القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 174
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ / وآنس النَّفرَ فاستكَّتْ مسامِعُهُ
وَوَدَّعَ المَنزِلَ الأَعلى فأَوْدَعَهُ / فِي القَلبِ لاعِجَ بثٍّ لا يُوادِعُهُ
يا معهداً لَمْ يُضِعْ عَهدَ الوفاءِ لَهُ / مُكسَّفُ النورِ عافي القدْرِ ضائِعُهُ
ولا ثَنى عَبَراتي عنْ تَذَكُّرِهِ / دَهْرٌ تَقارَعُ فِي صدري قوارِعُهُ
حَسبي ضُلوعٌ ثَوَت فِيهَا مَصائِبُهُ / وَمُقلَةٌ رَبَعتْ فِيهَا مَرابعهُ
سَقاكَ مثلُ الَّذِي عفَّى رُباكَ عسى / يُنبيكَ كيْفَ غريبُ الرَّحْلِ شاسِعُهُ
صباً كَتَصعيدِ أَنفاسي وصوبُ حياً / تُريكَ عبْرةَ أَجْفانِي مَدامِعُهُ
سحٌّ إذَا شَفَّ صحنَ الخدِّ ضائِرُهُ / شفى تباريحَ مَا فِي القلبِ نافِعُهُ
لله من وَطَنٍ قلبي لَهُ وطنٌ / يَبلى وأَبلى وَمَا تبلى فجائِعُهُ
لا يسأَمُ الدَّهْرُ من شَوقٍ يُطالِعُني / مِنهُ ومن زَفرةٍ منِّي تُطالِعُهُ
فطالَما قَصَّرَتْ لَيلي مَقاصِرُهُ / لَهواً وَمَا صَنَّعت صُبحي مَصانِعُهُ
وطالما أَيْنعتْ حولِي حدائِقُهُ / والعيشُ غضٌّ أَنينُ الرَّوضِ يانِعُهُ
وكم أُظِلَّ مَقِيلي وَسْطَ جَنَّتِهِ / بكُلِّ فرع حَمامُ الأَيكِ فارِعُهُ
إِنْ تُسعِدِ اليومَ أَشجاني نوائِحُهُ / فكم وكمْ ساعَدَتْ شَجْوي سَواجِعُهُ
وكم وَفى ليَ فِيهِ من حبيبِ هوىً / خَلَعتُ فِيهِ عِذاري فَهو خالِعُهُ
رَوْضٌ لعَيْن الهوى راقَتْ أَزاهِرُهُ / ومَشرَبٌ للصَّبَا طابَتْ مَشارِعُهُ
وكم صَدَعْتُ فؤادَ اللَّيلِ عن قَمرٍ / لَهُ هَوىً فِي صميمِ القلبِ صادِعُهُ
خالَستُ فِيهِ عيوناً غيرَ هاجِعةٍ / والحَزمُ عنِّي غضيضُ الطرفِ هاجِعُهُ
وفي نِجادِي جريُّ الإِلفِ مُقْدِمُهُ / وَفِي عِناني مُشيحُ الجذْلِ دارِعُهُ
فما تجاوَزْتُ قَرْنَ الموتِ مُعتسفاً / إِلّا وقِرني رخيم الدَّلِّ بارِعُهُ
تَحِيَّتي منه تَقبيلٌ ومُعتنَقٌ / يَشدُّنِي غُلُّهُ فِيهِ وجامعُهُ
لم أخلَعِ الدِّرعَ إِلّا حِينَ شَقَّقَهُ / عن صفحِ صَدريَ مَا تَحوي مدارِعُهُ
ولا تَوَقَّيتُ سَهماً مِنْ لَواحِظِهِ / يُذيبُ سَيفي وَفِي قَلبي مَواقِعُهُ
غُصنٌ تَجرَّعَ أَنداءَ النَّعيمِ فما / يُطوَّقُ الدُّرَّ إِلّا وهو جارِعُهُ
غَضُّ القباطِيِّ تَحْتَ الوَشي ناعِمُها / مُخلخَلُ الجيدِ فَوْقَ العقدِ رادِعُهُ
يَميسُ طَوْراً وسُكرُ الدَّلِّ عاطِفُهُ / وتارَةً وانثناءُ الوَشيِ لاذِعُهُ
فاستفرَغَ الخَصرُ كُثبانا تُباعِدُهُ / وأنبتَ الصدْرُ رُمَّاناً تُدافِعُهُ
وفي السوالِفِ خوْفُ الصُّدغِ يَجرحُهُ / تِمثالُ صُدْغَيهِ مِسكاً فهو مانِعُهُ
فَبِتُّ تَحْتَ رِوَاقِ اللَّيلِ ثانِيَهُ / والشوقُ ثالثُهُ والوَصْلُ رابعُهُ
والسحرُ يسحرُ من لفظٍ يُنازِعُني / والمِسكُ يَعبقُ من كَأْسٍ أُنازِعُهُ
راحاً يَمُدُّ سناها نُورُ رَاحتهِ / لولا المها لجرَتْ فِيهَا أَصابعُهُ
كَأَنما ذاب فِيهَا وردُ وَجْنته / وشجَّها ريقُها المعسول مائعُهُ
جنى حياةٍ دَنتْ مِنِّي مطاعِمُهُ / من بعدِ مَا قَدْ نَأتْ عنِّي مطامِعُهُ
قَدْ أَنهَبَ المِسكَ والكافورَ خازِنُهُ / وأرخَصَ الوَرْدَ والتفاحَ بائِعُهُ
فيا ضَلالَ نُجومِ اللَّيلِ إِذْ عَدِمَتْ / بَدْرَ السماءِ وَفِي حِجري مَضاجِعُهُ
ويا حَنينَ ظِباءِ القفْرِ إذ فَقدَتْ / غَزَالَهُنَّ وفي رَوْضي مَرَاتِعُهُ
مَجالُ طَرْفِي وَمَا حازَتْ لواحِظُهُ / وحرُّ صَدري وَمَا ضَمَّتْ أَضالِعُهُ
وَالطِّرْفُ مرْآةُ عيني أَستَدِلُّ بِهِ / عَلَى الصَّباحِ إذَا مَا خِيفَ ساطِعُهُ
جَوناً أزيدُ به لَيلَ الرَّقيبِ دُجىً / ويستثيرُ ليَ الإِصباحَ لامِعُهُ
فباتَ يَعجبُ من ظبيٍ يُصارِعُني / وَقَدْ يحِنُّ عَلَى لَيثٍ أُصارِعُهُ
وَمَا رأَى قبلَها قِرْناً أُعانِقُهُ / إِلّا وَوَدَّعَ نفساً لا تُراجِعُهُ
حَتَّى بَدا الصُّبحُ مُشمَطّاً ذَوائِبُهُ / يُطارِدُ اللَّيلَ مَوْشِيّاً أكارِعُهُ
كَأَنَّ جَمْعَ ضلالٍ حانَ مَصرَعُهُ / وأنتَ بالسيفِ يَا مَنصورُ صارِعُهُ
أَوْ كاشتِجَارِ رِماحٍ أنتَ مُشْرعُها / فِي بابِ فتحٍ مُبينٍ أَنتَ شارِعُهُ
جَيشٌ يَجيشُ برَعْدِ المَوْتِ يقدُمُهُ / إِلَى عِدَاكَ قضاءٌ حُمَّ واقِعُهُ
صباحُ بارِقةٍ لولا عَجاجَتُهُ / وَليلُ هابيةٍ لولا لوامِعُهُ
دلائِلُ اليُمْنِ فِي الهَيجا أَدِلَّتُهُ / وأَنجُمُ السَّعدِ بالبشرى طَلائِعُهُ
يُهدى بِهَدْيِ لِواءٍ أَنتَ عاقِدُهُ / للهِ واللهُ بِالتأْييدِ رافِعُهُ
لِمَوْعِدٍ غيرِ مكذوبٍ عواقِبُهُ / فِي مَتْجَرٍ غَيرِ مُزْجاةٍ بضائِعُهُ
مَثنى جِهادٍ وصوْمٍ ضمَّ شملَهُما / عَزْمٌ يُسايرُهُ صَبرٌ يشايِعُهُ
فلا ظَلامُ قَرارٍ أَنتَ ساكِنُهُ / ولا نَهارُ مُغارٍ أَنتَ وادعُهُ
تَهيمُ فِي الأَرْضِ عن حِصنٍ تُنازِلُهُ / وتَخرِقُ البيدَ عن جيشٍ تُقارِعُهُ
حَتَّى جَدَعْتَ أُنُوفَ الشِّركِ قاطِبةً / بأَنفِ مَعقلِ كُفرٍ أَنتَ جادِعُهُ
غابُ الأُسودِ الَّذِي غُرَّ الضَّلالُ بِهِ / فَخادَعَ اللهَ منهُ وهوَ خادِعُهُ
فإِنْ شَجتْ ثغرَكَ الأَقصى مَرابصُهُ / فقد شَجتْ أَرْضَه القصوى مَصارِعُهُ
وإِنْ يَرُعْ نازِحَ الأَوْطانِ عَنكَ فقدْ / راعَ العدى منهُ يومٌ أَنتَ رائعُهُ
صَبَّحتَهُ من رِياحِ النَّصرِ عاصفةً / لا تتَّقي بَعدَها خَسفاً بَلاقِعُهُ
كَأَنَّ نافخ صُورِ الموتِ أَصعقَهُ / فَهدَّ أَسوارَهُ العليا صَواقِعُهُ
فَمقعَصٌ ناشِزٌ عنهُ حلائِلُهُ / ومُرْضَعٌ ذاهِلٌ عنهُ مَراضِعُهُ
وهامَ تَحْتَ بُرُوقِ المَوْتِ كلُّ رَشاً / اللَّيثُ كافِلُهُ والليثُ فاجِعُهُ
هذا مُعانِقهُ يأْساً فَمُسلِمُهُ / وذا مُعانِقهُ إِلفاً فَشافِعُهُ
عواطِلاً أَنتَ حَلَّيتَ الخُيولَ بِهَا / جيشاً غدائِرُها فِيهِ بَراقِعُهُ
أَورَدتها المِصرَ والأَبصارُ طامِحةٌ / لِصنعِ مَا لَكَ ربُّ العرشِ صانِعُهُ
والأَرضُ تَلبسُهُ طَوْراً وتَخلعُهُ / والجِسرُ حامِلُهُ كَرْهاً فواضِعُهُ
طوْدٌ منَ الخيلِ أَعلاهُ وأَسفلُهُ / بَحْرٌ من السَّيلِ مُلتجٌّ دَوافِعُهُ
والشَّمسُ لابسةٌ منهُ قِناعَ دُجىً / واليومُ أَزْهرُ وَجهِ الجوِّ ماتِعُهُ
بيُمنِ حاجِبِكَ الميمونِ طائِرُهُ / وَسَعدِ قائِدِكَ المسعودِ طالعُهُ
أَنجبتَهُ كاسْمِهِ تَحيا عُلاكَ بِهِ / كَهلُ التجارِبِ شَرْخُ العزْمِ يافِعُهُ
ساقِي الحياةِ لمنْ سالَمْتَ مُطعِمُها / ذُعافَ سُمٍّ لِمَنْ حارَبتَ ناقِعُهُ
أَوْفى بِهِ فِي رِداءِ الحِلمِ لابسُهُ / وَعَلَّهُ بلِبانِ الحَرْبِ راضِعُهُ
مَنْ أَشرَقَتْ بسجاياهُ مَقاوِلُهُ / وأَعرَقَتْ فِي مَساعيهِ تبابعُهُ
وقَلَّدَتْهُ تُجيبٌ حَلْيَ سابقها / حَتَّى غدا السابقَ المتبوعَ تابعُهُ
واحْتازَ إِرْثَ الأُلى آوَوْا وَهُمْ نَصرُوا / باسمٍ يُصدِّقُهُ فِعلٌ يُضارِعُهُ
فإِنْ تضايَقَتِ الدُّنيا بمُغتَربٍ / فَمُنذِرٌ بعدُ رَحْبُ الصدرِ واسِعُهُ
وإِنْ دَجا فلَقٌ يوْماً بذي أَمَلٍ / فَذُو الرِّياساتِ طَلقُ الليلِ ناصِعُهُ
ومن سواه لمقطوعٍ أَواصِرُهُ / ومن سواه لمردودٍ شَوافِعُهُ
ومن سواهُ لخطبٍ جَلَّ فادِحُهُ / ومَن سواهُ لِخرقٍ قلَّ راقِعُهُ
ومن يُسيمُ نَداهُ فِي خزائِنهِ / كَأَنَّه فِي أَعاديهِ وَقائِعُهُ
واسْتودَعَ اللهُ للإِسلامِ فِي يدِهِ / مكارِماً حُفظتْ فِيهَا ودائعُهُ
يا واصِلاً بالندى مَا اللهُ وَاصِلُهُ / وقاطِعاً بالظُّبى مَا اللهُ قاطِعُهُ
اسْعدْ بفخرٍ وفِطرٍ أنت حاصِدُهُ / مِنْ برِّ فتحٍ وصَوْمٍ أَنتَ زارِعُهُ
ومَشهدٍ لِلْمُصلَّى قَدْ طَلَعتَ لَهُ / كالبدرِ مُشرِقَةً مِنهُ مطالعُهُ
في جيشِ عزٍّ ونصرٍ أَنت غُرَّتُهُ / وشملِ دينٍ ودُنيا أَنتَ جامِعُهُ
مُعظَّمُ القَدْرِ فِي الأَبصارِ باهِرُهُ / وخافِضُ الطَّرْفِ للرَّحمنِ خاشِعُهُ
ومَوقفٍ لَكَ فِي الدَّاعينَ رَفَّعَهُ / إِلَى السمواتِ رائيهِ وسامِعُهُ
بكَ استُهِلَّ بِهِ فصلُ الخطابِ وَمَا / أَسَرَّ ساجِدُهُ الدَّاعِي وراكِعُهُ
وسَلَّموا من صَلاةِ العيدِ وافتتَحوا / إِليكَ أَزْكى سَلامٍ شاعَ شائِعُهُ
جَمعاً يؤُمُّ إِليكَ القصرَ مُستَبِقاً / الحَمدُ قائدُهُ والحَمدُ وازِعُهُ
حَيْثُ المكارمُ مَرفوعٌ معالمُها / ونَيِّرُ الدينِ معمورٌ شَرائِعُهُ
وتالِدُ المُلكِ محفوظٌ بخاتَمِهِ / من طينةِ المَجدِ والرَّحمنُ طابعُهُ
واسْلَمْ لَهمْ ولمنْ أَوْفَى بِهِ أَمَلٌ / فاتَ المنايا إِلَى يُمناكَ نازِعُهُ
يعلُو الجِبالَ بأَمثالِ الجبالِ أَسىً / يَحدوهُ جدٌّ عَثورُ الجَدِّ ظالِعُهُ
وَرُبَّ لُجَّةِ بحرٍ تَحْتَ بَحرِ دُجىٌ / قاسى إِلَى بحرِكَ الطَّامي يَنابِعُهُ
وَمِنْ شمائِلِكَ المُعيي بَدائِعُها / فِي الأَرْضِ جَاءَتْكَ تستَملي بدائِعُهُ
فلا تَواَضعَ قَدرٌ أَنتَ رافِعهُ / وَلا تَرْفَّعَ قَدْرٌ أَنتَ واضِعُهُ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ / ويوْمُ سَعدٍ أَرانا الفتحَ قَبلَ غدِهْ
بمقدِمٍ والقنا مِلءُ الفضاءِ بِهِ / وقادِمٍ وعتادُ الشِّرْكِ ملءُ يدِهْ
داعٍ إِلَى دعوةِ الإِسلامِ ينصُرُها / فأَيُّ مُعتمدٍ من شَأْوِ مُعتمدِهْ
وكمْ فؤادٍ وكم جسمٍ وكم بَصَرٍ / لَبَّاهُ من قُرْبهِ سَعياً ومِنْ بُعُدِهْ
جمعاً غدا الحاجِب المَيمونُ قائدَهُ / والنَّصرُ والصَّبرُ والإِيمانُ من مَدَدِهْ
لمثلِها كنتَ يَا منصورُ والِدَهُ / ومِثلَها سَيُريكَ اللهُ فِي وَلَدِهْ
أَنجبتهُ وسْطَ رَوْضِ المُلكِ تَظْأَرُهُ / بواسِقٌ للعُلا تَهْتَزُّ فِي ثأَدِهْ
أَثمارُها من جنى الجانين دانِيةٌ / ووَرْدُ زَهْرَتِها قَدْ راقَ فِي نضدِهْ
فأَرْضَعَتْهُ ثُدِيَّ الحربِ فِي كِلَلٍ / من القنا فَوْقَ مَهدٍ من شبا قِصَدِهْ
حَيْثُ تلاقَتْ نواصي الخَيلِ واعتَنَقَتْ / صدورُ غَيظٍ يذوبُ الصَّخْرُ من وَقَدِهْ
سَرى لأَمرِكَ لا لَيلٌ بواجِدِه / عَلَى الحَشايا ولا نَجمٌ بِمفتقِدِهْ
مُجهِّزاً فِي سبيلِ اللهِ جَيشَ هُدىً / السَّمعُ والطَّوْعُ للمنصورِ من عُدَدِهْ
لمنْ بنى قُبَّةَ العَليا نَدىً ووَغىً / فأَصبحَ المُلكُ مرْفوعاً عَلَى عُمُدِهْ
مُوَرَّثِ المُلكِ من عُليا تَبابِعِهِ / والسَّيفِ من عَمْرِهِ والسَّيب من أُدَدِهْ
والنَّصْرِ من سَعيِ أَعمامٍ لَهُ فُطرُوا / لِنَصرِ ذي العَرْشِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِهْ
مُشَدِّداً عُقَدَ الإِسلامِ إِنْ نُكِثَتْ / ولا تَحُلُّ خطوبُ الدَّهرِ من عُقَدِهْ
وقائِدُ الخيلِ مُزْجاةً مُجَهَّزَةً / للحربِ من صبرِهِ فِيهَا ومن جَلَدِهْ
هادٍ هوادِيَها والليلُ معتكرٌ / بهَدْيِ من أرْشِدَ الإِسْلامُ فِي رَشَدِهْ
كم بَيْنَ ليلِكَ يَا منصورُ تُركِضُها / وليلِ مُرْتكِضٍ فِي لَهْوِهِ وَدَدِهْ
ما صُبحُ مصطَبحٍ فِي روضةٍ أُنفٍ / من صُبْحِ من يَنعمُ الإِسلامُ فِي كَبِدِهْ
سارٍ إِلَى غِرَّةِ الأَعداءِ يَطلُبُها / إِذَا تقلَّبَ ساهِي العيش فِي رَغَدِهْ
مسهَّداً فِي سبيلِ اللهِ يكلؤُهُ / ربٌّ أَنامَ عُيونَ الدِّينِ فِي سُهُدِهْ
مُوفٍ عَلَى كَتدَيْ طاوي الحُزونِ بِهِ / والمُلكُ والدِّينُ والدنيا على كَتدِهْ
تُقصِّرُ الرِّيحُ عن مَسْرى كتائِبِهِ / كما تَقاصَرَتِ الأَملاكُ عن أَمَدِهْ
بُحورُ جَدْواهُ فِي الآفاقِ زاخِرةٌ / وَقَدْ يُزاحِمُ هِيمَ الطَّيرِ فِي ثَمدِهْ
شَرَّابُ أَنقُع أَجوازِ الفَلاةِ إذَا / مَا كَانَ شُرْبُ دمِ الأَعداءِ من صَدَدِهْ
حَتَّى يَئُودَ القنا فِي كُلِّ معركةٍ / أَوْداً يُقيمُ قَناةَ الدِّينِ من أَوَدِهْ
ويُنهِبُ الموتَ أَرواحَ الكُماةِ كَما / يُبيحُ فِي السَّلم جَدْوَاهُ لمُنتقِدِهْ
حَيْثُ يُعِلُّ أَديمَ القِرْنِ من دَمِهِ / ويَحتَبي جَسدُ الجبَّارِ فِي جَسَدِهْ
وتلحَظُ الشَّمسُ من أَثناءِ هَبْوَتِهِ / كما يُغَضغِضُ جَفنُ العَينِ من رَمَدِهْ
لا يُبعِدُ الجُودَ من يومِ الجِلادِ ولا / يُغِبُّ يومَ نداهُ يومُ مُجتلَدِهْ
كَأَنَّهُ من دَمِ الأَعداءِ فِي حَرجٍ / فإِنْ يَمُتْ ذو سلاحٍ من يدَيْهِ يَدِهْ
ومُعتَفوهُ لَديهِ أولياءُ دمٍ / نَداهُ ذُو عَقلِهِ فيهم وذو قَوَدِهْ
مساعِياً كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ واكتُتِبَت / فينا بسعي ابن يحيى واعتلاءِ يدِهْ
يَخُطُّها بصدورِ الخَطِّ مُنصلِتاً / فِي كلِّ صدرٍ حليفِ الكُفرِ مُعتقِدِهْ
ويَنْثَني فِي صِفاحِ العُجمِ يُعجِمُها / بِصَفحَتَيْ كُلِّ ماضِي الغرْب مُتَّقدِهْ
والمُلكُ يَنسَخُها فِي أُمِّ مَفخَرِهِ / والدهرُ يَقرَؤها فِي مُنتَهى أبَدِهْ
راع الملوكَ فمخنوقٌ بجِرَّتِهِ / يهيمُ فِي الأرضِ أو لاجٍ إِلَى سَندِهْ
فتِلكَ نفسُ ابن شَنجٍ لا مآلَ لَهَا / من مِيتَةِ السيفِ أَوْ عَيشٍ عَلَى نَكدِهْ
ما يَرْتَقي شَرَفاً إِلّا رَفَعتَ لَهُ / وجهاً من الرَّوْعِ مَرفوعاً عَلَى رَصَدِهْ
ولا انتحى بلداً إلّا قَرَنْتَ بِهِ / هَمّاً يُبلِّدُهُ عن مُنتحى بَلَدِهْ
وقد تَوَجَّسَ من يُمناكَ بارِقَةً / فِي عارِضٍ لا يفوتُ الطَّيرُ من بَرَدِهْ
جيشاً إذَا آدَ مَتنَ الأَرضِ تَعدِلُهُ / بحِلْمِ أَرْوَعَ راسي الحِلمِ مُتَّئدِهْ
كالبحرِ تَنسِجُهُ ريحُ الصَّبا حُبكاً / إذَا ترَقرَقَ فِي الماذِيّ من زَرَدِهْ
بحرٌ سفائِنهُ غُرٌّ مَسومَةٌ / والبَيْضُ والبِيضُ والرَّاياتُ من زَبَدِهْ
وجاحمٌ من حريقٍ لا خمودَ لَهُ / إِلاَّ ونَفسُ ابن شَنجٍ وسْط مُفتأَدِهْ
كَتائِباً تَرَكَتْ عُبَّادَ مِلَّتِهِ / لا تعرِفُ السبتَ فِي الأيامِ من أَحَدِهْ
إِن ضاقَ عن مرِّها رَحْبُ الفضاءِ فقد / نَفِذْتَ من قَلبِهِ فِيهَا إِلَى كَبدِهْ
فتَّتَّ منها قواصي بَنباويَتِهِ / بالهَدْمِ والنَّارِ فَتّاً فتّ فِي عضدِهْ
وقدْتَ منها مطاياهُ مُوَقَّرَةً / بأهل كُلّ رفيع القدر أَوْ وَلَدِهْ
سما لَهُمْ رهَجُ المنصورِ فانقلبُوا / نحلاً جَلاهُ دُخانُ النَّار عن شُهُدِهْ
وراحَ كُلُّ منيعٍ من معاقِلِهِمْ / غاباً خَلا لمُبيرِ الأُسدِ من أَسَدِهْ
يرمي إِلَى الخيلِ والأَبطالِ مُفتدياً / بكلِّ أَغيدَ زادَ الذُّعر فِي غَيَدِهْ
ثم اتَّقَى أعيُنَ النُّظَّارِ ينقُدُها / من عَينِهِ كالحَصى عدَّاً ومِنْ نقَدِهْ
فرُبَّ ذي قَنصٍ زُرقٍ حبائِلُهُ / قَدْ صادَ ظَبياً وَكَانَ اللَّيثُ من طَرَدِهْ
وقد ترَكْتَ ابنَ شَنجٍ فلَّ مُعتَرَكٍ / إِن لَمْ يَمتْ من ظُباهُ ماتَ من كَمَدِهْ
مُشَرَّداً فِي قواصي البيدِ مُغترِباً / وَقَدْ مَلأْتَ فِجاجَ الأَرْضِ من خُرُدِهْ
وَ فِرْذَلندُ رَدَدْتَ المُلكَ فِي يَده / وَمَا رَجا غَيرَ رَدِّ الرُّوحِ فِي جَسَدِهْ
شِبلٌ دعاكَ لأُسْدٍ فوقهُ لِبَدٌ / فأقشعتْ عنه والأَظفارُ فِي لِبَدِهْ
وطارَ نحوَكَ سَبحاً فِي مَدامِعِهِ / وَقَدْ تزَوَّدَ مِلْءَ الصَّدر من زُؤُدِهْ
ثم انثنى وملوكُ الشِّرْكِ أَعبُدُهُ / إِذْ جاءَ عبدَ يَدٍ أَلقى لَهَا بيدِهْ
وآبَ مَنصورُ قَحطانٍ بعزَّتِهِ / أَوْباً تَذُوبُ مُلُوكُ الأَرْضِ من حَسَدِهْ
فاللهُ ينقُصُ من أَعدائِه أَبداً / ويستَزيدُ من الإِسلامِ فِي عَدَدِهْ
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ / وجرَتْ بِرِفعةِ قَدْرِكَ الأقدارُ
ودَنَتْ لَكَ الدُّنيا بِقاصِية المُنى / وَتَخَيَّرَتْ لَكَ فَوْقَ مَا تختارُ
فإِذَا النُّجومُ تطلَّعتْ لَكَ أَسعُداً / بَدَرَ البدُورُ بهنَّ والأقمارُ
وإِذا زَجَرْتَ ليُمنِ يَومِكَ طائراً / حُشرَتْ إِليكَ بِيُمنِها الأَطيارُ
وإِذا المُنى بدَأَتْكَ غَرْسَ رياضِها / حَيَّتكَ فِي أَغصانِها الأَثمارُ
سَبقاً كما سَبَقتْ فِعالُكَ كُلَّ مَا / أَعيتْ بِهِ الأَوْهامُ والأَفكارُ
وتَجلِّياً للدَّارِعينَ تَصيدُها / بطيورِ خَيلكَ والعقولُ تُطارُ
بشمائلٍ مشمولةٍ بمكارِمٍ / مَا للخطائرِ عندَها أَخطارُ
ومعالِمٍ لِندى يَديْكَ وإِنَّها / سُرُجٌ إِليكَ لحائرٍ ومَنارُ
فإِذا عوَانُ المَجدِ رَدَّ خطيبُها / فَلَكَ الأَيامى مِنهُ والأَبكارُ
وإِذا الحُروبُ تساجَلتْ أَيَّامُها / فقتيلُ سيفكَ فِي المُلوكِ جُبارُ
ولقد عَضضتَ عَلَى الخطوبِ بناجِذٍ / للدَّهرِ منه سكينةٌ وَوَقارُ
لكن شمائلُ فِي النَّدى وكَّلتها / بعفاةِ جُودِكَ فتيةٌ أَغمارُ
ما البحرُ فِي الأَرْضِ العريضةِ بعدَما / فاضتْ عليها من نَداكَ بحارُ
أَوْ مَا غَناءُ المِسك فِي الدُّنيا وَقَدْ / مُلِئَتْ بطيبِ ثنائكِ الأَمصارُ
فبهِ تأَنَّقَتِ الحدائِقُ وازْدَهى / زَهرُ الرُّبى وتفتَّحَ النُّوّارُ
وتنافَحتْ بنسيمها ريحُ الصَّبا / وتفاوَحَتْ برِياضها الأَسحارُ
وتعاطَتِ النُّدَماءُ كأْسَ مُدامِها / وسَرَتْ بِهَا الرُّكبانُ والسُّمَّارُ
فكأَنَّ للدُّنيا بحَمدِكَ أَلسُناً / تُصغِي لَهَا الآفاقُ والأَقطارُ
وكأَنَّما الأَيَّامُ فيكَ مدائحٌ / نُظِمَتْ كما نُظِمتْ لَكَ الأَشعارُ
واللهُ جارُكَ كم أَجَرْتَ عِبادَهُ / من كُلِّ خطبٍ لَيْسَ مِنه جارُ
وَضَرَبْتَ عنهمْ كُلَّ جبَّارٍ عتا / فحباكَ بيضةَ مُلكهِ الجبَّارُ
في جَحْفَلٍ كاللَّيلِ جرَّارٍ لَهُ / من عِزِّ نَصركَ جحفلٌ جَرَّارُ
أُمدِدْتَ فِيهِ بالملائكةِ الَّتِي / نُصرَتْ بِهَا أَعمامُكَ الأَنصارُ
وكَسوْتَ فِيهِ الشمسَ بُردَ عَجاجَةٍ / للموتِ تَحْتَ ظلامِها إِسفَارُ
والجوُّ يَحمى والدِّماءُ سواكِبٌ / والأَرْضُ رَيَّا والسَّماءُ غُبارُ
والمُقفِراتُ سوابقٌ وخوافقٌ / والشاهِقاتُ أَسِنَّةٌ وشِفارُ
كلٌّ رَفَعتَ صدورَهُنَّ لغارَةٍ / مَا إِنْ لَهَا قبلَ الصُّدورِ مُغارُ
وقد ادَّرَعَت لَهَا سوابقَ عَزمةٍ / البِرُّ والتقوى لهنَّ شِعارُ
بَهرَتْ فهنُّ عَلَى ابن يَحيى فِي الوغى / نورٌ لَهُ وَعَلَى ابن شنجٍ نارُ
تحمى فيودِعُها جوانِحَ صَدرِهِ / كي لا تُبَيِّنَهُ لَكَ النُّظَّارُ
أَسَدٌ حَطمْتَ سِلاحَهُ فتركْتَهُ / بالبيدِ لا ظَفَرٌ ولا أَظفارُ
رَهناً بإِلقاءِ اليدَيْنِ لقاهِرٍ / أَعلى يَدَيهِ الواحِدُ القهَّارُ
مَلِكٌ كَأَنَّكِ يَا مَحاسِنَ فِعلِهِ / من سَيِّئاتِ زمانِكَ استغفَارُ
خُصَّتْ بِهِ سَبأٌ وعُمَّ بنصْرِهِ / عُليا قُرَيشٍ فِي الهُدى ونِزارُ
رَبذُ القِداحِ من الرِّماحِ وَمَا لَهُ / إِلّا السِّباعَ وطيْرَها أيسارُ
ونديمُ بيض الهِندِ يومَ دَمُ العدى / خمرٌ لَهُ والمأْثراتُ خُمارُ
آياتُ نصْرٍ فِي الوَرى بسيوفِها / أَمِنَ الهُداةُ وآمَنَ الكُفَّارُ
جاهَرْتَ حُرَّ بلادِهِم بجهادِهِمْ / حَتَّى غَدَوْا وهُمُ لَهَا أَسرارُ
وسرَيتَ حَتَّى ظَنَّ من صبَّحتَهُ / أَن الظلامَ عَلَى سُراكَ نهارُ
ولكم أَطارَهُمُ لِسيفِكَ بارِقٌ / حَتَّى دَعَوْتَهُمُ إِليكَ فطاروا
وجنَحتَ للسَّلم الَّتِي جَنحوا لَهَا / وقضاءُ ربِّكَ فِي العِبادِ خِيارُ
فأَتوكَ مُستَبِقِينَ قَدْ قربَ المدى / منهمْ إِليكَ وذُلِّلَ المضمارُ
ودَنا ابنُ رُذْميرٍ يُزَلْزِلُ خَطوَهُ / أملٌ تقسَّم نفسَهُ وحِذارُ
ففُؤادُهُ من ذُعْرِ سيفكَ طائرٌ / طَوْراً ومن عَجلٍ إِليكَ مُطارُ
ولَقبلُ أَيْقنَ فِرْذِلَندٌ مَا لَهُ / إِلّا إِليكَ من الحِمامِ فِرار
كلٌّ يَخِرُّ لأَخْمَصَيْكَ وطالَما / سَامَوْكَ فِي رَهَجِ الخَميس فخَارُوا
فهناكَ أُخْلِصتِ النُّفُوسُ وأُكِّدَتْ / عُقَدُ العُهُودِ وشَدَّتِ الأَنْصارُ
وتَوَاصَلَ البُعَدَاءُ منكَ بطاعَةٍ / وُصِلتْ بِهَا الأَرْحامُ والأَصهارُ
فعقدْتَ فِي عُنقِ الضَّلالِ مَواثِقاً / دانَتْ بِهَا الرُّهبانُ والأَحبارُ
وكأنَّما كانتْ عُقودَ تمائِمٍ / سَكنتْ بِهَا الأَوْجَالُ والأَذْعارُ
أَحيَيتَ منها مُلكَ رُذْميرٍ وَقَدْ / مَشَتِ الدُّهور عَلَيْهِ والأَعصارُ
وأَقَمْتَ تاجَ جَبينِهِ منْ بعدِما / عفَتِ المعالِمُ منهُ والآثارُ
وبَسَطتَ من قَشتِلَّةٍ يَدَ آمِنٍ / لِرِضاكَ فِيهَا يارَقٌ وسِوارُ
ثم انثَنَوْا يَبأوْنَ منكَ بطاعَةٍ / رَفَعوا بِهَا أَعلامَهُمْ وأنارُوا
ولَهُمْ بذِكْرِكَ فِي العداةِ تَبجُّجٌ / وبقُبلِ كَفِّكَ فِي البلادِ فخارُ
ورفَعتَ أَجيادَ الجِيادِ لأَوْبَةٍ / رَفِعتْ لَهَا الآمالُ والأَبصارُ
فكأنما البُشرى بذلِكَ عندَنا / كأْسٌ علينا بالسُّرورِ تُدارُ
والأَرْضُ أَرْضُكَ كُلُّها لكَ رَوْضَةٌ / أُنُفٌ وأَنتَ سماؤها المِدْرارُ
حتى قَدِمْتَ وَمَا تَقَلَّبَ ناظِرٌ / إِلّا لَهُ بقدُومِكَ استِبشارُ
حُرَّ المكارِمِ حقُّ قَدْرِكَ أَنْ تُرى / وعبيدُكَ السَّاداتُ والأَحرارُ
ومُجَاهِداً فِي اللهِ حَقَّ جهادِهِ / واللهُ أَبْصَرَ فِيكَ مَا يَخْتارُ
واسْأَلْ بِضَيْفِكَ كيْفَ بَعْدَكَ حالُهُ / وقدِ اقْتَضَتْهُ بعدَ دارٍ دارُ
غَدَرَتْ بِهِ أَيَّامُ عامٍ قَدْ وَفى / أَنَّ الوفاءَ بِعَهْدِهِ غَدَّارُ
ودنا بِهِ أَجَلُ الرَّحِيلِ كَأَنَّهُ / أَجَلُ المماتِ دَنَا بِهِ المقدارُ
عامٌ كعُمْرِ الوَصْلِ ليلَةَ زائِرٍ / وأسىً تَقاصَرُ دُونَهُ الأَعمارُ
طالَتْ ليالِيهِ الزَّمانَ بِهَمِّهِ / وكأَنَّهُنَّ من السُّرورِ قِصَارُ
بِمُشَرَّدٍ قَلِقِ الثَّواءِ بِمَنْزِلٍ / لا يَنْثَنِي فِيهِ لَهُ الزُّوَّارُ
مثوايَ قيه تَقَلْقُلٌ وتَأَهُّبٌ / وَقِرَاي فِيهِ ذِلَّةٌ وصَغَارُ
وحسابُ أَيَّامٍ كَأَنَّ متاعَهَا / نَوْمٌ عَلَى وَجَلِ البَيَاتِ غِرَارُ
وطِلابُ مأْوىً قبلَ حِينِ أَوانِهِ / فَالدَّهْرُ أَجْمَعُهُ لِيَ اسْتِنْفارُ
للهِ من عامٍ جَرى عَنْي بِهِ / جَرْيُ الأَهِلَّةِ فِيهِ والأَقْمارُ
في أَهْلِ دَارٍ كالكَوَاكِبِ والنَّوى / بَعْدَ النَّوى فَلَكٌ بِهِمْ دَوَّارُ
كانوا جَمالاً للزَّمانِ فأَصْبَحُوا / وَهُمُ عَلَيْهِ بالتَّغَرُّبِ عَارُ
تَنْبُو الدِّيارُ بِهِمْ وَتِلْكَ ديارُهُمْ / غَرَضُ المصائِبِ مَا بِهَا دَيَّارُ
قد أَقْفَرُوا وَطَنَ الأَنيسِ وأُنِّسَتْ / بِهِمُ مفاوِزُ بالفَلا وقِفارُ
يتأَوَّهونَ إذَا رَمَتْ أَوْهَامُهُمْ / داراً لساكِنِها بِهَا اسْتِقْرارُ
ويَهِيجُهُمْ عِينٌ لَهُنَّ مرابِضٌ / ويَشُوقُهُمْ طَيرٌ لَهَا أَوْكارُ
وإِلَيْكَ يَا مَنصُورُ حَطُّوا أَرْحُلاً / لَعِبَتْ بِهِنَّ تَنَائِفٌ وبِحارُ
فَزَعاً إِلَيْكَ من الجَلاءِ بأَوْجُهٍ / فِي كُلِّ عامٍ للجَلاءِ تُثَارُ
ورأَوْا بقُرْبِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا النَّوى / فاسْتُحيِيَت ولها عَلَيْهِمْ ثارُ
قد طُيِّرَتْ غِرْبانُ كُلِّ مُغَرِّبٍ / وغُرَابُهُمْ للبَيْنِ لَيْسَ يُطَارُ
جُرةً عَلَيْكَ وَمَا رَأَتْ من قَبْلِها / خَطْباً لَهُ فِيمَنْ أَضَفْتَ خِيَارُ
وَعَلَى اللَّيَالي مِنْكَ عَهْدٌ ثابِتٌ / أَلّا يُبَاحَ لِمَنْ حَمَيْتَ ذِمَارُ
واللهُ قَدْ أَعْلَى مَحَلَّكَ أَنْ تُرى / مكشوفَةً فِي سِتْرِكَ الأَسْتارُ
وحباكَ بالمُلْكِ الَّذِي لَوْ شِئتَ لَمْ / تَضِقِ القُصُورُ بنا ولا الأَحيارُ
وَأَجَارَ قَدْرَكَ أَن يَسُوغَ لِقائِلٍ / جَارَ الزَّمَانُ وأَنْتَ مِنهُ جَارُ
ولَحَقُّ مَنْ أَبْقى ثَناءَكَ فِي الوَرى / أَنْ تَسْتَقِرَّ بِهِ لَدَيْكَ الدَّارُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ / يهيمُ منَ الدُّنيا بِمَنْ أَنا هائِمُ
أمَا فِي حَشَاهُ مِن جوايَ مخايِلٌ / أَما فِي ذُرَاهُ من جُفُوني مَيَاسِمُ
لقد بَرَّحَتْ منهُ ضُلُوعٌ خوافِقٌ / وَقَدْ صَرَّحَتْ منه دموعٌ سواجِمُ
ونَفْحُ صَباً يَهْفُو عَلَى جَنَباتِهِ / كتَصْعِيد أَنفاسي إذَا لامَ لائِمُ
وتحنانُ رَعْدٍ صادِعٍ لمتُونِهِ / كما زَفَرَتْ نَفْسِي بِمَنْ أنا كاتِمُ
وَمِيضٌ تَشبُّ الرِّيحُ والرَّعْدُ نارَهُ / كما شَبَّ نيرانَ المَجُوسِ الزَّمازِمُ
حَمِيل بحَمْلِ الرَّاسِياتِ إِلَى الَّذِي / تَحَمَّلَنِي عنه القِلاصُ الرَّوَاسِمُ
وما أَنجَدَتْ فِيهِ النُّجُودُ تَصَبُّري / ولا أَتهمَتْ وجدِي عَلَيْهِ التَّهائِمُ
سوى لَوْعَةٍ لَوْ يَغلِبُ الصَّبرُ نارَها / لشامَني البَرْقُ الَّذِي أنا شائِمُ
فإِنْ يَسْقِ مَنْ أَهْوى فَدَمْعِيَ مُسْعِدٌ / وإِنْ يَلْقَهُ دُونِي فأَنْفِيَ راغِمُ
كفانِي الْتِماحَ الشَّمْسِ والبَدْرُ وَجْهُهُ / وَمَا اقْتَبَسَتْ منْهُ النُّجومُ العواتِمُ
وما تَجْتَنِي من طِيبِ أَرْدَانِهِ الصَّبا / ومن وَرْدِ خَدَّيْهِ الرِّياضُ النَّوَاعِمُ
فَلَهْفِي عَلَى قَرْنٍ من الشَّمْسِ ساطِعٍ / تَجَلَّلَهُ كِسْفٌ من اللَّيْلِ فاحِمُ
إذَا زارَنِي أَعْشى جُفُونَ رَقِيبِهِ / وأَخرَسَ عَنِّي مَا تقولُ اللَّوائِمُ
وآذَنَ أَنفاسِي ونَفْسِي بِنَشْرِهِ / وَرَيَّاهُ أَنْفاسُ الرِّياحِ النَّواسِمُ
وبَشَّرَني مِنْ قَبْلِهِ صَوْتُ حَلْيِهِ / تُجاوِبُهُ فَوْقَ الغصونِ الحمائِمُ
إِلى مُلتقى قَلْبَيْنِ ضَمَّ عَلَيْهِما / جوانِحَهُ جُنْحٌ منَ اللِّيلِ عاتِمُ
ومُعْتَنَقٍ كالجَفْنِ أَطْبقَ نائِماً / عَلَى ضَمِّ إِنسانَيْنِ والدَّهرُ نائِمُ
فَبِتْنَا وقاضِي الوَصْلِ يَحكُمُ فِي الهوى / وغانِمُ قلبي بالحكومَةِ غارِمُ
أَمْصُّ من الكافورِ مِسْكاً وأَجتَنِي / من الوَشْيِ رُمَّاناً زَهتْهُ المقادِمُ
وَيَرْجِعُ رُوحَ النَّفْسِ مَا أَنَا ناشِقٌ / ويَجْبُرُ صَدْعَ القلْبِ مَا أنا لازِمُ
وأَرْشُفُ من حَصْباءِ دُرٍّ وجوهَرٍ / رحيقَ مُدَامٍ سُكْرُهُ بِيَ دائِمُ
وفي كَبِدِي حَرٌّ مِنَ الشَّوْقِ لاعِجٌ / وَفِي عَضُدِي غُصْنٌ من البانِ ناعِمُ
يُقِرُّ هواهُ أَنَّهُ لِيَ قاتِلٌ / وقَلْبِي لَهُ مِنْ جَفْوَةِ الشَّوْقِ راحِمُ
أَجَنِّبُ أَنفاسِي أزاهِرَ حُسْنِهِ / لِعِلْمِيَ أَنَّ النَّوْرَ بالنَّارِ ساهِمُ
وأُغمِضُ لَحْظِي عَن جَنى وَجَنَاتِهِ / مخافَةَ أَنَّ السَّهْمَ للوَرْدِ حاطِمُ
وَمَا صَرعَ القتلى كَعَيْنَيْهِ صارِعٌ / ولا كَلَمَ الجرْحى كَصُدْغَيْهِ كالِمُ
فإِنْ أَشْفِ وَجدي من تباريحِ ظِلْمِهِ / بِضَمِّي لَهُ أَيقَنْتَ أَنِّيَ ظالِمُ
وإِنْ أُحْيِ نفسي فِيهِ من مِيتَةِ الهَوى / بلَثْمِي لَهُ لَمْ أَعْدُ أَنِّيَ آثِمُ
فَكَيْفَ وَقَدْ غارَتْ بِهِ أَنْجُمُ النَّوى / وقُيِّدَ دُونَ الماءِ حَرَّانُ هائِمُ
مَتاعٌ من الدنيا أرانِي فِراقُهُ / بعَيْنِ النُّهى والحِلْمِ أَنِّيَ حالِمُ
وقد صَرَمَتْهُ حادِثَاتٌ كَأَنَّها / بيُمْناكَ يَا مَنْصُورُ بِيضٌ صوارِمُ
يُضَرِّمُها أَمثالهُنَّ كتائِبٌ / يُقَدِّمُها أَشْبَاهَهُنَّ عَزَائِمُ
أَسِنَّتُها للمُهْتَدِينَ كواكِبٌ / وأَعلامُها للمُسْلِمينَ مَعَالِمُ
وآثارُها فِي الأَرْضِ أَشْلاءُ كافِرٍ / وغاوٍ وَفِي جَوِّ السماءِ غمائِمُ
وَفِي كَبِدِ الطَّاغُوتِ منها صوارِعٌ / وَفِي فقَرِ الشَّيْطَانِ منها قواصِمُ
بكل تُجَيَبْيٍ إِلَيْكَ انْتِسَابُهُ / وإِنْ أَنْجَبَتْهُ تَغلِبٌ والأَراقِمُ
ومُختارِ يمناكَ العَلِيَّةِ نِسْبَةً / وإِنْ سَفَرَتْ يَرْبُوعُ عنها ودارِمُ
وأَذْهَلَهُمْ جَدْوَاكَ عن كلِّ مَفْخَرٍ / وإِنْ فَخَرَتْ ذُهْلٌ بِهَا واللَّهَازِمُ
أُسُودٌ إذَا لاقَوْا وَطَيْرٌ إذا دُعُوا / أَيَامِنُهُمْ للمُعْتَدِينَ أَشَائِمُ
تَلَمَّظَ فِي الأَيْسَارِ مِنْهُمْ أَساوِدٌ / وتَهْتَزُّ فِي الأَيْمانِ منهم أَراقِمُ
ظِمَاءٌ وَمَا غَيْرَ الدماءِ مشارِبٌ / لَهُنَّ ولا غَيْرَ القُلُوبِ مَطَاعِمُ
غَرَسْتَ الفَلا منها غِياضاً أُرُومُها / حُماةُ الحِمى والصَّافِنَاتُ الصَّلادِمُ
إذَا مَا دَنَتْ مِنْ شِرْبِها أَجْنَتِ الرَّدى / وَكَانَ جَنَاهُنَّ الطُّلى والجَمَاجِمُ
فأَنسَتْكَ يَا مَنصُورُ رَوْضَ حَدَائِقٍ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ المُنى وتُنَادِمُ
يضاحِكُ فِي أَرْضِ الزُّمُرُّدِ شَمْسَها / دنانِيرُ من ضَرْبِ الحَيَا ودَرَاهِمُ
وأَلْهَتْكَ عن لَيْلٍ كواكبُهُ المَها / وعن أَبْرُجٍ أَقمارُهُنَّ الكَرَائِمُ
وَمَا شُغِلَتْ يُمْنَاكَ عن بَذْلِ مَا حَوَتْ / وإِنْ غارَ مِنْهُنَّ النَّدى والمكارِمُ
فَخَاصَمْنَ بِيضَ الْهِنْدِ فِيكَ إِلَى العُلا / وَحَقٌّ لِمَنْ فِي القُرْبِ منكَ يُخاصِمُ
فإِنْ عَزَّها من صِدقِ بَأْسِكَ شَاهِدٌ / فقد سَنَّها مِنْ عَدْلِ حُكْمِكَ حاكِمُ
بِيَوْمٍ إِلَى الهَيْجَا ويومٍ إِلَى النَّدى / وَمَا عالَ مَقْسُومٌ ولا جَارَ قاسِمُ
وَنُودِيتَ يَوْمَ الجُودِ للسَّلْمِ فِي العِدى / فَجُدْتَ بِهِ وَالمُرْهَفَاتُ رَوَاغِمُ
حِذاراً عَلَى إِلْفِ الهَوى غُرْبَةَ النَّوى / وَمَا إِلفُها إِلّا الوَغى والمَلاحِمُ
وَعَوَّدْتَهَا طُعْمَ السِّباعِ فأَشْفَقَتْ / بإِغْبَابِهِ أَنْ تَدَّعيهِ البَهائِمُ
وكَلَّفْتَها رِزقَ الذِّئابِ فأُحشِمَتْ / لذِيبٍ عَوى تَحْتَ الدُّجى وَهْوَ صائِمُ
ومَنَّيْتَها نَفْسَ ابْنِ شَنْجٍ فأَسْمَحَتْ / مُسَالِمَةً من بَعدِهِ مَنْ تُسَالِمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَ العَفْوِ قَتْلٌ ومَغْنَمٌ / وَمَا رَدَّ رِبْحَ المُلْكِ فِي الحَرْبِ حازِمُ
فإِنَّ قتيلَ السَّيفِ للذِّيبِ مَطْعَمٌ / وإِنَّ قتيلَ العَفْوِ للمُلْكِ خادِمُ
فَيَا لِبُروقٍ لَمْ يَزَلْنَ صواعِقاً / عَلَى الكُفْرِ غَيْثُ الأَمْنِ منهُنَّ ساجِمُ
تُقَطِّعُ بالأَمْسِ الرِّقابِ وَوُصِّلَتْ / بِهَا اليَوْمَ أَرْحَامٌ لَهُمْ ومَحَارِمُ
غَدَتْ وَهيَ أَعْرَاسٌ لَهُمْ وَعَرَائِسٌ / وبالأَمْسِ مَوْتٌ فِيهِمُ ومآتِمُ
بعَقْدِ بناءٍ أَنْتَ شِدْتَ بناءَهُ / وَلَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ غيرَكَ هادِمُ
فِرَنْجَةُ أَعْلاهُ و قَشْتِلُّ أُسُّهُ / وَسلْمُكُ أَرْكَانٌ لَهُ وَدَعائِمُ
فَمَلَّكْتَ تاجَ المُلْكِ تَاجَ مَلِيكَةٍ / لتَاجَيْهِما تَعْنُو الملوكُ الخَضَارِمُ
وَتَوَّجْتَها فَوْقَ الأَكالِيلِ والذُّرى / خَوافِقَ تَغشاها النُّسُورُ القَشَاعِمُ
وحَلَّيْتَها بَعْدَ الدَّمَالِيجِ والبُرَا / حُلِيَّاً لآلِيهِ القنا والصَّوارمُ
وضَمَّخْتَها من طيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / بأَضعافِ مَا تُهْدِي إِلَيْها اللَّطائِمُ
ونَظَّمْتَ آفاقَ الفَلا لِزِفافِها / خُيُولاً حَمَتْ مَا قَلَّدَتْها النَّوَاظِمُ
مُنىً كَانَ فِيهَا لابْنِ شَنْجٍ مَنِيَّةٌ / يُغَرْغِرُ منها راهِقُ الروحِ كاظِمُ
مَرَجْتَ عَلَيْهِ لُجَّ بَحْرَيْنِ يَلْتَقِي / عَلَى نَفْسِهِ تَيَّارُهُ المُتَلاطِمُ
وغادَرْتَهُ مَا بَيْنَ طَوْدَيْنِ أَطْبَقا / حُتُوفاً تُصَادي نَفْسَهُ وتُصَادِمُ
وأَسْلَمَهُ الأَشيَاعُ بَوَّاً بِقَفْرَةٍ / سَرَايَاكَ أَظْآرٌ عَلَيْهِ رَوَائِمُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ناصِرِ الدِّينِ ناصِرٌ / وَلَيْسَ لَهُ من عاصِمِ المُلْكِ عاصِمُ
وَقَدْ صَدَرَتْ عَنْهُ خيولُكَ آنِفاً / وَأَحْشَاؤُهُ فَيْءٌ لَهَا ومَغانِمُ
أَقاطِيعُ مِلْءُ الأَرْضِ أَصْوَاتُ خَيْلِها / وأَنعامِها عَمَّا يُكِنُّ تَرَاجِمُ
يُناجِي نُفُوساً حازَهُنَّ غَنائِماً / بأَمْنِكَ قَدْ حانَتْ عَلَيْها المغارِمُ
وأَفْعَالُ خَفْضٍ كنت تَشْكُلُها لَهُ / برَفْعِكَ قَدْ أَوْفَتْ عَلَيْها الجَوازِمُ
بغَزْوَةِ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ ثائِرٍ / عزائِمُهُ فِي النَّاكِثينَ هَزَائِمُ
وكم طَمَسَتْ عَيْنَيْهِ بَرْقَةُ مُقدِمٍ / تَلأْلأَ فِيهَا مَجْدُكَ المُتَقَادِمُ
تَجَلَّلَها جَدَّاك عَمرٌو وتُبَّعٌ / وأَعْقَبها عَمَّاكَ كَعْبٌ وحَاتِمُ
ومَنْ أَعْرَبتْ فِيهِ أَعاظِمُ يَعْرُبٍ / فَمُسْتَصْغَرٌ فِي أَصْغَرَيْهِ العَظَائِمُ
مآثِرُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِنَّ سابقٌ / ولا رامَها من قَبْلِ سَعْيِكَ رائِمُ
كَسَا العَرَبَ العَرْبَاءَ مِنْهُنَّ مَفْخَرٌ / تُصَلِّبُ مِنْهُ للوُجُوهِ الأَعاجِمُ
وشِدْتَ بِهَا فِي الرُّومِ والقُوطِ رِفْعَةً / تُسَامِي بِهَا عِندَ السُّها وتُزَاحِمُ
وصَرَّتْ بِهَا أَقْلامُ ضَيْفِكَ صَرَّةً / تُصِرُّ لَهَا الآذَانَ بُصْرى وجاسِمُ
فَزَوَّدَها الرُّكْبانُ شَرقاً ومَغرِباً / ووافَتْ بِهَا جَمْعَ الحَجِيجِ المَواسِمُ
وما لِيَ لا أُبْلِي بِذِكْرِكَ فِي الوَرى / بَلاءً تَهادَاهُ القُرُونُ النَّوَاجِمُ
وأُطْلِعُهُ شَمْساً عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ / يُكَذَّبُ فِيهَا عن سَنَا الشَّمْسِ زَاعِمُ
فَيَحْسُدُنِي فيكَ العِرَاقُ وَشامُهُ / وإِيَّاكَ فِيَّ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
بُخِسْتُ إِذَنْ سَعْيِي إِلَيْكَ وهجْرَتِي / وَمَا حَملَتْ مِنِّي إِلَيْكَ المَناسِمُ
وبينَ ضُلُوعِي بِضع عَشرَةَ مُهْجَةً / ظِماءٌ إِلَى جَدْوى يَدَيْكَ حَوَائِمُ
تَلَذُّ الليالي لَحْمَها ودِماءها / وَطَعْمُ الليالي عِنْدَهُنَّ عَلاقِمُ
قطعتُ بِهِنَّ الليلَ والليلُ جامِدٌ / وخُضْتُ بِهِنَّ الآلَ والآلُ جاحِمُ
إذَا مَلأَ الهَوْلُ المُمِيتُ صُدُورَها / تَحَرَّكَ من ذِكْرَاكَ فِيهَا تَمائِمُ
على شَدَنِيَّاتٍ تَطيرُ بِرُكْنِها / إِلَيْكَ خُطوبٌ فِي القلوبِ جَوَاثِمُ
فكم غالَ من أجسامِها غَوْلُ قَفْرَةٍ / وَخَرَّمَ من أَلْبابِهِنَّ المَخارِمُ
وكم عَجَزَتْ عنَّا ذواتُ قوائِمٍ / فَعُجْنا بِعُوجٍ مَا لَهُنَّ قوائِمُ
جآجِئُ غِرْبانٍ تطيرُ لنا بِهَا / عَلَى مثلِ أَطْوَادِ الفيافي نَعَائِمُ
لها من أَعاصِيرِ الشمالِ إذَا هَوَتْ / خَوَافٍ ومن عَصْفِ الجَنُوبِ قوادِمُ
يُحاجى بِهَا مَا حامِلٌ وهوَ راقِدٌ / وَمَا طائرٌ فِي جَوِّهِ وهوَ عائِمُ
سَرَتْ من عَصا مُوسى إِلَيْهِ قَرَابَةٌ / فَطَبٌّ بِفَلْقِ البحرِ والصَّخْرِ عالِمُ
وشاهَدَ لَقْمَ الحُوتِ يُونُسَ فاقْتَدى / فغادٍ وسارٍ وهو للسَّفْرِ لاقِمُ
أَعوذُ بِقَرْعِ المَوْجِ فِي جَنَبَاتِها / إِلَيْكَ بنا أن يَقْرَعَ السِّنَّ نادِمُ
وما عَبَّرَتْ عَنهُ جُسومٌ نَوَاحِلٌ / وَمَا حَسَرتْ عنهُ وجوهٌ سَوَاهِمُ
وما كَتَبَتْ فِي واضِحاتِ وجوهِنا / إِلَيْكَ الدَّياجِي والرِّياحُ السَّمائِمُ
فلا رَجَعَتْ عَنكَ الأَمانِي حَسِيرَةً / ولا فُزِّعَتْ مِنَّا لَدَيْكَ التَّمائِمُ
ولا خَتَمَتْ عَنكَ الليالي سَرِيرَةً / ولا فَضَّتِ الأَيَّامُ مَا أنتَ خاتِمُ
ولا نَظَمَ الأَعْدَاءُ مَا أَنتَ ناثِرٌ / ولا نَثَرَ الأَعداءُ مَا أَنتَ ناظِمُ
ولا عَدِمَ الإِشْرَاكُ أَنَّكَ ظافِرٌ / ولا عَدِمَ الإِسْلامُ أَنَّكَ سالِمُ
ولا زالَ للسيفِ الحَنيفيِّ قائِمٌ / وأَنتَ بِهِ فِي طاعَة اللهِ قائِمُ
جِهادٌ عَلَى الكُفَّارِ بالنَّصْرِ مُقدِمٌ / وَوَجْهٌ عَلَى الإِسْلامِ بالفَتْحِ قادِمُ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ / فَاجْرُرْ ذُيُولَكَ فِي مَجَرِّ ذَوائِبي
لا تُكْدِيَنَّ ومن ورائِكَ أَدْمُعِي / مَدَداً إِلَيْكَ بفَيْضِ دَمْعٍ ساكِبِ
وصبابَةٌ أَنفاسُها لَكَ أُسْوَةٌ / إِنْ ضاقَ ذَرْعُكَ بالغَمامِ الصَّائِبِ
وامزِجْ بِطيبِ تَحِيَّتِي غَدِقَ الحَيَا / فاجْعَلْهُ سَقْيَ أَحِبَّتِي وحَبائِبي
عهداً كَعَهْدِكَ من عِهادٍ طالما / كَسَتِ البُرُودَ معاهِدِي ومَلاعِبي
واجْنَحْ لِقُرْطُبَةٍ فَعانِقْ تُرْبَها / عَنِّي بِمِثْلِ جَوانِحي وتَرَائِبي
حَيْثُ اسْتَكانَتْ للعَفاءِ منازلي / وَهَوَتْ بأَفلاذِ الفؤادِ نَجَائِبي
ذُلُلاً تَعَسَّفْنَ الدُّجى بِأَذِلَّةٍ / ولواغِباً جُبْنَ الفَلا بِلَوَاغِبِ
وكواكِبٌ ناءَتْ بِقرْبَتِها النَّوى / فَقَضَتْ مدامِعُهَا بِنَوءِ الغارِبِ
من كُلِّ مَفْجُوعٍ بتَرْحَةِ راحِلٍ / لَمْ يُسْلِهِ طَمَعٌ بفَرْحَةِ آيبِ
كَذَبَتْهُ بارِقَةُ المُنى عن صادِقٍ / من ظَنِّهِ وصَدَقْتَهُ عن كاذبِ
ظُعُنٌ سَرَيْنَ الليلَ ضَرْبَةَ لازِمٍ / وسَرى إِليها الهَمُّ ضَرْبَةَ لازِبِ
جَمُدَتْ عَلَيْهِنَّ القُلوبُ فَأَسْبَلَتْ / فَوْقَ المحاجِرِ كُلَّ قَلْبٍ ذائِبِ
وتَخازَرتْ عنها العُيُونُ فأَبْرَزَتْ / عن أَعْيُنٍ بِدِمائِهِنَّ سَوَاكِبِ
وتَقَطَّعَتْ أَسبابُهُنَّ لِطِيَّةٍ / وَصَلَتْ بِهِنَّ سباسِباً بسباسِبِ
يَطْلُبْنَ شَأْوَ غرائبٍ ليَ كُلَّمَا / نَأَتِ البلادُ حَلَلْنَ غَيْرَ غَرَائِبِ
لَحِقَتْ بأَسْبابِ السَّمَاءِ فَأُعطِيَتْ / فِيهَا خُلُودَ أَهِلَّةٍ وكَواكِبِ
وَأَعَدَّتِ الأَزْمانُ مَاءَ شَبابِها / لِحُنُوِّ ظَهْرٍ أَوْ لِرَأْسٍ شائِبِ
وعَقَدْنَ بالأَبَدِ الأَبيدِ وإِنْ نَأَى / حِلْفَيْنِ حِلْفَ مُسَايِرٍ ومُعَاقِبِ
مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وتقاذَفَتْ / أَمْواجُهُ بشَمَائِلٍ وجَنَائِبِ
هَدَماً إِلَى هَدَمٍ وَحِفْظَ دَمٍ دَماً / حَدَبٌ بعَطْفِ مُشاكِهٍ ومُنَاسِبِ
زُهْرٌ طوالِعُها لِكُلِّ غَدٍ غَدٌ / وَجَزَاؤُها رَهْنٌ بأَمْسِ الذَّاهِبِ
تَشْدُو بِهَا خُضْرُ الحَمَامِ وَحَظُّها / عَنْقَاءُ رِيعَتْ بالغُرَابِ النَّاعِبِ
حَلَّيْتُها الأَرْضَ الَّتِي هِيَ فارِكِي / وكَسَوْتُها الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ سالِبي
ومَلأْتُ مِنْهُنَّ العُقُولَ عَجَائِباً / ولَنَقْصُ حَظِّي مِن تَمامِ عَجَائِبِي
مَيْتُ الرَّغائِبِ والمَسِيحُ مُوَرِّثِي / إِحياءَ آثاري وخُلْدَ مَناقِبي
بِشَوارِدٍ فِي الأَرْضِ غيرِ أَوابِدٍ / وطوالِعٍ فِي الجَوِّ غَيْرِ غَوارِبِ
ولقد قَضَيْتُ من الصَّبابَةِ حَقَّها / فَقَضتْ من الأَمَلِ البَعيدِ مآرَِبي
قَنَّعْتُها الصَّبْرَ الجَميلَ فأَسْفَرَتْ / فِي آلِ يَحْيى عن جميلِ عواقِبِ
وشَدَدْتُ عَقْدَ خِتامِها فاسْتَفْتَحَتْ / بِمكارِمِ المنصورِ ضِيقَ مَذَاهِبِي
فَهَلَ اَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُبَلِّغٌ / بالمَغْرِبَيْنِ أَحِبَّتِي وأَقارِبي
أَنَّ الربيعَ لَدَيَّ شِيمةُ قاطِنٍ / وحَيا الغمامِ عَلَيَّ دِيمَةُ دائِبِ
من بعدِ مَا غَمَّ الصَّباحُ لناظِرِي / واشْتفَّ مِنِّي البَحْرُ جَرْعَةَ شارِبِ
وأَنِسْتُ بالأَهوالِ حَتَّى لَمْ أُبَلْ / أَلِقاءُ أُسْدٍ أَمْ لِقاءُ ثَعالِبُ
كمْ أَنشَبَتْ فِيَّ الخطوبُ مخالِباً / حَتَّى انْثَنَتْ عنِّي بغيرِ مخالبِ
وشَفَيْتُ سُمَّ عَقارِبٍ بأَساوِدٍ / ودَفَعْتُ سُمَّ أَساوِدٍ بعقارِبِ
حتى نَزَفْنَ سُمومَهُنَّ فلَمْ يُرَع / من نافِثاتِ السُّمِّ ليلُ الحاطِبِ
وسُدِكْتُ بالغَمَرَاتِ حَتَّى بَلَّدَتْ / فَرَمَيْنَ حَبْلِي فَوْقَ ذِرْوَةِ غارِبِ
وتدارَكَتْنِي ذِمَّةٌ من يَعْرُبٍ / مَطَرَتْ عَليَّ ثِمارَ جَنَّةِ مأْرِبِ
فهناكَ أَنْصَلْتُ الأَسِنَّةَ وانْتَحى / سيفي بِهَا مَسْحاً بسُوقِ ركائِبي
ورفَعْتُ ناراً للعيونِ وقودُها / أَقْتابُ أَحْدَاجي وَوَقْرُ حقائِبي
نِعَمٌ تكاد تَرُدُّ أَيَّامَ الصِّبا / وتُعيدُ أَزْمانَ النَّعِيمِ الذَّاهِبِ
أَيَّامَ أَلْقى الصُّبْحَ تِرْبَ كواكبٍ / أَدَباً وأُحْيي اللَّيْلَ خِلْبَ كواعِبِ
والمَكْرُمَاتُ منازلي ومشاهِدِي / والمُقْرَباتُ مراكِبي ومَرَاقِبي
إِذْ أَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُخَيِّمٌ / فِي ساحِلي ومُغَيِّمٌ من جانِبي
عَبِقُ الرَّوائِحِ من نَثِيرِ غدائِرِي / غَدِقُ السَّحائِبِ من فُضُولِ مشارِبي
وتَرُوحُ مُغْتَبِقاً شَمُولَ شمائِلي / وتعُودُ مُصْطَبِحاً ضَرِيبَ ضَرائِبي
تَغْدُو فَتَسْتَملِي بديعَ محاسِني / وترُوحُ تَسْتَقرِي نفيسَ غرائِبِي
وتبيتُ تنشُرُ فِي الأَباطِحِ والرُّبى / زَهْراً يُخَبِّرُ عنك أَنَّكَ كاتِبي
مِمَّا تَرِفُّ بِهِ رِياضُ حدائِقي / ويُفيضُ جَوْهَرَهُ عُبابُ غوارِبي
فَنَظَمْتُها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / وبَعَثْتُها مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثاقِبِ
وَنَظَمْتُ يَا مَنصورُ ذكرَكَ وَسْطَها / نَظْمَ العُقُودِ عَلَى تَرَائِبِ كاعِبِ
ذِكْرٌ عَلَى الأَلبابِ أَكْرَمُ نازِلٍ / وَعَلَى فِجاجِ الأَرْضِ أَوْضَحُ راكِبِ
سُورٌ لِمَجْدِكَ رَفَّعَتْ آياتِها / أَعْلامُ آدابي وذِكْرُ مناقِبي
بفواتِحٍ من كُلِّ مَدْحٍ سائِرٍ / وخواتِمٍ من كُلِّ حَمْدٍ ذاهِبِ
فاسْتَشْرَفَ الثَّقَلانِ أَخْطَبَ شَاعِرٍ / وأَصَاخَتِ الدُّنيا لأَشْعَرِ خاطِبِ
فَخَطَبْتُ والعَوَّاءُ بَعْضُ منابِرِي / وأَمَمتُ والجوزَاءُ بعض محَاربي
وكَتَبْتُ منها لِلَّيالي مُصْحَفاً / تتلُوهُ أَلسِنَةُ الزَّمانِ الدَّائِبِ
حَتَّى تركتُ سَناءَ مُلْكِكَ حاضِراً / فِي كُلِّ أُفْقٍ عن بلادِكَ غائِبِ
وجَلَوْتُ للدُّنيا مثالَكَ فِي الوَغى / تختالُ بَيْنَ ذوابِلٍ وقَواضِبِ
وأَرَيْتُكَ الأُمَمَ الخُلُوفَ مَتَوَّجاً / بخوافِقٍ ومُكَلَّلاً بكتائِبِ
ورَفَعْتُ سِتْرَ الليلِ عنكَ لِغَابِرٍ / ومُقَدَّمٍ ومُباعِدٍ ومُقارِبِ
حَتَّى أَرَيْتَهُمُ السَّنا تَحْتَ الدُّجى / وخيالَ سَارٍ فِي مَخِيلَةِ سارِبِ
طَيَّارَ بارِقَةِ الوغى بمَقادِمٍ / كَقوادِمٍ ومَوَاكِبٍ كمناكِبِ
حَتَّى ابْنُ شَنْجٍ يَوْمَ أَمَّكَ خاضِعاً / تَسعى إِلَيْكَ بِهِ نَدَامَةُ تائِبِ
منْ بَعْدِ مَا رَازَ البلادَ فَلَمْ يَجِدْ / فِي الأَرْضِ عن مأْواكَ مَهْرَبَ هارِبِ
ورأَى الضَّلالَ عَلَيْكَ أَضْعَفَ ناصِرٍ / ورأى الفِرَارَ إِلَيْكَ أَيْمَنَ صاحِبِ
ودعاكَ مُعْتَرِفاً بِذِلَّةٍ مُذْنِبٍ / وأَتاكَ مُشْتَمِلاً بِلِبْسَةٍ راهِبِ
ولقد تراءَتْ فِي ذَرَاكَ مطالِعِي / حينَ اسْتَبَدَّ تَغَرُّبي بِمغارِبي
فَخَتَمْتَ طُولَ تَقَلُّبي بتَقَبُّلِي / وجزَيْتَ غُرَّ غرائِبِي برَغائِبِ
وأًجَرْتَني من كُلِّ خَطْبٍ طارِقٍ / حَتَّى مُناجَاةِ الرَّجاءِ الخائِبِ
ووجَدْتُ عند يَدَيْكَ سَدَّ مفاقِري / وسُلُوَّ أَحزانِي وبُرْءَ مصائِبِي
ولقد تَجَلَّى العيدُ عَنْكَ بِغُرَّةٍ / جَلّاءةٍ لِفَوَادِحٍ وغَياهِبِ
يتلُوكَ حاجِبُكَ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ / كالشَّمْسِ إِذْ ضَرَبَتْ إليكَ بِحاجِبِ
في مَشهدٍ بِسَنا جبينِكَ مشرِقٍ / شَرِقٍ بآسادٍ وجُرْدِ سَلاهِبِ
غُرٍّ تَواعَدُ للطِّعَانِ صَواهِلٍ / تختالُ بَيْنَ مُخاطِبٍ ومُجاوِبِ
حَتَّى ارْتَقَيْتَ سريرَ مُلْكِكَ حَفَّهُ / نُورُ السرورِ جوانِباً بِجوانِبِ
ومدَدْتَ للتقبيلِ راحَةَ مُنعِمٍ / تَنْهَلُّ أَنْمُلُها بُحُورَ مَواهِبِ
وتكادُ تهتِفُ عَنكَ هل من راغِبٍ / أَوْ راهبٍ أَوْ خائفٍ أَوْ طالِبِ
فاسْلَم وكُنْ للأَرْضِ آخِرَ عامِرٍ / ولغالِبِ الأَعْدَاءِ أَوَّلَ غَالِبِ
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا / فَيُبْلِيَها سَعداً وتُبْليَهُ سَعْيا
ويُوسِعُها سَقياً وَرَعْياً كَمِثْلِ مَا / سَمَتْ للمُنى سَقياً وسامَتْ بِهَا رَعْيا
وأَيُّ حياً فِي الشَّرْقِ والغربِ للوَرى / وأَيُّ حِمىً للملكِ والدِّينِ والدُّنيا
وأَيُّ فتىً والنفسُ كاذِبَةُ المُنى / وأَيُّ فتىً والحربُ صادِقَةُ الرُّؤْيا
عَلا فَحَوى ميراثَ عادٍ وتُبَّعِ / بِهِمَّتِهِ العُلْيا ونِسْبَتِهِ الدُّنْيا
فأعْرَبَ عن إِقْدامِ يَعْرُبَ واحْتَبى / فلَمْ يَنْسَ من هُودٍ سَناءً ولا هَدْيا
ومِنْ حِميَرٍ رَدَّ القنا أَحْمَرَ الذُّرَى / ومِنْ سَبَأٍ قادَتْ كَتائِبُهُ السَّبْيا
وما نام عنهُ عِرْقُ قَحْطَانَ إِذْ فَدى / عُروقَ الثَّرى من غُلَّةِ القَحْطِ بالسُّقْيا
ولا أَسْكَنَتْ عَنْهُ السَّكُونُ سِيادَةً / وَلا رَضِيَتْ طَيٌّ لراحَتِهِ طَيَّا
ولا كَنَدَتْ أَسيافُهُ مُلْكَ كِنْدَةٍ / فَيَتْرُكَ فِي أَركانِ عِزَّتِها وَهْيَا
ولا أَقْعَدَتْهُ عن إِجابَةِ صارِخٍ / تُجِيبُ ولو حَبْواً إِلَى الطَّعْنِ أَوْ مَشْيا
وكائِنْ لَهُ فِي الأَوْسِ من حَقِّ أُسْوَةٍ / بنَصْرِ الهُدى جَهْراً وبَذْلِ النَّدى خَفْيا
هُمُ أَوْرَثُوهُ نَصْرَ دينِ مُحَمَّدٍ / وحازُوا لَهُ فَخْرَ النَّدى والقِرى وحْيا
وَهُمْ أَوْجَدُوهُ الجودَ أَعذبَ مطعَماً / منَ الرِّيقَةِ الشَّنْباءِ فِي الشَّفَةِ اللَّمْيا
مَناقِبُ أَدَّوْها إِلَيْهِ وِرَاثَةً / فكانَ لَهَا صَدْراً وكانتْ لَهُ حَلْيا
ورَوْضَةُ مُلْكٍ عاهَدَتْها عِهادُهُ / فأَغْدِقْ بِهَا رِيَّاً وأَعبِقْ بِهَا رَيَّا
وصَوْتُ ثناءٍ أَسْمَعَ اللهُ ذِكْرَهُ / لِيُسْمِعَ منه الصُّمَّ أَوْ يَهْدِيَ العُمْيا
لِمَنْ يَلْحَظُ الأَعْلَيْنَ فِي المَجْدِ مِنْ عَلٍ / وجارى فأَعْيا السَّابِقينَ وَمَا أَعيا
أَنيسُ القُلُوبِ فِي الصدورِ وَلَمْ يَكُنْ / لِيُوحِشَ مَثْوَاهُ الفَرَاقِدَ والجَدْيا
وَمَوْرِدُ مَنْ أَظْما وإِصْباحُ من سَرى / ومَبْرَكُ من أَعيا وغايةُ مَنْ أَغيا
فَقَصْرُ مُلُوكِ الأَرْضِ سُدَّةُ قصره / وإِنْ سَحَقُوا بُعْداً وإِنْ شَحَطُوا نأْيا
وأَهْدَتْ لَهُ بَغْدَاذُ ديوانَ عِلْمِها / هَدِيَّةَ مَنْ وَالى وَنُخْبَةَ مَنْ حَيَّا
فكانتْ كَمَنْ حَيَّا الرِّياضَ بِزَهْرِها / وأَهْدى إِلَى صَنْعَاءَ من نَسْجِها وَشْيا
وحَسْبُ رُوَاةِ العِلْمِ أَنْ يتدارسوا / مآثِرَهُ حِفْظاً وآثارَهُ وعْيا
ويَكفي مُلُوكَ الأَرْضِ من كُلِّ مَفْخَرٍ / إِذَا امْتَثَلُوا من بَعْضِ أَفعالِهِ شَيَّا
وأن يَسمعوا من ضَيْفِهِ فِي ثَنائِهِ / غَرَائِبَ حَلّى من جَوَاهِرِها الدُّنْيا
وأَنْ يَنْظُرُوا كَيْفَ ازْدَهى مَفْرِقُ العُلا / بعَقْدِي لَهُ تاجاً من الكَلِمِ العُلْيا
أوابِدُ حالَفْنَ اللَّياليَ أَنَّها / تموتُ الليالي وَهْيَ باقِيةٌ تَحْيا
لِمَنْ كَفَلَ الإِسْلامَ أُمَّ سِيادَةٍ / فَبَرَّتْ بِهِ حِجْراً ودَرَّتْ لَهُ ثَدْيا
ومَنْ ذَعَرَ الأَعْداءَ حَتَّى توهَّمُوا / بِهِ الصُّبحَ جَيْشاً والظَّلامَ لَهُ دَهْيا
لطاعَةِ من وَصّى المنايا بطَوْعِهِ / فلم تَعصِهِ فِي الشِّرْكِ أمراً ولا نَهْيا
فكمْ رَأْسِ كُفْرٍ قَدْ أَنافَتْ بِرَأْسِهِ / من الصَّرْعَةِ السُّفْلى إِلَى الصَّعْدَةِ العُلْيا
فأَوْفَتْ بِهِ فِي مَرْقَبِ السُّورِ كالِحاً / يُؤَذِّنُ بالأَعْداءِ حَيَّ هَلا حَيَّا
وتَفلي الصَّبا مِنهُ ذوَائِبَ لِمَّةٍ / تَفَاخَرُ أَيْدي المُصْبِياتِ بِهَا فَلْيا
فهامَتُهُ لِلْهامِ تَسْتَامُها القِرى / وأَشْلاؤُهُ للرِّيحِ تُسْتَامُها السَّفْيا
وكمَ رَدَّ عَنْ نَفْسِ ابْنِ شَنْجٍ سِهامُها / وَقَدْ أَغرقتْ نَزْعاً وأَمكَنَها رَمْيا
طَلِيقُكَ من كَفِّ الإِسارِ وَقَدْ هَوَتْ / بِهِ الرَّقِمُ الرَّقْماءُ والمُوبِدُ الدَّهْيا
فَحَكَّمْتَ فِيهِ حَدَّ سَيْفِكَ فَاقْتَضى / وشاوَرْتَ فِيهِ الفَضْلَ فاسْتَعجمَ الفُتيا
فأَخَّرْتَ عَنْهُ حُكْمَ بَأْسِكَ بالرَّدى / وأَمْضَيْتَ فِيهِ حُكْمَ عَفْوِكَ بِالبُقْيا
وَوَقَّيْتَهُ حَرَّ الحِمَامِ لَوِ اتَّقى / وزَوَّدْتَهُ بَرْدَ الحياةِ لَوِ استحْيا
فأَفلَتَ يَنْزُو فِي حَبائِلِ غَدْرِةٍ / بأَوْتَ بِهَا عِزّاً وباءَ بِهَا خِزْيا
فأَتْبَعْتَهُ تَحْتَ العَجاجَةِ رَايَةً / بَهَرْتَ بِهَا رَاياً وأَعْلَيْتَها رَأْيا
وجَرَّدْتَ سَيْفَ الحَقِّ مُدَّرِعَ الهُدى / لِمَنْ سَلَّ سَيْفَ النَّكْثِ وادَّرَعَ البَغْيا
وأَعْلَيْتَها فِي دَعْوَةِ الحَقِّ دَعْوَةً / كفاك بِهَا بُشْرى وأَعْدَاءها نَعْيا
فَجاءَتْكَ تَحْتَ الخافِقَاتِ كَتَائِباً / كَمَا حَدَتِ الأَفْلاكُ أَنجُمَها جَرْيَا
مُهِلِّينَ بالنصرِ العزيزِ لِمَنْ دَعَا / مُلَبِّينَ بالفتحِ المبين لمن أَيَّا
بكُلِّ أَميرٍ طَوْع يُمْنَاكَ جَيْشُهُ / وطاعَتُكَ العَلْيَاءُ غايَتُهُ القُصْيا
وكُلِّ كَمِيٍّ فِي مَنَاطِ نِجادِهِ / دواءٌ لِدَاءِ النَّاكِثِينَ إِذَا أَعْيا
وإِنْ لَمْ يُفِقْ دَاءُ ابْنِ شَنْجٍ بِطِبِّهِ / فَقَدْ بَلَغَتْ أَدْوَاؤُهُ النَّارَ والكَيَّا
بِسابِحَةِ الأَجيادِ فِي كُلِّ لُجَّةٍ / تُرِيكَ عُبابَ البَحرِ من هَوْلِها حِسْيا
قَدَحتَ بأَيْدِيها صَفَا الشِّرْكِ قَدْحَةً / جَعَلْتَ ضِرامَ المَشْرَفِيِّ لَهَا وَرْيا
خَوَاطِفَ إِبْراقٍ جَلاهُنَّ عارِضٌ / من النَّقْعِ لا يُوني دِمَاءَ العِدى مَرْيا
عُقِدْنَ بأَيْمانِ الضِّرابِ وعُوقِدَتْ / بأَيْمانِ عَهْدٍ لا انثِناءَ ولا ثُنْيا
وزُرقاً تَشَكَّى من ظِماءِ كُعُوبِها / وتَسْقِي رُبُوعَ الكُفْرِ من دَمِهِ ريَّا
إِذَا غَرَبَتْ ناءَتْ بِمُنْهَمِرِ الكُلى / وإِن طَلَعَتْ فاءَتْ بِمِلْءِ المَلا فَيَّا
فأُبْتَ بأَعْدادِ النُّجُومِ مَساعِياً / وأَمثالِها سُمْراً وأَضعافِها سَبْيا
وُجُوهاً سُلِبْنَ العَصْبَ والحَلْيَ فاكْتَسَتْ / مَحاسِنَ أَنْسَيْنَ المَجاسِدَ والحَلْيَا
كَأَنْ لَمْ تَدَعْ بِالبِيدِ أَيْكاً ولا غَضَى / ولا فِي شِعابِ الرَّمْلِ خِشَفاً ولا ظَبْيا
إِيَابَ مليكٍ قُلِّدَتْ عَزَمَاتُهُ / من الرُّشْدِ والتَّوْفِيقِ مَا دَمَّرَ الغَيَّا
يُقِرُّ عيونَ الخَيْلِ فِي حَوْمَةِ الوَغى / إِذَا مَا قُدُورُ الحَرْبِ فَارَتْ بِهَا غَلْيا
ويُعْرِضُ عَنْ فُرْشِ القصورِ وَثِيرَةً / ليَرْكَبَ ظَهْرَ الحربِ مُحْدَوْدِباً عُرْيا
ويَحْسُو ذُعافَ السُّمِّ فِي جاحِمِ الوَغى / ليُرْوِيَ آمالَ النُّفُوسِ بِهَا أَرْيا
ويُصْلي بِحَرِّ الشمسِ حُرَّ جبينِهِ / ليَبْسُطَ لِلإِسْلامِ من نُورِهِ فَيَّا
ويا شامِتاً أَنِّي طَريدُ حِجابِهِ / لِيُخْزِكَ أَنِّي حُزْتُهُ بَيْنَ جَنْبَيَّا
ويا حاجِباً قَدْ رَدَّ طَرْفِي دُونَهُ / تَأَمَّل تَجِدْهُ وَهْوَ إِنْسانُ عَيْنَيَّا
صَفاءُ وِدَادٍ إِنْ رَمى فَوْقَهُ القَذى / ظُنُوناً من الإِشْفاقِ طَيَّرَها نَفْيا
وصِدْقُ رَجاءٍ كُلَّما مُتُّ رَحْمَةً / عَلَى مِثْلِ أَفْراخِ القَطا رَدَّنِي حَيَّا
ظِماءٌ وَمَا يَدْرُونَ فِي الأَرْضِ مَشْرَباً / سِوى كَبِدي الْحَرّى ومُهْجَتيَ الظَّمْيا
وكم عَسَفُوا بَحْراً ولا بَحْرَ لِلنَّدى / وخاضُوا سَرابَ البيدِ نهياً ولا نِهْيا
ومانُوا يُرَاعُونَ النجُومَ وَقَدْ رَأَتْ / وسائِلُهُمْ أَلّا حِفاظَ وَلا رَعْيا
ولا خُلَّةٌ إِلّا الهَجِيرُ إِذَا الْتَظَى / فكانَ لَهُمْ جَمْراً وكانوا لَهُ شَيَّا
ولا نَسَبُ إِلّا الثُّرَيَّا إِذَا انْتَحَتْ / فكانَتْ لَهُمْ نِصْفاً وكانُوا لَهَا ثِنْيا
وكم زَجَروها بِاسْمِها وحُقُوقِهَا / فما صَدَقَتْهُمْ لا ثَرَاءً ولا ثَرْيا
ولا صِدْقَ إِلّا للرَّجاءِ الَّذِي سَرى / فقَصَّرَ طُولَ اللَّيْلِ واسْتَقْرَبَ النَّأْيا
وبارى هُوِيَّ الرِّيحِ يَسْبِقُها هَوىً / وغالَ قِفارَ البِيدِ يَنْسِفُها طَيَّا
إِلى سابِقِ الأَمْلاكِ عَلَّمَ سَيْفُهُ / نَدى كَفِّهِ أَنْ يَسْبِقَ الوَعْدَ والوَأْيا
أَبُو الحَكَمِ المُمْضِي لِحُكْمِ عُفَاتِهِ / رغائِبَ لا يَعْرِفْنَ سَوْفاً ولا لَيَّا
ومَثَّلَ لي فِي الحَرْبِ حَسْرُ ذِراعِهِ / بِحَسْرِيَ فِي حَرْبِ الخُطُوبِ ذِرَاعَيَّا
إِذَا لَمَعَتْ بِيضُ الصَّوَارِمِ حَوْلَهُ / كَإِضْرَامِ نِيرانِ الهمومِ حَوَالَيَّا
وَقَدْ عاذَ أَبْطَالُ الجَلادِ بِعِطْفِهِ / كَمَا عاذَ أَطْفالُ الجَلاءِ بِعِطْفَيَّا
وَقَدْ قَصَّرَتْ عنهُ رِماحُ عُدَاتِهِ / كَمَا قَصَّرَتْ عَنْهُمْ رِياشُ جناحَيَّا
ولكِنْ أُوَاسِي بَيْنَ عارٍ ولابِسٍ / أُقَلِّصُ عَنْ ذَيَّا لأَثْني عَلَى تَيَّا
وإِنْ لَوَتِ اللأوَاءُ مِنْ شَأْوِ هِمَّتِي / وأَلحَقَ ذُلُّ العُسْرِ وَجْهِي بِنَعْلَيَّا
فلَمْ تَلْوِ عَنْ مَدْحِ ابْنِ يَحْيى مدائحي / بأَطْيَبِ ذِكْرٍ فِي المَمَاتِ وَفِي المَحْيا
يُصِيخُ إِلَيْهِ كُلُّ سَمْعٍ مُوقَّرٍ / ويَجْلُو سَناهُ كُلَّ ناظِرَةٍ عَمْيا
وأُنشِيكَ عنهُ المِسْكَ مَا عِشْتَ يَا ورَى / وأُكْسُوكَ مِنْهُ الدُّرَّ مَا دُمْتِ يَا دُنْيا
وإِنْ بَرَتِ الأَيَّامُ مِنْ حَدِّ هِمَّتِي / وفَلَّتْ سِلامُ الحادِثاتِ غِرَارَيَّا
فَهَلْ قَلَمٌ خُطَّتْ بِهِ الأَرْضُ كُلُّها / نِظاماً ونَثْراً يُنْكِرُ القَطَّ والبَرْيا
وَزَنْدٌ يُنِيرُ الشَّرْقَ والغَرْبَ قَدْحُهُ / جَدِيرٌ بأَنْ يَسْتَلحِقَ المَحْقَ والوَهْيا
ويَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى سَنَاءٍ ورِفْعَةٍ / إذَا وَضَعُوا فِي التُّرْبِ أَيْمَنَ جَنْبَيَّا
وفَاحَتْ لَيَالِي الدَّهْرِ مِنِّيَ مَيِّتاً / فأَخزَيْنَ أَيَّاماً دُفِنْتُ بِهَا حَيَّا
وَكَانَ ضَياعِي حَسْرَةً وَتَنَدُّمَا / إذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئاً وَلَمْ يُغْنِنِي شَيَّا
وأَصْبَحْتُ فِي دارِ الغِنى عَنْ ذَوِي الغِنى / وعُوِّضْتُ فاسْتَقْبَلْتُ أَسْعَدَ يَوْمَيَّا
سِوى حَسْرَتَيْ عرضٍ وَوَجْهٍ تَضَعْضَعَا / لقارِعَةِ البَلْوى وَكَانَا عَتَادَيَّا
ولِلسِّتْرِ والصَّبْرِ الجَمِيلِ تَأَخَّرَا / فأَمَّهُمَا حِرْصِي وَكَانَا إِمامَيَّا
فيا عَبْرَتِي سُحِّي لَعَلِّي مُبَلَلٌ / بِبَحْرَيْكِ مَا أَنْزَفْتُ من مَاءِ عَيْنَيَّا
ويا زَفْرَتِي هَلْ فِي وَقُودِكِ جَذْوَةٌ / تُنِيرُ لَنَا صُبْحاً ثَنَاهُ الأَسى مُسْيا
ويا خَلَّتي إِنْ سَوَّفَ الغَوْثُ بالمُنى / ويا غُلَّتِي إِنْ أَبْطَأَ الغَيْثُ بالسُّقْيا
فَقُوما إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ فَأَسْعِدَا / تَقَلُّبَ وَجْهِي فِي السَّمَاءِ وَكَفَّيَّا
عَسى مَيِّتُ الأَظْمَاءِ فِي رَوْضَةِ النَّدى / سَيَرْجِعُ عَنْ رَبِّ السَّماءِ وَقَدْ أَحْيا
ويا أَوْجُهَ الأَحْرَارِ لا تَتَبَدَّلِي / بِظِلِّ ابْنِ يَحْيَى بَعْدُ ظِلّاً ولا فَيَّا
ويا حَلْبَةَ الآمَالِ زِيدِي عَلَى المَدى / بَقَاءَ ابْنِ يَحْيَى ثُمَّ حَيِّي عَلَى يَحْيى
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي / وَقَذَفْتُ نَبْلي بالصِّبا وحِرَابي
وسَلَلْتُ فِي سُبُلِ الغِوايَةِ صارِماً / عَضْباً تَرَقْرَقَ فِيهِ مَاءُ شَبابِي
ورَفَعْتُ لِلشَّوْقِ المُبَرِّحِ رايَةً / خَفَّاقَةً بِهَوَائِجِ الأَطْرَابِ
ولَبِسْتُ لِلُّوَّامِ لأْمَةَ خالِعٍ / مَسْرُودَةً بِصَبابَةٍ وتَصابِ
وبَرَزْتُ لِلشَّكْوَى بِشِكَّةِ مُعْلَمٍ / نَكَصَ الملامُ بِهَا عَلَى الأَعقابِ
فاسْأَلْ كمِيَّ الوَجْدِ كيْفَ أَثَرْتُهُ / بِغُرُوبِ دَمْعٍ صائِبِ التَّسكابِ
واسْأَلْ جُنُودَ العَذْلِ كيْفَ لَقِيتُها / فِي جَحْفَلِ البُرَحاءِ والأَوْصابِ
ولَقَدْ كَرَرْتُ عَلَى الملامِ بِزَفْرَةٍ / ذَهَلَ العِتَابُ بِهَا عَنِ الإِعْتَابِ
حتى تركْتُ العاذِلِينَ لِما بِهِمْ / شَغْفاً بِحُبِّ التَّارِكيَّ لِما بِي
من كُلِّ مَمْنُوعِ اللِّقاءِ اغْتالَهُ / صَرْفُ النَّوى فَنأَى بِهِ وَدَنَا بي
في لَيْلَةٍ لُقِّيتُ من تِلْقائِهِ / دَعْوى مُجِيبٍ للمَزَارِ مُجابِ
سِرٌّ سَرى لِجَوانِحي فَسَرى بِهَا / وهَوىً هَوَيْتُ لطَوْعِهِ فَهَوى بِي
فكَسَوْتُ خَيْلَ الشَّوْقِ لَيْلَ مُخالِسٍ / مَا كاد يَشْعُرُ أَنَّهُ جِلْبابِي
وهَتَفْتُ فِي جُنْدِ الصَّبا فأَجَابَني / فِي كُلِّ صَبٍّ بالأَحِبَّةِ صَابِ
فَزَحَفْتُ والإِقْدَامُ يَحْمِلُ رَايَتِي / وخَوَاطِرُ الإِحْجَامِ تَحْتَ رِكابِي
وحَمائِلي تَهْفُو بِلُحْمَةٍ بارِقٍ / لولا الوفاءُ بِذِمَّتِي لَوَشى بي
وكِنَانَتي مَا شِئْتُ فِي إِكْنانِها / منْ مُلتَظى جَمْرٍ وحَرِّ شِهابِ
كُلٌّ يشاكِهُ مَا وَرَاءَ جوانِحِي / للشَّوْقِ من ضَرَمٍ ومن إِلْهَابِ
حَتَّى افْتَتَحْتُ عَنِ الأَحِبَّةِ مَعْقِلاً / وَعْر المسالِكِ مُبْهَم الأَبْوَابِ
ووقَفْتُ مَوْقِفَ عاشِقٍ حَلَّتْ لَهُ / فِيهِ غنيمةُ كاعِبٍ وكَعَابِ
بِحَدَائِقِ الحَدَقِ الَّتِي لاقَيْنَنِي / بأَحَدَّ من سيفي ومن نُشَّابِي
في تُرْبَةٍ جادَ النَّعِيمُ رِياضَها / فَتَفَتَّحَتْ بِنَوَاعِمٍ أَتْرَابِ
من كُلِّ مَغْنُومٍ لِقَلْبِيَ غانِمٍ / عِشْقاً ومَسْبيٍّ لِعَقْلِي سابِ
في جُنْحِ لَيْلٍ كالغُرَابِ أَطارَ لِي / عن مُلتَقى الأَحْبابِ كُلَّ غُرَابِ
وجَلا لِعَيْنيَ كُلَّ بَدْرٍ طالِعٍ / قَمِنٍ بِهَتْكِ حِجابِهِ وحِجابِي
جابَ الظَّلامَ فَلَمْ يَدَعْ من دَجْنِهِ / إِلّا غَدَائِرَ شَعْرِهِ المُنْجابِ
فَغَنِيتَ بَيْنَ ضِيائِهِ وظلامِهِ / مُغْرى الجفونِ بِطَرْفِهِ المُغْرى بِي
فإِذا كَتَبْتُ بناظِرِي في قَلبِهِ / أَخْفى فخطَّ بناظِرَيْهِ جَوَابِي
وإِذا سَقَاني من عُقارِ جُفُونِهِ / أَبْقى عليَّ فَشَجَّها بِرُضَابِ
وسُلافَةُ الأَعْنابِ تُشْعِلُ نارُها / تُهْدى إِلَيَّ بيانِعِ العُنَّابِ
فَسَكِرْتُ والأَيَّامُ تسلُبُ جِدَّتِي / والدَّهْرُ ينسِجُ لي ثِيابَ سِلابِي
سُكْرَيْنِ من خمْرَيْنِ كَانَ خُمارُها / فَقْدَ الشَّبابِ وفرْقَةَ الأَحبابِ
لِمَدىً تَنَاهى فِي الغِوَايَةِ فانْتَهى / فِينا إِلَى أَمَدٍ لَهُ وكِتَابِ
وهَوًى تقاصَرَ بالمُنى فأَطالَ بِي / هَمَّاً إِلَى قَلْبِي سَرى فَسَرى بي
في جاهِلِيَّةِ فِتْنَةٍ عُبِدَتْ بِهَا / دُونَ الإِلهِ مَضَلَّةُ الأَرْبابِ
تُسْتَقْسَمُ الأَزْلامُ فِي مُهَجَاتِنا / وتسيلُ أنْفُسُنا عَلَى الأَنْصابِ
غِيَراً من الأَيَّامِ أَصْبَحَ ماؤُها / غَوْراً وأُعْقِبَ صَفْوُها بِعِقابِ
وبوارِقاً للغَيِّ أُضْرِمَ نُورُها / ناراً وصابَ غَمَامُها بالصَّابِ
فلها فَقَدْتُ النَّفْسَ إِلّا قَدْرَ مَا / أَشْجى بِهِ لِحُلُولِ كُلِّ مُصابِ
وبها رَزَيْتُ الأَهْلَ إِلّا لابِساً / بُؤْساً يَزِيدُ بِهِ أَلِيمُ عَذَابِي
وبها رَفَعْتُ حِجابَ سِتْرِي عَنْ مَهاً / تَرَكَتْ شبا قلْبي بِغَيْرِ حِجابِ
وجَلَوْتُ فِي خَطْبِ الجَلاءِ عقائلاً / قَصَّرْتُ عَنْها هِمَّةَ الخُطَّابِ
سِرْبُ المُقاصِرِ والمَلاعِبِ صُنْتُهُ / فأَطَرْتُهُنَّ مع القَطَا الأَسْرابِ
ذُعِرَتْ بِحِسِّ الإِنْسِ تَحْتَ حِجالِها / واسْتَأْنَسَتْ بِضَرَاغِمٍ وذِئَابِ
وَنَزَتْ بِهِنَّ عن الآرائِكِ رَوْعَةٌ / مَهَدَتْ لَهُنَّ حُزُونَ كُلِّ يَبابِ
فَطَوَيْنَ آفاقَ البِلادِ لِطِيَّةٍ / تأْبى لَهَا الأَيَّامُ يَوْمَ إِيَابِ
وإِلَيْكَ يَا مَنْصُورُ حَطَّ رِحالَها / دَأْبُ السَّرى واليَعْمَلاتِ وَدَابِي
وبُحُورُ هَمٍّ كَمْ وَكَمْ دَاوَيْتُها / بِبحُورِ يَمٍّ أَوْ بُحُورِ سَرَابِ
وشبابُ لَيْلٍ طالَمَا بَلَّغْتُهُ / تَخْطِيطَ شَيْبٍ أَوْ نُصُولَ خِضَابِ
فَوَصَلْتَ يَا مَنْصُورُ مِنَّا غُرْبَةً / مَقْطُوعَةَ الأَنْسابِ والأَسْبابِ
ووَقَيْتَني رَيْبَ الخُطُوبِ بِمِنَّةٍ / جَلَتِ اليَقِينَ لِظَنِّيَ المُرْتابِ
وكَفَيْتَني لَوْمَ الزَّمَانِ بأَنْعُمٍ / كَفَتِ الزَّمَانَ ملامَتي وعِتابي
وشَمِلْتَني بشَمائِلٍ ذَكَّرْنَنِي / فِي طِيبِها طُوبى وحُسْنَ مآبِ
وأَقَمْتَ لي سُوقَ المكارِمِ مُغْلِياً / بِجَوَاهِرِ الإِبْداعِ والإِغْرابِ
ورِضَاكَ رَدَّ لِيَ الرِّضا فِي أَوْجُهٍ / من خُزْرِ أَيَّامٍ عَلَيَّ غِضابِ
وهُدَاكَ أَشْرَقَ لي ولَيْلِيَ مُظْلِمٌ / وسَناكَ أَبْرَقَ لي وَزَنْدِيَ كابِ
وَجَدَاكَ داوَاني وَدَائيَ مُعْضِلٌ / وذرَاكَ آوَانِي وَرَحْلِي نَابِ
فَحَلَلْتُ مِنْهُ خَيْرَ دارِ مُقامَةٍ / وَثَوَيْتُ مِنْهُ فِي أَعَزِّ جَنابِ
وأَسَمْتُ فِي أَزْكَى البِقاعِ صَوَافِني / وَضَرَبْتُ فِي أَعلى اليَفَاعِ قِبابي
وشَوَيْتُ للأَضْيافِ لَحْمَ رَكائِبي / فِي نارِ أَحْلاسِي وَفِي أَقْتابي
عِوَضاً مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي أَصْبَحْتُ مِنْ / أَسْلابِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْلابي
ولَقَدْ جَبَرْتَ بِرَغْمِ دَهْرٍ ضامَني / مَا أَخْلَقَتْ عَصْرَاهُ مِنْ أَثْوَابِي
خِلَعاً رَفَعْتَ بِفَخْرِها وسَنائِها / مَا ضاعَ من قَدْرِي ومِنْ آدابِي
كُلٌّ ينادي فِي البَرِيَّةِ مُعْلِناً / هَذِي مواهِبُ مُنْذِر الوَهَّابِ
فَلأَهْدِيَنْ مِن طِيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / وَقْرَ الرِّكَابِ وذُخرَةَ الرُّكَّابِ
ولأَكْتُبَنْ منها عَلَى صُحُفِ العُلا / غُرَرَ الكِتابِ وغُرَّةَ الكُتَّابِ
ولأَجْلُوَنْ منها لأَبصارِ النُّهى / حُرَّ الخِطابِ وحُرَّةَ الخُطَّابِ
ولأَجْعَلَنَّ ثناءها وجَزاءها / أَبَدَ الأَبِيدِ وعاقِبَ الأَعْقابِ
ولأَتْرُكَنَّ خُلُودَها ونَشِيدَها / دِينَ العَصُورِ ومِلَّةَ الأَحْقابِ
حَتَّى يَعُودَ الدَّهرُ بِدْعَ شَرِيعَةٍ / بِعُلاكَ والأَيَّامُ أَهْلَ كِتابِ
وتَرَاكَ بَعْدَكَ أمَّةٌ لَمْ تَلْقَها / عَيْنَ اليَقِينِ وجَهْرَةَ الأَلْبابِ
حَتَّى يَرَوْا كَرَّاتِ خَيْلِكَ فِي الوغَى / لِوَحى طِعانٍ أَوْ وَحِيِّ ضِرَابِ
ويَرَوا سُيُوفَكَ فِي الجَمَاجِمِ والطُّلى / وسَنا جَبينِكَ فِي العَجَاجِ الهابي
ويَرَوْا إِلَى الأَقْرانِ مِنْكَ مُنازِلاً / إِقْدَامَ لَيْثٍ وانْقِضَاضَ عُقابِ
ويَرَوْكَ حِزْبُ اللهِ حِزْبُكَ والعِدى / بِسُيُوفِهِ مَفْلُولَةُ الأَحْزَابِ
هَذَا وكَمْ أَعْزَزْتَ فِي دِينِ الهُدى / من مِنْبَرٍ وحَمَيْتَ من مِحْرَابِ
ومعادِ عيدٍ عُدْتَ فِي إِغْبابِهِ / بِمكارِمٍ كَرُمَتْ عنِ الإِغْبابِ
فكَسَوْتَ فِيهِ الأَرْضَ سابِغَ حُلَّةٍ / نُسِجَتْ بأُسْدِ شَرىً ومَأْشَبِ غابِ
وسوابِقٍ رَدَّ الجِهادُ جِيادَها / قُبَّ البُطُونِ لَوَاحِقَ الأَقْرابِ
ولوامِعٍ أَشْرَعْتَهُنَّ فأَشْرَقَتْ / إِشراقَ مُلْكِكَ فِي سَنا الأحْسابِ
وخَوافِقٍ حَفَّتْ بوجهِكَ فاحْتَذَتْ / شَمْسَ النهارِ تَجَلَّلَتْ بسحابِ
حَتَّى انْتَهَيْتَ إِلَى المُصَلَّى لابساً / عِزَّ المليكِ ورِقَّةَ الأَوَّابِ
في مَنْظَرٍ عَجَبٍ وأَعْجَبُ شَأْنِهِ / مَا ذُمَّ من كِبرٍ ومن إِعْجابِ
وهُدىً لِمَنْ صَلَّى وضَحّى واتَّقى / وزَكَا فَكُنْتَ لَهُ أَجَلَّ ثوابِ
فاللهُ يَرْزُقُنا بقاءَكَ سالِماً / رِزْقاً نُوَفَّاهُ بغيرِ حِسابِ
وانْصُرْ وَمَنْ والاكَ حِلْفُ كَرَامَةٍ / واقْهَرْ ومَنْ عَادَاكَ رَهْنُ تَبابِ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ / وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْراً إِلَى شَهْرِ
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى / وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى / وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى / وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ / يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ / وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي / بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ / وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلاً وَصَلْتَهُ / بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها / وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى / إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْراً يمورُ عَلَى البَرِّ
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا / وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا / وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ / بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ / بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلاً / بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما / جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا / مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدَاً عَنِ الكِبْرِ
وذَكَّرَنا عَطْفاً بِعَطْفِكَ حانياً / عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى / غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِباً / كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْراً إِلَى سَطْرِ
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى / ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى / وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا / وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ / أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي / يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلَىً حَنانُهُ / أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ
ووافَوْا سريرَ المُلْكِ يَسْتَلِمُونَهُ / كمُسْتَلَمِ الحُجَّاجِ للرُّكْنِ والحِجْرِ
مَشاهِدُ غارَتْ فِي البِلادِ وأَنْجَدَتْ / مُحَقَّقَةَ الأَنْباءِ طَيِّبَةَ النَّشْرِ
أَنارَتْ فَما بِالخُلْدِ عَنْهُنَّ مِنْ عَمىً / ولا بِزَبابِ الرَّمْلِ عَنْهُنَّ مِنْ وَقْرِ
فكيفَ بأَبْصارٍ أَضَاءَتْ لَهَا المُنى / إِلَيْكَ وأَسماعٍ صَغَتْ فِيكَ لِلْجَبْرِ
ولا مِثْلَ مَجْلُوِّ النَّواظِرِ بالْعِدى / بَياتاً ومَفْتُوقِ المَسَامِعِ بالذُّعْرِ
تَوَقَّى فأَبْلى عُذْرَ نَاجٍ مُخاطِرٍ / فَرَدَّ المنايا عنهُ مُبْلِيَةَ العُذْرِ
وآنَسَ يَا مَنْصُورُ عِنْدَكَ نَفْسَهُ / فَجَلَّى لَهَا تَحْتَ الدُّجى ناظِرَيْ صَقْرِ
فأَهْوى إِلَى مَثْوَاكَ أَمضى مِنَ الهوى / وأَسْرى إِلَى مَأْوَاكَ أخفى مِنَ السِّرِّ
فَكمْ جُزْتُ من سَيْفٍ لِقَتْلِيَ مُنْتَضىً / وجاوزتُ من لَيْثٍ لِضَغْمِيَ مُفْتَرِّ
فيا خِزْيَ ذا مِنْ سَبْقِ خَطْوٍ مُخاطِرٍ / ويا لَهْفَ ذا مِنْ فَوْتِ غِرَّةِ مُغْتَرِّ
كَأَنَّ خُفُوقَ القَلْبِ مَدَّ جوانِحي / بأَجْنِحَةٍ رِيشَتْ منَ الرَّوْعِ والذُّعْرِ
وتَحْتَ جَناحَيْ مَقْدِمِي وتَعَطُّفِي / ثمانٍ وَعَالَتْ بالْبَنينَ إِلَى الشَّطْرِ
أَخَذْتُ لَهُمْ إِصْرَ الحياةِ فأُجِّلُوا / وَقَدْ أًخَذَ الإِشْفَاقُ مِنِّي لَهُمْ إِصْرِي
فَحَمَّلْتُهُمْ وِزْراً ولَوْ خَفَّ مِنْهُمُ / جَناحِي لكانَ الطَّوْدُ أَيْسَرَ مِنْ وِزْرِي
فلِلَّهِ من أَعْدَادِ أَنْجُمِ يُوسُفٍ / تَحَمَّلَها مِنْها أَقلُّ مِنَ الْعُشْرِ
إِلَى كُلِّ مَأْوىً لِلْجَلاءِ هَوى بِنا / إِلَى حَيْثُ لا مَهْوَى عُقابٍ ولا نَسْرِ
رحَلْتُ لَهُ عُوجاً كَأَنَّ هُوِيَّها / بِنا فِيهِ أَفْلاكٌ بأَنْجُمِها تَجْرِي
طَوَيْنَ بِنا بُعْدَ السِّفَارِ كَأَنَّها / ليالٍ وأَيَّامٍ طَوَيْنَ مَدى العُمْرِ
ورُبَّتَما اسْتَوْدَعْنَنا بَطْنَ حُرَّةٍ / هَوَائِيَّةِ الأَحْشاءِ مائِيَّةِ الظَّهْرِ
رَحِيبَةِ مَأْوى الضَّيْفِ مانِعَةَ الْقِرى / وغَيْرُ ذَمِيمٍ أَنْ تُضِيفَ ولا تَقْرِي
فكَمْ ليَ بَيْنَ اللَّوْحِ واللَّوْحِ طائِراً / وأَوْكارُهُمْ فِي طائِرٍ غَيْرِ ذِي وَكْرِ
وكمْ أَسْلَمُوا لِلْعَسْفِ والخَسْفِ مِنْ حِمىً / وكمْ تَرَكُوا للغَصْبِ والنَّهْبِ من وَفْرِ
وكم وَجَّهُوا وَجْهاً لبارِقَةِ الظُّبى / وكم وَطَّنُوا نَحْراً لِنافِذَةِ النَّحْرِ
وكمْ أَقدَمُوا بَيْنَ المَنايا كَمَا هَوَتْ / فَرَائِسُ أُسْدِ الْغابِ لِلنَّابِ والظُّفْرِ
وكم بَدَّلُوا مِنْ وَجْهِ راعٍ وحافِظٍ / وُجُوهَ المنايا السُّودِ والحَدَقِ الحُمْرِ
ومِنْ رَفْرَفِ الأَسْتارِ دُونَ حِجَالِها / تَرَقْرُقَ لَمْعِ الآلِ فِي المَهْمَهِ القَفْرِ
ومن ساجِعِ الأَطْيارِ فَوْقَ غُصُونِها / مُراسَلَةَ الأَلْحَانِ فِي نَغَمِ الوَتْرِ
تُنادي عَزِيفَ الجِنِّ فِي ظُلَمِ الدُّجى / وهَوْلِ الْتِطَامِ المَوْجِ فِي لُجَجِ البَحْرِ
وكم زَفْرَةٍ نَمَّتْ عَلَيْهِمْ بِحَسْرَةٍ / أَنَارَتْ بِنارِ السِّرِّ فِي عَلَمِ الجَهْرِ
ونادَتْ عُيُونَ الشَّامِتينَ إِلَى القِرى / بأَفْلاذِ أَكْبادٍ كصَالِيَةِ الجُزْرِ
ومَاذَا جَلا وَجْهُ الجَلاءِ مَحاسِناً / تَهابُ العُيُونُ مَا نَثَرْنَ من الدُّرِّ
وماذا تَلظَّى الحَرُّ فِي حُرِّ أَوْجُهٍ / تَنَسَّمُ فِيهِ بَرْدَ ظِلٍّ عَلَى نَهْرِ
وماذَا أَجَنَّ اللَّيْلُ فِي مُوحِشِ الفَلا / أَوانِسَ بالأَتْرَابِ فِي يانِعِ الزَّهْرِ
وماذا تَرَامى المَوْجُ فِي غَوْلِ لُجَّةٍ / بِلاهِيَةٍ بَيْنَ الأَرَائِكِ والخِدْرِ
فإِنْ نَبَتِ الأَوْطَانِ مِنْ بَعْدُ عَنهُمُ / فلا مَحْجَرِي حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ولا حِجْرِي
وإِنْ ضاقَ رَحْبُ الأَرْضِ عَنْ مُنْتَوَاهُمُ / فَرَحْبٌ لَهُمْ مَا بَيْنَ سَحْرِي إِلَى نَحْرِي
وإِنْ تَقْسُ أَكْبادٌ كِرَامٌ عَلَيْهِمُ / فواكَبِدِي مِمَّنْ تَذُوبُ لَهُ صَخْرِي
وإِنْ تَبْرَمِ الأَيْسَارُ فِي أَزَمَاتِهِمْ / فأَحْبِبْ بِأَيْسارٍ قَمَرْتُ لَهُمْ يُسْرِي
فَفازُوا بِنَفْسي غَيْرَ جُزْءٍ ذَخَرْتُهُ / لِما شَفَّ مِنْ خَطْبٍ وَمَا مَسَّ مِنْ ضُرِّ
فَعَفْوٌ لَهُمْ جَهْدِي وحُلْوٌ لَهُمْ مُرِّي / وصَفْوٌ لَهُمْ طِرْفي ويُسْرٌ لَهُمْ عُسْرِي
وإِنْ أَضْرَمُوا قَلْبِي فَجَمْرِي لَهُمْ نَدٍ / وإِنْ غَيَّضُوا شِرْبِي فَرَوْضِي لَهُمْ مُثْرِ
وَدَائِعُ نَفْسِي عِنْدَ نفسي حَفِظْتُها / بِما ضاعَ مِنْ حَقِّي وَمَا هانَ مِنْ قَدْرِي
قَليلٌ غِناهُم عَنْ يَدِي وَغَناؤُهُمْ / سِوى أَنَّهُمْ مِنْ ضَيْمِ كَسْبي لَهُمْ عُذْري
وأَنِّي لَهُمْ فِي ماءِ وَجْهِي تاجِرٌ / أُغَنِّمُهُمْ غُنْمِي وأُرْبِحُهُمْ خسُرِي
وأُسْلِمُ فِي وَخْزِ السَّفى ثَمَرَ المُنى / وأَبْذُلُ فِي قَذْفِ الحصى جَوْهَرَ الشُّكْرِ
وإِنْ نَفَقَتْ عِنْدي بِضَاعَةُ قانِعٍ / تَقَنَّعْتُ مِنْها فِي خَزَايَةِ مُعْتَرِّ
رَجاءً لِضُمْرٍ طالما قَدْ عَهِدْتُهُ / يُريني أَناةَ السَّهلِ فِي المَسْلَكِ الوَعْرِ
وخزياً لِوجهٍ هانَ فِي صَوْنِ أَوْجُهٍ / كريمٍ بهم رِبْحِي لَئيمٍ بهم تَجْرِي
بعدَّة أبراجِ السَّماءِ وَمَا سرى / مداها إِلَى صُبْحٍ يُضيءُ ولا فَجْرِ
وكيفَ وَمَا فِيهَا معرَّجُ مَنْزِلٍ / لِشَمْسٍ تُجلِّي ليلَ همٍّ ولا بَدْرِ
ولكن قُلُوبٌ قُسِّمَتْ وجوانِحٌ / منازِلَ مقدوراً لَهَا نُوَبُ الدَّهْرِ
وأَنْجَمِ أَنْواءٍ تَنْوءُ بِهَا النَّوى / وَلَيْسَ لَهَا إِلّا دُمُوعِيَ مِنْ قَطْرِ
ولا مَطْلَعٌ إِلّا مِهادِيَ أَوْ حِجْرِي / ولا مَغْرِبٌ إلّا ضُلُوعِيَ أَوْ صَدْرِي
إِذَا ازْدَحَمُوا فِي ضَنْكِ شِرْبِي تَمَثَّلُوا / بأَسْباطِ مُوسى حولَ منفَجَرِ الصَّخْرِ
ولو بعَصَا موسى أُفَجِّرُ شُرْبَهُمْ / ولكنْ بِذُلِّ الفقرِ فِي عزَّة الوَفْرِ
فما جَهِدُوا فُلْكاً كَما جَهِدُوا يَدِي / ولا أَنْقَضُوا رحلاً كَمَا أنْقَضُوا ظَهْرِي
كَأَنَّ لَهُمْ وِتْراً عَلَيَّ وَمَا انْتحى / لَهُمْ حَادِثٌ إِلّا وَفِي نَفْسِهِ وِتْرِي
ولَوْلاهُمُ لَمْ أُبْدِ صَفْحَةَ مُعْدِمٍ / وَلَمْ أُسْمِعِ الأَعْداءَ دَعْوَةَ مُضْطَرِّ
ولا جُدْتُ لِلدُّنيا بِخَلَّةِ واصِلٍ / ولَوْ بَرَزَتْ لي فِي غَلائِلِها الخُضْرِ
ولا راقني مَا فِي الخُدُودِ من الهوى / ولا شاقني مَا فِي العُيونِ من السِّحْرِ
ولم يلهني قُربُ الحبيب الَّذِي دنا / وَلَمْ يُصبني طيفُ الخيالِ الَّذِي يسري
ونادَيْتُ فِي بِيضِ النُّضارِ وصُفْرِها / لِغَيْرِيَ فابْيَضِّي إِذَا شِئْتِ واصْفَرِّي
وأَعليتُ فِي مُلْكِ القناعة همَّتي / وهديِ الهدى حصني ونهيِ النُّهى قصري
إِذَا غزت اللذّات قلبي هزمتُها / بجيشينِ من حسن التحمُّلِ والصَّبْرِ
وإِنْ غَزَتْ الآمالُ نفسي صرمتُها / بصارِمِ يأْسٍ فِي يمينِ تُقىً حُرِّ
ولكِنْ أَبى مَا فِي الفُؤَادِ مِنَ الأَسى / وأَعْضَلَ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ مِنَ الجَمْرِ
وَمَا لَفَّ عَهْدُ اللهِ فِي ثَوْبِ غُرْبَتِي / مِنَ الآنِساتِ الشُّعْثِ والأَفرُخِ الزُّعْرِ
وَمَا لاح يَا مَنْصُورُ مِنْكَ لزائِرٍ / وأَسْفَرَ من إِشراقِ وَجْهِكَ لِلسَّفْرِ
وَمَا أَرْصَدَتْ يمناكَ للضَّيْفِ من قِرىً / وَمَا بسطَتْ علْيَاكَ للعلمِ من بِرِّ
وتقديرُ رَبِّ الخلْقِ والأَمرِ إِذْ قَضى / بِخَلْقِكَ فاسْتَصْفَاكَ للخَلْقِ والأَمْرِ
فَمَكَّنَ سيفَ النَّصْرِ فِي عاتِقِ العُلا / وأَثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ الفَخْرِ
وكَرَّمَ نفسَ الحِلْمِ عن وَغَرِ القِلى / وَطَهَّرَ جِسْمَ المجدِ من دَنَسِ الغَدْرِ
وحَلّاكَ فِي هَذَا الأَنامِ شمائِلاً / أَدالَ بِهِنَّ اليُسْرَ من دولَةَ العُسْرِ
وسمَّاكَ فِي الأَعداءِ مُنْذِرَ بأْسِهِ / بما اشْتَقَّ فينا من وفائِكَ بالنَّذْرِ
فلَمَّا توافى فيك إبداعُ صُنْعِهِ / وقَدَّرَ أَنْ يُعْلِيكَ قَدْراً إِلَى قَدْرِ
رآكَ جديراً أن يباهِيَ خَلْقَهُ / ويُحْيِي بكَ الأَملاكَ فِي غابِرِ الدَّهْرِ
بعَبْدٍ حَبا يُمْنَاكَ مُعْجِزَ رَبِّهِ / وأَصْفاكَ منه طاعَةَ المُخْلِصِ الحُرِّ
فأَنْطَقَ غَرْبَيْ قلبِهِ ولسانِهِ / بتخليدِ مَا سَيَّرتَ من طَيِّبِ الذِّكْرِ
لَيُبلِكَ عُمْراً بالغاً بك غَايَةً / وعُمْرَ ثَناءٍ بَعْدَ مُنْصَرَمِ العُمْرِ
ويكتُبَ لي فِي آلِ يَحْيَى وسائِلاً / تتيهُ عَلَى القُرْبى وتُزْهى عَلَى الصِّهْرِ
وَلاءٌ لمن أَعْتَقْتَ من مُوبِقِ الرَّدى / ورِقٌّ لمن أَطلقْتَ من مُوثِقِ الأَسْرِ
وما رُدَّ مِنْ حَمْدِي إِلَيْكَ ومن شكري / ورُدِّدَ من نظمِي عَلَيْكَ ومن نَثْرِي
وإِنَّكَ مَا تنفكُّ مِنِّيَ مُعْرِساً / بعذراءَ من نفسِي وغَرَّاءَ من فِكْرِي
تُهِلُّ إليها كُلُّ عذراءَ غادَةٍ / وتَخْجَلُ منها كُلُّ فَتَّانَةٍ بِكْرِ
وتشرِقُ من مَبْدَا سُهَيْلٍ إِلَى السُّهى / وتَعْبَقُ من مجرى البُطَيْنِ إِلَى الغُفْرِ
تَلأْلُؤَ مَا أَسْدَتْ أَياديكَ فِي يَدِي / وتحبيرَ مَا أَعْلَتْ مساعِيكَ من حِبْرِي
وفخرُكَ محمولٌ بحمديَ فِي الورى / وذِكرُكَ موصولٌ بذكرِي إِلَى الحَشْرِ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ / وأَيْقَنَ حِزْبُ الشِّرْكِ أَنَّكَ قاصِمُهْ
لقد شَدَّدَ الرحمنُ أَرْكانَ دِينِهِ / فَأُيِّدَ بانِيه وهُدِّمَ هادِمُهْ
وعَدَّى بِهِ عَمَّنْ يُوالِي عَدُوَّهُ / ووَلّاهُ من والاهُ فَهْوَ مُلازِمُهْ
ومَنْ مُلْكُهُ إِنْ جَلَّ خَطْبٌ مِلاكُهُ / وأَعلامُهُ إِنْ رابَ دَهْرٌ مَعالِمُهْ
فَسَمَّاهُ منصوراً مُصَدِّقَ جَدِّهِ / وَمَا صَدَّقَتْ أَرماحُهُ وصوارِمُهْ
وتَوَّجَهُ مَثْنى الرِّياسَةِ مُعْلِناً / بما هُو من غَيْبِ السَّرَائِرِ عالِمُهْ
فَتىً وَلَدَتْهُ الحربُ واسْتُرْضِعَتْ لَهُ / وقائِعُ مَنْ أَحْمى الهُدى ومَلاحِمُهْ
مُفَدَّىً وَمَا غيرُ السُّروجِ مِهادُهْ / مُوَقَّىً وَمَا غيرُ السيوفِ تمائِمُهْ
مُجَدِّدُ مُلْكٍ أَحرَزَتْهُ جُدُودُهُ / أَعِزَّةُ أَمْلاكِ الهُدى وأَكَارِمُهْ
فَأَعْرَبَ عَنْ أَيامِ يَعْرُبَ واقْتَدى / بِما عَظُمَتْ أَذْوَاؤُهُ وأَعاظِمُهْ
وأَنْجَبهُ لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ عَمْرُهُ / وأَخْلَصَهُ لِلْجُودِ والحَمْدِ حَاتِمُهْ
شُجاعٌ ولَكِنَّ الجِيادَ حُصُونُهُ / كَرِيمٌ ولكِنَّ المَعَالي كَرَائِمُهْ
تَلاقَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ والبِيضُ والقَنا / قِياماً لِمَنْ لا سَعْيُ ساعٍ يُقاوِمُهْ
وَخَلَّتْ له الأَمْلاكُ عَنْ سُبُلِ الهُدى / فَلَيْسَ سِوى طِيبِ الثَّناءِ يُزَاحِمُهْ
مُقَسِّمُ مَا يَحْوِيهِ فِي سُبُلِ النَّدى / وإِنْ كَانَ قَدْ حَابَاهُ فِي الحَظِّ قاسِمُهْ
فما خابَ فِي يومِ النَّدَى من يَنُوؤُهُ / ولا فازَ فِي يوم الوَغى مَنْ يُحاكِمُهْ
ولا ادُّعِيَتْ فِي المَأْثُرَاتِ حُقُوقُهُ / ولَوْ أَقبلَتْ زُهْرُ النجومِ تُخاصِمُهْ
ودَعْوى النُّهى والحِلْمِ فِي غَيْرِ مُنْذِرٍ / خيالٌ من الأَحْلامِ أَضْغَثَ حَالِمُهْ
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو من المُلْكِ غِرَّةً / وَمَا حَوَّمَتْ إِلّا عَلَيْكَ حَوَائِمُهْ
ولا رُفِعَتْ إِلّا إِلَيْكَ عُيُونُهُ / ولا ظَأَرَتْ إِلّا عَلَيْكَ روائِمُهْ
ولا راقَ إِلّا فِي جَبينِكَ تاجُهُ / ولا قَرَّ إِلّا فِي يمينِكَ خَاتِمُهْ
فكيفَ بِذِي جَهْلٍ تَعَسَّفَ مَجْهلاً / يُبَرِّحُ واقِيهِ ويَحْتِمُ حاتِمُهْ
فَغالَته فِي غَوْلِ المَهامِهِ غُولُهُ / وهامَتْ بِهِ فِي التُّرَّهَاتِ هَوَائِمُهْ
أَباحَ حِمى الإِسْلامِ لِلْشِّرْكِ مَغْنَماً / لِتُقْسمَ بَيْنَ النَّاهِبِينَ مَغانِمُهْ
وفَضَّ خِتامَ اللهِ عن حُرُماتِهِ / ليُفْتَضَّ عَمَّا تَحْتَويهِ خَواتِمُهْ
وَعَدَّ دِماءَ المُسْلِمِينَ مُدَامَةً / فَبَرَّحَ فِي الأَعْداءِ عَمَّنْ يُنادِمُهْ
فإِنْ أَلْقَحَ الحَرْبَ العَوَانَ فَحَسْبُهُ / فَوَاقِرُ مَا شَالَتْ بِهِ وأَشائِمُهْ
وإِنْ زُجَّ فِي جَفْنِ الرَّدى فَلِحَيْنِهِ / تَخَازَرَ ساجِيهِ وأُوقِظَ نائِمُهْ
غَدَاةَ دعاكَ الدِّينُ مِنْ أَسْرِ فَعْلَةٍ / وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تُسْتَباحَ مَحارِمُهْ
فلَبَّيْتَها فانْجَابَ عَنْها ظَلامُهُ / ووافَيْتَها فَاسْتَنْكَرَتْها مَظَالِمُهْ
وجاءَكَ مَدُّ اللهِ من كُلِّ ناصِرٍ / عَلَى الحَقِّ مَهْدِيّاً إِلَيْكَ مَقَادِمُهْ
ونادى أَبو مَسْعُودٍ النَّصْرَ مُسْعِداً / عزائِمَكَ اللاتِي تَلِيها عزائِمُهْ
بِوُدٍّ كماءِ الغَيْثِ يَسْقِي رِياضَهُ / وبَأْسٍ كَحَرِّ النَّارِ يُضْرَمُ جاحِمُهْ
عَلَى كُلِّ مَنْ حارَبْتَ فَهْوَ مُحارِبٌ / كِفاحاً ومن سالَمْتَ فَهْوَ مُسالِمُهْ
وأَعْصَمَ بالإِشْرَاكِ قائِدُ بَغْيِها / إِلَى مَلِكٍ رَبُّ السَّمواتِ عاصِمُهْ
فَما رَكَضُوا طِرْفاً إِلَيْكَ لِغارَةٍ / وأَسْهَلَ إِلّا أَسْلَمْتَهُ قوائِمُهْ
ولا أَصْلَتُوا سَيْفاً وأَنْحَوْكَ حَدَّهُ / فَعَرَّجَ عَنْ مَثْنى يَمِينِكَ قائِمُهْ
ولا أَشَّبُوا حِصْناً يَرُدُّكَ عَنْهُمُ / وقابَلْتَهُ إِلّا تَدَاعَتْ دَعَائِمُهْ
وإِنْ أَحْرَزُوا فِي قُطْرِ شَنْجٍ نُفُوسَهُمْ / فغانِمُ مَا لا يَحْفَظُ اللهُ غارِمُهْ
فكَمْ قُدْتَ فِي أَكْنافِها من مُقَنَّعٍ / نُفُوسُ الأَعادِي شُرْبُهُ ومطاعِمُهْ
خَمِيسٌ لِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ أَنْجُمِ الدُّجى / حُلاهُ ومن شَمْسِ النهارِ عمائِمُهْ
كَأَنَّ شعاعَ الشمسِ تَحْتَ عَجَاجِهِ / إِذَا مَا الْتَقَى الجمعانِ سِرٌّ وكاتِمُهْ
تَجِيشُ بِوَدْقٍ من جَنى النَّبْعِ صائِبٍ / أَساوِدُهُ نَحْوَ العِدى وأَرَاقِمُهْ
كَمَا حَمَلَتْ رَحْلَ الدَّبا عاصِفُ الصَّبا / أَوِ انْهَلَّ بالوَبْلِ الأَجَشِّ غَمَائِمُهْ
وهَدَّ هَوَاءَ الجَوِّ نَحْوَ بِنائِها / هُوِيَّ سِلامٍ حانَ مَنْ لا تُسَالِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ بِطَوْدٍ مِنَ القَنا / لأَقْبَلَ أَطْوَادُ الجِبالِ تُصَادِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُزَاحِمْهُ المَجانِيقُ لانْبَرَتْ / عَلَيْهِ نُجُومُ القَذْفِ عَنْكَ تُزَاحِمُهْ
وَلَيْسَ ولَوْ سامى السَّماءَ بِمُعْجِزٍ / مِنَ المَشْرَفِيِّ وَالعَوَالِي سَلالِمُهْ
فَسَرْعَانَ مَا أَقوى الشَّرى من ضِباعِهِ / وبَرْبَرَ فِي ذَاكَ العَرِينِ ضَرَاغِمُهْ
وطُيِّرَ عن لَيْلِ الأَباطِيلِ بُومُهُ / وشُرِّدَ عن بَيْضِ النفاقِ نعائِمُهْ
وبَدَّلْتَ حُكْمَ اللهِ من حُكْمِ غَيِّهِ / فأَنْفَذَ حُكْمُ اللهِ مَا أَنتَ حاكِمُهْ
فيا رُبَّ أَنفٍ للنفاقِ جَدَعْتَهُ / بِهَا وابْنُ شَنْجٍ صاغِرُ الأَنْفِ راغِمُهْ
غداةَ أَطارَ العقلَ عنه ونَفْسَهُ / بسيفِكَ يومٌ راكِدُ الهَوْلِ جاثِمُهْ
فما يَرتُقُ الأَرْوَاحَ إِلّا رِياحُهُ / ولا يَفْتُقُ الغَمَّاءَ إِلّا غَماغِمُهْ
فلا نُطْقَ إِلّا أَن يُفَدِّيكَ صارِخٌ / ويدعُوكَ بالبُقْيَا عليها أَعاجِمُهْ
فَأَبْرِحْ بيومٍ أَنتَ بالنَّصْرِ مُقْدِمٌ / وأَفْرِحْ بيومٍ أنت بالفَتْحِ قادِمُهْ
ومَنْزِلِ مَفْلُولٍ نَزَلْتَ وخيلُنا / مرابِطُها أَجسادُهُ وجَمَاجِمُهْ
ومُعْتَرِفٍ بالذَّنْبِ مُبْتَئِسٍ بِهِ / دعاكَ وَقَدْ قامَتْ عَلَيْهِ مآتِمُهْ
إِذَا صَدَّهُ الموتُ الَّذِي سامَ نَفْسَهُ / يكُرُّ بِهِ العَيْشُ الَّذِي هُوَ سائِمُهْ
فتَلْقَاهُ أَطرافُ القَنا وَهْوَ نُصْبُها / ويَصْعَقُهُ بَرْقُ الرَّدى وَهْوَ شائِمُهْ
إِذَا كادَ يقضي بالأَسى نَحْبَه قَضَت / لَهُ الرَّحِمُ الدُّنْيا بأَنَّكَ راحِمُهْ
فلم أَرَ أَمْضَى مِنْكَ حكْماً تَحَكَّمَتْ / عَلَى سيفِهِ يَوْمَ الحِفَاظِ مكارِمُهْ
ولا مِثْلَ حِلْمٍ أَنْتَ لِلْغَيْظِ لابِسٌ / ولا مِثْلَ غَيْظٍ أَنتَ بالحِلْمِ كاظِمُهْ
فأَوْسَعْتَهُ حُكْمَ النَّضِيرِ وَقَدْ حَكى / قُرَيظَةَ منه غِلُّهُ وَجَرائِمُهْ
فَوَلّى وَقَدْ وَلّاكَ ذُو العَرْشِ عَرْشَهُ / وطارَ وَقَدْ طارَتْ إِلَيْكَ قوادِمُهْ
وأُبْتَ وَقَدْ لاحَتْ سُعُودُكَ بالمُنى / وغارَتْ بِهِ فِي الأَخْسَريْنَ عَوَاتِمُهْ
تُغَنِّي لَكَ الرُّكْبانُ بالفَتْحِ قافِلاً / وتبكِي عَلَيْهِ بالحِمَامِ حَمَائِمُهْ
فَمَنْ يَنْصُرِ الرَّحمنُ هَذِي عَزَائِمُهْ / ومن يَخْذُلِ الرحمنُ هذِي هَزَائِمُهْ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ / ولِرُشْدِ حِلْمِكَ كَيْفَ ضَلَّ دَليلُهُ
ولِعَيْشِ صَبٍّ لا يَرِقُّ حَبِيبُهُ / مِمَّا شَجَاهُ ولا يُفيقُ عَذُولُهُ
ولِقَاتِلٍ بِالهَجْرِ غَيْرِ مُقَاتِلٍ / يَفْدِيهِ مِنْ مَضَضِ العِتَابِ قَتِيلُهُ
إِنْ خَطَّ فِي جَوِّ السَّماءِ مِثَالَهُ / بَدْراً فَبَيْنَ جَوَانِحِي تَمْثِيلُهُ
أَوْ شَرَّدَ التَّسْهِيدَ طَيْفُ خَيالِهِ / عَنْ ناظِرَيَّ فَفِيهِمَا تَخْيِيلُهُ
وَلَهَانَ فِيهِ مَا فَقَدْتُ مِنَ الْكَرى / لَوْ كَانَ من نَظَرِي إِلَيْهِ بَديلُهُ
أَوْ كَانَ حُكْمُ هَوَاهُ لا تَحْرِيمُهُ / وَصْلِي عَلَيْهِ وَلا دَمِي تَحْلِيلُهُ
غُصْنٌ يَمِيسُ بِهِ الصِّبَا فَيُقِيمُهُ / طَوْراً وتُوهِمُهُ الصَّبا فَتُمِيلُهُ
فَكَأَنَّهُ فِي لَمْحِ طَرْفِيَ عائِرٌ / وتَقيه تَفْدِيَتِي لَهُ فَتُقِيلُهُ
وتَكادُ أَنْفاسِي تُزَايِلُ مَتْنَهُ / لَوْلا كثيبٌ منهُ لَيْسَ يُزِيلُهُ
فكأَنَّما يُشْتَقُّ من حَرَكَاتِهِ / نَغَمُ الغِناءِ خفيفُهُ وثقيلُهُ
لَوْ أَنَّهُ يُشْتَقُّ مِنْ أَعْطَافِهِ / عَطْفٌ يُعَلِّلُ لَوْعَتي تَعْلِيلُهُ
وعَلِيلُ لَحْظِ الطَّرْفِ أَعدى طَرْفُهُ / قَلْبي بداءٍ لا يُفيقُ عليلُهُ
سَلَبَ المَلاحَةَ فِي الظِّباءِ وَفِي المَهَا / حَتَّى اسْتَبَدَّ بجِزْئِها تكميلُهُ
أَنَفاً لِمَنْ سَكَنَ التَّرَائِبَ أَنْ يُرى / يَطَأُ التُّرابَ شَبِيهُهُ ومَثيلُهُ
ولقد حَفِظْتُ لَهُ أَمانَةَ لاعِجٍ / بالشَّوْقِ يَغْلي فِي الفؤادِ غليلُهُ
وضَرَبْتُ من دَمْعِي عَلَى خَدِّي لَهُ / غُرْماً غرامِي بالقَضَاءِ كَفِيلُهُ
فَلَئِنْ صَبَوْتُ فَلسْتُ أَوَّلَ عاشِقٍ / تَبعَ الهَوى فَهَوى بِهِ تضليلُهُ
ولئِنْ صبرْتُ فلَسْتُ بِدعَ مُفَارِقٍ / غَالَتْ حَبِيبَ النَّفْسِ عَنْهُ غُولُهُ
ولئِنْ سَلَوْتُ فَأَيُّ أُسْوَةِ واعِظٍ / أَلْهاهُ عن قَمَرِ السَّمَاءِ أُفُولُهُ
فَسَما إِلَى الْمَلأِ الأَجَلِّ بِهِجْرَةٍ / وَافى بِهَا الرَّحْمنُ وَهْوَ خَلِيلُهُ
وهُناكَ يَا مَنْصُورُ هِمْتَ بِهِمَّةٍ / فِيهَا سُلُوُّ المُسْتَهامِ وَسُولُهُ
طَلَباً لِحَظٍّ لا يَذِلُّ عَزِيزُهُ / من حَظِّ غَيٍّ لا يَعِزُّ ذَلِيلُهُ
فَهَدى وَأَهْدَانِي إِلَيْكَ مُبَرِّزاً / شَهِدَتْ لَهُ فِي السَّابِقَاتِ عُدُولُهُ
وَجَلا عَلَيْكَ بِهِ الجَلاءُ مُهَنَّداً / صَدَقَتْكَ عَنْ قَرْعِ الحُرُوبِ فُلُولُهُ
وعَفَتْ مَحاسِنه العِدى فكأَنَّها / فِي مَعْهَدِ الْوَطَنِ الفَقيدِ طُلُولُهُ
إِنْ يُصْدِهِ رَهَجُ الوغى فَشُعاعُهُ / بالعِلْمِ لَمَّاعُ الجِلاءِ صَقِيلُهُ
أَوْ تُخْلِقِ البَلْوَى حَمائِلَ حَلْيِهِ / فَعَلَى التَّجَمُّلِ والمُنى تَجْمِيلُهُ
أَو تَقْطَعِ الأَيَّامُ عَهْدَ ذِمامِهِ / فالصَّبْرُ واصِلُ حبلِهِ مَوْصُولُهُ
فأَتاكَ يَا مَنْصُورُ فاقِدَ غِمْدِهِ / بِرَجَاءِ مَجْرُورٍ إِلَيْكَ ذُيُولُهُ
رَسْفَ المُقَيَّدِ فِي أَضاليلِ الدُّجى / والقَفْرُ والبَحرُ المُحِيطُ كُبُولُهُ
كُرَباً كَمَوْجِ البَحْرِ لا إِهْلالُهُ / إِلّا إِلَيْكَ بِهَا وَلا تَهْلِيلُهُ
فَلْيَهْنِ ذَا أَمَلٍ إِلَيْكَ مآلُهُ / وجَلاءَ مُرْتَحِلٍ إِلَيْكَ رَحِيلُهُ
وظلامَ لَيْلٍ فِي جَبِينِكَ صُبْحُهُ / وهَجيرَ قَيْظٍ فِي ذَرَاكَ مَقِيلُهُ
ولْيَهْنِنَا وَلْيَهْنِكَ العيدُ الَّذِي / بِسَنَاكَ أَشْرَقَ صُبْحُهُ وأَصِيلُهُ
عِيدٌ إِلَيْكَ سَلامُهُ وقِوامُهُ / ونظامُهُ وزِحامُهُ وحُفُولُهُ
وعلى الإِلهِ مَعَادُهُ وعَتادُهُ / وإِيابُهُ وثوابُهُ وقَبُولُهُ
ولْيَهْنِ كُلَّ مليكِ شِرْكٍ عِيدُهُ / يَوْمٌ إِلَيْكَ بُلُوغُهُ وَوُصُولُهُ
ضَلَّتْ بِهِ سُبُلُ الشَّرائِعِ واهْتَدَتْ / بشَرِيعَةِ الزُّلفى إِلَيْكَ سَبِيلُهُ
نَاشٍ عَلَى دِينِ السُّجُودِ وَمَا دَرى / قَبْلَ السُّجودِ إِلَيْكَ مَا تأْوِيلُهُ
أَنْسَاهُ قَدْرُكَ مَا أَضَلَّ صَلِيبُهُ / وأَراهُ سَيْفُكَ مَا حَوى إِنْجِيلُهُ
فأَجَازَ مَحْياهُ إِلَيْكَ نِزَاعُهُ / وأَغَرَّهُ بِكَ فِي الوَرى تَذْلِيلُهُ
ولَئِنْ حَمى عَنْكَ ابْنُ مِيرُ مَحَلَّةً / فِي شامِخٍ أَعْيا النُّجُومَ حُلُولُهُ
ونَماه مُلْكٌ لا يُضَعْضَعُ تاجُهُ / ووَقاهُ عِزٌّ لا يُخافُ خُمُولُهُ
فلقَد دَعَاكَ إِلَى رِضاكَ وَدُونَهُ / غَوْلُ الضَّلالِ حُزُونُهُ وسُهُولُهُ
أَصْبى إِلَيْكَ من الصَّبا وأَحنُّ مِنْ / أُفْقٍ وَنَتْ عَنْهُ إِلَيْكَ قَبُولُهُ
وأَجَلَّ قَدْرَكَ عن سِواهُ وقَدْرَ مَا / أَخْفى إِلَيْكَ نَجِيُّهُ ودَخِيلُهُ
عَنْ صِدْقِ غَيْبٍ بالكِتَابِ يَبُثُّهُ / أَوْ بَرْحِ شَوْقٍ بالرَّسُولِ يَقُولُهُ
فَهَوى وصَفْحَتُهُ إِلَيْكَ كِتابُهُ / وهَفا ومُهْجَتُهُ إِلَيْكَ رَسُولُهُ
عَجِلاً إِلَى أَمَلٍ دَنَا تَعْجِيلُهُ / وَجِلاً بِهِ أَجَلٌ نَأَى تَأْجِيلُهُ
للهِ مَا رَحَلَتْ إِلَيْكَ رِحَالُهُ / طَوْعاً وَمَا حَمَلتْ إِلَيْكَ حُمُولُهُ
غازٍ وناصِرُهُ عَلَيْكَ خُضُوعُهُ / سارٍ وَطَاعَتُهُ إِلَيْكَ دَلِيلُهُ
نَشَرَ اللِّواءَ زَمَاعُهُ وَنِزاعُهُ / فَطَوى المَهَامِهَ نَصُّهُ وذَمِيلُهُ
ولقد خَلَعْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ / بُرْداً تَفِيضُ عَلَى الفَضَاءِ فُضُولُهُ
لَجباً من الحَلَقِ المُضَاعَفِ نَسْجُهُ / أَشِباً من الأَسَلِ المُثَقَّفِ غِيلُهُ
شَرِقاً بِهِ لَوْحُ الْهَوَاءِ وَجَوُّهُ / غَرِقاً به عَرْضُ البِلادِ وطُولُهُ
مُسْتَقْبِلاً بِجُنُودِهِ وبُنُودِهِ / مَلِكاً يُهِلُّ إِلَيْكَ حِينَ تهُولُهُ
ولَشَدَّما مَاجَتْ بِهِ أَمْواجُهُ / حَتَّى أَسالَتْهُ إِلَيْكَ سُيُولُهُ
بصَوَارِمٍ فِي طَيِّهِنَّ تِرَاتُهُ / وذَوابِلٍ فِي لَمْعِهِنَّ ذُحُولُهُ
غابٌ تُساوِدُ ناظِرَيْهِ أُسُودُهُ / مِنْ بَعْدِ مَا اخْتَالَتْ عَلَيْهِ خُيُولُهُ
فَمشى إِلَيْكَ بِهِ الزِّحَامُ كَأَنَّهُ / عَانٍ يُقَصِّرُ خَطْوَهُ تَكْبِيلُهُ
مَبْهُورُ أَنْفَاسِ الحَياةِ كَظِيمُها / وغَضِيضُ لَحْظِ النَّاظِرِينَ كَلِيلُهُ
حَتَّى تَنَفَّسَ رُوحُهُ فِي رَاحَةٍ / عَلْياءَ مَقْبُولاً بِهَا تَقْبِيلُهُ
وَرَفَعْتَ ناظِرَهُ بِنَظْرَةِ باسِطٍ / لِلأَمْنِ مَبْلُوغاً بِهَا تَأْمِيلُهُ
فَأَرَيْتَهُ كيْفَ ارتِجَاعُ حَياتِهِ / ولَتِلْكَ أَيْسَرُ مَا بَدَأْتَ تُنِيلُهُ
من فَيْضِ عُرْفٍ تَسْتَقِلُّ كَثِيرَهُ / ولَقَدْ يزيدُ عَلَى الرَّجَاءِ قلِيلُهُ
نُزُلاً يُذَكِّرُهُ العِراقَ ومِصْرَهُ / مُلْكاً ودِجْلَتُهُ يَدَاكَ وَنِيلُهُ
وشُرُوقُ شَمْسٍ لا يَحينُ غُرُوبُها / فِي بَرْدِ ظِلٍّ لا يَحُورُ ظَلِيلُهُ
ورأى صَريعَ الخَطْبِ كيْفَ تُقِلُّهُ / ورَأَى عُثُورَ الجَدِّ كيْفَ تُقِيلُهُ
ورأى ذَليلَ الحَقِّ كيْفَ تُعِزُّهُ / ورأَى عَزِيزَ الشِّرْكِ كيْفَ تُدِيلُهُ
ورأَى صُدُوعَ الدِّينِ كيْفَ تَلمُّها / ورأى كَثِيبَ الكُفْرِ كيْفَ تُهِيلُهُ
ولَئِنْ تَقَدَّمَ فِي رِضَاكَ قُدُومُهُ / فَلَقَدْ تَزَوَّدَ من نَداكَ قُفُولُهُ
بِخَلائِقٍ من طِيبِهِنَّ خَلُوقُهُ / وشمائِلٍ من صَفْوِهِنَّ شَمُولُهُ
ومعالِمٍ لِعُلاكَ لا تَعْظِيمُهُ / لِسِوى مَشاهِدِها ولا تَبْجِيلُهُ
فَلَهَا بِقَدْرِ الرُّومِ وَهْيَ أَرُومُهُ / وزَرى بِمُلْكِ الصُّفْرِ وَهْيَ أُصُولُهُ
لِمَنِ اصْطَفى قَحْطَان عِزَّةَ مُلْكِهِ / ومنَ التَّبابِعِ جِذْمُهُ وقَبِيلُهُ
ولِمَنْ نمى سبأٌ بِسَبْيِ مُلُوكِها / واسْتَخْلَفَتْ أَذْوَاؤُهُ وقُيُولُهُ
ولِمَنْ تَتَوَّجَ بِالمَكَارِمِ تاجُهُ / عُلْواً وكُلِّلَ بالهُدى إِكْلِيلُهُ
سَطَعَتْ عَلَى الأَمْلاكِ غُرَّةُ وَجْهِهِ / نُوراً وأَشْرَقَ بالنَّدى تحْجِيلُهُ
فالله يُعْلِي قَدْرَهُ ويَزِيدُهُ / صُنعاً ويُنْسِئُ عُمْرَهُ ويُطِيلُهُ
في عِزِّ نَصْرٍ لا زَمَانَ يَخُونُهُ / وبقاءِ مُلْكٍ لا مُدِيلَ يُديلُهُ
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها / وتَبْرُزُ أَغْمادُ الْوَغى من سُيُوفِها
ويَمْرَعُ بالأَشْجَارِ عُودُ رَبِيعِها / ويُونِعُ بالأَثْمارِ كَرُّ خَريفِها
ونَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَبْقى لأَرْضِهِ / رِعَايَةَ رَاعِيها وعَطْفَ عَطُوفِها
ورَحْمَتُهُ أَبْقَتْ حَيَاةَ رَحِيمِها / ورَأْفَتُهُ جَادَتْ بِنَفْسِ رَؤُوفِها
حناناً عَلَى مَكْرُوبِها وغَرِيبِها / وصُنْعاً إِلَى مَجْهُودِها وضَعِيفِها
ويا عَجَب الأَيَّامِ أَخْفَرْنَ ذِمَّةً / لِمَلْكٍ متى تَسْتَوفِهِ الْعَهْدَ يُوفِها
وكيفَ أَخافَتْنا اللَّيالِي عَلَى الَّذِي / يَقِي عَدوَ عَادِيها وخَوْفَ مُخِيفِها
وكيفَ انْتَحى صَرْفُ الخُطُوبِ لِمُهْجَةٍ / بِهَا أَمِنَ الإِسْلامُ جَوْرَ صُرُوفِها
وإِنْ غَرَّها بالجُودِ خَاتِلُ طائِفٍ / تهجَّى لَهَا الشَّكْوَى بِغَيْرِ حُرُوفِها
فَدَبَّ إِلَيْهَا فِي عَدِيدِ عُفاتِها / ورَاحَ عَلَيْها فِي سِمَاتِ ضُيُوفِها
فَما يُنْكِرُ الأَوْصابَ مَتْنُ مُهَنَّدٍ / مُعَوَّدِ قَرْعِ الباتِرَاتِ عَرُوفِها
ولا بَطْنُ كَفٍّ مَا تَغِبُّ كَواكِباً / تَنُوءُ بِمُنْهَلِّ الغُيُوثِ وَكوفِها
مَقَبِّلُ أَفُواهِ المُلُوكِ وظِلُّها / سَماءٌ عَلَى مَشْرُوفِها وشَرِيفِها
ولا قَدَمٌ لا تَسْأَمُ الدَّهْرَ تَرْتَقِي / ذُرى كُلِّ صَعْبِ المُرْتَقَاةِ مُنِيفِها
ولَوْ يَتَعاطَى عاصِفُ الرِّيحِ شَأْوَها / لعاذَ بأَرْجَاءِ الفَلا من عُصُوفِها
وإِنْ نَالَ يَا مَنْصُورُ مِنْ جِسْمِكَ الضَّنى / فأَمْضى اليَمانِيَّاتِ حَدُّ نَحِيفِها
صَفِيحَةُ ضَرْبٍ شَفَّها الْهامُ والطُّلى / فراقَتْ بِمَصْقُولِ الظُّباةِ مشُوفِها
عَنِيفٌ عَلَى الأَبْطالِ والبُذْلُ لِلَّهى / بكَفٍّ عَلَى الإِسْلامِ غَيْرِ عَنِيفِها
وإِنْ أَسْبَلَتْ شَكْوَاكَ دَمْعَ أَبِيِّها / فقد أَرْقَأَتْ بُشْراكَ عَيْنَ أَسِيفِها
وإِنْ ذَبُلَتْ من دَوْحَةِ المُلْكِ نَضْرَةٌ / فما أَوْحَشَ الدُّنْيا جَنِيُّ قُطُوفِها
لَمَدَّتْ عَلَيْنَا ظِلَّها مِنْ مِهادِها / ونُورَ سَناها مِنْ وَرَاءِ سُجُوفِها
وإِنْ طَرَحَتْ عَنْها الرِّياسَةَ حَلْيَها / وبَدَّلَها الإِشْفاقُ لَوْثَ نَصيفِها
فَوَشْكَانَ مَا عادَتْ من اللهِ نِعْمَةٌ / تَجَلَّتْ بِهَا فِي تاجِها وشُنُوفِها
فَرَدَّتْ عَلَى الإِسْلامِ نُورَ عُيُونِهِمْ / وأَهْدَتْ إِلَى الأَعْداءِ رَغْمَ أُنُوفِها
بكَرِّ نواصِي الخَيْلِ نَحْوَ ديارِها / تنُصُّ المُنى فِي نَصِّها ووَجِيفِها
يَشُبُّ سيوفَ الهِنْدِ نُورُ دَلِيلِها / ويُعْيي حِسابَ الهِنْدِ عَدُّ أُلُوفِها
وتُنْشِئُ رِيحُ النَّصْرِ مِنْها سَحائِباً / تَسُحُّ عَلَى الأَعْدَاءِ وَدْقَ حُتُوفِها
يُقَعْقِعُ رَعْدُ النَّصْرِ من جَنَباتِها / ويُومِضُ بَرْقُ الفَتْحِ بَيْنَ صُفُوفِها
وإِنْ عُجْتَ يَا مَنْصُورُ منها فَأُسْوَةٌ / بِرَدِّ جُنُودِ المُصطَفى عن ثَقِيفِها
وصَدِّ هدايا البُدْنِ دون محلِّها / وقد أكل الأوبارَ طولُ عكوفِها
وإِنْ رُدَّ زَحْفُ الخَيْلِ مِنْكَ بِأَنَّةٍ / فأَعْداؤُها رَهْنٌ بِكَرِّ زُحُوفِها
وهَلْ غَادَرَتْ يُمْنَاكَ إِلّا ودائِعاً / خَتَمْتَ عَلَيْها فِي مَقَرِّ ظُرُوفِها
عَوَائِدُ طَيْرٍ فِي وُكُورِ بُرُوجِها / وحَيَّاتُ غَوْرٍ فِي بطون كُهُوفِها
تَأَيَّى نَوَاصي الخَيْلِ مَعْقُودَةً بِهَا / عُهُودُ مَوَالِيها وحِلْفُ حَلِيفِها
كَتائِبُ يَكْسُونَ الأَباطِحَ والرُّبى / بِخَيْلٍ تَلِيدَاتِ الوَغَى وطَرِيفِها
تَرُدُّ عُيُونَ الجوِّ عَنْ لَمْحَ أَرضِها / وتَثْني أُنُوفَ البَحْرَ عَنْ سَوْفِ سِيفِها
وتُسْمِعُ خِلْدَانَ الثَّرى من صَهِيلِها / ويَخْرَسُ جِنَّانُ الفَلا عن عَزِيفِها
إِذَا أُرْسِلَتْ فِيهَا العُيُونُ تَشَكَّلَتْ / نواظِرُها فِي سَيْرِها وَوُقُوفِها
لإِيلافِ شَمْلِ المُسْلِمِينَ بِرِحْلَةٍ / تَشُجُّ بِمَشْتَاها كُؤوسَ مَصيِفِها
يَقِيها هَجيرَ القَيْظِ ظِلُّ عَجاجِها / ومُجْمِدَةَ الأَنهارِ نارُ سُيُوفِها
فلا أَوْحَشَ الإِسلامَ عامُ جهادِها / ولا أَنَّسَ الأَعداءَ يَوْمُ خُلُوفِها
ولا خَتَرَتْ منكَ المكارِمُ والعُلا / صفاءَ مُصافِيها وإِلْفَ أَلِيفِها
ولا انْصَرَفَتْ عنك الرَّغائِبُ والمُنى / ولا مِنكَ إِلّا مالِئاتِ كُفُوفِها
وإِنْ رَجَعَتْ عن صِدْقِ وَعْدِكَ بُرْهَةً / حواجِبُ آمَالِ الغَرِيبِ بِصُوفِها
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ / فَتْحُ القُدُومِ ونُصْرَةُ الإِقْدَامِ
وُدِّعْتَ مَحْمُوداً وَصَلْتَ مُظَفَّراً / فاقدَمْ بِطِيبِ تحيَّةٍ وسَلامِ
والبَسْ بِعِزَّةِ مَنْ سَعَيْتَ لِنَصْرِهِ / تاجَ الجلالِ وحُلَّةَ الإِعْظَامِ
واسْعَدْ لِعِزِّ الدِّينِ والدُّنيا مَعاً / واسلَمْ لنَصْرِ اللهِ والإِسلامِ
وَعْداً عَلَيْهِ أَن يُتِمَّ عَلَى الورى / بكَ أَنعُماً موصولَةً بِدَوَامِ
قَرُبَتْ عَلَيْكَ منَ الأَعادِي غايَةٌ / قَدْ طالما بَعُدَتْ عَلَى الأَوْهامِ
وسَلَلْتَ سيفَ اللهِ طالِبَ ثأْرِهِ / من آلِ جالُوتٍ ونَثْرَةِ حامِ
ورَفَعْتَ أَعلامَ الهُدى فِي جَحْفَلٍ / كالليلِ تَحْتَ كواكِبِ الأَعْلامِ
بِسَوَابِقٍ رَفَعَتْ شِراعَ خوافِقٍ / كالفُلْكِ فِي آذِيّ بحرٍ طامِ
يَسْتَرْجِفُ الإِسراجُ عِزَّ نفوسِها / حَتَّى تَسَكِّنَهُنَّ بالإِلْجامِ
وأُسُودِ غابٍٍ مَا تَلَذُّ حَياتَها / حَتَّى تُدِيرَ بِهَا كؤوسَ حِمامِ
مُتَنازِعِي مُهَج العُدَاةِ كَأَنَّما / يَتَنَادَمُونَ عَلَى رَحيقِ مُدَامِ
مُسْتَقْدِمِينَ إِلَيْهِمُ بِأَسِنَّةٍ / أَوْلى من الأَرْوَاحِ بالأَجْسامِ
هَتَكُوا بِهَا حُجُبَ التَّرَائِبِ فاصْطَلَتْ / أَحشاؤُها جَمْرَ الوطيسِ الْحامِي
وقواضِبٍ نَبَذَتْ إِلَيْكَ لتَتْرُكَنْ / هامَ الأَعادِي لِلصَّدى والهامِ
سُرُجٍ لِدِينِ الحَقِّ إِلّا أَنَّها / كَسَتِ الضَّلالَ دياجِيَ الإِظْلامِ
بَرَقَتْ عَلَى الأَعْدَاءِ غَيْرَ خَوَالِبٍ / فِي عارِضٍ لِلْمَوْتِ غَيْرِ جَهامِ
فكأَنَّما اسْتَسْقَوْا حَياهُ وَقَدْ رَأَوْا / أَنَّ الصَّوَاعِقَ فِي مُتُونِ غَمامِ
حَمَلُوا قُلُوبَ الأُسْدِ نَحْوَكَ فانْثَنَوْا / مستبدِلينَ بِهَا قُلُوبَ نَعَامِ
من كُلِّ مُنْتَهِكِ المحَارِمِ بارِزٍ / بِدَمٍ عَلَى الإِسلامِ غيرِ حَرَامِ
لم يَعْبُدُوا الأَصْنامَ إِلّا أَنَّهُمْ / عَبَدُوا الغُرورَ عبادَةَ الأَصْنامِ
كم فِي بُرُودِ عَجاجِها من مُفَرَشٍ / ظَهْرَ الصَّعِيدِ مُوَسَّدٍ بِسَلامِ
أَشْمَسْتَهُ عَفَرَ التُّرَابِ ورُبَّما / حَطَّ الرَّوَاسِيَ من فُرُوعِ شِمامِ
وسَطَا الرَّغَامُ بأَنْفِهِ ولطالما / غَادى أُنوفَ الدينِ بالإِرْغَامِ
دامِي اللَّبانِ كَأَنَّ مَفْحَصَ نَحْرِهِ / وَجَناتُ مُعْوِلَةً عَلَيْهِ دَوَامِ
فَغَدا الثَّرى رَيَّانَ من دَمِهِ ومِنْ / دَمْعٍ عَلَيْهِ بالقَضَاءِ سِجَامِ
جَزَراً لأَيْسارٍ منَ البَيْدَاءِ لا / يَسْتَقْسِمُونَ عَلَيْهِ بالأَزْلامِ
حَتَّى إِذَا صابَتْ بِقُرٍّ وانْثَنَى / ثَمَرُ الغِوَايَةِ مُؤْذِناً بِصِرَامِ
ورَمَتْ أَكُفٌّ بالصَّوارِمِ والقَنا / كَيْما تَمُدَّ إِلَيْكَ بِاسْتِسْلامِ
وتَيَقَّنَ الإِسلامُ عَوْدَةَ رَحْمَةٍ / تُبْرِي من الأَوْصابِ والأَسْقامِ
وتنسَّمَ الظَّمْآنُ رَوْحَ مَشارِبٍ / يُشْفَى بِهِنَّ غليلُ كُلِّ أُوَامِ
نَفِسَ النَّجاحَ عَلَيْكَ مَنْ أَقْسامُهُ / من فَوْزِ قِدْحِكَ أَوْفَرُ الأَقْسامِ
وهَفَتْ بِهِ خُدَعُ الظُّنُونِ وَلَمْ يَزَلْ / حَسَدُ القرابَةِ طائِشَ الأَحْلامِ
فَدَنا لِغِرَّةِ مُنْتَواكَ وَقَدْ خَلَتْ / من أُسْدِهِنَّ مَرَابِضُ الآجَامِ
ودَعَا السَّوَامَ إِلَى حِماكَ وَلَمْ تَغِبْ / إلّا لِتُبلي دونها وتحامي
فبرى العداةُ لرميِ ظلِّك أسهُماً / خابَتْ وصائبُها لأَخْيَبِ رَامِ
هل يَنْقِمُونَ سِوى سَجِيَّةِ حافِظٍ / حقَّ الأَواصِرِ واصِلِ الأَرْحامِ
سَهِدِ الجفونِ طويلِ آناءِ السُّرَى / عن أَعْيُنٍ تَحْتَ السُّجُوفِ نِيامِ
أَوْ يَحْسُدُونَكَ رُتْبَةً فَليَرْتَقُوا / فَالشَّمْسُ فِي جَوِّ السماءِ السَّامِي
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً يَسُوؤُكَ ذِكْرُهُ / فاللهُ ناقِضُ ذَلِكَ الإِبْرَامِ
فاسْعَدْ بما اخْتارَ الَّذِي فِي أَمْرِهِ / خَيْرُ القضاءِ وأَيْمَنُ الأَحْكَامِ
ولَئِنْ وَنى قَدرٌ إِلَى أَجَلٍ فَلا / عَدَمُ الصَّوَابِ ولا نُبُوُّ حُسامِ
ونَبِيُّنا لَكَ أُسْوَةٌ فِي رَدِّهِ / عن أَرْضِ مَكَّةَ مُعْلِنَ الإِحْرامِ
فأَثَابَهُ الفتحَ القريبَ وبَعْدَهُ / تصدِيقُ رُؤْيَاهُ لأَوَّلِ عَامِ
والعَوْدُ أَحْمَدُ مَا لأَوَّلِ لَيْلَةٍ / يَبْدُو هِلالُ الأَفْقِ بَدْرَ تَمامِ
وكَفَاكَ مَنْ وَطِئَتْ خُيُولُكَ مِنْهُمُ / كِيوَانَ واصْطَلَمَتْ سَنَا بَهْرَامِ
وجَعَلْتَ سَيْفَكَ ماثِلاً لنفوسِهِمْ / يَحْتَثُّها بخَوَاطِرِ الأَوْهَامِ
وتَرَكْتَ هادِرَهُمْ بِغَيْرِ شقاشِقٍ / رَهْباً وغارِبَهُمْ بغَيْرِ سَنامِ
وتَرَكْتَ فَلَّ ذِئابِهِمْ وضِباعِهِمْ / مُتَرَقِّبِينَ لِكَرَّةِ الضِّرْغَامِ
هَلْ ينظُرُونَ سِوى تأَلُّقِ حاجِبٍ / لِلشَمْسِ يَصْدَعُ ثَوْبَ كُلِّ ظلامِ
أَوْ يُوجِسُ السَّمْعُ النَّذِيرَ بِمُنْذِرٍ / ضَرِمَ العَجَاجِ مُصَمِّمَ الصَّمْصامِ
مَلِكٌ إِذَا أَلْقى رواسِيَ بَأْسِهِ / كَفَلَتْ لَهُ بِزَلازِلِ الأَقْدَامِ
قادَ العُلا بِزِمَامِ كُلِّ فَضيلَةٍ / واقْتادَهُ الرَّاجِي بِغَيْرِ زِمَامِ
فَاَبْشِرْ فَقَدْ نَبَّهتَ نائِمَةَ المُنى / ونَظَمْتَ دِينَ اللهِ خَيْرَ نِظامِ
وقَرَرْتَ عَيْناً بِالَّذِي قرَّتْ بِهِ / عَيْنُ الزَّمَانِ وأَعْيُنُ الإِسْلامِ
قَمَرٌ يُنِيرُ عَلَى بَنانِ يَمِينِهِ / شهبُ القَنا وكواكِبُ الأَقْلامِ
وَرِثَ الجُدُودَ مَناقِباً ومساعياً / تَرَكتْ كِرامَ الأَرْضِ غَيْرَ كِرَامِ
وعُلاً تَحَلَّتْ بالسَّناءِ وتَوَّجَتْ / بالمَكْرُماتِ مَفارِقَ الأَيَّامِ
باهى بِهِ الأَمْلاكَ أَعْلى مُنْجِبٍ / ونَماهُ للآمالِ أَكْرَمُ نامِ
فاسْتَنَّ فِي الحُسْنى بأَهْدى مُرْشِدٍ / وائتَمَّ فِي العَلْيا بِخَيْرِ إِمامِ
فَهُوَ الجديرُ بأَنْ يُؤَكَّدَ عَقْدُهُ / فِي حِفْظِ عهدِ وسائِلِي وذِمامِي
وأنا الجديرُ بأَنْ أُشِيدَ بِحَمْدِهِ / نَغَماتِ أَوْتارٍ وشَدْوَ حَمامِ
وأُجَهِّزَ الرُّكْبانَ طَيِّبَ ذِكْرِهِ / زاداً إِلَى الإِنْجادِ والإِتهَامِ
حَتَّى تَفُوحَ لَكَ الجَنائِبُ والصَّبا / بِثَنائِها من مُعْرِقٍ وَشَآمِي
وجَزَاءُ مَا آوَيْتَ وَحْشَ تَغَرُّبِي / وفَسَحْتَ رَوْضَكَ لارْتِعاءِ سَوَامِي
وفَعَمْتَ لي بَحْرَ الحياةِ مُبادِراً / بحياةِ ذابِلَةِ الكُبُودِ ظَوَامِي
وبَسَطْتَ لي وَجْهاً كَسَفْتَ بِنُورِهِ / كُرَبَ الجَلاءِ وَخَلَّةَ الإِعْدَامِ
وَوَجَدْتُ ظِلَّكَ بَعْدَ يأْسِ تَقَلُّبِي / وَطَنَ الرَّجَاءِ ومَنْزِلَ الإِكْرَامِ
فكَأَنَّ وجهَكَ غُرَّةُ الفِطْرِ الَّذِي / وافى بِفِطْرِيَ بَعْدَ طُولِ صِيامِي
وكَأَنَّ ظِلَّكَ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي / كَفَلَتْ بأَجْرِ تَهَجُّدِي وقِيامِي
ولْتَعْلَمِ الآفاقُ أَنَّكَ مُنْعِمٌ / حقّاً وأَنِّيَ شاكِرُ الإِنْعامِ
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا / وأَعَزِّ مَنْ حُلَّتْ لِرُؤْيَتِهِ الحُبى
وبحاجِبِ الشَّمْسِ الَّذِي حَجَبَ الأَسى / عنَّا وحاشَ لِجُودِهِ أَنْ تُحَجَبا
وَالمُسْتَطارِ لسَيْفِهِ فِرَقُ العِدى / فَرَقاً فكانَ هُوَ السَّنا وَهُمُ الْهَبا
مَلِكٌ نماهُ المُلْكُ يَتْبَعُ تُبَّعاً / فِيهِ ويُعرِبُ عَنْ مآثِرِ يَعْرُبا
قادَ الجنودَ مُكاثِراً بِرِماحِها / شُهُبَ الدُّجى وبأُسْدِها عَدَدَ الدَّبا
وسَما فَعادى بَيْنَ آفاقِ الْعدى / خَسَفَ الدَّبُورِ وكَرَّ يَعْتَامُ الصَّبا
بكَتائِبٍ تَرَكَتْ سَنا شَمْسِ الضُّحى / طَرْفاً سَجا للنَّوْمِ أَوْ بَرْقاً حَبا
تَبْني عَلَى الآفاقِ مِنْ جَعْدِ الثَّرى / فَلَكاً بِزُرْقِ السَّمْهَرِيّ مُكَوْكَبا
فِي هِمَّةٍ أَوْرَتْ زِنادَ وقَائِعٍ / غادَرْنَ رأْسَ الدَّهْرِ أَشْعَثَ أَشْيَبا
حَتَّى تَجَلَّى فِي عَجَاجَةِ أَوْبَةٍ / آبَتْ إِلَى الدُّنْيا بأَيَّامِ الصِّبا
من بَعْدِ مَا وَصَلَ الأَصائِلَ بالضُّحى / تَحْتَ العوالي مُسْئِداً وَمؤَوِّبا
حَتَّى تَوَهَّمَهُ الدُّجى بَدْرَ الدُّجى / يَسْرِي أَوِ ابْناً لِلْكَواكِبِ أَوْ أَبا
شَبَهاً بِهِ ناسَبْتَها مُتَعالِياً / ومُحَلِّقاً ومُشَرِّقاً ومُغَرِّبا
بِعَزَائِمٍ كَلَّفْتَها أَعلى العُلا / فتسابَقَتْ شَأْواً إِلَيْهِ مُغَرِّبا
مُسْتَحْيِيَاتٍ أَنْ يُعَرِّجَ لَحْظُها / لِقُبْولِ مَا أَدْنى الزمانُ وقَرَّبا
لا يَرْكَبُ المُلْكَ الذَّلُولَ رِكابُهُ / حَتَّى يُذِلَّ لَهُ الزمانَ المُصْعَبا
حَتَّى يَنالَ العِزَّ أَعْلى مُرْتَقَىً / ويفُوزَ بالآمالِ أَبْعَدَ مَطْلَبا
جاوَزْنَ بالخَيْلِ المَدى بَعْدَ المَدى / وأَطَلْنَ إِظْماءَ الأَسِنَّةِ والظُّبى
ما أَوْرَدَتْها من عُدَاتِكَ مَنْهَلاً / إِلّا ابْتَدَرْنَ أَمامَ ذَلِكَ مَشْرَبا
يطلُبْنَ فِي الأَفْلاكِ شاهِقَةَ العُلا / ويَدَعْنَ للأَوْعالِ شامِخَةَ الرُّبى
مُتَكَرِّماتٍ أَن يُناطِحَ كَبْكَباً / من كَانَ فِي فَلَكِ المعالِي كوْكبا
هَلْ مَنْ يُسامِيهِ وأَقْرَبُ مَا يُرى / مِنَّا إِذَا كَانَ الغَمامُ الصيِّبا
عُذْنا بِهِ مَنْ لا تَعَوَّذَ مَرْقَباً / مِنْهُ فأَصْبَحَ فِي ذَرَاهُ مَرْقَبا
فَابْشِرْ فما عَصَفَتْ رِياحُكَ حُسَّراً / فِيهِ ولا بَرَقَتْ سَحابُكَ خُلَّبا
وانظُرْ فإِنَّ عزيمَةً أَلقَحْتَها / بالنَّصْرِ قَدْ أَرْأَتْ بِفَتْحٍ مُقْرِبا
واعْلَمْ بأَنَّ أَسيرَ مُلْكِكَ مُوثَقاً / مَنْ لا يَرى فِي الأَرْضِ دُونَكَ مَهْرَبا
ولئِنْ حَمى منك الزَّمانُ مَكامِناً / فَبِهَا يَتُوبُ إِلَيْكَ مِمَّا أَذْنَبَا
وَغَداً يَجِيئُكَ مُنْشِداً مُتَذَمِّماً / لَيْسَ المُسِيءُ إِلَيْكَ عَبْداً أَعْتَبا
ولئِنْ دنا أَمَدٌ فلا عَزْمٌ رَنى / ولَئِنْ نبا قَدَرٌ فلا سَيْفٌ نَبا
واللهُ مُختارُ القَضاءِ وإِنْ أبى / فَعَسى لِخَيْرٍ مَا تَعَجَّلَ أَوْ أَبى
ولَكَمْ أَرَاكَ النَّصْرَ لَمْحاً باصِراً / ولَعَلَّ أَعْظَمَ منهُ فِيما غَيَّبا
رَبّاً بنصرِكَ عائداً ومُوَالِياً / ولِطُولِ عُمْرِكَ واهِباً مُسْتَوْهَبا
وكَفى بِمَنْ آوى إِلَيْكَ مُشَرَّداً / قَلِقَ الرَّكائِبِ فِي البِلادِ مُغَرَّبَا
حَتَّى يَرى البُؤْسى غُرَاباً أَعْصَماً / بَنَدَاكَ والضَّرَّاءَ عَنْقا مُغْرِبا
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ / وعِزِّ العزيزِ وحَمْدِ الحَمِيدِ
تَدَرَّعْتَ صَبْراً تَجَلَّى بِنَصْرٍ / وأَوْفَيْتَ شُكْراً وَفى بالمَزِيدِ
فَمِنْ يَوْمِ عِيدٍ إِلَى يَوْمِ فَتْحٍ / ومن يَوْمِ فَتْحٍ إِلَى يَوْمِ عِيدِ
وجُودٍ تَفَجَّرَ مِنْ نَارِ بَأْسٍ / وبَأْسٍ تَسَعَّرَ مِنْ بَحْرِ جُودِ
بِطَوْلٍ يُعِيدُ شَبابَ الكَبِيرِ / وهَوْلٍ يُشَيِّبُ رَأْسَ الوَلِيدِ
وسَعْيٍ يزيدُ مَدىً كُلّ يَوْمٍ / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَدىً من مَزِيدِ
فَلَوْ عَلِمَ البَدْرُ عَمَّ السَّماءَ / أَوِ البَحْرُ جَلَّلَ وَجْهَ الصَّعِيدِ
فَكَمْ صَبَّحَتْكَ بِفَتْحٍ قَرِيبٍ / سُرى لَيْلَةٍ ذَاتِ صُبْحٍ بَعِيدِ
وكَمْ حَمَلَتْ منكَ بَيْدَاءُ قَفْرٍ / إِلَى الكُفْرِ من يَوْمِ حَيْنٍ مُبِيدِ
بِكُلِّ كَمِيٍّ لأُمٍّ نَزُورٍ / ومن راحَتَيْكَ لأُمٍّ وَلُودِ
يُجيبُ إِلَيْكَ صَرِيخَ المُنادِي / بِأَنْزَعَ مِنْ قَلْب صَبٍّ عَمِيدِ
ويَلْقى وَجُوهَ الأَهاوِيلِ عَنْكَ / لِقاءَ هَوىً مَا لَهُ مِنْ صُدُودِ
إِذَا قَتلَ الحَزْنَ والسَّهْلَ وافى / نُفُوسَ العِدى من يَدَيْ مُسْتَقِيدِ
وكُلِّ جَوَادٍ نَمَتْهُ يَدَاكَ / فأَعْرَقَ فِي سَرْوِ بَأْسٍ وَجُودِ
رَعى بكَ كُلَّ حِمىً لَمْ يَرُعْهُ / صَرِيخُ المُنادِي بِهادٍ وَهِيدِ
تَضَمَّنَهُ خافِقات البُرُوقِ / تَلأْلأُ فِي مُصْعِقَاتِ الرُّعُودِ
وأَوْرَدْتَها كُلَّ ماءٍ حَماهُ / بَرِيقُ السُّيُوفِ وَزَأْرُ الأُسُودِ
سَرَيْتَ فَأَلْحَقْتَ لَيْلاً بِلَيْلٍ / وسِرْتَ فَوَصَّلْتَ بِيداً بِبِيدِ
كما قَدْ وَصَلْتَ حِبالَ الغَرِيبِ / وَقَرَّبْتَ مَأْوى القَصِيِّ البَعِيدِ
ونادى نَدَاكَ عَلَى الأَرْضِ حَيَّ / عَلَى مُسْتَقَرِّ الشَّرِيدِ الطَّريدِ
وجَيْشٍ عَقَدْتَ لَهُ فِي الجِهادِ / لِواءً سَما بِوَفاءِ العُقُودِ
فَزَادَ الضُّحى مِنْ سَنا الشَّمْسِ نُوراً / ولَيلَ السُّرى فِي نُجُومِ السُّعُودِ
وأَصْبَحْتَ أَعلى جِبالِ الأَعادِي / تُزَلْزِلُها بِجِبالِ الحَدِيدِ
فَرُعْتَ الصَّياصِي بِشُعْثِ النَّوَاصِي / وأَبْناءِ قُوطٍ بأَبْناءِ هُودِ
بِكُلِّ نَجِيبٍ نَمى فِي تُجِيبَ / بِمَجْدِ الجُدُودِ وسَعْدِ الجُدُودِ
لَهُ فِي المَدى كُلُّ بَحْرٍ طَمُوحٍ / وفَوْقَ العُلا كُلُّ قَصْرٍ مَشِيدِ
مَناقِبُهُمْ لِصُدُورِ الدُّهُورِ / عُقُودٌ نُظِمْنَ نظامَ الفَرِيدِ
ومُلْكُكَ سِلْكٌ لِذَاكَ النِّظَامِ / وأَنْتَ وَسِيطٌ لِتِلْكَ العُقُودِ
فَأَسْرَيْتَ بَيْنَهُمُ يَا ابْنَ يَحْيَى / كَبَدْرٍ سَرى بَيْنَ زُهْرِ السُّعُودِ
رُجُوماً رَمَيْتَ بِهَا فِي الضَّلالِ / عَلَى كُلِّ شَيْطَانِ كُفْرٍ مَريدِ
تُذَكِّرُهُمْ بِذُبالِ الرِّماحِ / صِلاءَهُمُ النَّارَ ذَاتَ الوَقُودِ
وتُرْهِقُهُمْ كُلَّ طَوْدٍ يفَاعٍ / يُمَثِّلُهُمْ رَهَقاً فِي صَعُودِ
وَمَا فات صَرْفَ الرَّدى مَنْ عَلَيْهِ / لِنَصْرِكَ عَيْنُ رَقِيبٍ عَتِيدِ
ولَوْ كَانَ وَعْداً لأَنْجَزْتَ لكِنْ / خُلِقْتَ خَلِيقاً بِخُلْفِ الوَعِيدِ
ولو شِمْتَ سَيفَكَ فِي صَدْرِ كِسْرى / وَقَيصَرَ بَيْنَ الطُّلى والوريدِ
لما نِلْتَ حَقَّكَ سَعْياً وهَدْياً / ولا بَعْضَ ثارِ أَبِيكَ الشَّهيدِ
وفي اللهِ أَكْفَأْتَ كَأْسَ المَنامِ / وسُمْتَ جُفُونَكَ فَقْدَ الهُجُودِ
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها / أَجَدَّ بِهَا طُولُ السُّرى فأَمَلَّها
وَحاشَ لأَصْدَاءِ الفَلا أن تَصُدَّها / بِنا أَوْ أَضَالِيلِ الدُّجى أَنْ تُضِلَّها
وأَحْقِرْ بِهَوْلِ البَحْرِ أَنْ يَسْتَكِفَّها / وأَهْوِنْ بِغَوْلِ القَفْرِ أَنْ يَسْتَزِلَّها
ولكِنْ أَيادِي مُنْذِرٍ نَذَرَتْ بِهَا / فكانَتْ لَنَا مِنْها قَذىً وشَجاً لَهَا
فحازَتْ إِلَى عِزِّ الحَياةِ رِحالَنا / وَزَمَّتْ عَلَى خِزْيِ المَتالِفِ رَحْلَها
نَحاها مُقِيلُ العاثِرِينَ بِعَثْرَةٍ / لَعاً لِيَ مِنْها والنَّوى لا لَعاً لَهَا
فكَمْ أَقْفَرَتْ مِنَّا مَحَلّاً وغَرَّبَتْ / وُجُوهاً أَجَدَّتْ فِي الفُؤادِ مَحَلَّها
ويا رُبَّ بَلْهاءِ الصَّبا عن جَوى الهوى / لَبِسْتُ بِهَا عَيْشَ الصَّبابَةِ أَبلَها
كَشَفْتُ لِسَهْمَيْ طَرْفِها عن مَقاتِلِي / مِجَنَّ تُقىً لَمْ يَمْنَعِ النَّفْسَ قَتْلَها
وشَكَّكَني وَجْدِي بِهَا وَصَبابَتِي / أَنَفْسِيَ لِي إِنْ أَخْطَأَ الحَيْنُ أمْ لَهَا
وَحَسْبِي بِهَا عَذْلاً عَلَى سَلْوَةِ الهَوى / وعُذْراً كفانِي العاذِلاتِ وعَذْلَها
بِقَدٍّ إِلَى مُسْتَوْدَعِ القَلْبِ قادَها / ودَلٍّ عَلَى مُسْتَوْطَنِ النَّفْسِ دَلَّها
ولِلْخَفَرِ السَّحَّارِ فِي وَجَناتِها / خَوَاتِيمُ لا يَخْفِرْنَ مِنِّيَ وَصْلَها
وما خَفَرَتْ بِيضُ الصَّوارِمِ والقَنا / مَحاسِنَها مِمَّا أَصابَ فَأوْلَها
فَلِلَّهِ مِنْ بَيْنٍ تَقَسَّمَ طُرْقَهُ / طَوَارِقُ لا يُلْهِينَ عَنْ لَهْوِ مَنْ لَهَا
عَلاقَةُ حُبٍّ شَدَّ مَا عَلِقَتْ بِهَا / حَبائِلُ بَيْنٍ بَتَّ مِنِّيَ وَصْلَها
وَصَفْوَ هَوىً مَا قَرَّ حَتَّى هَوَتْ بِهِ / حوادِثُ تفريقِ القُلُوبِ هَوىً لَهَا
فكُنَّا لَهَا نَبْلاً أَصَابَتْ بِنا الصَّبا / وَمَا عَدَلَتْ عَنْ رَمْيِ قَلْبِيَ نَبْلَها
جُسُوماً أَقَلَّتْها الرِّياحُ فَلَمْ تَدَعْ / لَهُنَّ مِنَ الأَرواحِ إِلّا أَقَلَّها
نَجائِبُ وَصَّاها الجَدِيلُ وشَدْقَمٌ / بأَلّا تَمَلَّ اللَّيلَ حَتَّى يَمَلَّهَا
فَتُخْلِقُ بالإِرْقَالِ ثَوْبَ شَبابِهِ / وتَتْرُكُهُ بالأُفْقِ أَشيَبَ أَجْلَها
تُرَاوِحُهُ مِنْ خِلْفَةِ الفَجْرِ طُرَّةٌ / كَمُعْتَرَضِ الشَّقْرَاءِ تَنفُضُ جُلَّها
فكَمْ حَمَلَتْ مِنْ حُرِّ قَلْبٍ مُولَّهٍ / يُبَلِّغُ عَنْهُ النَّجْمُ قَلْباً مُوَلَّها
وكم ضَمَّ ذَاكَ اللَّيْلُ مِنْ أُمِّ شادِنٍ / أَضَلَّتْهُ فِي جَوْفِ الفَلا وأَضَلَّها
وَقَدْ بَلَّغَ الجَهْدُ القُلُوبَ حَناجِراً / تُبَشِّرُها أَنَّ التَّناهِي مَدىً لَهَا
فَوَشْكانَ يَا مَنْصُورُ مَا نُصِرَ الأَسى / بِرَدِّ أَقاصي الأَرْضِ نَحْوَكَ سُبْلَها
ونادى نَدَاكَ الرَّكْبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / أَلا بَلِّغُوا هَدْيَ الرِّكابِ مَحِلَّها
فَلَبَّتْكَ مِنْ غَوْرِ الجَلاءِ أَهِلَّةٌ / أَهَلَّ بِهَا مَأْوَاكَ حَتَّى أَهَلَّها
كَأَنَّا نَذَرْنا مَطْلَعَ الشَّمْسِ مَنْزِلاً / أَلِيَّةَ حَلْفٍ كَانَ وَجْهُكَ حِلَّها
فآوَيْتَ فَلَّ النَّائِبَاتِ وَطَالَما / أَبَرْتَ العِدى قَتْلاً وآوَيْتَ فَلَّها
ونادَيْتَها أَهْلاً وسَهْلاً وَلَمْ تَزَلْ / أَحَقَّ بِهَا فِي النَّازِلِينَ وأَهْلَها
فَظَلَّلْتَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ اللَّيْلُ ظِلَّهُ / وأَغْدَقْتَ مَنْ لَمْ تُلْحِقِ المزْنُ طَلَّها
وعَوَّضْتَنا من رَاحَةِ المَوْتِ رَاحَةً / سَكَنَّا بِهَا بَرْدَ الحياةِ وَظِلَّها
وأَعْمَرْتَ مِنَّا فِي ذَرَاكَ منازِلاً / تَفَقَّدْتَ مَثْواها وأَرْغَدْتَ نُزْلَها
وَلَمْ تَبْدَ مِنْ نُعْمَاكَ إِلّا بِبَعْضِها / وَلَكِنَّهُ عَمَّ الرَّغائِبَ كُلَّها
فَرُحْنا شُرُوباً قَدْ تَأَنَّقَ رَوْضُها / وأَنْهَلَها كَأْسُ السُّرُورِ وَعَلَّها
نَدَامَى ولكِنْ مِنْ عَطايَاكَ راحُها / وَقَدْ جَعَلَتْ من طِيبِ ذِكْرِكَ نُقْلَها
وَخَفَّتْ عَلَى يُمْناكَ مِنَّا مطالِبٌ / تَشَكَّى إِلينا البَرُّ والبَحْرُ ثِقْلَها
وما تَوَّجَتْ هَذِي الرِّياسَةُ سَيِّداً / أَكالِيلَها حَتَّى تَحَمَّلَ كَلَّها
هِيَ البِكْرُ مَجْلاهَا حَرَامٌ مُحَرَّمٌ / فَيا مَنْ بِمَهْرِ المَكْرُماتِ اسْتَحَلَّها
فَتاةٌ دَعَتْ مَنْ للحروبِ وللنَّدى / فما وَجَدَتْ إِلّا ابْنَ يَحْيَى فَتىً لَهَا
مَنِ اخْتَرَقَ الدُّنْيَا لأَوَّلِ دَعْوَةٍ / إِلَى دَعْوَةِ الإِسلامِ فافْتَكَّ غُلَّها
وشَرَّدَ أَحْزابَ العِدى عَنْ حَرِيمِها / وأَدْرَكَ منْ مُسْتَأْسِدِ الكُفْرِ ذَحْلَها
ودَوَّحَ فِي جَوِّ السَّماءِ غُصُونَها / وأَثْبَتَ فِي بَحْبُوحَةِ العِزِّ أَصْلَها
ومَدَّ هوادِي الخَيْلِ فِي طَلَبِ العِدى / فأَوْطَأَها حَزْنَ البِلادِ وسَهْلَها
وكَمْ قَدْ فَدى أَدنى النُّفُوسِ مِنَ القَنا / بِنَفْسٍ نُفُوسُ العالَمِينَ فِدىً لَهَا
فَلَوْ كَانَ للشَّمْسِ المنيرَةِ دُولَةٌ / بأُخْرى لَقِيلَ اصْعَدْ فَحِلَّ مَحَلَّها
ولَوْ لَحِقَتْ مَجْرى الكواكِبِ خَلَّةٌ / لَقِيلَ لَهُ سُسْتَ العُلا فَتَوَلَّها
ولَوْ قِيلَ زِدْها فِي هِباتِكَ واسْتَزِدْ / بِهَا الحَمْدَ من هَذَا الوَرى لاسْتَقَلَّها
ولَوْ كَانَ يَرْضاها نِظاماً لِزِينَةٍ / لَقِيلَ تَتَوَّجْ زُهْرَها وتَحَلَّها
وأَغْنِ بِهِ عنها وَفِي مَنْطِقِي لَهُ / قلائِدُ لا يَرْضى الكَوَاكِبَ بَدْلَها
جواهرُ لَمْ يَذْخَرْ لَهَا الدَّهْرُ مِثْلَهُ / مَلِيكاً ولا أَهْدى لَهُ البَحْرُ مِثْلَها
أُخَلِّدُ فِيهَا مِنْ نداهُ وبَأْسِهِ / خلائِقَ تَسْتَمْلِي الخلائِقُ فَضْلَها
فتُحْبي لَهَا حُسْنَ الأَحادِيثِ بَعْدَها / بإِحْيائِها أَيَّامَ مَنْ كَانَ قَبْلَها
وأُمْلي عَلَى الأَيَّامِ آثارَ مُنْعِمٍ / عَلَيَّ بِعَيْنِ المَكْرُمَاتِ أَمَلَّها
قضى اللهُ لي منها وسائِلَ نِسْبَةٍ / فَأَلَّفَ فِي الأَحْقابِ قَوْلي وفِعْلَها
ثنائي وعَلْياها ومَدْحِي وفَخْرَها / وشُكْرِي ونُعْماها وحَمْدي وبَذْلَهَا
ويَا عِيدَ أَعْيادٍ توافَتْ فأَشْرَقَتْ / عَلَى الدِّينِ والدُّنيا وكُنتَ أَجَلَّها
تُخَبِّرُ عن جَمْعِ المُنى فَتَهَنَّها / وعن عَوْدِ أَعْيادٍ بِهَا فَتَمَلَّها
وبِرُّكَ للأَضْيافِ قَرَّبَ بُعْدَها / وبِشْرُكَ بالزُّوَّارِ أَلَّفَ شَمْلَها
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ / وعَنْكَ هَتَكْتُ أَسْتارَ الظَّلامِ
وفِيكَ حَمَيْتُ مَثْوى النَّوْمِ جَفْنِي / وأَحْمَيْتُ الهَواجِرَ فِي لِثامِي
ونَحْوَكَ جُبْتُ لَيْلَ البِيدِ حَتَّى / تركتُ دُجاه مفضوض الختامِ
وزاحمتُ الخطوبَ إِلَيْكَ حَتَّى / خَفيتُ عَلَى المنايا فِي الزِّحَامِ
وعَنْكَ قَرعْتُ مَتْنَ الأَرْضِ حَتَّى / تَفَجَّرَ بالرِّياضِ وبالمُدامِ
زَمَانَ جَبَرْتَ من كَبِدِي صُدُوعاً / يُصَدِّعُ ذِكْرُها صُمَّ السِّلامِ
وحِينَ أَسَوْتَ فِي قَلْبي جِراحاً / قلوبُ الكاشِحِينَ لَهَا دَوَامِ
ويومَ حَمَيْتَنِي من كُلِّ خَطبٍ / جديرٍ أَنْ يَحُمَّ بِهِ حِمامي
فَبَيْنَ يَدَيْكَ أَصْبَحَ فَضُّ شَمْلِي / أَلِيفَ الشِّعْبِ مُتَّسِقَ النظامِ
وعندَ حِماكَ أَمْسى نَشرُ سِرْبي / خَصِيبَ الرَّعْيِ مَرْعِيَّ السَّوَامِ
وفي مَأْوَاكَ عادَ شَرِيدُ رَحْلِي / عزيزَ الجارِ مَضْرُوبَ الخِيامِ
ومن جَدْوَاكَ رُدَّ دمي ولَحْمِي / وَمَا انْتَقَتِ الحوادِثُ من عِظَامِي
فَكَفْكَفْتَ الرَّدى عنِّي بِكَفٍّ / تُثيرُ الغيثَ فِي الغَيْمِ الجَهامِ
ولَقَّتْنِي الأَمانِي مِنْكَ وَجْهاً / يُنيرُ الأَرْضَ فِي داجي الظَّلامِ
كما أَوْثَقْتَ فِي حَضْرٍ وثَغْرٍ / عُرى الإِسلامِ من بَعْدِ انْفِصامِ
وآوَيْتَ الغريبَ وهل غريبٌ / توخَّى ركنَ عِزِّكَ باسْتِلامِ
بجودٍ لا يضيعُ بِهِ رجاءٌ / وجَدٍّ لا يَرِيعُ إِلَى مُسامِ
وإِقبالٍ تشيِّعُهُ بعزمٍ / لأَمرِ الله ماضِي الإِعْتزامِ
وإِقدامٍ تؤيِّدُهُ بحزمٍ / إِلَى الأَعداءِ مشدودِ الحزامِ
وبأْسٍ هل يُجيرُ الدهرُ منه / بعيدَ الشَّأْوِ أَوْ صعبَ المُرَامِ
ولو بلغ النُّسُورَ بِهِ نسورٌ / وطارَ بِهِ النَّعامُ إِلَى النَّعَامِ
بكلِّ مُظاهِرِ الماذِيِّ لِبْساً / عَلَى حَبَرَاتِ أَنْعُمِكَ الجِسامِ
يرى ثَمَرَ الحياةِ لديك مُرّاً / إذَا لَمْ يُجْنَ من شَجَرِ الحِمامِ
وكل مُهَنَّدٍ ضَرِمٍ شَذَاهُ / يُرِيكَ الهندَ فِي لَمْعِ الضِّرَامِ
ومُطَّرِدِ الكعوبِ أَصَمَّ لَدْنٍ / ينادِي فِي العِدى صَمِّي صَمامِ
سفكتَ بِهِنَّ كلَّ دمٍ حلالٍ / وصُنْتَ بهنَّ كل دمٍ حرامِ
وجلَّلْتَ الخيولَ بِهَا نجوماً / تَطَلَّعُ فِي سَمواتِ القِيامِ
كتائبَ يَنْتَهِبْنَ الأَرضَ زحفاً / إذَا أَوْجَسْنَ من جيشٍ لُهامِ
ويَبْعَثْنَ الرَّغامَ إِلَى أُنوفٍ / وَقَدْ عَفَرَتْ أُنوفاً بالرَّغامِ
سَمَوْتَ بِهِنَّ ساميَةَ الهوادِي / لِكَلِّ مُشَيَّدِ الشُّرُفاتِ سامِ
حقوقاً للعُلا خاصَمْتَ فِيهَا / بماضِيَةِ الظُّبى لُدِّ الخِصامِ
وفي عَرْشِ السماءِ قضاء مُعْطٍ / يديكَ بِهِنَّ مِلْكَ الإِحْتِكامِ
فصُلْتَ بِهَا مليكاً ذا انْتِصَارٍ / يؤيِّدُهُ عزيزٌ ذو انْتِقامِ
وأَنحى سيفُكَ الماضِي عليها / فَعذْنَ بسيفِ رحمتكَ الكهامِ
بطاعتِكَ الَّتِي أَثْبَتْنَ منها / دعائِمَ قَدْ هَوَيْنَ إِلَى انهِدامِ
وأُبْتَ تقودُ خيلَ الله أَوْباً / شفى الإِسلامَ من حَرِّ الأُوامِ
وقد سَمَّيْتَها فِي كُلِّ غَزوٍ / مفاتيحَ الفتوحات العِظامِ
وكم قَوَّدْتَها يحيى فَحَفَّتْ / نجومُ الليلِ بالبدرِ التَّمَامِ
وعُدتَ بِهَا عَلَى حَكَمٍ تُعالي / وميضَ البَرْقِ فِي جوِّ الغَمامِ
عروساً كلَّ بِكْرٍ أَوْ عَوَانٍ / من العَطِراتِ بالمَوْتِ الزُّؤامِ
ورُبَّ عروسِ فتحٍ أَبرزاها / إِلَيْنا من مغازِيكَ التُّؤَامِ
موشَّحَةً بأَرءَامٍ وأُسْدٍ / متوَّجةً براياتٍ وهامِ
مقلَّدَةَ السَّبايا والأُسارى / نظاماً يستضيفُ إِلَى نِظامِ
فمن ظبيٍ غريرٍ فِي عقالٍ / ومن ليثٍ هصورٍ فِي خِطامِ
ومأْسورٍ بِقدٍّ من سوارٍ / ومكبولٍ بقيدٍ من خدامِ
حواسِرَ عن كواكبَ من وجوهٍ / طوالِعَ فِي شعورٍ من ظَلامِ
رزَايا كلِّ مُعْتاضِ المنايا / سبايا كلِّ محمودِ المَقامِ
وَفِي الوجناتِ أَمثِلَةٌ تُرِينا / طِعانَكَ فِي صدُورِهِمُ الدَّوامي
كمُشْعَرَةِ الحجيجِ تُساقُ هَدْياً / إِلَى عَرَصاتِ مكَّةَ والمَقامِ
وَقَدْ ضُرِبَتْ قِداحُ الهندِ فِيهِمْ / لأَيسارِ الحياةِ أَوْ الحِمامِ
فقِسْمٌ للمصانِعِ والحشايا / وقسم للمصارِعِ والرِّجَامِ
نفوساً دونَها ماتت كِراماً / وَقَدْ ضَنَّتْ بِهَا ضَنَّ اللِئامِ
ففارَقْنَ الديارَ بلا وداعٍ / ولاقَيْنَ الوجوهَ بِلا سلامِ
تُذَكِّرُنا دواهِيَ بدَّلَتْنا / من الأَكنانِ ضاحِيَةَ المَوَامِي
نغاوِرُ قَفْرَها والليلُ داجٍ / ونعسِفُ بَحْرَها والموجُ طامِ
ونؤنسُ بالمهالِكِ كلَّ نفسٍ / تَوَحَّشُ للغصونِ بلا حَمامِ
ونَنْصِبُ للصَّواخِدِ كلَّ وَجْهٍ / بعيدٍ أَن يُحَيَّا بالسَّلامِ
تغرَّبَ فِي البلادِ فأَفْرَدَتْهُ / فقيدَ العزِّ مجحودَ الذِّمامِ
تجافى الأَرْضُ عنه وَهْوَ مُعْيٍ / وتجفوهُ المناهِلُ وَهْوَ ظامِي
وَقَدْ ضربَ الأَسى فِيهَا علينا / رِواقاً يستضيءُ من الظَّلامِ
فما نَجْمُ الهدى إِلّا سِناني / ولا فَلَقُ الضُّحى إِلّا حُسامِي
وخُيِّلَتِ الأَهِلَّةُ لي قِسِيّاً / رمينَ بِيَ الصَّبا رَمْيَ السِّهامِ
إِماماً للرياحِ مُشَرِّقَاتٍ / وَ مُنذِرُ مَشْرِقُ الدُّنيا إِمامي
وما شِيَمُ الزمانِ رَمَتْ إِلَيْهِ / ولكنْ رَمْيَةٌ من غَيرِ رامِ
وتهيامُ الثناءِ إِلَى مليكٍ / لَهُ بالحمدِ وَجْدُ المستهامِ
فما راع المشوقُ إِلَى غريبٍ / ولا أَصغى المحِبُّ إِلَى مَلامِ
فيا عَجَبَ الخطوبِ يُبِحْنَ ستري / وَقَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ بِهِ اعتصامي
وحَتَّامَ النوى تهوي برحلي / وَقَدْ عَقَدَتْ بذمَّتِهِ ذِمامِي
فما فَكَّتْ حُدَاءً عن رِكابِي / ولا كفَّتْ يميناً من زِمامي
فليس لنا إِلَى وَطَنٍ مَرَدٌّ / ولا فِي دارِ قومٍ من مُقامِ
ولا حَلَّتْ بنا دارٌ فزادَتْ / عَلَى ذاتِ الحوافِرِ والسَّنَامِ
مخاضٌ مَا لمولِدِهِ رَضاعٌ / وتَرْحَالٌ أَمَرُّ من الفِطَامِ
وعامُ مُقامِنا عامٌ كيومٍ / ويومُ رَحيلِنا يومٌ كعامِ
كيومِ الهمِّ لَيْسَ بذي انتقاصٍ / ويومِ اللهوِ لَيْسَ بذي تَمَامِ
كَأَنَّا فِي المَنَازِلِ طَلْعُ نخلٍ / يُوَافِي أَهْلَهُ أَمَدُ الصِّرامِ
وَمَا يُغْني خراجٌ من خروجٍ / وَلَيْسَ يُجِيرُ غُرْمٌ من غَرَامِ
نُرَوَّعُ بالنَّوى والذُّعْرُ باقٍ / وَنُفْجَأُ بِالأَسى والجُرْحُ دامِ
وَمَا سَكَنَتْ جُنوبٌ فِي مِهادٍ / ولا مُلِئَتْ عيونٌ من مَنَامِ
كما حُدِّثْتَ عن لَسْعِ الأَفاعِي / يُعاوِدُ سُمُّها عاماً بِعامِ
فهل حَوْلٌ يحولُ بلا رحيلٍ / ولَوْ شيئاً نراه فِي المَنامِ
وأفْجِعْ بالنَّوى فِي دارِ سَفْرٍ / فكَيْفَ نوىً عَلَى دارِ المُقامِ
ومَنْ مَلَّ الجلاءَ فعاذَ منه / بسُورِ الأَمْنِ فِي البَلَدِ الحرامِ
وشدَّ يَدَيْهِ فِي قربٍ وبعدٍ / بحبلِ المُنْذِرِ المَلِكِ الهُمامِ
وَقَدْ نَبَذَ الأَنامَ بكلِّ أرضٍ / إِلَيْكَ إِلَيْكَ يَا خَيْرَ الأَنامِ
ومَنْ ذا يَا مليكاً مُسْتَجاراً / سِواءَكَ للغريبِ المُسْتَضَامِ
فإِنْ هاجَ الرحيلُ دفينَ سُقْمِي / فكَمْ دافَعْتَ من ذَاكَ السَّقامِ
وإِن أَذْمُمْ عوائِدَ لؤمِ دهري / فَحَيّ عَلَى عوائِدِكَ الكرامِ
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا / كواكِبُ تشرقُ للعالَميِنا
تَلأْلأَ بالجودِ مِمَّا يَليكَ / عَلَيْهِمْ وبالحمد مِمَّا يَلِينا
جواهِرُ فصَّلْتَها فِي سُلُوكٍ / ملأْنَ الصدورَ ورُقْنَ العيونا
مُبَرِّزَةُ السَّبْقِ فِي الأَوَّلِينا / ومأْثُورَةُ الذِّكْرِ في الآخِرينا
كَسبْقِكَ فِي كلِّ علياءَ حَتَّى / أَضَرَّ غبارُكَ بالسابقِينا
فيا بُعْدَ مَسْرَاكَ للمُدْلِجِينا / ويا قُرْبَ مأْوَاكَ للرائِحينا
فحقّاً إِلَيْكَ رحلْنا المهاري / تُقاسِمُنا جهدَ مَا قَدْ لَقِينا
أَهِلَّةَ سَفْرٍ وقَفْرٍ قَطَعْنا / إِلَيْكَ الشهورَ بِهَا والسِّنِينا
نُلاقِي السُّيوفَ إذا مَا فَزِعْنا / ونُسْقى الحتوفَ إذَا مَا ظمِينا
فطوراً نرى العَيْشَ ظَنّاً كَذُوباً / وطوراً نرى الموت حَقّاً يَقِينا
وحقاً إِلَيْكَ رَكِبْنا الرياحَ / مطايا رحلنا عليها السَّفينا
كَأَنَّ عَلَى لُجَجِ البحرِ منها / هوادِجَ تخفُقُ بالظَّاعِنينا
وللهِ من أُمَّهاتٍ حَنَيْنَ / علينا الظهور وجُبْنَ البطونا
تقودُ المنايا بِهَا حَيْثُ شاءَتْ / وتثني كلاكِلَها حَيْثُ شِينا
خطوباً تباذَلْنَ منَّا نفوساً / جَلَبْنَ لَكَ الحمدَ غَضّاً مَصُونا
فغادَرْنَ أَوْطانَنا عافِياتٍ / وجئْنَ إِلَيْكَ بِنا مُعْتَفِينا
دياراً تسُحُّ عَلَيْها الدُّموعَ / وَفِيهَا قُتِلْنا وَفِيهَا سُبِينا
وَفِيهَا صدقْنا إِلَيْكَ الرَّجاءَ / وهُنَّ يُرَجِّمْنَ فينا الظُّنونا
أَهِمْنا بِغُرْبَتِنا أَم هُدينا / ومُتْنا بكُرْبَتِنا أَم حَيِينا
فإِن يعجَبِ الدهرُ أَنَّا صَبَرْنا / فأَعجَب من ذاكَ أَنَّا بَقِينا
فهَلْ بُلِّغَتْ عن ركابٍ أَجَرْتَ / بأَنْ قَدْ سَعِدْنَ بما قَدْ شقِينا
وأَنَّى انتحَيْنا إِلَيْكَ المَطِيَّ / كما قصفَ العاصِفاتُ الغصونا
دأَبْنَ كجِدِّكَ حزماً وعزماً / وعُدْنَ كَحِلمِكَ عطْفاً ولِينا
وأَنَّكَ حيَّيْتَها بالحياةِ / وأَمَّنتها فِي ذَرَاكَ المنونا
وأَوطَأْتَها البِرَّ حَتَّى سكَنَّ / وسَقَّيْتَها الجودَ حَتَّى رَوِينا
فأَرضَيْتَ رَبَّكَ فِي ابْنِ السَّبيلِ / وَفِي العائِلِينَ من المسلمينا
وأَحيَيْتَ فِي الأَرضِ فَضْلاً وعدلاً / وعطفاً وعُرفاً ودُنيا ودِينا
ودائِعُ للهِ فِي الرَّوْضِ ضاعَتْ / وكُنتَ عليها القويَّ الأَمينا
فوَفَّاكَ عنَّا الجزاءَ الجزيلَ / ولقَّاكَ مِنَّا الثناءَ الثمينا
وبوَّأَنا منك جنَّاتِ عطْفٍ / جزاكَ بِهَا جَنَّةَ الفائِزِينا
حدائقُ من غَرْسِ يمناكَ وَقْفاً / عَلَى الرائِحينَ أَوِ الطَّارِقِينا
كفيلٌ بأَثْمارِها كلَّ حينٍ / غيوثُ سمائِكَ حِيناً فَحِينا
وأَزْهَرُها منكَ للناظرينا / وأَبهَرُها عنكَ للسَّامعينا
نُفَجِّرُها نَهَراً حَيْثُ كنَّا / ونأْكلها رَغَداً حَيْثُ شِينا
ذرَا جنَّةٍ كَتَبَ اللهُ فِيهَا / لِمَنْ شَرَّدَ الخوفُ حظَّاً مُبِينا
وزادَتْ بِعَدْلِكَ أُكْلاً وظِلّاً / فزادَتْ عَلَى أَمَلِ الآمِلينا
رأَيْتَ لنا موضِعَ الحقِّ فِيهَا / بما قَدْ أَرَتْكَ المقادِيرُ فِينا
فنادى نَدَاكَ بِهَا نَحْوَها / سلامٌ لكُمْ فادْخُلُوا آمنينا
لكُمْ ذمَّةُ اللهِ فِي صدقِ عَهْدِي / فلا خائِفِينَ ولا مُخْرَجِينا
فظلَّتْ تُنَفِّسُ عن رُوحِها / غريباً سليباً ونِضْواً حزينا
وتُبْرِدُ من حَرِّ نار السيوفِ / ونارِ الهواجِرِ مَا قَدْ صَلِينا
فنَسْلى بِهَا عن ديارٍ نَأَيْنَ / ونَغْنى بِهَا عن مَغانٍ غَنينا
وبُلْغَةُ عيشٍ لمن قَدْ سَتَرْتَ / ضعافَ البناتِ وشُعْثَ البَنِينا
نُعَلِّلُهمْ بِجَنى روضِها / إذَا أَوْحَشَتْهُمْ عطاياكَ حِينا
ونشفِي بِهَا بَثَّ مَا قَدْ أَصَبْنا / ونأْسُو بِهَا جُرْحَ مَا قَدْ رُزِينا
وفخراً لنا منكَ سارَتْ بِهِ / رِكابُ التِّهامِينَ والمُنْجدِينا
وبُشْرَى أَخْلَّ بِهَا الشاكرونَ / إِلَى من فُجِعْنا من الأَقْرَبِينا
فما راعَنا غيرُ قولِ الخبيرِ / يُذَكِّرُنا أُسْوَةَ المؤْتَسِينا
بآدَمَ إِذ أَخرجَتْهُ الغُوا / ةُ من جَنَّةِ الخلدِ مُسْتَظْهِرينا
ببَغيِ حَسودٍ لَهُ طالِبٍ / كما قَدْ لَقينا من الحاسِدِينا
فها نَحْنُ أَقْعَدُ هَذَا الأَنامِ / بِمِيرَاثِها مِثْلَها عن أَبينا
وهاتِيكَ جَنَّتُنا والتي / حَبانا بِهَا سيِّدُ المنعمينا
وأَبْيَنُ آياتِنا أَنَّنا / حلَلْنا لديهِ المكانَ المكينا
ومن شَكَّ فِي حظِّنا من رِضاهُ / فَتِلْكَ لنا أَعْدَلُ الشاهدينا
قِفوا فاسْمَعُوا هَدَّةَ الأَرْضِ رَجْلاً / ورَكْباً إِلَى نُصْبِها يُوفِضُونَا
وداعي الزِّيادَةِ فِيهَا سميعٌ / مُصِيخٌ إِلَى أَلْسُنِ الزائدِينا
يُجَمْجِمُ فِيهِمْ بأَنْ قَدْ سَخِطْتَ / علينا وأَنَّا من المُبْعَدِينا
لِيَجْلُوَ أَستارَكَ الخُضْرَ عنَّا / ويمحُوَ آثارَكَ الغُرَّ فِينا
وَقَدْ أَسْمَعَ الصُّمَّ فِيهَا مُنادٍ / يؤذِّنُ حَيّ عَلَى الشامِتِينا
فمن هاتِفٍ زائدٍ بالأُلوفِ / لِبَغْيٍ أَراهُ احتقارَ المِئِينا
ومن كاشِحٍ كاشِرٍ قَدْ أَرَتْهُ / أَمانِيهِ مَا ظَنَّ أَنْ لن يكونا
بذي حُرْمَةٍ منكَ أَلْبَسْتَهُ / كرامَةَ أَضيافِكَ المُكْرَمينا
ومن حَلَّ سِتْرَكَ فِي أَهْلِ بيتٍ / بحبلِ وفائِكَ مستمسكِينا
فيا مشهداً سامَني تَحْتَ ظِلِّ / كَ خسفاً وخِزْياً وذلّاً وهُونا
بكُلِّ مُفِيضٍ عَلَيَّ القِداحَ / لِيَقْسِمَ لَحْمِيَ فِي الآكلينا
وكلِّ مُبيحٍ حماكَ العزيزَ / علينا لعاديَة المعتدينا
فَمَدُّوا حبالَهُمُ طامعينَ / وأَلْقَوْا عِصِيَّهُمُ واثِقِينا
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ / ولا فِي سريرِ الملكِ نَحْنُ مُحَيُّوهُ
فلَهفِي عَلَيْهِ والكُمَاةُ تهابُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والملوكُ مُطِيعُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والوغى تَسْتَخِفُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والكتائِبُ تَقفُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والضُّيُوفُ تزورُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والرَّكائِبُ تَنْحُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والأَمانِي تَؤُمُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والخلائِقُ ترجُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والمصاحِفُ حَوْلَهُ / يخُطُّ كتابَ اللهِ فِيهَا ويتلُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ حاضِراً كُلَّ مَسْجِدٍ / وداعُوهُ أَشياعٌ لَهُ ومُصَلُّوهُ
تَلَهُّفَ قلبٍ لَيْسَ يشفي غليلَهُ / سوابِقُ دمعٍ لاعِجُ الحزنِ يحدوهُ
وأَشكو إِلَى الرحمنِ تَرْحَةَ فجعَةٍ / بمن لَمْ يَبِتْ داعٍ إِلَى اللهِ يَشْكُوهُ
وأَدعو لديهِ فوزَ رَوْحٍ وراحَةٍ / لمن لَمْ يَزَلْ يدعُو إِلَيْهِ ويدعُوهُ
وإِنْ جَلَّ فينا فقدُهُ ومصابُهُ / ليبلُونا فِي الصبرِ عنهُ ويَبْلُوهُ
فقد عَوَّضَ الإِسلامَ من فقدِ نَفْسِهِ / هلالَ سماءٍ لا يضِلُّ مُهِلِّوهُ
وبحراً سقاكُمْ رِيَّ جودٍ وأَنْعُمٍ / فَسَقُّوهُ إِخلاصَ الصدورِ ورَوُّوهُ
وسيفاً حَباكُمْ صَفْحَهُ ومضاءهُ / فصُوغُوا لَهُ حُرَّ الوفاءِ فَحَلُّوهُ
فقد حتمَ الدهرُ الَّذِي حَلَّ خطبُهُ / بأَنْ لَيْسَ إِلّا بالمُظَفَّرِ يَجْلُوهُ
ومن كَانَ لا يعدو الرياسةَ سعيُهُ / فليسَ تباشِيرُ الرياسةِ تَعْدُوهُ
بهَدْي من المنصورِ لَيْسَ يُضيعُهُ / عَلَى سَنَنٍ من سعيِهِ لَيْسَ يَأْلُوهُ
فلولاكَ يَا يحيى لهُدَّتْ لِفَقْدِهِ / ذُرى عَلَمٍ أَذواؤكَ الغُرُّ بانُوهُ
ولولاكَ يَا يحيى لماتَ بِمَوْتِهِ / رجالٌ بأَحرارِ القلوبِ مُوَاسُوهُ
وَمَا رَغِبُوا عن نفسِهِ بنفوسِهِمْ / وَقَدْ ذاقَ طَعْمَ الموتِ حَتَّى يذوقُوهُ
ووُدِّعَتِ الأَرواحُ عند وداعِهِ / وضلَّ سبيلَ الصَّبْرِ عنه مُضِلُّوهُ
وقلَّبَتِ الدنيا قلوباً وأَنفُساً / فلا العيشُ محبوبٌ ولا الموتُ مكروهُ
فلا فَضَّنا دهرٌ وأَنتَ تلُمُّنا / ولا مَضَّنا جُرْحٌ ويمناكَ تَأْسُوهُ
ولا وُقِيَ الإِشراكُ مَا مِنْكَ يُتَّقى / ولا عَدِمَ الإِسلامُ مَا منكَ يرجُوهُ
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا / سلاماً وإِسلاماً وأَمناً وتأْمِينا
ولا أُعْدِمَتْ أَسماؤُكُمُ وسماؤكُمْ / نجومَ السُّعودِ والطُّيُورَ الميامِينا
بِمَنْ يَمُنَتْ أَيامُنا وتلأْلأَتْ / بنُور المُنى والمكْرُمَاتِ ليالينا
دعانا وسقَّانا سِجالَ يمينِهِ / فسَقْياً لساقِينا ورعْياً لراعينا
ومُلْكاً وتمْلِيكاً وفَلْجاً وغبطَةً / وعزّاً وإِعزازاً ونصراً وتمكينا
دعاءٌ لمن عَزَّتْ بِهِ دعوةُ الهُدى / يقُولُ لَهُ الإِسلامُ آمِينَ آمينا
فتىً مَلَكَ الدنيا فَمَلَّكَنا بِهَا / وجاهدَ عنَّا ينصُرُ المُلْكَ والدينا
فقلَّدَ أَعناقَ الأُسودِ أَساوِداً / وحلَّى أَكُفَّ الدَّارِعينَ ثعابينا
وخلَّى القصورَ البيضَ والبِيضَ كالدُّمى / لِبِيضٍ يُكَشِّفْنَ العَمى ويُجَلِّينا
إِذَا مَا كساها من دماءِ عُدَاتِهِ / سَلَبْنَ هواهُ الغيدَ والخُرَّدَ العِينا
وعطَّلَ أَشجارَ البساتينِ واكْتفى / بمُشْتَجِرِ الأَرماحِ منها بساتينا
ليَسْتَفْتِحَ الوردَ الجنيَّ من الطُّلى / ويَشْتَمَّ أرواحَ العُداةِ رياحينا
ويَسْمَعَ من وَقْعِ القَنا فِي نحورِها / حمائِمَ فِي أَغْصانِها وشَفانِينا
يسيرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسيرَ إِذَا الدُّجى / كسا بالجِلالِ البيضِ أَفْراسَهُ الجُونا
سرى ليلَ كانونَينِ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ / سوى الجَوِّ كِنَّاً والنجومِ كوانينا
قريبٌ وَمَا أَدناهُ من صارِخِ الوغى / بعيدٌ وَمَا أَدْنى لَهُ صوتَ داعِينا
وإِن شئتَ لَمْ تعدمْكَ غُرَّةُ وجهِهِ / أَناسِيَّ من أَحداقِنا ومآقِينا
ومثواهُ فِي الأَرواحِ وسطَ صدورِنا / ومجراهُ فِي الأَنفاسِ بَيْنَ تراقِينا
ونعم كفيلُ الشَّمْسِ حاجِبُها الَّذِي / يشيِّعُنا فِيهَا ويَخْلُفُها فينا
يطالعنا فِي نورِها فيعُمُّنا / ويسمو لَنَا فِي شِبْهِهَا فَيُسَلِّيِنا
وصدَّقَ فينا ظَنَّها حينَ صدَّقَتْ / سحابُ نداهُ مَا النفوسُ تُمَنِّينا
وَقَدْ أَثمرَتْ فينا يداهُ بأَنْعُمٍ / تساقَطُ فِي أَفواهِنا قبلَ أَيدينا
وذكَّرَ منه الصومُ والفطرُ هَدْيَهُ / وجمعُ المصلَّى وابتهالُ المصلِّينا
ومقعدُهُ فِي تاجِهِ وسريرِهِ / ليومِ السَّلامِ وازدحامِ المُحَيِّينا
فَمُلِّيتُمُوها آلَ يَحْيى تَحِيَّةً / تُحَيَّوْنَ بالملكِ التَّليدِ وتُحيُونَا
وتُرْجَوْنَ للجُلَّى فنِعْمَ المُجَلُّونَا / وتُدْعَوْنَ للنُّعمى فنعمَ المُجِيبونا
تُشَرِّدُ آفاقُ البلادِ فتُؤْوونا / وتَجْرَحُ أَيدِي النائِباتِ فتَأْسُونا
تُدَاوونَ من ريبِ الزمانِ فتَشْفَوْنا / وتسقُونَ من كَأْسِ الحياةِ فتُرْوونا
حُفاةُ المحزِّ فِي عظامِ عُدَاتِكُمْ / ولكِنْ عَلَى الإِسلامِ هَيْنُونَ لَيْنُونا
فلَوْ لَمْ تَلُونا مالِكينَ لكنتُمُ / بأَخْلاقِكُم ساداتنا وموالينا
ولم لَمْ نكُنْ فِي حمدِكم كَيْفَ شئتُمُ / لكنتُمْ لَنَا فِي الصَّفْحِ عنَّا كَمَا شِينا
وحُبُّكُمُ فِي اللهِ أَزكى فعالنا / وطاعتكم فِي اللهِ أَعلى مساعينا
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ / وعاد نورُ الهدى في جفنِ أَرْمَدِهِ
ولاح قائدُ ذَاكَ الثَّغْرِ أَوْحَدُهُ / فِي قصرِ مالِكِ هَذَا المُلْكِ أَوْحَدِهِ
وعدٌ من اللهِ فِي إِعزازِ دعوتِهِ / وحاشَ للهِ من إِخلافِ موعِدِهِ
فليَهْنِكَ اليومَ يَا شمسَ الوفاءِ لَهُ / بدرٌ دنا منكَ طَلّاباً لأَسْعُدِهِ
قادت إِلَيْكَ بِهِ فِي عَهْدِ مُوثِقِهِ / قلائدٌ لَمْ يُضِعْها فِي مُقَلِّدِهِ
ذخائرٌ لَكَ مِمَّنْ أَنتَ فاقِدُهُ / ووارثُ الملكِ عنهُ غَيْرُ مُفْقِدِهِ
محفوظةٌ عند حُرٍّ لا يَحُورُ بِهِ / عن يومِهِ لَكَ رَيْبُ الدهرِ فِي غدِهِ
شملٌ من الدِّينِ منظومٌ لَهُ وبِهِ / فِي حبلِ عهدٍ مُمَرِّ الفَتْلِ مُحْصَدِهِ
من كلِّ عاقِدِ ميثاقٍ يداً بِيَدٍ / لَمْ تَخْلُ فِيهَا يدُ الرحمنِ من يَدِهِ
رأَى نظامَ الأَمانِ فِي تأَلُّفِهِ / فطارَ نحوَكَ خوفاً من تَبَدُّدِهِ
هدْياً تلقَّى هُدَاهُ فِي اسْمِ والِدِهِ / وشِيمةٌ شَمَّها فِي رَوْحِ مَوْلِدِهِ
وَاسْمٌ من السَّلْمِ والإِسلامِ أَنشأَهُ / بَدْءٌ من الصِّدْقِ عَوَّادٌ بأَحْمَدِهِ
في زهرةٍ من وفاءِ العهدِ فاحَ بِهَا / غمامُ أَنعُمِكُمْ فِي روضِ مَحْتِدِهِ
لَمْ تُنْبِتِ الدِّمَنُ السُّفْلى مراعِيَها / ولا رَعى فِي حِماها كَيْدُ حُسَّدِهِ
مُصْغٍ إِلَيْكَ بِسَمْعَيْ سامِعٍ أَذِنٍ / ومُبْهَمِ البابِ للواشِينَ مُوصَدِهِ
ورافعٌ لَكَ من إِذْعانِهِ عَلَماً / كَمُوقِد النارِ فِي علياءِ مَوْقِدِهِ
يبأَى بذكْرِكَ فِي أَعوادِ منبَرِهِ / حقّاً وباسمِكَ فِي أَسماعِ مَسْجِدِهِ
مُهَنَّداً لَكَ فِي يُمناكَ قائِمُهُ / وعِزُّ نصرِكَ فِي حَدَّيْ مُهَنَّدِهِ
تغَمَّدَتْهُ أيادٍ منكَ أَوْضَحَها / إِلَى عِداكَ بسيفٍ غَيْرِ مُغْمَدِهِ
وَفِي خيولِكَ حازَ الدَّرْبَ يُصْعِقُهُ / بكُلِّ مُبْرِقِ غيمِ الموت مُرْعِدِهِ
وعن قِسِيِّكَ رامى الرُّومَ منتحياً / بكلِّ نافذِ وقعِ النصلِ مُقْصِدِهِ
وَفِي سبيلِكَ خاض البحرَ مقتحِماً / سُبْلَ الجهادِ إِلَى غاياتِ أَجْهَدِهِ
مُغَمِّضَ الطَّرْفِ عن أَغراضِ أَقْرَبِهِ / سامي الجفونِ إِلَى آفاقِ أَبعَدِهِ
فليس هادِي القَطا شَرَّابَ أَنْقُعِهِ / ولا مُنِيفُ الرُّبى طَلّاعَ أَنْجُدِهِ
وإِنَّ أَوَّلَ مقتولٍ بِفِطْرَتِهِ / شَكٌّ من الغَدْرِ أَرداهُ وَلَمْ يَدِهِ
حَتَّى إِذَا النَّأْيُ أَدنى من تَوَحُّشِهِ / وفَلَّ قَتْلُ الأَعادي من تَجَلُّدِهِ
وغَرَّهُ بُعْدُ عهدٍ منكَ أَذْكَرَهُ / عهداً لِقُرْبِكَ يُبْلى فِي تعَهُّدِهِ
ثنى إِلَيْكَ بِهِ مِنْ تَحْتِ رايَتِهِ / رأْيٌ رأَى فِي سناهُ نُصْحَ مُرْشِدِهِ
كَأَنَّ من وجهِكَ الوضَّاحِ قابَلَهُ / نورٌ أَنارَ إِلَيْهِ وَجْهَ مَقْصِدِهِ
حَتَّى اسْتَهَلَّ إِلَى يمناكَ مُقْتَبِلاً / منها لأَيْمَنِ إِهلالٍ وأَسْعَدِهِ
مستفتِحاً منك بابَ العِزِّ مبتدِراً / فِي باب سُدَّتِكَ اسْتِكْمالَ سُؤْدَدِهِ
قد شَقَّ دِرْعَ التَّوقِّي عن تَوَقُّعِهِ / وجابَ غيب التظنِّي عن تودُّدِهِ
إِذ لَمْ ترم خيلك الغزَّى بمكلئه / وَلَمْ يُضِعْ ثغرَكَ الأَعلى بِمَرْصَدِهِ
فأَيُّ شمسٍ أَضَاءَتْ قَبْلَ مطلَعِها / لَهُ وبحرٍ سقاهُ قبلَ مَوْرِدِهِ
مُقَدِّماً لِسناهُ قبلَ مَقْدَمِهِ / ومُشهِداً برضاهُ قبلَ مَشْهَدِهِ
فأَيُّ مولىً تَلقَّاهُ فأَسْمعَهُ / من بَيْنِ شيعَتِهِ الدُّنيا وأَعْبُدِهِ
بُشرَاكَ هَذَا حِباءُ البِرِّ فاحْتَبِهِ / مِنِّي وهذا رداءُ العزِّ فارْتَدِهِ
فابلُغْ قَصِيَّ الأَمانِي يَا مُظَفَّرُ فِي / مُظَفَّرِ المَقْدَمِ الأَقصى مُؤَيَّدِهِ
في أَكْرَمِ الذِّكْرِ فِي الدنيا وأَخْلَدِهِ / وأَسْعَدِ الجَدِّ فِي الدُّنيا وأَصْعدِهِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025