المجموع : 174
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ / وآنس النَّفرَ فاستكَّتْ مسامِعُهُ
وَوَدَّعَ المَنزِلَ الأَعلى فأَوْدَعَهُ / فِي القَلبِ لاعِجَ بثٍّ لا يُوادِعُهُ
يا معهداً لَمْ يُضِعْ عَهدَ الوفاءِ لَهُ / مُكسَّفُ النورِ عافي القدْرِ ضائِعُهُ
ولا ثَنى عَبَراتي عنْ تَذَكُّرِهِ / دَهْرٌ تَقارَعُ فِي صدري قوارِعُهُ
حَسبي ضُلوعٌ ثَوَت فِيهَا مَصائِبُهُ / وَمُقلَةٌ رَبَعتْ فِيهَا مَرابعهُ
سَقاكَ مثلُ الَّذِي عفَّى رُباكَ عسى / يُنبيكَ كيْفَ غريبُ الرَّحْلِ شاسِعُهُ
صباً كَتَصعيدِ أَنفاسي وصوبُ حياً / تُريكَ عبْرةَ أَجْفانِي مَدامِعُهُ
سحٌّ إذَا شَفَّ صحنَ الخدِّ ضائِرُهُ / شفى تباريحَ مَا فِي القلبِ نافِعُهُ
لله من وَطَنٍ قلبي لَهُ وطنٌ / يَبلى وأَبلى وَمَا تبلى فجائِعُهُ
لا يسأَمُ الدَّهْرُ من شَوقٍ يُطالِعُني / مِنهُ ومن زَفرةٍ منِّي تُطالِعُهُ
فطالَما قَصَّرَتْ لَيلي مَقاصِرُهُ / لَهواً وَمَا صَنَّعت صُبحي مَصانِعُهُ
وطالما أَيْنعتْ حولِي حدائِقُهُ / والعيشُ غضٌّ أَنينُ الرَّوضِ يانِعُهُ
وكم أُظِلَّ مَقِيلي وَسْطَ جَنَّتِهِ / بكُلِّ فرع حَمامُ الأَيكِ فارِعُهُ
إِنْ تُسعِدِ اليومَ أَشجاني نوائِحُهُ / فكم وكمْ ساعَدَتْ شَجْوي سَواجِعُهُ
وكم وَفى ليَ فِيهِ من حبيبِ هوىً / خَلَعتُ فِيهِ عِذاري فَهو خالِعُهُ
رَوْضٌ لعَيْن الهوى راقَتْ أَزاهِرُهُ / ومَشرَبٌ للصَّبَا طابَتْ مَشارِعُهُ
وكم صَدَعْتُ فؤادَ اللَّيلِ عن قَمرٍ / لَهُ هَوىً فِي صميمِ القلبِ صادِعُهُ
خالَستُ فِيهِ عيوناً غيرَ هاجِعةٍ / والحَزمُ عنِّي غضيضُ الطرفِ هاجِعُهُ
وفي نِجادِي جريُّ الإِلفِ مُقْدِمُهُ / وَفِي عِناني مُشيحُ الجذْلِ دارِعُهُ
فما تجاوَزْتُ قَرْنَ الموتِ مُعتسفاً / إِلّا وقِرني رخيم الدَّلِّ بارِعُهُ
تَحِيَّتي منه تَقبيلٌ ومُعتنَقٌ / يَشدُّنِي غُلُّهُ فِيهِ وجامعُهُ
لم أخلَعِ الدِّرعَ إِلّا حِينَ شَقَّقَهُ / عن صفحِ صَدريَ مَا تَحوي مدارِعُهُ
ولا تَوَقَّيتُ سَهماً مِنْ لَواحِظِهِ / يُذيبُ سَيفي وَفِي قَلبي مَواقِعُهُ
غُصنٌ تَجرَّعَ أَنداءَ النَّعيمِ فما / يُطوَّقُ الدُّرَّ إِلّا وهو جارِعُهُ
غَضُّ القباطِيِّ تَحْتَ الوَشي ناعِمُها / مُخلخَلُ الجيدِ فَوْقَ العقدِ رادِعُهُ
يَميسُ طَوْراً وسُكرُ الدَّلِّ عاطِفُهُ / وتارَةً وانثناءُ الوَشيِ لاذِعُهُ
فاستفرَغَ الخَصرُ كُثبانا تُباعِدُهُ / وأنبتَ الصدْرُ رُمَّاناً تُدافِعُهُ
وفي السوالِفِ خوْفُ الصُّدغِ يَجرحُهُ / تِمثالُ صُدْغَيهِ مِسكاً فهو مانِعُهُ
فَبِتُّ تَحْتَ رِوَاقِ اللَّيلِ ثانِيَهُ / والشوقُ ثالثُهُ والوَصْلُ رابعُهُ
والسحرُ يسحرُ من لفظٍ يُنازِعُني / والمِسكُ يَعبقُ من كَأْسٍ أُنازِعُهُ
راحاً يَمُدُّ سناها نُورُ رَاحتهِ / لولا المها لجرَتْ فِيهَا أَصابعُهُ
كَأَنما ذاب فِيهَا وردُ وَجْنته / وشجَّها ريقُها المعسول مائعُهُ
جنى حياةٍ دَنتْ مِنِّي مطاعِمُهُ / من بعدِ مَا قَدْ نَأتْ عنِّي مطامِعُهُ
قَدْ أَنهَبَ المِسكَ والكافورَ خازِنُهُ / وأرخَصَ الوَرْدَ والتفاحَ بائِعُهُ
فيا ضَلالَ نُجومِ اللَّيلِ إِذْ عَدِمَتْ / بَدْرَ السماءِ وَفِي حِجري مَضاجِعُهُ
ويا حَنينَ ظِباءِ القفْرِ إذ فَقدَتْ / غَزَالَهُنَّ وفي رَوْضي مَرَاتِعُهُ
مَجالُ طَرْفِي وَمَا حازَتْ لواحِظُهُ / وحرُّ صَدري وَمَا ضَمَّتْ أَضالِعُهُ
وَالطِّرْفُ مرْآةُ عيني أَستَدِلُّ بِهِ / عَلَى الصَّباحِ إذَا مَا خِيفَ ساطِعُهُ
جَوناً أزيدُ به لَيلَ الرَّقيبِ دُجىً / ويستثيرُ ليَ الإِصباحَ لامِعُهُ
فباتَ يَعجبُ من ظبيٍ يُصارِعُني / وَقَدْ يحِنُّ عَلَى لَيثٍ أُصارِعُهُ
وَمَا رأَى قبلَها قِرْناً أُعانِقُهُ / إِلّا وَوَدَّعَ نفساً لا تُراجِعُهُ
حَتَّى بَدا الصُّبحُ مُشمَطّاً ذَوائِبُهُ / يُطارِدُ اللَّيلَ مَوْشِيّاً أكارِعُهُ
كَأَنَّ جَمْعَ ضلالٍ حانَ مَصرَعُهُ / وأنتَ بالسيفِ يَا مَنصورُ صارِعُهُ
أَوْ كاشتِجَارِ رِماحٍ أنتَ مُشْرعُها / فِي بابِ فتحٍ مُبينٍ أَنتَ شارِعُهُ
جَيشٌ يَجيشُ برَعْدِ المَوْتِ يقدُمُهُ / إِلَى عِدَاكَ قضاءٌ حُمَّ واقِعُهُ
صباحُ بارِقةٍ لولا عَجاجَتُهُ / وَليلُ هابيةٍ لولا لوامِعُهُ
دلائِلُ اليُمْنِ فِي الهَيجا أَدِلَّتُهُ / وأَنجُمُ السَّعدِ بالبشرى طَلائِعُهُ
يُهدى بِهَدْيِ لِواءٍ أَنتَ عاقِدُهُ / للهِ واللهُ بِالتأْييدِ رافِعُهُ
لِمَوْعِدٍ غيرِ مكذوبٍ عواقِبُهُ / فِي مَتْجَرٍ غَيرِ مُزْجاةٍ بضائِعُهُ
مَثنى جِهادٍ وصوْمٍ ضمَّ شملَهُما / عَزْمٌ يُسايرُهُ صَبرٌ يشايِعُهُ
فلا ظَلامُ قَرارٍ أَنتَ ساكِنُهُ / ولا نَهارُ مُغارٍ أَنتَ وادعُهُ
تَهيمُ فِي الأَرْضِ عن حِصنٍ تُنازِلُهُ / وتَخرِقُ البيدَ عن جيشٍ تُقارِعُهُ
حَتَّى جَدَعْتَ أُنُوفَ الشِّركِ قاطِبةً / بأَنفِ مَعقلِ كُفرٍ أَنتَ جادِعُهُ
غابُ الأُسودِ الَّذِي غُرَّ الضَّلالُ بِهِ / فَخادَعَ اللهَ منهُ وهوَ خادِعُهُ
فإِنْ شَجتْ ثغرَكَ الأَقصى مَرابصُهُ / فقد شَجتْ أَرْضَه القصوى مَصارِعُهُ
وإِنْ يَرُعْ نازِحَ الأَوْطانِ عَنكَ فقدْ / راعَ العدى منهُ يومٌ أَنتَ رائعُهُ
صَبَّحتَهُ من رِياحِ النَّصرِ عاصفةً / لا تتَّقي بَعدَها خَسفاً بَلاقِعُهُ
كَأَنَّ نافخ صُورِ الموتِ أَصعقَهُ / فَهدَّ أَسوارَهُ العليا صَواقِعُهُ
فَمقعَصٌ ناشِزٌ عنهُ حلائِلُهُ / ومُرْضَعٌ ذاهِلٌ عنهُ مَراضِعُهُ
وهامَ تَحْتَ بُرُوقِ المَوْتِ كلُّ رَشاً / اللَّيثُ كافِلُهُ والليثُ فاجِعُهُ
هذا مُعانِقهُ يأْساً فَمُسلِمُهُ / وذا مُعانِقهُ إِلفاً فَشافِعُهُ
عواطِلاً أَنتَ حَلَّيتَ الخُيولَ بِهَا / جيشاً غدائِرُها فِيهِ بَراقِعُهُ
أَورَدتها المِصرَ والأَبصارُ طامِحةٌ / لِصنعِ مَا لَكَ ربُّ العرشِ صانِعُهُ
والأَرضُ تَلبسُهُ طَوْراً وتَخلعُهُ / والجِسرُ حامِلُهُ كَرْهاً فواضِعُهُ
طوْدٌ منَ الخيلِ أَعلاهُ وأَسفلُهُ / بَحْرٌ من السَّيلِ مُلتجٌّ دَوافِعُهُ
والشَّمسُ لابسةٌ منهُ قِناعَ دُجىً / واليومُ أَزْهرُ وَجهِ الجوِّ ماتِعُهُ
بيُمنِ حاجِبِكَ الميمونِ طائِرُهُ / وَسَعدِ قائِدِكَ المسعودِ طالعُهُ
أَنجبتَهُ كاسْمِهِ تَحيا عُلاكَ بِهِ / كَهلُ التجارِبِ شَرْخُ العزْمِ يافِعُهُ
ساقِي الحياةِ لمنْ سالَمْتَ مُطعِمُها / ذُعافَ سُمٍّ لِمَنْ حارَبتَ ناقِعُهُ
أَوْفى بِهِ فِي رِداءِ الحِلمِ لابسُهُ / وَعَلَّهُ بلِبانِ الحَرْبِ راضِعُهُ
مَنْ أَشرَقَتْ بسجاياهُ مَقاوِلُهُ / وأَعرَقَتْ فِي مَساعيهِ تبابعُهُ
وقَلَّدَتْهُ تُجيبٌ حَلْيَ سابقها / حَتَّى غدا السابقَ المتبوعَ تابعُهُ
واحْتازَ إِرْثَ الأُلى آوَوْا وَهُمْ نَصرُوا / باسمٍ يُصدِّقُهُ فِعلٌ يُضارِعُهُ
فإِنْ تضايَقَتِ الدُّنيا بمُغتَربٍ / فَمُنذِرٌ بعدُ رَحْبُ الصدرِ واسِعُهُ
وإِنْ دَجا فلَقٌ يوْماً بذي أَمَلٍ / فَذُو الرِّياساتِ طَلقُ الليلِ ناصِعُهُ
ومن سواه لمقطوعٍ أَواصِرُهُ / ومن سواه لمردودٍ شَوافِعُهُ
ومن سواهُ لخطبٍ جَلَّ فادِحُهُ / ومَن سواهُ لِخرقٍ قلَّ راقِعُهُ
ومن يُسيمُ نَداهُ فِي خزائِنهِ / كَأَنَّه فِي أَعاديهِ وَقائِعُهُ
واسْتودَعَ اللهُ للإِسلامِ فِي يدِهِ / مكارِماً حُفظتْ فِيهَا ودائعُهُ
يا واصِلاً بالندى مَا اللهُ وَاصِلُهُ / وقاطِعاً بالظُّبى مَا اللهُ قاطِعُهُ
اسْعدْ بفخرٍ وفِطرٍ أنت حاصِدُهُ / مِنْ برِّ فتحٍ وصَوْمٍ أَنتَ زارِعُهُ
ومَشهدٍ لِلْمُصلَّى قَدْ طَلَعتَ لَهُ / كالبدرِ مُشرِقَةً مِنهُ مطالعُهُ
في جيشِ عزٍّ ونصرٍ أَنت غُرَّتُهُ / وشملِ دينٍ ودُنيا أَنتَ جامِعُهُ
مُعظَّمُ القَدْرِ فِي الأَبصارِ باهِرُهُ / وخافِضُ الطَّرْفِ للرَّحمنِ خاشِعُهُ
ومَوقفٍ لَكَ فِي الدَّاعينَ رَفَّعَهُ / إِلَى السمواتِ رائيهِ وسامِعُهُ
بكَ استُهِلَّ بِهِ فصلُ الخطابِ وَمَا / أَسَرَّ ساجِدُهُ الدَّاعِي وراكِعُهُ
وسَلَّموا من صَلاةِ العيدِ وافتتَحوا / إِليكَ أَزْكى سَلامٍ شاعَ شائِعُهُ
جَمعاً يؤُمُّ إِليكَ القصرَ مُستَبِقاً / الحَمدُ قائدُهُ والحَمدُ وازِعُهُ
حَيْثُ المكارمُ مَرفوعٌ معالمُها / ونَيِّرُ الدينِ معمورٌ شَرائِعُهُ
وتالِدُ المُلكِ محفوظٌ بخاتَمِهِ / من طينةِ المَجدِ والرَّحمنُ طابعُهُ
واسْلَمْ لَهمْ ولمنْ أَوْفَى بِهِ أَمَلٌ / فاتَ المنايا إِلَى يُمناكَ نازِعُهُ
يعلُو الجِبالَ بأَمثالِ الجبالِ أَسىً / يَحدوهُ جدٌّ عَثورُ الجَدِّ ظالِعُهُ
وَرُبَّ لُجَّةِ بحرٍ تَحْتَ بَحرِ دُجىٌ / قاسى إِلَى بحرِكَ الطَّامي يَنابِعُهُ
وَمِنْ شمائِلِكَ المُعيي بَدائِعُها / فِي الأَرْضِ جَاءَتْكَ تستَملي بدائِعُهُ
فلا تَواَضعَ قَدرٌ أَنتَ رافِعهُ / وَلا تَرْفَّعَ قَدْرٌ أَنتَ واضِعُهُ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ / ويوْمُ سَعدٍ أَرانا الفتحَ قَبلَ غدِهْ
بمقدِمٍ والقنا مِلءُ الفضاءِ بِهِ / وقادِمٍ وعتادُ الشِّرْكِ ملءُ يدِهْ
داعٍ إِلَى دعوةِ الإِسلامِ ينصُرُها / فأَيُّ مُعتمدٍ من شَأْوِ مُعتمدِهْ
وكمْ فؤادٍ وكم جسمٍ وكم بَصَرٍ / لَبَّاهُ من قُرْبهِ سَعياً ومِنْ بُعُدِهْ
جمعاً غدا الحاجِب المَيمونُ قائدَهُ / والنَّصرُ والصَّبرُ والإِيمانُ من مَدَدِهْ
لمثلِها كنتَ يَا منصورُ والِدَهُ / ومِثلَها سَيُريكَ اللهُ فِي وَلَدِهْ
أَنجبتهُ وسْطَ رَوْضِ المُلكِ تَظْأَرُهُ / بواسِقٌ للعُلا تَهْتَزُّ فِي ثأَدِهْ
أَثمارُها من جنى الجانين دانِيةٌ / ووَرْدُ زَهْرَتِها قَدْ راقَ فِي نضدِهْ
فأَرْضَعَتْهُ ثُدِيَّ الحربِ فِي كِلَلٍ / من القنا فَوْقَ مَهدٍ من شبا قِصَدِهْ
حَيْثُ تلاقَتْ نواصي الخَيلِ واعتَنَقَتْ / صدورُ غَيظٍ يذوبُ الصَّخْرُ من وَقَدِهْ
سَرى لأَمرِكَ لا لَيلٌ بواجِدِه / عَلَى الحَشايا ولا نَجمٌ بِمفتقِدِهْ
مُجهِّزاً فِي سبيلِ اللهِ جَيشَ هُدىً / السَّمعُ والطَّوْعُ للمنصورِ من عُدَدِهْ
لمنْ بنى قُبَّةَ العَليا نَدىً ووَغىً / فأَصبحَ المُلكُ مرْفوعاً عَلَى عُمُدِهْ
مُوَرَّثِ المُلكِ من عُليا تَبابِعِهِ / والسَّيفِ من عَمْرِهِ والسَّيب من أُدَدِهْ
والنَّصْرِ من سَعيِ أَعمامٍ لَهُ فُطرُوا / لِنَصرِ ذي العَرْشِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِهْ
مُشَدِّداً عُقَدَ الإِسلامِ إِنْ نُكِثَتْ / ولا تَحُلُّ خطوبُ الدَّهرِ من عُقَدِهْ
وقائِدُ الخيلِ مُزْجاةً مُجَهَّزَةً / للحربِ من صبرِهِ فِيهَا ومن جَلَدِهْ
هادٍ هوادِيَها والليلُ معتكرٌ / بهَدْيِ من أرْشِدَ الإِسْلامُ فِي رَشَدِهْ
كم بَيْنَ ليلِكَ يَا منصورُ تُركِضُها / وليلِ مُرْتكِضٍ فِي لَهْوِهِ وَدَدِهْ
ما صُبحُ مصطَبحٍ فِي روضةٍ أُنفٍ / من صُبْحِ من يَنعمُ الإِسلامُ فِي كَبِدِهْ
سارٍ إِلَى غِرَّةِ الأَعداءِ يَطلُبُها / إِذَا تقلَّبَ ساهِي العيش فِي رَغَدِهْ
مسهَّداً فِي سبيلِ اللهِ يكلؤُهُ / ربٌّ أَنامَ عُيونَ الدِّينِ فِي سُهُدِهْ
مُوفٍ عَلَى كَتدَيْ طاوي الحُزونِ بِهِ / والمُلكُ والدِّينُ والدنيا على كَتدِهْ
تُقصِّرُ الرِّيحُ عن مَسْرى كتائِبِهِ / كما تَقاصَرَتِ الأَملاكُ عن أَمَدِهْ
بُحورُ جَدْواهُ فِي الآفاقِ زاخِرةٌ / وَقَدْ يُزاحِمُ هِيمَ الطَّيرِ فِي ثَمدِهْ
شَرَّابُ أَنقُع أَجوازِ الفَلاةِ إذَا / مَا كَانَ شُرْبُ دمِ الأَعداءِ من صَدَدِهْ
حَتَّى يَئُودَ القنا فِي كُلِّ معركةٍ / أَوْداً يُقيمُ قَناةَ الدِّينِ من أَوَدِهْ
ويُنهِبُ الموتَ أَرواحَ الكُماةِ كَما / يُبيحُ فِي السَّلم جَدْوَاهُ لمُنتقِدِهْ
حَيْثُ يُعِلُّ أَديمَ القِرْنِ من دَمِهِ / ويَحتَبي جَسدُ الجبَّارِ فِي جَسَدِهْ
وتلحَظُ الشَّمسُ من أَثناءِ هَبْوَتِهِ / كما يُغَضغِضُ جَفنُ العَينِ من رَمَدِهْ
لا يُبعِدُ الجُودَ من يومِ الجِلادِ ولا / يُغِبُّ يومَ نداهُ يومُ مُجتلَدِهْ
كَأَنَّهُ من دَمِ الأَعداءِ فِي حَرجٍ / فإِنْ يَمُتْ ذو سلاحٍ من يدَيْهِ يَدِهْ
ومُعتَفوهُ لَديهِ أولياءُ دمٍ / نَداهُ ذُو عَقلِهِ فيهم وذو قَوَدِهْ
مساعِياً كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ واكتُتِبَت / فينا بسعي ابن يحيى واعتلاءِ يدِهْ
يَخُطُّها بصدورِ الخَطِّ مُنصلِتاً / فِي كلِّ صدرٍ حليفِ الكُفرِ مُعتقِدِهْ
ويَنْثَني فِي صِفاحِ العُجمِ يُعجِمُها / بِصَفحَتَيْ كُلِّ ماضِي الغرْب مُتَّقدِهْ
والمُلكُ يَنسَخُها فِي أُمِّ مَفخَرِهِ / والدهرُ يَقرَؤها فِي مُنتَهى أبَدِهْ
راع الملوكَ فمخنوقٌ بجِرَّتِهِ / يهيمُ فِي الأرضِ أو لاجٍ إِلَى سَندِهْ
فتِلكَ نفسُ ابن شَنجٍ لا مآلَ لَهَا / من مِيتَةِ السيفِ أَوْ عَيشٍ عَلَى نَكدِهْ
ما يَرْتَقي شَرَفاً إِلّا رَفَعتَ لَهُ / وجهاً من الرَّوْعِ مَرفوعاً عَلَى رَصَدِهْ
ولا انتحى بلداً إلّا قَرَنْتَ بِهِ / هَمّاً يُبلِّدُهُ عن مُنتحى بَلَدِهْ
وقد تَوَجَّسَ من يُمناكَ بارِقَةً / فِي عارِضٍ لا يفوتُ الطَّيرُ من بَرَدِهْ
جيشاً إذَا آدَ مَتنَ الأَرضِ تَعدِلُهُ / بحِلْمِ أَرْوَعَ راسي الحِلمِ مُتَّئدِهْ
كالبحرِ تَنسِجُهُ ريحُ الصَّبا حُبكاً / إذَا ترَقرَقَ فِي الماذِيّ من زَرَدِهْ
بحرٌ سفائِنهُ غُرٌّ مَسومَةٌ / والبَيْضُ والبِيضُ والرَّاياتُ من زَبَدِهْ
وجاحمٌ من حريقٍ لا خمودَ لَهُ / إِلاَّ ونَفسُ ابن شَنجٍ وسْط مُفتأَدِهْ
كَتائِباً تَرَكَتْ عُبَّادَ مِلَّتِهِ / لا تعرِفُ السبتَ فِي الأيامِ من أَحَدِهْ
إِن ضاقَ عن مرِّها رَحْبُ الفضاءِ فقد / نَفِذْتَ من قَلبِهِ فِيهَا إِلَى كَبدِهْ
فتَّتَّ منها قواصي بَنباويَتِهِ / بالهَدْمِ والنَّارِ فَتّاً فتّ فِي عضدِهْ
وقدْتَ منها مطاياهُ مُوَقَّرَةً / بأهل كُلّ رفيع القدر أَوْ وَلَدِهْ
سما لَهُمْ رهَجُ المنصورِ فانقلبُوا / نحلاً جَلاهُ دُخانُ النَّار عن شُهُدِهْ
وراحَ كُلُّ منيعٍ من معاقِلِهِمْ / غاباً خَلا لمُبيرِ الأُسدِ من أَسَدِهْ
يرمي إِلَى الخيلِ والأَبطالِ مُفتدياً / بكلِّ أَغيدَ زادَ الذُّعر فِي غَيَدِهْ
ثم اتَّقَى أعيُنَ النُّظَّارِ ينقُدُها / من عَينِهِ كالحَصى عدَّاً ومِنْ نقَدِهْ
فرُبَّ ذي قَنصٍ زُرقٍ حبائِلُهُ / قَدْ صادَ ظَبياً وَكَانَ اللَّيثُ من طَرَدِهْ
وقد ترَكْتَ ابنَ شَنجٍ فلَّ مُعتَرَكٍ / إِن لَمْ يَمتْ من ظُباهُ ماتَ من كَمَدِهْ
مُشَرَّداً فِي قواصي البيدِ مُغترِباً / وَقَدْ مَلأْتَ فِجاجَ الأَرْضِ من خُرُدِهْ
وَ فِرْذَلندُ رَدَدْتَ المُلكَ فِي يَده / وَمَا رَجا غَيرَ رَدِّ الرُّوحِ فِي جَسَدِهْ
شِبلٌ دعاكَ لأُسْدٍ فوقهُ لِبَدٌ / فأقشعتْ عنه والأَظفارُ فِي لِبَدِهْ
وطارَ نحوَكَ سَبحاً فِي مَدامِعِهِ / وَقَدْ تزَوَّدَ مِلْءَ الصَّدر من زُؤُدِهْ
ثم انثنى وملوكُ الشِّرْكِ أَعبُدُهُ / إِذْ جاءَ عبدَ يَدٍ أَلقى لَهَا بيدِهْ
وآبَ مَنصورُ قَحطانٍ بعزَّتِهِ / أَوْباً تَذُوبُ مُلُوكُ الأَرْضِ من حَسَدِهْ
فاللهُ ينقُصُ من أَعدائِه أَبداً / ويستَزيدُ من الإِسلامِ فِي عَدَدِهْ
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ / وجرَتْ بِرِفعةِ قَدْرِكَ الأقدارُ
ودَنَتْ لَكَ الدُّنيا بِقاصِية المُنى / وَتَخَيَّرَتْ لَكَ فَوْقَ مَا تختارُ
فإِذَا النُّجومُ تطلَّعتْ لَكَ أَسعُداً / بَدَرَ البدُورُ بهنَّ والأقمارُ
وإِذا زَجَرْتَ ليُمنِ يَومِكَ طائراً / حُشرَتْ إِليكَ بِيُمنِها الأَطيارُ
وإِذا المُنى بدَأَتْكَ غَرْسَ رياضِها / حَيَّتكَ فِي أَغصانِها الأَثمارُ
سَبقاً كما سَبَقتْ فِعالُكَ كُلَّ مَا / أَعيتْ بِهِ الأَوْهامُ والأَفكارُ
وتَجلِّياً للدَّارِعينَ تَصيدُها / بطيورِ خَيلكَ والعقولُ تُطارُ
بشمائلٍ مشمولةٍ بمكارِمٍ / مَا للخطائرِ عندَها أَخطارُ
ومعالِمٍ لِندى يَديْكَ وإِنَّها / سُرُجٌ إِليكَ لحائرٍ ومَنارُ
فإِذا عوَانُ المَجدِ رَدَّ خطيبُها / فَلَكَ الأَيامى مِنهُ والأَبكارُ
وإِذا الحُروبُ تساجَلتْ أَيَّامُها / فقتيلُ سيفكَ فِي المُلوكِ جُبارُ
ولقد عَضضتَ عَلَى الخطوبِ بناجِذٍ / للدَّهرِ منه سكينةٌ وَوَقارُ
لكن شمائلُ فِي النَّدى وكَّلتها / بعفاةِ جُودِكَ فتيةٌ أَغمارُ
ما البحرُ فِي الأَرْضِ العريضةِ بعدَما / فاضتْ عليها من نَداكَ بحارُ
أَوْ مَا غَناءُ المِسك فِي الدُّنيا وَقَدْ / مُلِئَتْ بطيبِ ثنائكِ الأَمصارُ
فبهِ تأَنَّقَتِ الحدائِقُ وازْدَهى / زَهرُ الرُّبى وتفتَّحَ النُّوّارُ
وتنافَحتْ بنسيمها ريحُ الصَّبا / وتفاوَحَتْ برِياضها الأَسحارُ
وتعاطَتِ النُّدَماءُ كأْسَ مُدامِها / وسَرَتْ بِهَا الرُّكبانُ والسُّمَّارُ
فكأَنَّ للدُّنيا بحَمدِكَ أَلسُناً / تُصغِي لَهَا الآفاقُ والأَقطارُ
وكأَنَّما الأَيَّامُ فيكَ مدائحٌ / نُظِمَتْ كما نُظِمتْ لَكَ الأَشعارُ
واللهُ جارُكَ كم أَجَرْتَ عِبادَهُ / من كُلِّ خطبٍ لَيْسَ مِنه جارُ
وَضَرَبْتَ عنهمْ كُلَّ جبَّارٍ عتا / فحباكَ بيضةَ مُلكهِ الجبَّارُ
في جَحْفَلٍ كاللَّيلِ جرَّارٍ لَهُ / من عِزِّ نَصركَ جحفلٌ جَرَّارُ
أُمدِدْتَ فِيهِ بالملائكةِ الَّتِي / نُصرَتْ بِهَا أَعمامُكَ الأَنصارُ
وكَسوْتَ فِيهِ الشمسَ بُردَ عَجاجَةٍ / للموتِ تَحْتَ ظلامِها إِسفَارُ
والجوُّ يَحمى والدِّماءُ سواكِبٌ / والأَرْضُ رَيَّا والسَّماءُ غُبارُ
والمُقفِراتُ سوابقٌ وخوافقٌ / والشاهِقاتُ أَسِنَّةٌ وشِفارُ
كلٌّ رَفَعتَ صدورَهُنَّ لغارَةٍ / مَا إِنْ لَهَا قبلَ الصُّدورِ مُغارُ
وقد ادَّرَعَت لَهَا سوابقَ عَزمةٍ / البِرُّ والتقوى لهنَّ شِعارُ
بَهرَتْ فهنُّ عَلَى ابن يَحيى فِي الوغى / نورٌ لَهُ وَعَلَى ابن شنجٍ نارُ
تحمى فيودِعُها جوانِحَ صَدرِهِ / كي لا تُبَيِّنَهُ لَكَ النُّظَّارُ
أَسَدٌ حَطمْتَ سِلاحَهُ فتركْتَهُ / بالبيدِ لا ظَفَرٌ ولا أَظفارُ
رَهناً بإِلقاءِ اليدَيْنِ لقاهِرٍ / أَعلى يَدَيهِ الواحِدُ القهَّارُ
مَلِكٌ كَأَنَّكِ يَا مَحاسِنَ فِعلِهِ / من سَيِّئاتِ زمانِكَ استغفَارُ
خُصَّتْ بِهِ سَبأٌ وعُمَّ بنصْرِهِ / عُليا قُرَيشٍ فِي الهُدى ونِزارُ
رَبذُ القِداحِ من الرِّماحِ وَمَا لَهُ / إِلّا السِّباعَ وطيْرَها أيسارُ
ونديمُ بيض الهِندِ يومَ دَمُ العدى / خمرٌ لَهُ والمأْثراتُ خُمارُ
آياتُ نصْرٍ فِي الوَرى بسيوفِها / أَمِنَ الهُداةُ وآمَنَ الكُفَّارُ
جاهَرْتَ حُرَّ بلادِهِم بجهادِهِمْ / حَتَّى غَدَوْا وهُمُ لَهَا أَسرارُ
وسرَيتَ حَتَّى ظَنَّ من صبَّحتَهُ / أَن الظلامَ عَلَى سُراكَ نهارُ
ولكم أَطارَهُمُ لِسيفِكَ بارِقٌ / حَتَّى دَعَوْتَهُمُ إِليكَ فطاروا
وجنَحتَ للسَّلم الَّتِي جَنحوا لَهَا / وقضاءُ ربِّكَ فِي العِبادِ خِيارُ
فأَتوكَ مُستَبِقِينَ قَدْ قربَ المدى / منهمْ إِليكَ وذُلِّلَ المضمارُ
ودَنا ابنُ رُذْميرٍ يُزَلْزِلُ خَطوَهُ / أملٌ تقسَّم نفسَهُ وحِذارُ
ففُؤادُهُ من ذُعْرِ سيفكَ طائرٌ / طَوْراً ومن عَجلٍ إِليكَ مُطارُ
ولَقبلُ أَيْقنَ فِرْذِلَندٌ مَا لَهُ / إِلّا إِليكَ من الحِمامِ فِرار
كلٌّ يَخِرُّ لأَخْمَصَيْكَ وطالَما / سَامَوْكَ فِي رَهَجِ الخَميس فخَارُوا
فهناكَ أُخْلِصتِ النُّفُوسُ وأُكِّدَتْ / عُقَدُ العُهُودِ وشَدَّتِ الأَنْصارُ
وتَوَاصَلَ البُعَدَاءُ منكَ بطاعَةٍ / وُصِلتْ بِهَا الأَرْحامُ والأَصهارُ
فعقدْتَ فِي عُنقِ الضَّلالِ مَواثِقاً / دانَتْ بِهَا الرُّهبانُ والأَحبارُ
وكأنَّما كانتْ عُقودَ تمائِمٍ / سَكنتْ بِهَا الأَوْجَالُ والأَذْعارُ
أَحيَيتَ منها مُلكَ رُذْميرٍ وَقَدْ / مَشَتِ الدُّهور عَلَيْهِ والأَعصارُ
وأَقَمْتَ تاجَ جَبينِهِ منْ بعدِما / عفَتِ المعالِمُ منهُ والآثارُ
وبَسَطتَ من قَشتِلَّةٍ يَدَ آمِنٍ / لِرِضاكَ فِيهَا يارَقٌ وسِوارُ
ثم انثَنَوْا يَبأوْنَ منكَ بطاعَةٍ / رَفَعوا بِهَا أَعلامَهُمْ وأنارُوا
ولَهُمْ بذِكْرِكَ فِي العداةِ تَبجُّجٌ / وبقُبلِ كَفِّكَ فِي البلادِ فخارُ
ورفَعتَ أَجيادَ الجِيادِ لأَوْبَةٍ / رَفِعتْ لَهَا الآمالُ والأَبصارُ
فكأنما البُشرى بذلِكَ عندَنا / كأْسٌ علينا بالسُّرورِ تُدارُ
والأَرْضُ أَرْضُكَ كُلُّها لكَ رَوْضَةٌ / أُنُفٌ وأَنتَ سماؤها المِدْرارُ
حتى قَدِمْتَ وَمَا تَقَلَّبَ ناظِرٌ / إِلّا لَهُ بقدُومِكَ استِبشارُ
حُرَّ المكارِمِ حقُّ قَدْرِكَ أَنْ تُرى / وعبيدُكَ السَّاداتُ والأَحرارُ
ومُجَاهِداً فِي اللهِ حَقَّ جهادِهِ / واللهُ أَبْصَرَ فِيكَ مَا يَخْتارُ
واسْأَلْ بِضَيْفِكَ كيْفَ بَعْدَكَ حالُهُ / وقدِ اقْتَضَتْهُ بعدَ دارٍ دارُ
غَدَرَتْ بِهِ أَيَّامُ عامٍ قَدْ وَفى / أَنَّ الوفاءَ بِعَهْدِهِ غَدَّارُ
ودنا بِهِ أَجَلُ الرَّحِيلِ كَأَنَّهُ / أَجَلُ المماتِ دَنَا بِهِ المقدارُ
عامٌ كعُمْرِ الوَصْلِ ليلَةَ زائِرٍ / وأسىً تَقاصَرُ دُونَهُ الأَعمارُ
طالَتْ ليالِيهِ الزَّمانَ بِهَمِّهِ / وكأَنَّهُنَّ من السُّرورِ قِصَارُ
بِمُشَرَّدٍ قَلِقِ الثَّواءِ بِمَنْزِلٍ / لا يَنْثَنِي فِيهِ لَهُ الزُّوَّارُ
مثوايَ قيه تَقَلْقُلٌ وتَأَهُّبٌ / وَقِرَاي فِيهِ ذِلَّةٌ وصَغَارُ
وحسابُ أَيَّامٍ كَأَنَّ متاعَهَا / نَوْمٌ عَلَى وَجَلِ البَيَاتِ غِرَارُ
وطِلابُ مأْوىً قبلَ حِينِ أَوانِهِ / فَالدَّهْرُ أَجْمَعُهُ لِيَ اسْتِنْفارُ
للهِ من عامٍ جَرى عَنْي بِهِ / جَرْيُ الأَهِلَّةِ فِيهِ والأَقْمارُ
في أَهْلِ دَارٍ كالكَوَاكِبِ والنَّوى / بَعْدَ النَّوى فَلَكٌ بِهِمْ دَوَّارُ
كانوا جَمالاً للزَّمانِ فأَصْبَحُوا / وَهُمُ عَلَيْهِ بالتَّغَرُّبِ عَارُ
تَنْبُو الدِّيارُ بِهِمْ وَتِلْكَ ديارُهُمْ / غَرَضُ المصائِبِ مَا بِهَا دَيَّارُ
قد أَقْفَرُوا وَطَنَ الأَنيسِ وأُنِّسَتْ / بِهِمُ مفاوِزُ بالفَلا وقِفارُ
يتأَوَّهونَ إذَا رَمَتْ أَوْهَامُهُمْ / داراً لساكِنِها بِهَا اسْتِقْرارُ
ويَهِيجُهُمْ عِينٌ لَهُنَّ مرابِضٌ / ويَشُوقُهُمْ طَيرٌ لَهَا أَوْكارُ
وإِلَيْكَ يَا مَنصُورُ حَطُّوا أَرْحُلاً / لَعِبَتْ بِهِنَّ تَنَائِفٌ وبِحارُ
فَزَعاً إِلَيْكَ من الجَلاءِ بأَوْجُهٍ / فِي كُلِّ عامٍ للجَلاءِ تُثَارُ
ورأَوْا بقُرْبِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا النَّوى / فاسْتُحيِيَت ولها عَلَيْهِمْ ثارُ
قد طُيِّرَتْ غِرْبانُ كُلِّ مُغَرِّبٍ / وغُرَابُهُمْ للبَيْنِ لَيْسَ يُطَارُ
جُرةً عَلَيْكَ وَمَا رَأَتْ من قَبْلِها / خَطْباً لَهُ فِيمَنْ أَضَفْتَ خِيَارُ
وَعَلَى اللَّيَالي مِنْكَ عَهْدٌ ثابِتٌ / أَلّا يُبَاحَ لِمَنْ حَمَيْتَ ذِمَارُ
واللهُ قَدْ أَعْلَى مَحَلَّكَ أَنْ تُرى / مكشوفَةً فِي سِتْرِكَ الأَسْتارُ
وحباكَ بالمُلْكِ الَّذِي لَوْ شِئتَ لَمْ / تَضِقِ القُصُورُ بنا ولا الأَحيارُ
وَأَجَارَ قَدْرَكَ أَن يَسُوغَ لِقائِلٍ / جَارَ الزَّمَانُ وأَنْتَ مِنهُ جَارُ
ولَحَقُّ مَنْ أَبْقى ثَناءَكَ فِي الوَرى / أَنْ تَسْتَقِرَّ بِهِ لَدَيْكَ الدَّارُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ / يهيمُ منَ الدُّنيا بِمَنْ أَنا هائِمُ
أمَا فِي حَشَاهُ مِن جوايَ مخايِلٌ / أَما فِي ذُرَاهُ من جُفُوني مَيَاسِمُ
لقد بَرَّحَتْ منهُ ضُلُوعٌ خوافِقٌ / وَقَدْ صَرَّحَتْ منه دموعٌ سواجِمُ
ونَفْحُ صَباً يَهْفُو عَلَى جَنَباتِهِ / كتَصْعِيد أَنفاسي إذَا لامَ لائِمُ
وتحنانُ رَعْدٍ صادِعٍ لمتُونِهِ / كما زَفَرَتْ نَفْسِي بِمَنْ أنا كاتِمُ
وَمِيضٌ تَشبُّ الرِّيحُ والرَّعْدُ نارَهُ / كما شَبَّ نيرانَ المَجُوسِ الزَّمازِمُ
حَمِيل بحَمْلِ الرَّاسِياتِ إِلَى الَّذِي / تَحَمَّلَنِي عنه القِلاصُ الرَّوَاسِمُ
وما أَنجَدَتْ فِيهِ النُّجُودُ تَصَبُّري / ولا أَتهمَتْ وجدِي عَلَيْهِ التَّهائِمُ
سوى لَوْعَةٍ لَوْ يَغلِبُ الصَّبرُ نارَها / لشامَني البَرْقُ الَّذِي أنا شائِمُ
فإِنْ يَسْقِ مَنْ أَهْوى فَدَمْعِيَ مُسْعِدٌ / وإِنْ يَلْقَهُ دُونِي فأَنْفِيَ راغِمُ
كفانِي الْتِماحَ الشَّمْسِ والبَدْرُ وَجْهُهُ / وَمَا اقْتَبَسَتْ منْهُ النُّجومُ العواتِمُ
وما تَجْتَنِي من طِيبِ أَرْدَانِهِ الصَّبا / ومن وَرْدِ خَدَّيْهِ الرِّياضُ النَّوَاعِمُ
فَلَهْفِي عَلَى قَرْنٍ من الشَّمْسِ ساطِعٍ / تَجَلَّلَهُ كِسْفٌ من اللَّيْلِ فاحِمُ
إذَا زارَنِي أَعْشى جُفُونَ رَقِيبِهِ / وأَخرَسَ عَنِّي مَا تقولُ اللَّوائِمُ
وآذَنَ أَنفاسِي ونَفْسِي بِنَشْرِهِ / وَرَيَّاهُ أَنْفاسُ الرِّياحِ النَّواسِمُ
وبَشَّرَني مِنْ قَبْلِهِ صَوْتُ حَلْيِهِ / تُجاوِبُهُ فَوْقَ الغصونِ الحمائِمُ
إِلى مُلتقى قَلْبَيْنِ ضَمَّ عَلَيْهِما / جوانِحَهُ جُنْحٌ منَ اللِّيلِ عاتِمُ
ومُعْتَنَقٍ كالجَفْنِ أَطْبقَ نائِماً / عَلَى ضَمِّ إِنسانَيْنِ والدَّهرُ نائِمُ
فَبِتْنَا وقاضِي الوَصْلِ يَحكُمُ فِي الهوى / وغانِمُ قلبي بالحكومَةِ غارِمُ
أَمْصُّ من الكافورِ مِسْكاً وأَجتَنِي / من الوَشْيِ رُمَّاناً زَهتْهُ المقادِمُ
وَيَرْجِعُ رُوحَ النَّفْسِ مَا أَنَا ناشِقٌ / ويَجْبُرُ صَدْعَ القلْبِ مَا أنا لازِمُ
وأَرْشُفُ من حَصْباءِ دُرٍّ وجوهَرٍ / رحيقَ مُدَامٍ سُكْرُهُ بِيَ دائِمُ
وفي كَبِدِي حَرٌّ مِنَ الشَّوْقِ لاعِجٌ / وَفِي عَضُدِي غُصْنٌ من البانِ ناعِمُ
يُقِرُّ هواهُ أَنَّهُ لِيَ قاتِلٌ / وقَلْبِي لَهُ مِنْ جَفْوَةِ الشَّوْقِ راحِمُ
أَجَنِّبُ أَنفاسِي أزاهِرَ حُسْنِهِ / لِعِلْمِيَ أَنَّ النَّوْرَ بالنَّارِ ساهِمُ
وأُغمِضُ لَحْظِي عَن جَنى وَجَنَاتِهِ / مخافَةَ أَنَّ السَّهْمَ للوَرْدِ حاطِمُ
وَمَا صَرعَ القتلى كَعَيْنَيْهِ صارِعٌ / ولا كَلَمَ الجرْحى كَصُدْغَيْهِ كالِمُ
فإِنْ أَشْفِ وَجدي من تباريحِ ظِلْمِهِ / بِضَمِّي لَهُ أَيقَنْتَ أَنِّيَ ظالِمُ
وإِنْ أُحْيِ نفسي فِيهِ من مِيتَةِ الهَوى / بلَثْمِي لَهُ لَمْ أَعْدُ أَنِّيَ آثِمُ
فَكَيْفَ وَقَدْ غارَتْ بِهِ أَنْجُمُ النَّوى / وقُيِّدَ دُونَ الماءِ حَرَّانُ هائِمُ
مَتاعٌ من الدنيا أرانِي فِراقُهُ / بعَيْنِ النُّهى والحِلْمِ أَنِّيَ حالِمُ
وقد صَرَمَتْهُ حادِثَاتٌ كَأَنَّها / بيُمْناكَ يَا مَنْصُورُ بِيضٌ صوارِمُ
يُضَرِّمُها أَمثالهُنَّ كتائِبٌ / يُقَدِّمُها أَشْبَاهَهُنَّ عَزَائِمُ
أَسِنَّتُها للمُهْتَدِينَ كواكِبٌ / وأَعلامُها للمُسْلِمينَ مَعَالِمُ
وآثارُها فِي الأَرْضِ أَشْلاءُ كافِرٍ / وغاوٍ وَفِي جَوِّ السماءِ غمائِمُ
وَفِي كَبِدِ الطَّاغُوتِ منها صوارِعٌ / وَفِي فقَرِ الشَّيْطَانِ منها قواصِمُ
بكل تُجَيَبْيٍ إِلَيْكَ انْتِسَابُهُ / وإِنْ أَنْجَبَتْهُ تَغلِبٌ والأَراقِمُ
ومُختارِ يمناكَ العَلِيَّةِ نِسْبَةً / وإِنْ سَفَرَتْ يَرْبُوعُ عنها ودارِمُ
وأَذْهَلَهُمْ جَدْوَاكَ عن كلِّ مَفْخَرٍ / وإِنْ فَخَرَتْ ذُهْلٌ بِهَا واللَّهَازِمُ
أُسُودٌ إذَا لاقَوْا وَطَيْرٌ إذا دُعُوا / أَيَامِنُهُمْ للمُعْتَدِينَ أَشَائِمُ
تَلَمَّظَ فِي الأَيْسَارِ مِنْهُمْ أَساوِدٌ / وتَهْتَزُّ فِي الأَيْمانِ منهم أَراقِمُ
ظِمَاءٌ وَمَا غَيْرَ الدماءِ مشارِبٌ / لَهُنَّ ولا غَيْرَ القُلُوبِ مَطَاعِمُ
غَرَسْتَ الفَلا منها غِياضاً أُرُومُها / حُماةُ الحِمى والصَّافِنَاتُ الصَّلادِمُ
إذَا مَا دَنَتْ مِنْ شِرْبِها أَجْنَتِ الرَّدى / وَكَانَ جَنَاهُنَّ الطُّلى والجَمَاجِمُ
فأَنسَتْكَ يَا مَنصُورُ رَوْضَ حَدَائِقٍ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ المُنى وتُنَادِمُ
يضاحِكُ فِي أَرْضِ الزُّمُرُّدِ شَمْسَها / دنانِيرُ من ضَرْبِ الحَيَا ودَرَاهِمُ
وأَلْهَتْكَ عن لَيْلٍ كواكبُهُ المَها / وعن أَبْرُجٍ أَقمارُهُنَّ الكَرَائِمُ
وَمَا شُغِلَتْ يُمْنَاكَ عن بَذْلِ مَا حَوَتْ / وإِنْ غارَ مِنْهُنَّ النَّدى والمكارِمُ
فَخَاصَمْنَ بِيضَ الْهِنْدِ فِيكَ إِلَى العُلا / وَحَقٌّ لِمَنْ فِي القُرْبِ منكَ يُخاصِمُ
فإِنْ عَزَّها من صِدقِ بَأْسِكَ شَاهِدٌ / فقد سَنَّها مِنْ عَدْلِ حُكْمِكَ حاكِمُ
بِيَوْمٍ إِلَى الهَيْجَا ويومٍ إِلَى النَّدى / وَمَا عالَ مَقْسُومٌ ولا جَارَ قاسِمُ
وَنُودِيتَ يَوْمَ الجُودِ للسَّلْمِ فِي العِدى / فَجُدْتَ بِهِ وَالمُرْهَفَاتُ رَوَاغِمُ
حِذاراً عَلَى إِلْفِ الهَوى غُرْبَةَ النَّوى / وَمَا إِلفُها إِلّا الوَغى والمَلاحِمُ
وَعَوَّدْتَهَا طُعْمَ السِّباعِ فأَشْفَقَتْ / بإِغْبَابِهِ أَنْ تَدَّعيهِ البَهائِمُ
وكَلَّفْتَها رِزقَ الذِّئابِ فأُحشِمَتْ / لذِيبٍ عَوى تَحْتَ الدُّجى وَهْوَ صائِمُ
ومَنَّيْتَها نَفْسَ ابْنِ شَنْجٍ فأَسْمَحَتْ / مُسَالِمَةً من بَعدِهِ مَنْ تُسَالِمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَ العَفْوِ قَتْلٌ ومَغْنَمٌ / وَمَا رَدَّ رِبْحَ المُلْكِ فِي الحَرْبِ حازِمُ
فإِنَّ قتيلَ السَّيفِ للذِّيبِ مَطْعَمٌ / وإِنَّ قتيلَ العَفْوِ للمُلْكِ خادِمُ
فَيَا لِبُروقٍ لَمْ يَزَلْنَ صواعِقاً / عَلَى الكُفْرِ غَيْثُ الأَمْنِ منهُنَّ ساجِمُ
تُقَطِّعُ بالأَمْسِ الرِّقابِ وَوُصِّلَتْ / بِهَا اليَوْمَ أَرْحَامٌ لَهُمْ ومَحَارِمُ
غَدَتْ وَهيَ أَعْرَاسٌ لَهُمْ وَعَرَائِسٌ / وبالأَمْسِ مَوْتٌ فِيهِمُ ومآتِمُ
بعَقْدِ بناءٍ أَنْتَ شِدْتَ بناءَهُ / وَلَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ غيرَكَ هادِمُ
فِرَنْجَةُ أَعْلاهُ و قَشْتِلُّ أُسُّهُ / وَسلْمُكُ أَرْكَانٌ لَهُ وَدَعائِمُ
فَمَلَّكْتَ تاجَ المُلْكِ تَاجَ مَلِيكَةٍ / لتَاجَيْهِما تَعْنُو الملوكُ الخَضَارِمُ
وَتَوَّجْتَها فَوْقَ الأَكالِيلِ والذُّرى / خَوافِقَ تَغشاها النُّسُورُ القَشَاعِمُ
وحَلَّيْتَها بَعْدَ الدَّمَالِيجِ والبُرَا / حُلِيَّاً لآلِيهِ القنا والصَّوارمُ
وضَمَّخْتَها من طيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / بأَضعافِ مَا تُهْدِي إِلَيْها اللَّطائِمُ
ونَظَّمْتَ آفاقَ الفَلا لِزِفافِها / خُيُولاً حَمَتْ مَا قَلَّدَتْها النَّوَاظِمُ
مُنىً كَانَ فِيهَا لابْنِ شَنْجٍ مَنِيَّةٌ / يُغَرْغِرُ منها راهِقُ الروحِ كاظِمُ
مَرَجْتَ عَلَيْهِ لُجَّ بَحْرَيْنِ يَلْتَقِي / عَلَى نَفْسِهِ تَيَّارُهُ المُتَلاطِمُ
وغادَرْتَهُ مَا بَيْنَ طَوْدَيْنِ أَطْبَقا / حُتُوفاً تُصَادي نَفْسَهُ وتُصَادِمُ
وأَسْلَمَهُ الأَشيَاعُ بَوَّاً بِقَفْرَةٍ / سَرَايَاكَ أَظْآرٌ عَلَيْهِ رَوَائِمُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ناصِرِ الدِّينِ ناصِرٌ / وَلَيْسَ لَهُ من عاصِمِ المُلْكِ عاصِمُ
وَقَدْ صَدَرَتْ عَنْهُ خيولُكَ آنِفاً / وَأَحْشَاؤُهُ فَيْءٌ لَهَا ومَغانِمُ
أَقاطِيعُ مِلْءُ الأَرْضِ أَصْوَاتُ خَيْلِها / وأَنعامِها عَمَّا يُكِنُّ تَرَاجِمُ
يُناجِي نُفُوساً حازَهُنَّ غَنائِماً / بأَمْنِكَ قَدْ حانَتْ عَلَيْها المغارِمُ
وأَفْعَالُ خَفْضٍ كنت تَشْكُلُها لَهُ / برَفْعِكَ قَدْ أَوْفَتْ عَلَيْها الجَوازِمُ
بغَزْوَةِ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ ثائِرٍ / عزائِمُهُ فِي النَّاكِثينَ هَزَائِمُ
وكم طَمَسَتْ عَيْنَيْهِ بَرْقَةُ مُقدِمٍ / تَلأْلأَ فِيهَا مَجْدُكَ المُتَقَادِمُ
تَجَلَّلَها جَدَّاك عَمرٌو وتُبَّعٌ / وأَعْقَبها عَمَّاكَ كَعْبٌ وحَاتِمُ
ومَنْ أَعْرَبتْ فِيهِ أَعاظِمُ يَعْرُبٍ / فَمُسْتَصْغَرٌ فِي أَصْغَرَيْهِ العَظَائِمُ
مآثِرُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِنَّ سابقٌ / ولا رامَها من قَبْلِ سَعْيِكَ رائِمُ
كَسَا العَرَبَ العَرْبَاءَ مِنْهُنَّ مَفْخَرٌ / تُصَلِّبُ مِنْهُ للوُجُوهِ الأَعاجِمُ
وشِدْتَ بِهَا فِي الرُّومِ والقُوطِ رِفْعَةً / تُسَامِي بِهَا عِندَ السُّها وتُزَاحِمُ
وصَرَّتْ بِهَا أَقْلامُ ضَيْفِكَ صَرَّةً / تُصِرُّ لَهَا الآذَانَ بُصْرى وجاسِمُ
فَزَوَّدَها الرُّكْبانُ شَرقاً ومَغرِباً / ووافَتْ بِهَا جَمْعَ الحَجِيجِ المَواسِمُ
وما لِيَ لا أُبْلِي بِذِكْرِكَ فِي الوَرى / بَلاءً تَهادَاهُ القُرُونُ النَّوَاجِمُ
وأُطْلِعُهُ شَمْساً عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ / يُكَذَّبُ فِيهَا عن سَنَا الشَّمْسِ زَاعِمُ
فَيَحْسُدُنِي فيكَ العِرَاقُ وَشامُهُ / وإِيَّاكَ فِيَّ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
بُخِسْتُ إِذَنْ سَعْيِي إِلَيْكَ وهجْرَتِي / وَمَا حَملَتْ مِنِّي إِلَيْكَ المَناسِمُ
وبينَ ضُلُوعِي بِضع عَشرَةَ مُهْجَةً / ظِماءٌ إِلَى جَدْوى يَدَيْكَ حَوَائِمُ
تَلَذُّ الليالي لَحْمَها ودِماءها / وَطَعْمُ الليالي عِنْدَهُنَّ عَلاقِمُ
قطعتُ بِهِنَّ الليلَ والليلُ جامِدٌ / وخُضْتُ بِهِنَّ الآلَ والآلُ جاحِمُ
إذَا مَلأَ الهَوْلُ المُمِيتُ صُدُورَها / تَحَرَّكَ من ذِكْرَاكَ فِيهَا تَمائِمُ
على شَدَنِيَّاتٍ تَطيرُ بِرُكْنِها / إِلَيْكَ خُطوبٌ فِي القلوبِ جَوَاثِمُ
فكم غالَ من أجسامِها غَوْلُ قَفْرَةٍ / وَخَرَّمَ من أَلْبابِهِنَّ المَخارِمُ
وكم عَجَزَتْ عنَّا ذواتُ قوائِمٍ / فَعُجْنا بِعُوجٍ مَا لَهُنَّ قوائِمُ
جآجِئُ غِرْبانٍ تطيرُ لنا بِهَا / عَلَى مثلِ أَطْوَادِ الفيافي نَعَائِمُ
لها من أَعاصِيرِ الشمالِ إذَا هَوَتْ / خَوَافٍ ومن عَصْفِ الجَنُوبِ قوادِمُ
يُحاجى بِهَا مَا حامِلٌ وهوَ راقِدٌ / وَمَا طائرٌ فِي جَوِّهِ وهوَ عائِمُ
سَرَتْ من عَصا مُوسى إِلَيْهِ قَرَابَةٌ / فَطَبٌّ بِفَلْقِ البحرِ والصَّخْرِ عالِمُ
وشاهَدَ لَقْمَ الحُوتِ يُونُسَ فاقْتَدى / فغادٍ وسارٍ وهو للسَّفْرِ لاقِمُ
أَعوذُ بِقَرْعِ المَوْجِ فِي جَنَبَاتِها / إِلَيْكَ بنا أن يَقْرَعَ السِّنَّ نادِمُ
وما عَبَّرَتْ عَنهُ جُسومٌ نَوَاحِلٌ / وَمَا حَسَرتْ عنهُ وجوهٌ سَوَاهِمُ
وما كَتَبَتْ فِي واضِحاتِ وجوهِنا / إِلَيْكَ الدَّياجِي والرِّياحُ السَّمائِمُ
فلا رَجَعَتْ عَنكَ الأَمانِي حَسِيرَةً / ولا فُزِّعَتْ مِنَّا لَدَيْكَ التَّمائِمُ
ولا خَتَمَتْ عَنكَ الليالي سَرِيرَةً / ولا فَضَّتِ الأَيَّامُ مَا أنتَ خاتِمُ
ولا نَظَمَ الأَعْدَاءُ مَا أَنتَ ناثِرٌ / ولا نَثَرَ الأَعداءُ مَا أَنتَ ناظِمُ
ولا عَدِمَ الإِشْرَاكُ أَنَّكَ ظافِرٌ / ولا عَدِمَ الإِسْلامُ أَنَّكَ سالِمُ
ولا زالَ للسيفِ الحَنيفيِّ قائِمٌ / وأَنتَ بِهِ فِي طاعَة اللهِ قائِمُ
جِهادٌ عَلَى الكُفَّارِ بالنَّصْرِ مُقدِمٌ / وَوَجْهٌ عَلَى الإِسْلامِ بالفَتْحِ قادِمُ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ / فَاجْرُرْ ذُيُولَكَ فِي مَجَرِّ ذَوائِبي
لا تُكْدِيَنَّ ومن ورائِكَ أَدْمُعِي / مَدَداً إِلَيْكَ بفَيْضِ دَمْعٍ ساكِبِ
وصبابَةٌ أَنفاسُها لَكَ أُسْوَةٌ / إِنْ ضاقَ ذَرْعُكَ بالغَمامِ الصَّائِبِ
وامزِجْ بِطيبِ تَحِيَّتِي غَدِقَ الحَيَا / فاجْعَلْهُ سَقْيَ أَحِبَّتِي وحَبائِبي
عهداً كَعَهْدِكَ من عِهادٍ طالما / كَسَتِ البُرُودَ معاهِدِي ومَلاعِبي
واجْنَحْ لِقُرْطُبَةٍ فَعانِقْ تُرْبَها / عَنِّي بِمِثْلِ جَوانِحي وتَرَائِبي
حَيْثُ اسْتَكانَتْ للعَفاءِ منازلي / وَهَوَتْ بأَفلاذِ الفؤادِ نَجَائِبي
ذُلُلاً تَعَسَّفْنَ الدُّجى بِأَذِلَّةٍ / ولواغِباً جُبْنَ الفَلا بِلَوَاغِبِ
وكواكِبٌ ناءَتْ بِقرْبَتِها النَّوى / فَقَضَتْ مدامِعُهَا بِنَوءِ الغارِبِ
من كُلِّ مَفْجُوعٍ بتَرْحَةِ راحِلٍ / لَمْ يُسْلِهِ طَمَعٌ بفَرْحَةِ آيبِ
كَذَبَتْهُ بارِقَةُ المُنى عن صادِقٍ / من ظَنِّهِ وصَدَقْتَهُ عن كاذبِ
ظُعُنٌ سَرَيْنَ الليلَ ضَرْبَةَ لازِمٍ / وسَرى إِليها الهَمُّ ضَرْبَةَ لازِبِ
جَمُدَتْ عَلَيْهِنَّ القُلوبُ فَأَسْبَلَتْ / فَوْقَ المحاجِرِ كُلَّ قَلْبٍ ذائِبِ
وتَخازَرتْ عنها العُيُونُ فأَبْرَزَتْ / عن أَعْيُنٍ بِدِمائِهِنَّ سَوَاكِبِ
وتَقَطَّعَتْ أَسبابُهُنَّ لِطِيَّةٍ / وَصَلَتْ بِهِنَّ سباسِباً بسباسِبِ
يَطْلُبْنَ شَأْوَ غرائبٍ ليَ كُلَّمَا / نَأَتِ البلادُ حَلَلْنَ غَيْرَ غَرَائِبِ
لَحِقَتْ بأَسْبابِ السَّمَاءِ فَأُعطِيَتْ / فِيهَا خُلُودَ أَهِلَّةٍ وكَواكِبِ
وَأَعَدَّتِ الأَزْمانُ مَاءَ شَبابِها / لِحُنُوِّ ظَهْرٍ أَوْ لِرَأْسٍ شائِبِ
وعَقَدْنَ بالأَبَدِ الأَبيدِ وإِنْ نَأَى / حِلْفَيْنِ حِلْفَ مُسَايِرٍ ومُعَاقِبِ
مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وتقاذَفَتْ / أَمْواجُهُ بشَمَائِلٍ وجَنَائِبِ
هَدَماً إِلَى هَدَمٍ وَحِفْظَ دَمٍ دَماً / حَدَبٌ بعَطْفِ مُشاكِهٍ ومُنَاسِبِ
زُهْرٌ طوالِعُها لِكُلِّ غَدٍ غَدٌ / وَجَزَاؤُها رَهْنٌ بأَمْسِ الذَّاهِبِ
تَشْدُو بِهَا خُضْرُ الحَمَامِ وَحَظُّها / عَنْقَاءُ رِيعَتْ بالغُرَابِ النَّاعِبِ
حَلَّيْتُها الأَرْضَ الَّتِي هِيَ فارِكِي / وكَسَوْتُها الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ سالِبي
ومَلأْتُ مِنْهُنَّ العُقُولَ عَجَائِباً / ولَنَقْصُ حَظِّي مِن تَمامِ عَجَائِبِي
مَيْتُ الرَّغائِبِ والمَسِيحُ مُوَرِّثِي / إِحياءَ آثاري وخُلْدَ مَناقِبي
بِشَوارِدٍ فِي الأَرْضِ غيرِ أَوابِدٍ / وطوالِعٍ فِي الجَوِّ غَيْرِ غَوارِبِ
ولقد قَضَيْتُ من الصَّبابَةِ حَقَّها / فَقَضتْ من الأَمَلِ البَعيدِ مآرَِبي
قَنَّعْتُها الصَّبْرَ الجَميلَ فأَسْفَرَتْ / فِي آلِ يَحْيى عن جميلِ عواقِبِ
وشَدَدْتُ عَقْدَ خِتامِها فاسْتَفْتَحَتْ / بِمكارِمِ المنصورِ ضِيقَ مَذَاهِبِي
فَهَلَ اَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُبَلِّغٌ / بالمَغْرِبَيْنِ أَحِبَّتِي وأَقارِبي
أَنَّ الربيعَ لَدَيَّ شِيمةُ قاطِنٍ / وحَيا الغمامِ عَلَيَّ دِيمَةُ دائِبِ
من بعدِ مَا غَمَّ الصَّباحُ لناظِرِي / واشْتفَّ مِنِّي البَحْرُ جَرْعَةَ شارِبِ
وأَنِسْتُ بالأَهوالِ حَتَّى لَمْ أُبَلْ / أَلِقاءُ أُسْدٍ أَمْ لِقاءُ ثَعالِبُ
كمْ أَنشَبَتْ فِيَّ الخطوبُ مخالِباً / حَتَّى انْثَنَتْ عنِّي بغيرِ مخالبِ
وشَفَيْتُ سُمَّ عَقارِبٍ بأَساوِدٍ / ودَفَعْتُ سُمَّ أَساوِدٍ بعقارِبِ
حتى نَزَفْنَ سُمومَهُنَّ فلَمْ يُرَع / من نافِثاتِ السُّمِّ ليلُ الحاطِبِ
وسُدِكْتُ بالغَمَرَاتِ حَتَّى بَلَّدَتْ / فَرَمَيْنَ حَبْلِي فَوْقَ ذِرْوَةِ غارِبِ
وتدارَكَتْنِي ذِمَّةٌ من يَعْرُبٍ / مَطَرَتْ عَليَّ ثِمارَ جَنَّةِ مأْرِبِ
فهناكَ أَنْصَلْتُ الأَسِنَّةَ وانْتَحى / سيفي بِهَا مَسْحاً بسُوقِ ركائِبي
ورفَعْتُ ناراً للعيونِ وقودُها / أَقْتابُ أَحْدَاجي وَوَقْرُ حقائِبي
نِعَمٌ تكاد تَرُدُّ أَيَّامَ الصِّبا / وتُعيدُ أَزْمانَ النَّعِيمِ الذَّاهِبِ
أَيَّامَ أَلْقى الصُّبْحَ تِرْبَ كواكبٍ / أَدَباً وأُحْيي اللَّيْلَ خِلْبَ كواعِبِ
والمَكْرُمَاتُ منازلي ومشاهِدِي / والمُقْرَباتُ مراكِبي ومَرَاقِبي
إِذْ أَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُخَيِّمٌ / فِي ساحِلي ومُغَيِّمٌ من جانِبي
عَبِقُ الرَّوائِحِ من نَثِيرِ غدائِرِي / غَدِقُ السَّحائِبِ من فُضُولِ مشارِبي
وتَرُوحُ مُغْتَبِقاً شَمُولَ شمائِلي / وتعُودُ مُصْطَبِحاً ضَرِيبَ ضَرائِبي
تَغْدُو فَتَسْتَملِي بديعَ محاسِني / وترُوحُ تَسْتَقرِي نفيسَ غرائِبِي
وتبيتُ تنشُرُ فِي الأَباطِحِ والرُّبى / زَهْراً يُخَبِّرُ عنك أَنَّكَ كاتِبي
مِمَّا تَرِفُّ بِهِ رِياضُ حدائِقي / ويُفيضُ جَوْهَرَهُ عُبابُ غوارِبي
فَنَظَمْتُها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / وبَعَثْتُها مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثاقِبِ
وَنَظَمْتُ يَا مَنصورُ ذكرَكَ وَسْطَها / نَظْمَ العُقُودِ عَلَى تَرَائِبِ كاعِبِ
ذِكْرٌ عَلَى الأَلبابِ أَكْرَمُ نازِلٍ / وَعَلَى فِجاجِ الأَرْضِ أَوْضَحُ راكِبِ
سُورٌ لِمَجْدِكَ رَفَّعَتْ آياتِها / أَعْلامُ آدابي وذِكْرُ مناقِبي
بفواتِحٍ من كُلِّ مَدْحٍ سائِرٍ / وخواتِمٍ من كُلِّ حَمْدٍ ذاهِبِ
فاسْتَشْرَفَ الثَّقَلانِ أَخْطَبَ شَاعِرٍ / وأَصَاخَتِ الدُّنيا لأَشْعَرِ خاطِبِ
فَخَطَبْتُ والعَوَّاءُ بَعْضُ منابِرِي / وأَمَمتُ والجوزَاءُ بعض محَاربي
وكَتَبْتُ منها لِلَّيالي مُصْحَفاً / تتلُوهُ أَلسِنَةُ الزَّمانِ الدَّائِبِ
حَتَّى تركتُ سَناءَ مُلْكِكَ حاضِراً / فِي كُلِّ أُفْقٍ عن بلادِكَ غائِبِ
وجَلَوْتُ للدُّنيا مثالَكَ فِي الوَغى / تختالُ بَيْنَ ذوابِلٍ وقَواضِبِ
وأَرَيْتُكَ الأُمَمَ الخُلُوفَ مَتَوَّجاً / بخوافِقٍ ومُكَلَّلاً بكتائِبِ
ورَفَعْتُ سِتْرَ الليلِ عنكَ لِغَابِرٍ / ومُقَدَّمٍ ومُباعِدٍ ومُقارِبِ
حَتَّى أَرَيْتَهُمُ السَّنا تَحْتَ الدُّجى / وخيالَ سَارٍ فِي مَخِيلَةِ سارِبِ
طَيَّارَ بارِقَةِ الوغى بمَقادِمٍ / كَقوادِمٍ ومَوَاكِبٍ كمناكِبِ
حَتَّى ابْنُ شَنْجٍ يَوْمَ أَمَّكَ خاضِعاً / تَسعى إِلَيْكَ بِهِ نَدَامَةُ تائِبِ
منْ بَعْدِ مَا رَازَ البلادَ فَلَمْ يَجِدْ / فِي الأَرْضِ عن مأْواكَ مَهْرَبَ هارِبِ
ورأَى الضَّلالَ عَلَيْكَ أَضْعَفَ ناصِرٍ / ورأى الفِرَارَ إِلَيْكَ أَيْمَنَ صاحِبِ
ودعاكَ مُعْتَرِفاً بِذِلَّةٍ مُذْنِبٍ / وأَتاكَ مُشْتَمِلاً بِلِبْسَةٍ راهِبِ
ولقد تراءَتْ فِي ذَرَاكَ مطالِعِي / حينَ اسْتَبَدَّ تَغَرُّبي بِمغارِبي
فَخَتَمْتَ طُولَ تَقَلُّبي بتَقَبُّلِي / وجزَيْتَ غُرَّ غرائِبِي برَغائِبِ
وأًجَرْتَني من كُلِّ خَطْبٍ طارِقٍ / حَتَّى مُناجَاةِ الرَّجاءِ الخائِبِ
ووجَدْتُ عند يَدَيْكَ سَدَّ مفاقِري / وسُلُوَّ أَحزانِي وبُرْءَ مصائِبِي
ولقد تَجَلَّى العيدُ عَنْكَ بِغُرَّةٍ / جَلّاءةٍ لِفَوَادِحٍ وغَياهِبِ
يتلُوكَ حاجِبُكَ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ / كالشَّمْسِ إِذْ ضَرَبَتْ إليكَ بِحاجِبِ
في مَشهدٍ بِسَنا جبينِكَ مشرِقٍ / شَرِقٍ بآسادٍ وجُرْدِ سَلاهِبِ
غُرٍّ تَواعَدُ للطِّعَانِ صَواهِلٍ / تختالُ بَيْنَ مُخاطِبٍ ومُجاوِبِ
حَتَّى ارْتَقَيْتَ سريرَ مُلْكِكَ حَفَّهُ / نُورُ السرورِ جوانِباً بِجوانِبِ
ومدَدْتَ للتقبيلِ راحَةَ مُنعِمٍ / تَنْهَلُّ أَنْمُلُها بُحُورَ مَواهِبِ
وتكادُ تهتِفُ عَنكَ هل من راغِبٍ / أَوْ راهبٍ أَوْ خائفٍ أَوْ طالِبِ
فاسْلَم وكُنْ للأَرْضِ آخِرَ عامِرٍ / ولغالِبِ الأَعْدَاءِ أَوَّلَ غَالِبِ
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا / فَيُبْلِيَها سَعداً وتُبْليَهُ سَعْيا
ويُوسِعُها سَقياً وَرَعْياً كَمِثْلِ مَا / سَمَتْ للمُنى سَقياً وسامَتْ بِهَا رَعْيا
وأَيُّ حياً فِي الشَّرْقِ والغربِ للوَرى / وأَيُّ حِمىً للملكِ والدِّينِ والدُّنيا
وأَيُّ فتىً والنفسُ كاذِبَةُ المُنى / وأَيُّ فتىً والحربُ صادِقَةُ الرُّؤْيا
عَلا فَحَوى ميراثَ عادٍ وتُبَّعِ / بِهِمَّتِهِ العُلْيا ونِسْبَتِهِ الدُّنْيا
فأعْرَبَ عن إِقْدامِ يَعْرُبَ واحْتَبى / فلَمْ يَنْسَ من هُودٍ سَناءً ولا هَدْيا
ومِنْ حِميَرٍ رَدَّ القنا أَحْمَرَ الذُّرَى / ومِنْ سَبَأٍ قادَتْ كَتائِبُهُ السَّبْيا
وما نام عنهُ عِرْقُ قَحْطَانَ إِذْ فَدى / عُروقَ الثَّرى من غُلَّةِ القَحْطِ بالسُّقْيا
ولا أَسْكَنَتْ عَنْهُ السَّكُونُ سِيادَةً / وَلا رَضِيَتْ طَيٌّ لراحَتِهِ طَيَّا
ولا كَنَدَتْ أَسيافُهُ مُلْكَ كِنْدَةٍ / فَيَتْرُكَ فِي أَركانِ عِزَّتِها وَهْيَا
ولا أَقْعَدَتْهُ عن إِجابَةِ صارِخٍ / تُجِيبُ ولو حَبْواً إِلَى الطَّعْنِ أَوْ مَشْيا
وكائِنْ لَهُ فِي الأَوْسِ من حَقِّ أُسْوَةٍ / بنَصْرِ الهُدى جَهْراً وبَذْلِ النَّدى خَفْيا
هُمُ أَوْرَثُوهُ نَصْرَ دينِ مُحَمَّدٍ / وحازُوا لَهُ فَخْرَ النَّدى والقِرى وحْيا
وَهُمْ أَوْجَدُوهُ الجودَ أَعذبَ مطعَماً / منَ الرِّيقَةِ الشَّنْباءِ فِي الشَّفَةِ اللَّمْيا
مَناقِبُ أَدَّوْها إِلَيْهِ وِرَاثَةً / فكانَ لَهَا صَدْراً وكانتْ لَهُ حَلْيا
ورَوْضَةُ مُلْكٍ عاهَدَتْها عِهادُهُ / فأَغْدِقْ بِهَا رِيَّاً وأَعبِقْ بِهَا رَيَّا
وصَوْتُ ثناءٍ أَسْمَعَ اللهُ ذِكْرَهُ / لِيُسْمِعَ منه الصُّمَّ أَوْ يَهْدِيَ العُمْيا
لِمَنْ يَلْحَظُ الأَعْلَيْنَ فِي المَجْدِ مِنْ عَلٍ / وجارى فأَعْيا السَّابِقينَ وَمَا أَعيا
أَنيسُ القُلُوبِ فِي الصدورِ وَلَمْ يَكُنْ / لِيُوحِشَ مَثْوَاهُ الفَرَاقِدَ والجَدْيا
وَمَوْرِدُ مَنْ أَظْما وإِصْباحُ من سَرى / ومَبْرَكُ من أَعيا وغايةُ مَنْ أَغيا
فَقَصْرُ مُلُوكِ الأَرْضِ سُدَّةُ قصره / وإِنْ سَحَقُوا بُعْداً وإِنْ شَحَطُوا نأْيا
وأَهْدَتْ لَهُ بَغْدَاذُ ديوانَ عِلْمِها / هَدِيَّةَ مَنْ وَالى وَنُخْبَةَ مَنْ حَيَّا
فكانتْ كَمَنْ حَيَّا الرِّياضَ بِزَهْرِها / وأَهْدى إِلَى صَنْعَاءَ من نَسْجِها وَشْيا
وحَسْبُ رُوَاةِ العِلْمِ أَنْ يتدارسوا / مآثِرَهُ حِفْظاً وآثارَهُ وعْيا
ويَكفي مُلُوكَ الأَرْضِ من كُلِّ مَفْخَرٍ / إِذَا امْتَثَلُوا من بَعْضِ أَفعالِهِ شَيَّا
وأن يَسمعوا من ضَيْفِهِ فِي ثَنائِهِ / غَرَائِبَ حَلّى من جَوَاهِرِها الدُّنْيا
وأَنْ يَنْظُرُوا كَيْفَ ازْدَهى مَفْرِقُ العُلا / بعَقْدِي لَهُ تاجاً من الكَلِمِ العُلْيا
أوابِدُ حالَفْنَ اللَّياليَ أَنَّها / تموتُ الليالي وَهْيَ باقِيةٌ تَحْيا
لِمَنْ كَفَلَ الإِسْلامَ أُمَّ سِيادَةٍ / فَبَرَّتْ بِهِ حِجْراً ودَرَّتْ لَهُ ثَدْيا
ومَنْ ذَعَرَ الأَعْداءَ حَتَّى توهَّمُوا / بِهِ الصُّبحَ جَيْشاً والظَّلامَ لَهُ دَهْيا
لطاعَةِ من وَصّى المنايا بطَوْعِهِ / فلم تَعصِهِ فِي الشِّرْكِ أمراً ولا نَهْيا
فكمْ رَأْسِ كُفْرٍ قَدْ أَنافَتْ بِرَأْسِهِ / من الصَّرْعَةِ السُّفْلى إِلَى الصَّعْدَةِ العُلْيا
فأَوْفَتْ بِهِ فِي مَرْقَبِ السُّورِ كالِحاً / يُؤَذِّنُ بالأَعْداءِ حَيَّ هَلا حَيَّا
وتَفلي الصَّبا مِنهُ ذوَائِبَ لِمَّةٍ / تَفَاخَرُ أَيْدي المُصْبِياتِ بِهَا فَلْيا
فهامَتُهُ لِلْهامِ تَسْتَامُها القِرى / وأَشْلاؤُهُ للرِّيحِ تُسْتَامُها السَّفْيا
وكمَ رَدَّ عَنْ نَفْسِ ابْنِ شَنْجٍ سِهامُها / وَقَدْ أَغرقتْ نَزْعاً وأَمكَنَها رَمْيا
طَلِيقُكَ من كَفِّ الإِسارِ وَقَدْ هَوَتْ / بِهِ الرَّقِمُ الرَّقْماءُ والمُوبِدُ الدَّهْيا
فَحَكَّمْتَ فِيهِ حَدَّ سَيْفِكَ فَاقْتَضى / وشاوَرْتَ فِيهِ الفَضْلَ فاسْتَعجمَ الفُتيا
فأَخَّرْتَ عَنْهُ حُكْمَ بَأْسِكَ بالرَّدى / وأَمْضَيْتَ فِيهِ حُكْمَ عَفْوِكَ بِالبُقْيا
وَوَقَّيْتَهُ حَرَّ الحِمَامِ لَوِ اتَّقى / وزَوَّدْتَهُ بَرْدَ الحياةِ لَوِ استحْيا
فأَفلَتَ يَنْزُو فِي حَبائِلِ غَدْرِةٍ / بأَوْتَ بِهَا عِزّاً وباءَ بِهَا خِزْيا
فأَتْبَعْتَهُ تَحْتَ العَجاجَةِ رَايَةً / بَهَرْتَ بِهَا رَاياً وأَعْلَيْتَها رَأْيا
وجَرَّدْتَ سَيْفَ الحَقِّ مُدَّرِعَ الهُدى / لِمَنْ سَلَّ سَيْفَ النَّكْثِ وادَّرَعَ البَغْيا
وأَعْلَيْتَها فِي دَعْوَةِ الحَقِّ دَعْوَةً / كفاك بِهَا بُشْرى وأَعْدَاءها نَعْيا
فَجاءَتْكَ تَحْتَ الخافِقَاتِ كَتَائِباً / كَمَا حَدَتِ الأَفْلاكُ أَنجُمَها جَرْيَا
مُهِلِّينَ بالنصرِ العزيزِ لِمَنْ دَعَا / مُلَبِّينَ بالفتحِ المبين لمن أَيَّا
بكُلِّ أَميرٍ طَوْع يُمْنَاكَ جَيْشُهُ / وطاعَتُكَ العَلْيَاءُ غايَتُهُ القُصْيا
وكُلِّ كَمِيٍّ فِي مَنَاطِ نِجادِهِ / دواءٌ لِدَاءِ النَّاكِثِينَ إِذَا أَعْيا
وإِنْ لَمْ يُفِقْ دَاءُ ابْنِ شَنْجٍ بِطِبِّهِ / فَقَدْ بَلَغَتْ أَدْوَاؤُهُ النَّارَ والكَيَّا
بِسابِحَةِ الأَجيادِ فِي كُلِّ لُجَّةٍ / تُرِيكَ عُبابَ البَحرِ من هَوْلِها حِسْيا
قَدَحتَ بأَيْدِيها صَفَا الشِّرْكِ قَدْحَةً / جَعَلْتَ ضِرامَ المَشْرَفِيِّ لَهَا وَرْيا
خَوَاطِفَ إِبْراقٍ جَلاهُنَّ عارِضٌ / من النَّقْعِ لا يُوني دِمَاءَ العِدى مَرْيا
عُقِدْنَ بأَيْمانِ الضِّرابِ وعُوقِدَتْ / بأَيْمانِ عَهْدٍ لا انثِناءَ ولا ثُنْيا
وزُرقاً تَشَكَّى من ظِماءِ كُعُوبِها / وتَسْقِي رُبُوعَ الكُفْرِ من دَمِهِ ريَّا
إِذَا غَرَبَتْ ناءَتْ بِمُنْهَمِرِ الكُلى / وإِن طَلَعَتْ فاءَتْ بِمِلْءِ المَلا فَيَّا
فأُبْتَ بأَعْدادِ النُّجُومِ مَساعِياً / وأَمثالِها سُمْراً وأَضعافِها سَبْيا
وُجُوهاً سُلِبْنَ العَصْبَ والحَلْيَ فاكْتَسَتْ / مَحاسِنَ أَنْسَيْنَ المَجاسِدَ والحَلْيَا
كَأَنْ لَمْ تَدَعْ بِالبِيدِ أَيْكاً ولا غَضَى / ولا فِي شِعابِ الرَّمْلِ خِشَفاً ولا ظَبْيا
إِيَابَ مليكٍ قُلِّدَتْ عَزَمَاتُهُ / من الرُّشْدِ والتَّوْفِيقِ مَا دَمَّرَ الغَيَّا
يُقِرُّ عيونَ الخَيْلِ فِي حَوْمَةِ الوَغى / إِذَا مَا قُدُورُ الحَرْبِ فَارَتْ بِهَا غَلْيا
ويُعْرِضُ عَنْ فُرْشِ القصورِ وَثِيرَةً / ليَرْكَبَ ظَهْرَ الحربِ مُحْدَوْدِباً عُرْيا
ويَحْسُو ذُعافَ السُّمِّ فِي جاحِمِ الوَغى / ليُرْوِيَ آمالَ النُّفُوسِ بِهَا أَرْيا
ويُصْلي بِحَرِّ الشمسِ حُرَّ جبينِهِ / ليَبْسُطَ لِلإِسْلامِ من نُورِهِ فَيَّا
ويا شامِتاً أَنِّي طَريدُ حِجابِهِ / لِيُخْزِكَ أَنِّي حُزْتُهُ بَيْنَ جَنْبَيَّا
ويا حاجِباً قَدْ رَدَّ طَرْفِي دُونَهُ / تَأَمَّل تَجِدْهُ وَهْوَ إِنْسانُ عَيْنَيَّا
صَفاءُ وِدَادٍ إِنْ رَمى فَوْقَهُ القَذى / ظُنُوناً من الإِشْفاقِ طَيَّرَها نَفْيا
وصِدْقُ رَجاءٍ كُلَّما مُتُّ رَحْمَةً / عَلَى مِثْلِ أَفْراخِ القَطا رَدَّنِي حَيَّا
ظِماءٌ وَمَا يَدْرُونَ فِي الأَرْضِ مَشْرَباً / سِوى كَبِدي الْحَرّى ومُهْجَتيَ الظَّمْيا
وكم عَسَفُوا بَحْراً ولا بَحْرَ لِلنَّدى / وخاضُوا سَرابَ البيدِ نهياً ولا نِهْيا
ومانُوا يُرَاعُونَ النجُومَ وَقَدْ رَأَتْ / وسائِلُهُمْ أَلّا حِفاظَ وَلا رَعْيا
ولا خُلَّةٌ إِلّا الهَجِيرُ إِذَا الْتَظَى / فكانَ لَهُمْ جَمْراً وكانوا لَهُ شَيَّا
ولا نَسَبُ إِلّا الثُّرَيَّا إِذَا انْتَحَتْ / فكانَتْ لَهُمْ نِصْفاً وكانُوا لَهَا ثِنْيا
وكم زَجَروها بِاسْمِها وحُقُوقِهَا / فما صَدَقَتْهُمْ لا ثَرَاءً ولا ثَرْيا
ولا صِدْقَ إِلّا للرَّجاءِ الَّذِي سَرى / فقَصَّرَ طُولَ اللَّيْلِ واسْتَقْرَبَ النَّأْيا
وبارى هُوِيَّ الرِّيحِ يَسْبِقُها هَوىً / وغالَ قِفارَ البِيدِ يَنْسِفُها طَيَّا
إِلى سابِقِ الأَمْلاكِ عَلَّمَ سَيْفُهُ / نَدى كَفِّهِ أَنْ يَسْبِقَ الوَعْدَ والوَأْيا
أَبُو الحَكَمِ المُمْضِي لِحُكْمِ عُفَاتِهِ / رغائِبَ لا يَعْرِفْنَ سَوْفاً ولا لَيَّا
ومَثَّلَ لي فِي الحَرْبِ حَسْرُ ذِراعِهِ / بِحَسْرِيَ فِي حَرْبِ الخُطُوبِ ذِرَاعَيَّا
إِذَا لَمَعَتْ بِيضُ الصَّوَارِمِ حَوْلَهُ / كَإِضْرَامِ نِيرانِ الهمومِ حَوَالَيَّا
وَقَدْ عاذَ أَبْطَالُ الجَلادِ بِعِطْفِهِ / كَمَا عاذَ أَطْفالُ الجَلاءِ بِعِطْفَيَّا
وَقَدْ قَصَّرَتْ عنهُ رِماحُ عُدَاتِهِ / كَمَا قَصَّرَتْ عَنْهُمْ رِياشُ جناحَيَّا
ولكِنْ أُوَاسِي بَيْنَ عارٍ ولابِسٍ / أُقَلِّصُ عَنْ ذَيَّا لأَثْني عَلَى تَيَّا
وإِنْ لَوَتِ اللأوَاءُ مِنْ شَأْوِ هِمَّتِي / وأَلحَقَ ذُلُّ العُسْرِ وَجْهِي بِنَعْلَيَّا
فلَمْ تَلْوِ عَنْ مَدْحِ ابْنِ يَحْيى مدائحي / بأَطْيَبِ ذِكْرٍ فِي المَمَاتِ وَفِي المَحْيا
يُصِيخُ إِلَيْهِ كُلُّ سَمْعٍ مُوقَّرٍ / ويَجْلُو سَناهُ كُلَّ ناظِرَةٍ عَمْيا
وأُنشِيكَ عنهُ المِسْكَ مَا عِشْتَ يَا ورَى / وأُكْسُوكَ مِنْهُ الدُّرَّ مَا دُمْتِ يَا دُنْيا
وإِنْ بَرَتِ الأَيَّامُ مِنْ حَدِّ هِمَّتِي / وفَلَّتْ سِلامُ الحادِثاتِ غِرَارَيَّا
فَهَلْ قَلَمٌ خُطَّتْ بِهِ الأَرْضُ كُلُّها / نِظاماً ونَثْراً يُنْكِرُ القَطَّ والبَرْيا
وَزَنْدٌ يُنِيرُ الشَّرْقَ والغَرْبَ قَدْحُهُ / جَدِيرٌ بأَنْ يَسْتَلحِقَ المَحْقَ والوَهْيا
ويَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى سَنَاءٍ ورِفْعَةٍ / إذَا وَضَعُوا فِي التُّرْبِ أَيْمَنَ جَنْبَيَّا
وفَاحَتْ لَيَالِي الدَّهْرِ مِنِّيَ مَيِّتاً / فأَخزَيْنَ أَيَّاماً دُفِنْتُ بِهَا حَيَّا
وَكَانَ ضَياعِي حَسْرَةً وَتَنَدُّمَا / إذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئاً وَلَمْ يُغْنِنِي شَيَّا
وأَصْبَحْتُ فِي دارِ الغِنى عَنْ ذَوِي الغِنى / وعُوِّضْتُ فاسْتَقْبَلْتُ أَسْعَدَ يَوْمَيَّا
سِوى حَسْرَتَيْ عرضٍ وَوَجْهٍ تَضَعْضَعَا / لقارِعَةِ البَلْوى وَكَانَا عَتَادَيَّا
ولِلسِّتْرِ والصَّبْرِ الجَمِيلِ تَأَخَّرَا / فأَمَّهُمَا حِرْصِي وَكَانَا إِمامَيَّا
فيا عَبْرَتِي سُحِّي لَعَلِّي مُبَلَلٌ / بِبَحْرَيْكِ مَا أَنْزَفْتُ من مَاءِ عَيْنَيَّا
ويا زَفْرَتِي هَلْ فِي وَقُودِكِ جَذْوَةٌ / تُنِيرُ لَنَا صُبْحاً ثَنَاهُ الأَسى مُسْيا
ويا خَلَّتي إِنْ سَوَّفَ الغَوْثُ بالمُنى / ويا غُلَّتِي إِنْ أَبْطَأَ الغَيْثُ بالسُّقْيا
فَقُوما إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ فَأَسْعِدَا / تَقَلُّبَ وَجْهِي فِي السَّمَاءِ وَكَفَّيَّا
عَسى مَيِّتُ الأَظْمَاءِ فِي رَوْضَةِ النَّدى / سَيَرْجِعُ عَنْ رَبِّ السَّماءِ وَقَدْ أَحْيا
ويا أَوْجُهَ الأَحْرَارِ لا تَتَبَدَّلِي / بِظِلِّ ابْنِ يَحْيَى بَعْدُ ظِلّاً ولا فَيَّا
ويا حَلْبَةَ الآمَالِ زِيدِي عَلَى المَدى / بَقَاءَ ابْنِ يَحْيَى ثُمَّ حَيِّي عَلَى يَحْيى
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي / وَقَذَفْتُ نَبْلي بالصِّبا وحِرَابي
وسَلَلْتُ فِي سُبُلِ الغِوايَةِ صارِماً / عَضْباً تَرَقْرَقَ فِيهِ مَاءُ شَبابِي
ورَفَعْتُ لِلشَّوْقِ المُبَرِّحِ رايَةً / خَفَّاقَةً بِهَوَائِجِ الأَطْرَابِ
ولَبِسْتُ لِلُّوَّامِ لأْمَةَ خالِعٍ / مَسْرُودَةً بِصَبابَةٍ وتَصابِ
وبَرَزْتُ لِلشَّكْوَى بِشِكَّةِ مُعْلَمٍ / نَكَصَ الملامُ بِهَا عَلَى الأَعقابِ
فاسْأَلْ كمِيَّ الوَجْدِ كيْفَ أَثَرْتُهُ / بِغُرُوبِ دَمْعٍ صائِبِ التَّسكابِ
واسْأَلْ جُنُودَ العَذْلِ كيْفَ لَقِيتُها / فِي جَحْفَلِ البُرَحاءِ والأَوْصابِ
ولَقَدْ كَرَرْتُ عَلَى الملامِ بِزَفْرَةٍ / ذَهَلَ العِتَابُ بِهَا عَنِ الإِعْتَابِ
حتى تركْتُ العاذِلِينَ لِما بِهِمْ / شَغْفاً بِحُبِّ التَّارِكيَّ لِما بِي
من كُلِّ مَمْنُوعِ اللِّقاءِ اغْتالَهُ / صَرْفُ النَّوى فَنأَى بِهِ وَدَنَا بي
في لَيْلَةٍ لُقِّيتُ من تِلْقائِهِ / دَعْوى مُجِيبٍ للمَزَارِ مُجابِ
سِرٌّ سَرى لِجَوانِحي فَسَرى بِهَا / وهَوىً هَوَيْتُ لطَوْعِهِ فَهَوى بِي
فكَسَوْتُ خَيْلَ الشَّوْقِ لَيْلَ مُخالِسٍ / مَا كاد يَشْعُرُ أَنَّهُ جِلْبابِي
وهَتَفْتُ فِي جُنْدِ الصَّبا فأَجَابَني / فِي كُلِّ صَبٍّ بالأَحِبَّةِ صَابِ
فَزَحَفْتُ والإِقْدَامُ يَحْمِلُ رَايَتِي / وخَوَاطِرُ الإِحْجَامِ تَحْتَ رِكابِي
وحَمائِلي تَهْفُو بِلُحْمَةٍ بارِقٍ / لولا الوفاءُ بِذِمَّتِي لَوَشى بي
وكِنَانَتي مَا شِئْتُ فِي إِكْنانِها / منْ مُلتَظى جَمْرٍ وحَرِّ شِهابِ
كُلٌّ يشاكِهُ مَا وَرَاءَ جوانِحِي / للشَّوْقِ من ضَرَمٍ ومن إِلْهَابِ
حَتَّى افْتَتَحْتُ عَنِ الأَحِبَّةِ مَعْقِلاً / وَعْر المسالِكِ مُبْهَم الأَبْوَابِ
ووقَفْتُ مَوْقِفَ عاشِقٍ حَلَّتْ لَهُ / فِيهِ غنيمةُ كاعِبٍ وكَعَابِ
بِحَدَائِقِ الحَدَقِ الَّتِي لاقَيْنَنِي / بأَحَدَّ من سيفي ومن نُشَّابِي
في تُرْبَةٍ جادَ النَّعِيمُ رِياضَها / فَتَفَتَّحَتْ بِنَوَاعِمٍ أَتْرَابِ
من كُلِّ مَغْنُومٍ لِقَلْبِيَ غانِمٍ / عِشْقاً ومَسْبيٍّ لِعَقْلِي سابِ
في جُنْحِ لَيْلٍ كالغُرَابِ أَطارَ لِي / عن مُلتَقى الأَحْبابِ كُلَّ غُرَابِ
وجَلا لِعَيْنيَ كُلَّ بَدْرٍ طالِعٍ / قَمِنٍ بِهَتْكِ حِجابِهِ وحِجابِي
جابَ الظَّلامَ فَلَمْ يَدَعْ من دَجْنِهِ / إِلّا غَدَائِرَ شَعْرِهِ المُنْجابِ
فَغَنِيتَ بَيْنَ ضِيائِهِ وظلامِهِ / مُغْرى الجفونِ بِطَرْفِهِ المُغْرى بِي
فإِذا كَتَبْتُ بناظِرِي في قَلبِهِ / أَخْفى فخطَّ بناظِرَيْهِ جَوَابِي
وإِذا سَقَاني من عُقارِ جُفُونِهِ / أَبْقى عليَّ فَشَجَّها بِرُضَابِ
وسُلافَةُ الأَعْنابِ تُشْعِلُ نارُها / تُهْدى إِلَيَّ بيانِعِ العُنَّابِ
فَسَكِرْتُ والأَيَّامُ تسلُبُ جِدَّتِي / والدَّهْرُ ينسِجُ لي ثِيابَ سِلابِي
سُكْرَيْنِ من خمْرَيْنِ كَانَ خُمارُها / فَقْدَ الشَّبابِ وفرْقَةَ الأَحبابِ
لِمَدىً تَنَاهى فِي الغِوَايَةِ فانْتَهى / فِينا إِلَى أَمَدٍ لَهُ وكِتَابِ
وهَوًى تقاصَرَ بالمُنى فأَطالَ بِي / هَمَّاً إِلَى قَلْبِي سَرى فَسَرى بي
في جاهِلِيَّةِ فِتْنَةٍ عُبِدَتْ بِهَا / دُونَ الإِلهِ مَضَلَّةُ الأَرْبابِ
تُسْتَقْسَمُ الأَزْلامُ فِي مُهَجَاتِنا / وتسيلُ أنْفُسُنا عَلَى الأَنْصابِ
غِيَراً من الأَيَّامِ أَصْبَحَ ماؤُها / غَوْراً وأُعْقِبَ صَفْوُها بِعِقابِ
وبوارِقاً للغَيِّ أُضْرِمَ نُورُها / ناراً وصابَ غَمَامُها بالصَّابِ
فلها فَقَدْتُ النَّفْسَ إِلّا قَدْرَ مَا / أَشْجى بِهِ لِحُلُولِ كُلِّ مُصابِ
وبها رَزَيْتُ الأَهْلَ إِلّا لابِساً / بُؤْساً يَزِيدُ بِهِ أَلِيمُ عَذَابِي
وبها رَفَعْتُ حِجابَ سِتْرِي عَنْ مَهاً / تَرَكَتْ شبا قلْبي بِغَيْرِ حِجابِ
وجَلَوْتُ فِي خَطْبِ الجَلاءِ عقائلاً / قَصَّرْتُ عَنْها هِمَّةَ الخُطَّابِ
سِرْبُ المُقاصِرِ والمَلاعِبِ صُنْتُهُ / فأَطَرْتُهُنَّ مع القَطَا الأَسْرابِ
ذُعِرَتْ بِحِسِّ الإِنْسِ تَحْتَ حِجالِها / واسْتَأْنَسَتْ بِضَرَاغِمٍ وذِئَابِ
وَنَزَتْ بِهِنَّ عن الآرائِكِ رَوْعَةٌ / مَهَدَتْ لَهُنَّ حُزُونَ كُلِّ يَبابِ
فَطَوَيْنَ آفاقَ البِلادِ لِطِيَّةٍ / تأْبى لَهَا الأَيَّامُ يَوْمَ إِيَابِ
وإِلَيْكَ يَا مَنْصُورُ حَطَّ رِحالَها / دَأْبُ السَّرى واليَعْمَلاتِ وَدَابِي
وبُحُورُ هَمٍّ كَمْ وَكَمْ دَاوَيْتُها / بِبحُورِ يَمٍّ أَوْ بُحُورِ سَرَابِ
وشبابُ لَيْلٍ طالَمَا بَلَّغْتُهُ / تَخْطِيطَ شَيْبٍ أَوْ نُصُولَ خِضَابِ
فَوَصَلْتَ يَا مَنْصُورُ مِنَّا غُرْبَةً / مَقْطُوعَةَ الأَنْسابِ والأَسْبابِ
ووَقَيْتَني رَيْبَ الخُطُوبِ بِمِنَّةٍ / جَلَتِ اليَقِينَ لِظَنِّيَ المُرْتابِ
وكَفَيْتَني لَوْمَ الزَّمَانِ بأَنْعُمٍ / كَفَتِ الزَّمَانَ ملامَتي وعِتابي
وشَمِلْتَني بشَمائِلٍ ذَكَّرْنَنِي / فِي طِيبِها طُوبى وحُسْنَ مآبِ
وأَقَمْتَ لي سُوقَ المكارِمِ مُغْلِياً / بِجَوَاهِرِ الإِبْداعِ والإِغْرابِ
ورِضَاكَ رَدَّ لِيَ الرِّضا فِي أَوْجُهٍ / من خُزْرِ أَيَّامٍ عَلَيَّ غِضابِ
وهُدَاكَ أَشْرَقَ لي ولَيْلِيَ مُظْلِمٌ / وسَناكَ أَبْرَقَ لي وَزَنْدِيَ كابِ
وَجَدَاكَ داوَاني وَدَائيَ مُعْضِلٌ / وذرَاكَ آوَانِي وَرَحْلِي نَابِ
فَحَلَلْتُ مِنْهُ خَيْرَ دارِ مُقامَةٍ / وَثَوَيْتُ مِنْهُ فِي أَعَزِّ جَنابِ
وأَسَمْتُ فِي أَزْكَى البِقاعِ صَوَافِني / وَضَرَبْتُ فِي أَعلى اليَفَاعِ قِبابي
وشَوَيْتُ للأَضْيافِ لَحْمَ رَكائِبي / فِي نارِ أَحْلاسِي وَفِي أَقْتابي
عِوَضاً مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي أَصْبَحْتُ مِنْ / أَسْلابِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْلابي
ولَقَدْ جَبَرْتَ بِرَغْمِ دَهْرٍ ضامَني / مَا أَخْلَقَتْ عَصْرَاهُ مِنْ أَثْوَابِي
خِلَعاً رَفَعْتَ بِفَخْرِها وسَنائِها / مَا ضاعَ من قَدْرِي ومِنْ آدابِي
كُلٌّ ينادي فِي البَرِيَّةِ مُعْلِناً / هَذِي مواهِبُ مُنْذِر الوَهَّابِ
فَلأَهْدِيَنْ مِن طِيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / وَقْرَ الرِّكَابِ وذُخرَةَ الرُّكَّابِ
ولأَكْتُبَنْ منها عَلَى صُحُفِ العُلا / غُرَرَ الكِتابِ وغُرَّةَ الكُتَّابِ
ولأَجْلُوَنْ منها لأَبصارِ النُّهى / حُرَّ الخِطابِ وحُرَّةَ الخُطَّابِ
ولأَجْعَلَنَّ ثناءها وجَزاءها / أَبَدَ الأَبِيدِ وعاقِبَ الأَعْقابِ
ولأَتْرُكَنَّ خُلُودَها ونَشِيدَها / دِينَ العَصُورِ ومِلَّةَ الأَحْقابِ
حَتَّى يَعُودَ الدَّهرُ بِدْعَ شَرِيعَةٍ / بِعُلاكَ والأَيَّامُ أَهْلَ كِتابِ
وتَرَاكَ بَعْدَكَ أمَّةٌ لَمْ تَلْقَها / عَيْنَ اليَقِينِ وجَهْرَةَ الأَلْبابِ
حَتَّى يَرَوْا كَرَّاتِ خَيْلِكَ فِي الوغَى / لِوَحى طِعانٍ أَوْ وَحِيِّ ضِرَابِ
ويَرَوا سُيُوفَكَ فِي الجَمَاجِمِ والطُّلى / وسَنا جَبينِكَ فِي العَجَاجِ الهابي
ويَرَوْا إِلَى الأَقْرانِ مِنْكَ مُنازِلاً / إِقْدَامَ لَيْثٍ وانْقِضَاضَ عُقابِ
ويَرَوْكَ حِزْبُ اللهِ حِزْبُكَ والعِدى / بِسُيُوفِهِ مَفْلُولَةُ الأَحْزَابِ
هَذَا وكَمْ أَعْزَزْتَ فِي دِينِ الهُدى / من مِنْبَرٍ وحَمَيْتَ من مِحْرَابِ
ومعادِ عيدٍ عُدْتَ فِي إِغْبابِهِ / بِمكارِمٍ كَرُمَتْ عنِ الإِغْبابِ
فكَسَوْتَ فِيهِ الأَرْضَ سابِغَ حُلَّةٍ / نُسِجَتْ بأُسْدِ شَرىً ومَأْشَبِ غابِ
وسوابِقٍ رَدَّ الجِهادُ جِيادَها / قُبَّ البُطُونِ لَوَاحِقَ الأَقْرابِ
ولوامِعٍ أَشْرَعْتَهُنَّ فأَشْرَقَتْ / إِشراقَ مُلْكِكَ فِي سَنا الأحْسابِ
وخَوافِقٍ حَفَّتْ بوجهِكَ فاحْتَذَتْ / شَمْسَ النهارِ تَجَلَّلَتْ بسحابِ
حَتَّى انْتَهَيْتَ إِلَى المُصَلَّى لابساً / عِزَّ المليكِ ورِقَّةَ الأَوَّابِ
في مَنْظَرٍ عَجَبٍ وأَعْجَبُ شَأْنِهِ / مَا ذُمَّ من كِبرٍ ومن إِعْجابِ
وهُدىً لِمَنْ صَلَّى وضَحّى واتَّقى / وزَكَا فَكُنْتَ لَهُ أَجَلَّ ثوابِ
فاللهُ يَرْزُقُنا بقاءَكَ سالِماً / رِزْقاً نُوَفَّاهُ بغيرِ حِسابِ
وانْصُرْ وَمَنْ والاكَ حِلْفُ كَرَامَةٍ / واقْهَرْ ومَنْ عَادَاكَ رَهْنُ تَبابِ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ / وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْراً إِلَى شَهْرِ
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى / وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى / وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى / وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ / يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ / وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي / بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ / وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلاً وَصَلْتَهُ / بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها / وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى / إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْراً يمورُ عَلَى البَرِّ
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا / وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا / وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ / بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ / بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلاً / بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما / جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا / مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدَاً عَنِ الكِبْرِ
وذَكَّرَنا عَطْفاً بِعَطْفِكَ حانياً / عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى / غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِباً / كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْراً إِلَى سَطْرِ
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى / ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى / وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا / وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ / أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي / يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلَىً حَنانُهُ / أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ
ووافَوْا سريرَ المُلْكِ يَسْتَلِمُونَهُ / كمُسْتَلَمِ الحُجَّاجِ للرُّكْنِ والحِجْرِ
مَشاهِدُ غارَتْ فِي البِلادِ وأَنْجَدَتْ / مُحَقَّقَةَ الأَنْباءِ طَيِّبَةَ النَّشْرِ
أَنارَتْ فَما بِالخُلْدِ عَنْهُنَّ مِنْ عَمىً / ولا بِزَبابِ الرَّمْلِ عَنْهُنَّ مِنْ وَقْرِ
فكيفَ بأَبْصارٍ أَضَاءَتْ لَهَا المُنى / إِلَيْكَ وأَسماعٍ صَغَتْ فِيكَ لِلْجَبْرِ
ولا مِثْلَ مَجْلُوِّ النَّواظِرِ بالْعِدى / بَياتاً ومَفْتُوقِ المَسَامِعِ بالذُّعْرِ
تَوَقَّى فأَبْلى عُذْرَ نَاجٍ مُخاطِرٍ / فَرَدَّ المنايا عنهُ مُبْلِيَةَ العُذْرِ
وآنَسَ يَا مَنْصُورُ عِنْدَكَ نَفْسَهُ / فَجَلَّى لَهَا تَحْتَ الدُّجى ناظِرَيْ صَقْرِ
فأَهْوى إِلَى مَثْوَاكَ أَمضى مِنَ الهوى / وأَسْرى إِلَى مَأْوَاكَ أخفى مِنَ السِّرِّ
فَكمْ جُزْتُ من سَيْفٍ لِقَتْلِيَ مُنْتَضىً / وجاوزتُ من لَيْثٍ لِضَغْمِيَ مُفْتَرِّ
فيا خِزْيَ ذا مِنْ سَبْقِ خَطْوٍ مُخاطِرٍ / ويا لَهْفَ ذا مِنْ فَوْتِ غِرَّةِ مُغْتَرِّ
كَأَنَّ خُفُوقَ القَلْبِ مَدَّ جوانِحي / بأَجْنِحَةٍ رِيشَتْ منَ الرَّوْعِ والذُّعْرِ
وتَحْتَ جَناحَيْ مَقْدِمِي وتَعَطُّفِي / ثمانٍ وَعَالَتْ بالْبَنينَ إِلَى الشَّطْرِ
أَخَذْتُ لَهُمْ إِصْرَ الحياةِ فأُجِّلُوا / وَقَدْ أًخَذَ الإِشْفَاقُ مِنِّي لَهُمْ إِصْرِي
فَحَمَّلْتُهُمْ وِزْراً ولَوْ خَفَّ مِنْهُمُ / جَناحِي لكانَ الطَّوْدُ أَيْسَرَ مِنْ وِزْرِي
فلِلَّهِ من أَعْدَادِ أَنْجُمِ يُوسُفٍ / تَحَمَّلَها مِنْها أَقلُّ مِنَ الْعُشْرِ
إِلَى كُلِّ مَأْوىً لِلْجَلاءِ هَوى بِنا / إِلَى حَيْثُ لا مَهْوَى عُقابٍ ولا نَسْرِ
رحَلْتُ لَهُ عُوجاً كَأَنَّ هُوِيَّها / بِنا فِيهِ أَفْلاكٌ بأَنْجُمِها تَجْرِي
طَوَيْنَ بِنا بُعْدَ السِّفَارِ كَأَنَّها / ليالٍ وأَيَّامٍ طَوَيْنَ مَدى العُمْرِ
ورُبَّتَما اسْتَوْدَعْنَنا بَطْنَ حُرَّةٍ / هَوَائِيَّةِ الأَحْشاءِ مائِيَّةِ الظَّهْرِ
رَحِيبَةِ مَأْوى الضَّيْفِ مانِعَةَ الْقِرى / وغَيْرُ ذَمِيمٍ أَنْ تُضِيفَ ولا تَقْرِي
فكَمْ ليَ بَيْنَ اللَّوْحِ واللَّوْحِ طائِراً / وأَوْكارُهُمْ فِي طائِرٍ غَيْرِ ذِي وَكْرِ
وكمْ أَسْلَمُوا لِلْعَسْفِ والخَسْفِ مِنْ حِمىً / وكمْ تَرَكُوا للغَصْبِ والنَّهْبِ من وَفْرِ
وكم وَجَّهُوا وَجْهاً لبارِقَةِ الظُّبى / وكم وَطَّنُوا نَحْراً لِنافِذَةِ النَّحْرِ
وكمْ أَقدَمُوا بَيْنَ المَنايا كَمَا هَوَتْ / فَرَائِسُ أُسْدِ الْغابِ لِلنَّابِ والظُّفْرِ
وكم بَدَّلُوا مِنْ وَجْهِ راعٍ وحافِظٍ / وُجُوهَ المنايا السُّودِ والحَدَقِ الحُمْرِ
ومِنْ رَفْرَفِ الأَسْتارِ دُونَ حِجَالِها / تَرَقْرُقَ لَمْعِ الآلِ فِي المَهْمَهِ القَفْرِ
ومن ساجِعِ الأَطْيارِ فَوْقَ غُصُونِها / مُراسَلَةَ الأَلْحَانِ فِي نَغَمِ الوَتْرِ
تُنادي عَزِيفَ الجِنِّ فِي ظُلَمِ الدُّجى / وهَوْلِ الْتِطَامِ المَوْجِ فِي لُجَجِ البَحْرِ
وكم زَفْرَةٍ نَمَّتْ عَلَيْهِمْ بِحَسْرَةٍ / أَنَارَتْ بِنارِ السِّرِّ فِي عَلَمِ الجَهْرِ
ونادَتْ عُيُونَ الشَّامِتينَ إِلَى القِرى / بأَفْلاذِ أَكْبادٍ كصَالِيَةِ الجُزْرِ
ومَاذَا جَلا وَجْهُ الجَلاءِ مَحاسِناً / تَهابُ العُيُونُ مَا نَثَرْنَ من الدُّرِّ
وماذا تَلظَّى الحَرُّ فِي حُرِّ أَوْجُهٍ / تَنَسَّمُ فِيهِ بَرْدَ ظِلٍّ عَلَى نَهْرِ
وماذَا أَجَنَّ اللَّيْلُ فِي مُوحِشِ الفَلا / أَوانِسَ بالأَتْرَابِ فِي يانِعِ الزَّهْرِ
وماذا تَرَامى المَوْجُ فِي غَوْلِ لُجَّةٍ / بِلاهِيَةٍ بَيْنَ الأَرَائِكِ والخِدْرِ
فإِنْ نَبَتِ الأَوْطَانِ مِنْ بَعْدُ عَنهُمُ / فلا مَحْجَرِي حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ولا حِجْرِي
وإِنْ ضاقَ رَحْبُ الأَرْضِ عَنْ مُنْتَوَاهُمُ / فَرَحْبٌ لَهُمْ مَا بَيْنَ سَحْرِي إِلَى نَحْرِي
وإِنْ تَقْسُ أَكْبادٌ كِرَامٌ عَلَيْهِمُ / فواكَبِدِي مِمَّنْ تَذُوبُ لَهُ صَخْرِي
وإِنْ تَبْرَمِ الأَيْسَارُ فِي أَزَمَاتِهِمْ / فأَحْبِبْ بِأَيْسارٍ قَمَرْتُ لَهُمْ يُسْرِي
فَفازُوا بِنَفْسي غَيْرَ جُزْءٍ ذَخَرْتُهُ / لِما شَفَّ مِنْ خَطْبٍ وَمَا مَسَّ مِنْ ضُرِّ
فَعَفْوٌ لَهُمْ جَهْدِي وحُلْوٌ لَهُمْ مُرِّي / وصَفْوٌ لَهُمْ طِرْفي ويُسْرٌ لَهُمْ عُسْرِي
وإِنْ أَضْرَمُوا قَلْبِي فَجَمْرِي لَهُمْ نَدٍ / وإِنْ غَيَّضُوا شِرْبِي فَرَوْضِي لَهُمْ مُثْرِ
وَدَائِعُ نَفْسِي عِنْدَ نفسي حَفِظْتُها / بِما ضاعَ مِنْ حَقِّي وَمَا هانَ مِنْ قَدْرِي
قَليلٌ غِناهُم عَنْ يَدِي وَغَناؤُهُمْ / سِوى أَنَّهُمْ مِنْ ضَيْمِ كَسْبي لَهُمْ عُذْري
وأَنِّي لَهُمْ فِي ماءِ وَجْهِي تاجِرٌ / أُغَنِّمُهُمْ غُنْمِي وأُرْبِحُهُمْ خسُرِي
وأُسْلِمُ فِي وَخْزِ السَّفى ثَمَرَ المُنى / وأَبْذُلُ فِي قَذْفِ الحصى جَوْهَرَ الشُّكْرِ
وإِنْ نَفَقَتْ عِنْدي بِضَاعَةُ قانِعٍ / تَقَنَّعْتُ مِنْها فِي خَزَايَةِ مُعْتَرِّ
رَجاءً لِضُمْرٍ طالما قَدْ عَهِدْتُهُ / يُريني أَناةَ السَّهلِ فِي المَسْلَكِ الوَعْرِ
وخزياً لِوجهٍ هانَ فِي صَوْنِ أَوْجُهٍ / كريمٍ بهم رِبْحِي لَئيمٍ بهم تَجْرِي
بعدَّة أبراجِ السَّماءِ وَمَا سرى / مداها إِلَى صُبْحٍ يُضيءُ ولا فَجْرِ
وكيفَ وَمَا فِيهَا معرَّجُ مَنْزِلٍ / لِشَمْسٍ تُجلِّي ليلَ همٍّ ولا بَدْرِ
ولكن قُلُوبٌ قُسِّمَتْ وجوانِحٌ / منازِلَ مقدوراً لَهَا نُوَبُ الدَّهْرِ
وأَنْجَمِ أَنْواءٍ تَنْوءُ بِهَا النَّوى / وَلَيْسَ لَهَا إِلّا دُمُوعِيَ مِنْ قَطْرِ
ولا مَطْلَعٌ إِلّا مِهادِيَ أَوْ حِجْرِي / ولا مَغْرِبٌ إلّا ضُلُوعِيَ أَوْ صَدْرِي
إِذَا ازْدَحَمُوا فِي ضَنْكِ شِرْبِي تَمَثَّلُوا / بأَسْباطِ مُوسى حولَ منفَجَرِ الصَّخْرِ
ولو بعَصَا موسى أُفَجِّرُ شُرْبَهُمْ / ولكنْ بِذُلِّ الفقرِ فِي عزَّة الوَفْرِ
فما جَهِدُوا فُلْكاً كَما جَهِدُوا يَدِي / ولا أَنْقَضُوا رحلاً كَمَا أنْقَضُوا ظَهْرِي
كَأَنَّ لَهُمْ وِتْراً عَلَيَّ وَمَا انْتحى / لَهُمْ حَادِثٌ إِلّا وَفِي نَفْسِهِ وِتْرِي
ولَوْلاهُمُ لَمْ أُبْدِ صَفْحَةَ مُعْدِمٍ / وَلَمْ أُسْمِعِ الأَعْداءَ دَعْوَةَ مُضْطَرِّ
ولا جُدْتُ لِلدُّنيا بِخَلَّةِ واصِلٍ / ولَوْ بَرَزَتْ لي فِي غَلائِلِها الخُضْرِ
ولا راقني مَا فِي الخُدُودِ من الهوى / ولا شاقني مَا فِي العُيونِ من السِّحْرِ
ولم يلهني قُربُ الحبيب الَّذِي دنا / وَلَمْ يُصبني طيفُ الخيالِ الَّذِي يسري
ونادَيْتُ فِي بِيضِ النُّضارِ وصُفْرِها / لِغَيْرِيَ فابْيَضِّي إِذَا شِئْتِ واصْفَرِّي
وأَعليتُ فِي مُلْكِ القناعة همَّتي / وهديِ الهدى حصني ونهيِ النُّهى قصري
إِذَا غزت اللذّات قلبي هزمتُها / بجيشينِ من حسن التحمُّلِ والصَّبْرِ
وإِنْ غَزَتْ الآمالُ نفسي صرمتُها / بصارِمِ يأْسٍ فِي يمينِ تُقىً حُرِّ
ولكِنْ أَبى مَا فِي الفُؤَادِ مِنَ الأَسى / وأَعْضَلَ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ مِنَ الجَمْرِ
وَمَا لَفَّ عَهْدُ اللهِ فِي ثَوْبِ غُرْبَتِي / مِنَ الآنِساتِ الشُّعْثِ والأَفرُخِ الزُّعْرِ
وَمَا لاح يَا مَنْصُورُ مِنْكَ لزائِرٍ / وأَسْفَرَ من إِشراقِ وَجْهِكَ لِلسَّفْرِ
وَمَا أَرْصَدَتْ يمناكَ للضَّيْفِ من قِرىً / وَمَا بسطَتْ علْيَاكَ للعلمِ من بِرِّ
وتقديرُ رَبِّ الخلْقِ والأَمرِ إِذْ قَضى / بِخَلْقِكَ فاسْتَصْفَاكَ للخَلْقِ والأَمْرِ
فَمَكَّنَ سيفَ النَّصْرِ فِي عاتِقِ العُلا / وأَثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ الفَخْرِ
وكَرَّمَ نفسَ الحِلْمِ عن وَغَرِ القِلى / وَطَهَّرَ جِسْمَ المجدِ من دَنَسِ الغَدْرِ
وحَلّاكَ فِي هَذَا الأَنامِ شمائِلاً / أَدالَ بِهِنَّ اليُسْرَ من دولَةَ العُسْرِ
وسمَّاكَ فِي الأَعداءِ مُنْذِرَ بأْسِهِ / بما اشْتَقَّ فينا من وفائِكَ بالنَّذْرِ
فلَمَّا توافى فيك إبداعُ صُنْعِهِ / وقَدَّرَ أَنْ يُعْلِيكَ قَدْراً إِلَى قَدْرِ
رآكَ جديراً أن يباهِيَ خَلْقَهُ / ويُحْيِي بكَ الأَملاكَ فِي غابِرِ الدَّهْرِ
بعَبْدٍ حَبا يُمْنَاكَ مُعْجِزَ رَبِّهِ / وأَصْفاكَ منه طاعَةَ المُخْلِصِ الحُرِّ
فأَنْطَقَ غَرْبَيْ قلبِهِ ولسانِهِ / بتخليدِ مَا سَيَّرتَ من طَيِّبِ الذِّكْرِ
لَيُبلِكَ عُمْراً بالغاً بك غَايَةً / وعُمْرَ ثَناءٍ بَعْدَ مُنْصَرَمِ العُمْرِ
ويكتُبَ لي فِي آلِ يَحْيَى وسائِلاً / تتيهُ عَلَى القُرْبى وتُزْهى عَلَى الصِّهْرِ
وَلاءٌ لمن أَعْتَقْتَ من مُوبِقِ الرَّدى / ورِقٌّ لمن أَطلقْتَ من مُوثِقِ الأَسْرِ
وما رُدَّ مِنْ حَمْدِي إِلَيْكَ ومن شكري / ورُدِّدَ من نظمِي عَلَيْكَ ومن نَثْرِي
وإِنَّكَ مَا تنفكُّ مِنِّيَ مُعْرِساً / بعذراءَ من نفسِي وغَرَّاءَ من فِكْرِي
تُهِلُّ إليها كُلُّ عذراءَ غادَةٍ / وتَخْجَلُ منها كُلُّ فَتَّانَةٍ بِكْرِ
وتشرِقُ من مَبْدَا سُهَيْلٍ إِلَى السُّهى / وتَعْبَقُ من مجرى البُطَيْنِ إِلَى الغُفْرِ
تَلأْلُؤَ مَا أَسْدَتْ أَياديكَ فِي يَدِي / وتحبيرَ مَا أَعْلَتْ مساعِيكَ من حِبْرِي
وفخرُكَ محمولٌ بحمديَ فِي الورى / وذِكرُكَ موصولٌ بذكرِي إِلَى الحَشْرِ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ / وأَيْقَنَ حِزْبُ الشِّرْكِ أَنَّكَ قاصِمُهْ
لقد شَدَّدَ الرحمنُ أَرْكانَ دِينِهِ / فَأُيِّدَ بانِيه وهُدِّمَ هادِمُهْ
وعَدَّى بِهِ عَمَّنْ يُوالِي عَدُوَّهُ / ووَلّاهُ من والاهُ فَهْوَ مُلازِمُهْ
ومَنْ مُلْكُهُ إِنْ جَلَّ خَطْبٌ مِلاكُهُ / وأَعلامُهُ إِنْ رابَ دَهْرٌ مَعالِمُهْ
فَسَمَّاهُ منصوراً مُصَدِّقَ جَدِّهِ / وَمَا صَدَّقَتْ أَرماحُهُ وصوارِمُهْ
وتَوَّجَهُ مَثْنى الرِّياسَةِ مُعْلِناً / بما هُو من غَيْبِ السَّرَائِرِ عالِمُهْ
فَتىً وَلَدَتْهُ الحربُ واسْتُرْضِعَتْ لَهُ / وقائِعُ مَنْ أَحْمى الهُدى ومَلاحِمُهْ
مُفَدَّىً وَمَا غيرُ السُّروجِ مِهادُهْ / مُوَقَّىً وَمَا غيرُ السيوفِ تمائِمُهْ
مُجَدِّدُ مُلْكٍ أَحرَزَتْهُ جُدُودُهُ / أَعِزَّةُ أَمْلاكِ الهُدى وأَكَارِمُهْ
فَأَعْرَبَ عَنْ أَيامِ يَعْرُبَ واقْتَدى / بِما عَظُمَتْ أَذْوَاؤُهُ وأَعاظِمُهْ
وأَنْجَبهُ لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ عَمْرُهُ / وأَخْلَصَهُ لِلْجُودِ والحَمْدِ حَاتِمُهْ
شُجاعٌ ولَكِنَّ الجِيادَ حُصُونُهُ / كَرِيمٌ ولكِنَّ المَعَالي كَرَائِمُهْ
تَلاقَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ والبِيضُ والقَنا / قِياماً لِمَنْ لا سَعْيُ ساعٍ يُقاوِمُهْ
وَخَلَّتْ له الأَمْلاكُ عَنْ سُبُلِ الهُدى / فَلَيْسَ سِوى طِيبِ الثَّناءِ يُزَاحِمُهْ
مُقَسِّمُ مَا يَحْوِيهِ فِي سُبُلِ النَّدى / وإِنْ كَانَ قَدْ حَابَاهُ فِي الحَظِّ قاسِمُهْ
فما خابَ فِي يومِ النَّدَى من يَنُوؤُهُ / ولا فازَ فِي يوم الوَغى مَنْ يُحاكِمُهْ
ولا ادُّعِيَتْ فِي المَأْثُرَاتِ حُقُوقُهُ / ولَوْ أَقبلَتْ زُهْرُ النجومِ تُخاصِمُهْ
ودَعْوى النُّهى والحِلْمِ فِي غَيْرِ مُنْذِرٍ / خيالٌ من الأَحْلامِ أَضْغَثَ حَالِمُهْ
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو من المُلْكِ غِرَّةً / وَمَا حَوَّمَتْ إِلّا عَلَيْكَ حَوَائِمُهْ
ولا رُفِعَتْ إِلّا إِلَيْكَ عُيُونُهُ / ولا ظَأَرَتْ إِلّا عَلَيْكَ روائِمُهْ
ولا راقَ إِلّا فِي جَبينِكَ تاجُهُ / ولا قَرَّ إِلّا فِي يمينِكَ خَاتِمُهْ
فكيفَ بِذِي جَهْلٍ تَعَسَّفَ مَجْهلاً / يُبَرِّحُ واقِيهِ ويَحْتِمُ حاتِمُهْ
فَغالَته فِي غَوْلِ المَهامِهِ غُولُهُ / وهامَتْ بِهِ فِي التُّرَّهَاتِ هَوَائِمُهْ
أَباحَ حِمى الإِسْلامِ لِلْشِّرْكِ مَغْنَماً / لِتُقْسمَ بَيْنَ النَّاهِبِينَ مَغانِمُهْ
وفَضَّ خِتامَ اللهِ عن حُرُماتِهِ / ليُفْتَضَّ عَمَّا تَحْتَويهِ خَواتِمُهْ
وَعَدَّ دِماءَ المُسْلِمِينَ مُدَامَةً / فَبَرَّحَ فِي الأَعْداءِ عَمَّنْ يُنادِمُهْ
فإِنْ أَلْقَحَ الحَرْبَ العَوَانَ فَحَسْبُهُ / فَوَاقِرُ مَا شَالَتْ بِهِ وأَشائِمُهْ
وإِنْ زُجَّ فِي جَفْنِ الرَّدى فَلِحَيْنِهِ / تَخَازَرَ ساجِيهِ وأُوقِظَ نائِمُهْ
غَدَاةَ دعاكَ الدِّينُ مِنْ أَسْرِ فَعْلَةٍ / وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تُسْتَباحَ مَحارِمُهْ
فلَبَّيْتَها فانْجَابَ عَنْها ظَلامُهُ / ووافَيْتَها فَاسْتَنْكَرَتْها مَظَالِمُهْ
وجاءَكَ مَدُّ اللهِ من كُلِّ ناصِرٍ / عَلَى الحَقِّ مَهْدِيّاً إِلَيْكَ مَقَادِمُهْ
ونادى أَبو مَسْعُودٍ النَّصْرَ مُسْعِداً / عزائِمَكَ اللاتِي تَلِيها عزائِمُهْ
بِوُدٍّ كماءِ الغَيْثِ يَسْقِي رِياضَهُ / وبَأْسٍ كَحَرِّ النَّارِ يُضْرَمُ جاحِمُهْ
عَلَى كُلِّ مَنْ حارَبْتَ فَهْوَ مُحارِبٌ / كِفاحاً ومن سالَمْتَ فَهْوَ مُسالِمُهْ
وأَعْصَمَ بالإِشْرَاكِ قائِدُ بَغْيِها / إِلَى مَلِكٍ رَبُّ السَّمواتِ عاصِمُهْ
فَما رَكَضُوا طِرْفاً إِلَيْكَ لِغارَةٍ / وأَسْهَلَ إِلّا أَسْلَمْتَهُ قوائِمُهْ
ولا أَصْلَتُوا سَيْفاً وأَنْحَوْكَ حَدَّهُ / فَعَرَّجَ عَنْ مَثْنى يَمِينِكَ قائِمُهْ
ولا أَشَّبُوا حِصْناً يَرُدُّكَ عَنْهُمُ / وقابَلْتَهُ إِلّا تَدَاعَتْ دَعَائِمُهْ
وإِنْ أَحْرَزُوا فِي قُطْرِ شَنْجٍ نُفُوسَهُمْ / فغانِمُ مَا لا يَحْفَظُ اللهُ غارِمُهْ
فكَمْ قُدْتَ فِي أَكْنافِها من مُقَنَّعٍ / نُفُوسُ الأَعادِي شُرْبُهُ ومطاعِمُهْ
خَمِيسٌ لِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ أَنْجُمِ الدُّجى / حُلاهُ ومن شَمْسِ النهارِ عمائِمُهْ
كَأَنَّ شعاعَ الشمسِ تَحْتَ عَجَاجِهِ / إِذَا مَا الْتَقَى الجمعانِ سِرٌّ وكاتِمُهْ
تَجِيشُ بِوَدْقٍ من جَنى النَّبْعِ صائِبٍ / أَساوِدُهُ نَحْوَ العِدى وأَرَاقِمُهْ
كَمَا حَمَلَتْ رَحْلَ الدَّبا عاصِفُ الصَّبا / أَوِ انْهَلَّ بالوَبْلِ الأَجَشِّ غَمَائِمُهْ
وهَدَّ هَوَاءَ الجَوِّ نَحْوَ بِنائِها / هُوِيَّ سِلامٍ حانَ مَنْ لا تُسَالِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ بِطَوْدٍ مِنَ القَنا / لأَقْبَلَ أَطْوَادُ الجِبالِ تُصَادِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُزَاحِمْهُ المَجانِيقُ لانْبَرَتْ / عَلَيْهِ نُجُومُ القَذْفِ عَنْكَ تُزَاحِمُهْ
وَلَيْسَ ولَوْ سامى السَّماءَ بِمُعْجِزٍ / مِنَ المَشْرَفِيِّ وَالعَوَالِي سَلالِمُهْ
فَسَرْعَانَ مَا أَقوى الشَّرى من ضِباعِهِ / وبَرْبَرَ فِي ذَاكَ العَرِينِ ضَرَاغِمُهْ
وطُيِّرَ عن لَيْلِ الأَباطِيلِ بُومُهُ / وشُرِّدَ عن بَيْضِ النفاقِ نعائِمُهْ
وبَدَّلْتَ حُكْمَ اللهِ من حُكْمِ غَيِّهِ / فأَنْفَذَ حُكْمُ اللهِ مَا أَنتَ حاكِمُهْ
فيا رُبَّ أَنفٍ للنفاقِ جَدَعْتَهُ / بِهَا وابْنُ شَنْجٍ صاغِرُ الأَنْفِ راغِمُهْ
غداةَ أَطارَ العقلَ عنه ونَفْسَهُ / بسيفِكَ يومٌ راكِدُ الهَوْلِ جاثِمُهْ
فما يَرتُقُ الأَرْوَاحَ إِلّا رِياحُهُ / ولا يَفْتُقُ الغَمَّاءَ إِلّا غَماغِمُهْ
فلا نُطْقَ إِلّا أَن يُفَدِّيكَ صارِخٌ / ويدعُوكَ بالبُقْيَا عليها أَعاجِمُهْ
فَأَبْرِحْ بيومٍ أَنتَ بالنَّصْرِ مُقْدِمٌ / وأَفْرِحْ بيومٍ أنت بالفَتْحِ قادِمُهْ
ومَنْزِلِ مَفْلُولٍ نَزَلْتَ وخيلُنا / مرابِطُها أَجسادُهُ وجَمَاجِمُهْ
ومُعْتَرِفٍ بالذَّنْبِ مُبْتَئِسٍ بِهِ / دعاكَ وَقَدْ قامَتْ عَلَيْهِ مآتِمُهْ
إِذَا صَدَّهُ الموتُ الَّذِي سامَ نَفْسَهُ / يكُرُّ بِهِ العَيْشُ الَّذِي هُوَ سائِمُهْ
فتَلْقَاهُ أَطرافُ القَنا وَهْوَ نُصْبُها / ويَصْعَقُهُ بَرْقُ الرَّدى وَهْوَ شائِمُهْ
إِذَا كادَ يقضي بالأَسى نَحْبَه قَضَت / لَهُ الرَّحِمُ الدُّنْيا بأَنَّكَ راحِمُهْ
فلم أَرَ أَمْضَى مِنْكَ حكْماً تَحَكَّمَتْ / عَلَى سيفِهِ يَوْمَ الحِفَاظِ مكارِمُهْ
ولا مِثْلَ حِلْمٍ أَنْتَ لِلْغَيْظِ لابِسٌ / ولا مِثْلَ غَيْظٍ أَنتَ بالحِلْمِ كاظِمُهْ
فأَوْسَعْتَهُ حُكْمَ النَّضِيرِ وَقَدْ حَكى / قُرَيظَةَ منه غِلُّهُ وَجَرائِمُهْ
فَوَلّى وَقَدْ وَلّاكَ ذُو العَرْشِ عَرْشَهُ / وطارَ وَقَدْ طارَتْ إِلَيْكَ قوادِمُهْ
وأُبْتَ وَقَدْ لاحَتْ سُعُودُكَ بالمُنى / وغارَتْ بِهِ فِي الأَخْسَريْنَ عَوَاتِمُهْ
تُغَنِّي لَكَ الرُّكْبانُ بالفَتْحِ قافِلاً / وتبكِي عَلَيْهِ بالحِمَامِ حَمَائِمُهْ
فَمَنْ يَنْصُرِ الرَّحمنُ هَذِي عَزَائِمُهْ / ومن يَخْذُلِ الرحمنُ هذِي هَزَائِمُهْ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ / ولِرُشْدِ حِلْمِكَ كَيْفَ ضَلَّ دَليلُهُ
ولِعَيْشِ صَبٍّ لا يَرِقُّ حَبِيبُهُ / مِمَّا شَجَاهُ ولا يُفيقُ عَذُولُهُ
ولِقَاتِلٍ بِالهَجْرِ غَيْرِ مُقَاتِلٍ / يَفْدِيهِ مِنْ مَضَضِ العِتَابِ قَتِيلُهُ
إِنْ خَطَّ فِي جَوِّ السَّماءِ مِثَالَهُ / بَدْراً فَبَيْنَ جَوَانِحِي تَمْثِيلُهُ
أَوْ شَرَّدَ التَّسْهِيدَ طَيْفُ خَيالِهِ / عَنْ ناظِرَيَّ فَفِيهِمَا تَخْيِيلُهُ
وَلَهَانَ فِيهِ مَا فَقَدْتُ مِنَ الْكَرى / لَوْ كَانَ من نَظَرِي إِلَيْهِ بَديلُهُ
أَوْ كَانَ حُكْمُ هَوَاهُ لا تَحْرِيمُهُ / وَصْلِي عَلَيْهِ وَلا دَمِي تَحْلِيلُهُ
غُصْنٌ يَمِيسُ بِهِ الصِّبَا فَيُقِيمُهُ / طَوْراً وتُوهِمُهُ الصَّبا فَتُمِيلُهُ
فَكَأَنَّهُ فِي لَمْحِ طَرْفِيَ عائِرٌ / وتَقيه تَفْدِيَتِي لَهُ فَتُقِيلُهُ
وتَكادُ أَنْفاسِي تُزَايِلُ مَتْنَهُ / لَوْلا كثيبٌ منهُ لَيْسَ يُزِيلُهُ
فكأَنَّما يُشْتَقُّ من حَرَكَاتِهِ / نَغَمُ الغِناءِ خفيفُهُ وثقيلُهُ
لَوْ أَنَّهُ يُشْتَقُّ مِنْ أَعْطَافِهِ / عَطْفٌ يُعَلِّلُ لَوْعَتي تَعْلِيلُهُ
وعَلِيلُ لَحْظِ الطَّرْفِ أَعدى طَرْفُهُ / قَلْبي بداءٍ لا يُفيقُ عليلُهُ
سَلَبَ المَلاحَةَ فِي الظِّباءِ وَفِي المَهَا / حَتَّى اسْتَبَدَّ بجِزْئِها تكميلُهُ
أَنَفاً لِمَنْ سَكَنَ التَّرَائِبَ أَنْ يُرى / يَطَأُ التُّرابَ شَبِيهُهُ ومَثيلُهُ
ولقد حَفِظْتُ لَهُ أَمانَةَ لاعِجٍ / بالشَّوْقِ يَغْلي فِي الفؤادِ غليلُهُ
وضَرَبْتُ من دَمْعِي عَلَى خَدِّي لَهُ / غُرْماً غرامِي بالقَضَاءِ كَفِيلُهُ
فَلَئِنْ صَبَوْتُ فَلسْتُ أَوَّلَ عاشِقٍ / تَبعَ الهَوى فَهَوى بِهِ تضليلُهُ
ولئِنْ صبرْتُ فلَسْتُ بِدعَ مُفَارِقٍ / غَالَتْ حَبِيبَ النَّفْسِ عَنْهُ غُولُهُ
ولئِنْ سَلَوْتُ فَأَيُّ أُسْوَةِ واعِظٍ / أَلْهاهُ عن قَمَرِ السَّمَاءِ أُفُولُهُ
فَسَما إِلَى الْمَلأِ الأَجَلِّ بِهِجْرَةٍ / وَافى بِهَا الرَّحْمنُ وَهْوَ خَلِيلُهُ
وهُناكَ يَا مَنْصُورُ هِمْتَ بِهِمَّةٍ / فِيهَا سُلُوُّ المُسْتَهامِ وَسُولُهُ
طَلَباً لِحَظٍّ لا يَذِلُّ عَزِيزُهُ / من حَظِّ غَيٍّ لا يَعِزُّ ذَلِيلُهُ
فَهَدى وَأَهْدَانِي إِلَيْكَ مُبَرِّزاً / شَهِدَتْ لَهُ فِي السَّابِقَاتِ عُدُولُهُ
وَجَلا عَلَيْكَ بِهِ الجَلاءُ مُهَنَّداً / صَدَقَتْكَ عَنْ قَرْعِ الحُرُوبِ فُلُولُهُ
وعَفَتْ مَحاسِنه العِدى فكأَنَّها / فِي مَعْهَدِ الْوَطَنِ الفَقيدِ طُلُولُهُ
إِنْ يُصْدِهِ رَهَجُ الوغى فَشُعاعُهُ / بالعِلْمِ لَمَّاعُ الجِلاءِ صَقِيلُهُ
أَوْ تُخْلِقِ البَلْوَى حَمائِلَ حَلْيِهِ / فَعَلَى التَّجَمُّلِ والمُنى تَجْمِيلُهُ
أَو تَقْطَعِ الأَيَّامُ عَهْدَ ذِمامِهِ / فالصَّبْرُ واصِلُ حبلِهِ مَوْصُولُهُ
فأَتاكَ يَا مَنْصُورُ فاقِدَ غِمْدِهِ / بِرَجَاءِ مَجْرُورٍ إِلَيْكَ ذُيُولُهُ
رَسْفَ المُقَيَّدِ فِي أَضاليلِ الدُّجى / والقَفْرُ والبَحرُ المُحِيطُ كُبُولُهُ
كُرَباً كَمَوْجِ البَحْرِ لا إِهْلالُهُ / إِلّا إِلَيْكَ بِهَا وَلا تَهْلِيلُهُ
فَلْيَهْنِ ذَا أَمَلٍ إِلَيْكَ مآلُهُ / وجَلاءَ مُرْتَحِلٍ إِلَيْكَ رَحِيلُهُ
وظلامَ لَيْلٍ فِي جَبِينِكَ صُبْحُهُ / وهَجيرَ قَيْظٍ فِي ذَرَاكَ مَقِيلُهُ
ولْيَهْنِنَا وَلْيَهْنِكَ العيدُ الَّذِي / بِسَنَاكَ أَشْرَقَ صُبْحُهُ وأَصِيلُهُ
عِيدٌ إِلَيْكَ سَلامُهُ وقِوامُهُ / ونظامُهُ وزِحامُهُ وحُفُولُهُ
وعلى الإِلهِ مَعَادُهُ وعَتادُهُ / وإِيابُهُ وثوابُهُ وقَبُولُهُ
ولْيَهْنِ كُلَّ مليكِ شِرْكٍ عِيدُهُ / يَوْمٌ إِلَيْكَ بُلُوغُهُ وَوُصُولُهُ
ضَلَّتْ بِهِ سُبُلُ الشَّرائِعِ واهْتَدَتْ / بشَرِيعَةِ الزُّلفى إِلَيْكَ سَبِيلُهُ
نَاشٍ عَلَى دِينِ السُّجُودِ وَمَا دَرى / قَبْلَ السُّجودِ إِلَيْكَ مَا تأْوِيلُهُ
أَنْسَاهُ قَدْرُكَ مَا أَضَلَّ صَلِيبُهُ / وأَراهُ سَيْفُكَ مَا حَوى إِنْجِيلُهُ
فأَجَازَ مَحْياهُ إِلَيْكَ نِزَاعُهُ / وأَغَرَّهُ بِكَ فِي الوَرى تَذْلِيلُهُ
ولَئِنْ حَمى عَنْكَ ابْنُ مِيرُ مَحَلَّةً / فِي شامِخٍ أَعْيا النُّجُومَ حُلُولُهُ
ونَماه مُلْكٌ لا يُضَعْضَعُ تاجُهُ / ووَقاهُ عِزٌّ لا يُخافُ خُمُولُهُ
فلقَد دَعَاكَ إِلَى رِضاكَ وَدُونَهُ / غَوْلُ الضَّلالِ حُزُونُهُ وسُهُولُهُ
أَصْبى إِلَيْكَ من الصَّبا وأَحنُّ مِنْ / أُفْقٍ وَنَتْ عَنْهُ إِلَيْكَ قَبُولُهُ
وأَجَلَّ قَدْرَكَ عن سِواهُ وقَدْرَ مَا / أَخْفى إِلَيْكَ نَجِيُّهُ ودَخِيلُهُ
عَنْ صِدْقِ غَيْبٍ بالكِتَابِ يَبُثُّهُ / أَوْ بَرْحِ شَوْقٍ بالرَّسُولِ يَقُولُهُ
فَهَوى وصَفْحَتُهُ إِلَيْكَ كِتابُهُ / وهَفا ومُهْجَتُهُ إِلَيْكَ رَسُولُهُ
عَجِلاً إِلَى أَمَلٍ دَنَا تَعْجِيلُهُ / وَجِلاً بِهِ أَجَلٌ نَأَى تَأْجِيلُهُ
للهِ مَا رَحَلَتْ إِلَيْكَ رِحَالُهُ / طَوْعاً وَمَا حَمَلتْ إِلَيْكَ حُمُولُهُ
غازٍ وناصِرُهُ عَلَيْكَ خُضُوعُهُ / سارٍ وَطَاعَتُهُ إِلَيْكَ دَلِيلُهُ
نَشَرَ اللِّواءَ زَمَاعُهُ وَنِزاعُهُ / فَطَوى المَهَامِهَ نَصُّهُ وذَمِيلُهُ
ولقد خَلَعْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ / بُرْداً تَفِيضُ عَلَى الفَضَاءِ فُضُولُهُ
لَجباً من الحَلَقِ المُضَاعَفِ نَسْجُهُ / أَشِباً من الأَسَلِ المُثَقَّفِ غِيلُهُ
شَرِقاً بِهِ لَوْحُ الْهَوَاءِ وَجَوُّهُ / غَرِقاً به عَرْضُ البِلادِ وطُولُهُ
مُسْتَقْبِلاً بِجُنُودِهِ وبُنُودِهِ / مَلِكاً يُهِلُّ إِلَيْكَ حِينَ تهُولُهُ
ولَشَدَّما مَاجَتْ بِهِ أَمْواجُهُ / حَتَّى أَسالَتْهُ إِلَيْكَ سُيُولُهُ
بصَوَارِمٍ فِي طَيِّهِنَّ تِرَاتُهُ / وذَوابِلٍ فِي لَمْعِهِنَّ ذُحُولُهُ
غابٌ تُساوِدُ ناظِرَيْهِ أُسُودُهُ / مِنْ بَعْدِ مَا اخْتَالَتْ عَلَيْهِ خُيُولُهُ
فَمشى إِلَيْكَ بِهِ الزِّحَامُ كَأَنَّهُ / عَانٍ يُقَصِّرُ خَطْوَهُ تَكْبِيلُهُ
مَبْهُورُ أَنْفَاسِ الحَياةِ كَظِيمُها / وغَضِيضُ لَحْظِ النَّاظِرِينَ كَلِيلُهُ
حَتَّى تَنَفَّسَ رُوحُهُ فِي رَاحَةٍ / عَلْياءَ مَقْبُولاً بِهَا تَقْبِيلُهُ
وَرَفَعْتَ ناظِرَهُ بِنَظْرَةِ باسِطٍ / لِلأَمْنِ مَبْلُوغاً بِهَا تَأْمِيلُهُ
فَأَرَيْتَهُ كيْفَ ارتِجَاعُ حَياتِهِ / ولَتِلْكَ أَيْسَرُ مَا بَدَأْتَ تُنِيلُهُ
من فَيْضِ عُرْفٍ تَسْتَقِلُّ كَثِيرَهُ / ولَقَدْ يزيدُ عَلَى الرَّجَاءِ قلِيلُهُ
نُزُلاً يُذَكِّرُهُ العِراقَ ومِصْرَهُ / مُلْكاً ودِجْلَتُهُ يَدَاكَ وَنِيلُهُ
وشُرُوقُ شَمْسٍ لا يَحينُ غُرُوبُها / فِي بَرْدِ ظِلٍّ لا يَحُورُ ظَلِيلُهُ
ورأى صَريعَ الخَطْبِ كيْفَ تُقِلُّهُ / ورَأَى عُثُورَ الجَدِّ كيْفَ تُقِيلُهُ
ورأى ذَليلَ الحَقِّ كيْفَ تُعِزُّهُ / ورأَى عَزِيزَ الشِّرْكِ كيْفَ تُدِيلُهُ
ورأَى صُدُوعَ الدِّينِ كيْفَ تَلمُّها / ورأى كَثِيبَ الكُفْرِ كيْفَ تُهِيلُهُ
ولَئِنْ تَقَدَّمَ فِي رِضَاكَ قُدُومُهُ / فَلَقَدْ تَزَوَّدَ من نَداكَ قُفُولُهُ
بِخَلائِقٍ من طِيبِهِنَّ خَلُوقُهُ / وشمائِلٍ من صَفْوِهِنَّ شَمُولُهُ
ومعالِمٍ لِعُلاكَ لا تَعْظِيمُهُ / لِسِوى مَشاهِدِها ولا تَبْجِيلُهُ
فَلَهَا بِقَدْرِ الرُّومِ وَهْيَ أَرُومُهُ / وزَرى بِمُلْكِ الصُّفْرِ وَهْيَ أُصُولُهُ
لِمَنِ اصْطَفى قَحْطَان عِزَّةَ مُلْكِهِ / ومنَ التَّبابِعِ جِذْمُهُ وقَبِيلُهُ
ولِمَنْ نمى سبأٌ بِسَبْيِ مُلُوكِها / واسْتَخْلَفَتْ أَذْوَاؤُهُ وقُيُولُهُ
ولِمَنْ تَتَوَّجَ بِالمَكَارِمِ تاجُهُ / عُلْواً وكُلِّلَ بالهُدى إِكْلِيلُهُ
سَطَعَتْ عَلَى الأَمْلاكِ غُرَّةُ وَجْهِهِ / نُوراً وأَشْرَقَ بالنَّدى تحْجِيلُهُ
فالله يُعْلِي قَدْرَهُ ويَزِيدُهُ / صُنعاً ويُنْسِئُ عُمْرَهُ ويُطِيلُهُ
في عِزِّ نَصْرٍ لا زَمَانَ يَخُونُهُ / وبقاءِ مُلْكٍ لا مُدِيلَ يُديلُهُ
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها / وتَبْرُزُ أَغْمادُ الْوَغى من سُيُوفِها
ويَمْرَعُ بالأَشْجَارِ عُودُ رَبِيعِها / ويُونِعُ بالأَثْمارِ كَرُّ خَريفِها
ونَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَبْقى لأَرْضِهِ / رِعَايَةَ رَاعِيها وعَطْفَ عَطُوفِها
ورَحْمَتُهُ أَبْقَتْ حَيَاةَ رَحِيمِها / ورَأْفَتُهُ جَادَتْ بِنَفْسِ رَؤُوفِها
حناناً عَلَى مَكْرُوبِها وغَرِيبِها / وصُنْعاً إِلَى مَجْهُودِها وضَعِيفِها
ويا عَجَب الأَيَّامِ أَخْفَرْنَ ذِمَّةً / لِمَلْكٍ متى تَسْتَوفِهِ الْعَهْدَ يُوفِها
وكيفَ أَخافَتْنا اللَّيالِي عَلَى الَّذِي / يَقِي عَدوَ عَادِيها وخَوْفَ مُخِيفِها
وكيفَ انْتَحى صَرْفُ الخُطُوبِ لِمُهْجَةٍ / بِهَا أَمِنَ الإِسْلامُ جَوْرَ صُرُوفِها
وإِنْ غَرَّها بالجُودِ خَاتِلُ طائِفٍ / تهجَّى لَهَا الشَّكْوَى بِغَيْرِ حُرُوفِها
فَدَبَّ إِلَيْهَا فِي عَدِيدِ عُفاتِها / ورَاحَ عَلَيْها فِي سِمَاتِ ضُيُوفِها
فَما يُنْكِرُ الأَوْصابَ مَتْنُ مُهَنَّدٍ / مُعَوَّدِ قَرْعِ الباتِرَاتِ عَرُوفِها
ولا بَطْنُ كَفٍّ مَا تَغِبُّ كَواكِباً / تَنُوءُ بِمُنْهَلِّ الغُيُوثِ وَكوفِها
مَقَبِّلُ أَفُواهِ المُلُوكِ وظِلُّها / سَماءٌ عَلَى مَشْرُوفِها وشَرِيفِها
ولا قَدَمٌ لا تَسْأَمُ الدَّهْرَ تَرْتَقِي / ذُرى كُلِّ صَعْبِ المُرْتَقَاةِ مُنِيفِها
ولَوْ يَتَعاطَى عاصِفُ الرِّيحِ شَأْوَها / لعاذَ بأَرْجَاءِ الفَلا من عُصُوفِها
وإِنْ نَالَ يَا مَنْصُورُ مِنْ جِسْمِكَ الضَّنى / فأَمْضى اليَمانِيَّاتِ حَدُّ نَحِيفِها
صَفِيحَةُ ضَرْبٍ شَفَّها الْهامُ والطُّلى / فراقَتْ بِمَصْقُولِ الظُّباةِ مشُوفِها
عَنِيفٌ عَلَى الأَبْطالِ والبُذْلُ لِلَّهى / بكَفٍّ عَلَى الإِسْلامِ غَيْرِ عَنِيفِها
وإِنْ أَسْبَلَتْ شَكْوَاكَ دَمْعَ أَبِيِّها / فقد أَرْقَأَتْ بُشْراكَ عَيْنَ أَسِيفِها
وإِنْ ذَبُلَتْ من دَوْحَةِ المُلْكِ نَضْرَةٌ / فما أَوْحَشَ الدُّنْيا جَنِيُّ قُطُوفِها
لَمَدَّتْ عَلَيْنَا ظِلَّها مِنْ مِهادِها / ونُورَ سَناها مِنْ وَرَاءِ سُجُوفِها
وإِنْ طَرَحَتْ عَنْها الرِّياسَةَ حَلْيَها / وبَدَّلَها الإِشْفاقُ لَوْثَ نَصيفِها
فَوَشْكَانَ مَا عادَتْ من اللهِ نِعْمَةٌ / تَجَلَّتْ بِهَا فِي تاجِها وشُنُوفِها
فَرَدَّتْ عَلَى الإِسْلامِ نُورَ عُيُونِهِمْ / وأَهْدَتْ إِلَى الأَعْداءِ رَغْمَ أُنُوفِها
بكَرِّ نواصِي الخَيْلِ نَحْوَ ديارِها / تنُصُّ المُنى فِي نَصِّها ووَجِيفِها
يَشُبُّ سيوفَ الهِنْدِ نُورُ دَلِيلِها / ويُعْيي حِسابَ الهِنْدِ عَدُّ أُلُوفِها
وتُنْشِئُ رِيحُ النَّصْرِ مِنْها سَحائِباً / تَسُحُّ عَلَى الأَعْدَاءِ وَدْقَ حُتُوفِها
يُقَعْقِعُ رَعْدُ النَّصْرِ من جَنَباتِها / ويُومِضُ بَرْقُ الفَتْحِ بَيْنَ صُفُوفِها
وإِنْ عُجْتَ يَا مَنْصُورُ منها فَأُسْوَةٌ / بِرَدِّ جُنُودِ المُصطَفى عن ثَقِيفِها
وصَدِّ هدايا البُدْنِ دون محلِّها / وقد أكل الأوبارَ طولُ عكوفِها
وإِنْ رُدَّ زَحْفُ الخَيْلِ مِنْكَ بِأَنَّةٍ / فأَعْداؤُها رَهْنٌ بِكَرِّ زُحُوفِها
وهَلْ غَادَرَتْ يُمْنَاكَ إِلّا ودائِعاً / خَتَمْتَ عَلَيْها فِي مَقَرِّ ظُرُوفِها
عَوَائِدُ طَيْرٍ فِي وُكُورِ بُرُوجِها / وحَيَّاتُ غَوْرٍ فِي بطون كُهُوفِها
تَأَيَّى نَوَاصي الخَيْلِ مَعْقُودَةً بِهَا / عُهُودُ مَوَالِيها وحِلْفُ حَلِيفِها
كَتائِبُ يَكْسُونَ الأَباطِحَ والرُّبى / بِخَيْلٍ تَلِيدَاتِ الوَغَى وطَرِيفِها
تَرُدُّ عُيُونَ الجوِّ عَنْ لَمْحَ أَرضِها / وتَثْني أُنُوفَ البَحْرَ عَنْ سَوْفِ سِيفِها
وتُسْمِعُ خِلْدَانَ الثَّرى من صَهِيلِها / ويَخْرَسُ جِنَّانُ الفَلا عن عَزِيفِها
إِذَا أُرْسِلَتْ فِيهَا العُيُونُ تَشَكَّلَتْ / نواظِرُها فِي سَيْرِها وَوُقُوفِها
لإِيلافِ شَمْلِ المُسْلِمِينَ بِرِحْلَةٍ / تَشُجُّ بِمَشْتَاها كُؤوسَ مَصيِفِها
يَقِيها هَجيرَ القَيْظِ ظِلُّ عَجاجِها / ومُجْمِدَةَ الأَنهارِ نارُ سُيُوفِها
فلا أَوْحَشَ الإِسلامَ عامُ جهادِها / ولا أَنَّسَ الأَعداءَ يَوْمُ خُلُوفِها
ولا خَتَرَتْ منكَ المكارِمُ والعُلا / صفاءَ مُصافِيها وإِلْفَ أَلِيفِها
ولا انْصَرَفَتْ عنك الرَّغائِبُ والمُنى / ولا مِنكَ إِلّا مالِئاتِ كُفُوفِها
وإِنْ رَجَعَتْ عن صِدْقِ وَعْدِكَ بُرْهَةً / حواجِبُ آمَالِ الغَرِيبِ بِصُوفِها
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ / فَتْحُ القُدُومِ ونُصْرَةُ الإِقْدَامِ
وُدِّعْتَ مَحْمُوداً وَصَلْتَ مُظَفَّراً / فاقدَمْ بِطِيبِ تحيَّةٍ وسَلامِ
والبَسْ بِعِزَّةِ مَنْ سَعَيْتَ لِنَصْرِهِ / تاجَ الجلالِ وحُلَّةَ الإِعْظَامِ
واسْعَدْ لِعِزِّ الدِّينِ والدُّنيا مَعاً / واسلَمْ لنَصْرِ اللهِ والإِسلامِ
وَعْداً عَلَيْهِ أَن يُتِمَّ عَلَى الورى / بكَ أَنعُماً موصولَةً بِدَوَامِ
قَرُبَتْ عَلَيْكَ منَ الأَعادِي غايَةٌ / قَدْ طالما بَعُدَتْ عَلَى الأَوْهامِ
وسَلَلْتَ سيفَ اللهِ طالِبَ ثأْرِهِ / من آلِ جالُوتٍ ونَثْرَةِ حامِ
ورَفَعْتَ أَعلامَ الهُدى فِي جَحْفَلٍ / كالليلِ تَحْتَ كواكِبِ الأَعْلامِ
بِسَوَابِقٍ رَفَعَتْ شِراعَ خوافِقٍ / كالفُلْكِ فِي آذِيّ بحرٍ طامِ
يَسْتَرْجِفُ الإِسراجُ عِزَّ نفوسِها / حَتَّى تَسَكِّنَهُنَّ بالإِلْجامِ
وأُسُودِ غابٍٍ مَا تَلَذُّ حَياتَها / حَتَّى تُدِيرَ بِهَا كؤوسَ حِمامِ
مُتَنازِعِي مُهَج العُدَاةِ كَأَنَّما / يَتَنَادَمُونَ عَلَى رَحيقِ مُدَامِ
مُسْتَقْدِمِينَ إِلَيْهِمُ بِأَسِنَّةٍ / أَوْلى من الأَرْوَاحِ بالأَجْسامِ
هَتَكُوا بِهَا حُجُبَ التَّرَائِبِ فاصْطَلَتْ / أَحشاؤُها جَمْرَ الوطيسِ الْحامِي
وقواضِبٍ نَبَذَتْ إِلَيْكَ لتَتْرُكَنْ / هامَ الأَعادِي لِلصَّدى والهامِ
سُرُجٍ لِدِينِ الحَقِّ إِلّا أَنَّها / كَسَتِ الضَّلالَ دياجِيَ الإِظْلامِ
بَرَقَتْ عَلَى الأَعْدَاءِ غَيْرَ خَوَالِبٍ / فِي عارِضٍ لِلْمَوْتِ غَيْرِ جَهامِ
فكأَنَّما اسْتَسْقَوْا حَياهُ وَقَدْ رَأَوْا / أَنَّ الصَّوَاعِقَ فِي مُتُونِ غَمامِ
حَمَلُوا قُلُوبَ الأُسْدِ نَحْوَكَ فانْثَنَوْا / مستبدِلينَ بِهَا قُلُوبَ نَعَامِ
من كُلِّ مُنْتَهِكِ المحَارِمِ بارِزٍ / بِدَمٍ عَلَى الإِسلامِ غيرِ حَرَامِ
لم يَعْبُدُوا الأَصْنامَ إِلّا أَنَّهُمْ / عَبَدُوا الغُرورَ عبادَةَ الأَصْنامِ
كم فِي بُرُودِ عَجاجِها من مُفَرَشٍ / ظَهْرَ الصَّعِيدِ مُوَسَّدٍ بِسَلامِ
أَشْمَسْتَهُ عَفَرَ التُّرَابِ ورُبَّما / حَطَّ الرَّوَاسِيَ من فُرُوعِ شِمامِ
وسَطَا الرَّغَامُ بأَنْفِهِ ولطالما / غَادى أُنوفَ الدينِ بالإِرْغَامِ
دامِي اللَّبانِ كَأَنَّ مَفْحَصَ نَحْرِهِ / وَجَناتُ مُعْوِلَةً عَلَيْهِ دَوَامِ
فَغَدا الثَّرى رَيَّانَ من دَمِهِ ومِنْ / دَمْعٍ عَلَيْهِ بالقَضَاءِ سِجَامِ
جَزَراً لأَيْسارٍ منَ البَيْدَاءِ لا / يَسْتَقْسِمُونَ عَلَيْهِ بالأَزْلامِ
حَتَّى إِذَا صابَتْ بِقُرٍّ وانْثَنَى / ثَمَرُ الغِوَايَةِ مُؤْذِناً بِصِرَامِ
ورَمَتْ أَكُفٌّ بالصَّوارِمِ والقَنا / كَيْما تَمُدَّ إِلَيْكَ بِاسْتِسْلامِ
وتَيَقَّنَ الإِسلامُ عَوْدَةَ رَحْمَةٍ / تُبْرِي من الأَوْصابِ والأَسْقامِ
وتنسَّمَ الظَّمْآنُ رَوْحَ مَشارِبٍ / يُشْفَى بِهِنَّ غليلُ كُلِّ أُوَامِ
نَفِسَ النَّجاحَ عَلَيْكَ مَنْ أَقْسامُهُ / من فَوْزِ قِدْحِكَ أَوْفَرُ الأَقْسامِ
وهَفَتْ بِهِ خُدَعُ الظُّنُونِ وَلَمْ يَزَلْ / حَسَدُ القرابَةِ طائِشَ الأَحْلامِ
فَدَنا لِغِرَّةِ مُنْتَواكَ وَقَدْ خَلَتْ / من أُسْدِهِنَّ مَرَابِضُ الآجَامِ
ودَعَا السَّوَامَ إِلَى حِماكَ وَلَمْ تَغِبْ / إلّا لِتُبلي دونها وتحامي
فبرى العداةُ لرميِ ظلِّك أسهُماً / خابَتْ وصائبُها لأَخْيَبِ رَامِ
هل يَنْقِمُونَ سِوى سَجِيَّةِ حافِظٍ / حقَّ الأَواصِرِ واصِلِ الأَرْحامِ
سَهِدِ الجفونِ طويلِ آناءِ السُّرَى / عن أَعْيُنٍ تَحْتَ السُّجُوفِ نِيامِ
أَوْ يَحْسُدُونَكَ رُتْبَةً فَليَرْتَقُوا / فَالشَّمْسُ فِي جَوِّ السماءِ السَّامِي
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً يَسُوؤُكَ ذِكْرُهُ / فاللهُ ناقِضُ ذَلِكَ الإِبْرَامِ
فاسْعَدْ بما اخْتارَ الَّذِي فِي أَمْرِهِ / خَيْرُ القضاءِ وأَيْمَنُ الأَحْكَامِ
ولَئِنْ وَنى قَدرٌ إِلَى أَجَلٍ فَلا / عَدَمُ الصَّوَابِ ولا نُبُوُّ حُسامِ
ونَبِيُّنا لَكَ أُسْوَةٌ فِي رَدِّهِ / عن أَرْضِ مَكَّةَ مُعْلِنَ الإِحْرامِ
فأَثَابَهُ الفتحَ القريبَ وبَعْدَهُ / تصدِيقُ رُؤْيَاهُ لأَوَّلِ عَامِ
والعَوْدُ أَحْمَدُ مَا لأَوَّلِ لَيْلَةٍ / يَبْدُو هِلالُ الأَفْقِ بَدْرَ تَمامِ
وكَفَاكَ مَنْ وَطِئَتْ خُيُولُكَ مِنْهُمُ / كِيوَانَ واصْطَلَمَتْ سَنَا بَهْرَامِ
وجَعَلْتَ سَيْفَكَ ماثِلاً لنفوسِهِمْ / يَحْتَثُّها بخَوَاطِرِ الأَوْهَامِ
وتَرَكْتَ هادِرَهُمْ بِغَيْرِ شقاشِقٍ / رَهْباً وغارِبَهُمْ بغَيْرِ سَنامِ
وتَرَكْتَ فَلَّ ذِئابِهِمْ وضِباعِهِمْ / مُتَرَقِّبِينَ لِكَرَّةِ الضِّرْغَامِ
هَلْ ينظُرُونَ سِوى تأَلُّقِ حاجِبٍ / لِلشَمْسِ يَصْدَعُ ثَوْبَ كُلِّ ظلامِ
أَوْ يُوجِسُ السَّمْعُ النَّذِيرَ بِمُنْذِرٍ / ضَرِمَ العَجَاجِ مُصَمِّمَ الصَّمْصامِ
مَلِكٌ إِذَا أَلْقى رواسِيَ بَأْسِهِ / كَفَلَتْ لَهُ بِزَلازِلِ الأَقْدَامِ
قادَ العُلا بِزِمَامِ كُلِّ فَضيلَةٍ / واقْتادَهُ الرَّاجِي بِغَيْرِ زِمَامِ
فَاَبْشِرْ فَقَدْ نَبَّهتَ نائِمَةَ المُنى / ونَظَمْتَ دِينَ اللهِ خَيْرَ نِظامِ
وقَرَرْتَ عَيْناً بِالَّذِي قرَّتْ بِهِ / عَيْنُ الزَّمَانِ وأَعْيُنُ الإِسْلامِ
قَمَرٌ يُنِيرُ عَلَى بَنانِ يَمِينِهِ / شهبُ القَنا وكواكِبُ الأَقْلامِ
وَرِثَ الجُدُودَ مَناقِباً ومساعياً / تَرَكتْ كِرامَ الأَرْضِ غَيْرَ كِرَامِ
وعُلاً تَحَلَّتْ بالسَّناءِ وتَوَّجَتْ / بالمَكْرُماتِ مَفارِقَ الأَيَّامِ
باهى بِهِ الأَمْلاكَ أَعْلى مُنْجِبٍ / ونَماهُ للآمالِ أَكْرَمُ نامِ
فاسْتَنَّ فِي الحُسْنى بأَهْدى مُرْشِدٍ / وائتَمَّ فِي العَلْيا بِخَيْرِ إِمامِ
فَهُوَ الجديرُ بأَنْ يُؤَكَّدَ عَقْدُهُ / فِي حِفْظِ عهدِ وسائِلِي وذِمامِي
وأنا الجديرُ بأَنْ أُشِيدَ بِحَمْدِهِ / نَغَماتِ أَوْتارٍ وشَدْوَ حَمامِ
وأُجَهِّزَ الرُّكْبانَ طَيِّبَ ذِكْرِهِ / زاداً إِلَى الإِنْجادِ والإِتهَامِ
حَتَّى تَفُوحَ لَكَ الجَنائِبُ والصَّبا / بِثَنائِها من مُعْرِقٍ وَشَآمِي
وجَزَاءُ مَا آوَيْتَ وَحْشَ تَغَرُّبِي / وفَسَحْتَ رَوْضَكَ لارْتِعاءِ سَوَامِي
وفَعَمْتَ لي بَحْرَ الحياةِ مُبادِراً / بحياةِ ذابِلَةِ الكُبُودِ ظَوَامِي
وبَسَطْتَ لي وَجْهاً كَسَفْتَ بِنُورِهِ / كُرَبَ الجَلاءِ وَخَلَّةَ الإِعْدَامِ
وَوَجَدْتُ ظِلَّكَ بَعْدَ يأْسِ تَقَلُّبِي / وَطَنَ الرَّجَاءِ ومَنْزِلَ الإِكْرَامِ
فكَأَنَّ وجهَكَ غُرَّةُ الفِطْرِ الَّذِي / وافى بِفِطْرِيَ بَعْدَ طُولِ صِيامِي
وكَأَنَّ ظِلَّكَ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي / كَفَلَتْ بأَجْرِ تَهَجُّدِي وقِيامِي
ولْتَعْلَمِ الآفاقُ أَنَّكَ مُنْعِمٌ / حقّاً وأَنِّيَ شاكِرُ الإِنْعامِ
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا / وأَعَزِّ مَنْ حُلَّتْ لِرُؤْيَتِهِ الحُبى
وبحاجِبِ الشَّمْسِ الَّذِي حَجَبَ الأَسى / عنَّا وحاشَ لِجُودِهِ أَنْ تُحَجَبا
وَالمُسْتَطارِ لسَيْفِهِ فِرَقُ العِدى / فَرَقاً فكانَ هُوَ السَّنا وَهُمُ الْهَبا
مَلِكٌ نماهُ المُلْكُ يَتْبَعُ تُبَّعاً / فِيهِ ويُعرِبُ عَنْ مآثِرِ يَعْرُبا
قادَ الجنودَ مُكاثِراً بِرِماحِها / شُهُبَ الدُّجى وبأُسْدِها عَدَدَ الدَّبا
وسَما فَعادى بَيْنَ آفاقِ الْعدى / خَسَفَ الدَّبُورِ وكَرَّ يَعْتَامُ الصَّبا
بكَتائِبٍ تَرَكَتْ سَنا شَمْسِ الضُّحى / طَرْفاً سَجا للنَّوْمِ أَوْ بَرْقاً حَبا
تَبْني عَلَى الآفاقِ مِنْ جَعْدِ الثَّرى / فَلَكاً بِزُرْقِ السَّمْهَرِيّ مُكَوْكَبا
فِي هِمَّةٍ أَوْرَتْ زِنادَ وقَائِعٍ / غادَرْنَ رأْسَ الدَّهْرِ أَشْعَثَ أَشْيَبا
حَتَّى تَجَلَّى فِي عَجَاجَةِ أَوْبَةٍ / آبَتْ إِلَى الدُّنْيا بأَيَّامِ الصِّبا
من بَعْدِ مَا وَصَلَ الأَصائِلَ بالضُّحى / تَحْتَ العوالي مُسْئِداً وَمؤَوِّبا
حَتَّى تَوَهَّمَهُ الدُّجى بَدْرَ الدُّجى / يَسْرِي أَوِ ابْناً لِلْكَواكِبِ أَوْ أَبا
شَبَهاً بِهِ ناسَبْتَها مُتَعالِياً / ومُحَلِّقاً ومُشَرِّقاً ومُغَرِّبا
بِعَزَائِمٍ كَلَّفْتَها أَعلى العُلا / فتسابَقَتْ شَأْواً إِلَيْهِ مُغَرِّبا
مُسْتَحْيِيَاتٍ أَنْ يُعَرِّجَ لَحْظُها / لِقُبْولِ مَا أَدْنى الزمانُ وقَرَّبا
لا يَرْكَبُ المُلْكَ الذَّلُولَ رِكابُهُ / حَتَّى يُذِلَّ لَهُ الزمانَ المُصْعَبا
حَتَّى يَنالَ العِزَّ أَعْلى مُرْتَقَىً / ويفُوزَ بالآمالِ أَبْعَدَ مَطْلَبا
جاوَزْنَ بالخَيْلِ المَدى بَعْدَ المَدى / وأَطَلْنَ إِظْماءَ الأَسِنَّةِ والظُّبى
ما أَوْرَدَتْها من عُدَاتِكَ مَنْهَلاً / إِلّا ابْتَدَرْنَ أَمامَ ذَلِكَ مَشْرَبا
يطلُبْنَ فِي الأَفْلاكِ شاهِقَةَ العُلا / ويَدَعْنَ للأَوْعالِ شامِخَةَ الرُّبى
مُتَكَرِّماتٍ أَن يُناطِحَ كَبْكَباً / من كَانَ فِي فَلَكِ المعالِي كوْكبا
هَلْ مَنْ يُسامِيهِ وأَقْرَبُ مَا يُرى / مِنَّا إِذَا كَانَ الغَمامُ الصيِّبا
عُذْنا بِهِ مَنْ لا تَعَوَّذَ مَرْقَباً / مِنْهُ فأَصْبَحَ فِي ذَرَاهُ مَرْقَبا
فَابْشِرْ فما عَصَفَتْ رِياحُكَ حُسَّراً / فِيهِ ولا بَرَقَتْ سَحابُكَ خُلَّبا
وانظُرْ فإِنَّ عزيمَةً أَلقَحْتَها / بالنَّصْرِ قَدْ أَرْأَتْ بِفَتْحٍ مُقْرِبا
واعْلَمْ بأَنَّ أَسيرَ مُلْكِكَ مُوثَقاً / مَنْ لا يَرى فِي الأَرْضِ دُونَكَ مَهْرَبا
ولئِنْ حَمى منك الزَّمانُ مَكامِناً / فَبِهَا يَتُوبُ إِلَيْكَ مِمَّا أَذْنَبَا
وَغَداً يَجِيئُكَ مُنْشِداً مُتَذَمِّماً / لَيْسَ المُسِيءُ إِلَيْكَ عَبْداً أَعْتَبا
ولئِنْ دنا أَمَدٌ فلا عَزْمٌ رَنى / ولَئِنْ نبا قَدَرٌ فلا سَيْفٌ نَبا
واللهُ مُختارُ القَضاءِ وإِنْ أبى / فَعَسى لِخَيْرٍ مَا تَعَجَّلَ أَوْ أَبى
ولَكَمْ أَرَاكَ النَّصْرَ لَمْحاً باصِراً / ولَعَلَّ أَعْظَمَ منهُ فِيما غَيَّبا
رَبّاً بنصرِكَ عائداً ومُوَالِياً / ولِطُولِ عُمْرِكَ واهِباً مُسْتَوْهَبا
وكَفى بِمَنْ آوى إِلَيْكَ مُشَرَّداً / قَلِقَ الرَّكائِبِ فِي البِلادِ مُغَرَّبَا
حَتَّى يَرى البُؤْسى غُرَاباً أَعْصَماً / بَنَدَاكَ والضَّرَّاءَ عَنْقا مُغْرِبا
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ / وعِزِّ العزيزِ وحَمْدِ الحَمِيدِ
تَدَرَّعْتَ صَبْراً تَجَلَّى بِنَصْرٍ / وأَوْفَيْتَ شُكْراً وَفى بالمَزِيدِ
فَمِنْ يَوْمِ عِيدٍ إِلَى يَوْمِ فَتْحٍ / ومن يَوْمِ فَتْحٍ إِلَى يَوْمِ عِيدِ
وجُودٍ تَفَجَّرَ مِنْ نَارِ بَأْسٍ / وبَأْسٍ تَسَعَّرَ مِنْ بَحْرِ جُودِ
بِطَوْلٍ يُعِيدُ شَبابَ الكَبِيرِ / وهَوْلٍ يُشَيِّبُ رَأْسَ الوَلِيدِ
وسَعْيٍ يزيدُ مَدىً كُلّ يَوْمٍ / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَدىً من مَزِيدِ
فَلَوْ عَلِمَ البَدْرُ عَمَّ السَّماءَ / أَوِ البَحْرُ جَلَّلَ وَجْهَ الصَّعِيدِ
فَكَمْ صَبَّحَتْكَ بِفَتْحٍ قَرِيبٍ / سُرى لَيْلَةٍ ذَاتِ صُبْحٍ بَعِيدِ
وكَمْ حَمَلَتْ منكَ بَيْدَاءُ قَفْرٍ / إِلَى الكُفْرِ من يَوْمِ حَيْنٍ مُبِيدِ
بِكُلِّ كَمِيٍّ لأُمٍّ نَزُورٍ / ومن راحَتَيْكَ لأُمٍّ وَلُودِ
يُجيبُ إِلَيْكَ صَرِيخَ المُنادِي / بِأَنْزَعَ مِنْ قَلْب صَبٍّ عَمِيدِ
ويَلْقى وَجُوهَ الأَهاوِيلِ عَنْكَ / لِقاءَ هَوىً مَا لَهُ مِنْ صُدُودِ
إِذَا قَتلَ الحَزْنَ والسَّهْلَ وافى / نُفُوسَ العِدى من يَدَيْ مُسْتَقِيدِ
وكُلِّ جَوَادٍ نَمَتْهُ يَدَاكَ / فأَعْرَقَ فِي سَرْوِ بَأْسٍ وَجُودِ
رَعى بكَ كُلَّ حِمىً لَمْ يَرُعْهُ / صَرِيخُ المُنادِي بِهادٍ وَهِيدِ
تَضَمَّنَهُ خافِقات البُرُوقِ / تَلأْلأُ فِي مُصْعِقَاتِ الرُّعُودِ
وأَوْرَدْتَها كُلَّ ماءٍ حَماهُ / بَرِيقُ السُّيُوفِ وَزَأْرُ الأُسُودِ
سَرَيْتَ فَأَلْحَقْتَ لَيْلاً بِلَيْلٍ / وسِرْتَ فَوَصَّلْتَ بِيداً بِبِيدِ
كما قَدْ وَصَلْتَ حِبالَ الغَرِيبِ / وَقَرَّبْتَ مَأْوى القَصِيِّ البَعِيدِ
ونادى نَدَاكَ عَلَى الأَرْضِ حَيَّ / عَلَى مُسْتَقَرِّ الشَّرِيدِ الطَّريدِ
وجَيْشٍ عَقَدْتَ لَهُ فِي الجِهادِ / لِواءً سَما بِوَفاءِ العُقُودِ
فَزَادَ الضُّحى مِنْ سَنا الشَّمْسِ نُوراً / ولَيلَ السُّرى فِي نُجُومِ السُّعُودِ
وأَصْبَحْتَ أَعلى جِبالِ الأَعادِي / تُزَلْزِلُها بِجِبالِ الحَدِيدِ
فَرُعْتَ الصَّياصِي بِشُعْثِ النَّوَاصِي / وأَبْناءِ قُوطٍ بأَبْناءِ هُودِ
بِكُلِّ نَجِيبٍ نَمى فِي تُجِيبَ / بِمَجْدِ الجُدُودِ وسَعْدِ الجُدُودِ
لَهُ فِي المَدى كُلُّ بَحْرٍ طَمُوحٍ / وفَوْقَ العُلا كُلُّ قَصْرٍ مَشِيدِ
مَناقِبُهُمْ لِصُدُورِ الدُّهُورِ / عُقُودٌ نُظِمْنَ نظامَ الفَرِيدِ
ومُلْكُكَ سِلْكٌ لِذَاكَ النِّظَامِ / وأَنْتَ وَسِيطٌ لِتِلْكَ العُقُودِ
فَأَسْرَيْتَ بَيْنَهُمُ يَا ابْنَ يَحْيَى / كَبَدْرٍ سَرى بَيْنَ زُهْرِ السُّعُودِ
رُجُوماً رَمَيْتَ بِهَا فِي الضَّلالِ / عَلَى كُلِّ شَيْطَانِ كُفْرٍ مَريدِ
تُذَكِّرُهُمْ بِذُبالِ الرِّماحِ / صِلاءَهُمُ النَّارَ ذَاتَ الوَقُودِ
وتُرْهِقُهُمْ كُلَّ طَوْدٍ يفَاعٍ / يُمَثِّلُهُمْ رَهَقاً فِي صَعُودِ
وَمَا فات صَرْفَ الرَّدى مَنْ عَلَيْهِ / لِنَصْرِكَ عَيْنُ رَقِيبٍ عَتِيدِ
ولَوْ كَانَ وَعْداً لأَنْجَزْتَ لكِنْ / خُلِقْتَ خَلِيقاً بِخُلْفِ الوَعِيدِ
ولو شِمْتَ سَيفَكَ فِي صَدْرِ كِسْرى / وَقَيصَرَ بَيْنَ الطُّلى والوريدِ
لما نِلْتَ حَقَّكَ سَعْياً وهَدْياً / ولا بَعْضَ ثارِ أَبِيكَ الشَّهيدِ
وفي اللهِ أَكْفَأْتَ كَأْسَ المَنامِ / وسُمْتَ جُفُونَكَ فَقْدَ الهُجُودِ
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها / أَجَدَّ بِهَا طُولُ السُّرى فأَمَلَّها
وَحاشَ لأَصْدَاءِ الفَلا أن تَصُدَّها / بِنا أَوْ أَضَالِيلِ الدُّجى أَنْ تُضِلَّها
وأَحْقِرْ بِهَوْلِ البَحْرِ أَنْ يَسْتَكِفَّها / وأَهْوِنْ بِغَوْلِ القَفْرِ أَنْ يَسْتَزِلَّها
ولكِنْ أَيادِي مُنْذِرٍ نَذَرَتْ بِهَا / فكانَتْ لَنَا مِنْها قَذىً وشَجاً لَهَا
فحازَتْ إِلَى عِزِّ الحَياةِ رِحالَنا / وَزَمَّتْ عَلَى خِزْيِ المَتالِفِ رَحْلَها
نَحاها مُقِيلُ العاثِرِينَ بِعَثْرَةٍ / لَعاً لِيَ مِنْها والنَّوى لا لَعاً لَهَا
فكَمْ أَقْفَرَتْ مِنَّا مَحَلّاً وغَرَّبَتْ / وُجُوهاً أَجَدَّتْ فِي الفُؤادِ مَحَلَّها
ويا رُبَّ بَلْهاءِ الصَّبا عن جَوى الهوى / لَبِسْتُ بِهَا عَيْشَ الصَّبابَةِ أَبلَها
كَشَفْتُ لِسَهْمَيْ طَرْفِها عن مَقاتِلِي / مِجَنَّ تُقىً لَمْ يَمْنَعِ النَّفْسَ قَتْلَها
وشَكَّكَني وَجْدِي بِهَا وَصَبابَتِي / أَنَفْسِيَ لِي إِنْ أَخْطَأَ الحَيْنُ أمْ لَهَا
وَحَسْبِي بِهَا عَذْلاً عَلَى سَلْوَةِ الهَوى / وعُذْراً كفانِي العاذِلاتِ وعَذْلَها
بِقَدٍّ إِلَى مُسْتَوْدَعِ القَلْبِ قادَها / ودَلٍّ عَلَى مُسْتَوْطَنِ النَّفْسِ دَلَّها
ولِلْخَفَرِ السَّحَّارِ فِي وَجَناتِها / خَوَاتِيمُ لا يَخْفِرْنَ مِنِّيَ وَصْلَها
وما خَفَرَتْ بِيضُ الصَّوارِمِ والقَنا / مَحاسِنَها مِمَّا أَصابَ فَأوْلَها
فَلِلَّهِ مِنْ بَيْنٍ تَقَسَّمَ طُرْقَهُ / طَوَارِقُ لا يُلْهِينَ عَنْ لَهْوِ مَنْ لَهَا
عَلاقَةُ حُبٍّ شَدَّ مَا عَلِقَتْ بِهَا / حَبائِلُ بَيْنٍ بَتَّ مِنِّيَ وَصْلَها
وَصَفْوَ هَوىً مَا قَرَّ حَتَّى هَوَتْ بِهِ / حوادِثُ تفريقِ القُلُوبِ هَوىً لَهَا
فكُنَّا لَهَا نَبْلاً أَصَابَتْ بِنا الصَّبا / وَمَا عَدَلَتْ عَنْ رَمْيِ قَلْبِيَ نَبْلَها
جُسُوماً أَقَلَّتْها الرِّياحُ فَلَمْ تَدَعْ / لَهُنَّ مِنَ الأَرواحِ إِلّا أَقَلَّها
نَجائِبُ وَصَّاها الجَدِيلُ وشَدْقَمٌ / بأَلّا تَمَلَّ اللَّيلَ حَتَّى يَمَلَّهَا
فَتُخْلِقُ بالإِرْقَالِ ثَوْبَ شَبابِهِ / وتَتْرُكُهُ بالأُفْقِ أَشيَبَ أَجْلَها
تُرَاوِحُهُ مِنْ خِلْفَةِ الفَجْرِ طُرَّةٌ / كَمُعْتَرَضِ الشَّقْرَاءِ تَنفُضُ جُلَّها
فكَمْ حَمَلَتْ مِنْ حُرِّ قَلْبٍ مُولَّهٍ / يُبَلِّغُ عَنْهُ النَّجْمُ قَلْباً مُوَلَّها
وكم ضَمَّ ذَاكَ اللَّيْلُ مِنْ أُمِّ شادِنٍ / أَضَلَّتْهُ فِي جَوْفِ الفَلا وأَضَلَّها
وَقَدْ بَلَّغَ الجَهْدُ القُلُوبَ حَناجِراً / تُبَشِّرُها أَنَّ التَّناهِي مَدىً لَهَا
فَوَشْكانَ يَا مَنْصُورُ مَا نُصِرَ الأَسى / بِرَدِّ أَقاصي الأَرْضِ نَحْوَكَ سُبْلَها
ونادى نَدَاكَ الرَّكْبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / أَلا بَلِّغُوا هَدْيَ الرِّكابِ مَحِلَّها
فَلَبَّتْكَ مِنْ غَوْرِ الجَلاءِ أَهِلَّةٌ / أَهَلَّ بِهَا مَأْوَاكَ حَتَّى أَهَلَّها
كَأَنَّا نَذَرْنا مَطْلَعَ الشَّمْسِ مَنْزِلاً / أَلِيَّةَ حَلْفٍ كَانَ وَجْهُكَ حِلَّها
فآوَيْتَ فَلَّ النَّائِبَاتِ وَطَالَما / أَبَرْتَ العِدى قَتْلاً وآوَيْتَ فَلَّها
ونادَيْتَها أَهْلاً وسَهْلاً وَلَمْ تَزَلْ / أَحَقَّ بِهَا فِي النَّازِلِينَ وأَهْلَها
فَظَلَّلْتَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ اللَّيْلُ ظِلَّهُ / وأَغْدَقْتَ مَنْ لَمْ تُلْحِقِ المزْنُ طَلَّها
وعَوَّضْتَنا من رَاحَةِ المَوْتِ رَاحَةً / سَكَنَّا بِهَا بَرْدَ الحياةِ وَظِلَّها
وأَعْمَرْتَ مِنَّا فِي ذَرَاكَ منازِلاً / تَفَقَّدْتَ مَثْواها وأَرْغَدْتَ نُزْلَها
وَلَمْ تَبْدَ مِنْ نُعْمَاكَ إِلّا بِبَعْضِها / وَلَكِنَّهُ عَمَّ الرَّغائِبَ كُلَّها
فَرُحْنا شُرُوباً قَدْ تَأَنَّقَ رَوْضُها / وأَنْهَلَها كَأْسُ السُّرُورِ وَعَلَّها
نَدَامَى ولكِنْ مِنْ عَطايَاكَ راحُها / وَقَدْ جَعَلَتْ من طِيبِ ذِكْرِكَ نُقْلَها
وَخَفَّتْ عَلَى يُمْناكَ مِنَّا مطالِبٌ / تَشَكَّى إِلينا البَرُّ والبَحْرُ ثِقْلَها
وما تَوَّجَتْ هَذِي الرِّياسَةُ سَيِّداً / أَكالِيلَها حَتَّى تَحَمَّلَ كَلَّها
هِيَ البِكْرُ مَجْلاهَا حَرَامٌ مُحَرَّمٌ / فَيا مَنْ بِمَهْرِ المَكْرُماتِ اسْتَحَلَّها
فَتاةٌ دَعَتْ مَنْ للحروبِ وللنَّدى / فما وَجَدَتْ إِلّا ابْنَ يَحْيَى فَتىً لَهَا
مَنِ اخْتَرَقَ الدُّنْيَا لأَوَّلِ دَعْوَةٍ / إِلَى دَعْوَةِ الإِسلامِ فافْتَكَّ غُلَّها
وشَرَّدَ أَحْزابَ العِدى عَنْ حَرِيمِها / وأَدْرَكَ منْ مُسْتَأْسِدِ الكُفْرِ ذَحْلَها
ودَوَّحَ فِي جَوِّ السَّماءِ غُصُونَها / وأَثْبَتَ فِي بَحْبُوحَةِ العِزِّ أَصْلَها
ومَدَّ هوادِي الخَيْلِ فِي طَلَبِ العِدى / فأَوْطَأَها حَزْنَ البِلادِ وسَهْلَها
وكَمْ قَدْ فَدى أَدنى النُّفُوسِ مِنَ القَنا / بِنَفْسٍ نُفُوسُ العالَمِينَ فِدىً لَهَا
فَلَوْ كَانَ للشَّمْسِ المنيرَةِ دُولَةٌ / بأُخْرى لَقِيلَ اصْعَدْ فَحِلَّ مَحَلَّها
ولَوْ لَحِقَتْ مَجْرى الكواكِبِ خَلَّةٌ / لَقِيلَ لَهُ سُسْتَ العُلا فَتَوَلَّها
ولَوْ قِيلَ زِدْها فِي هِباتِكَ واسْتَزِدْ / بِهَا الحَمْدَ من هَذَا الوَرى لاسْتَقَلَّها
ولَوْ كَانَ يَرْضاها نِظاماً لِزِينَةٍ / لَقِيلَ تَتَوَّجْ زُهْرَها وتَحَلَّها
وأَغْنِ بِهِ عنها وَفِي مَنْطِقِي لَهُ / قلائِدُ لا يَرْضى الكَوَاكِبَ بَدْلَها
جواهرُ لَمْ يَذْخَرْ لَهَا الدَّهْرُ مِثْلَهُ / مَلِيكاً ولا أَهْدى لَهُ البَحْرُ مِثْلَها
أُخَلِّدُ فِيهَا مِنْ نداهُ وبَأْسِهِ / خلائِقَ تَسْتَمْلِي الخلائِقُ فَضْلَها
فتُحْبي لَهَا حُسْنَ الأَحادِيثِ بَعْدَها / بإِحْيائِها أَيَّامَ مَنْ كَانَ قَبْلَها
وأُمْلي عَلَى الأَيَّامِ آثارَ مُنْعِمٍ / عَلَيَّ بِعَيْنِ المَكْرُمَاتِ أَمَلَّها
قضى اللهُ لي منها وسائِلَ نِسْبَةٍ / فَأَلَّفَ فِي الأَحْقابِ قَوْلي وفِعْلَها
ثنائي وعَلْياها ومَدْحِي وفَخْرَها / وشُكْرِي ونُعْماها وحَمْدي وبَذْلَهَا
ويَا عِيدَ أَعْيادٍ توافَتْ فأَشْرَقَتْ / عَلَى الدِّينِ والدُّنيا وكُنتَ أَجَلَّها
تُخَبِّرُ عن جَمْعِ المُنى فَتَهَنَّها / وعن عَوْدِ أَعْيادٍ بِهَا فَتَمَلَّها
وبِرُّكَ للأَضْيافِ قَرَّبَ بُعْدَها / وبِشْرُكَ بالزُّوَّارِ أَلَّفَ شَمْلَها
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ / وعَنْكَ هَتَكْتُ أَسْتارَ الظَّلامِ
وفِيكَ حَمَيْتُ مَثْوى النَّوْمِ جَفْنِي / وأَحْمَيْتُ الهَواجِرَ فِي لِثامِي
ونَحْوَكَ جُبْتُ لَيْلَ البِيدِ حَتَّى / تركتُ دُجاه مفضوض الختامِ
وزاحمتُ الخطوبَ إِلَيْكَ حَتَّى / خَفيتُ عَلَى المنايا فِي الزِّحَامِ
وعَنْكَ قَرعْتُ مَتْنَ الأَرْضِ حَتَّى / تَفَجَّرَ بالرِّياضِ وبالمُدامِ
زَمَانَ جَبَرْتَ من كَبِدِي صُدُوعاً / يُصَدِّعُ ذِكْرُها صُمَّ السِّلامِ
وحِينَ أَسَوْتَ فِي قَلْبي جِراحاً / قلوبُ الكاشِحِينَ لَهَا دَوَامِ
ويومَ حَمَيْتَنِي من كُلِّ خَطبٍ / جديرٍ أَنْ يَحُمَّ بِهِ حِمامي
فَبَيْنَ يَدَيْكَ أَصْبَحَ فَضُّ شَمْلِي / أَلِيفَ الشِّعْبِ مُتَّسِقَ النظامِ
وعندَ حِماكَ أَمْسى نَشرُ سِرْبي / خَصِيبَ الرَّعْيِ مَرْعِيَّ السَّوَامِ
وفي مَأْوَاكَ عادَ شَرِيدُ رَحْلِي / عزيزَ الجارِ مَضْرُوبَ الخِيامِ
ومن جَدْوَاكَ رُدَّ دمي ولَحْمِي / وَمَا انْتَقَتِ الحوادِثُ من عِظَامِي
فَكَفْكَفْتَ الرَّدى عنِّي بِكَفٍّ / تُثيرُ الغيثَ فِي الغَيْمِ الجَهامِ
ولَقَّتْنِي الأَمانِي مِنْكَ وَجْهاً / يُنيرُ الأَرْضَ فِي داجي الظَّلامِ
كما أَوْثَقْتَ فِي حَضْرٍ وثَغْرٍ / عُرى الإِسلامِ من بَعْدِ انْفِصامِ
وآوَيْتَ الغريبَ وهل غريبٌ / توخَّى ركنَ عِزِّكَ باسْتِلامِ
بجودٍ لا يضيعُ بِهِ رجاءٌ / وجَدٍّ لا يَرِيعُ إِلَى مُسامِ
وإِقبالٍ تشيِّعُهُ بعزمٍ / لأَمرِ الله ماضِي الإِعْتزامِ
وإِقدامٍ تؤيِّدُهُ بحزمٍ / إِلَى الأَعداءِ مشدودِ الحزامِ
وبأْسٍ هل يُجيرُ الدهرُ منه / بعيدَ الشَّأْوِ أَوْ صعبَ المُرَامِ
ولو بلغ النُّسُورَ بِهِ نسورٌ / وطارَ بِهِ النَّعامُ إِلَى النَّعَامِ
بكلِّ مُظاهِرِ الماذِيِّ لِبْساً / عَلَى حَبَرَاتِ أَنْعُمِكَ الجِسامِ
يرى ثَمَرَ الحياةِ لديك مُرّاً / إذَا لَمْ يُجْنَ من شَجَرِ الحِمامِ
وكل مُهَنَّدٍ ضَرِمٍ شَذَاهُ / يُرِيكَ الهندَ فِي لَمْعِ الضِّرَامِ
ومُطَّرِدِ الكعوبِ أَصَمَّ لَدْنٍ / ينادِي فِي العِدى صَمِّي صَمامِ
سفكتَ بِهِنَّ كلَّ دمٍ حلالٍ / وصُنْتَ بهنَّ كل دمٍ حرامِ
وجلَّلْتَ الخيولَ بِهَا نجوماً / تَطَلَّعُ فِي سَمواتِ القِيامِ
كتائبَ يَنْتَهِبْنَ الأَرضَ زحفاً / إذَا أَوْجَسْنَ من جيشٍ لُهامِ
ويَبْعَثْنَ الرَّغامَ إِلَى أُنوفٍ / وَقَدْ عَفَرَتْ أُنوفاً بالرَّغامِ
سَمَوْتَ بِهِنَّ ساميَةَ الهوادِي / لِكَلِّ مُشَيَّدِ الشُّرُفاتِ سامِ
حقوقاً للعُلا خاصَمْتَ فِيهَا / بماضِيَةِ الظُّبى لُدِّ الخِصامِ
وفي عَرْشِ السماءِ قضاء مُعْطٍ / يديكَ بِهِنَّ مِلْكَ الإِحْتِكامِ
فصُلْتَ بِهَا مليكاً ذا انْتِصَارٍ / يؤيِّدُهُ عزيزٌ ذو انْتِقامِ
وأَنحى سيفُكَ الماضِي عليها / فَعذْنَ بسيفِ رحمتكَ الكهامِ
بطاعتِكَ الَّتِي أَثْبَتْنَ منها / دعائِمَ قَدْ هَوَيْنَ إِلَى انهِدامِ
وأُبْتَ تقودُ خيلَ الله أَوْباً / شفى الإِسلامَ من حَرِّ الأُوامِ
وقد سَمَّيْتَها فِي كُلِّ غَزوٍ / مفاتيحَ الفتوحات العِظامِ
وكم قَوَّدْتَها يحيى فَحَفَّتْ / نجومُ الليلِ بالبدرِ التَّمَامِ
وعُدتَ بِهَا عَلَى حَكَمٍ تُعالي / وميضَ البَرْقِ فِي جوِّ الغَمامِ
عروساً كلَّ بِكْرٍ أَوْ عَوَانٍ / من العَطِراتِ بالمَوْتِ الزُّؤامِ
ورُبَّ عروسِ فتحٍ أَبرزاها / إِلَيْنا من مغازِيكَ التُّؤَامِ
موشَّحَةً بأَرءَامٍ وأُسْدٍ / متوَّجةً براياتٍ وهامِ
مقلَّدَةَ السَّبايا والأُسارى / نظاماً يستضيفُ إِلَى نِظامِ
فمن ظبيٍ غريرٍ فِي عقالٍ / ومن ليثٍ هصورٍ فِي خِطامِ
ومأْسورٍ بِقدٍّ من سوارٍ / ومكبولٍ بقيدٍ من خدامِ
حواسِرَ عن كواكبَ من وجوهٍ / طوالِعَ فِي شعورٍ من ظَلامِ
رزَايا كلِّ مُعْتاضِ المنايا / سبايا كلِّ محمودِ المَقامِ
وَفِي الوجناتِ أَمثِلَةٌ تُرِينا / طِعانَكَ فِي صدُورِهِمُ الدَّوامي
كمُشْعَرَةِ الحجيجِ تُساقُ هَدْياً / إِلَى عَرَصاتِ مكَّةَ والمَقامِ
وَقَدْ ضُرِبَتْ قِداحُ الهندِ فِيهِمْ / لأَيسارِ الحياةِ أَوْ الحِمامِ
فقِسْمٌ للمصانِعِ والحشايا / وقسم للمصارِعِ والرِّجَامِ
نفوساً دونَها ماتت كِراماً / وَقَدْ ضَنَّتْ بِهَا ضَنَّ اللِئامِ
ففارَقْنَ الديارَ بلا وداعٍ / ولاقَيْنَ الوجوهَ بِلا سلامِ
تُذَكِّرُنا دواهِيَ بدَّلَتْنا / من الأَكنانِ ضاحِيَةَ المَوَامِي
نغاوِرُ قَفْرَها والليلُ داجٍ / ونعسِفُ بَحْرَها والموجُ طامِ
ونؤنسُ بالمهالِكِ كلَّ نفسٍ / تَوَحَّشُ للغصونِ بلا حَمامِ
ونَنْصِبُ للصَّواخِدِ كلَّ وَجْهٍ / بعيدٍ أَن يُحَيَّا بالسَّلامِ
تغرَّبَ فِي البلادِ فأَفْرَدَتْهُ / فقيدَ العزِّ مجحودَ الذِّمامِ
تجافى الأَرْضُ عنه وَهْوَ مُعْيٍ / وتجفوهُ المناهِلُ وَهْوَ ظامِي
وَقَدْ ضربَ الأَسى فِيهَا علينا / رِواقاً يستضيءُ من الظَّلامِ
فما نَجْمُ الهدى إِلّا سِناني / ولا فَلَقُ الضُّحى إِلّا حُسامِي
وخُيِّلَتِ الأَهِلَّةُ لي قِسِيّاً / رمينَ بِيَ الصَّبا رَمْيَ السِّهامِ
إِماماً للرياحِ مُشَرِّقَاتٍ / وَ مُنذِرُ مَشْرِقُ الدُّنيا إِمامي
وما شِيَمُ الزمانِ رَمَتْ إِلَيْهِ / ولكنْ رَمْيَةٌ من غَيرِ رامِ
وتهيامُ الثناءِ إِلَى مليكٍ / لَهُ بالحمدِ وَجْدُ المستهامِ
فما راع المشوقُ إِلَى غريبٍ / ولا أَصغى المحِبُّ إِلَى مَلامِ
فيا عَجَبَ الخطوبِ يُبِحْنَ ستري / وَقَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ بِهِ اعتصامي
وحَتَّامَ النوى تهوي برحلي / وَقَدْ عَقَدَتْ بذمَّتِهِ ذِمامِي
فما فَكَّتْ حُدَاءً عن رِكابِي / ولا كفَّتْ يميناً من زِمامي
فليس لنا إِلَى وَطَنٍ مَرَدٌّ / ولا فِي دارِ قومٍ من مُقامِ
ولا حَلَّتْ بنا دارٌ فزادَتْ / عَلَى ذاتِ الحوافِرِ والسَّنَامِ
مخاضٌ مَا لمولِدِهِ رَضاعٌ / وتَرْحَالٌ أَمَرُّ من الفِطَامِ
وعامُ مُقامِنا عامٌ كيومٍ / ويومُ رَحيلِنا يومٌ كعامِ
كيومِ الهمِّ لَيْسَ بذي انتقاصٍ / ويومِ اللهوِ لَيْسَ بذي تَمَامِ
كَأَنَّا فِي المَنَازِلِ طَلْعُ نخلٍ / يُوَافِي أَهْلَهُ أَمَدُ الصِّرامِ
وَمَا يُغْني خراجٌ من خروجٍ / وَلَيْسَ يُجِيرُ غُرْمٌ من غَرَامِ
نُرَوَّعُ بالنَّوى والذُّعْرُ باقٍ / وَنُفْجَأُ بِالأَسى والجُرْحُ دامِ
وَمَا سَكَنَتْ جُنوبٌ فِي مِهادٍ / ولا مُلِئَتْ عيونٌ من مَنَامِ
كما حُدِّثْتَ عن لَسْعِ الأَفاعِي / يُعاوِدُ سُمُّها عاماً بِعامِ
فهل حَوْلٌ يحولُ بلا رحيلٍ / ولَوْ شيئاً نراه فِي المَنامِ
وأفْجِعْ بالنَّوى فِي دارِ سَفْرٍ / فكَيْفَ نوىً عَلَى دارِ المُقامِ
ومَنْ مَلَّ الجلاءَ فعاذَ منه / بسُورِ الأَمْنِ فِي البَلَدِ الحرامِ
وشدَّ يَدَيْهِ فِي قربٍ وبعدٍ / بحبلِ المُنْذِرِ المَلِكِ الهُمامِ
وَقَدْ نَبَذَ الأَنامَ بكلِّ أرضٍ / إِلَيْكَ إِلَيْكَ يَا خَيْرَ الأَنامِ
ومَنْ ذا يَا مليكاً مُسْتَجاراً / سِواءَكَ للغريبِ المُسْتَضَامِ
فإِنْ هاجَ الرحيلُ دفينَ سُقْمِي / فكَمْ دافَعْتَ من ذَاكَ السَّقامِ
وإِن أَذْمُمْ عوائِدَ لؤمِ دهري / فَحَيّ عَلَى عوائِدِكَ الكرامِ
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا / كواكِبُ تشرقُ للعالَميِنا
تَلأْلأَ بالجودِ مِمَّا يَليكَ / عَلَيْهِمْ وبالحمد مِمَّا يَلِينا
جواهِرُ فصَّلْتَها فِي سُلُوكٍ / ملأْنَ الصدورَ ورُقْنَ العيونا
مُبَرِّزَةُ السَّبْقِ فِي الأَوَّلِينا / ومأْثُورَةُ الذِّكْرِ في الآخِرينا
كَسبْقِكَ فِي كلِّ علياءَ حَتَّى / أَضَرَّ غبارُكَ بالسابقِينا
فيا بُعْدَ مَسْرَاكَ للمُدْلِجِينا / ويا قُرْبَ مأْوَاكَ للرائِحينا
فحقّاً إِلَيْكَ رحلْنا المهاري / تُقاسِمُنا جهدَ مَا قَدْ لَقِينا
أَهِلَّةَ سَفْرٍ وقَفْرٍ قَطَعْنا / إِلَيْكَ الشهورَ بِهَا والسِّنِينا
نُلاقِي السُّيوفَ إذا مَا فَزِعْنا / ونُسْقى الحتوفَ إذَا مَا ظمِينا
فطوراً نرى العَيْشَ ظَنّاً كَذُوباً / وطوراً نرى الموت حَقّاً يَقِينا
وحقاً إِلَيْكَ رَكِبْنا الرياحَ / مطايا رحلنا عليها السَّفينا
كَأَنَّ عَلَى لُجَجِ البحرِ منها / هوادِجَ تخفُقُ بالظَّاعِنينا
وللهِ من أُمَّهاتٍ حَنَيْنَ / علينا الظهور وجُبْنَ البطونا
تقودُ المنايا بِهَا حَيْثُ شاءَتْ / وتثني كلاكِلَها حَيْثُ شِينا
خطوباً تباذَلْنَ منَّا نفوساً / جَلَبْنَ لَكَ الحمدَ غَضّاً مَصُونا
فغادَرْنَ أَوْطانَنا عافِياتٍ / وجئْنَ إِلَيْكَ بِنا مُعْتَفِينا
دياراً تسُحُّ عَلَيْها الدُّموعَ / وَفِيهَا قُتِلْنا وَفِيهَا سُبِينا
وَفِيهَا صدقْنا إِلَيْكَ الرَّجاءَ / وهُنَّ يُرَجِّمْنَ فينا الظُّنونا
أَهِمْنا بِغُرْبَتِنا أَم هُدينا / ومُتْنا بكُرْبَتِنا أَم حَيِينا
فإِن يعجَبِ الدهرُ أَنَّا صَبَرْنا / فأَعجَب من ذاكَ أَنَّا بَقِينا
فهَلْ بُلِّغَتْ عن ركابٍ أَجَرْتَ / بأَنْ قَدْ سَعِدْنَ بما قَدْ شقِينا
وأَنَّى انتحَيْنا إِلَيْكَ المَطِيَّ / كما قصفَ العاصِفاتُ الغصونا
دأَبْنَ كجِدِّكَ حزماً وعزماً / وعُدْنَ كَحِلمِكَ عطْفاً ولِينا
وأَنَّكَ حيَّيْتَها بالحياةِ / وأَمَّنتها فِي ذَرَاكَ المنونا
وأَوطَأْتَها البِرَّ حَتَّى سكَنَّ / وسَقَّيْتَها الجودَ حَتَّى رَوِينا
فأَرضَيْتَ رَبَّكَ فِي ابْنِ السَّبيلِ / وَفِي العائِلِينَ من المسلمينا
وأَحيَيْتَ فِي الأَرضِ فَضْلاً وعدلاً / وعطفاً وعُرفاً ودُنيا ودِينا
ودائِعُ للهِ فِي الرَّوْضِ ضاعَتْ / وكُنتَ عليها القويَّ الأَمينا
فوَفَّاكَ عنَّا الجزاءَ الجزيلَ / ولقَّاكَ مِنَّا الثناءَ الثمينا
وبوَّأَنا منك جنَّاتِ عطْفٍ / جزاكَ بِهَا جَنَّةَ الفائِزِينا
حدائقُ من غَرْسِ يمناكَ وَقْفاً / عَلَى الرائِحينَ أَوِ الطَّارِقِينا
كفيلٌ بأَثْمارِها كلَّ حينٍ / غيوثُ سمائِكَ حِيناً فَحِينا
وأَزْهَرُها منكَ للناظرينا / وأَبهَرُها عنكَ للسَّامعينا
نُفَجِّرُها نَهَراً حَيْثُ كنَّا / ونأْكلها رَغَداً حَيْثُ شِينا
ذرَا جنَّةٍ كَتَبَ اللهُ فِيهَا / لِمَنْ شَرَّدَ الخوفُ حظَّاً مُبِينا
وزادَتْ بِعَدْلِكَ أُكْلاً وظِلّاً / فزادَتْ عَلَى أَمَلِ الآمِلينا
رأَيْتَ لنا موضِعَ الحقِّ فِيهَا / بما قَدْ أَرَتْكَ المقادِيرُ فِينا
فنادى نَدَاكَ بِهَا نَحْوَها / سلامٌ لكُمْ فادْخُلُوا آمنينا
لكُمْ ذمَّةُ اللهِ فِي صدقِ عَهْدِي / فلا خائِفِينَ ولا مُخْرَجِينا
فظلَّتْ تُنَفِّسُ عن رُوحِها / غريباً سليباً ونِضْواً حزينا
وتُبْرِدُ من حَرِّ نار السيوفِ / ونارِ الهواجِرِ مَا قَدْ صَلِينا
فنَسْلى بِهَا عن ديارٍ نَأَيْنَ / ونَغْنى بِهَا عن مَغانٍ غَنينا
وبُلْغَةُ عيشٍ لمن قَدْ سَتَرْتَ / ضعافَ البناتِ وشُعْثَ البَنِينا
نُعَلِّلُهمْ بِجَنى روضِها / إذَا أَوْحَشَتْهُمْ عطاياكَ حِينا
ونشفِي بِهَا بَثَّ مَا قَدْ أَصَبْنا / ونأْسُو بِهَا جُرْحَ مَا قَدْ رُزِينا
وفخراً لنا منكَ سارَتْ بِهِ / رِكابُ التِّهامِينَ والمُنْجدِينا
وبُشْرَى أَخْلَّ بِهَا الشاكرونَ / إِلَى من فُجِعْنا من الأَقْرَبِينا
فما راعَنا غيرُ قولِ الخبيرِ / يُذَكِّرُنا أُسْوَةَ المؤْتَسِينا
بآدَمَ إِذ أَخرجَتْهُ الغُوا / ةُ من جَنَّةِ الخلدِ مُسْتَظْهِرينا
ببَغيِ حَسودٍ لَهُ طالِبٍ / كما قَدْ لَقينا من الحاسِدِينا
فها نَحْنُ أَقْعَدُ هَذَا الأَنامِ / بِمِيرَاثِها مِثْلَها عن أَبينا
وهاتِيكَ جَنَّتُنا والتي / حَبانا بِهَا سيِّدُ المنعمينا
وأَبْيَنُ آياتِنا أَنَّنا / حلَلْنا لديهِ المكانَ المكينا
ومن شَكَّ فِي حظِّنا من رِضاهُ / فَتِلْكَ لنا أَعْدَلُ الشاهدينا
قِفوا فاسْمَعُوا هَدَّةَ الأَرْضِ رَجْلاً / ورَكْباً إِلَى نُصْبِها يُوفِضُونَا
وداعي الزِّيادَةِ فِيهَا سميعٌ / مُصِيخٌ إِلَى أَلْسُنِ الزائدِينا
يُجَمْجِمُ فِيهِمْ بأَنْ قَدْ سَخِطْتَ / علينا وأَنَّا من المُبْعَدِينا
لِيَجْلُوَ أَستارَكَ الخُضْرَ عنَّا / ويمحُوَ آثارَكَ الغُرَّ فِينا
وَقَدْ أَسْمَعَ الصُّمَّ فِيهَا مُنادٍ / يؤذِّنُ حَيّ عَلَى الشامِتِينا
فمن هاتِفٍ زائدٍ بالأُلوفِ / لِبَغْيٍ أَراهُ احتقارَ المِئِينا
ومن كاشِحٍ كاشِرٍ قَدْ أَرَتْهُ / أَمانِيهِ مَا ظَنَّ أَنْ لن يكونا
بذي حُرْمَةٍ منكَ أَلْبَسْتَهُ / كرامَةَ أَضيافِكَ المُكْرَمينا
ومن حَلَّ سِتْرَكَ فِي أَهْلِ بيتٍ / بحبلِ وفائِكَ مستمسكِينا
فيا مشهداً سامَني تَحْتَ ظِلِّ / كَ خسفاً وخِزْياً وذلّاً وهُونا
بكُلِّ مُفِيضٍ عَلَيَّ القِداحَ / لِيَقْسِمَ لَحْمِيَ فِي الآكلينا
وكلِّ مُبيحٍ حماكَ العزيزَ / علينا لعاديَة المعتدينا
فَمَدُّوا حبالَهُمُ طامعينَ / وأَلْقَوْا عِصِيَّهُمُ واثِقِينا
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ / ولا فِي سريرِ الملكِ نَحْنُ مُحَيُّوهُ
فلَهفِي عَلَيْهِ والكُمَاةُ تهابُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والملوكُ مُطِيعُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والوغى تَسْتَخِفُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والكتائِبُ تَقفُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والضُّيُوفُ تزورُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والرَّكائِبُ تَنْحُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والأَمانِي تَؤُمُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والخلائِقُ ترجُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والمصاحِفُ حَوْلَهُ / يخُطُّ كتابَ اللهِ فِيهَا ويتلُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ حاضِراً كُلَّ مَسْجِدٍ / وداعُوهُ أَشياعٌ لَهُ ومُصَلُّوهُ
تَلَهُّفَ قلبٍ لَيْسَ يشفي غليلَهُ / سوابِقُ دمعٍ لاعِجُ الحزنِ يحدوهُ
وأَشكو إِلَى الرحمنِ تَرْحَةَ فجعَةٍ / بمن لَمْ يَبِتْ داعٍ إِلَى اللهِ يَشْكُوهُ
وأَدعو لديهِ فوزَ رَوْحٍ وراحَةٍ / لمن لَمْ يَزَلْ يدعُو إِلَيْهِ ويدعُوهُ
وإِنْ جَلَّ فينا فقدُهُ ومصابُهُ / ليبلُونا فِي الصبرِ عنهُ ويَبْلُوهُ
فقد عَوَّضَ الإِسلامَ من فقدِ نَفْسِهِ / هلالَ سماءٍ لا يضِلُّ مُهِلِّوهُ
وبحراً سقاكُمْ رِيَّ جودٍ وأَنْعُمٍ / فَسَقُّوهُ إِخلاصَ الصدورِ ورَوُّوهُ
وسيفاً حَباكُمْ صَفْحَهُ ومضاءهُ / فصُوغُوا لَهُ حُرَّ الوفاءِ فَحَلُّوهُ
فقد حتمَ الدهرُ الَّذِي حَلَّ خطبُهُ / بأَنْ لَيْسَ إِلّا بالمُظَفَّرِ يَجْلُوهُ
ومن كَانَ لا يعدو الرياسةَ سعيُهُ / فليسَ تباشِيرُ الرياسةِ تَعْدُوهُ
بهَدْي من المنصورِ لَيْسَ يُضيعُهُ / عَلَى سَنَنٍ من سعيِهِ لَيْسَ يَأْلُوهُ
فلولاكَ يَا يحيى لهُدَّتْ لِفَقْدِهِ / ذُرى عَلَمٍ أَذواؤكَ الغُرُّ بانُوهُ
ولولاكَ يَا يحيى لماتَ بِمَوْتِهِ / رجالٌ بأَحرارِ القلوبِ مُوَاسُوهُ
وَمَا رَغِبُوا عن نفسِهِ بنفوسِهِمْ / وَقَدْ ذاقَ طَعْمَ الموتِ حَتَّى يذوقُوهُ
ووُدِّعَتِ الأَرواحُ عند وداعِهِ / وضلَّ سبيلَ الصَّبْرِ عنه مُضِلُّوهُ
وقلَّبَتِ الدنيا قلوباً وأَنفُساً / فلا العيشُ محبوبٌ ولا الموتُ مكروهُ
فلا فَضَّنا دهرٌ وأَنتَ تلُمُّنا / ولا مَضَّنا جُرْحٌ ويمناكَ تَأْسُوهُ
ولا وُقِيَ الإِشراكُ مَا مِنْكَ يُتَّقى / ولا عَدِمَ الإِسلامُ مَا منكَ يرجُوهُ
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا / سلاماً وإِسلاماً وأَمناً وتأْمِينا
ولا أُعْدِمَتْ أَسماؤُكُمُ وسماؤكُمْ / نجومَ السُّعودِ والطُّيُورَ الميامِينا
بِمَنْ يَمُنَتْ أَيامُنا وتلأْلأَتْ / بنُور المُنى والمكْرُمَاتِ ليالينا
دعانا وسقَّانا سِجالَ يمينِهِ / فسَقْياً لساقِينا ورعْياً لراعينا
ومُلْكاً وتمْلِيكاً وفَلْجاً وغبطَةً / وعزّاً وإِعزازاً ونصراً وتمكينا
دعاءٌ لمن عَزَّتْ بِهِ دعوةُ الهُدى / يقُولُ لَهُ الإِسلامُ آمِينَ آمينا
فتىً مَلَكَ الدنيا فَمَلَّكَنا بِهَا / وجاهدَ عنَّا ينصُرُ المُلْكَ والدينا
فقلَّدَ أَعناقَ الأُسودِ أَساوِداً / وحلَّى أَكُفَّ الدَّارِعينَ ثعابينا
وخلَّى القصورَ البيضَ والبِيضَ كالدُّمى / لِبِيضٍ يُكَشِّفْنَ العَمى ويُجَلِّينا
إِذَا مَا كساها من دماءِ عُدَاتِهِ / سَلَبْنَ هواهُ الغيدَ والخُرَّدَ العِينا
وعطَّلَ أَشجارَ البساتينِ واكْتفى / بمُشْتَجِرِ الأَرماحِ منها بساتينا
ليَسْتَفْتِحَ الوردَ الجنيَّ من الطُّلى / ويَشْتَمَّ أرواحَ العُداةِ رياحينا
ويَسْمَعَ من وَقْعِ القَنا فِي نحورِها / حمائِمَ فِي أَغْصانِها وشَفانِينا
يسيرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسيرَ إِذَا الدُّجى / كسا بالجِلالِ البيضِ أَفْراسَهُ الجُونا
سرى ليلَ كانونَينِ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ / سوى الجَوِّ كِنَّاً والنجومِ كوانينا
قريبٌ وَمَا أَدناهُ من صارِخِ الوغى / بعيدٌ وَمَا أَدْنى لَهُ صوتَ داعِينا
وإِن شئتَ لَمْ تعدمْكَ غُرَّةُ وجهِهِ / أَناسِيَّ من أَحداقِنا ومآقِينا
ومثواهُ فِي الأَرواحِ وسطَ صدورِنا / ومجراهُ فِي الأَنفاسِ بَيْنَ تراقِينا
ونعم كفيلُ الشَّمْسِ حاجِبُها الَّذِي / يشيِّعُنا فِيهَا ويَخْلُفُها فينا
يطالعنا فِي نورِها فيعُمُّنا / ويسمو لَنَا فِي شِبْهِهَا فَيُسَلِّيِنا
وصدَّقَ فينا ظَنَّها حينَ صدَّقَتْ / سحابُ نداهُ مَا النفوسُ تُمَنِّينا
وَقَدْ أَثمرَتْ فينا يداهُ بأَنْعُمٍ / تساقَطُ فِي أَفواهِنا قبلَ أَيدينا
وذكَّرَ منه الصومُ والفطرُ هَدْيَهُ / وجمعُ المصلَّى وابتهالُ المصلِّينا
ومقعدُهُ فِي تاجِهِ وسريرِهِ / ليومِ السَّلامِ وازدحامِ المُحَيِّينا
فَمُلِّيتُمُوها آلَ يَحْيى تَحِيَّةً / تُحَيَّوْنَ بالملكِ التَّليدِ وتُحيُونَا
وتُرْجَوْنَ للجُلَّى فنِعْمَ المُجَلُّونَا / وتُدْعَوْنَ للنُّعمى فنعمَ المُجِيبونا
تُشَرِّدُ آفاقُ البلادِ فتُؤْوونا / وتَجْرَحُ أَيدِي النائِباتِ فتَأْسُونا
تُدَاوونَ من ريبِ الزمانِ فتَشْفَوْنا / وتسقُونَ من كَأْسِ الحياةِ فتُرْوونا
حُفاةُ المحزِّ فِي عظامِ عُدَاتِكُمْ / ولكِنْ عَلَى الإِسلامِ هَيْنُونَ لَيْنُونا
فلَوْ لَمْ تَلُونا مالِكينَ لكنتُمُ / بأَخْلاقِكُم ساداتنا وموالينا
ولم لَمْ نكُنْ فِي حمدِكم كَيْفَ شئتُمُ / لكنتُمْ لَنَا فِي الصَّفْحِ عنَّا كَمَا شِينا
وحُبُّكُمُ فِي اللهِ أَزكى فعالنا / وطاعتكم فِي اللهِ أَعلى مساعينا
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ / وعاد نورُ الهدى في جفنِ أَرْمَدِهِ
ولاح قائدُ ذَاكَ الثَّغْرِ أَوْحَدُهُ / فِي قصرِ مالِكِ هَذَا المُلْكِ أَوْحَدِهِ
وعدٌ من اللهِ فِي إِعزازِ دعوتِهِ / وحاشَ للهِ من إِخلافِ موعِدِهِ
فليَهْنِكَ اليومَ يَا شمسَ الوفاءِ لَهُ / بدرٌ دنا منكَ طَلّاباً لأَسْعُدِهِ
قادت إِلَيْكَ بِهِ فِي عَهْدِ مُوثِقِهِ / قلائدٌ لَمْ يُضِعْها فِي مُقَلِّدِهِ
ذخائرٌ لَكَ مِمَّنْ أَنتَ فاقِدُهُ / ووارثُ الملكِ عنهُ غَيْرُ مُفْقِدِهِ
محفوظةٌ عند حُرٍّ لا يَحُورُ بِهِ / عن يومِهِ لَكَ رَيْبُ الدهرِ فِي غدِهِ
شملٌ من الدِّينِ منظومٌ لَهُ وبِهِ / فِي حبلِ عهدٍ مُمَرِّ الفَتْلِ مُحْصَدِهِ
من كلِّ عاقِدِ ميثاقٍ يداً بِيَدٍ / لَمْ تَخْلُ فِيهَا يدُ الرحمنِ من يَدِهِ
رأَى نظامَ الأَمانِ فِي تأَلُّفِهِ / فطارَ نحوَكَ خوفاً من تَبَدُّدِهِ
هدْياً تلقَّى هُدَاهُ فِي اسْمِ والِدِهِ / وشِيمةٌ شَمَّها فِي رَوْحِ مَوْلِدِهِ
وَاسْمٌ من السَّلْمِ والإِسلامِ أَنشأَهُ / بَدْءٌ من الصِّدْقِ عَوَّادٌ بأَحْمَدِهِ
في زهرةٍ من وفاءِ العهدِ فاحَ بِهَا / غمامُ أَنعُمِكُمْ فِي روضِ مَحْتِدِهِ
لَمْ تُنْبِتِ الدِّمَنُ السُّفْلى مراعِيَها / ولا رَعى فِي حِماها كَيْدُ حُسَّدِهِ
مُصْغٍ إِلَيْكَ بِسَمْعَيْ سامِعٍ أَذِنٍ / ومُبْهَمِ البابِ للواشِينَ مُوصَدِهِ
ورافعٌ لَكَ من إِذْعانِهِ عَلَماً / كَمُوقِد النارِ فِي علياءِ مَوْقِدِهِ
يبأَى بذكْرِكَ فِي أَعوادِ منبَرِهِ / حقّاً وباسمِكَ فِي أَسماعِ مَسْجِدِهِ
مُهَنَّداً لَكَ فِي يُمناكَ قائِمُهُ / وعِزُّ نصرِكَ فِي حَدَّيْ مُهَنَّدِهِ
تغَمَّدَتْهُ أيادٍ منكَ أَوْضَحَها / إِلَى عِداكَ بسيفٍ غَيْرِ مُغْمَدِهِ
وَفِي خيولِكَ حازَ الدَّرْبَ يُصْعِقُهُ / بكُلِّ مُبْرِقِ غيمِ الموت مُرْعِدِهِ
وعن قِسِيِّكَ رامى الرُّومَ منتحياً / بكلِّ نافذِ وقعِ النصلِ مُقْصِدِهِ
وَفِي سبيلِكَ خاض البحرَ مقتحِماً / سُبْلَ الجهادِ إِلَى غاياتِ أَجْهَدِهِ
مُغَمِّضَ الطَّرْفِ عن أَغراضِ أَقْرَبِهِ / سامي الجفونِ إِلَى آفاقِ أَبعَدِهِ
فليس هادِي القَطا شَرَّابَ أَنْقُعِهِ / ولا مُنِيفُ الرُّبى طَلّاعَ أَنْجُدِهِ
وإِنَّ أَوَّلَ مقتولٍ بِفِطْرَتِهِ / شَكٌّ من الغَدْرِ أَرداهُ وَلَمْ يَدِهِ
حَتَّى إِذَا النَّأْيُ أَدنى من تَوَحُّشِهِ / وفَلَّ قَتْلُ الأَعادي من تَجَلُّدِهِ
وغَرَّهُ بُعْدُ عهدٍ منكَ أَذْكَرَهُ / عهداً لِقُرْبِكَ يُبْلى فِي تعَهُّدِهِ
ثنى إِلَيْكَ بِهِ مِنْ تَحْتِ رايَتِهِ / رأْيٌ رأَى فِي سناهُ نُصْحَ مُرْشِدِهِ
كَأَنَّ من وجهِكَ الوضَّاحِ قابَلَهُ / نورٌ أَنارَ إِلَيْهِ وَجْهَ مَقْصِدِهِ
حَتَّى اسْتَهَلَّ إِلَى يمناكَ مُقْتَبِلاً / منها لأَيْمَنِ إِهلالٍ وأَسْعَدِهِ
مستفتِحاً منك بابَ العِزِّ مبتدِراً / فِي باب سُدَّتِكَ اسْتِكْمالَ سُؤْدَدِهِ
قد شَقَّ دِرْعَ التَّوقِّي عن تَوَقُّعِهِ / وجابَ غيب التظنِّي عن تودُّدِهِ
إِذ لَمْ ترم خيلك الغزَّى بمكلئه / وَلَمْ يُضِعْ ثغرَكَ الأَعلى بِمَرْصَدِهِ
فأَيُّ شمسٍ أَضَاءَتْ قَبْلَ مطلَعِها / لَهُ وبحرٍ سقاهُ قبلَ مَوْرِدِهِ
مُقَدِّماً لِسناهُ قبلَ مَقْدَمِهِ / ومُشهِداً برضاهُ قبلَ مَشْهَدِهِ
فأَيُّ مولىً تَلقَّاهُ فأَسْمعَهُ / من بَيْنِ شيعَتِهِ الدُّنيا وأَعْبُدِهِ
بُشرَاكَ هَذَا حِباءُ البِرِّ فاحْتَبِهِ / مِنِّي وهذا رداءُ العزِّ فارْتَدِهِ
فابلُغْ قَصِيَّ الأَمانِي يَا مُظَفَّرُ فِي / مُظَفَّرِ المَقْدَمِ الأَقصى مُؤَيَّدِهِ
في أَكْرَمِ الذِّكْرِ فِي الدنيا وأَخْلَدِهِ / وأَسْعَدِ الجَدِّ فِي الدُّنيا وأَصْعدِهِ