القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مصطفى صادق الرافعي الكل
المجموع : 347
زهَتهُ الملاحةُ حتى سفرْ
زهَتهُ الملاحةُ حتى سفرْ / وخلى الدلالَ لذاتِ الخفرْ
وباتَ يسامرُ أهلَ الهوى / وقدْ طابَ للعاشقينَ السمرْ
يحدثنا عن بني عُذْرة / ويروي لنا عن جميلٍ خبرْ
وليلى وعن حبِّ مجنونِها / وعمن وفى للهوى أو غدرْ
ويذكرنا فعلاتِ الردى / بأهلِ البوادي وأهلِ الحضرْ
كحظِّ السعيدِ إذا ما ارتقى / وحظِّ الشقيِّ إذا ما انحدرْ
أرى كل شيءٍ له آيةٌ / وآيةُ هذي الليالي العبرْ
فيا قمرَ الأفقِ ماذا الزمان / جيلٌ تخلَّى وجيلٌ غبرْ
ويومٌ يمرُّ ويومٌ يكر / فآناً نساءُ وآناً نُسرْ
بربكَ هل بالدجى لوعةٌ / فإن غابَ عنهُ سناكَ اعتكرْ
كغانيةٍ فارقتْ صبَّها / فأرختْ غليها حدادَ الشعرْ
إذا ما سهرنا لما نابنا / فما للنجومِ وما للسهرْ
أترثي لمن باتَ تحتَ الدجى / يُقَلِّبُ جنبيهِ حرُّ الضجرْ
على لوعةٍ يصطلي نارَها / وحرُّ الهوى في حشاهُ استعرْ
وقد بسطَ البدرُ فوقَ الثرى / بساطاً فنامَ عليهِ الزهرْ
إلى أن طوتهُ يمينُ الصَّبا / وقد بللتهُ عيونُ السحَرْ
وباحَ الصباحُ بأسرارهِ / فحجبتِ الشمسُ وجهَ القمرْ
كيفَ فؤادي والهوى شاغلٌ
كيفَ فؤادي والهوى شاغلٌ / يهيجهُ المنزلُ والنازلُ
ما زلتُ أخفيهِ وأخفى بهِ / في الناسِ حتى فضحَ العاذلُ
فعادنا المطلُ وعدنا لهُ / رحماكَ فينا أيها الماطلُ
كلُّ امرئٍ أيامُهُ تنقضي / لا أمل يبقى ولا آملُ
وما السنوغرافُ وما مثلتْ / إلا الصدى ينفلهُ الناقلُ
تُبعَثُ فيها أممٌ قد خلتْ / وتُجتلى في لندن بابلُ
كم مثلتْ من طللٍ ماثلٍ / فكادَ يحيى الطللُ الماثلُ
كأنَّ فيها للهوى منزلاً / فكلُّ قلب عندها نازلُ
تلهو بهِ غطبلةٌ خاذلٌ / وقد بكتْ عطبولةٌ خاذلُ
وعانقَ العاشق معشوقهُ / فاجتمعَ المقتولُ والقاتلُ
يا ويحَ نفسي هل رؤى نائمٍ / أم خطرةٌ ظنها غافلُ
لا تضحك الجاهلَ في نفسهِ / إلا بكى في نفسهِ العاقلُ
مواعظ مثلها هازلٌ / وربَّ جدٍّ جرهُ الهازلُ
كالنفسِ تنسى الهوى في لهوها / وليسَ ينسى الأجلُ العاجلُ
وهكذا الدنيا انتقاضٌ وما / يكونُ فيها فرحٌ كاملُ
تضربُ كالقلبِ شفَّهُ السقمُ
تضربُ كالقلبِ شفَّهُ السقمُ / كأن فيها الهمومَ تصطدِمُ
ذاتُ محيا أظلُ أقرأ من / خطوطهِ ما يخطهُ القلمُ
تذكرني ما يمرُ من عمري / فكلُّ يومٍ يجدُّ لي ندمُ
وليسَ إما سعتْ عقاربها / يدبُّ في غير مهجتي الألمُ
ولا إذا عجلت فجائعها / في غيرِ ضيقِ القلوبِ تزدحمُ
ما إن تراعي لأهلها ذمما / إن رعيت عند أهلها الذممُ
وما أراها سوى الزمان أما / يدورُ فيها النعيمُ والنقمُ
يا أختَ ذاتِ البروجِ هل حجبتْ / طوالعُ السعدِ هذهِ الظلمُ
وهل تعودُ الجدودُ ثانيةً / من بعدِ هذا العبوسِ تبتسمُ
وما أثبتَ الهمّ في الصدورِ إذا / أمستْ ليالي الحياةِ تنهزمُ
وردةٌ هبَّ في الريا
وردةٌ هبَّ في الريا / ضِ على الفجرِ طيبُها
عانقتها الصَّبا كما / ضمَّ خوداً حبيبُها
فرمتها من الزهورِ / عيونٌ تريبُها
تركنها من الضحى / في همومٍ تنوبُها
ثمم جفتْ عروقُها / وتجافتْ جنوبُها
وشكتْ في الهجيرِ من / زفراتٍ تذيبُها
فدعا روضها الأصي / لَ فوافى طيبُها
وشفاها بنسمةٍ / كان طبا هبوبُها
ساءلتْ عن مصابها / فتنادى يجيبُها
ليسَ تخلو مليحة / من عيونٍ تصيبُها
أرى عجباً إذا أبصرتُ قومي
أرى عجباً إذا أبصرتُ قومي / وما تخلو من العجبِ الدهورُ
صعاليكُ إذا ما ميزوهمْ / وكلٌّ في عشيرتهِ أميرُ
ومن يكُ أعوراً والقلبُ أعمى / فكلُّ الخلقِ في عينيهِ عورُ
فيا للهِ أي فتىً اراهُ / كما انعطفتْ بشاربها الخمورُ
كأنَّ قوامهُ غصنُ ولكنْ / تفتحَ فوقَ عروتهِ الزهورُ
كأنَّ ثيابهُ شدَّتْ عليهِ / كما لبستْ من الريشِ الطيورُ
فتحسبَ قدَّهُ فيهنَّ خضراً / وتحسنُ في المشدَّاتِ الخصورُ
كأن الحلي يبرقُ في يديهِ / لتكمدَ من تلألئهِ النحورُ
ألا أبقوا الحجابَ على الغواني / قد اشتبهَ الحمائمُ والصقورُ
ألا لا تلمهُ اليومَ أن يتألما
ألا لا تلمهُ اليومَ أن يتألما / فإن عيونَ الحي قد ذرفتْ دما
رأى من صروفِ الدهرِ في الناسِ ما أرى / وعلمه الدهر الأسى فتعلما
ولم يكُ ممن يملكُ الهمُ قلبَهُ / ولكنْ أتاهُ الهم من جانبِ الحمى
هنالكَ حيٌّ كلما عنَّ ذكرهُمْ / تقسمَ من أحشائهِ ما تقسما
يمثلهم في قلبهِ كلُّ لاعجٍ / وترمي بهِ ذكراهم كل مرتمى
فمن مرسلٍ عينيهِ يبكي وقد جرتْ / مدامعهُ بينَ الغضا لتضرما
ومن واجدٍ طاوٍ على حسراتهِ / ولو انها في شامخٍ لتهدما
ومن ذي غنىً يشكو إلى الله أمرهُ / وقد باتَ محتاجاً إلى الناسِ معدما
ومن ذاتِ خدرٍ لم تجدْ غيرَ كفِها / نقاباً ولم تترك لها النارُ محتمى
جرتْ في مآقيها الدموعُ غفيفةً / وقد كشفتْ للناسِ كفاً ومعصما
وباتتْ وباتَ القومُ عنها بمعزلٍ / مناجيةً رباً أبرَّ وأرحما
وعذراء زفتها المنونُ فلم تجدْ / سوى القبر من صهرٍ أعفَ وأكرما
فحطَّتْ أكفَّ الموتِ عنها لثامها / وهيهاتَ بعدَ الموتِ أن تتلثما
ومن والدٍ برٍّ وأمٍّ رحيمةٍ / تنوحُ على من غالهُ الموتُ منهما
فجيعانِ حتى لا عزاءَ سوى الرِّضا / وكانَ قضاءُ اللهِ من قبلُ مبرما
فإن رأيا طفلاً تجشمتِ البكا / على طفلها بعدَ الرضا وتجشما
وإن هجعا أرضاهما الوهمُ في الكرى / وساءَهما بعد الكرى ما توهما
ووالدةٌ ثكلى وزوجٌ تأيمتْ / ومرضعةٌ حسرى وطفلٌ تيتما
وقومٌ وراءَ الليلِ لا يطرقُ الكرى / عيونهمُ إن باتتِ الناسُ نوّما
فمن مطرقٍ يروي الثرى بدموعهِ / كأنَّ الثرى يشكو إليهِ من الظما
ومن طامحٍ للأفقِ حتى كأنهُ / على العدمِ يستجدي من الأفقِ أنجما
حنانيكَ يا رباهُ كم باتَ سيدٌ / يمدُّ يديهِ يسألُ الناسَ مطعما
وكم من أشمِّ الأنفِ أرغمَ أنفهُ / وما كانَ يوماً يطرقُ الرأسَ مرغما
إذا همَّ بالتسآلِ أمسكَ بعدها / حياءً فلم يفتح بمسألةٍ فما
وكم من فتىً غلتْ يداهُ عن العلا / وقد كانَ مجدولَ الذراعينِ ضيغما
أتتهمم وراءَ النارِ كلُّ فجيعةٍ / تسوقُ لهم في ميت غمرٍ جهنما
إذا عصفتْ شدَّت إلى الناسِ شدّةً / فلم تبقَ بينَ البائسينَ منعما
وإن زفرتْ شابَ الوليدُ لهولها / وكانَ خليقاً أن يشيبَ ويهرما
يحومُ عليها الموتُ من كلِّ جانبٍ / وقد نطرَ الأرواح أقبلتَ حوّما
فلو كانَ يستسقى الغمامُ بمثلها / لأغرقنا من صيّبِ الغيثِ ما هما
سلامٌ على تلكَ الديارِ وقد غدتْ / طلولاً تناجيها الدموعُ وأرسُما
فكم طللٍ قد باتَ يرثي لصحبهِ / ولو أنهُ استطاع الكلامَ تكلما
وكم منزلٍ قد باتَ قبراً لأهلهِ / وباتوا بهِ جلداً رفاةً وأعظما
سلامٌ على الباكينَ مما دهاهم / على حينِ لا تجدي دموعُ ولا دما
سلامٌ عليهم إن في مصرَ عصبةٌ / سراعاً إلى دفعِ الردى أين خيّما
فكم فرجوا عن كلِّ نفسٍ حزينةٍ / فما غبسَ المحزونُ حتى تبسما
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ / فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها / أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها / فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي / تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها / فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ / رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي / وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ / وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ / كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ / كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ / قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ / أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ / فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً / وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى / فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ / فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى / دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا / وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى / سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني / لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ / بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها / فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ / وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ / ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا / وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني / فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها / كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها / فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي / عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً / ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ
جارتي هل رأيتِ مثلي جارا
جارتي هل رأيتِ مثلي جارا / كلما جنهُ الظلامُ استجارا
ينثني مرةً على الكبدِ الحرّا / ويبكي على الفؤادِ مرارا
فأعيني على الأسى اليومَ وارعي / بيننا الودَ والهوى والجوارا
كيفَ تنأينَ والقلوبُ بكفيكِ / ولما تفكي هذهِ الأسارى
كلُ يومٍ تبلو العذابَ جديداً / وهي ليستْ تحبُ إلا اضطرارا
وإذا ما عذبت ذي العين بالما / ءِ فكيفَ استحقَّ ذا القلبُ نارا
أمهليني أذرُّ المدامعَ حيناً / إن في أعيني دموعاً غزارا
وبنفسي على الحبيبةِ عتبٌ / مثلَ هزِّ النسائم الأزهارا
ليتها حينما تجنَّتْ ولا ذنبٌ / جنيناهُ تقبل الأعذارا
كيفَ هامَ القطارُ حينَ رآها / أترى حسنُها استهامَ القطارا
ليسَ في قلبهِ سوى الشوقِ لكنْ / كتم الدمعَ فاستحالَ بخارا
وإذ صاحَ صيحةَ الببنِ فينا / تركَ العاشقينَ طرّاً حيارى
سارَ يطوي جوانبَ الأرضِ طياً / ولو اسطاعَ أن يطيرَ لطارا
كزمانِ الصبا وونومي إذا نم / تُ وطيفِ الحبيبِ ليلةَ زارا
أو كمعنىً يمرُّ بالفكرِ لا ينقا / دُ أو مثلِ خاطري لا يُجارى
وكأنَّ البلادَ أرسلنَ منهُ / مثلاً راحَ بينها سيَّارا
يا شبيهَ الدجى إذا غابتِ الشم / سُ انطلق سالماً وقيتَ العشارا
لو درى الأفقُ أنها فيكَ ما أط / لعَ شمسُ الضحى لئلا تغارا
سوفَ تأسى كما أسيتِ إذا ما / آنستَ أهلها وتلكَ الديارا
وسرورُ الفتى غرورٌ إذا كا / نَ يرى ما يسرُّهُ مستعارا
ليتَ شعري أنافعي اليومَ أني / لا أرى كالذي ترى أشعارا
تحسبُ الناسُ أن تلوها سكارى / قد حسوها وما همْ بسكارى
وإذا ما أشدتَها الفجرَ يوماً / سحرَ الفجرَ حسنُها فاستطارا
ورأيتُ النجومَ غارتْ حياءً / وسمعتُ الهزارَ يُشجيْ الهزارا
إن عدمنا الناس من يسعدُ النا / سَ فإنا لم نعدم الأطيارا
يا ليالي الفراقِ كوني طوالاً / داجياتٍ أو مشرقاتٍ قصارا
ما لمنْ فارقَ الحبيب جفونٌ / تعرفُ الليلَ بعدهُ والنهارا
والذي يعشقُ الحسانَ إذا سرَّ / تْهُ دهراً أسأْنهُ أدهارا
والأماني يسعى لها الناسُ لكنْ / أنهكَ الحظُ دونها الأغمارا
ارى في ذلكَ الثغرِ
ارى في ذلكَ الثغرِ / طِلاً وشفاهكِ الكاسُ
فإنْ جدْتِ شفيتُ وإن / بخلتِ أمضَّني الياسُ
وأحلى الحبِّ ما كانَ / ولم يعلم بهِ الناسُ
أترى زمانُكِ بالحمى سيعادُ
أترى زمانُكِ بالحمى سيعادُ / أم طولُ دهرٍ كما نوى وبعادُ
سارتْ فما لبثَ الفؤادُ كأنما / بينَ الفؤادِ وبينها ميعادُ
ودَرَتْ عيوني بعدها كيفَ البكا / ودرى بعيني بعدها التسهادُ
وحسدتُ واشيها إذا استمعتْ لهُ / فعرفتُ كيفَ توجعَ الحسادُ
للهِ أيُّ مدامعٍ من بعدها / تجري وأيُّ لوعةٍ تنقادُ
كدنا نُجَنُّ وقد تأهبَ أهلُها / وجننتُ لما ودَّعوا أو كادوا
لو أنهم زموا النياقَ لسلمتْ / عينٌ وودَّعَ جانبيهِ فؤادُ
لكن جرى بالبينِ فيما بيننا / برقٌ لهُ في مرِّهِ إرعادُ
يتخطفُ الأرواحَ والأجسادَ أنْ / عرضتْ لهُ الأرواحُ والأجسادُ
ويفرقُ الشمل الجميع فإن دها / لم يمهلِ الأحبابَ أن يتنادوا
متضرمُ الأحشاءِ لا من لوعةٍ / لكنما استعرتْ بهِ الأكبادُ
كالقصرِ فيهِ لكلِّ خودٍ حجرةٌ / ولكلِّ صبٍّ مضجعٌ ووسادُ
وانهُ إذ أشرقتْ منه المهى / فلكٌ تحففَ حولهُ الأرصادُ
وكأنهُ أبراجَ السما حجراتُها / في كلِّ برجٍ كوكبٌ وقادُ
لو لم يكن للبينِ فيهِ علامةٌ / ماكانَ فيهِ من الغرابِ سوادُ
يا سعدُ هذا عصرُنا فدعِ النيا / قَ يشفها الإتهامُ والإنجادُ
واهجرْ حديثَ الرقمتبنِ وأهلهُ / بادتْ ليالي الرقمتينِ وبادوا
واذكر أحبتنا الذينَ ترحلوا / ولو أنهم رحموا القلوبَ لعادوا
أني أراهمْ كلما طلعتْ ذُكا / أو مالَ غصنُ البانةِ الميادُ
أو لاحَ لي قمرُ السما أو أثلعتْ / بينَ الرياضِ من الظِّبا الأجيادُ
ولقد رأيتُ لحاظهم مسلولةً / يومَ انتضتْ أسيافَها الأجيادُ
تلكَ السيوفُ وما سواءٌ في الهوى / ما تحملُ الظبياتُ والآسادُ
أتراهمْ ذكروا هوايَ وقد جفا / ذاتَ الجناحِ على الغصونِ رقادُ
فبكتء على شجنٍ ورجَّعتِ البكا / وتمايلتْ جزعاً لها الأعوادُ
أم يذكرونَ هوايَ إن قيلَ انقضى / أجلُ المريضِ وخفتِ العوادُ
بخلوا وجدتُ كأنما خُلقَ الهوى / وعليهِ من ظلمِ الفراقِ حدادُ
واسألهُ هلْ لهمْ إليهِ مرجعٌ / ولذلكَ الزمنِ القديمِ معادُ
فعسى يجيبكَ أني أرعى لهُ / عهدَ الودادِ وللقصورِ ودادُ
ولعلهُ يحكي تنهدَها فقدْ / يحكي الجمادُ الصوتَ وهو جمادُ
قمرٌ أطلعتْ أخاهُ السماءُ
قمرٌ أطلعتْ أخاهُ السماءُ / وغزالٌ ما شابهتهُ الظباءُ
إن رنا يفضحُ النسا وإن قي / ل تأبى تغارُ منه النساءُ
يدعي البانُ قدَّهُ وتثني / هِ وما البانُ والقدودُ سواءُ
ويرى الوردَ أنهُ مثلُ خدي / هِ وتأبى خدودهُ الحمراءُ
هلْ سبيل إلى لقاهُ وإن لم / يشف ما بي من الغرامِ اللقاءُ
فأناجيهِ مثلما عردَ الطي / رُ وناجتْ أليفها الورقاءُ
يا مليكَ الهوى اتقِ اللهَ في النا / سِ فقد قطعَ القلوبَ الجفاءُ
إن تكن راعي المحاسن فينا / فأنا من رعيتي الشعراءُ
يا طيرُ ما للنومِ قد طارا
يا طيرُ ما للنومِ قد طارا / وما قضينا منهُ أوطارا
كأن هذا السهدَ لا يأتلي / يطلبُ من أجفاننا ثارا
إن كنتَ ظمآنَ فذي دمعي / تفجرَتْ في الأرضِ أنهارا
أو كنتَ ذا مسبغةٍ فالتقط / حبةَ قلبي كيفما صارا
أو كنتَ مشتاقاً فكن مثلنا / على الهوى يا طير صبارا
وجارني إن كنتَ لي صاحباً / فإن خيرَ الصحبِ من جارى
يا طيرُ كم في الحبِّ من ساعةٍ / تخالُ فيها العمرَ أعمارا
إن قلتُ تلهيني بها فكرةٌ / جرت على الأفكار أفكارا
أو قلتُ أنساها أقامَ الهوى / من حرها في القلبِ تذكارا
والصبُّ ما ينفكُّ في حيرةٍ / تزيدُهُ حزناً وأكدارا
ما لي أرى الأطيارَ نواحةً / كأنما فارقنَ أطيارا
وما لأغصانِ الرُّبى تلتقي / كأنما يبثثنَ أسرارا
فاسأل نسيمَ الصبحِ إن مرَّ بي / هل حملتهُ الغيدُ أخبارا
وسلْ عن الديارِ ويا ليتني / أزور يوماً هذهِ الدارا
كأنها الجنةُ لكنني / أبطنتُ من وجدي بها النارا
سماؤها مطلعةٌ أنجما / وأرضُها تطلعُ أقمارا
وكمْ بها من أكحلٍ إن رنا / سلتْ لكَ الأجفانُ بتارا
وإن مشى يخطرُ في تيههِ / هزَّت لكَ الأعطافَ خطارا
لا أنكرُ السحرَ وذا طرفهُ / أصبحَ بينَ الناسِ سحَّارا
يا فاتنَ الصبِّ على رغمهِ / والمرءُ لا يعشقُ مختارا
طوراً بنا هجرٌ وطوراً نوىً / أهكذا نخلقُ أطوارا
لو شبهوا بدرَ السما درهماً / لشبهوا وجهكَ دينارا
وكم درارٍ فيكَ نظَّمتُها / تجلُّ أن تحسبَ أشعارا
لو أن بشاراً حكى مثلها / أعطوا لواءَ الشعرِ بشارا
لاحتْ لنا والشمسُ من غيظها / قدْ ضرجتْ أثوابها بالدمِ
فاتنةٌ من بخلها لم تزلْ / وجنتُها معصورةً في الفمِ
فما أراها راهبٌ راهباً / إلا شكا المغرمُ للمغرمِ
بأبي أنتَ يا غزالُ وروحي / وفؤادي ونورُ عيني وعيني
أنتَ كالبدرِ حين يطلعُ لكنْ / في سوادِ القلوبِ والمقلتينِ
لو رآكَ الذينَ قالوا ثلاثٌ / بعدَ وهنٍ لثلثوا القمرينِ
خفقَ الحلي فوقَ صدركَ والقل / بِ فهل أنتَ مالكُ الخافقينِ
وأرى السحرَ في العيونِ فهل جئ / تَ بها بابلاً إلى الساحرينِ
وبخديكِ جنتانِ ولكنْ / في فؤادي لظىً من الجنتينِ
يا قضاةَ الغرامِ في أيِّ شرعٍ / أن يحولوا بينَ الحبيبِ وبيني
في يدكمْ غريمٌ ظبي من الغر / بِ سبى المشرقينِ والمغربينِ
فاتقوا اللهَ في قتيلٍ حبيبٍ / حسنٍ طُلَّ دمهُ كالحسينِ
سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا
سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا / فمن يدلُّ على أجفاني الوسنا
أرعى كواكِبها حتى إذا أفلتْ / ألقيتُ للطيرِ في تحنانها الأذنا
واسألِ الحبَّ عن روحي وعن بدني / فلا أرى لي لا روحاً ولا بدنا
وما نظرتُ لأعضائي وقد بليتْ / إلا حسبتُ ثيابها فوقَها كفنا
يا من يعزُّ على نفسي تدلله / كم ذا أكابدُ فيكَ الذلَّ والوهنا
دروا بما بي ولولا الدمعُ كانَ دما / لما تظنوهُ إلا عارضاً هتنا
وربَّ ذي سفهٍ قد هبَّ يعذلُني / فقالَ أنتَ الفتى المضنى فقلتُ أنا
وهل أخافُ على سرِّ الهوى أحداً / وقدْ خلقتُ على الأسرارِ مؤتمنا
فدع غرامكَ يطويني وينشرني / ودعْ عذولي يطوي جنبهُ الضغنا
من كان مثلي لم يحفلْ بمثلهمُ / ومن أحبَّ استلانَ المركبَ الخشنا
كأنما الحسنُ أمسى فيكَ مجتمعاً / فأينما نظرتْ عيني رأتْ حسنا
وإن تكنْ للعاشقينَ فما / يزالُ أمرُ الهوى في ما بيننا فتنا
فاسأل محياكَ كم أخجلتَ من قمرٍ / وسل قوامكَ ذا المياسِ كم غصنا
وكم يبيعكَ أهلُ العشقِ أفئدةً / وأنتَ لا عوضاً تعطي ولا ثمنا
فيمَ اقتصاصكَ في قلبي تعذبني / وما جنيتُ ولا قلبي عليكَ جنى
أما كفاني ما ألقاهُ من زمني / حتى أغالبَ فيكَ الشوقَ والزمنا
إني وإياكَ كالمنفيِّ عن وطنٍ / أيُّ البلادِ رأى لم ينسهِ الوطنا
وما أطافَ بقلبي في الهوى أملٌ / إلا بعثتَ عليهِ الهمَّ والحزنا
ليهنكَ اليومَ أني ممسكٌ كبدي / وإنها قطعٌ تجري هنا وهنا
وفي الجوانحِ شيءٌ لستُ أعرفهُ / لكنْ أهل الهوى يدعونهُ شجنا
يبيبتُ ينبضُ قلبي من تقلبهِ / حتى إذا ذكروا من هاجهُ سكنا
فهلْ رثيتَ لمن لو بثَّ لوعتهُ / معَ الصباحِ لأبكى الطيرَ والفننا
وهل تعللنا يوماً بموعدةٍ / وإن تكن لا تفي سرّاً ولا علنا
أوأن نفسي على كفيكَ لانحدرتْ / ولو دفنتُ لما باليتَ من دُفنا
وذو الشقاوةِ مقرونٌ بشِقْوَتهِ / أنى تقلبَ جرتْ خلفهُ المحنا
خداكِ يا ذاتَ العيو
خداكِ يا ذاتَ العيو / نِ الغائراتِ النُّعَّسِ
كالوردِ إلا أنهُ / يحميهِ لحظُ النرجسِ
أما وقدُّكِ وهو من / تلكَ الغصونِ الميسِ
وشفاهكِ الحمراءُ والخم / رُ الذي لم احتسِ
إني إذا رقصَ القوا / مُ ومالَ تحتَ السندسِ
ونظرتُ ثغركِ ضاحكاً / وبقيتِ لي لم تعبسي
وسقيتني راحَ الهوى / من غيرِ تلكَ الأكؤسِ
لأرى الكواكبَ خادما / تي كالجواري الكنَّسِ
وأظنني بينَ الملو / كِ مليكَ كلِّ الأنفسِ
وأرى بحبكِ كلَّ آن / سٍ حاضراً في مجلسي
قالتْ سألتُ الورد عن وجنتي
قالتْ سألتُ الورد عن وجنتي / يوماً ووجناتي عن الوردِ
فقالَ لي خدي أنا وردةٌ / ثمَّ انتمى الوردُ إلى خدي
أهديتُ ذا الحسنِ وردا
أهديتُ ذا الحسنِ وردا / وقلتُ مني إليكا
فقالَ يا شبهَ خدي / خدي يغارُ عليكا
هذا الدُّجى والهمُّ في صدري
هذا الدُّجى والهمُّ في صدري / كالفحمِ زادَ توهجَ الجمرِ
وكأن أنفاسي بها شعلٌ / طفئتْ من الأجواءِ في بحرِ
وكأنَّ أحزاني بها شررٌ / زحمُ الكواكبِ فهيَ لا تسري
يا ليلُ قطعتَ القلوبَ أسى / فابعث لها بنسائمِ الفجرِ
حتى م تطويني وتنشرني / خلقَ الردا بالطيِّ والنشرِ
ما طالَ عمركَ يا دجى أبداً / غلا ليقصرَ دونهُ عمري
فإذا قضيتُ وأنتَ ذو نفسٍ / فاخبا صباحكَ لي إلى الحشرِ
وإذا دجا ليلُ الحياةِ فدع / يا ليلُ مصباحاً على قبري
أنا والسما خصمانِ في قمرٍ / من حينَ أخجلَ بدرها بدري
حجبوهُ في ظلمٍ كما سدلتْ / ذاتُ الدلالِ غدائرَ الشعرِ
يا بدرُ لا تكمدْ وفيكَ ضنى / لكَ أسوةٌ بالجفنِ والخصرِ
وإذا احتجبتَ ففي الحجابِ هوى / وجمالُ ذاتِ الخدرِ في الخدرِ
هل كنتَ شاهدَنا ونحنُ كما / قرنَ الضميرُ السرَّ بالسرِّ
إلفانِ منطلقانِ في جذلٍ / وهما من الأشواقِ في الأسرِ
هذا لذاكَ هوى وذاكَ بذا / صبٌ كحاسي الخمرِ والخمرِ
ثغراً على ثغرٍ وأحسنَ ما / تجدِ الهوى ثغراً على ثغرِ
يا بدرُ كانتْ ليلةً ومضتْ / وقعَ العصافيرِ على الغُدرِ
بتنا ومن شفةٍ على شفةٍ / حيناً ومن نحرٍ على نحرٍ
أشكو ولا شكوى ويعذرني / بالحبِّ والحبُّ من العذرِ
مثلَ الحمامِ تباكياً وهوى / أما التقى الإلفانُ في وكرِ
هيهاتَ أرسلُ بعدَها أملاً / ضاعَ الرشاءُ اليومَ في البئرِ
يا من شفا عينَ الزمانِ وما / بصرَ الهوى إلا عمى الدهرِ
هبني كتاباً أنتَ مالكهُ / واقرأ ولو حرفينِ من صدري
وعلامَ تهملني وأنتَ ترى / واو الهجا حسبت على عمرو
إن الذين هجرتهم خُلقوا / كالنحلِ لا تحيا بلا زهرِ
فلئنْ تكنْ قد سُؤْتني زمناً / فالحبُّ ذو يسرٍ وذو عسرِ
يرجى الغنى للفقرِ وهو شقا / أفليسَ يرجى الوصلُ للهجرِ
إن تبتعدْ تقربْ إلى أملي / والدهرُ منعكسٌ بما يجري
وإذا قسوتَ تزيدُني طمعاً / كم يخرجُ الماءُ من الصخرِ
وبأضلعي قلبٌ أعللهُ / بالوعدِ أحياناً وبالصبرِ
من كانَ يجني الحلوَ من ثمرٍ / وأمرَّ فليصبر على المرِّ
لا تلم ذا الهوى على أن يبوحا
لا تلم ذا الهوى على أن يبوحا / هكذا العطرُ دأبهُ أن يفوحا
كيفَ تخفى بينَ العواذلِ نارٌ / ساورتها الرياحُ ريحاً فريحا
وسقامُ الهوى يلوحُ على العا / شقِ مهما أرادَ أن لا يلوحا
غلبَ الشوقُ أهلهُ فترى القو / مَ طريحاً قضى ونضواً طريحا
وكأنَّ الغرامَ حينَ شرى الأن / فسَ ألفى الكرامَ أرخصَ روحا
يا أخا الحبِّ ما ارى الحبَّ إلا / نظراً جارحاً وقلباً جريحا
ثم من عاشَ بعدَ ذلكَ فقد عا / شَ ليبكي مما بهِ أو ينوحا
وترى الطيرَ ربما قامَ بسعى / لحظةً بعدَ أن تراهُ ذبيحا
ليسَ هذا الهوى سوى سكرةُ المو / تِ فهيِّءْ للعاشقينَ الضريحا
يطمعُ النفسَ في الجمالِ فإمَّا / طمعتْ ألفت الجمال شحيحا
وهو بينَ العيونِ والقلبِ رسمٌ / كلما جالت اللواحظُ يُمحَى
آه ما أوجعَ الغرامَ وما أع / جبَ جسماً على الغرامِ صحيحا
لم أكدْ أعرفُ الصبابةَ حتى / برحتْ بي همومُها تبريحا
وألفتُ العناءَ حتى من الرا / حةِ عندي أن لا أرى مستريحا
وإذا ضاقتِ الحياةُ بنفسٍ / وجدتُ وادي المماتِ فسيحا
رأتهُ عيني فوقَ كرسيهِ
رأتهُ عيني فوقَ كرسيهِ / كالشمسِ أو أبهى من الشمسِ
مثلَ سليمانَ على عرشهِ / يحكمُ بينَ الجنِّ والأنسِ
فقالَ لي العاذلُ آمنتُ ما / أجحدُ فيهِ آيةَ الكرسي
ذاتُ ملكٍ طغتْ بها عزةُ المل
ذاتُ ملكٍ طغتْ بها عزةُ المل / كِ فلم ترعَ في هواها العبيدا
ظلمتهم وجاهدوا علمَ الل / هُ فمن ماتَ راَ فيها شريدا
هي غصنُ الرياضِ والزهرِ والور / دِ قواماً ونفحةً وخدودا
وهي شمسُ السماءِ والظبيةُ الغي / داءُ وجهاً ومقلتينِ وجيدا
ولها النهيُ في الهوى ولها الأم / ر وما كان موعداً ووعيدا
ليس في الحبِّ أن تشاءَ ولا في / قدرِ الحبِّ والقضا أن تريدا
إنهُ في الرقابِ مسكنةُ الده / رِ كما طوقَ الهوانُ اليهودا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025