المجموع : 478
لا يَلزَمُ القَمرُ المُنيرُ المَشرِقا
لا يَلزَمُ القَمرُ المُنيرُ المَشرِقا / فأتى وكانَ يُضِئُ من قبلِ اللِّقا
قد رامَ جِلَّقَ في النُزُولِ فمن يُرِدْ / عَدَدَ البُروجِ يَعُدُّ منها جِلَّقا
يا طالما كُنَّا نَراهُ تَوَهُّماً / حتى رأينا شخصَهُ مُتحقّقِا
كِدْنا نَذوبُ تَشَوُّفاً لِجَلالِهِ / من بعدِ ما كِدْنا نَذوبُ تَشَوُّقا
فضحَ السَّماعَ بهِ العِيانُ بأنَّهُ / أوفَى ولكنْ لم نَجِدْهُ أصدَقا
قَصُرَ الرُواةُ بوَصفِهِ فعذَرتُهُمْ / كيلا يَقولوا صِفْهُ أنتَ مُدَقّقِا
أهلاً بأكرمِ قادمٍ قد رَدَّ لي / قلبي الذي قد كانَ معهُ مُوثَقا
مَلَكَ الفُؤادَ يسيرُ تحتَ لِوائهِ / فأنا لذاك أخافُ أن نَتَفرَّقا
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ / إلاَّ تَلاعُبَهُ بمُهجةِ صَبِّهِ
أغراهُ ذُلّي بالدَّلالِ وزادَهُ / عُجْباً فعلَّمني صِناعةَ عُجْبهِ
يا أيُّها الرَشأُ المُدِلُّ بعينهِ / لا تَفتِنِ الرَّجُلَ المُدِلَّ بقلبهِ
كَثُرتْ لَعَمْري في هَواكَ ذُنوبُهُ / لكنْ إليهِ كانَ أكثرُ ذَنْبهِ
من طالَ عن مَلَلِ الأحبَّةِ عَتْبُهُ / طالَ العِتابُ لنَفسهِ عن عَتْبهِ
داءٌ دخيلٌ ليسَ يُرجَى بُرْؤُهُ / لو أنَّ إسماعيلَ قامَ بطبِّهِ
من ذلكَ الشيخِ الرئيسِ ولفظِهِ / شيخٌ على الشيخِ الرئيسِ وكُتْبهِ
رَوَّى فخِلْنا عضْبَهُ من ذِهنهِ / ورَوى فخيِلَ لسانهُ من عَضْبهِ
هذا الحكيمُ الكاملُ الفرْدُ الذي / مُزِجَتْ بحكمتِهِ مَخافةُ ربِّهِ
لَزِمَ المدارِسَ في الدِّيارِ وذكرُهُ / قد سارَ في شرقِ الفضاءِ وغَرْبهِ
من دوحةِ الأتراكِ فَرْعٌ خِصْبهُ / يجري إلى فُرْس الزَّمانِ وعُرْبهِ
تُجنى فَوائِدُ قُربِهِ في بُعدِهِ / وتُخافُ وَحْشةُ بُعدِهِ في قُربِهِ
نَصَبَتْهُ دولةُ ذي السَريرِ فتَمَّمتْ / ألطافَها نحوَ العبادِ بنَصْبهِ
أحيَتْ مَواهبُها الأصِحَّةَ وابتَغَتْ / أنْ تَشمَلَ المَرْضَى فأحيْتهُم بهِ
بينَ قلبِ المُحِبِّ والأحداقِ
بينَ قلبِ المُحِبِّ والأحداقِ / كلُّ حربٍ قامَتْ على كلِّ ساقِ
فتنةٌ طالما أصابَتْ فكادَتْ / تَبلُغُ الرُوحُ من جَراها التَراقي
قد دَهَى سِحرُها المُحِبينَ حتى / عِيلَ صبرٌ وقيلَ هل من راقِ
أثخَنَتْهُمْ ظُلماً فتاهت ولم تَمْ / نُنْ ولم تَفْدِ بعدَ شَدِّ الوِثاقِ
يا مِراض الجُفُونِ لم تتركي من / نا صحيحاً وما لَنا منكِ راقِ
عَجَباً كيفَ يَقتُلُ العبدُ حُراً / عامداً غيرَ آثِمٍ باتّفاقِ
ضِقتُ ذَرْعاً ففَرَّ صبري وفيهِ / أثَرٌ من تَزاحُم الأشواقِ
وتَركتُ القَريضَ بالشامِ حتى / ساقَني نحوَهُ إمامُ العِراقِ
عَلَمٌ ينتمي إلى عُمَرَ الفا / روقِ في نِسبةٍ وفي أخلاقِ
عَرَفتْهُ أسماعُنا قبلَ تَعري / فٍ فكادت تراهُ كالآماقِ
شائعُ الفضل شخصُهُ حلَّ في الزَو / راءِ والذِكرُ سارَ في الآفاقِ
كم له في العيُونِ من حَسَراتٍ / ولهُ في الآذانِ من عُشَّاقِ
شاعرٌ يَنظِمُ اللآلي من اللف / ظِ بِسِمْطٍ من المعاني الدِقاقِ
ما وَثِقنا بِسحرِ بابلَ حتى / فَتَنَتْنا بسِحرها المِصْداقِ
هزَّني بالقريض لُطفاً ولكن / هزَّ جذعاً من الأوراقِ
تكثُرُ الخيلُ في المرابضِ إن عُد / دت ولكن تَقِلُّ عندَ السِباقِ
لم أكن شاعراً فصِرتُ بتقري / ظٍ أتاني كالطوقِ في الأعناقِ
إنَّ ذاك القَليلَ غيرُ قليلٍ / من إمام القريضِ عبدِ الباقي
أيها السيّدُ الكريمُ لقد أب / دعتَ حتى في الرِفقِ بينَ الرِفاقِ
تستطيعُ الثَّنا عليَّ ولكن / ذاك عندي عليكَ غيرُ مُطاقِ
فاتَني شأوُكَ البعيدُ فما أُد / رِكُهُ لو رَكِبتُ مَتْنَ البُراقِ
إنَّ هذِهْ صحيفةُ الشَّوق منِّي / فاتَّخِذهَا صحيفة الميثاقِ
إن تَحُلْ بَيننا النَوَى لم تَحُلْ إنْ / شئتَ بين الأقلامِ والأوراقِ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ / ذاك الصِّحيحُ وأنتَ منهُ سقيمُ
إن كانَ هذا الشوقُ داءً حادثاً / فالحُبُّ داءٌ في الفُؤادِ قديمُ
في كُلِّ قلبٍ للصَّبابةِ مَنزِلٌ / ولكلِّ صَبٍّ مشرَبٌ معلومُ
والحُبُّ أشبَهُ بالحبيبِ كَرامةً / فكريمُهُ حيثُ الحبيبُ كريمُ
جَرَتِ القُلوبُ على الخِلافِ لحكمةٍ / إنَّ الذي خَلَقَ القُلوبَ حكيمُ
لولا التَّفاوتُ في البريَّةِ لم يكُنْ / وَجهٌ بمَصحلةِ العبادِ يقومُ
في كل عينٍ نُزهةٌ وطُلاوةٌ / ولكلِّ نفسٍ لَذةٌ ونعيمُ
ولَعلَّ بعضَ السيئاتِ بزَعمِهمْ / حَسَنٌ وبعضَ الطيباتِ ذميمُ
ولَرُبَّ عاذِرِ نفسِهِ في خَلَّةٍ / يَنْهاكَ عنها ناصحاً ويلومُ
وإذا انتهيتَ ظلمتَ نفسكَ مرَّةً / فلَعلَّ بعضَ الناصحينَ ظَلُومُ
أهلُ الزَّمانِ على خِلافٍ لازمٍ / مِثلَ الزَّمانِ وفي الخِلافِ لُزومُ
أحكامُ دَهرٍ ليسَ يَعلَمُ سِرَّها / إلا حكيمٌ بالإلهِ عليمُ
أنتَ المُشارُ إليه في ما نَدَّعي / يا مَن لهُ المنطوقُ والمفهومُ
يا بحرَ فيضٍ والبحارُ جداولٌ / يا بدرَ تمٍّ والبُدورُ نجومُ
يا سيّداً جادَ الزَّمانُ لنا بهِ / خَجَلاً لمن قال الزَّمانُ لئيمُ
لكَ في الكلامِ فوائدٌ منثورةٌ / حَكَمت بأن يُهدَى لكَ المنظومُ
تلك الحقائقُ في عُلاكَ تحجَّبت / وبَدَت لعين الناظرِينَ رُسومُ
اطعلتَ من سِحرِ البيانِ لطائفاً / سُحَراءُ بابلَ دُونَهُنَّ تَهيمُ
أحيا عُلومَ الأوَّلين بك الذي / يُحيِى عِظامَ المَيْتِ وَهْيَ رميمُ
هذا سلَيمانُ الوَرَى لكنَّهُ / في طاعةِ الرَّحمن إبراهيمُ
لا تُنكِرُ الإفرنجُ رِفعةَ شأنهِ / والتُركُ قد شَهِدت لهُ والرُّومُ
دَينٌ علينا حمدُهُ ومديحُهُ / ولكلِّ دَينٍ طالبٌ وغريمُ
ولعلَّ عُذرَ المَرْءِ وَهْوَ مُقصِّرٌ / أدنَى قَبُولاً منهُ وَهْوَ عقيمُ
ويلاهُ قد ضاعَ الزََّمانُ ورَكْبُنَا / في كلِّ وادٍ لا يزالُ يَهيمُ
يا طِيبَ أيَّامِ الصِّبا لو أنَّها / دامت وغيرُ الله ليسَ يدومُ
عَبِثَتْ بيَ الأيَّامُ وهيَ سفيهةٌ / فشكوتُها للصبرِ وهوَ حليمُ
وإذا شكوتَ لسامعٍ خفَّ البِلَى / فكأنما قُسِمَتْ عليهِ هُمومُ
يا أيُّها الحَبرُ الذي قُلنا لهُ / بحراً فقيلَ إذنْ لهُ المظلومُ
ما بالُنا ندعوكَ بحراً بيننا / والبحرُ يغرَقُ فيكَ وهو مُليِمُ
عَرَفتْ مُلوكُ العصرِ قَدْرَك حيثُما / ألقى عَصاك الحافظُ القَيُّومُ
فحُبِيتَ من زُهر النجوم بطالعٍ / يُنبِي بسعدِ طُلوعهِ التقويمُ
أُثني عليك بما علمتُ وفاتَني / ما فوقَ عِلمِي سِرُّهُ المكتومُ
فإذا عَفوتَ فقد وَفى حُسْنُ الرِّضى / وإذا اعتذرتُ فقد وَفَى التَّسليمُ
ما بين أعطاف القُدودِ الهِيفِ
ما بين أعطاف القُدودِ الهِيفِ / سَبَبٌ ثقيلٌ قامَ فوقَ خفيفِ
إن فرَّ من تلك الرِّماحِ طعينُها / لقِيَتْهُ أجفانُ المَهى بسُيُوفِ
سُبحانَ مَن خلقَ المحاسنَ وابتَلى / مُهَجَ القُلوبِ بحُبِّها المألوفِ
دَعتِ الخليَّ إلى الهوَى فأجابها / طَوعاً وعاصَي داعيَ التعنيفِ
أمسَى يَجُرُّ على القَتادِ ذُيولَهُ / من كان يعثُرُ في رمال الرِيفِ
وإذا الهَوَى مَلَكَ الفُؤادَ فإنَّهُ / مَلكَ الفَتَى من تالدٍ وطريفِ
أفدي عِذاراً خطَّ كاتبُهُ بلا / قلمٍ لنا سَطراً بغيرِ حُروفِ
شبَّبتُ فيهِ تصببُّاً حتَّى أتَت / عذراءُ من بَغدادَ تحتَ سُجوفِ
خَودٌ شُغِلتُ وقد شُغِفتُ بحُسنِها / عن حُسنِ كلِّ وصيفةٍ ووصيفِ
تختالُ تحت رقائقٍ وعَقائقٍ / ومناطقٍ وقَراطقٍ وشُنوفِ
عَرَبيةٌ ألفاظُها قد نُزِّهَتْ / عن شُبهةِ التصحيفِ والتحريفِ
نَسَجَ البديعُ لها طِرازاً مُعلَماً / من صَنْعةِ الأقلامِ في التفويفِ
أهلاً بزائرةٍ عليَّ كريمةٍ / حَلَّت فجلَّتْ عن مَحَلّ ضُيوفِ
إن لم يَصِحَّ المدحُ لي منها فقد / صحَّت بذلكَ آيةُالتشريفِ
جادَ الإمامُ بها عليَّ تفضُّلاً / كالبحر جادَ بدُرِّهِ المرصوفِ
رَجعَ الثَناءُ بها عليهِ بلُطفهِ / فكأنهُ رَجْعُ الصَدَى لَهَتُوفِ
عَلَمٌ قد اشتَهرَتْ مناقبُ فضلِهِ / في النَّاسِ فاستغنى عن التَّعريفِ
كَثُرتْ صِفاتُ الواصفيِهِ وطالما / لَذَّت فشاقَتْنا إلى الموصوفِ
صافي السريرةِ مُخلِصٌ يمشي على / قَدَمِ التُّقَى ويَجُرُّ ذيلَ عفيفِ
أفعالُهُ المتصرِّفاتُ صحيحةٌ / سَلِمتْ من الإعلال والتضعيفِ
هُوَ عارفٌ باللهِ قامَ بَنهْيِهِ / عن مُنكرٍ والأمرِ بالمعروفِ
سيماؤهُ في وَجهِهِ الوضَّاح من / أثَرِ السُّجودِ على أديمِ حنيفِ
لَهِجٌ بخُلقِ الزاهدِينَ أحَبُّ من / لُبس الشَّفُوفِ إليهِ لُبسُ الصوفِ
يهفو إلى زُهْر الفضائل عائفاً / من زَهرةِ الدُّنيا اجتِناءَ قُطُوفِ
ياقوتُ خَطٍّ من سَوادِ مِدادِهِ / كُحلٌ لطَرْفِ الناظرِ المطروفِ
أقلامهُ كالبيضِ في إمضائها / لكنها كالسُمر في التثقيفِ
قد صَرَّفَتْ في المُعرَباتِ بَنانُهُ / تلكَ العواملَ أحسنَ التصريفِ
تَسعى لديهِ على الرُؤُوس كأنَّما / تجري على فَرسٍ أغَرَّ قَطُوفِ
العالمُ الشَهْمُ الفؤادِ الشاعرُ ال / واري الزِنادِ الباهرُ التأليفِ
ثَمِلَ العِراقُ بشِعرِهِ حتى جَرَت / في الشامِ فضلةُ كأسهِ المرشوفِ
من كل قافيةٍ كزَهْر حديقةٍ / في كلِّ مَعْنىً كالنسيمِ لطيفِ
هي مُعجزِاتٌ في صُدور أُولي النُّهَى / ضَرَبَت عَرُوضاً ليسَ بالمحذوفِ
لا بدعَ في عبد الحميدِ فإنَّها / أُمُّ العِراقِ أتَتْ بكلِّ طريفِ
أمُّ العِراقِ مدينةُ الخُلفَاءِ وال / عُلَماءِ والشُعراءِ بِضعَ أُلوفِ
لا تُنكِروا خوفاً يَهُولُ رِسالتي / منها وإن تكُ أمْنَ كل مَخُوفِ
لولا الغُرورُ حَبَسْتُها لكنَّني / أطلقتُ عُذري خَلْفَها كرديفِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ / ولكنَّهُ أولى بتذكرِةِ العَهْدِ
سَلامٌ على من لا أرَى غير كُتْبهِ / فألهُو بذاكَ الرَّسم والرَّسمُ لا يُجدي
حبيبٌ طَوَى بُعْدُ المَسافةِ وَصلَهُ / فكانَ غريمي شُقَّةَ الغَورِ والنجدِ
ولا خيرَ في قُربِ الدِّيارِ مع القِلَى / ولا بأسَ من بُعدِ الدِّيارِ مع الوُدِّ
لهُ اللهُ ما أبقى الوِدادَ بقلبِهِ / على حِين يُمحَى النقشُ في الحَجَرِ الصَلْدِ
تَمُرُّ صُروفُ الدَّهر والسُّخطُ والنَّوَى / عليهِ ولكن لا تُعيدُ ولا تُبدي
صديقٌ صَدُوقٌ كلمَّا قُلتُ قد سلا / لبُعدٍ رأيتُ البُعدَ قد زَاد في الوجدِ
عَرَفتُ قُصوري عنهُ في كلِّ مَنهَجٍ / فَلستُ أُباري فضلَهُ بِسوى الحمدِ
تُعَلِّلُنا الآمالُ يوماً إلى غدٍ / بوَعدٍ ويا ويلَ الوَفاءِ من الوعدِ
وهيهات ما وَعدُ الحيَاةِ بقائمٍ / تُجاهَ المنايا وَهْيَ فاسخةُ العَقْدِ
طلبنا التَّداني فابَتعدْتَ فليتَنا / طلبنا النَّوَى يا مَن يُقابِلُ بالضِدِّ
وكم واجدٍ ما لم يكن طالباً لهُ / وكم طالبٍ ما ليسَ يُدرِكُ بالجَهدِ
يبيتُ فُؤادي أيُّها النَّاسُ عندَ من / يَبيتُ إذا جَنَّ الدُجَى طَيفُهُ عِندي
قُصارى اللِقا منهُ الزِّيارةُ في الكَرَى / فتُشفِقُ عيني أن تعودَ إلى السُهدِ
أهيمُ إلى مَن لا أراهُ صَبَابةً / كما اشتاقَ ظمآنٌ إلى نازحِ الوِرْدِ
إذا نَفَحَتْني نَسْمةٌ من ديارِهِ / تَعلَّلتُ منها بالسَّلامِ وبالبَرْدِ
ألا يا بعيدَ الدَّارِ لو أنَّ دارَنا / دَنَت مثلَ قلبَينا لَبِتْنا على مَهْدِ
لَئن مَنَعَتْ غُبْرُ السباسبِ وَفدنا / فما مَنَعَتْ ريحَ الجَنُوبِ من الوَفْدِ
أسِحْراً كان شُغلي في هَواكا
أسِحْراً كان شُغلي في هَواكا / لَقد تُهِمَتْ بسحِرٍ مُقلتاكا
شَرِبتُ وما عَرَفتُ الكأسَ حتى / سَكرِتُ فما استطعتُ لهُ دِراكا
حَواكَ وقد حَلَلْتَ بكل قلبٍ / فُؤادٌ لم يَحِلَّ بهِ سِواكا
نَزَلتَ بهِ على طَلَلٍ تَفانَى / ولَستَ بمن على طَلَلٍ تَبَاكَى
أطَعتَ العاذِلينَ بقتلِ صَبٍّ / يُريدُ القتلَ لكن عن رِضاكا
تَعِزُّ كَرامةً ويَهُونُ ذُلاً / فتأنَفُ أن يَقولَ دمي فِداكا
صَبابةُ عاشقٍ مَلَكَتْ فؤَاداً / فما تَرَكتْ لمملكةٍ مِلاكا
يُحاوِلُ أن يَحِلَّ الصَّبرُ فيهِ / ولكنْ لا مكانَ لهُ هُناكا
ألا يا قاتلي باللّحظِ عَمْداً / أرَى عمْدي يُقصِّرُ عن خَطاكا
إذا أمضَى ذُبابُ السَّيفِ حُكماً / غَدَتْ حُجَجُ الوَرِيدِ لهُ رِكاكا
نَهاني الشَّيبُ عن خُلُقٍ قديمٍ / وما بَلَغَ المَشيبَ فقد عصاكا
لَقد شابَ الأميرُ على العَطايا / فحيثُ نَهَيتَهُ عنها نَهاكا
عوائدُ آل رَسْلانَ اللواتي / كوضعِ طباعِهِم تأبي انفِكاكا
رَبينَ بحجْرِ إسماعيلَ حتى / دعاهُنَّ الأمينُ فَقُلنَ هاكا
وَجَدتُكَ أصلَ دَوحةِ رَهطِ قَيْسٍ / وإنْ تَكُ فَرْعَها فيما نَراكا
وقد يَرِدُ الكريمُ على انفرادٍ / وإن أعطاكَ مَولِدهُ اشتراكا
وما ذَبَلَتْ غُصونٌ من تَنُوخٍ / سَقى ماءُ السَّماءِ بها ثَراكا
لَئن عَرَفَتْ لكَ الأعرابُ فضلاً / فقد عَرَفَ الأعاجمُ ما كفاكا
صَفَتْ لكَ هذهِ الأيّامُ وِرداً / ولكن بعدَ ما قَرَعَتْ صَفاكا
عَرَضتَ لها فما طالتْ يَداها / وقُمتَ بها فما قَصُرَتْ يَداكا
أهَمُّ الناسِ في أمرٍ ولكنْ / أقَلُّ الناسِ في الأمرِ ارتباكا
سَبقَتَ إلى الفَعالِ فما تُحاكِي / وجاوَزتَ النّظيرَ فما تُحاكى
وَقَفتَ على صِراطٍ مستقيمٍ / كأنَّ أمامَ عَينِكَ ما وَراكا
تُقَلِّبُ في صروفِ الدَّهرِ طَرْفاً / رَمَيتَ بهِ فما أخطا السِّماكا
فَقَدتَ أخاكَ في الأوصافِ حتى / فَقَدتَ اليومَ في نَسَبٍ أخاكا
وما فَقَدَ اليتيمُ أباً كريماً / إذا غطَّاهُ فَضلٌ من رِداكا
تَعوَّدتَ الجميلَ المَحْضَ حتَّى / منَ الصَبرِ المُجاورِ في حَشاكا
وإنَّكَ لا تُبالي بالمنايا / فتصغُرُ أن يهيج لها بكاكا
إذا نصَبَتْ لكَ الشَرك الليالي / فما قَطَعَت لنَعلَيْكَ الشِراكا
تَشُلُّ يمينَها يُسراكَ جَبْراً / وتَقطَعُ سيفَ نَجْدتِها عَصاكا
تَفنَّنَ في الثَّناءِ عليك قومٌ / سَهِرْتَ لهم ونامُوا في حِماكا
وما كانَ الثَّناءُ عليكَ زُوراً / وقد شَهِدتَ بسِحتّهِ عِداكا
على العهدِ القديم أتَى مُحِبٌّ / قديمُ العهدِ لا ينَسى وَلاكا
لَئِنْ ترَكَتْكَ هِمَّتُهُ لضُعفٍ / فإنّ أباهُ لم يَترُك أباكا
على ذُرِّيَّةِ الرَجُلينِ وَقفٌ / وليسَ بهِ التَّصَرُّفُ من قَضاكا
تُراثٌ نَدَّعيهِ ولو تَمادى / عليهِ الدَّهرُ لا يخَشى الهَلاكا
لَكُمْ حَقُّ الرُّعاةِ على رِجالٍ / لهم حَقُّ الرَعيَّةِ مثلَ ذاكا
مَدَدُتمْ نِعمةً كانت بِحاراً / ومَدُّوا خِدمةً كانت شِباكا
رأيتُكَ في الدُّجَى نَجماً مَطيراً / فما ميَّزتُ أرضَكَ من سماكا
إذا سَافَرتُ كانَ رَجاكَ زادي / وحيثُ نَزَلتُ ظَلّلَني لِواكا
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما / عن مَطلِعِ القمرينِ من كَبدِ الحِمَى
وانْظُرْ تَرَى شمساً تُسَمَّى حيدَراً / تُدلي إلى بدرٍ يُسَمَّى مُلحِما
رَبعٌ كَستْه كلُّ غاديةٍ كما / تُكْسَى الوُفودُ بهِ طِرازاً مُعلَما
فيَكادُ يخطِرُ لو أصابَ لهُ يداً / ويكادُ ينطِقُ لو أصابَ لهُ فما
قل للأميرَينِ اللذينِ تَرَى بهِ / مِن قابِ قَوسَينِ السَّلامُ عليكما
هَيَّجْتُما شَجَنَ القريضِ فطابَ لي / وأطَلْتُما أمَدَ الثَّناءِ فأفحَما
في الناسِ من يَقِفُ القريضُ ببابِهِ / خَجِلاً ومن يَلقَى القريضَ مُسلِّما
والشِّعرُ كم بيتٍ يُساوي بَدْرةً / منهُ وبيتٍ لا يُساوي دِرهَما
قد كُنتُ أرجُو ما أرى من طَلْعةٍ / غَرَّاءَ كانَ رَجاؤها يُرْوي الظَما
حتى ظَفِرتُ بحَضرةٍ هيَ كَعْبةٌ / للوَفدِ في شَهرٍ أراهُ مُحَرَّما
نادٍ تَرَى الشَيخَ الرئيسَ بصَدرِهِ / وتَرى بجانبِهِ الإمامَ الأعظَما
هُوَ مجمعُ البحرينِ في عِلمٍ وفي / كَرَمٍ ولا حَرَجٌ فحَدّثْ عنهما
تَركَتْ لهُ هِمَمُ العُلَى مُتأخِّراً / في المجدِ ما فَرَضَتْ لهُ مُتقدِّما
شَرَفٌ تُلاقيهِ النُّجومُ ضئيلةً / تَرنُو إليهِ كما نُلاقي الأنجُما
ما زال يغنَمُ بالأسِنَّةِ رَهطُهُ / حتَّى غدت لهُمُ الأسِنّةُ مغنَما
إنّ المعاليَ في الزَّمانِ عرائسٌ / لا تَنجلي حتى تُخَضَّبَ بالدِّما
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي / قد صِرتَ وَيحْكَ حاضراً كالغائِبِ
الحَقْ بأهلِكَ في العِراقِ وخَلِّني / بالشأمِ في أهلي فلستَ بصاحبي
فَتَنَتكَ أفئِدةُ الرِّجالِ فلم تكن / مِمَّنْ أُصيبَ بأعيُنٍ وحواجبِ
عاطيتَ لكنْ لا بكأسِ مُنادمٍ / فَسكِرتَ لكِنْ لا بخَمرةِ شاربِ
ذُقتَ الهَوَى صِرْفاً وما كُلُّ الهَوَى / يَجِدُ الفتى فيهِ السبيلَ لعائبِ
حُبُّ الكريمِ كَرامةٌ لمُحِبِّهِ / ونَباهةُ المطلوبِ مجدُ الطالبِ
قد شاقَكَ العُمَرِيُّ قُطبُ زَمانهِ / مُتباعداً في صُورةِ المُتقاربِ
مُتَواترُ الآثارِ أردَفَ كُتْبَهُ / فأتَتْ كتزكيةِ الشُّهودِ لكاتبِ
هذا إمامٌ في الأئمَّةِ ذِكرُهُ / قد شاعَ بينَ مَشارقٍ ومَغاربِ
ولَئنْ تأخَّرَ في الزَّمانِ فإنَّهُ / عَقْدٌ يلي الآحادَ عندَ الحاسبِ
نَجْني الفرائدَ من بحارِ قريضِهِ / منظومةً من صُنعِ فِكرٍ ثاقبِ
من كلِّ قافيةٍ شَرُودٍ بيتُها / ضُربَتْ لهُ الأوتادُ بينَ ترائبِ
أثْنى جميلاً مَن تَعوَّدَ سَمْعَهُ / فيهِ ولكن بالخَليقِ الواجبِ
أثْنى بما هُوَ أهلُهُ فكأنَّما / أهدَى لنا من نفسِهِ بمناقبِ
شَرَفٌ لَبِستُ طِرازَهُ فاهتزَّني / عُجباً إلى ما فوقَ فوقِ مراتبي
فإذا ادَّعيتُ جعلتُ ذلكَ شاهدي / وإذا افتخرتُ جعلتُ ذلكَ ناسبي
يا جابرَ القلبِ الكسيرِ بلُطفهِ / ماذا تَرَى في أمرِ قلبٍ ذائبِ
ما زالَ يقُعِدُهُ الهَوَى ويُقيمهُ / كالفعلِ بينَ جوازمٍ ونواصبِ
أُردُدْ فُؤاداً لي أراك غَصَبتَهُ / مني فإنَّ الرَدَّ حُكمُ الغاصبِ
ما كانَ أسمَحَني به لكنَّهُ / وَقفُ العِراقِ فلا يَصِحُّ لِواهبِ
شَوْقي إلى من لم تَراهُ نواظري / في قُطرِ أرضٍ لم تَطأهُ ركائبي
أحببتُ زَوراءَ العِراقِ لأجلِهِ / ولأجلِها أطرافَ ذاكَ الجانبِ
حَقُّ المحبَّةِ للقُلوبِ فقد أرَى / حُبَّ الوُجوهِ عليهِ لَمْحةُ كاذبِ
وإذا تَعرَّضَ دُونَ عينٍ حاجبٌ / فهُناكَ قلبٌ لا يُرَدُّ بحاجبِ
أفديكَ يا مَن ليسَ لي في حُبّهِ / فضلٌ فذاكَ علَيَّ ضَربةُ لازبِ
أحسنتَ في قَولٍ وفِعلٍ بارعاً / وكِلاهُما للنَّفسِ أكبرُ جاذبِ
أنتَ الذي نالَ الكمالَ موفَّقاً / مَن رازقٍ من شاءَ غيرَ مُحاسبِ
فإذا نظمتَ فأنتَ أبلغُ شاعرٍ / وإذا نثرتَ فأنتَ أفصحُ خاطبِ
وإذا نظرتَ فعن شِهابٍ ثاقبٍ / وإذا فَكَرْتَ فعن حُسامٍ قاضبِ
وإذا جَرَتْ لكَ في الطُروسِ يَراعةٌ / فسوادُ وَشمٍ في مَعاصِمِ كاعبِ
هذِهْ رَسولٌ لي إليكَ وليتني / كُنتُ الرَسولَ لها بَمعْرِضِ نائبِ
شاميَّةٌ من آلِ عيسى أقبلَتْ / في ذِمَّةِ العُمَريِّ تحتَ مَضاربِ
عذراءُ يَثْنيها الحَياءُ مهَابةً / وتَقُودُها الأشواقُ قَوْدَ جنائبِ
نَزَعتْ إلى ماءِ الفُراتِ وما دَرَتْ / كم أغْرَقَتْ صَهَواتُهُ من راكبِ
تلكَ البقيَّةُ من ذخائرِ أعجَمٍ / تَلقَى البقيَّةَ من كِرامِ أعاربِ
من كل نابغةٍ يُفيضُ كأنَّما / نُشِرَ الفَرَزْدَقُ في تميمَ لغالبِ
ماذا يقومُ ولو تَطاوَلَ قاصرٌ / بِمَدىً تُقصِّرُ فيهِ جُرْدُ سَلاهبِ
فلكَ الجميلُ إذا عَذَرتَ وإن تَلُمْ / فلقد أصَبْتَ وما المَلُومُ بعاتبِ
أسَفاً على أسَفٍ وليسَ بمُنكَرِ
أسَفاً على أسَفٍ وليسَ بمُنكَرِ / أسَفُ الكبير على الحبيبِ الأصغرِ
وأحَرُّ مَنْ فارَقتَ نارَ صبَابةٍ / من لم يُمَتِّعْ مُقلتيكَ بمنظرِ
هذا هلالٌ قد رَماهُ مُحاقُهُ / في صدرِ غُرَّتهِ كسَلخِ الأشُهرِ
جادَ الزَّمانُ بما استرَدَّ فما وَفى / جُودُ الكريمِ بلْهفةِ المتحسِّرِ
كُنّا نُحاذِرُ من عَدُوٍّ أزرَقٍ / حتى بُلينا بالعَدُوّ الأصفرِ
نَحِساتُ أيَّامٍ أثَرْنَ عَجاجةً / سَطَعَتْ ولكنْ لا بريحٍ صَرصَرِ
يَرِدُ الرَّدَى من كُلِّ بابٍ سالِكاً / كلَّ الفِجاجِ حَذِرتَ أم لم تَحذَرِ
وإذا ابتُليتَ بما بهِ نَفَذَ القَضا / فاصبرْ على بلواكَ أو لا تَصبِرِ
لا بُدَّ من يَومٍ سَيحضُرُ ذاكراً / مَنْ كانَ يَنساهُ وإن لم يذكُر
نجري إلى أجلٍ فكُلُّ مُقَدَّمٍ / منا يَجُرُّ عِنانَ كلِّ مؤَخَّرِ
يا سابقاً من دُونِ غايتِهِ المُنَى / أنتَ المقرَّبُ عِندَ رَبِّكَ فابشِرِ
قد ذُقتَ حُلوَ الطيّبات ولم تَذُقْ / مُرَّ الخبائثِ في الزَّمانِ الأغبرِ
خَلَّفتَ لي حُزناً عليكَ وفوقَهُ / حُزناً لثُكلِ أبيكَ ليسَ بمُقصِرِ
لو باتَ في عينيَّ دَمعٌ واحدٌ / رَفعاً لهُ عن سَقْيِ ماءِ العُنصُرِ
إن لم تكُنْ تُرْوِي ثَراهُ فإنَّها / تُروي فُؤادَ مُحبِّهِ المُستعبِرِ
يا مَن بَكيَتُ على صِباهُ مُقبِلاً / حَسْبي البُكاءُ على صِبايَ المُدبرِ
إنَّ الحياةَ هيَ الصِّبا فإذا انقضَى / عنّي فإني ميّتٌ لم يُقبَرِ
نَبغي بَلاغَ المُنذِرينَ وعِندنا / من كُلِّ مَيْتٍ قامَ أبلغُ مُنذِرِ
هذا الخطيبُ على الرُؤوس منادياً / جَهراً وذاك النَّعشُ عُودُ المِنْبَرِ
يا أيَّها النُوَّامُ هُبُّوا واخَلعوا / حُلماً تَغافَلَ عنهُ كلُّ مُعبِّرِ
المَيْتُ يَعرِفُ حالةً حَضَرَتْ لَهُ / والحَيُّ يَجَهلُ حالةً لم تَحضُرِ
فِدَى الجلابيبِ والأطمارِ من وَبَرِ
فِدَى الجلابيبِ والأطمارِ من وَبَرِ / ما تَصنعُ الفُرْس من وَشيٍ ومن حِبَرِ
يَزينُ في العَرَبِ الأثوابَ لابسُها / إنْ زانتِ اللاَّبسَ الأثوابُ في الحَضَرِ
ألَذُّ من نَغمِ الأوتارِ في غُرَفٍ / بيتٌ من الشِّعْر في بيتٍ من الشَّعرِ
وفوقَ نَشْرِ دُخَانِ العُود رائحةً / دُخانُ نار القِرَى تُسقَى دَمَ الجُزُرِ
إذا أردتَ الظِبَا اللآلي عهدتَ لها / نوافجَ المسكِ فاطلُبْها من القِفَرِ
هناك من ظَبَيات الوَحشِ ما شَغَلتْ / فؤَادَهُ ظَبَياتُ الأنسِ والخَفَرِ
من كلِّ خَزْراءِ عينٍ لا تُخَازِرُها / كحلاءَ ليسَ بها للكُحلِ من أثَرِ
إنَّ المليحةَ مَن كانت محاسنُها / من صَنعْةِ اللهِ لا من صَنعْةِ البَشَرِ
ما أنسَ لا أنْسَ يوماً دُمتُ أذكُرُهُ / وَوَقْفةً عن يَمين الحَيِّ من مُضَرِ
بِتْنا على الرَمْلةِ الوَعْساءِ نَحسَبُها / بحراً تمَوَّجَ بالأنعامِ والنَّفَرِ
تَقضِي النَّهارَ بسُمْر الخَطِّ فِتْيَتُهُم / على السُرُوجِ وتَقضيِ اللّيلَ بالسَمَرِ
يبيتُ يَرْوي عن الكنِديِّ راويةٌ / لنا ونَرْوي لهُ عن شيخِنا العُمَري
يا أيُّها المَلأُ استَمْلُوا قَصائِدَهُ / وكُنْ منَ السُّكرِ يا صاحي على حَذَرِ
فيها شِفاءٌ وأُنسٌ يستعينُ بهِ / مَن كانَ منكم مرِيضاً أو على سَفَرِ
راحٌ ورَوْحٌ ورَيحانٌ ورائحةٌ / راحت بريح الصَّافي راحة السَحرِ
يَستَوقِفُ الرَكْبَ عن ماءٍ على ظمَأٍ / إنشادُها فيخُيِلُ الوِرْدَ في الصَدَرِ
قُطبُ العِراقِ الذي في الشَّام شُهرتُهُ / إلى الحِجازِ فأرضِ الفُرْسِ والخَزَرِ
إن كانَ يَبعُدُ وَجهُ الأرضِ عن قمرٍ / فليسَ تَبعُدُ أرضٌ عن سَنَى القمرِ
دَلَّت على فضلِهِ السَّامي رسائلُهُ / لَمَّا أتت فعَرفْنا العُودَ بالثَمَرِ
رَضيتُ منهُ على بُعدِ الدِّيارِ بها / والجُهْدُ يُرضِيكَ بَعدَ العينِ بالأثَرِ
يا طالما زارَني طَيفٌ تَعاهَدني / في النَّومِ حَتَّى لقد ألقاهُ في السَّهَرِ
تَبيتُ في جَنَّةٍ من طِيبِ رُؤيتهِ / عيني وقلبي مِنَ الأشواقِ في سَقَرِ
دُونَ الأحِبَّةِ أجبالٌ وأودِيةٌ / ومِثلُ ذلكَ عِندي دُونَ مُصطَبري
تَخُونُني الرِّيحُ في حَمْلِ السَّلامِ لهم / منّي وتَكتُمُ عنّي صادقَ الخَبَرِ
أستودعُ اللهَ رُوحاً في الهَوَى رَضِيَت / دُونَ النَّوَى بِقضاءِ اللهِ والقَدَرِ
يَشُوقُها كُلَّ يومٍ من أَحِبتها / سَمْعٌ وشَتَّانَ بينَ السمْعِ والنَظَرِ
وَيلاهُ من زَمَنٍ دارتْ دَوائِرُهُ / فما نَبِيتُ بهِ إلاّ على خَطَرِ
يَخلُو منَ الصَّفْوِ دَهراً في تَكَدُّرِهِ / فإنْ صَفا ساعةً لم يَخْلُ من كَدَرِ
لا يَستقِيمُ على عَهدٍ لِذي ثِقَةٍ / ولا يُقيمُ على وَصلٍ لِذي وَطَرِ
إذا اجتمعْنا فإنَّ البينَ غايتُنا / كالقَوسِ تَجمَعُ بينَ السَّهْمِ والوَتَرِ
بغدادَ أيَّتُها الرِّكابُ فبادِري
بغدادَ أيَّتُها الرِّكابُ فبادِري / نَهرَ السَّلامِ بِنَهْلةٍ من باكرِ
وإذا وَقفتِ على الرُّصافةِ فانشُدي / قلبي ولكنْ من لَظاهُ فحاذِري
هل تَحملينَ من المَشُوقِ تَحيَّةً / نَفَحَتْ بأرواحِ الخُزامِ العاطرِ
وَلْهانُ تَرعَى الطَّيفَ مُقلةُ نائمٍ / منهُ وتَرعَى النَّجْمَ مُقلةُ ساهرِ
ما كُلُّ مَن عَرَفَ المَحبَّةَ عارفٌ / حَقَّ المحبّةِ باطناً كالظَّاهرِ
هانتْ مَوَدَّةُ مَن أحبَّكَ أوَّلاً / حَتَّى تَراهُ ثابتاً في الآخِرِ
وأنا الذي ذَهَبَ الهَوَى بفُؤادِهِ / من حيثُ ليسَ على الرُجوعِ بقادرِ
أضحى يُعنِّفُ عاذلي حتَّى إذا / عَرَفَ الذي أهواهُ أمسى عاذِري
أهوَى الكريمَ من الرِّجالِ ولو على / سَمْعٍ بهِ إنْ كُنْتُ لستُ بناظرِ
وأُحبُّ آثارَ العُلومِ وأبتغي / صُحُفَ الأدِيبِ على نُضارِ التاجرِ
للنَّاس في ما يعشَقُونَ مذاهبٌ / يَذهبْنَ بينَ ميَامِنٍ وميَاسِرِ
في كُلِّ قلبٍ من حبيبٍ صَبْوةٌ / يَبلَى ويترُكُها لقَلْبٍ غابرِ
لا تَنتَهِي هِمَمُ الفتَى فإذا انقَضَى / وَطَرٌ تجَدَّدَ غَيرُهُ في الخاطرِ
أمَلٌ طويلٌ والحَياةُ قصيرةٌ / تَنْجابُ بينَ مَواردٍ ومَصادرِ
ولَقد بَكَيْتُ على الشَّبابِ وعَصرهِ / فأضَعْتُ دَمْعي خاسراً في خاسرِ
لا يَعرِفُ الإنسانُ قِيمةَ نِعمةٍ / حتى تَزُولَ فَيستَفيقُ كحاسرِ
يَمْضي بما فيهِ الزَّمانُ كأنَّهُ / لم يأتِ عندَ أصاغرٍ وأكابرِ
والشَّيخُ أشبَهُ بالغُلامِ كلاهُما / في زَعْمِهِ مولودُ يومٍ حاضرِ
جرَّبتُ أخلاقَ الزَّمانِ وأهلِهِ / فَعَرَفْتُ يومي قبلَ أمسِ الدَّابرِ
وصَبَرتُ لكنْ حيثُ لم يكُ في يدي / دَفعُ البَلاءِ فأينَ فضلُ الصَّابرِ
يا أيُّها الطَّيفُ المُعَلِّلُ مُهجتي / بمَواعدٍ يُبرِقنَ غيرَ مَواطرِ
إنْ كُنتَ لا تَبغي الوفاءَ فلا تَعِدْ / بُخْلُ الحريصِ ولا مِطالُ الغادرِ
كيفَ اهتدَيتَ إليَّ تحتَ دُجُنَّةٍ / تَطغى بها عينُ الشِهابِ السائرِ
أنتَ الخَيالُ تَزُورُ مثلَكَ في الضَّنَى / لو كانَ مِثلَكَ في خُفوقِ الطَّائرِ
هل تُبلِغُ الشَّيخَ الكبيرَ رِسالةً / من عاجزٍ جُعِلَتْ وكيلَ القاصرِ
نَقَّطتُها مِثلَ العَرُوسِ بأدمُعٍ / مِثلِ اللآلئِ فَهْيَ نظمُ الناثرِ
زُفَّت إلى من لا تَقُومُ بِبابهِ / لو عُزِّزَتْ بِبيانِ عبدِ القاهرِ
اللَوْذعيُّ الكاملُ الفَرْدُ الذي / أفعالُهُ يَغلِبْنَ قولَ الشاعرِ
أمَةٌ إلى عبدِ الحميدِ جَلَبتُها / ممَّا تَفَضَّلَ من كِرامِ حَرائرِ
قد سَهَّلتْ لي الشِّعرَ صَنْعةُ صائغٍ / تأتي فأُرجِعُها بصَنْعةِ كاسرِ
يا أيُّها البحرُ العَرَمْرَمُ لم نُصِبْ / لَكَ لُجَّةً فأصَبْتَنا بِجواهرِ
أسرارُ عَقْدٍ من لَدُنْكَ تَضمَّنتَ / إكسِيرَ حَلٍّ من صِناعةِ جابرِ
بَيني وبَيْنَك ذِمَّةٌ مَطْويَّةٌ / طَيَّ السِجِلِّ إلى المَعادِ النَّاشرِ
لم يُبقِ لي هذا الزَّمانُ ذَخيرةً / فَجَعْلتُها في القلبِ بعضَ ذخائري
قِفْ بالدِّيارِ وإنْ شجَاكَ المَوقِفُ
قِفْ بالدِّيارِ وإنْ شجَاكَ المَوقِفُ / وسَلِ المنَازلَ بَعدَنا مَن تألَفُ
وإذا عَثَرْتَ على فُؤادي بينَها / يوماً فَسَلْهُ إلى مَتَى يَتَخلَّفُ
رَبْعٌ صَرَفْتُ العَينَ عنهُ أشهُراً / والقلبُ عنهُ ساعةً لا يُصرَفُ
قد كانَ لي داراً فصارَت مُهجتي / داراً لهُ بفِنِائها يتَكنَّفُ
وبجانبِ الجَرْعاءِ قومٌ عِندَهم / ذِمَمٌ لَنا مَحفوظةٌ لا تُخْلَفُ
تَدنُو مَوَدَّتُهم على بُعدِ المَدَى / ويَزيدُ صِحَّتَها الزَّمانُ المُدنِفُ
إخوانُ صِدقٍ في الإخاءِ تَرَى لهم / كَلَفاً ولكن ليسَ فيهِ تَكَلُّفُ
ما زِلتُ أمزُجُ بالمدامعِ ذِكرَهُمْ / طَرَباً كما مُزِجتْ بماءٍ قَرْقَفُ
يا مَن جَلا عينَ البعيدِ برَسْمِ ما / كانتْ بهِ أُذُنُ القريبِ تُشنَّفُ
طِرسٌ على الأنفاسِ منكَ خَتَمتَهُ / سِرّاً فذَلكَ بالعَبيرِ مُغَلَّفُ
إنْ كُنتَ يعقوبَ المُحبَّ فنِعْمَ ما / تُدعَى ولكنْ ما حَبيبُكَ يُوسُفُ
أثَبتَّ لي في الوَصفِ ما لا أدَّعيِ / وعَرَفتَ لي في الحُبِّ ما لا أعرِفُ
هذِهْ صَحيفةُ من تَوَدُّ عُيُونُهم / لو أنَّها ضِمنَ الصحيفةِ أحرُفُ
كادتْ تَطِيرُ بها إليكَ صبابةٌ / فيها أرَقُّ مِن النَسيمِ وألطَفُ
جارَيَتني فسَبَقْتَني ولَطالَما / قد كُنتَ تَقْوَى في السِّباقِ وأضعُفُ
إنْ كُنتُ عن حَقِّ الوفاءِ مُقصِّراً / فالفضلُ في إنصافِ من لا يُنصِفُ
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ / فلاحَ الوَرْدُ تحتَ اليَاسَمينِ
وحَيَّتْ بالبَنانِ فسالَ دَمعي / فأرسَلها مُخضَّبةَ اليَمينِ
لَعُوبٌ بالقُلُوبِ تَحِلُّ فيها / فَتنزلُ مَنزلَ السِرِّ المَصُونِ
أُشَبِّهُ خالَ وَجْنتِها بنَقْطٍ / وقد شبَّهتُ حاجِبَها بنُونِ
مُمنَّعةٌ تَرُدُّ الكَفَّ عنها / وتَخدَعُ بالمَعاطفِ والعُيونِ
تَدُورُ على النُدامَى من يَديَها / أباريقٌ وكأسٌ من مَعينِ
فَدَيتُكِ غادةً نَخشَى سُيوفاً / لأُسْرَتها فنُقَتلُ بالجُفُونِ
حَسِبنا واوَ صُدغِكِ حرفَ عَطفٍ / على ألفٍ نَراها حرفَ لينِ
رَدَدتِ الشاهدَ المجروحَ قَلْبي / وما تَرضَينَ منّي باليمينِ
رُوَيدَكِ ما وَقَفتِ على إمامٍ / ولا شاهَدتِ دِيوانَ الأمينِ
أمينِ الدَولةِ الغرَّاءِ في ما / يُؤيّدُ رايةَ الحَقِّ المُبينِ
يُدَبّرُ كلَّ قُطرِ الشأمِ حَزْماً / بأوسَعَ منهُ قُطراً في الفُنونِ
لقد ألقى الرَصانةَ فيهِ حَتَّى / تهَابُ الريحُ إقلاقَ الغُصونِ
وهَذَّبَ كُلَّ نفسٍ فاستقامَتْ / على قَدَمِ الوَداعةِ والسُكونِ
رَسولٌ من بني الأتراكِ ظَلَّت / بهِ الأعرابُ تُوَعدُ مُنذُ حينِ
لهُ في مُعجِزاتِ الرأي فَيضٌ / كوَحْيٍ هابطٍ في طُورِ سِينِ
يُقيّدُ كُلَّ آبدةٍ ويَرمي / بِسهْمِ الظَنِّ في كَبِدِ اليَقينِ
إذا ما اعتَلَّتِ الدُّنيا شَفاهَا / طبيبٌ منهُ ذو عقلٍ ودِينِ
أيَا بحراً أتانا فَوقَ بَحْرٍ / مَتَى أبصَرتَ بحراً في سفينِ
صَفَوتَ فلم تُكدِّرْكَ اللّيالي / كأنَّكَ لَسْتَ من ماءٍ وطِينِ
ألحمدُ للهِ الذي خلَقَ الوَرَى
ألحمدُ للهِ الذي خلَقَ الوَرَى / لكنَّ حمدي قاصرٌ دُونَ الوَفا
الحمدُ للهِ الذي يَقضي بما / يَهوى ولكنْ لا مَرَدَّ لِما قَضَى
بِتنا نَلُومُ الدَّهرَ في أحداثِهِ / والدَّهرُ ظَرْفٌ بينَ صُبحٍ أو مسَا
ماذا تَرَى هذا الزَمانَ مَعَ الذي / خَلَق الزَمانَ ومَن على العَرْشِ استَوَى
اللهُ أكبَرُ كُلُّ ما فَوقَ الثَّرَى / فانٍ ويبقَى وجهُ رَبِّكَ لا سِوى
وإذا رأيتَ السُّخطَ ليسَ بِنافعٍ / ممَّا قَضاهُ فاعتَمِدْ حُسنَ الرِضَى
جِئنا إلى الدُّنيا وقد شابتْ على / غَصْبِ النُّفوسِ ولم تَدَعْ هِمَمَ الصِبا
لو كانَ يَبقَى قَبلَنا حَيٌّ بها / لَطَمِعتُ منها في السَّلامةِ والبَقا
نَمشي إلى المَوْتَى على أجسادِهمْ / في الأرضِ دارِسةً كمنثُورِ الهَبا
لو كانَ يُمكِنُ أنْ تُميِّزَ أرضَنا / لَوَجَدْتَ نِصفَ تُرابِها رِمَمَ البِلَى
هيهاتِ ما الدُنيا بِدارِ إقامةٍ / إلاَّ كما نَزلَ المُسافِرُ في الدُّجَى
تَصِلُ التَلاقِيَ بالفِراقِ ودُونَهُ / يأتي فِراقٌ ليسَ يَعقُبُه لِقا
ولَقد أقُولُ لراحلٍ عن رَبعِهِ / ماذا أخَذتَ وما تَرَكت مِنَ الحشَا
هذي القُلوبُ وَديعةٌ لكَ فارْعَها / يا خَيرَ مَن حفِظَ الوديعةَ والوَلا
مِنا السَّلامُ عليكَ حيثُ نَزَلْتَ مِن / شَرْقِ البِلادِ وغَرْبِها ولَكَ الثَّنا
تلك اليدُ البيضاءُ لو نَنَسى الذي / غَرَسَتْهُ ذَكَّرَنا بهِ غَضُّ الجَنى
لكَ عندَنا شوقٌ يطُولُ فهلْ لنا / صَبرٌ يطولُ عليهِ إنْ طالَ المَدَى
أوحَشتَ داراً كُنتَ تُؤْنِسُها فلو / كانتْ لها عَينٌ لَفاضَتْ بالبُكا
يا صَدرَ مَجلِسِنا الكريمَ ورأسَهُ / هل تَذكُرُ الأعضاءَ من بَعدِ النَوَى
يا صاحبَ القلبِ السليمِ وصاحبَ ال / وَجهِ الوَسيمِ كأنَّهُ عينُ الضُحَى
يا ساهرَ الطَرْفِ الجَليِّ وطاهرَ ال / عرضِ النَقّيِ كأنّهُ زَهرُ الرُبَى
يا أيُّها الشَهْمُ المُجَّربُ صاحبُ ال / خُلقِ المُهذَّبِ والإناءُ المُصطَفَى
ضاقَ الكلامُ بنا فهل من بَسطةٍ / تجري علينا منك يا قطر الندى
أعجزتنا عن شكرِ نعمتكَ التي / شهدت بصِحَّتها ملائكةُ السَّما
هل منكَ يا زَهرَ الحدائقِ نَفحةٌ / تُهدَى إلينا اليومَ مع رِيحِ الصَّبا
وعَسى عَمُودُ الصُّبحِ يُلقي فَوقَنا / ظُلَلاً مُضمخَّمةً بأرواحِ الشَذا
وخَزائنُ الأصدافِ تَنثِرُ بيننا / دُرَراً تُزَانُ بها المَعاصِمُ والطُلَى
نَقضي بها حَقَّ الثَناءِ لمن قَضَى / حَقَّ الإلهِ وخَلقِهِ حَقَّ القَضا
يا مَعشَرَ الأصحابِ أيُّ رِجالِكم / وَلَّى وأيُّ قلوبِكُمْ باقٍ هُنَا
لا تَحسَبُوا رَجُلاً على فُلكٍ ثَوَى / لكنَّهُ بحرٌ على بحرٍ مَشَى
هذا فِراقٌُ تَعلَمُونَ زَمانَهُ / أفتعلَمُونَ مَتى يكونُ المُلتَقَى
قد مالَ هذا البدرُ نحوَ غُروبِهِ / لكنْ سَيَطلُعُ فاسعِفُوهُ بالدُعَا
أعطَى مُحَّمدُ عِزَّةٍ من فَضلِهِ
أعطَى مُحَّمدُ عِزَّةٍ من فَضلِهِ / شَرَفاً لِساحَتِنا بوَطْأةِ نَعلهِ
قَسَمَ اسمَهُ السَّامي فنالَ مُحَمَّداً / منهُ وأعطَى عِزَّةً لمَحلِّهِ
هذا الوزيرُ وزيرُ سُلطانِ الوَرَى / وخليفةِ اللهِ العليِّ وظِلِّهِ
أخفَيتُ عن داري بِشارةَ وَفْدِهِ / كي لا تصفِقَ بالسُّرورِ لأجلهِ
يا زائراً بيتي أراك فَتَنْتَهُ / فَعَليكَ بَيتٌ غيرُهُ من مِثلِهِ
أجْلَلتَهُ عَنّي فصِرتُ أهابُهُ / حَتَّى كأنّي لم أكُنْ من أهلِهِ
طالَ ميِعادُنا فَخِلْناهُ دَهرا
طالَ ميِعادُنا فَخِلْناهُ دَهرا / هكذا الشَّوقُ يجعَلُ اليومَ شَهْرا
طالَ ميعادُ بَينِنا ونَسينا / أنَّ في دَهرنَا مَعَ العُسرِ يُسرا
قد حَلُمنا فأثمَرَ الحِلمُ صَبراً / وصَبرنا فأَثْمرَ الصَّبرُ شُكرا
لاحَ وَجهُ المُنَى ومن قَطعِ اللي / لِ فلا بُدَّ أن يُصادِفَ فَجْرا
جاءَ في الفُلْكِ من يَقِلُّ عليِه / فَلَكُ النَجْمِ وَهْوَ أوسَعُ صَدْرا
ليسَ بِدعاً في البحرِ أن يَحمِل الفُل / كَ ولكنْ في الفُلكِ يَحمِلُ بحرا
هُوَ بحرُ العُلُومِ مَن خاضَ فيهِ / ذاقَ ماءَ الفُراتِ واصطادَ دُرّا
ظَلَّ يُلقِي في قلبِهِ العِلمُ مَدّاً / وعلى وَجهِهِ السَكينةُ جَزْرا
بِيدَيهِ العَصا التي حيثُ ألقا / ها لكَيدٍ تلقَّفَتْ منهُ سِحرا
بينَ أغنامِهِ يَهِشُّ بها الرا / عي وفيها لهُ مآربُ أُخرَى
عالمٌ عاملٌ أديبٌ لَبِيبٌ / كاتبٌ خاطبٌ من الغَيثِ أجرَى
فِكرُهُ أعجَلَ اليَراعَ ففاضتْ / أسطُرٌ منهُ كُلَّما خَطَّ سَطْرا
قَلَمٌ ينفِثُ المِدادَ على الطِرْ / سِ وإنّي أراهُ يَعصِرُ خَمْرا
قَصُرَ الشِّعرُ دُونَ منَ يَغلِبُ الشِّع / رَ ولو أمطَرَتْ لنا السُّحْبُ شِعرا
هُوَ أدرى بعَجْزِنا عن ثَناهُ / فَهْوَ يَعفُو عَنّا ويَقبَلُ عُذرا
يا خَطيباً لهُ فُصُولُ خِطابٍ / قد ألانَت منَ المَنابِرِ صَخْرا
أينَ قُسٌّ من حَبْرِ عَصرٍ هُوَ المظْ / لومُ إن قِيسَ بالأيَّمِةِ طُرَّا
طابَ فيكَ الثَناءُ فاستَنْجَدَ النُّط / قُ يراعاً واستَنْجد النظمُ شَطرا
هذهِ النَظْرةُ التي كُنتُ أرجو / منكَ قِدْماً حتى قَضَى اللهُ أمرا
ذَهَبَ العُمرُ في التَعَلُّلِ بالآ / مالِ والدهرُ ليسَ يُخلِفُ عُمرا
لاحَ صُبحُ المَشيبِ في مَفرقِ كا / نتْ لهُ ظُلمةُ الشَّبابِ أبَرَّا
ذاكَ ضيفٌ لا يُستَحَبُّ لهُ الأُنْ / سُ ولكنْ بهِ الكَرامةُ أحرَى
مِن أقاصي الدُّنيا إلى الحَرَم الأَق / صَى بِكَ اللهُ أيُّها البَدرُ أسرَى
قد تَنَقَّلتَ في المَنازلِ حَتَّى / صَدَقَ الشِبْهُ إذْ دَعَوناك بَدرا
إنْ تأخَّرتَ مُدةً فالقَوافي / آخِرُ الشِّعرِ وَهْيِ أعلاهُ قَدْرا
قد تَوالَتْ مُقَدَّماتُ قِياسٍ / كُنتَ منها نَتيجةً حينَ تُقرَا
أنتَ فوقَ الذي أراهُ فعِندي / خَبَرٌ لا يُحِيطُ بالحَقِّ خُبرا
ضاقَ هذا الثَّناءُ عنكَ وضاقت / هِمَّتي عنهُ فاشتَكَتْ منهُ حَصْرا
إنّني قاصرٌ ضَعِيفٌ ومثِلي / يَبتغي من مَسافةِ الطُّرْقِ قِصْرا
ما بالُ مُوسَى بلا سَمْعٍ ولا بَصَرِ
ما بالُ مُوسَى بلا سَمْعٍ ولا بَصَرِ / فلا يُجيبُ الذي يَدعُوهُ في السَحَرِ
ما بالُهُ مُعرِضاً عَنّا أمِنْ مَلَلٍ / عَراهُ أم شَغَلتْهُ أُهْبَةُ السَّفَرِ
ما بالُهُ اليومَ مغلولَ اليَدينِ وقد / كانتْ يَداهُ كنَصْلِ الصَّارمِ الذَكَرِ
قد كانَ بالأمسِ مُوسَى في مَجالِسِهِ / يُروي صَدَى السَمْعِ أو يجلو صَدا النظرِ
ويَفصِلُ الأمرَ والألبابُ في دَهَشٍ / ويُفصِحُ القولَ والأفواهُ في حَصَرِ
ويلَتقي الوَفْدَ بالتَّرْحابِ مُبتَسِماً / كأنهم وَفَدُوا بالخَيْلِ والبِدَرِ
يا صاحبي زُرْ ثَرَى موسى الكريمِ وقل / يا أكرمَ التُرْبِ هذا أكرمُ البَشَرِ
أظماكَ حَرُّ دُموعٍ قد سُقِيتَ بها / حتى سَقَتْكَ الغَوادي باردَ المَطَرِ
هل كانَ قَبلَكَ من رَمْسٍ برابيةٍ / أضحَى ضَريحاً فأمسَى مَنزِلَ القمَرِ
أتاكَ تابوتُ مُوسى في مَحافلِهِ / يَسعَى كتابوت عَهْدِ اللهِ فاعتبِرِ
من كانَ يعلُو سُروجَ الخيلِ مُذهَبةً / قد زاركَ اليومَ بالألواحِ والدُسُرِ
وباتَ فيكَ فَريداً مَن مَجالِسُهُ / كانَتْ تَضِيقُ عنِ الأخلاطِ والزُّمَرِ
من كانَ أقرَبَ أهلِ الأرضِ مَنفَعةً / وكانَ أبعدَ أهلِ الأرضِ عن ضَرَرِ
وأوسَعَ الناسِ صَدراً في مَضايِقِهِ / وأجمَلَ الناسِ صبراً ساعةَ الضَجَرِ
القائلُ الحقَّ في سِرٍّ وفي عَلَنٍ / والفاعلُ الخيرَ في صَفوٍ وفي كَدَرِ
والمُستزيدُ بجوُدِ اللهِ خَشْيَتَهُ / فكُلَّما ازدادَ أمناً زادَ في الحَذَرِ
وكُلَّما ازدادَ مالاً زادَ مَكرُمةً / كالدَّوحِ ما ازدادَ غُصناً زادَ في الثَمَرِ
وكُلَّما ازدادَ من مَجْدٍ ومن شَرَفٍ / زادَتْ وَداعتُهُ في القَدْرِ والقَدَرِ
قد خُطَّ في قلبهِ ما كانَ مُنتقِشاً / في كَفِّ مُوسى على لَوْحٍ منَ الحَجَرِ
مَشَى على سَنَنِ الخَيراتِ من صِغَرٍ / حتّى استَمرَّ فكانتْ عادةَ الكِبَرِ
ما ذَمَّ قَطُّ ولا ذُمَّتْ خَلائقُهُ / يوماً فماتَ حميدَ العينِ والأثَرِ
كانتْ لنا عِبرةً آدابُ سيرتِهِ / واليومَ ما زالَ في الدُّنيا من العِبَرِ
رُكنٌ تَهدَّمَ في بيروتَ فاندَفَعَتْ / أهوالُ صَعْقَتِهِ في المُدْنِ والجُزُرِ
لَئِن رَثَيناهُ عن خُبْرٍ بمَوضِعِهِ / فكم رَثاهُ بعيدُ الدَّارِ عن خَبَرِ
هَوَى إلى التُرْبِ من أبراجِ عِزّتِهِ / واعتاضَ بالكَفَنِ البالي عن الحِبَرِ
قد كانَ يَقرِي المَلاَ من مالِهِ فغدا / يَقري هَوامَ البِلَى من جِسمِهِ النَضِرِ
هذا الذي تَعِدُ الأُمُّ البَنينَ بهِ / مُنذُ الوِلادةِ قبلَ الرَهْزِ في السُرُرِ
نعيشُ للموتِ إذ كانتْ وِلادتُنا / للموتِ فالعَيشُ في أيَّامنِا الأُخَرِ
لا يَترُكُ البَينُ عيناً غيرَ باكيةٍ / وليسَ يَترُكُ قلباً غيرَ مُنكسرِ
إذا وَرَدْنا حِياضَ العَيْشِ صافيةً / فأقَصرُ الوَقتِ بينَ الوِرْدِ والصَدَرِ
خَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ
خَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ / ومَضَى النَزِيلُ كأنَّهُ لم يَنزِلِ
والمَرْءُ في دُنياهُ يعرِفُ حاصلاً / فإذا مَضَى فكأنَّهُ لم يَحصُلِ
إنَّ الذي مَلأَ العُيُونَ بأُنسِهِ / مَلأَ القُلوبَ كأنَّهُ لم يَرحَلِ
في كُلِّ نادٍ منهُ ذِكرٌ يُجتَلَى / ولِكُلِّ عينٍ منهُ شَخصٌ ينجلي
يا نازلاً في الأرضِ أكرَمَ بُقعةٍ / إنَّ النزيلَ يَكونُ حَسْبَ المَنزِل
لم تَلقَ أهلاً للإقامةِ عِندَنا / فأقَمْتَ في القُدسِ الشريفِ بمَعزِلِ
لمَّا وَفْدتَ على الدِّيارِ تَعجَّبت / من بعثِ بُولُسَ قبلَ يومِ المَحفَلِ
أنتَ الخَليقُ بأنْ يَزُورَكَ ماشياً / مَن زارَ آثارَ الزَّمانِ الأوَّلِ
تَشْتاقُ طَلعَتُكَ المنابرُ كُلُّها / ويَرِفُّ من طرَبٍ جَناحُ الهَيكَلِ
وتَعافُ أرواحَ الكِباءِ وفَوقَها / لَكَ طيبُ أنفاسٍ كَعرْفِ المَنْدَلِ
نُهدي لصهيُونَ الهَناءَ كحُسَّدٍ / ولثَغرِ بيروتَ العَزاءَ كعُذَّلِ
ظَمأٌ تأجَّجَ في الرِّكابِ فعندما / وَرَدتْ أتاها الرِيُّ قبلَ المَنهَلِ
قَصُرَتْ ليالينا فكُنتَ بِدارنا / كمُسافرٍ لكنَّهُ لم يَعجَلِ
والوَردُ ليسَ يطُولُ عهدُ لِقائهِ / والبدرُ ليسَ بثابتٍ في مَنزلِ
والدَّهرُ بينَ النَّاسِ ليسَ بعادلٍ / والناسُ بينَ الدهرِ ليسَ بأعدَلِ
فانزِعْ إلى دارِ السَّلامةِ في النَّقا / وإذا مَرَرتَ على الحُصَيب فهَرْولِ
وإذا أتيتَ القَومَ فارِبضْ جانباً / وإذا استَطعتَ العيشَ وَحدَكَ فافَعلِ
إنْ قُلتَ وَيحكَ فافعلْ أيُّها الرَجُلُ
إنْ قُلتَ وَيحكَ فافعلْ أيُّها الرَجُلُ / لا يَصدُقُ القَولُ حتَّى يشهَدَ العَمَلُ
تقولُ أسلُو الهَوَى والعينُ داميةٌ / وأترُكُ الشَّوقَ والأنفاسُ تَشتعِلُ
ما زِلتَ تَهوى الطُّلَى حتى أقامَ على / فَودَيكَ من لَونِها ما ليسَ يَرتحلُ
إذا كَساكَ بَياضُ الشَّيبِ رائعةً / تضاحَكَتْ من هَواك الأعيُنُ النُجُلُ
هيهاتِ ليسَ لأيَّامِ الصِّبا عِوَضٌ / حَتَّى يكُونَ لهُ من نفسهِ بَدَلُ
هيَ الحياةُ التي أبقت لنا طَرَفاً / كالدَّارِ يَبقَى لَنا من بَعدِها طَلَلُ
لِكُلِّ كأْسٍ شَرابٌ يُستَحَبُّ لها / وكلُّ عَصرٍ لهُ من أهلهِ دُوَلُ
أليَومَ قامَتْ فتاةُ المُلكِ بارزةً / وقامَ من قبلِها أسلافُها الأُوَلُ
فَرْعُ الأُصولِ التي مَرَّتْ وبَهجتُها / إنَّ الثِّمارَ منَ الأغصانِ تُبتَذلُ
يُستحسَنُ المُلكُ فيها والخُضوعُ لها / وليسَ يَحسُنُ فيها الجُبنُ والبَخَلُ
باهَى الرِّجالُ نِساءَ الدَّهرِ وافتخروا / حَتَّى أتَتْ فأصابَ المُدَّعي الخَجَلُ
إذا صَفا لكَ نُورُ الشَّمْس في فَلَكٍ / فما الذي تَفرُقُ الجَوْزاءُ والحَمَلُ
بَقيَّةٌ من مُلُوكِ الدَّهرِ قد ذُخرَت / وأفضَلُ الشَّيءِ ما يُخبَى فيُعتَزَلُ
في قلبِها خاتَمُ التَقْوَى وفي يَدِها / من خَاتَم المُلكِ ما يَجري بهِ المَثَلُ
تُدبِّرُ الأمرَ في أقطارِ مَملَكةٍ / كأنَّ أطرافها القُصوَى لها حِلَلُ
في كلِّ نَجْدٍ لها غَوْرٌ تُمهِّدُهُ / وكلُّ سَهلٍ بهِ من خَوفِها جَبَلُ
قد أدَّبَتْ كُلَّ نفسٍ في جَوانِبها / حَتَّى تأدَّبَ فيها الصَقْرُ والوَعِلُ
تَلوِي الرِّياحُ مثاني الرَّملِ عاصفةً / حتى تُصِيب أراضِيها فتَعْتَدِلُ
قدِ التَقَى الدِّينُ والدُّنيا بساحَتِها / كما الْتَقَى الكُحْلُ في الأجفانِ والكَحَلُ
في ظِلِّها لِلوَرَى من كلِّ طارقةٍ / أمنٌ وفي قلبِها من رَبِّها وَجَلُ
إذا انثَنَى صَوْلَجانُ المُلكِ في يَدِها / تَحطَّمَتْ منهُ بِيضُ الهِندِ والأسَلُ
تصمِي بأهدافِها الرَّامي ولو رَشَقَتْ / بأسْهُمِ الشُهْبِ عن قَوسِ الهَوَى ثُعَلُ
لها منَ الرأْي جَيشٌ تحتَ رايتِهِ / جيشٌ به تأمُرُ الدُنيا فتَمْتَثِلُ
يَظَلُّ في البحر من إطباقِهِ لُجَجٌ / تعلو وفي البَرِّ من إخفاقِهِ زَجَلُ
إذا سَقَى القومَ كأساً من وقائعهِ / كفاهمُ النَهْلُ أن يُستأنفَ العَلَلُ
افدِي التي لَبِست من مجدِ دَوْلتِها / تاجاً فهانَ عليها الحَلْيُ والحُلَلُ
صانَ القريضَ عن الدَعوَى تفرُّدُها / بين الكرائمِ حتى ليسَ يُنتَحلُ
قد هاجَ إلاَّ عليها الخُلفُ غارقةً / فيهِ المُلوكُ ولم يَلحَقْ بها بَلَلُ
كالشَّمسِ بينَ بُدورٍ لا يُلِمُّ بها / نقصُ البدورِ ولا يغْتالُها الطَفَلُ
قريرةُ العينِ تَرعَى المُلكَ ساهرةً / على العِبادِ فنامَتْ حَوْلها المُقَلُ
لمُشكِلِ الرأيِ في أجفانِها قمرٌ / يَدنُو ولو أنَّه في بُعدِهِ زُحلُ
يا مَنْ دَعاني إلى صَوْغِ الثناءِ لها / من صِيتها قد دَعَتْني قَبْلَكَ الرُسُلُ
لا يَمنَعُ البعدُ جَدواها وشُهرتهَا / إنّ الدَرارِي إلينا ضَوْءها يَصِلُ