القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صُرَّدُر الكل
المجموع : 130
بدا ضاحكا لا لأحظَى بما
بدا ضاحكا لا لأحظَى بما / تُسَرُّ به النفسُ من بِشره
ولكن رأى وجهَه مقمرا / فأبَدى كواكبَ من ثغره
أضدَّانِ في جسدٍ واحدٍ
أضدَّانِ في جسدٍ واحدٍ / مقيمان قد جعلاه قَرارا
دموعٌ من العين فياّضةٌ / ووَقدٌ من القلب يَرمِى شَرارا
كأنِّى من السُّحُبِ الساريا / ت يَحمِلنَ فيهنَّ ماءً ونارا
شُدُّوا على ظهر الصِّبا رَحلى
شُدُّوا على ظهر الصِّبا رَحلى / إن الشبابَ مطيَّةُ الجهلِ
إن أُحرِزتْ نفسي إلى أمدٍ / دبَّرتُها في الشَّيبِ بالعقلِ
إن المغرَّبَ في مواطنه / من عاش في الدنيا بلا خِلِّ
وإذا الفؤاد ثوى بلا وطر / فكأنه ربعٌ بلا أهلِ
من للظباء سواى يقنِصُها / إن أسكرتني خمرةُ العذلِ
أوغلتُ في خوض الهوى أنَفاً / للقلب أن يبقىَ بلا شُغلِ
وحِذرتُ سُلوانا فسُمتُهُمُ / أن يَحرِمونى لذّةَ الوصلِ
فضَلَتْ دموعى عن مدَى حزَنىَ / فبكيتُ مَن قَتَل الهوى قبَلى
ما مرّ ذو شَجنٍ يكتِّمه / إلا أقول متيمَّ مثلى
يُخفى ولا يَخفىَ على نظرى / عَلمَ الخضوع ومِيسَم الذلِّ
يا فاتكا أضراه أنَّ له / قَتْلَى بلا قَوَدٍ ولا عَقْلِ
لِمَ لا تُريُق دَماً وصاحبُه / لك جاعلٌ في أوسع الحِلِّ
بُعداً لغِزلان الخدور لقد / كُحِلَتْ مَحاجرُهنَّ بالخَتْلِ
يرمين في ليلِ الشبابِ لكى / تَخفَى علىَّ مواقعُ النبلِ
لو لم يُردْ بي السوءَ خالقُها / ما ضمَّ بين الحسن والبخلِ
غِقذف عدوَّك إن أردتَ به / دهياءَ بين الأعين النُّجل
يبلُغنَ كلَّ العُنفِ في لَطَفٍ / ويَنلنَ أقصى الجِدِّ بالهزلِ
هبْهم لَوَوْا وعدِى فطيفهُمُ / من ذا يجسِّره على مطلى
قد كدتُ أُنهِكهُ معاقَبةً / لولا ادّكارى حُرمَة الرُّسْلِ
وعهودُكم بالرَّمل قد نُقضتْ / وكذاك من يبنى على الرملِ
إن ازمعوا صرما فلِمْ عَقدوا / يومَ الكثيب بحبلهم حبلى
لا يوثِق الأُسراءَ بينهُمُ / إلا رِشاءُ الفاحِم الرَّجْلِ
كيف الخلاصُ ومن قدودهِمُ / وخدودهم ونهودهم عقلى
وإذا الهوى ربَط النفوسَ فما / يُغنيك حَلُّ يدٍ ولا رِجْلِ
صحبى الألى أزجَوْا مطيَّهُمُ / حتى أناخوها بذى الأَثْلِ
من يطَّلِعْ شَرَفا فيعلمَ لي / هل روَّح الرُّعيانُ بالإبلِ
أم قعقَعتْ عَمَدُ الخيام أم ار / تفعَتْ قِبابهُمُ على البُزْلِ
أم غرَّد الحادى بقافيةٍ / منها غرابُ البين يستملى
إنى أحاذر من رحليهمُ / ما حاذَرَتْ أُمٌّ من الثُّكلِ
إن كان ذاك فصادَفوا لقَمَا / يعمَى الدليلُ به عن السُّبْلِ
رفقا فلست أُطيق أحملُ ما / حَمَلَ الأجلُّ لنا في الثِّقلِ
وهو الذي كلٌّ يُقرّ له / يومَ الفخار عليهِ بالفضلِ
أَغلتْ مكارمُه المهورَ على / تزويج بِكرِ القول بالفعلِ
وحَبا العفاةَ وهم بدارهمُ / حتى دَعَوه جامعَ الشملِ
يعطيك في عُسُر وفي يُسُرٍ / ويُنيل من كُثْرٍ ومن قُلِّ
مثل السحابةِ ما تُغبُّك في ال / حالاتِ من وبل ومن طلِّ
فكأنما أوحىَ إلى يده / أن تقتلَ الإملاقَ بالبذلِ
شجر من المعروف أنبتها / تختال في ثمر وفي ظلِّ
ومناهلٌ إن يرضَ واردها / بالنَّهْل يجبُرْهُ على العَلِّ
ظنًّا بأن الفرضَ ليس له / حمدٌ وأن الشكرَ للنَّفلِ
لعدوّه وما للصديق به / والغيثُ رزقُ الحَزِن والسهلِ
وإذا السماء غدت كأنّ على / أبوابها قُفلا من المَحْلِ
وجدوا الغمامَ قلائصا غَرِضتْ / بالسير من جهد ومن هُزْلِ
واستحسن الكرماءُ من سَغبٍ / أن يبعثوا بذخائر النملِ
في شَتوةٍ شمطاءَ عانسةٍ / عزَّ الرَّضاعُ بها على الطفلِ
بكَرت أناملهُ بغاديةٍ / تكسو البلادَ مَلاحفَ البَقْلِ
وكأنما الأنواءُ حائلةٌ / عجفاءُ تَرمحُ حالبَ الرِّسْلِ
بلغَ المدى والتابعون له / متعثرون بزَلّة النعلِ
لو قُلّد الشجعانُ عزمَته / لغَنُوا عن الهِندىِّ ذى الصقلِ
حُنِيتْ أضالعُه على همم / مخلوقة للعَقد والحَلِّ
لا يدّعِى إقدامَه أحدٌ / وإن ادعاه فوالدُ الشِّبلِ
ما يذعَرُ الخصماءُ من فُطُمٍ / ترميهمُ بشقاشقٍ تغّلى
أبدا يفِرُّ صريعُ منطقه / منه إلى الخَطّىّ والنَّصلِ
يرنو الزمان إلى معاندِه / حنَقاً عليه بأعينٍ قُبْلِ
في كفِّه صمَّاءُ ضامرةٌ / سرَقَتْ شمائَلها من الصِّلِّ
سمُّ الأساودِ في نواجذها / وإن اغتذت بمُجاجةِ النحلِ
ما حُكِّمتْ في أمرِ مُشكلةٍ / إلا أتت بقضيَّةٍ فَصلِ
من مثلُه لقراع نائبةٍ / فيها فراق العِرْسِ للبَعلِ
هيهات أن تلقىَ مشابَهه / أمُّ الصقورِ قليلةُ النسلِ
مرضٌ بقلبك ما يعادُ
مرضٌ بقلبك ما يعادُ / وقتيلُ حب لا يقادُ
يا آخر العشّاق ما / أبصرتَ أوَّلهم يذاد
يقضِى المتيَّم منهمُ / نحبا ولو رُدُّوا لعادوا
ملكوا النفوسَ فهل لنا / من بعدها ما يسترادُ
أبداً جناياتُ العيو / ن بحَرِّها يَصلَى الفؤادُ
ما خلتُ غِزلان اللِّوى / كظباءِ مكَّةَ لا تصادُ
يقظان تَنصلُ أحبُلى / عنها ويقنِصها الرقادُ
بالعذلِ تُوقَد لوعتى / وبقَدحِه يُوَرى الزنَّادُ
لم يستطعْ إطفاءَها / دمعٌ كما انخرقَ المَزادُ
لا تنكرا جُرحى فلل / عذَّال ألسنةٌ حِدادُ
طمعٌ وأنتَ برامةٍ / فيمن تضمَّنه النِّجادُ
والحىّ قد هَبَطتْ خيا / مُهُمُ وقعقعقت العمادُ
والوَردُ من زَهر الخدو / د كِمامهُ الكِدَلُ الوِرادُ
لو يسمحون بوقفةٍ / أبتَ المطايا والجيادُ
ظعنوا بأقمارٍ علي / ها تُحسدُ الكومُ الجِلادُ
ولأجلها غَبَط الغَبي / طَ حجابُ قلبي والسوادُ
فيقول أيّ الحالتي / ن أشدُّ هجرٌ أم بعادُ
تعفو المنازلُ إن نأَوا / عنها وتغبرُّ البلادُ
والحىُّ أولَى بالبِلى / شوقا إذا بَلىَ الجمادُ
ما ضرَّهم والحسنُ لا / يبقىَ لو امتنُّوا وجادوا
أتُرى حرامٌ أن يُرَى / في الناس معشوقٌ جوادُ
لعبٌ مفاتيحُ الهوى / والحرب أوّلُها طِرادُ
أوَ ما رأيت فتى قري / شٍ وهو للجُلَّى عَتادُ
وله المعاني المستد / قَّةُ والكلامُ المستفادُ
وأَصالةٌ في الرأى بالسِّ / حر الموشَّى لا تُكادُ
وشواردٌ في القول قد / قُرِنتْ بها السَّبْع الشِّدادُ
كالهرقليَّاتِ النوا / صعِ ليس يَنفيها انتقادُ
فكأنه قَسٌ وها / شمُ حولَ منطقِهِ إيادُ
كيف ارتعَى زَهر الصبا / بةِ والغرامُ له قيادُ
بعد التخيُّل والمِرا / حِ ونَى وذلّلهُ القيادُ
نشوان لا في عطفه / بطرٌ ولا في الرأس صادُ
فبه فلانٌ أو فلا / نٌ لا سُلَيمى أو سعادُ
يرضَى بطيفٍ قال مو / عدُنا الحشيَّةُ والوِسادُ
وتُحَلُّ عُقدةُ نُسكهِ / بالشيء لفّفه البِجادُ
يا مُصعبَا جرّته في / أرسانها اللِّممُ الجِعادُ
واستهدفته ال / لحظات مثنىَ أو أُحاد
واستعطفته روادفٌ / كُثبانها نِعمَ المِهادُ
ولَمىً رضابُ النحل يش / هد أنَّ ريقتَه شِهادُ
ولربما خار الجلي / دُ وغُلِّطَ الرأى المرادُ
قد كان قبلك في سبي / ل الحبّ لي أبدا جِهادُ
حتى خبا ذاك الضرا / م وغاية النار الرَّمادُ
وإذا رأيتَ الكون فاع / لمْ أن سيتبعُهُ الفسادُ
واعجب لقومٍ في الزما / ن على السفاهة كيف سادوا
لا عندهم كَلِمٌ تَغ / رُّ ولا نُضارٌ يستفادُ
أستغفر الله العل / ىَّ لقد تذأَّبت النِّقادُ
عَتَب الشريفُ لأن نشرتُ محاسنا
عَتَب الشريفُ لأن نشرتُ محاسنا / مرموقةً من خُلقِه وجلالهِ
وزعمتُ حقّا أنّ بدرَ جَماله / زانت مطالعَه نجومُ خِصالهِ
بمحاسنٍ لو كان يمكن صوغُها / أغنت غزال الإنس عن خَلخالهِ
صِفة الهلال بدا أوانَ طلوعه / أن لا يشعَّثَه زمانُ كمالهِ
فضلُ الملاحةِ عند كلّ مصوِّرٍ / في الناس ليس إليه نقصُ مثالهِ
عتبٌ لعمرُك ليس يَعِتب مثلَه / إلا حبيبٌ شاءَ قطعَ حباله
فامسح جفونَك عن عقابيل الكرى / وانظر وصلِّ على النبىّ وآلهِ
أىُّ لبيبٍ بك لم يُخدَعِ
أىُّ لبيبٍ بك لم يُخدَعِ / وأيُّ عين فيك لم تدمَعِ
لا أمدح اليأسَ ولكنه / أرْوحُ للنفس من المطمعِ
أفلحَ من أبصرَ عُشْبَ المنَى / يُرَعى فلم يَرْعَ ولم يرتَعِ
يا ليتَ أنِّى قبلَ وَقْر الهوى / أذِنتُ للعذل على مسمعى
هل ما مضَى من عيشةٍ راجعٌ / والخُلفُ كلُّ الخلف في المرجِعِ
وأين بدورٌ من بنى دارمٍ / تبخل أن تُسفر من مطلِع
لا في سِرَار الشهر تبدو لنا / ولا الليالي العشر والأربعِ
لو لم تكن أعينُهم أسهما / ما خرَقَت في جانب البرقعِ
كيف تَخَطَّينَ إلى مَقتلى / وما درَى تُرسى ولا أدرعى
أودعُتهم قلبى وما خِلتُهم / يسحسنون الغدرَ بالمودعِ
صار بأيديهم وحاكمتهم / فالحقُّ حقىّ وأنا المدّعى
لو زرانى طيفُهمُ ما درى / من الضنا أنىَ في مضجعى
أقول للرّكبان قد أزمعوا / حجاًّ إلى الأطلال والأربُعِ
لَبُّوا بذكرِى في عقيق الحمى / وذلك المصطافِ والمَربعَ
وأخبروا عنّى بما شئتُمُ / فإنه دون الجوى الموجِعِ
دَرَّتْ على مرعاهُمُ ديمةٌ / تحنو على أطفاله الرُّضَّعِ
غرّاءُ لو يَنُبتُ شَعْرٌ بها / لأنبتت في جبهةِ الأقرعِ
كلُّ سحابٍ أمطرتْ أرضَهم / حاملةٌ للماء من أدمعى
وكلّ ريحٍ أزعجت تُربهم / فإنها الزفرةُ من أضلعى
أتشفع الخمسون لي عندَهم / هيهاتَ والعشرون لم تَشفعِ
إن أمطرتْ عيناى سُحبْا فعن / بوارقٍ في مَفرِقَى لُمَّعِ
تُريد عُمْرا وشبابا معاً / أشياءُ للإنسان لم تُجمَعِ
سيَّان عند الغانيات اكتسَى / رأسُ الفتى بشيبه أم نُعِى
يُصبَغُ رأسُ الدهر من ليلهِ / وصبحهِ بالجَوْنِ والأسفعِ
نوائبٌ أضعافُ عدِّ الحصى / تجَمعُ بين الضّبّ والضِّفْدَعِ
تصطلُم العفراءَ في قفرها / وتفجأ العذراءَ في المخدَعِ
كم مرَّ بى من صَرفه حاصبٌ / لو مرَّ بالوَرقاء لم تسجعِ
رفعتُ من أمواجه منِكبى / حيث يشير الجون بالإصبعِ
من لم يخُض غَمرتَها لم يشِدْ / قواعدَ المجد ولم يرفَعِ
دون المعالي مرتقىً شاهق / فِطرْ إلى ذِروتِه أوقَعِ
قل للصعاليك أرى دينَكم / دِينى ودِينَ الأسَد الأفدعِ
إمّا قَرىَ بُرثُنُه نابَهُ / أو ماتَ طيَّانَ ولم يَصرَعِ
متى أراكم كذئابِ الغضا / شمننَ ريح المَعِزِ الرُّتَّعِ
في فتيةٍ أكثرُ تهويمهم / إسناد هاماتٍ إلى أذُرعِ
إن عرَّسوا لم يعِقلوا إبْلَهم / إلا بوفراتٍ مع الأنُسعِ
مثل نجوم الليل يُهدَى بهم / من ضلَّ في الدَّيمومةِ البلقَعِ
يخضِبُ ايديهم نجيع الطُّلَى / إن خضَبَ الأقوامُ بالأَيدعِ
قلتُ وهم من نَشواتِ الكرى / موائلٌ كالسُّجَّد الرّكَّعِ
حُثُّوا مطاياكم فكم غاية / قد بُلَغَتْ بالأينق الظُّلّعِ
وادعوا أبا سعدٍ يساعِدْكُمُ / مثلَ سنانِ الأسمرِ المشرَعِ
باعٌ طويلٌ ويدٌ طَلقةٌ / ومنطق يختال في المجمعِ
إذا ارتقتْ أقلامهُ كفَّه / تهزّأت بالخاطبِ المِصقَعِ
غُدرانهُ بالفضل مملوءةٌ / متى يَرِدْها حائمٌ ينقَعِ
يكشِفُ منه الفَرُّ عن قارحٍ / قد أحرز السبق ولم يُخدَعِ
ليس جمالُ المرءِ في بُردِه / جمالُه في الحسَب الأرفعِ
يشير إيماءً إليه الورى / إن قيل منَ يُعرَفُ بالأرَوعِ
يربك ما ضَمَّت جلابيبُه / محاسنَ العالَم في مَوضعِ
يُوكَسُ من لا أدبٌ عنده / وكْس الدنانيرِ ولم تُطبعِ
أيا أخي والودّ أرحامهُ / إن تُقطَع الأرحامُ لم تُقطعِ
ما بيننا من أدبٍ جامع / أقربُ من والدةٍ مُرِضعِ
لُبانةٌ لي هي إن تَقِضها / صنيعةٌ في موضع المصنعِ
ورائدٌ مثلَك مستودِعٌ / أهليه في أحفظِ مستودَعِ
ألا ابلغا عنّى الذي شكره / صريرُ رحِل الراكب المُوضعِ
مَن تَصدرُ الآمالُ قد أُترِعتْ / مَزادُها من حوضهِ المترَعِ
لا خُلَّبٌ بارقُ معروفهِ / ولا سحابُ البيد بالمُقشِعِ
إن أنتَ شبَهتَ به غيرَه / سوَّيت بين النَّبع والخِروَعِ
ما بالُ أعدائىَ ملَّكتَهم / عِنانَ رأس السابحِ الأتلعِ
يرمون حبِّى بحصَى زُورهم / رمىَ جِمارِ الحجّ باليَرمَعِ
كلُّ فمٍ يَنفُثُ بي قولةً / اسلمُ منها لسعةُ الشَّبْدَعِ
علىَّ صاروا عند نُصحى ولو / عملتُ بالغِشّ لكانوا معي
واستطِف الرأى ليرِجعْ به / من رجَعَ الشمسَ إلى يُوشَعِ
فأنت أهدَى في طريق العلا / من القَطا في اللاحبِ المَهيعِ
واظفرْ بها لو أدركت ثعلبا / أنسته ما يُروَى عن الأصمعى
أمِس رأينا قائلا سامعا / واليوم قد أعوزنا من يعى
أؤَمل بعدَ هذا الأسرِ حَلاَّ
أؤَمل بعدَ هذا الأسرِ حَلاَّ / وجِدِّ نوائب الأيام هَزلا
وأعلم أنّ جَور الدهرِ طوعا / سيُعقب بعدَه بالكُرِه عدلا
يقول ليَ اصطبارى قف رويداً / فأيّ سحائب الغَمَرات تُجلَى
ليالٍ خابطاتٌ في سُراها / وما تَدرِى أصبنَ القَصدَ أم لا
وأيامٌ تَراكضُ في مَداها / كأنّ وراءها طَرْدا وشَلاَّ
فمَن راغَمنَه رجَع الهُويْنا / ومن أخطأنه بلغ المَحلاّ
فكم أفقرن بالبؤسىَ غنيًّا / وكم أغنين بالنُّعمى مُقِلاّ
تُراها خُيِّرت فيما لديها / فما اختارت سواى لهنّ شُغلا
سهامٌ مؤلماتٌ كلَّ يومٍ / تُصيب ولا أرَى ريشاً ونَصلا
ولو كانت نبالُ بنى هُذَيْلٍ / لبِستُ لهن سابغَةً رِفَلاً
وما ذنبى إليها غير أنّى / جمعتُ محاسنا وحويتُ فضلا
فلولا أننى أرِعى فؤادى / بأوديةِ الأمانى متُّ هُزلا
أَعُدُّ ذنوبَها بيدى ومَن ذا / يُعدّ بعالجٍ والخبتِ رملا
إذا ما شئتَ أن تحيا سعيدا / فقل لا تؤِتنى يا ربِّ عقلا
فما عيشُ الوحوش بخير عيشٍ / به طابت به حُمقا وجَهلا
نبُثُّ لها الحبائلَ وهي ولْهَى / تجاوِبُ باغِما وتَرُبُّ طِفِلا
وما للمرء خيرٌ في حياةٍ / إذا أمسى على الإخوان كَلاَّ
لقد خلعَ التصابىَ مستَجدٌّ / نُصولُ هذراه غِمداً مُحلىً
تِقلُّ عن الغرام وأنتَ طِفلٌ / وتكبَرُ عن طلابِ اللهو كهلا
وفيما بين ذاك وذا شبابٌ / تمانعك الأحبَّةُ فيه وصلا
فأيّ زمانك الحُلوُ المُهنَّا / وأي قِداحِك القِدحُ المعُلَّى
لذاك بدأتُ بالهجران هِندا / كما عاجلتُ بالسلوان جُمْلا
وصرتُ إذا رأيتُ الظبَى يرنو / كأنّى ناظرٌ ليثاً مُدِلاّ
إذا ما هزَّ في بُرديْه عِطفا / هززتُ عليه من كفَّىَّ نَصلا
طروبٌ للوشاة إذا أعادوا / علَّى ملامةً فيه وعَذلا
وأحسنُ من قدودِ البِيض تهفو / قدودُ السُّمر في الهيجاء تُجلَى
فلا تُبرِقْ لىَ الحسناءُ ثَغر / ولا تُرِسلْ على المَنيْنْ جَثْلا
ولا تنفُثْ بسِحرٍ في جفونٍ / حلَلْتُ عقودَها كَحَلاً وكُحْلا
على أنّ الهوى في كلّ قلبٍ / ألذُّ من المنَى طَعما وأحلىَ
فلا يغرُرْك من ينجو سليماً / ولا تحسبْ عِلاجَ الحبّ سهلا
ولكنّى استعنتُ على فؤادي / بأصنافِ الرُّقَى حتى أبَلاّ
وحذَّرنى من الأحبابِ أنّى / رأيتُ دَماً لعُروةَ كيف طُلاَّ
أقلنى من ظباء بنى عَدى / فما أخشى ظباءَ الإنس كلاَّ
فهنّ إذا غَزوْنَ إلى قبيلٍ / أسرن مُعاهِدا وقتلن خِلاّ
وما أهوىَ سوى البَيداء داراً / وأفراساً تَضيعُ بها وإبلا
وأسمرَ يرعُد الأنبوبُ منه / غداةَ الروع خوفا أن يَزلاَّ
وأبيضَ تحسبُ الطُّبَّاعَ بثَّتْ / على مَتنيْه والحَدّين نملاَ
وممشوقٍ من الفِتيانِ يُدعَى / لكلِّ عظيمةٍ فيجيب هَلاَّ
كأنّى في الضحى أَرسَلتُ صَقْرا / وفي جُنح الدجى سِمْعا أزَلاَّ
أشير له ففيهمُ وَحىَ طَرفى / وخيرُ القول ما إن قَلَّ دلاَّ
أنا ابن جلاَ وطلاَّعُ الثنايا / وصاحبُ سيرةٍ تروَى وتُملَى
تحكَّكْ بالرئيِس وفز بشكرى / وحقاً تطلُبُ الجرباءُ جِذْلا
تلاقِ المجدَ بَّراقَ المُحيَّا / وثغرَ الجُود يضحَك مستهِلاّ
ومطروقَ الفِناءِ لزائريه / تقولُ كلابُه أهلا وسهلا
شمائلُ تسِرق الأقوامُ منها / وتَفضَح بامتحانٍ من تحلَّى
وهبْ أنّ الرجالَ حكَتْه قولا / فهل يحكونه قولا وفعلا
يطوفُ الوفدُ في الآفاق حتَى / تُحَطَّ به الرحائل حيث حلاَّ
إذا نزلوا فما لهمُ ارتحالٌ / ومن ذا يجتوى بَرْداً وظِلاَّ
وكلُّ فضيلةٍ ذُكِرَتْ لقوم / رأَوه بذكرِها أحرَى وأولىَ
هو البطلُ الذي خَصَم الليالي / فبيَّن في وقاشعها وأبلىَ
نحيد خُصومه عنه ومَن لا / يخافُ الليثَ أقبلَ مصمئِلاَّ
يَروع بصمتهِ من شاءَ منهم / وتخشَى الطيرُ بازيا تَجلَّى
شهدتُ بأنه الدرُّ المصفَّى / وأنفسُ قيمةً منه وأغلَى
وقالوا هل سواهُ بقِى أناسٌ / يليقُ بها المديح فقلتُ كلاَّ
بل يا ربما نُسِبوا ادعاءً / إلى كرمٍ كما نُسبَ المُعلَّى
أَلا يا أيّها الرحبُ السجايا / ومن يسقىِ بكأسِ الجود عَلاَّ
عهِدتُ نداك يورِقُ منه عُودِى / ويُمرِعُ إن شكت كفَّاىَ مَحْلاَ
وما زالتْ عُلاك أُحِلُّ منها / ربّى من رامنى فيهنّ زلاَّ
وكم لكَ من أيادٍ قد تشكّتْ / إليك مناكبي منهنّ ثِقْلا
نظمتُ من الثناءِ لها زَبورا / لفرطِ الحسن في المِحراب يُتلَى
فما لي يثلِمُ الأعداءُ حدِّى / ويختلق الوشاة عليَّ بُطلا
ويرمونى بزور القول حتّى / تمنَّى جانبي لو كنّ نَبْلا
فيا للهِ حيث وضعتُ جنبى / أمارسُ عَقربا منهم وصِلاَّ
محالُهمُ يمُدّ الىَّ باعا / وباطلُهم يحُطُّ علىَّ رِجلا
خُصومٌ ينظرون إلىَّ شَزْرا / ومن ذا يقهَر الخصمَ المُوَلَّى
ولو لم أشجُهم بدَمِى ولحمى / لقد أفنَوْهما شُربا وأَكلا
ولا واللهِ ما قارفتُ ذنباً / ولا جدَّت يدِى للنصح حَبلا
ولا استذكرتُ ما أوليتَ إلا / رأيتُ خِيانتى والغدرَ بَسْلا
وأُقسم بالمطايا مُشعَراتٍ / غداة النحر قد خُلِخلن عُقْلا
وبالغُبر الأشاعثِ لا دِهانٌ / تُرجِّلهم ولا الهاماتُ تُفلَى
وبالجمرات تحذِفُ أخْشَبَيْها / أناماُ تبتِغي مَنَّا وفَضلا
وبالحَرميْن تَملأُ عَرصَتَيْها / من الآفاقِ ركبانٌ ورَجْلىَ
وبالبيتِ المقدَّسِ والموَفِّى / قِرى الأضيافِ عنه والمصلَّى
بأنى ما لبِستُ الغشَّ ثَوبا / ولا أسكنتُ قلبي فيك غِلاَّ
وما هي غيرُ أقوالٍ تُوشَّى / ولستَ ترى لها فرعا وأصلا
وأنت الحاكم العدلُ القضايا / إذا حار امرؤ فيما تولَّى
أعوذ بحسن رأيك منك فيها / وأن ألقَى من الخُصماء خَبلا
فإن حزَّ الفَوارِى في أديمى / فلا عيبٌ إذا ما السيفُ فُلاَّ
لقاؤك يا لُبنَى خَيالِ
لقاؤك يا لُبنَى خَيالِ / فما منكما إلا غريمُ مِطالِ
مواعيدُ كاليقظَى خوالب بارقٍ / وضُمّانُهُ الوسنَى تخيُّلُ آلِ
وإنى وإن جرّت زمامى عواذلى / لأتبعُ فيكِ باطلى وضَلالى
وأعلمُ أن الحبَّ موقفُ طاعةٍ / يُجاب به للشوق كلُّ سؤالِ
ومن ظنّ أن العذلَ يقتنص الجوى / فقد قاده صعبا بغير عِقالِ
لأنتَ أطبُّ الناس إن كنتَ قادرا / على بُرء داءٍ بالفؤاد عُضالِ
وصفتَ لسقمى قُبلةً واعتناقةً / وذاك شفاهٌ في رؤوس عَوال
إذا لم يذُق شيئا سوى الهجر عاشقٌ / فمن أين يدرى كيفَ طعمُ وصالِ
جهولٌ بشأن الغانياتِ مسَلِّم / عليهنَّ في شَيبٍ ورقّةِ حالِ
لبِسن لنا دِرع الصدود كأنما / نراميهُمُ من شَيبنا بنصالِ
ليالى الشبابِ هنّ أيامُ غُرَّةٍ / وأيامُ شَيبِ المرء هنَّ ليالِ
ودِدتُ وإن كانت من العمر تنقضى / لو أن بواقيها تكون حَوالى
ولي في بيوتِ العامريّةِ حاجةٌ / هي الماءُ في عَضْبٍ حديثِ صِقالِ
زعمتُ البدورَ والشموسَ ظِباءَهم / فلا تُنكروا فيهنَّ بُعْدَ مَنالِ
تطلَّعنَ من سُود البيوتِ كأنما / تَطلَّعَ بَيْضٌ بينَ زِفِّ رِئالِ
وما حاجةُ الغَيْرَانِ فيهم إلى القنا / وقد منعتْ منهم عِصِىُّ حِجالِ
كما قد حمت نفسُ ابنِ مَروانَ مجدَه / بأبيضِ عزمٍ أو بأحمرِ مالِ
مضىءُ نواحى الوجهِ يُمزجُ بِشره / بخَمرِ حباء فيه ماءُ جَمالِ
نسيبُ المعالى ليس تدعوه حاجةٌ / إلى صيتِ عمٍّ أو نباهةِ خالِ
إذا افتخر الإنسانُ يوما بُبردِه / فما بُرُده إلا كريمُ خصالِ
شبيبةُ عزمٍ واكتهالُ بصيرةٍ / وتحريمُ عِرضٍ وانتهابُ نوالِ
شمائلُ لو يُنظمنَ أغنَى نظامُها / نحورَ الغوانى عن عُقود لآلى
وما جاذبوه الفخرَ إلا وحازه / بأيدٍ إلى نَيل العلاء طِوالِ
صنائعه في الناس ترعَى سَوامُها / أزاهيرَ شكرٍ في رياضِ مَعالِ
ومِن عشقهِ المعروفَ أعطَى قيادَه / سؤالَ تجنٍّ أو سؤالَ دلالِ
كذا السُّحْبُ يَسقِى كلَّ أرض قِطارُها / بريح جَنوبٍ مرَّةً وشَمالِ
ليهنِك آلاءٌ ضمِنتَ وفاءَها / من الجود حتى بات ناعمَ بالِ
وأنك بالنُّعمَى التي قد بثثتَها / ملكتَ من الأحرار رِقَّ مَوالِ
فلله ماضٍ من لسانك إنه / لنعمَ لِزازُ الخصم يومَ جِدالِ
والله ما ضمَّت بنانُك إنها / قناةُ طِعانٍ أو خبيثةُ ضالِ
فِناؤك للعافين بَعلُ أراملٍ / ونارُك للسّارينَ أُمُّ عيالِ
عهدتُك تلقَى كلَّ مرء بقيمةٍ / وما كلُّ أعلاقِ الرجال غَوالِ
فلْمِ أنا في ميزان عدلك كِفَّتِى / تشِفُّ إذا قابلتَها بمثالِ
ويرجحُ أوقامٌ كأن جباهَهم / نِعالٌ لما زيَّنتها بقِبالِ
نصيبي من الأموال ما يُمسك الدَّبَى / وحظِّى من النيران حَظُّ ذُبالِ
ولولاك ما كانت لطآبا موقفى / ولا أرضُ بَاجِسْرا محطَّ رحالى
مقيما بها كالسيفِ أُلزِمَ غِمدَه / وقد كان يرجو الرىَّ يوم نزالِ
ولو أُطلقت حدّاه واسُتَّل في الطُّلَى / براها بيمنى ضارب وشمالِ
وما ينفع الطِّرفَ المطهَّمَ سبُقه / إذا كان محبوسا بضيقِ مَجالِ
أرى كلَّ مشنوءِ الخليقةِ واصلا / قِصارَ حبال عجزه بحبالى
تماثيلُ كالأنعام أبقلتِ الربى / لها فغدت في رعيةٍ وصِيالِ
وإنّ زمانا ضمّ شملى وشملَهم / لكالليل مَسرَى ضيغم ونمالِ
ستعلَمُ من منّا إذا بُعد المَدَى / عليه تشكَّى من وجىً وكَلالِ
وتفرُقُ ما بينى هناك وبينهم / وكيف تُسَوّى بُزَّلٌ بفِصالِ
وما كنتُ أرضَى أن تكونَ ديارُها / ديارى ولا تلك الرحالُ رحالى
ولكنّنى ركَّابُ ما أنا قائد / ولو ظهر مجزولِ السَّنامِ ثَفَالِ
وقد يُرتعَى حَمضٌ وفي الأرض خَلَّةٌ / ويُشرَبُ ماءٌ وهو غيرُ زلالِ
وتسكنُ خفضَ الأرض خفيّةٍ / وتسمو الوعولُ في رؤوس جبالِ
وما هو إلا ذنبُ دهر معاندٍ / يَرى بُرءَ أهل الفضل غيرَ حلالِ
ويا ربما أعطَى الأمانىَّ قانطا / فقد تَلقحَ العقماءُ بعد حِيالِ
إحَدى الكواعب من بنى نصِر
إحَدى الكواعب من بنى نصِر / شهِد الظلامُ لها على البدرِ
كالبَيْض تحضُنه نعائمه / بيضاءُ في كِلَلٍ من الشَّعرِ
سكَرى اللواحظ وهي صاحيةٌ / فدموعها فنٌّ من الخمرِ
ما خِلتُ أنّ بياضَ مقلِتها / وسوادَها صُحفٌ من السِّحرِ
بسَمتْ وقد برزتْ قلائُدها / فرأيتُ ما في النحرِ في الثغرِ
ومن العجائبِ أن تصادف في ال / عذب الزُّلال لآلىء البحرِ
كيف اهتديت لحبّ ظالمةٍ / وثبَ الغرامُ بها على الصبرِ
جمَّثتُها فنبَتْ فقلتُ لها / أهوَيتُ أطلبُ معدِنَ التبرِ
ضُربتْ بأسمةٍ قِبابهمُ / وكأنَّها في ساحة الصدرِ
بِيضٌ وسُمرٌ في خيامهمُ / ممنوعةٌ بالبيضِ والسُّمرِ
بدم المحبِّ يباع وصلُهمُ / فمن الذي يَبتاع بالسعرِ
لو كان غيرُ الحب جيشَهمُ / أليتهُم في جحفل مَجْرِ
هجروا وهجرهُمُ على دَخَلٍ / فلأجل ذلك طيفُهم يَسِرى
وهَب الظلامُ لنا محاسنَه / وأظنُّ مرسلَه بنا يدرى
حتى إذا الإصباحُ أيقظهُ / ولىَّ يُؤذِّن فيه بالغدرِ
يا ليلةً بالرمل قصَّرها / حلُّ العناقِ معاقدَ الخُمرِ
كادت خُطانا أن تنمَّ على / آثارنا وطُمِسنَ بالأُزرِ
ورأت كلابُ الحىّ رِيبتَنا / فكَرُمن عن نبح وعن هَرِّ
فُضَّت خواتيمُ السرور بها / واللهوِ حتى مطلع الفجرِ
لولا التحرُّجُ والغلوُّ لما / أُسْميتِ إلا ليلةَ القدرِ
والليلُ عِقْصَتُه قد انتشرت / ورَمتْ مَدرِاى الأنجم الزُّهرِ
والنسرُ قد أعيت قوادمُهُ / والغربُ يجذِبه إلى وكَرِ
وهوْت من الجوزاء مِنْطقَةٌ / زهراءُ لم تُعقد على خصرِ
ورمَى الثريّا من معلَّقِها / سبقُ السِّماك وحربَةُ الغَفْرِ
فكأنَّها والشمسُ تجمعها / رهطٌ قد ازدحموا على سِرِّ
مثل العذارى من تعنِّفها / تستصحبُ الدَّبرانَ كالحدرِ
وهلالُها تحكى استدارتُه / عَقدَ التمام لِعدّة الشهرِ
وعلى المجرّة أنجمٌ نُظمتْ / مثلَ الفَقار نُسِقن في الظهرِ
هذى حَبابٌ فوق صفحتها / طافٍ وهذا جدولٌ يجرى
كَيَدِ ابن فَضْلانٍ غمائمُها / تغدو ببذل الوفر أو تسرى
إن حلَّ في بيداءَ أو بلدٍ / نابت سحائبه عن القَطْرِ
أىُّ المكارمِ قد تأبّطها / وعزائمٍ في ذلك الصدرِ
طُهرت من الأحقادِ نيَته / والقلبُ مغسول من الغِمرِ
لامُوه فيما أتلفتْ يدُهُ / فرأى المحامدَ أنفسَ الذُّخرِ
إن قال فالسيفُ الحسامُ مَضى / أوصال أفنَى الليثَ بالذرِّ
ما إن أرى في الناس من أحدٍ / إلا يُمتُّ إليه بالشكرِ
حتى كأنّ الأرضَ طبّقها / بغمائم نشأت من البِرِّ
قد مارس الأعداءُ شدّتَه / فاستسلموا لليث ذى الأجرِى
وكوت مياسِمُهُ قلوبَهم / والكىُّ مشفاةٌ لذى العرِّ
إنّ الشَّدائدَ مذعُنينَ به / قارعنَ جُلمودا من الصخرِ
حَملَ النوائبَ فوقَ عاتقهِ / حتى رجعنَ إليه بالعُذرِ
وبوائقُ الأيّام عاديةً / لاقَين منه دامِىَ الظُّفرِ
لا تنكروا حَبْسا ألمَّ به / إن الحِسانَ تُصان بالخِدرِ
والغِمدُ ليس تُفاض بُردتُهُ / إلا على الهندىِّ ذى الأثْرِ
إن حجَّبوه فكلُّ ذى شرفٍ / يعتزُّ بالبوَّابِ والسِّترِ
يغشى الكسوفُ الشمسَ إذ عظُمتْ / ويعافُ ضوءَ الأنجم الزُّهرِ
قد يستِسرُّ البدرُ ليلتَهُ / لَيتِمَّ ليلةَ رابعِ الشهرِ
أوَ ليس يوسفُ بعد مِحنتِهِ / نقلوهُ من سجن إلى مصِر
لَمرَقَت منها مثلما ما انكردت / فَتخاءُ ترِمى الطيرَ بالذُّعرِ
وصبرَتَ حتى انجابَ غيهبُها / إنَّ النجَاءَ عواقبُ الصبرِ
تُنسَى مرارةُ كلِّ نازلةٍ / بحلاوةٍ في النهى والأمرِ
وإذا الأغانى حنَّ مِزهرُها / ولَّى حنينُ النابِ والبَكرِ
وإذا تولَّى الشىءُ تكرهُه / فكأنّه ما دار في سِرِّ
حمدا وشكرا للإله على / ما قد حباك وواجب النَّذرِ
وكأنني بك فوق غاربها / متسنِّما في ذِروة الفخرِ
ويرمِى العلاءُ إليك مِقودَه / لا ينثنِى بغماغم الزَّجرِ
إن العظائمَ ربّما بُلغت / بالهَوْن لا بالكرِّ والفَرِّ
وكذا الأُلوفُ على تفاوتها / محسوبةٌ بأناملٍ عَشْرِ
أنا من يُغالِى في محبّتهِ / وولائه في السِّر والجهرِ
ما ذاق طعمَ النوم ناظرُهُ / حتى البشيرُ أتاه بالبشِر
ولك الأيادِى لستُ أذكرها / إلا يَجِيشُ بحمدها صدرى
هي نِعمة ليديك أشكُرها / طولَ الزمان وآخرَ العَصِر
قد كان وعدٌ منك أقسمَ لى / بعلاك أنك مصلحٌ أمرى
وإخال أنّك لستَ ناسيَهُ / لكنّنى استظهرتُ بالذِّكر
قد حَزَّت الأيامُ في كبِدى / وأطافَ بى مسٌّ من الضُّرِّ
وشئمتُ عَتبى كلَّ نائبةٍ / وملِلْتُ ما أشكو من الدهرِ
وإذا جذبتَ إليك من ضَبعِي / طاعنتُها بأسنَّةِ القهرِ
وصرفتَ عنِّى كلَّ نائبةٍ / صرفَ الهموم سلافةُ الخمرِ
أهدت لك النَّعماءُ أنفَسَها / من عانس أو عاتقٍ بِكرِ
وخَطتْك أحداثُ الزمانِ ولا / برِحتْ رِباعَك ديمةٌ تجرِى
لولاك في الدنيا لما اعترفوا / للأكرمين بها سوى الذكرِ
عزاءً فما يصنع الجازعُ
عزاءً فما يصنع الجازعُ / ودَمعُ الأسى أبدا ضائعُ
بكَى الناسُ من قبلُ أحبابَهم / فهل منهُمُ أحدٌ راجعُ
عرفنا المصائبَ قبلَ الوقوع / فما زادنا الحادثُ الواقعُ
ولكنَّ ما ينظر الناظرو / نَ ليس كما يسمعُ السامعُ
يُدَلَّى ابنُ عشرين في لحدِه / وتِسعون صاحبُها راتعُ
وفي رأس ذا اسودٌ حالكٌ / وفي فرعِ ذا أبيضٌ ساطعُ
ليعلم من شكَّ أن المنو / نَ هوجاءُ ما عندها شافعُ
وإن هُنَيدةَ من عاشَها / لفى عيشةٍ بعدها طامعُ
فقل لىَ ما السرُّ في ذى الحيا / ة تُهوى وطائُرها واقعُ
يهيم عليها الكسوبُ الحريصُ / ويعشقها الساجدُ الراكعُ
وللمرء لو كان يُنجى الفر / ر في الأرض مضطرَبٌ واسعُ
ومَن حتُفه بين أضلاعه / أيمنعه أنّه دارعُ
وكلُّ أبىٍّ لداعى الحِمام / متى يدْعُه سامعٌ طائعُ
يسلِّم مهجتَهُ سائما / كما مدَّ راحتَه البائعُ
وحى الضَّيْزن عن متنهِ / وحسَّانُ اسلمه فارعُ
وهبَّت على تُبّع نفحةٌ / فلم يبقَ من رهطهِ تابعُ
ولو أنّ من حَدَثٍ سالما / لما خَسَفَ القمرُ الطالعُ
ولا صِيدَ في شَرَكِ النائباتِ / فتىً لشروطِ القتَى جامعُ
غلامٌ كأنبُوبةِ السمهر / ى تُعي إذا رامها الصادعُ
شمائُلهُ مثلُ نَوْر الرّيا / ضِ نَمنمَها باكرٌ هامعُ
تكاد تبكّى عليه الغصونُ / إذا ناح قُمرِيُّها الساجعُ
عجبتُ لذاك الحُلِىِّ المصوغِ / لنا كيف يُفسِده الصانعُ
تخرَّمه ورُواءُ الشبا / بِ لم يدرِكم طولُه الذارعُ
على حين أُفرغَ في قالَب ال / جمال ورونقُه الطابعُ
وكيف توقِّى الفتى ما يخافُ / إذا كان حاصدَه الزارعُ
ومن فوقهِ ظُلَلٌ كالغمامِ / ومن تحته جبلٌ مانعُ
وأقرانُ فضلانَ في عزِّةٍ / يدور بها الفلَكُ السابعُ
ولو شاء قصَّر باعَ الردى / فلم يرمِهِ الساعدُ النازعُ
ولكنَّه جاءه سائلا / فجاد به صدرُه الواسعُ
أأسرفتَ في الجودِ حتى استما / حَ أحبابَك الزمنُ الخادعُ
يَروُحُ ويغدو علينا الحِمامُ
يَروُحُ ويغدو علينا الحِمامُ / وكلُّ النواظرِ عنه نيامُ
على شِيمَ النَّعَم الراتعا / تِ يُعقَر هذا وهذا يُسامُ
ولا فرقَ ما بيننا في القيا / سِ إلاّ العقولُ وهذا الكلامُ
كفى بالممات لنا مُفنياً / فَمن أجل ماذا تُراشُ السهامُ
وتُعتقَلُ الذابلاتُ الطِّوالُ / ويُحملُ ذو الشَّفرتَين الحُسام
كأنّا خُلقنا لرَيبِ المنونِ / شرابٌ يَلذُّ به أو طَعامُ
ستُطوَى مسافةُ مَن عمرُهُ / يسيرُ صباحٌ به أو ظلامُ
ليالٍ تمرّ كمرِّ السحا / بِ والصبحُ فيهنَّ برقٌ يشامُ
جناياتُهنَّ علينا البِلَى / وأعذارُهنَّ إلينا السَّقامُ
لها كلَّ يوم بنا وقعةٌ / فهلاَّ تناوبَ عامٌ وعامُ
نلوم الطبيبَ وما جُرمُهُ / وداءُ المنيَّة داءٌ عُقامُ
إذا فَذْلكَ العيشُ عمرَ الفتىَ / فسيّانِ ما خلفه والأمامُ
وما يعصِمُ المرءَ من حتفهِ / عِراقٌ يَحُلُّ به أو شآمُ
بأَىِّ حمىً مانعٍ يُستجارُ / إذا لم يُجِر زمزمٌ والمَقامُ
ظِباءُ البطاح لها مَصَرعٌ / وعُصْمٌ لها بالجبالِ اعتصامُ
إذا الدَّوحُ مالت به العاصفاتُ / فلا ريبَ أن سمّيلُ الثُّمامُ
وهل نافعٌ لك طولُ الجِماحِ / وفي يدِ صَرف الزمانِ الزّمامُ
يحدّثُنا بالفَناء البقاءُ / ويُخبرنا بالرحيلِ المقامُ
بهذا قضى الدهرُ في أهلهِ / تمرُّ فِئامٌ وتأتى فِئامُ
يعلّلنا برَضاع المنَى / وعمّا قليلٍ يكون الفِطامُ
تذُمُّ حذارا بلوغَ المشيبِ / كأنَّ لعصرِ التصابى ذِمامُ
وما يحذَر اليَفَنُ العُدْمُلِ / ىُّ إلا الذي يتقيه الغلامُ
عذَرنا الزمانَ بموت اللئامِ / فما عذرهُ أن يموتَ الكرامُ
علينا يحرَّمُ قتلُ النفوس / فكيف أُحِلَّ عليه الحرامُ
مَناسكُ منهوجةٌ بالوجَى / يُجَبُّ على إثرهن السَّنامُ
لعمرُك ما المرءُ إلا خَيالٌ / ولا لذّة العيش إلا منامُ
ألا أيّهذا اللبيبُ اتئدْ / ومثلُك من رامَ مالا يرامُ
ترفَّق رويدكَ إن السّلَّو / مُراحٌ إليه يعودُ الأنامُ
وعادتك الصبرُ إن قعقعتْ / صواعقَهنَّ الخطوبُ الجِسامُ
تمرُّ عليك مرورَ الريا / ح زاحمها يَذُبلٌ أو شَمامُ
تلوثُ الرداء وتُرخى الإزا / ر في موقفٍ شُدَّ فيه الحِزامُ
يعزِّيك عقلُك عمّن مضى / وعلمُك أن ما لشيء دوامُ
ونفسُك أبلغُ من واعظٍ / وأكبرُ أن يزدهيها الغرامُ
وأنت تعلِّم كيف الثبا / تُ إن زعزعتنا الخطوبُ الجِسامُ
تحمَّلُ أثقالَها مُهْوِنا / وللبزُلِ لو حَملتهْا بُغامُ
إذا الحزن لم يُعد الذاهبينَ / فما هو إلا الجوى والأثامُ
فراقُ الشقيقة أشجى فراقٍ / أذيلت عليه الدموعُ السِّجامُ
وفقدُ الفتى صِنوَه فادحٌ / على الحزن في مثله لايلامُ
ولكن يريك الثنايا الجليدُ / وفي حبّة القلب منه ضِرامُ
وعينُك إن غلِطتْ بالبكاء / فقد علّمتها يداك الغمامُ
فسَقياً لمودَعةٍ في الصَّعيدِ / تُعزَّى الخدورُ بها والخِيامُ
ولم نر دُرًّا ولا زهرةً / من التُّرب أصدافُها والكِمامُ
أنلتمس السُّحبَ تسقى ثرِاك / وجُود أخيك الغيوثُ الرِّهامُ
وتُسَحب فيه ذيولُ النسيم / ومن عَرفِه تَستَمِدُّ المُدامُ
لِفقدانها ما تحنُّ القِلاصُ / وتندبُ فوق الغصون الحمَامُ
فيا جبل الطُّورِ لا فارقتكَ / سحائبُ يُشفَى بهنَّ الأُوامُ
يَقِفْنَ حوافلَ في عرصتي / ك حتى تُساوى الوِهادَ الإِكامُ
تخصُّك بالماخضاتِ العشارِ / وغير رباكَ لهنَّ الجَهامُ
ولو كنتِ آثبةً بالخصام / لما عزَّ فينا الخميسُ اللُّهامُ
وخيلٌ تَكدَّسُ بالدارعين / مقابرُ فُرسانهنَّ القَتامُ
ولكنها حالةٌ فرضُها / علينا تحيّتُنا والسلامُ
عساها تنجلى وخلاك ذمٌّ
عساها تنجلى وخلاك ذمٌّ / وماءُ الوجه في الوجَناتِ جَمُّ
ولم يَجرِ السؤالُ على لسانى / ولا ندَّى يدى بحرٌ خِضمٌ
سيحرُسنى التجمُّل من أناس / هُمُ عنّى بداء البُخْل صُمُّ
حمانى زادَهم بطنٌ خميصٌ / على الجُلَّى وعِرنينٌ أشَمُّ
فقد سقَّيتُ بَرْدَ اليأسِ منهم / فؤادا من رجائهمُ يُحَمُّ
وكيف أكلَّف المعروفَ قوما / سواءٌ عندهم مدحٌ وذمُّ
تُلاقِى المكرماتُ بهم هوانا / كما يلقَى بذى الرَّوِق الأجَمُّ
إذا ضحِكوا الىَّ رأَوْه بِرًّا / أكلُّ البِرّ تقبيلٌ وضمَُّ
يرَوْنَ عقوقَ ما كنزَوا حراما / هل العَرَض المسومُ أبٌ وأُمُّ
وكم من شيمةٍ دفراءَ فيهم / تفوح لو أنّ أخلاقاً تُشَمُّ
ستأتيهم قوافٍ شارداتٌ / بأنساعِ المخازى لا تُزمُّ
مقالٌ في النفوسِ له دبيبٌ / وبعض القول في الأعراض سُمُّ
فإعرابُ الفَمِ المِنطبقِ فتحٌ / متى أضحى بناءُ الكفّ ضمُّ
أيا بؤسَ قومٍ حسانِ الشخو
أيا بؤسَ قومٍ حسانِ الشخو / صِ لكن حُشُوا بطباع النَّعَمْ
يزينيهمُ في جفون الغبىِّ / حُلِىُّ الغِنىَ وثياب النِّعَمْ
حدوناهمُ بفصيح القريِض / فما استحسنوا منهُ غيرَ النغمْ
وكان الذي خاض أسماعَهم / سواءً ونقراتُ زِير وبَمّْ
وقد جعلوا عذَر حرماننا الثَّ / وابَ خلَّوهُمُ من فَهمْ
وهبْ أنهم جهِلوا ما نقولُ / فأين السخاءُ واينَ الكَرمْ
أغرَّعمُ كَتبُنا في الرِّقا / عِ نحنُ العبيدُ ونحنُ الخدَمْ
ومن دون ذلك تُشوَى الوجوهُ / وتُقذَى العيونُ ويُفرَى الادَمْ
فإن هم أنابوا ببذل النوالِ / وصلنا الثناءَ كوصل الرِحمْ
وإن هم أصرُّوا على لؤمهم / وهبنا ثناياهمُ للندّمْ
إذا جاوزوا الحدّ في منعهم / خلعنا الحياء وجزنا اللَّمَمْ
تمدحُ عمروا وتُريد رِفدا
تمدحُ عمروا وتُريد رِفدا / ياما خض الماءِ عَدِمتَ الزُّبْدا
رأيتَ منه شارةً وقَدَّا / ومِشْوَذاً مُفوَّفا وبُردا
فخلتَ إنسانا فكان قِردا / يا ربما ظُنَّ السرابُ وِردا
زمانٌ فاسدُ النظرِ
زمانٌ فاسدُ النظرِ / مُصاحبهُ على خطَرِ
وقومٌ إن عَددتُهمُ / فليس القومُ من نفرى
سمعت بهم فغرُّونى / وليس الخُبْرُ كالخَبَرِ
عجلتُ إلى مديحهمُ / وذلك شيمةُ البَشَرِ
فما فهموا مدائحهم / ولا قضَّوْا بها وطَرى
فخِلتُ قصائدى حُللا / مُجيَّبةً على بقرِ
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه / بطَىِّ رِقاعٍ حشوُها النطمُ والنثرُ
كما تسجع الوَرقاء فوق غصونها / وليس لها نهىٌ يطاع ولا أمرُ
تُعابُ معاشرٌ وكَلَوا البرايا
تُعابُ معاشرٌ وكَلَوا البرايا / إلى تدبير ذى رأىٍ أفينِ
وما غلِطوا ورأَوا سفهَ الليالي / فداووْا بالجنون من الجنونِ
نُبّئت أنَّ فلانا قد شحا فمَه
نُبّئت أنَّ فلانا قد شحا فمَه / فقلتُ مهلاً كذاك العَيرُ نَهاّقُ
من اين للّنبَطىِّ الفَدْم معرفةٌ / هل يُنِبت النَّبعةَ الصفراءَ رُستاقُ
وكيف يفهَم قلبٌ دون فِطتنهِ / من البلادةِ أبوابٌ وأغلاقُ
يا ثورُ خلِّ لروضِ الحَزِن زهرتَهُ / فإنّ مرعاكَ قُلاّمٌ وطُبّاقُ
ولا تراعِ نجوم الفضلِ ترصدُها / فغيرُ خافٍ على الحسّاب أرزاقُ
نبذت عِرضَك نبذ النعلِ مُخَلقةً / وكيف يُلبَسُ ثوبٌ وهو خُرّاقُ
زوَّج اللهوُ يابنةِ العنقودِ
زوَّج اللهوُ يابنةِ العنقودِ / خاطباً بالبسيط أو بالنشيدِ
وتمام الإملاكِ في شاهدَىْ عَد / لٍ هما في حضور يسودُ كلَّ العقودِ
يا شهوةَ النومِ وما لدَّتُهْ
يا شهوةَ النومِ وما لدَّتُهْ / جِسمٌ تغَشَّت غفلُتهْ
هل هو إلا مِيتَةُ عُجِّلتْ / وإنما قد قرُبت رجَعتُهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025