوكب
أرضُه مِسْكٌ وفي تُرْبتِه / ينبُتُ الفَنُّ مكانَ العُشُب
وإذا شاد يُغنِّي مَرِحٌ / لُؤلؤيُّ الصوتِ حُلْوُ المذهب
صاح ذا لُبْنانُ فانْزِلْ سَفْحَه / قلت مالي غيرَه من أَرَب
هو عِرِّيسٌ لآسادِ الْحِمَى / وكِناسٌ لِظباءِ الربْرَب
قد تمنّاه الهوَى من بُعد / كيف لو أبصَرَه عن كَثبِ
الأزاهيرُ به من قُبَلٍ / والينابيعُ رَحيقُ العِنب
وقدودُ الهِيفِ في رَوْضاتِه / قُضُبٌ تمْرَحُ بين القُضُب
جُمِعتْ لَيْلاتُه من دَعَجٍ / وسَنا إصباحِه من لَبَب
وَسجايا أهلِه أنْسامُه / كم نعِمْنا بِشذاها الطيب
كتَبَ المجدُ لهم تاريخَهمْ / في جبينِ الدهرِ لا في الكُتبِ
كلُّ شهمٍ أَرْيَحِيّ أغْلَبٍ / من كريمٍ أريحِيّ أَغْلَب
بين عَدنانَ وغَسّانَ لهم / نسَبٌ يرفَعُ شأوَ النسب
نصبوا في كلِّ أرضٍ رايَهم / ما دَروْا في المجد معنى النصَبِ
وأذلُّوا الصعبَ في رِحْلاتِهم / أيُّ صعبٍ عندهم لم يُرْكَب
وطَوْوا شرقاً بشرقٍ وجرَى / سيلُهم يزحَمُ شطَّ المغْرِب
ينزَحُ النازحُ ما في رَحْلِه / غيرُ إقدامٍ وعزمٍ ذَرِبِ
ورَجاءٍ برجاءٍ يلْتقي / وكِفاحٍ للقاءِ النُّوَب
رأسُ مالِ المرءِ ما في رأسِه / من ذكاءٍ لا حُطامُ النَشُب
ملكوا الدنيا فلما جَمَحتْ / ملكوها برفيعِ الأدب
ليس للسيفِ على حدَّته / صَوْلةُ الشعْر ووَخْزُ الخُطَب
هذّبوا الفُصْحَى ولمُّوا شَمْلَها / بعد أن كانت صَدىً في سَبْسَبِ
جمّعوها حُلْوةَ الجَرْس كما / تجمَعُ النحلةُ حُلوَ الضَّرَب
أنتَ يا لُبْنانُ عَزْمٌ ونُهىً / لستَ من صخرٍ ولا من حَصَب
كلّما أطلعتَ ليلاً شَفَقاً / مُوِّهتْ صفحتُه بالذهب
ظنّتِ الغيدُ وما أجرأَها / أنّه من خدِّها المختضِب
سْحْرُ شِعْرٍ ومَجالي فِتنةٍ / وعيونٌ أُغْرِمتْ باللعب
وابتسامٌ فيه أشراكُ الهَوى / وحديثٌ فيه عُذْرُ المذنب
أين قلبي غصبوه فاسألوا / جارةَ الوادي عن المغتصب
واشفعوا لي واحذروا غضْبَتها / آهِ من صَوْلة هذا الغضبِ
ثم قولوا مُسْتَهامٌ وَصِبٌ / وَيْلَتا للمستهامِ الوَصِب
طائرٌ غرّدَ في دَوْحَتكم / علّم الأطيارَ معنى الطرب
طار من مصرَ يُحيِّي أمّةً / تَوّجَتْ بالمجدِ هامَ الْحِقَب
قاهريٌّ أخجلتْ ألحانُه / رنَّة العُودِ وشَدْوَ القَصَبِ
خُلِقَتْ أوتارُه قُدْسِيّةً / من حَنانِ الحبِّ لا من عَصَب
فارحمي مُغترِباً ليس اسمُه / في رُبا لُبنانَ بالمغترب
جاء يبغِي الْحُبَّ لا الْحَبَّ فهل / جاوز المسكينُ حدَّ الطلب
فنصبتِ الفخَّ خدّاعَ المُنَى / خَشِنَ الكفِّ حديدَ المِخْلبِ
وأتَى هَيْمانَ يشدو واثباً / ليته في يومه لم يثب
فارْتَمى بين جَناحٍ هائضٍ / وَجناحٍ خافقٍ مضطرب
واجِبَ القلبِ ولولا نظرةٌ / عرضتْ لاهيةً لم يَجِب
اطلقيه وابعثي آمالَه / وثوابَ اللّهِ فيه احتسبي
هل على الهاتفِ بالحسن إذا / ما شدا من حَرجٍ أو عَتَب
قد براه السُقْمُ إلاّ فَضْلَةً / من فؤادٍ حائرٍ ملتهب
كم هفا القلبُ للُبنان وكم / عاقه صَرْفُ الزمانِ القُلّب
أصبح الحكمُ به في نُخْبةٍ / من بنيه الكرماءِ النُّجُبِ
كلُّهم حرُّ أبيُّ ينتمي / في ذُرا المجدِ إلى حرٍ أبي
وهبوا الروحَ للُبنان فِدىً / وضَنينٌ كلُّ مَنْ لم يَهَب
خُلُقٌ مثلُ أزاهيرِ الرُّبا / ضحِكت للعارضِ المنسكب
وسياساتٌ ورأيٌ ساطعٌ / يضَعُ الحقَّ مكانَ الرِيَب
قادهم خيرُ رئيسٍ للعُلا / شمريِّ العزم عالي الحَسَب
يا دارَ فاتِنَتي حُيِّيتِ مِنْ دَارِ
يا دارَ فاتِنَتي حُيِّيتِ مِنْ دَارِ / سَيَّرْتُ فيكِ وفي مَنْ فِيكِ أَشْعَاري
رَحلتُ عَنْها وللأشْجانِ ما ترَكَتْ / في العَيْنِ والقلبِ من ماءٍ ومِنْ نار
كانتْ مَجَالَ صَباباتٍ لَهَوْتُ بها / ومُسْتَراضَ لبُاناتٍ وأوْطارِ
أسائِلُ الطَيْرَ عَنها لو تُنَبِّئني / أو تنْقُلُ الطَيرُ عنها بَعْضَ أخْبارِ
يَنْسَى بهَا كلُّ نائِي الدَارِ مَوْطِنَهُ / وما تَجشَّمَ مِنْ بَيْنٍ وأَسْفَار
يَلْقى بها أينما أَلقَى عَصَاه بِها / أَهلاً بأَهْلٍ وأَصْهاراً بأصْهار
وفِتْيةً كرِماحِ الخطِّ إِنْ خَطَرُوا / فَدَيْتَ بالنّفسِ منهم كلَّ خَطَّار
بِيضَ الوُجُوهِ مَساميحَ الأكُفِّ مَنا / جِيدَ الصَّريخِ سَرَاةً غيرَ أَغْرار
لا يَنزِل الضَّيفُ صُبْحاً عُقرَ دارِهمُ / إِلاّ ويُمْسِي عِشاءً صاحِبَ الدار
قد آمنُوا بإِلَهِ الحُبِّ وارْتَقَبُوا / آياتِهِ بَيْنَ إجْلالٍ وإِكْبار
وصوَّرُوهُ فَتىً أعْمَى إِذا رَشَقَتْ / يَدَاهُ بالنَّبْل أصْمَى كُلَّ جَبَّار
عُرْيانَ إِنْ مَسَّهُ بَرْدُ الشتاءِ فما / له سِوَى زَفَراتِ الوَجْدِ منْ نار
يَغْشَى الفَتاةَ ولَمْ تَرْقُبْ زِيارَتهُ / وخِدْرُها بَيْنَ أَغْلاقٍ وأَسْتار
فَطَرْفُها خاشِعٌ من بَعْدِ زَوْرَتِهِ / وقَلْبُها نَهْبُ أَوْهامٍ وأَفْكارِ
تَشْكُو إِلَى أُمّها ضَيْفاً ألمَّ بِها / والأُمُّ إِنْ تَسْتطِعْ باحَتْ بأَسْرارِ
ويصْرَعُ الفارِسَ المِغْوارَ إِن لَعِبَتْ / كَفّاهُ بالسَّيْفِ أرْدَى كلَّ مِغْوَار
فلا تراهُ سِوَى شاكٍ لسَاجِعَةٍ / أو نادِبٍ إِثرَ أَطْلالٍ وآثار
ويَطْرُقُ الشَّيْخَ في المِحْرابِ قَدْ فَنِيَتْ / عِظَامُهُ وَبَرَتْهُ خَشْيَةُ البَاري
فلم تكُنْ لَمْحَةٌ إِلاّ ليَفْتِلَهُ / من الصَّلاةِ ومن تَرْتيلِ أذْكار
يبرُزْنَ في اللَّيْل مِثْلَ الشُّهْبِ ساطِعةً / ما بَيْنَ سيَّارَةٍ تَجْرِي لِسَيّار
مِنْ كلِّ خَمْصَانَةِ الكَشْحَيْنِ ناصِعَةٍ / كأَنّها دُرَّةٌ في جَوْفِ زخّار
تَسْعَى إِلى أغْيَدٍ ما طَرَّ شَارِبُهُ / كأنَّما صَفْحَتاهُ وجْهُ دِينارِ
أرضٌ كَأَنَّ إِلَهَ الأرْضِ أَوْدَعَها / بَدائِعُ الْحُسْنِ مِنْ عُونٍ وأَبْكار
أَلقَوْا خُدُودَ العَذَارَى في حَدَائِقِها / ولَقَّبُوها بأَثْمَارٍ وأَزْهار
وجرَّدُوا كُلَّ حُسْنٍ من قَلائِده / فَصِرْنَ حَصْباءَ في سَلْسَالها الجَاري
لَوْ كانَ في عُنْصُرِي صَلْصالُ طِينَتِها / ما راعَني الدّهْرُ في يومٍ بأكْدَار
أوْ كُنْتُ أظْفرُ في الأخْرَى بِجَنَّتِها / غَسَلْتُ بالدمْعِ آثامي وأوْزاري
للّه يومٌ جَرَى باليُمْن طائرُه
للّه يومٌ جَرَى باليُمْن طائرُه / ورُدِّدت في فَمِ الدّنْيا بَشَائرُه
يومٌ تَحلّى بِحُسْن الوَعْدِ أوّلُه / كما تَلأْلأَ بالإنْجازِ آخِرُه
ترقَّبَتْ مصرُ فيه الصُّبْحَ مبتسما / يلُوحُ بالْخَير والإسعادِ سَافرُه
يومٌ أعادَ إلى الأيّام نَضْرَتَها / كما أعادَ جَمالَ الرَوْض ماطُره
يوم تجلَّى به الفاروقُ مُؤْتَلِقاً / كالبَدْر يجتذب الأبصارَ باهرُه
بدَا فكبَّرَتِ الدّنيا لِموْلِدِه / واستبشرَ الدِّينُ واهتَّزتْ مَنَابرُه
سُلالةُ الشَّرَفِ العالي وصفْوتُه / ونُخْبَةُ الْجَوْهَر الصَّافي ونَادِرُه
زينُ الشَّبابِ لهُم من هَدْيه قَبَسٌ / ما ضلَّ فيه طريقَ المَجْد عابِرُه
أقامَ في كلِّ قلْبٍ فَهْوَ حَلُّتُهُ / وحَلَّ في كُلّ طَرْفٍ فَهْوَ نَاظرُه
رقَّتْ شَمَائلهُ عزَّتْ أَوَائلُه / لاحَتْ مَخَايلُه طابَتْ عَناصرُه
فَارُوقُ يابْنَ الأُلَى شادُوا بِهمَّتِهم / مُلْكاً عَلَى الدّهْرِ لا تَبلَى مَفَاخِرُه
آثارُهم تبهَرُ الأيْامَ جِدَّتُها / والنيلُ يَشْهَدُ ماضِيه وحاضِرُه
راضوا الْجَمُوحَ فأعطاهُمْ مَقَادتَه / وذلَّلوا الصَّعْبَ حتى لاَنَ نافرُه
يا ابْن الْمَلِيكِ الّذِي عَمّتْ فَوَاضِلُه / وكللَتْ هَامَةَ الدُّنيا مآثرُه
أحْيا لَنا المجْدَ حتَّى عادَ دَارِسُه / وأشْرَقَتْ في رُبا الوَادِي أزاهرُه
جَرَت على ألْسُنِ الأيّام مِدْحَتُه / حتى توَّهمْتُ أنَّ الدّهْرَ شاعِرُه
المُلْكُ في ظلِّه طَابتْ مَشارِعُه / والدِّينُ في عَهْدِه قَامَتْ شَعَائِرُه
فانظر تجدْ أملاً في كلِّ ناحيةٍ / العزمُ يمليه والْحُسنَى تُؤازرُه
فاروقُ أنت لآمال الشباب حمىً / وباعثُ المثل الأعلى وناشرُه
لما دُعيتَ أميراً للصعيد زهت / به القبائلُ وازدانت حواضرُه
وعاده مجدُه الخالي يشافِهُه / وجاء تاريخُه الماضي يُسامرُه
لا زلت قرَّةَ عين الملك تحرسُه / عينُ المهيمنِ والدنيا تُظاهرُه
ودام ملكُ فؤادٍ في علاً وسناً / وعاش للنيل مولاه وناصرُه
بَكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العَدَِّا
بَكَيْنا النُّضارَ الْحُرّ والحسَبَ العَدَِّا / بكَيْنا فما أغنَى البكاءُ ولا أجدَى
بكيْنَا لعلَّ الدمعَ يُطفىءُ حُرْقةً / من الشوقِ فاودادت بِتَذْرافِه وقْدا
حُشاشةُ نفسٍ صُوِّرتْ في مدامعٍ / وجَذْوةُ نارٍ في الْحَشا سُمِّيتْ وجدا
ولوعةُ مكلوم الفؤادِ وسادُه / يحنُّ له قُرباً فيوُسِعُه صدّا
يُقلِّبُ طَرْفاً في الظلامِ من الأسى / ويُرسلُ في الآفاق أنفاسَه صهْدا
بكَيْنا وما تبكي الرجالُن وإنما / يعودُ الفتى للطبعِ إن لم يجد بُدّا
هو القَدَرُ الماضي إذا انساب سهمُه / فلن يستطيعَ العالَمون له ردّا
هو الدهرُ ما بضَّتْ بخيرٍ يمينُه / يُجمِّعنا سهواً وينثُرنا عمدا
يُجرِّدُ سيفاً في الظلامِ من الردَى / ويخبِطُ لا يُبقي مليكاً ولا عبدا
مصابٌ أصاب الهاشميةَ سهمُه / وهدَّ من العلياء أركانَها هدَّا
وغال شبابَ المُلكِ في عُنْفُوانِه / وأطفأ نُور الشمسِ واخترم المجدا
وطار بأحلامٍ وفرَّق أنفسا / شَعاعاً ترَى نُورَ السبيلِ وما تُهْدَى
حُشُودٌ على الآلامِ والحزن تلتقي / يقاسمُ حَشْدٌ في رَزيئتهِ حشدا
ففي كلِّ قلبٍ مأتَمٌ ومَناحةٌ / وفي كلِّ دارٍ أنَّةٌ تصدَعُ الصلْدا
وفي كلِّ أرض للعُروبةِ صيحةٌ / إذا ردَّدتها أبكتِ التركَ والهندا
فقدناه ريَّانَ الشبابِ تضوَّعت / شمائلُه مِسكاً وآثارُه نَدّا
فقدناه والأحْداثُ تَغْشَى غُيُومُها / وتنتظمُ الآفاق عابسةً رُبْدا
فقدناه والآمالُ تومي بإِصْبَعٍ / إليه وتمتدُّ العُيونُ له مَدّا
فقدناه أزهَى ما نكونُ بمثله / وأعلَى به كعباً وأقَوى به زَنْدا
فقدناه سيفاً هاشمياً إذا سطت / سيوفُ الليالي كان أرهفَها حدّا
حُسامٌ بكفِّ اللّهِ كان صِيالُه / فأصبحتِ الأرضُ الطهورُ له غِمدا
ورُوحٌ سَرى السارون في نورِ هَدْيه / فلم يُخْطِئوا للمجدِ نَهْجاً ولا قصدا
أطلَّ عليهم من بعيدٍ فشمَّروا / إلى قِمَّةِ الدنيا غَطارِفةً جُردا
إذا بعُدت آمالُهم فتردَّدوا / دعاهم إلى الإقدامِ فاتسقربوا البعدا
يقودُهمُ الغازي إلى خير غايةٍ / فأكْرِمْ به مَلكاً وأكْرِمْ بهم جُندا
نسورٌ إذا طاروا ليومِ كريهةٍ / وإن بطشوا يوم الوغى بطشوا أُسْدا
سَلِ السيفَ عنهم كيف صال بكفِّهم / شُيوخاً لهم قلبُ الجلاميد أو مُرْدا
كأَنَّ غبارَ النصر في لَهَواتِهم / سُلافٌ من الفِرْدوسِ مازجتِ الشّهدا
أولئك أبناءُ الفُتوح التي زها / بها الدين واجتاح الممالكَ وامتدّا
لهم في سِجلِّ المجد أوَّلُ صفحةٍ / كفاتحةِ القرآنِ قد مُلِئت حمدا
ومَن كتب النصرَ المبينَ بسيفهِ / على جَبْهةِ الدنيا فقد كتب الْخُلْدا
حمامةَ وادي الرافديْنِ ترفَّقي / بعثتِ الجوىَ ما كان منه ومَا جَدّا
حنانَكِ إنّ الصبرَ من زينةِ الفتى / إذا غاص في ظلمائِه الأمرُ واشتدّا
طرحنا رِداءَ اليأسِ عنَّا بَوَاسلاً / وإنْ هزّنا يومُ العِراقِ وَإنْ أدّا
حمامةَ وادي الرافدينِ ابعثي الهَوى / حنيناً فما أحلى الحنينَ ومَا أشْدَى
ففي النيل أرواحٌ ترِفُّ خوافقٌ / تقاسمُكِ التاريخَ والدينَ والوُدّا
ظِماءٌ إلى ماءٍ بدِجْلةَ سَلْسَلٍ / تودُّ بنور العين لو رأتِ الوِردا
إذا مسّتِ البأساءُ أذْيالَ دِجلةٍ / قرأتَ الأسَى في صفحةِ النيل والكَمْدا
وَإن طُرِفتْ عينٌ ببغدادَ من قذىً / رأيتَ بمصرٍ أعيناً مُلِئتْ سُهدا
إخاءٌ على الفصحَى توثَّق عَقْدُه / وشُدَّت على الإيمانِ أطرافُه شدّا
لنا في صميمِ المجد خيرُ أبّوةٍ / زُهينا بها أصلاً وتاهت بنا وُلْدَا
مضَى الهاشميُّ السَمْحُ زينُ شبابِه / وأعرقُهم خالاً وَأكرمُهم جدَّا
أطلّت شموسُ الدينِ من حُجُراتِهم / على الكون لا وهْداً ولاَ نجدا
خططنا له لحداً فضاق بنفسهِ / وَإِنّ له في كل جانحةٍ لحدا
فتى تنُبتُ الآمالُ من غيثِ كفِّه / فلله ما أوْلَى وَللّه ما أسْدَى
أتينا إلى بغدادَ والقلبُ واجفٌ / يُهزُّ جَناحاً لا يقَرُّ ولا يَهْدَا
تُطوِّحنا الصحراءُ ليس بعيدُها / بدانٍ وَلم نعرِف لآخرِها حدّا
كأنّ الرمالَ الْجاثماتِ بأرضِها / جِمالٌ أناختْ لا تُساقُ ولا تُحدَى
عددنا بها الساعاتِ حتى تركننا / وقد سئِمتْ منها أصابعُنا عَدّا
أتينا نؤَدَّى للعرُوبةِ حقَّها / يسابقُ وَفْدٌ في تلهُّفِه وَفدا
يُحمِّلنا النيلُ الوفيُّ تحيةً / وَيُهدي من الآمالِ أكرمَ ما يُهدى
عزاءً مضى الغازي كريماً لربِّه / فما أعظمَ الْجلَّي وَما أفدحَ الفقدا
عزاءً ففينا فيصلٌ شِبْلُ فيصلٍ / نَرى في ثنايا وَجهِه الأسدَ الورْدا
له في اسمه أوفَى اتصالٍ بجدِّه / فيا حسنَه فأْلاً ويا صدقَه وعدا
بدا نجمُه في الشرقِ يُمْناً ورحمةً / وأشرق في الأيامِ طالعُه سعدا
عهِدتم إلى عبد الإله وإنه / لأكرمُ من يرعَى القرابةَ والعهدا
إذا رنتِ الآمالُ كان ثِمالَها / وإنْ حارتِ الآراءُ كان لها رُشْدا
سلامٌ على الغازي سلامٌ على الندى / إذا ما بكَى من بعدهِ التِّرْبَ والندَّا
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ / ولسَمْعِ الوِسادِ من آهاتِهْ
غَرَبَتْ شمسُه فقام يناجي / ساهداتِ النجومِ في لَيْلاته
إنّها بينهُنّ تسمَعُ نجْوَا / هُ وتبكي لِبثِّه وشَكاته
أرسَلتْ من شعاعِها ذِكْرَياتٍ / هاجتِ الكامنات من ذِكْرَياته
ولها في سمائِها خَفَقاتٌ / أسرعتْ في فؤادِه خَفَقاته
سَبَحَتْ في عوالمِ النورِ زَيْنٌ / أين منها الغريقُ في ظُلُمَاتِه
كم يمُدُّ اليديْنِ أَسْوانَ مُضْنىً / فَيفِرُّ الشُّعاعُ من قَبَضاتِهْ
ويسوقُ الأشعارَ في نَبَراتٍ / ظنّها ابنُ الهَديلِ من نَبراته
سَمِعَ الدَّوْحُ نوحَها عبْقَريّاً / فتمنَّى لو نُحْنَ في عَذَباته
مُشْجِياتٌ يوَدُّ كلُّ ابنِ غصن / أنّ أنغامَها جرتْ من لهاته
قلتَ شعراً فلم يكنْ غيرَ بحرٍ / من دُموعٍ طفا بتفْعيلاتِه
وبعثتَ الشُّجونَ في كل صدرٍ / وأثرتَ المَكْبُوتَ من زَفَراته
فاقتسمنا لوعاتِ قلبِكَ فانظرْ / هل أفاق المسكينُ من لْوعاته
إنّ مَاءَ الدموعِ أطْفَأُ للوَجْ / دِ وأشفَى للصَّبِّ في خَلَواته
فاسكُبِ الدمعَ وابعثِ الشعرَ وامْلأ / أُذُنَ الخافقَيْنِ من آيَاتِهْ
كنتَ قَيْساً بكَى على قبرِ لَيْلاَ / هُ ورَوَّى الضريحَ من عَبراته
بيَ جُرْحٌ مضى عليه زمانٌ / حِرْتُ في أمرِه وأمرِ أُساته
كلّما صاحَ نادبٌ هاج شَكْوا / هُ ومَسَّ الأليمَ من نَدَباته
أنا أبكي لكلِّ باكٍ ونفسي / حَسَراتٌ تذوبُ في حَسَراته
بائعُ الصبرِ إن يكن عُشْرُ مثْقَا / لٍ بأَغْلَى ما في الحياةِ فَهَاته
كلنا مَسَّه من الدهر ظُفْرٌ / آهِ من ظُفْرِه ومن فَتَكاته
وَأَدْتْنا بناتُه برَزَايا / هَا ومَنْ ذا يسطيع وَأدَ بَنَاته
فكرِهنَا حتى النعيمَ لأنَّا / قد رأينا اجتماعَه لشتَاتِهْ
لذَّةُ المرْءِ من جَنَى أَلم المَرْ / ءِ وتَأْتِي الآلاَمُ من لَذَّاته
ما حَيَاةُ المُحبِّ بعدَ حبيبٍ / قَبَسَ النورُ والهوَى من حياته
حَسْبُه أنه إذا رَامَ قُرْباً / لم يجدْ للوصولِ غيرَ مَمَاته
عِشْ أبا واثِقٍ لوَاثِقِ البا / كِي وللنّاكِلاَتِ من أَخَوَاته
يا لواءَ الحسنِ أحزابَ الهوى
يا لواءَ الحسنِ أحزابَ الهوى / أجّجوا في الحب نيران الجفَاءْ
مذ رأوْا طَرفَكِ يبدو ناعساً / أيقظوا الفتنةَ في ظلِّ اللواء
فرّقت أهواءهم ثاراتُهم / كلُّ حُبٍّ بين أشواك عِداء
جمعوا بغضاءَهم فافترقوا / فاجمعي الأمرَ وصوني الأبرياء
إن هذا الحسنَ كالماء الذي / راق حتى كاد يخفيه الصفاء
والرضابُ الْحلُو لو جدتِ به / فيه للأنفس رِيٌّ وشفاء
لا تذودي بعضنا عن وِردهِ / كلُّنا يشكو الجوى والبُرَحاءْ
فانظري ليس الصدَى في بعضنا / دون بعضٍ واعدلي بين الظماء
وتجلَّيْ واجعلي قومَ الهوى / للهوى فيك وللحسن فِداء
هم فداءٌ لك لا بل كلُّ مَن / تحت عرش الشمسِ في الحكم سواء
أقبلي نستقبل الدنيا وما / يملأ الأعينَ حسناً ورُوَاءْ
أنت كالجنَّة ضُمِّنت الذي / ضُمِّنته من معدّاتِ الهناء
واسفِري تلك حُلىً ما خُلقت / لسوى لثمٍ وضمٍ واجتلاء
ما رأينا آيةَ اللّه أتت / لتُوارَى بلثامٍ وخباء
واخطرِي بينَ الندامَى يحلفوا / أنك الغصن ازدهاراً واستواءْ
أخبرتهم نفحةٌ منكِ سَرَتْ / أن روضا راح في النادي وجاء
وانطقِي ينثْر إذَا حدّثتِنا / لفظُك العذبُ عن القلبِ العنَاء
إنه الدرُّ فهل يمنحنا / ناثرُ الدر علينا ما نشاء
وابسمِي من كان هذا ثغره / فتن الزهرَ أريجاً وبهاء
فدعيه ينشر الطِّيبَ كما / يملأُ الدنيا ابتساماً وازدهاءْ
لا تخافي شططاً من أنفس / داولت بين خضوع وإباء
إنْ أجابت دعوة الحبِّ مشت / تعثُرُ الصبوةُ فيها بالحياة
راضت النخوةُ من أخلاقنا / فخضعنا وجمحنا كرمَاءْ
وسمت فوق الهوى أحسابُنا / وارتضَى آدابَنا صدقُ الوَلاء
فلو امتدت أمانينا إلى / أسدٍ مالاث كفّاً بدماء
أو سرت أنفاسُنا في جانبيْ / مَلَكٍ ما كدّرت ذاك الصفاء
أنتِ يَمُّ الحسن فيه ازدحمتْ / زُمَرُ العشَّاقِ كُل بسِقاء
أنقذتهم بعد يأسٍ مُغرِقٍ / سفُن الآمال يُزجيها الرجَاءْ
يقذف الشوق بها في مائجٍ / ماله من ساحلٍ إلاّ الّقَاء
فهي تجري والجوى يبعثُها / بين لَجّيْنِ عناء وشقاء
شدةٌ تمضي وتأتي شدَّة / واعتداءٌ للهوى بعد اعتدَاءْ
لو علت للنجم نفسي لأتتْ / تقتفيها شدّةٌ هل من رَخاء
ساعفي آمالَ أنضاءِ الهوى / يقتل الداء إذا عزّ الدواء
واكشفي حُجْبَ النوى ينتعشوا / بقبول من سجاياك رُخاء
أنتِ رُوحانيَّةٌ لا تدّعى / غيرَها فالأمرُ كالصبح جلاء
فاسألي المِرآةَ هل يوْماً رأت / أنَّ هذا الشكلَ من طينٍ وماء
وانزِعي عن جسمِك الثوب يَبِن / رُبّ حق ضاع في ثوب رياء
وارفعي شَعْرَك عنه ينجلي / للملا تكوينُ سكانِ السَّماء
وأَرِي الدنيا جَنَاحَيْ مَلَكٍ / منهما تستمنح النورَ ذُكَاءْ
نُشِرا في مُجتَلَى ضوء الضحا / خلفَ تمثالٍ مصوغٍ من ضِياء
بَسَمَتْ تتيهُ مُدلّةً بصباحها
بَسَمَتْ تتيهُ مُدلّةً بصباحها / زَهراءُ يَعْبثُ عِقدُها بوِشاحِهَا
نَهَبتْ من المسك الفتيقِ سَواده / فأغار موتوراً على أنفاحِها
وتزينت بحلىَ الكواكبِ مثلَمَا / تَتَزيّنُ الحسناءُ في أفراحها
أرخى غدائرَها الحياءُ كأنها / عَذراءُ تخلِطُ لينها بجِماحها
هي ليلةٌ مزجَ السرورُ صباحَها / بمسائِها ومساءها بصباحها
نور الملائكِ من سَنِيِّ ضيائِها / وشذى جنانِ الخُلدِ من أرواحِها
نَشَرتْ جَناحَ السلم يخفِقُ بالمُنى / فارتاحت الدنيا لخفْقِ جَناحها
ومضى بها شَبَحُ الخُطوب مُفرَّعاً / ولكَمْ لقِينا الويلَ من أشباحها
فُتِنَتْ بصفحتها القلوبُ فهَلْ رأتْ / في لونِ صفحتها عيونَ مِلاحها
لو أنَّها عادتْ فكانتْ رَوْضَةً / لتَغَنَّتِ الدنيا على أدْواحها
هي ليلةُ الفاروقِ تتلو مجدَهُ / والدهرُ والأيامُ من ألواحها
قد أسفرتْ عن صُبْحِ يومٍ باسمٍ / برّاق سافرةِ المُنَى لمَاحها
يومٌ على مصرٍ أغَرُّ مُحجلٌ / لمستْ به الأملَ البعيدَ براجِهَا
مدّت له الأيامُ فَضْلَ عِنانِها / من بعد طول نفارها وشياحها
وسما بها الفاروقُ نحو مطامحٍ / جاز الشبابُ بها مدى أطماحها
غُصنٌ من المجدِ النضيرِ بدوحةٍ / كم أصْغتِ الدنيا إلى أصْداحها
إن أشكلت دُهْمُ الأمورِ وأغلقتْ / أبوابَها فسلوه عن مِفتاحها
تُبْنَى الممالكُ والبطولَةُ أُسَّها / وعزائمُ الأحرار من صُفَّاحها
والمجدُ أنْ تَرِدَ الصعابَ بهمةٍ / شُمُّ الرواسي عِندَها كبِطاحها
تُلقى على الأحْداثِ من بَسَماتِها / ما يُذهِلُ الأحداثَ عن إلحاحها
وَلرُبَّ نفسٍ ضَمَّها صدرُ الفتَى / ويضيقُ صدرُ الأرضِ عن فيَّاحها
شَرَتِ المكارمَ حُلوةً بجهادها / مُرا فكان الحمدُ من أرباحها
والناس أشباهٌ ولكنَّ العُلاَ / عَرَفَتْ فتى العزماتِ من مزَّاحها
فاروقُ أنت فتى العُروبةِ وابنُها / وبشيرُ وحْدتِها وزَندُ كِفاحها
جَمَّعتَ فُرقتها فأضحتْ أمّةً / أقوى وأصْلَبَ من حديد رماحها
بَسمَتْ لها الدنيا وأشرقَ وجهُها / من بعدِ ما عَبَستْ لطولِ نُواحها
وشفى الزمانُ جِراحَها ولطالما / ضاق الزمانُ وطِبّهُ بجراحها
وتوحّدت راياتُها في رايةٍ / تُزْهَى الرياحُ بعُجبها ومِراجِهَا
أممٌ لها خُلْقُ السماحِ سَجيَّةٌ / ودماؤها في الحرب رَمزُ سَماحها
في جَبهة التاريخ منها أسْطُرٌ / كَتَبَ الإِباءُ حروفَها بسلاحِها
آياتُ مجدٍ مُشرِقاتٌ فاسألوا / عَمْرواً وسيفَ اللّه عن أوْضاحها
نهضتْ بفاروقٍ فكانت آيةً / للبَعثِ بعد شَتاتها وطراحها
ورأتْ بشائرَ يُمنها في طَلْعَةٍ / تُغْني بها البسَماتُ عن إفصاحها
وجه كأنّ البدرَ ألقى فوقَه / لألاءَهُ والشمسَ نورَ لِياحها
ومضاءُ نهَّاض العشيرة باسلٍ / حمَّال ألوِيَة العُلاَ كَدّاحها
هَبَّتْ به مصْرٌ إلى قَصَباتها / ريحاً تُسابق عاصفاتِ رياحها
رَسَمَ النجاح لها فسارتْ حُرَّةً / من بَعْدِ ما التبستْ طريقَ نجاحها
والناسُ من هممِ الملوكِ وثوبُهم / من وحْيها وصلاحُهم بصلاحها
وإذا السفينةُ لم تُبالِ زَعازعاً / فاسأل كبيرَ الشطِّ عن ملاَّحهَا
عيدَ الجلوسِ وفي جَبينك آيةٌ / للسلْم تُنجي الأرضَ من أتْراحهَا
حَرْبٌ طَوى الحلفاءُ فيها صَيْحةً / للظلم أزعجتِ الورى بنُباحهَا
والحربُ تبدأ كالحَصاة بزاخرٍ / لم يُدْرَ إنْ قُذفَتْ مدَى مُنداحها
كم هزَّتْ الدنيا صواعقُ نارها / وأصاب وجهَ الأرضِ من لَوّاحهَا
نفسي فداءُ البسل في حَوْماتها / وفدَى الشبابِ يسيلُ فوقَ صِفاحهَا
تَشري شُعوبُ الحقِّ فيها مبدأً / بالنقْدِ من دمِها ومن أرواحهَا
النصرُ قد خَفَقَتْ لهم أعلامُه / والحربُ قد صاح البشيرُ بساحهَا
وغَدَتْ على الظمآن للدّم غُصّةً / وجَهنماً أخْزَى على سَفّاحهَا
عيدَ الجلوسِ وللقوافي رَنّةٌ / ألْهَتْ غصونَ الدوْح عن صَدّاحهَا
أرسلتُها ملءَ الأثير كأنما / وحْيُ السماء اختار غُرَّ فصاحهَا
ونَثرتُها دُرراً فودّتْ أنجمٌ / لو عَدّهُنَّ الحسنُ بين صِحاحهَا
عيدَ الجلوسِ وفيكَ ضاحكةُ المُنى / دَبَّ السرورُ بروحها وبراحهَا
ثمِلَتْ وأغصانُ الربيع تمايلتْ / فكأنهنّ شرِبْنَ من أقداحهَا
فاروقُ ذكْرُكَ في الوَرى متجدِّدٌ / كالشمس بين غُدوِّها ورَواحهَا
أجْهدتَ ساريةَ الخيال فأجْبَلَتْ / ماذا تقولُ اليومَ في أمداحهَا
وَيْلاَهُ من يَوْمِ الخمي
وَيْلاَهُ من يَوْمِ الخمي / سِ فإنَّهُ يومٌ عَبُوسْ
فيه تحارَبَتِ الريا / حُ فلا تَقُلْ حَرْبَ الْبَسُوس
خَافَتْ غَوائِلَهُ الغَزَا / لَةُ فالغمامُ لها تُرُوس
يومٌ أحَطْنَا بالَّلظَى / فيهِ ونكَّسْنا الرءُوس
فكأنَّنَا قُمْنَا نُؤيِّ / دُ فيه مُعْتقَدَ المَجُوس
حلّق النسْرُ كما شاء وَصاحْ
حلّق النسْرُ كما شاء وَصاحْ / ورمَى بالقيدِ في وجهِ الريَاحْ
وجلا عن ريشِه العارَ كمَا / تنجلي الأصداءُ عن بيضِ الصفاح
وأطاحَ القفصَ المشئوم لا / تعرفُ الجنُّ متى أو أيْنَ طَاح
كم قضى الليل به مستيئساً / جَزِعاً بين أنينٍ ونُواح
ولكم حنّ إلى أوطانِه / قَلِقَ الأضلاعِ خَفّاقَ الْجَنَاح
يُرسِلُ العينَ فلا يلقَى سوى / لُججٍ خُضْرٍ دميماتٍ شِحاح
يشتكي لليل في وحشتِه / فإذا غاب تشكَّى للصَباحْ
ذهب الماضي مَجيداً حافلاً / رحمةٌ اللّهِ عليه أين رَاح
أإسارُ الحرِّ حقٌّ سائغٌ / وإباءُ الحرِّ شيءٌ لا يُبَاح
وإذا مُدّتْ لإحسانٍ يَدٌ / هزّت الفِتنَةُ أطرافَ الرمَاحْ
وإذا جفّتْ لَهاةٌ ظمأً / ضنّتِ الأنفسُ بالماءِ القَرَاح
وإذا مال أخٌ نحو أخٍ / ملأ الأفواهَ شَغْبٌ وصِيَاح
وإذا أنّ جَريحٌ دَنِفٌ / لطبيبٍ قيل لا تشكُ الْجِرَاح
هل على المفجوعِ في أوطانِه / حَرَجٌ إنْ ردّد الشكوَى وبَاح
أو على من رام أن يحيا كما / يتمنَّى الحرُّ ذنبٌ أو جُناحْ
أو على العاني مَلامٌ إنْ رنَا / بعدَ عشرينَ لإطلاقِ السَراح
ثم قالوا لم يصُنْ ميثاقَهُ / ونبا عن خُلُقِ العُرْبِ السمَاح
أيُّ عهدٍ يرتضيه باسلٌ / عربي النَبْعِ ريفيُّ الْجِماح
أيُّ عهدٍ هو أن أُذْبحَ من / غيرِ سكِّينٍ ولا أشكو الذباح
هو عهدُ الذئبِ يُمليه على / شاتِهِ المِخْلَبُ والنابُ الوَقَاح
وهو القوّةُ ما أجرأَها / إنْ مشَتْ يوماً إلى الحقِّ الصرَاح
كم سلاحٍ صالَ من غيرِ يَدٍ / ويدٍ تدفَعُ من غيرِ سِلاَح
قصد الفاروقَ يبغِي موئِلاً / في رِحابٍ لِبَني العُرْبِ فِسَاحْ
همّةٌ جاءت تناجي همَّةً / ويدٌ مُدّتْ إلى أكرمِ رَاحْ
مَلِكٌ يرنو لعُلْيَا مَلِكٍ / وطِماحٌ يتسامى لِطمَاح
فثوىَ في خيرِ غمدٍ آمناً / صَارِمٌ أرهفَهُ طولُ الكِفَاح
لم يجدْ غيرَ بشاشاتِ المُنَى / وارتياحِ للندَى أيَّ ارتيَاح
إن جرد الموتُ نصلاً ما صَمدت له
إن جرد الموتُ نصلاً ما صَمدت له / فطالما ردَّ نصلٌ منك أرواحا
قد كنت تهزِمُه في كل مُعْتَركٍ / يزاحم الشمسَ أسيافاً وأرماحا
وكان جَرْحُك يأسو كلَّ ما جرحَتْ / يدُ الزمان ويحيى كلَّ ما اجتاحا
اليومَ يَثْأَرُ والأيامُ عُدّتُه / لا الطبُّ يُجدي ولا الجرَّاح جراحا
لو حزتَ كلَّ حياةٍ صنت مهجتَها / خَلَدت كالشمسِ إشراقاً وإصباحا
ما أقصر العمر في الدنيا لنابغةٍ / إذا تطلّعت الدنيا له راحا
سبعون أولها لهوٌ وآخرُها / لو يعرِفُ المرءُ لاقى الموتَ مرتاحا
لقد شربنا بكأس الراح أوَّلها / حلواً فماذا أصاب الكأسَ والراحا
ليت الشبابَ الذي أقداحُه عَجَبٌ / أبقَى لفوتِ الصبا والشيبِ أقداحا
قد كنتَ تُصغي لشعري إن صدحتُ به / فاليومَ تسمع إن أصغيْت أنواحا
أقَضَّ موتُك من مصرٍ مضاجعَها / وأسكت الخطبُ أطياراً وأدواحا
خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيَّاها
خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيَّاها / وتَنْشُرُ المسكَ من أنفاسِ رَيَاها
عقيلةٌ في جلال المُلْكِ ناعمةٌ / النبلُ يحرُسُها واللَهُ يَرْعاها
ودُرَّةٌ لم تَرَ الأصدافُ مُشْبههَا / بينَ الكُنوز الغَوالي من خباياها
وزهرة ما رأى النيل الوفي لها / بين الأزاهر في واديه أشباها
ترنو إليها نجومُ الأفْقِ مُعْجَبَةً / تَوَدُّ لو قَبَسَتْ من نورِ مرْآها
كأنَّما قَطَراتُ المزْنِ صافيةً / فوقَ الخمائلِ طُهْرٌ في سجاياها
أميرةَ النيلِ والأيامُ مُسْعِدة / بلغتِ من ذِرْوةِ العلياءِ أقصاهَا
إنْ يسطَعِ الصبح قلنا الصبح أشبههَا / أو يسطع المسكُ قُلنا المسكُ حاكاها
مجدٌ تمنَّتْ سماءُ الأفْقِ لو ظَفِرتْ / بلمحةٍ من ثُرَيَاه ثُريَاهَا
ونفسُ طاهرةِ الجدَّينِ يَسَّرَها / ربُّ البَريَّةِ للحُسنَى وزَكَاها
اليُسْرُ يختالُ تيهاً حَوْلَ يُسْراها / واليُمْنُ يجري يميناً حَوْلَ يُمناها
نَمَتْ بظلِّ فؤادٍ خيرِ مَنْ وَجَدَتْ / بظِله زُمرُ الآمالِ مَثْواها
أحيتْ له مصرُ ذِكْراً خُطَّ من ذَهَبٍ / على جَبينِ الليالي حينَ أَحْياها
وكان عُنْوانَها الغالي الذي اتجَهَتْ / إليه باسطةَ الأيدِي فأعلاها
أميرةَ النيلِ غَنَّى الشعْرُ من طَرَبٍ / في ليلةٍ غَنَتِ الدنيا بِبُشْراها
طافتْ كُئوسُ التهاني وهي مُتْرَعةٌ / من المُنَى فانتشينا من حُمَيَاها
تجمَعَ الأنسُ حتى لم يَدَعْ أملاً / للنفسِ تَبْعَثُ شوقاً خَلْفَه واها
في ليلةٍ من سوادِ العينِ قد خُلِقَتْ / جَلَّ الذي من سوادِ العينِ جَلاَّها
يخالها الفجر فجراً حين يَطْرُقُها / فيختفي من حَياءٍ في ثناياها
كأَنَها بَسَماتُ الغِيدِ قد ملأَتْ / بالحبِّ والبِشْرِ أحداقاً وأفواها
كانت يداً من أيادي الدهر أرسلها / بيضاءَ مُشْرِقةَ النُعْمَى وأسْداها
هنا زِفافٌ وفي الأفلاكِ هاتفةٌ / من الملائِك تدعو ربَّها اللَه
لها أناشيدُ في الأسماعِ ساحرةٌ / لو كنَّ من لُغَةِ الدنيا رَوَيْناهَا
لكنها نَفحاتُ اللَهِ خَصَّ بها / من البرِيَّة أنْقاها وأصْفاها
فوزيةٌ دُرَةُ التاجِ التي لمعتْ / فوقَ الجبينِ فحيَّتْه وحيَاها
شعُوب مصْرَ تُفدِّيها ولو نطقتْ / للنيلِ ألسنةٌ فُصْحٌ لفدَاها
أميرةَ النيلِ غَنَّى الشعرُ من طَرَبٍ / لولا قِرانُك ما غَنَى ولا فاها
إنَي وألحانَ شعري صُنْعُ بيتِكُمُ / فكم من الفضلِ أولاني وأولاها
لولا مدائحُكم ما كان لي قَلَمٌ / يوماً على الأيْكِ وابنِ الأيك تيَّاها
تأَلَقي بَسْمةً زَهْراءَ مُشْرِقَةً / بأرضِ إيرانَ أنتِ اليومَ دُنياها
كوني بها قُرَةً للعينِ غاليةً / فأنتِ أكرمُ من لاقتْه عَيناها
ومثِّلي مصرَ والشَأوَ الذي بلغَتْ / فأنتِ أصْدَقُ بُرهانٍ لدَعْواها
لقد قطفنا لكِ الأزهارَ باسمةً / وفي عقودٍ من الفصْحَى نظمناها
وقد جمعنا من الألحانِ أُغْنِيةً / لو يفهمُ الطيرُ معناها لغنَّاها
ولم نَدعْ من رموزِ السحْر سانحةً / طافت بمعنى العُلا إلاَ لمحناها
قد ذكَرَتْنا لياليكِ التي سَطَعَتْ / أفراحَ قَطْرِ النَّدَى والعزَّ والجاها
عُرْسُ الأمانِّي أحيا كلَّ ذي أملٍ / وطافَ بالغُلَّةِ الظَمْأَى فروَّاهَا
وليلةٌ ظَفِرَ الشَّعْبُ الوَفيُّ بها / وكم على الدهرِ مَشْغُوفاً تمنَّاها
في كلِّ بيتٍ أغاريدٌ مُرَدَّدَةٌ / سَرَت فجاوز نجْمُ الليل مَسْراها
وكلُّ روضٍ يُرَجِّي لو سعتْ قَدَمٌ / به ليُهْدِي من الأزهارِ أذْكَاها
وكم تمنَى الربيعُ النَضْرُ لو سَعِدَتْ / بحلَّةِ العُرْسِ كَفَاهُ فَوَشَاها
البِشْرُ يضحكُ والدنيا مُصَفِّقةٌ / يهتَزُّ من نَشْوة الأفراحِ عِطْفاها
يا ابن الأماجدِ من إيرانَ نلتَ يَداً / أصفى من الكوكب الدُرِّيِّ أمْواها
بَنيْتمُ الملكَ فوقَ الشمسِ من هِمَمٍ / شمَاءَ مَنْ خَلَقَ الأطوادَ أرْساها
لم يَتَّخذْ من مَنارٍ يستضيءُ به / لدَى الشدائِد إلاَّ العَزْمَ والشاها
جلالة كم تَغَنَى البُحتُريُّ بها / وكم تَرَنَّمَ مِهْيارٌ بِذكْراها
ودولةٌ للعُلا والسبقِ حاضِرُها / وللخلودِ وللإبداعِ أولاها
لنا صِلاتٌ قديماتٌ مُحَبَّبةٌ / لخدمةِ الدينِ والفُصْحَى عقدناها
ثقافةُ الفُرْسِ قد كانت ثقافَتنا / في كلِّ ناحيةٍ عنهم أخذناها
تأَلَقَتْ في بني العباسِ آونةً / ما كانَ في أعْصُرِ التاريخِ أزْهاها
فاروقُ كم لكَ عندَ النيلِ من مِنَنٍ / كصفحةِ الشمسِ بيضٍ ليس ينساها
وصلْتَ مِصْرَ بإيرانٍ كما اتصلتْ / فرائدُ العِقْد أغلاها بأغلاها
مصرُ المَجيدةُ تُزْهَى في حِمَى ملكٍ / لولاه لم تُشْرِق الدنيا ولولاها
سعَى إلى المجد نهَاضاً فأنهضها / للَهِ والحقِّ مَسْعاه ومسعاها
في كلِّ نفسٍ له ذِكْرَى مُخلَدةٌ / وصورةٌ من جلالٍ في حناياها
شمائلُ السلَفِ الأطهار شِيمتُهُ / لمَا تجلَّت بفاروقٍ عَرَفناها
سَجيَّةٌ من فؤادٍ فيه قد رَسَخَتْ / إذا دعتْ للعُلا والمجد لبَاها
في ساحةِ الجيش حَيَّتْه فوارسُه / وفي المساجدِ حَيَّاه مصلاَها
له أياد على الأيامِ سابغةٌ / في كلِّ جيدٍ من الأيام نُعْماها
يا أُسْرَةَ المُلْكِ صاغ الشعْرُ تهنئةً / من حبَّةِ القلب معناها ومبناها
أهدَى الوفاءَ جميلاً حِين أرسلها / وأرسل الوُدَ محْضاً حين أهداها
لا زال مُلْكُكُمُ جَمَاً بشائرُه / ونال من بَسَماتِ الدَهرِ أسْناها
وعاش للنيلِ ربُّ النيلِ سَيِّدُه / وللرعيَّةِ والآمالِ مولاها
مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا
مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا / وبَزَّ ذَاتَ الطَّوْقِ أنْ تَسْجَعَا
ومَنْ رَمَى بالشوْكِ في مَضْجَعِي / فَبِتُّ مَكْلُومَ الْحَشَا مُوجَعَا
رَوَّعَني واللَّيْلُ في زِيِّهِ / مِنْ مُرْجِفاتِ الْخطْبِ ما رَوَّعا
طاحَتْ بِأَهْلِ الْغَرْبِ نارُ الْوَغَى / وهَبَّت الريحُ بِهِمْ زَعْزَعا
طافَ عَلَيْهِمْ بالردَى طائِفٌ / فَاخْتَرَمَ الأَنْفُسَ لَمَّا سَعَى
وصاحَ فيهِمْ لِلتَّوَى صائِحٌ / فَصَمَّتِ الأَسْماعُ مُذْ أَسْمَعا
في البْبَرِّ في الْبَحْر ومِنْ فَوْقِهِمْ / لم يَتْرُكِ الْمَوْتُ لَهُمْ مَوْضِعا
يجَْمَعُهُمْ جَبَّارُهُمْ عَنْوَةً / وإنَّما لِلْمَوْتِ مَنْ جَمَّعا
يَحْسُو دَمَ الْقَتْلَى فَأَظْمِىءْ بِهِ / ويَنْهَشُ اللَّحْمَ فما أَجْشَعَا
لم يَكْفِهِ رُمْحٌ ولا مُرْهَفٌ / فاتَّخَذَ الْمنطادَ والْمِدْفَعا
وَخَبَّ فِيها راكِباً رَأْسَهُ / لِلشرِّ ما خَبَّ وما أَوْضَعا
قَدْ غَصَّتِ الأرْضُ بأشْلاَئِهِمْ / وأصْبَحَ الْبَحْرُ بِهَا مُتْرَعَأ
وآن لِلْعِقْبَانِ أَنْ تَكْتَفي / وآنَ لِلْحِيتَأن أنْ تَشْبَعَا
صَوَاعِقُ الْمُنْطَادِ لا تُتَّقَى / وصَوْلَةُ الأَلْغامِ لَنْ تُدْفَعَا
أُطْلِقَ عَزْرائِيلُ مِنْ قِدِّهِ / يَرْتَعُ أَنَّى شاءَ أَنْ يَرْتَعَأ
تطْرِبُهُ الْحَرْبُ بأَزْجالِها / ويَسْتَبِيه السَّيْفُ إِنْ قَعْقَعَا
كَأَنَّما في صَدْرِهِمْ غُلَّةٌ / أَبَتْ بِغَيْرِ الْمَوْتِ أَنْ تُنْقَعَا
كَأَنَّهُمْ سِرْبُ قَطاً عُطَّشٍ / صَادَفْنَ مِنْ وِرْدِ الرَّدَى مَشْرَعَا
كَأَنَّهُمْ والنَّارُ مِنْ حَوْلِهِمْ / جِنٌّ تَأَلَّوْا أنْ يَبِيدُوا مَعَا
صارُوا مِنَ الْعِثْيَرِ في ظُلْمَةٍ / لا تُبْصِرُ الْعَيْنُ بِهَا الإِصْبَعَا
كَمْ فارِسٍ يَمْرَحُ في سَرْجِهِ / يَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ وقَدْ أَيْنَعَا
كَأَنَّهُ الصَّمْصَامُ إذْ يُنْتَضَى / وعامِلُ الرُّمْحِ إِذا أُشْرِعَا
ما ضَنَّ بالرِّفْدِ على وَافِدٍ / ولا لَوَى حَقَاً ولا ضَيَّعَأ
تَمْشِي بَناتُ الْحَيِّ في إِثْرِهِ / يَرْشُقْنَهُ بِالزهْرِ إِذْ وُدِّعا
مِنْ كُلِّ بَيْضاءِ الطُّلَى طَفْلَةٍ / أَسْطَعَ مِنْ بَدْرِ الدجَى مَطْلَعا
تَكُفُّ غَرْبَ الدَّمْعِ أَنْ يُرْتأَى / وتَحْبِسُ الزفْراتِ أنْ تُسْمَعا
لَجَّ بِهِ الْمَوْتُ فَأوْدَى بِه / وحَزَّ مِنْهُ الليتَ والأَخْدَعا
ماتَ فلا قَبْرٌ لَهُ ماثِلٌ / ولا بَكَى الْباكِي وَلا شَيَّعَا
سَلْ لِيجَ ما حَلَّ بأرْجائِها / فَقَدْ غَدَتْ أَرْجاؤُها بَلْقَعَا
واسْأَلْ نَمُوراً ما دَهَى أَهْلَها / فقدْ نَعاهَا البَرْقُ فيما نَعَى
وسائِلِ الروْضَ ذَوَى نَبْتُهُ / وسائِلِ الأَطْلالَ والأَرْبُعَا
باريسُ والْعُسْرَى إِلَى يَسْرَةٍ / وغايَةُ الْعارِضِ أَنْ يُقْشِعَا
أَعَزَّكِ الْخَطْبُ بِأَوْجالِهِ / وَكُنْتِ عُشَّ النسْرِ أَوْ أَمْنَعا
كُنْتِ لِطُلاَّبِ الْهُدَى مَعهَداً / وَكُنْت رَوْضاً لِلْهَوَى مُمْرِعا
ما أحْسَنَ السِينَ وجِيرَانهُ / وأَحْسَنَ الْمُصطَافَ والْمَرْبَعا
أَرِيعَتِ الْحَسْناءُ في خِدْرِها / نَعَمْ دَعاها الذعْرُ أَنْ تَهْلَعَا
عَهْدي بِها كانَتْ نَؤُومَ الضُحَى / مَلُولةً ناعِمَةً رَعْرَها
ما خَطْبُها والنارُ مِنْ حَوْلِها / والْمَوْتُ لم يَتْرُكْ لها مَفْزَعا
ضَرَاغِمَ الْماءِ ثِبُوا وَثْبَةً / آنَ لِهَذَا الْغِيل أَنْ يُمْنَعا
دَعَاكُمُ الْجَارُ فَكُنْتُمْ إِلَى / دُعائِهِ مِنْ صَوْتِهِ أَسْرَعا
وَسِرْتُمُ لِلْمَوْتِ في جَحْفَلٍ / ما ضَمَّ رِعْدِيداً وَلاَ إِمَّعا
مِنْ كلِّ شَعْشَاعٍ خَفِيفِ الْخُطَا / ذِي مِرَّةٍ مُنْجَرِدٍ أَرْوَعا
لَوْ مَادَتِ الأَجْبَالُ مِنْ تَحْتِهِ / أَوْ خَرَّتِ الأفْلاَكُ ما زُعْزِعا
سَلُوا بِحَارَ الأرْضِ عَنْ مَجْدِكُمْ / إِنَّ بِهَا سِرَاً لَكُمْ مُودَعا
كَانَتْ وَلاَ زَالَتْ لَكُمْ سَاحَةً / تَبْنُونَ فِيها الشرَف الأفْرَعَا
تَهْوَى طُيُورُ الْماءِ أَعلاَمَكمْ / فَتَقْتَفِيهَا حُوَّماً وُقَّعا
قَدْ طافَ نِلْسُنْ حَوْلَ أُسْطُولكُمْ / مُسْتَصْرِخاً غَضْبَانَ مُسْتَفْزِعا
يُغْضِبُهُ يا خَيْرَ أَشْبالِهِ / أَنْ يَبْلُغَ القِرْنُ بِكُمْ مَطْمَعا
يَا خَالِقَ النَّاسِ طَغَى شَرُّهُمْ / فَاهْدِ الْحَيارَى واكشِفِ الْمَهْيَعا
لم يُشْبِهُوا الإِنسانَ في خَلَّةٍ / وأَشْبَهُوا الْحَيَّاتِ والأَسْبُعا
قَدْ رٌفِعَ الإِحْسانُ مِنْ بَيْنِهِمْ / وأوشَكَ الإِيمانُ أَنْ يُرْفَعا
لَولاَ سَنَا هَدْيِكَ في بَعْضِهمْ / لَدُكَّتِ الأرْضُ بِهِمْ أَجْمَعا
يَا أبَا الأُمَّةِ يا مَنْ ذِكْرُهُ
يَا أبَا الأُمَّةِ يا مَنْ ذِكْرُهُ / مَلأَ الدُّنْيَا حَدِيثاً عَطِرا
هَزَّ مِصْراً نَبَأٌ فاضَتْ لَهُ / عَبَراتُ الْقَوْمِ تَجْرِي مَطَرَا
هُرِعُوا نَحْوَكَ كَالْبَحْرِ إِذَا / سُجِّرَتْ أَمْواجُهُ أوْ زَخَرَا
بَيْنَ شَكٍ وَيَقِينٍ قاتِلٍ / يَنْشُرُ الْخَوْفَ وَيَطْوِي الْحَذَرَا
بِوُجُوهٍ مَرَّة آمِلةٍ / وَهْيَ حيناً باسِراتٌ كَدَرَا
تَرتَجي الرَحْمَنَ في مِحْنَتِهَا / ثُمَّ تَخْشَى في الْمُصابِ الْقَدَرَا
كُلُّهُمْ يَسْأَلُ عَنْ سَعْدٍ وَمنْ / عَيْنهِ ماءُ الشُئُونِ انْهَمَرَا
إِن سَعْداً غَرَسَ النبْتَ وَقَدْ / شاءَ رَبِّي أنْ يَذُوقَ الثمرَا
كُلما رامُوا بِسعْدٍ ضَرَراً / صَانَهُ اللَهُ وَكَفَّ الضَرَرَا
إِنَّ سيْفاً في يَمِينِ اللَهِ قَدْ / هَزَّهُ بارِئُهُ لَنْ يُكْسَرَا
عِشْ لِمِصْرٍ وَزَراً يَكلَؤُهَا / لَمْ نَجِدْ غَيْرَكَ فِيها وَزَرَا
أَنْتَ مِصْرٌ عِشْ لمِصْرٍ إِنَّها / بِكَ تَحْيَا وَتَنَالُ الْوَطَرَا
بَطَلٌ أيْقَظَ مِصْراً بَعْدَ مَا / كادَ يُرْدِي أَهْلَها طُولُ الْكَرَى
بَعَثَ اللَهُ بِهِ فَانْبَعَثَتْ / رُسُلُ الآمالِ تَتْرَى زُمَرَا
وَطَوَى اللَهُ بِهِ عَهْداً مَضَى / تَهْلَعُ النفْسُ لَهُ إِنْ ذُكِرَا
قادَ جَيْشاً مِنْ قُلُوبٍ حَوْلَهُ / خاضعاتٍ إِنْ نَهَى أوْ أمَرَا
تَرْكبُ الصعْبَ إِلَى مَرْضاتِهِ / وَتُلاقي في هَوَاهُ الْخَطَرا
شَلَّ زَنْدٌ قَدْ رَمَى زَنْدَ الْعُلاَ / وحَمَى اللَهُ الرئيسَ الأَكْبَرَا
مَحَقَ اللَهُ أبَا لُؤْلُؤَةٍ / وَوَقَى مِصْراً فَأَبْقَى عُمَرَا
إِنَّ مَنْ يَحْرُسُهُ بارِئُهُ / لا يُبالي بالردَى إِنْ خَطَرَا
فَهَنَاءً بِنَجاةٍ كَشَفَتْ / غُمَّةَ الْقُطْرِ وَطابَتْ أثَرَا
عاشَ سَعْدٌ والْمَليكُ الْمُرْتَجَى / مَوْثِلُ الأُمَّةِ في أسْمَى الذُرَا
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ / سَبَح الشعرُ في سماءِ الجمالِ
ومضَى سانحاً يهُزُّ جَناحَيْهِ / عَلَى شاطىء السِنينَ الخوالي
لمح الدهرَ وهو يحبو من المَهْدِ / عليه غَدائرٌ من ليالي
وأزاح التاريخُ عن عَيْنِهِ الحُجْبَ / فَمَرَّتْ تخوض في الأجيال
ورأى الشمسَ طِفْلةً تُرْسِلُ الأضواءَ / فوقَ الكُهوفِ والأدْغال
صَفَحاتٌ من الزمانِ توالَى / وهو يتلو سُطورَها بالتوالي
وتصاوير للحوادثِ تبدو / في شَتيتِ الألوانِ والأشكال
وإذا رَنَّةٌ كما تضحَك الآ / مالُ بعد النوى وطولِ المِطالِ
وقف الشعرُ شاخصاً حين مَسَّتْهُ / بسحرٍ من الفُنونِ حَلال
نَغَماتٌ لم يعهَدِ الروضُ مِثْلاً / لِصَدَاها بين الربا والظلال
ولُحونٌ لها مِثالٌ عجيبٌ / أو إِذا شِئْتَ قُلْ بغيرِ مِثالِ
بَيْنَ عُودٍ كم هَزَّ أعطافَ رَمْسِيسَ / وحَيَّا مَواكِبَ الأَقْيالِ
ودُفوفٍ عَزَفْنَ لابْنَةِ فِرْعَو / نَ فماسَتْ بين الهَوى والدلالِ
ومَزاميرَ أُطْلِقَتْ من فَمِ السحْرِ / فمادَتْ لها رَواسِي الجِبالِ
وَرَنَتْ كُلُّ سَرْحَةٍ تَسْرِقُ السمْعَ / وتَعْطُو بغُصْنِها الميَّالِ
وأهازيجَ رَدَّدَتْها الأزاهيرُ / وغَنَّى بها نسيمُ الشمَال
ذُهِلَ الشعْرُ فاستفاق فألفَى / موكِباً حُفَّ بالسنا والجلال
ساطعاتُ الشمُوس فيه مَشاعِيلُ / وأَضْواؤُهُ بناتُ الهِلال
زَحَمَ الأرضَ بالجِيادِ وغَشَّى / صَفْحَةَ الجَوِّ بالظُبا والعَوالي
وهَفَتْ رايةٌ على قِمَّةِ النجْمِ / وَرَفَّتْ فوقَ السحابِ الثقال
مَوْكِبٌ يجمعُ الشعوبَ وتمشي / تحت أعلامِهِ العُصورُ الأَوالي
سار فيه المُلوكُ من كُلِّ جِيلٍ / في احتفاءٍ ضافي السنا واحتفالِ
ذاكَ مِينا وذاك عَمْرٌو فَتَى العُرْ / بِ وهذا المُعِزُّ جَمُّ النوال
وَبَدا بينَهُمْ محمدٌ الأَكْبَر / مُحْيِي البلادِ مُنْشِي الرجال
صادعُ الجهل هادمُ الظلمِ في / مِصْرَ مُبيدُ القُيودِ والأَغلال
خَلْفَهُ زِينةُ الخلائفِ إِسْما / عيلُ ذُخْرُ المُنَى أبو الأشبال
وفؤادٌ مُجدِّدُ الجِيلِ والآ / مالِ سِرُّ العُلا والاستقلال
سأل الشعْرُ أينَ يقصِدُ هذا الركْبُ / بعد الطوافِ والتجْوال
فأجابَتْ مِنْ فوقِهِ هاتفاتٌ / تملأُ الجوَّ واضِحَاتُ المَقال
أَسْرِعُوا نحوَ عابدينَ مَقامِ / الْمُلْكِ والنُبْلِ والنجارِ العالي
وَقَفَ الرَكْبُ عِنْدَ سُدَّةِ فارو / قٍ فكانَتْ نهايةَ الترْحالِ
ورأَى الشعْرُ مَحْفِلاً لمُلوكِ / الدَّهْرِ ما مَرَّ مِثْلُهُ بِخَيال
جلسوا جاذلِينَ بَيْنَ ابتهاجٍ / ضاحكٍ كالمُنَى وبَيْنَ ابتهال
ثمَّ نادَى ذو أمْرِهِمْ نحن في يو / مٍ سعيدِ الغُدُوِّ والآصال
يَوْمُ يُمْنٍ لمِصْرَ ليس له مِثْلٌ / ولا جَالَ للدهُورِ ببال
وُلِدَ المجدُ فيه والشرَفُ السا / مِي ونُور الحِجا ونُبْلُ الخِلالِ
نَجَلَ السيِّدُ المُمَلَّكُ فيهِ / فَهَناءً بأكْرم الأنجال
قد سَعَيْنا لِسُوحِهِ فقضَيْنا / حاجةً في نفوسِنا للمعَالي
بُهِرَ الشعْرُ فانْثَنَى يَلثِمُ الأرْ / ضَ ويَدْعُو بالعِزِّ والإِقبال
وشدا مِثْلَما شَدَتْ بِنْتُ أيْكٍ / بَيْنَ ظِلٍ وكَوْثرٍ سَلْسالِ
نَعِمَتْ بالأَليفِ لا هو ناءٍ / إِن دَعَتْهُ يوْماً ولا هُوَ سَالي
لم تَرَ النسْرَ في مَخالِبِه الزرْ / قِ ولا رُوِّعَتْ بصَيْدِ حِبال
تحتَها الزهْرُ فاتِنُ اللونِ رَفَا / فٌ جَميمُ الندَى دَمِيثُ الرمال
صَدَحَتْ للدُجَى وللَّيْلِ حُسْنٌ / حينَ يَطْوِي الوُجودَ في سِرْبال
صَدَحَتْ للصباحِ يلمَعُ في الشرْ / قِ طَهُوراً كَبَسْمَةِ الأطفالِ
إِنَّ للطبْعِ والبَديهَةِ سِحْراً / فوقَ طَوْقِ الجُهُودِ والإِيغال
غَرِّدِي كيفَ شِئْتِ يا سَرْحَةَ الوا / دِي وهُزَي فَضْلَ الغُصونِ الطوال
واجْمَعِي اليومَ كُلَّ ذاتِ جَناحٍ / إِنَّ يومَ الفاروقِ في الدهرِ غالي
أرسِلِي البُلْبُلَ الفَرِيدَ يُنَادي / تَسْتَجِبْهُ الطُيورُ في أرْسال
إِنَّ يومَ المِيلادِ يَوْمٌ على الدهْرِ / قليلُ الأَنْدادِ والأَمْثال
صَفَّقَ النيلُ فيه زَهْواً وعُجباً / وجرَى في تَخَطُّرٍ واختيال
ساحباً ذَيْلَه يَمُرُّ على الزهْرِ / فَتَمْضِي الزُهورُ في الأَذيال
لا يُبالي فقد تَمَلَّكَهُ الْحُبُّ / وأوحَى إِليهِ ألاَّ يُبالي
وهو لولا عُذوبةُ الْحُبِّ ما فا / ضَ بعَذْبٍ من النَّمِيرِ زُلال
أنتَ مَوْلاهُ أنتَ عَلَّمْتَهُ البَذْ / لَ وبَذْلُ العبيدِ فَضْلُ الموالي
غمَرَتْنا نُعْماكَ في كلِّ حالٍ / فحمدْنا نُعْماكَ في كلِّ حالِ
أيُّها الراكبونَ في طَلَبِ الْغَيْثِ / سِراعاً والغيثُ مِلْءُ الرِحالِ
لا تَرِيموا مكانَكُمْ لا تَرِيموا / ساحةُ المُلْكِ مَوْرِدُ السُؤَال
يا لَها فَرْقَداً أطلَّ عَلَى الدُنْيا / فأمستْ نجومُها كالذُبالِ
سطعتْ بالسعُودِ تستقبلُ الكَوْ / نَ فتحظَى بأشرفِ استقبال
اِسْتَهلَّتْ بالسِلْمِ واليُمْن والعِيدِ / فكانتْ بَرَاعَةَ استهلال
أُغْمِدَ السيْفُ بعدَ طُولِ جِدالٍ / وجدالُ السُيوفِ شَرُّ جِدال
أنا في السِلْمِ عَبْقَرِيُّ القَوافي / ليس لي في الظُبَا ولا في النِصال
أنا شعري كالطَيْرِ يُفْزِعُهُ الَخُّ / ويرتاعُ من حَفيف النِبال
لا تعيشُ الفُنونُ بينَ كِفاحٍ / راكبٍ رأْسَهُ وبَيْنَ نِضال
خِفْتُ إنْ أُشْعِلَتْ لَظَى الحَرْبِ أَنْ / أُنْشِدَ بَيتاً جرَى معَ الأمثال
لم أكُنْ مِنْ جُناتِها عَلِمَ اللهُ / وإنَي بِحَرِّها اليومَ صالي
فمتَى تَهْدَأُ القُلُوبُ إلى الْحُبِّ / وتُهْدَى النفوسُ بعد ضَلال
أشْرِقي عَابِدينُ فالمُلْكُ زاهٍ / صاعِدُ الْجَدِّ والزمانُ مُوالي
أنتِ أطلعتِ في سمائِكِ بَدْراً / عَلَّمَ ابنَ السماءِ معنَى الكمال
دَوْحَةُ المجْدِ أَنْتِ كَمْ من أصولٍ / راسياتٍ ومن فُروعٍ هِدال
دَوْحَةٌ أَرضُهَا من الطِيبِ والمِسْكِ / وأثمارُها سُمُوط اللآلي
كم أظلَّتْ مِصْراً وحاطَتْ بَنِيها / من هَجيرِ الْخُطُوبِ والأهوال
أنتِ يا عابدينُ خَيْرُ بناءٍ / مَدَّ أفْياءَهُ على خَيْرِ آل
صَفَّقَتْ مِصْرُ حينما جَاءتِ البُشْرَى / فأهلاً بمولدِ الآمال
كم بسطنا الأكُفَّ نَضْرَعُ لِلرَحْمنِ / والليلُ مُسْبِلُ الأسْدال
وسبَقْنا دَقَّ البشائرِ شَوْقاً / وبعثْنا السُؤالَ إِثْرَ السُؤال
ووَدِدْنا لو استقرَّ التَّمَنِّي / واستراح الرَجاءُ بعدَ كَلال
وإِذا أَنْعُمُ الإِلَهِ تَوَالَى / بعميم الإِحسانِ والإِفضال
وإذا الفجرُ صادقٌ يَمْلأُ الشَرْ / قَ فَيَمْحُو غَياهِبَ الأَوْجالِ
وإذا المَهْدُ فيه دُرَّةُ مَجْدٍ / لِكَرِيمِ الْجُدودِ والأَخْوال
وإِذا مِصْرُ أَعْيُناً وقُلوباً / تَقْبِسُ النورَ من سَنا فِرْيال
فهنَاءً مَليكةَ النِيل كم حَقَّقْتِ / للنيلِ من أمانٍ غَوالي
وَهناءً مَليكَ مِصْرَ المُفَدَّى / نِلْتَ فَاشْكُرْ للَهِ خَيْرَ مَنال
عِشْ وعاشَتْ أمِيرَةُ المُلْكِ واسْلَمْ / للمعالي وصالِح الأعمال
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً / وشهِدنْا صروفَها ألوانَا
ورأينا المِقْدامَ يسمو إلى الع / زِّ ولا يرتضي النجومَ مكانا
ولمحنا بجانبيه أُناساً / قُتِلوا ذِلَةً وماتوا هوانا
إنَّما المَنْصِبُ الكريمُ بمن في / ه وليس القنَاةُ إلاَ سِنانا
قد حبَسْنا المديحَ عن كلِّ مُسْتا / مٍ وأجْدِرْ بشعرنا أنْ يُصانا
لا تَزينُ العقودُ جِيداً إذا لم / يَكُ بالحسن قبلَها مُزدانا
رُبَّ دُرٍ لاقَى من الصدرِ دُرَاً / وجُمانٍ في النَحْرِ لاقى جُمَانَا
لو مدحنا من لا يَحِقُّ له المد / حُ لوَى الشعرُ رأَسه فهجانا
الرسولُ الكريمُ أنطق حَسَا / ناً ولولاه لم يكنْ حَسَانا
وابنُ حَمْدانَ لقَّنَ المتنبِّي / غُرَرَ المدحِ في بني حَمْدَانا
يصدُق الشعرُ حينما يصدُق النا / سُ فيشدو بمدحِهم نَشْوانا
وإذا عزَتِ المكارمُ ولَى / مُطرِقَ الرأسِ واجماً خَزْيانا
ومضَى يشتكي الزمانَ ويبكي / دارساتِ الطُلولِ والأْظعانا
فإذا شئتَ أن أكونَ زُهَيْراً / فأَعِنِّي وهاتِ لي ابنَ سِنانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025