القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعْتوق المُوسَوِيّ الكل
المجموع : 154
أفي طيِّ الصَّبا نشرُ التصابي
أفي طيِّ الصَّبا نشرُ التصابي / فقد نفحَتْ بنا روحُ الشبابِ
وهل طرقَتْ مجَرَّ ذُيولِ لَيلى / فقد جاءَتْ معطّرةَ الثّيابِ
وهلْ رشفَتْ ثناياها فأمسَتْ / تحدِّثُ عن رحيقٍ مُستطابِ
تمرّ بنا فتثنينا سُكارى / كأنّا لا نُفيقُ من الشّرابِ
كأنّ نسيمَها شكوى مَشوقٍ / أخي أدبٍ تلطّفَ بالعِتابِ
سَلوها هل لها وجدٌ بنجدٍ / فرقّتْ رقّةَ الصّبِّ المُصابِ
سقى نجداً وأهلِيه مُلِثٌّ / يُجاري رعدُه طولَ اِنتحابي
ولا برِحَ الزمانُ به ربيعاً / يطرّزُ زَهرُهُ حُللَ الرّوابي
زكيٌّ لا تَمَلُّ له اِنتِشاقاً / كأنّ هواهُ أنفاسُ الكعابِ
بموردِه لِصادي القلبِ رِيٌّ / كأنّ بمائِه بردَ الرُّضابِ
إذا برُبوعِه حزَناً مزَجْنا / لُجَيْنَ الدّمعِ بالذّهبِ المُذابِ
تسيرُ جُسومُنا فوقَ المطايا / وأنفُسُنا تسيلُ على التّرابِ
فكم من فاقدٍ فيه فؤاداً / وواجدِ مهجةٍ ذاتِ اِلتِهابِ
إلى نخلِ النّخيل تحنّ شوقاً / وترزُمُ تحتَنا خوصُ الرِّكابِ
ونلثِمُ من ثنايا الجِذْعِ برقاً / فنحسَبُهُ ثُغورَ بَني حِسابِ
بنفسي أسرةٌ أسروا رُقادي / وحلّوا بين قلبي والذّهابِ
سَراةٌ تُلحِقُ العِقبانُ منهم / بريشِ النّبلِ بيضاتِ العُقابِ
تهزُّ أكفُّهُم حيّات لُدْنٍ / وتمرحُ خيلُهم بأسودِ غابِ
إذا لبِسوا الدّروعَ حسِبْتَ فيها / نُجومَ الليلِ غَرقى في السّرابِ
فكم فيهم ترى قمَراً تجلّى / وشمسَ ضُحىً توارَتْ في حِجابِ
وصُبْحَ طلاً تستّرَ في خِمارٍ / وآخرَ قد تنفّس في نِقابِ
وراحاتٍ بدمعٍ أو نجيعٍ / مضرّجةً وأخرى في خِضابِ
وكم بخُدودِ نِسوَتِهم وأيدي / فوارسِهِم توقّد من شِهابِ
حوَتْ أفواهُهم خَمراً فصِيغَتْ / ثناياهم على نسَقِ الحَبابِ
يكادُ يعربِدُ المِسواكُ فيها / إذا منها ترشّفَ باللُعابِ
كأنّهمُ إذا سطعَتْ عليهم / مجامرُهُم شُموسٌ في ضَبابِ
تحنّ الساجعاتُ إذا تثنّوا / فتُؤثرُهم على القُضُبِ الرِّطابِ
همُ راحي ورَيحاني وروحي / وجنّاتي وإنْ كانوا عذابي
وعافيَتي وأمراضي وبُرْئي / وأفراحي وحُزني واِكتِئابي
تولّوا والصِّبا معهُم تولّى / فهل لهُمُ إلينا من إيابِ
إلامَ أطالِبُ الأيّامَ فيهم / فلم تسمعْ ولم ترْدُدْ جَوابي
أعوذُ من الزّمانِ ومن نَواهُم / بربِّ المجدِ والمولى المُهابِ
أخي الشرَفِ الرّفيعِ أبي حسينٍ / عليِّ المجدِ ذي الشيَمِ العُجابِ
مُبيدُ المالِ في بيدِ العَطايا / مُجلّي السّبْقِ في يومِ الطّلابِ
زكيُّ النفسِ محمود السّجايا / مُصانُ العِرضِ ممدوحُ الجنابِ
قديرٌ ذو قُدورٍ راسياتٍ / تُقابلُها جِفانٌ كالجوابي
فصيحٌ ما لمنطقِه شَبيهٌ / ولو حملَتْ به أمُّ الكِتابِ
شِهابٌ في الثّغورِ عليه تثني / بيومِ الحربِ ألسِنةُ الحِرابِ
تسيرُ جُيوشُه فتكادُ رُعباً / تميدُ الرّاسياتُ من الهِضابِ
تقابلُه البوارِقُ مُغمَداتٍ / وتصحَبُه السّحائِبُ في القِبابِ
به يَدري الخميسُ إذا رآهُ / سيحشرُه بأحشاءِ الذّئابِ
ويعتقدُ الهِزَبْرُ إذا اِلتقاهُ / بأنّ رِجامَه جوفُ الغُرابِ
إذا هزّ المثقَّفَ خلتَ فيه / جرى من بأسِه سُمُّ الحُبابِ
كريمٌ صاغَ من بيضِ الأيادي / خواتِمَهُ وأطواقَ الرِّقابِ
وحسّن بالنّدى وجهَ المعالي / وورّد خدّها بدمِ الضِّرابِ
ومن مِسكِ الغُبارِ أثارَ سُحباً / مخضّبةَ المَبارقِ بالمَلابِ
مكارمُهُ تسيرُ بكلِّ أرضٍ / كأنّ يمينَهُ حوضُ السَّحابِ
وأنعُمُه تعلّمُنا القوافي / فهذا الدُرُّ من ذاكَ العُبابِ
حلَتْ منه الطِباعُ فعزّ بأساً / فأصبحَ وهْوَ من شهدٍ وَصابِ
فأحدثَ في الورى نِعَماً وبؤساً / كذلك شيمةُ الغَيمِ الرّبابِ
يسوقُ إلى الوليِّ وليَّ فضلٍ / ونحوَ عِداهُ صاعقةَ العِقابِ
يرى عِقبانَ راياتِ الأعادي / إذا خفقَتْ كأجنحةِ الذبابِ
يفوق أبا السَّحابِ أباً وجوداً / إذا ما قيلَ ذا اِبنُ أبي تُرابِ
تزفُّ جيادَهُ العزَماتُ منه / زِفافَ النّملِ أجنحةَ العُقابِ
له عَضْبٌ بليلِ الخطْبِ فجرٌ / ونابٌ في النّوائِبِ غيرُ نابِ
تَصيدُ نِمالُه الأسْدَ الضّواري / ويقتنِصُ الجوارحَ بالذّبابِ
وآراءٌ كأسهُمِه نفاذاً / مفوّقةُ لإدراكِ الصّوابِ
وآثارٌ على دُهْمِ الليالي / حكَتْ غُرَرَ المسوّمةِ العِرابِ
ألا يا اِبنَ الأُلى شرُفوا وسادوا / على الدُنيا بفضلٍ واِنتسابِ
لقد فلّقْتَ هاماتِ الرّزايا / وقُدتَ أبيّةَ النّوَبِ الصِعابِ
وأثكَلْتَ الخزائِنَ فهْي تنعى / على الولدِ المقرَّطِ بالجِرابِ
خلَتْ دارُ النّدى فظهرت فيه / ظُهورَ الكنزِ في البلدِ الخَرابِ
ليَهنِكَ سيّدي عيدٌ شريفٌ / يبشّر عن صيامِكَ بالثّوابِ
فقابِلْ بالمسرّة وجهَ فِطْرٍ / تبسّم عن ثناياهُ العِذابِ
كأنّ لقاءَهُ لُقيا حبيبٍ / تعطّفَ زائِراً بعدَ اِجتِنابِ
وجلّى رونقُ البُشْرى هِلالاً / تصدّى كالحُسام بلا قِرابِ
هِلالاً شقَّ جيبَ الهمِّ عنّا / بمِخلبِه وضرّسَهُ بِنابِ
أخا كلَفٍ إذا رامَ اِنصرافاً / ثناهُ الشّوقُ وهو إليكَ صابي
أتاك على النّوى نِضواً طليحاً / كأنّ به إلى رؤياكَ ما بي
فدُمْ بالمجدِ ما حنّتْ قُلوبٌ / إلى الأوطانِ في دارِ اِغترابِ
ولا برِحَتْ أكُفُّ نداكَ تُجري / بنَثرِ الدُرِّ منظومَ الخِطابِ
ولا زالَتْ لك الأقدارُ تقضي / بما تهوى إلى يومِ الحِسابِ
قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها
قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها / فذَراها يأكلُ السّيرُ ذُراها
ودَعاها للحِمى داعي الهَوى / فدعاها فالهوى حيثُ دعاها
واِسقِياها من صَفا ذِكرِ الصّفا / وصِفا الخَيْفَ لها كي تُسكِراها
يا لها من أحرُفٍ مسطورةٍ / تسبِقُ الوَحيَ إذا الحادي تَلاها
ترتَمي شوقاً فلولا ثِقْلُ ما / في صُدورِ الرّكْبِ طارَتْ في سُراها
سُحْبُ صيفٍ قدْحُ أيديها الحصى / برقُها والرّعدُ أصواتُ رُغاها
كلّما حنّتْ لأرضِ المُنحنى / وكَلاها أقرحَ السَّوْقُ كُلاها
كم ترى من خلفِها من مروةٍ / وردَتْ أخفافُها بيضَ حصاها
سفنٌ تجري بأشباحٍ غدَتْ / معها غَرقى بطوفانِ بُكاها
ذاتُ أنفاسٍ حِرارٍ صيّرتْ / فحمةَ الظّلماءِ جَمراً في لَظاها
كلُّ ذي قلبٍ مَشوقٍ لم يزلْ / للمطايا زَجْرُهُ أوْهاً وآها
أسهُمٌ فوقَ سِهامٍ مثلها / لا يُصيبُ النُّجْحُ إلّا في خُطاها
تبتغي نَجماً بأطرافِ الحِمى / وهمُ همُّهُمُ بدرُ سَماها
أوشكَتْ تَعرُجُ فيها للسّما / إذ درَتْ قصدَهُم شمسُ ضُحاها
حيِّ أكنافَ الحِمى من أربُعٍ / ما سقَتْ أحياءَها المُزنُ حَياها
عرَصاتٌ عطّرَتْ أرجاءَها / بأريجِ المِسكِ أنفاسُ دماها
وبِقاعٌ قُدِّسَتْ لكنّها / نجّسَتْها الأُسْدُ في طَمْثِ ظُباها
ومغانٍ بالغواني لم تزل / غانياتٍ عن مصابيحِ دُجاها
سمكَ العزُّ بها أبنيةً / أفصحُ الأعرابِ ما ضمّ بِناها
كم ثَنايا في ثناياها دُجىً / مَبعَثُ الفجرِ إلَينا من كواها
جنّةٌ فيها اللآلي فُصِّلَتْ / واليواقيتُ ثُغورٌ أو شِفاها
ماؤها شهدٌ هَواها قرقَفٌ / طينُها العنبرُ والمِسْكُ ثَراها
كم بهِ بيتٍ غَدا مضمونُه / درّةً بيضاءَ من بيضِ ثَناها
وقَطوفٍ من جُمانٍ ذُلِّلَتْ / عزَّ كلَّ العزِّ مُستَحلي جَناها
يا بَني فهر سَلوا بَلقيسَكُم / كيف تَسبي مُهجَتي وهي سباها
واِسألوا أجفانَكُم عن صحّتي / فهي عنّا عوّضَتْ جِسمي ضَناها
وُرْقُ نجدٍ بعدَكم لي رحمةً / ندبَتْ شجواً ورقّتْ في ضَناها
وبكتْ لي وحشها حتّى محَتْ / كُحْلَها بالدّمعِ أحداقُ مَهاها
تلِفَتْ نفسي بكم إلّا شَفاً / والشِفاهُ اللُّعسُ لم يُمنَحْ شِفاها
هي تدري ما بها من نَبلِكُم / والعيونُ السّودُ تدري مَن رَماها
ويحَها كم تتّقي بأسَ الهوى / وعليٌّ كلَّ محذورٍ كَفاها
كفُّها كافِلُها عِصمَتُها / من أذى الدّهرِ إذا الدّهرُ دَهاها
كنزُها جوهرُها ياقوتُها / قوتُها قوّتُها خمسُ قَواها
زينةُ الدُنيا وأهلِيها معاً / طوقُها دُملُجها تاجُ عُلاها
ساعِدُ الهيجاءِ مُوري زندِها / سيفُها عاملُها قُطْبُ رَحاها
موسويٌّ عنده إذ لم تجدْ / نارَ موسى فيه إذ لاحَ هُداها
قد حكاها في اليدِ البيضا وفي / رُمحِه عن عزمِه سرُّ عَصاها
حيدريٌّ أوشكَتْ راحاتُه / تلتَظي نيرانُها لولا نَداها
غيثُ جودٍ لو أصابَتْ قطرةٌ / منه رَضْوى كان يخضرُّ صَفاها
ليثُ حربٍ أشفقَتْ أُسْدُ الشّرى / منه حتّى بايعَتْهُ في شراها
خائِضُ الحربِ الّتي نيرانُها / في التّلاقي تنزعُ الأُسْدَ شَواها
فالقُ الهاماتِ بالقُضبِ الّتي / حين تُنضى يفلِقُ اللّيلَ سناها
يحسَبُ البيضَ ثنايا خُرّدٍ / وعليها الدّم معسولَ لِماها
حازَتِ النّصرَ لها ألويةٌ / جعلت معكوسهُ حظَّ عِداها
كلّما كبّر في حَشْرِ وغىً / سبّح الصّفُّ لآياتٍ يَراها
سورةُ الرّحمن في صورته / كُتبَتْ بالنّورِ في لوحِ صَفاها
ملكٌ قد شرُفَ المُلكُ به / واِزدهى المنصِبُ والمجدُ تَناهى
طيّبٌ لو لم تصِلْ أخبارُه / شجرَ الكافورِ ما طابَ شَذاها
لو صَبا نجدٍ تلتْ في مدحِه / بَيتَ شِعرٍ لحكى العود غضاها
أو تغنّت وُرقُها في شِعرِه / هزّتِ الأعطافَ بالرّقْصِ رُباها
لسِنٌ كلُّ لآلٍ يدُه / فرّقَتْها هو في النُطْقِ حَواها
بحرُ عِلمٍ لجُّهُ من جعفَرٍ / قبَسٌ شُعلتُه من نُور طهَ
كم بروضاتِ القراطيسِ له / كلماتٌ تشبهُ الزّهرَ رَواها
علمُه نورٌ مُبينٌ للهُدى / ظلُماتُ النُّصْبِ بالنّصِّ جَلاها
جادَ في خَيرِ مَقالٍ صِدقُه / شُبهَ الباطلِ بالحقِّ مَحاها
طاهرٌ لو سبقَ الدّهرُ به / جاذبَ العِترةَ في فضلِ كِساها
سمِحٌ يبسُطُ للوفدِ يداً / تمّ معنى الجودِ فيها وتناهى
راحةٌ مبسوطةٌ لو مدّها / للسّما أمكنَها قبْضُ سُهاها
نارُها مشبوبةٌ في لجِّها / تقذِفُ العسجدَ أمواجُ لُهاها
ظُلِّلَتْ علياؤهُ في رايةٍ / تنسِفُ الأعلامَ في خفْقِ لِواها
رايةٌ منصوبةٌ في رفعِها / تنصبُ الأعداءُ في كيِّ جَواها
حائزٌ غُرَّ خِصالٍ زيّنَتْ / عطلَ الأيّامِ في حُسْنِ حُلاها
غبَطَتْها أنجُمُ الأفْقِ فَها / هيَ في الإشراقِ فيها لا تُضاهى
لو بأفكارِ اللّيالي خطرَتْ / بيّضَتْ أنوارُها سودَ إماها
يا عليَّ المجدِ لا زالَتْ بكُم / تشرقُ الدُنيا ولا زِلتُم ضِياها
ولدَتْكُم والنّواصي شُعلةٌ / فجرى في عودِها ماءُ صِباها
كانتِ الأيّامُ مرضى قبلَكُم / فاِستفادَتْ من معانيكُم دَواها
حسُنَتْ أوقاتُها فيكُم فلا / زلتُمُ يا رونَقَ الدّهرِ بَهاها
كلُّ أخبارِ المعالي والنّدى / عنكمُ صحّتْ ومنكُم مُبتداها
عِترةٌ قد صحّ عندي أنّها / ليس للأيّامِ أرواحٌ سِواها
سيّدي هُنّيتَ بالصّومِ وفي / بهجةِ الإفطارِ واِنعَمْ في هَناها
وتلقَّ العيدَ بالبِشْرِ فقد / جاءَ منكُم يجتدي قَدراً وجاها
أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى
أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى / أمَا تدري بعربدةِ السُّكارى
وتفتِنُكَ العُيونُ وما عهِدْنا / جريحاً قلبُه يهوى الشِّفارا
وتُغرَمُ في القُدودِ فهل طَعينٌ / هوى من قَبلِكَ الأسَلَ الحِرارا
وتُمسي في الذوائِبِ مُستهاماً / متى عشِقَتْ سلاسِلَها الأسارى
لَقَد فتكَتْ بنا الأجفانُ حتّى / شكَتْ ضعفاً لذلك واِنكِسارا
إلامَ بها نُلامُ ولا نُبالي / فتُوسِعُنا جِراحاً واِعتذارا
رأينا أنّ حبلَ الحُبِّ فينا / شُعورٌ فاِتّخذناها شِعارا
وهِمنا بالحِسانِ وما فهِمْنا / بَنات صُدورِها تلِدُ البَوارا
وهَبْنا العُذرَ للعُذّالِ لمّا / خلعنا في عذاراها العِذارا
علامَ عُيونُنا بالدّمع غَرقى / ومن وجناتهنّ تخوضُ نَارا
ونسألُ من مراشفهنّ ريّاً / وبردُ برودِها يُوري الأُوارا
تؤرّقُنا ذوائِبُها ولَسنا / نرى لدُجى لياليها قُصارى
فهل تدري بغايتها المداري / فقد ضاقَتْ على المرضى السّهارى
لعَمرُك ليس من حُمرِ المَنايا / سوى الوجَناتِ تسلبُنا القَرارا
إذا لشقائِنا الآجالُ طالَتْ / تخلّصها الخُصورُ لنا اِختِصارا
وإن كَهُم الرّدى يوماً فمنهُ / يسنُّ لقتلِ أنفُسنا الغِرارا
تُحاذِرُنا المَنايا السودُ جَهراً / وتأتينا العُيونُ بها سَرارا
بروحي جِيرةٌ جاروا وقَلبي / لديهِم لم يزَلْ بالحَيّ جَارا
مصابيحٌ إذا سَفَروا بليلٍ / حسِبْتَ ظلامَه لبسَ النّهارا
بُدورٌ بالخيام ذَووا شموساً / بشِبهِ البيضِ تحملُها الغُبارا
مرنّحةٌ معاطفُهم صُحاةٌ / تكادُ عُيونُهم تجري عُقارا
لَهم صورٌ كأنّ الحُسنَ صبٌّ / تأمّل طرفُه فِيهم فحارا
وألفاظٌ إذا المَخمورُ فيها / تَداوى طبعُه فقدَ الخُمارا
وأسنانٌ تُفدّيها اللآلي / بأكبرِها وإن كانت صِغارا
بأعيُنِهم يَجولُ السحرُ حتّى / نَثيرُ الكُحلِ تحسَبُه غُبارا
لشوقِ سَنا الصّباحِ إلى لِقاهُم / تنفّس حسْرةً ورمى جِمارا
إذا بقبابِهم سفرَتْ ظُباهُم / حسِبْتَ بُيوتَهم بِيَعَ النّصارى
سقَتْهُم أعينُ الأنواءِ دمعاً / يخُطُّ بخدِّ واديهم عِذارا
ولا درَسَتْ نوادي الحُسنِ منهم / ولا فصمَ البِلى منها سِوارا
همُ بالقلبِ لا بالخَيفِ حلّوا / وفي جمَراتِه اِتّخذوا دِيارا
أقاموا فيه بعدَ رحيلِ صبري / فأضحَتْ مُهجَتي أهلاً قِفارا
إذا خطَروا بِبالي فرّ شوقاً / فلوْ حملَتْهُ قادمةٌ لَطارا
أروحُ ولي بهم روحٌ تلظّتْ / إذا اِستضرَمْتَها قدحَتْ شَرارا
وأجفانٌ كسُحبِ نَدى عليٍّ / إذا اِستمْطرْتَها مطرَتْ نُضارا
حليفِ المكرماتِ أبي عليٍّ / أجلِّ الناس قدْراً واِقتِدارا
أعزُّ بني المُلوكِ الغُرِّ نفْساً / وأشجعُهُم وأمنعُهُم ذِمارا
وأنجدُهم وأطولهم نِجاداً / وأفخرُهم وأطهرُهم إزارا
أخو شرفٍ تولّد من عليٍّ / وبضعةِ أحمدٍ فزَكا فَخارا
تلاقى مجمعُ البحرِ فيه / وشاركَ هاشمٌ فيه نِزارا
هو النّورُ الّذي لولاه لاقَتْ / بُدورُ المجدِ في التِمِّ السِّرارا
مَحا إيضاؤهُ صِبغَ اللّيالي / فعسْجدَ لونَهنّ وكان قَارا
أتى الأيّامَ والأيّامُ غَضْبى / فأحدَثَ في مباسِمِها اِفتِرارا
ووافى والنّدى ثمِدٌ ففاضَتْ / مواردُه ولولاه لَغارا
رَسا حِلماً فقرّ الحوْزُ فيه / ولولا حِلمُهُ فينا لَمارا
بصهوةِ مهدِه طلبَ المَعالي / وقبلَ قِماطِه لبسَ الوَقارا
وحازَ تُقىً ومعروفاً وفضلاً / وأَقداراً وبأساً واِصطِبارا
وأصبحَ للعُلا بعْلاً كريماً / فأولدَها المَحامِدَ والفَخارا
غَمامٌ صافحَ البيضَ المواضي / فأحدثَ في جوانبِها اِخضِرارا
تكادُ الأرضُ يُنبِتُها حَريراً / حَيا كفّيْهِ لا شِيحاً وغارا
ويوشِكُ أن يعودَ النورُ تِبْراً / لوَ انّ الغيثَ نائلَهُ اِستَعارا
وروضٌ من حمائِلِه اِلتقطْنا / دنانيرَ العطايا لا العَرارا
حكى فصلَ الربيعِ الطّلق خُلقاً / وفاقَ بجُودِ راحتِه القِطارا
كَسا قَتْلى أعاديه شَقيقاً / وبرقَعَ وجهَ حيّهم بَهارا
وهزّ على الكُماةِ قُطوفَ لُدْنٍ / فدلّتْ من جَماجِمهم ثِمارا
وأحدثَ عهدُه فينا سُروراً / فأنبتَ في الخُدودِ الجُلّنارا
مُطاعٌ لو دَعا الصّفواءَ يوماً / سمعتَ لها وإن صُمّت خُوارا
جوادٌ في ميادينِ العطايا / ومِضمارِ الفصاحةِ لا يُجارى
فصيحٌ نُطقُه نَظماً ونثراً / يرصّعُ لفظُه الدُرَرَ الكِبارا
توَدُّ مِدادَهُ الأيّامُ تُمسي / بأعيُنِها إذا كتبَ اِحوِرارا
فكم في خطِّه من بِنتِ فكرٍ / لها نسجَتْ محابرُه خِمارا
ذُكاءٌ من سَناها كادَ يحكي / ظلامُ مِدادِه الشّفقَ اِحْمِرارا
له القلَمُ الّذي في كلّ سطرٍ / ترى في خطّه فلَكاً مُدارا
يمجُّ على صباحِ السّطْرِ ليلاً / تكَوكَبَ في المعالي واِسْتَنارا
وأشرقَ منه في أندى يَمينٍ / فلجّجَ في أناملِها وسارا
ومَنْ يسعى إلى طلبِ المعالي / فلا عجبٌ إذا ركبَ البِحارا
يراعٌ روّعَ القُضُبَ المواضي / فأثبتَ في تقوّمِها اِزوِرارا
ترى ثُعبانَه الأفلاكُ تسعى / فيخفِقُ قلبُ عقرَبِها حذارا
يردُّ حُسامَ جَوْزاها كَهاماً / ويطعنُ في عُطاردِها اِحتِقارا
مؤيّدُ ملّةِ الإسلامِ هادٍ / إذا ضلّ الهُداةُ ولا مَنارا
له كُتبٌ يعِزُّ النّضبُ عنها / إذا شنّت كتائِبُها مُغارا
حكَتْ زَهر الرّياضِ الغضّ حُسناً / ونشْرَ المِسكِ طيباً واِنتِشارا
وفَاقَتْ عينَ تسنيمٍ صفاءً / وعينَ الشمسِ نوراً واِشتِهارا
فواصلُها سُيوفٌ فاصلاتٌ / وهَدْيٌ بالضّلالةِ لا يُمارى
من الدّيباجِ ألبسَها ثِياباً / وصاغَ من النُضارِ لها فِقارا
إذا في إثْرِها الأفكارُ سارتْ / لتُدرِكَ ثارَها وقَفَتْ حَيارى
فنورُ مُبينِها جمْعُ الدّراري / وخيرُ مَقالِها الدُرَرُ النِثارا
وفي نُكَتِ البيانِ أبانَ فضلاً / بمُختَصرٍ حوى حِكَما غِزارا
كتابٌ كُلُّ سِفرٍ منه سِفرٌ / من الإقهارِ في الأقطارِ دارا
فلو أمُّ الكتاب أتَتْ بنجلٍ / لقُلنا فيه قد حملَتْ قِصارا
إذا وَرَدَ العِدا منه كتابٌ / توعّدَهُم به طلَبوا الفِرارا
كأنّ كتابَهُ جيشٌ علَتْهُ / دُجى أترابِه نقْعاً مُثارا
وإن صدرَتْ ظُباهُ عن الهوادي / حسِبْتَ حديدَها ذَهباً مُمارا
وَهوبٌ يوسِعُ الفقراءَ تِبراً / ولم يهبِ العِدا إلّا تَبارا
ألا يا أيّها الملكُ المُرجّى / إذا غدرَ الزّمانُ بنا وجارا
ويا غيثاً إذا الأنواءُ ضنّتْ / وطال جَفا الحيا حيّا وزارا
لعَمرُك إنّ قدرَك لا يُجارى / وقطرك بالسّماحةِ لا يُبارى
بطولِك تمّ نُقصانُ المعالي / فطالَتْ بعدما كانت قِصارا
لئنْ أضحكْتَ بيضَ الهندِ يوماً / فقد أبكيتَهُنّ دماً جُبَارا
ليهْنِك بعد صومك عيدُ فطْرٍ / يُريكَ بقلبِ حاسدِك اِنفِطارا
أتاكَ وفوقَ غُرّتِه هِلالٌ / إذا قابَلْتَه خجَلاً توارى
يُشير به إليك هوىً كصبٍّ / إلى حِبٍّ بحاجبِه أشارا
فعُدْتَ وعاد نحوَك كلَّ عامٍ / يحدِّدُ فيك عهداً واِزدِيارا
ولا برِحَتْ لك العَلياءُ داراً / ومتّعكَ الزّمانُ بمُلكِ دارا
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ / درّتْ عليهِ مراضِعُ الأنواءِ
وسقَتْ ثراهُ عُيونُ أربابِ الهوى / دمعاً يورّدُ وجنةَ البطحاءِ
واِستخرجَتْ أيدي الرّبيعِ كُنوزه / فحبَاهُ بالبيضاءِ والصّفراءِ
أكرِمْ به من منزلٍ أكنافُه / جمعَتْ أُسودَ شرىً وعينَ ظِباءِ
مغنىً إذا سفرَتْ وجوهُ حِسانِه / ليلاً يَطولُ تلفُّتُ الحِرباءِ
بهِجٌ يكلّفُكَ السّجودَ صَعيدُه / شوقاً للَثْمِ مباسِمِ الحصباءِ
حتّى توهّمْنا ملاعِبَ بيضِه / فتظنّها ليلاً بُروجَ سَماءِ
دارَتْ كهالاتِ البُدورِ حُصونُه / فهُما سَواءٌ في سنىً وسناءِ
تهوى الكواكبُ أن تَصوغَ سِوارَها / طوقاً لجيدِ مَهاتِه الجوزاءِ
ويودُّ ضوءُ الفجرِ يُصبحُ خيطُه / سِلكاً لعِقدِ فَتاتِه العَذراءِ
رُفِعَتْ على عُمُدِ الصّباحِ بُيوتُه / فحبالُهنّ ذوائِبُ الظّلْماءِ
قِطعٌ من اللّيلِ البهيمِ إلى الثّرى / هبطَتْ وفيها أنجُمُ الجوزاءِ
ليلاتُ قدرٍ كلَّ حُسنٍ أنزلَتْ / آياتُه فيها وكلَّ بَهاءِ
كم فيه من حِقْفٍ يَمورُ بمِئزَرٍ / وقضيبِ بان ينثَني بقباءِ
سَقياً لها من روضةٍ لم تَخلُ من / وِردَيْنِ وِرْدِ حَياً وورْدِ حَياءِ
لا صحّتِ النّسَماتُ فيه ولا صحَتْ / سَكْرى عُيونِ رجالِه ونِساءِ
يا صاحِ إن شارَفْتَ مكّةَ سالِماً / فاِعدِل يَمينَ منىً فثَمَّ مُنائي
واِسألْ بجانبِ طُورِه الغربيّ عنْ / قلبٍ غريبٍ ضاعَ من أحشائي
اطلُبهُ ثمّ تجدهُ في جمَراتِه / أبداً تعذّبُه مدى بُرَحائي
لا تعدلَنّ إلى سواهُ فمنزلُ الن / نجوى به ومعرَّسُ الأهواءِ
حرمٌ له حقٌّ لديّ وحُرمةٌ / وضعتْ له خدّي مكانَ حِذائي
ما حلّهُ دنِفٌ فأصبحَ مُحرِماً / إلّا أحلّ مقَمّصاً بضَناءِ
قرّبْ به قلبي فإن لم تلقَه / فاِنحر بهِ نومي وضحِّ عَزائي
واِمزُج لُجَينَ الدّمعِ في عرَصاتِه / بنُضارِ جاري العَبرةِ الحمراءِ
هو مرتعٌ للعاشقين ومصرعٌ / فليَسْقِ دمعُكَ روضةَ الشّهداءِ
كم فيه من بيتٍ تقفّى بالظُّبا / مضمونُه كالدُرّةِ البيضاءِ
تتوهّمُ الأطنابَ منه لِما تَرى / من ضوءِ دُميَنِه حِبالَ ذُكاءِ
أفدي بُدورَ دُجىً به قد زرّروا / ظُلَمَ السّتورِ على شُموسِ ضُحاءِ
ورُماةَ أحداقٍ سِهامُ فُتورِها / صاغَ السّقامُ لها نُصولَ بَلاءِ
وسَراةَ حيٍّ لم تزل تشتاقُهم / شوقَ العِطاشِ إلى زُلالِ الماءِ
بسوادِ قلبي من طريقةِ مُقلَتي / دخلوا ومنها أخرجوا حَوبائي
غُرٌّ حوَوا كلَّ الجمالِ كما حوَتْ / راحاتُ عبدِ اللَّه كلَّ سَخاءِ
بشرٌ يُريك لدى السّماحِ جَبينَهُ / بِشراً يُحاكي الزّهرَ غِبَّ سَماءِ
ولدٌ لأكرمِ والدٍ ورِثَ النّدى / والبأسَ عن آبائِه الكُرماءِ
أعني عليّاً صاحبَ الفضل الّذي / هو زينةُ الأيّام والآناءِ
السيّدَ الورعَ التقيَّ أخا النّدى / علمَ الهُدى علّامةَ العُلَماءِ
مولىً سعى مسعى أبيه إلى العُلا / فاِعتادَ بسْطَ يدٍ وقبضَ ثَناءِ
هو صدرُ أسمرِه وقبضةُ قوسِه / وعِذارُ أبيضِه لدى الهَيجاءِ
ويمينُ دولَتِه وآيةُ مُلكِه / ودليلُ نُصرتِه على الخُصَماءِ
غيثُ النّدى غوثُ الصّريخ إذا دَعا / قوت النّفوسِ وقوّةُ الضُعَفاءِ
يتعاقَبانِ على الدّوامِ تعاقُبَ ال / مَلَوَينِ بالسّرّاءِ والضّرّاءِ
تلقاهُ إمّا واهياً أو ضارِباً / فزمانُه يوما ندىً ووغاءِ
تَدري ذُكورُ البيض حين تسُلُّها / يدُه سينكِحُها طُلا الأعداءِ
والتِّبْرُ يعلَمُ إذ يحُلُّ وِثاقَه / أن لا يزالَ يَسيرُ في الأحياءِ
تهوى البُدورُ بأن تكونَ بمُلْكِه / بدَراً يفرِّقُها على الفقراءِ
وكذا اللّيالي البيضُ تهوى أنّها / تُمسي لديه وهْيَ سُودُ إماءِ
حسدَتْ مدائِحَهُ النّجومُ فأوشكَتْ / تهوي لتَسْكُنَ ألسُنَ الشّعراءِ
يجدُ اِزديارَ الوافدينَ ألذّ من / وصلِ الأحبّةِ بعدَ طولِ جَفاءِ
ويرى بأنّ البيضَ من بيضِ الدُمى / وصليلَها بالبيضِ رَجْعُ غِناءِ
لو أنّ هذا الدّهرَ أدركَ شيمةً / منه لبدّلَ غدرَهُ بوفاءِ
ذو راحةٍ نفخَ النّدى من روحها / في مَيّتِ الآمالِ روحَ رَجاءِ
مِشكاةُ نادي المجدِ كوكبُ أُفقِه / مِصباحُ ليلِ الكُربةِ الدّهماءِ
سرٌّ بذات أبيه كان محجَّباً / فبَدا به للّهِ في الإفشاءِ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بنارِ جحيمِها / تغلي القُلوبُ مراجِلُ الشّحناءِ
نارٌ مقامعُها الحديدُ وإنّما / يجري الصّديدُ بها على الرُخَصاءِ
يَشفي الحُمامُ بها الحَميمَ فظلُّها / يحمومُ ليلِ مجاجةٍ دَكْناءِ
نزّاعةٌ لشوى الضّراغمِ ترتمي / شَرَراً حكَتْ قدْراً هِضابَ أجاءِ
نضجَتْ بمارِجِها النّجومُ فأكرمُ ال / بيضِ السّواغبِ في صفيفِ شِواءِ
وجرَتْ عليه من ظُباهُ جداولٌ / فخبَتْ وفاضتْ في دمِ الأشلاءِ
علمٌ تفرّدَ وهو أوسطُ إخوةٍ / شَرِكوهُ في شرفٍ وصِدْقِ إخاءِ
من كلِّ أبلجَ تستضيءُ بوجهه / وبرأيه في الليلةِ الظّلماءِ
مَنْ شِئْتَ منهم فهو رامٍ معرِضٌ / بالجزْمِ نصلاً أسهُمَ الآراءِ
جمَراتُ هيجاءٍ إذا ما سالَموا / كانوا جِناناً طيّباتِ جَناءِ
كُهَناءُ غَيبٍ يعلمونَ فراسةً / قبلَ الوُقوعِ حقائقَ الأشياءِ
زهْرٌ بوالدِهم إذا ما قِستَهُم / فهُمُ لآلي ذلك الدأماءِ
وجِبالُ حِلمٍ إن إليهِ نسَبْتَهم / فهمُ هِضابُ القدسِ حولَ حِراءِ
فإذا بَدا وبدَوْا علِمْتَ بأنّهم / قبَساتُ ساطِعِ ذلك اللألاءِ
للّهِ في تقسيمِ جوهرِ فردِه / حكَمٌ بدَتْ في هذه الأجزاءِ
ووَفَوْا فكانوا في محلِّ بنانِه / من راحتَيْهِ وأكمَلِ الأعضاءِ
فهمُ مواعِدُهُ وزينةُ مجدِه / وجَمالُ وجهِ الدولةِ الغرّاءِ
نُطَفٌ مطهّرةٌ أتَتْ من طاهِر / فصفَتْ من الأرجاسِ والأكداءِ
مولاي سَمعاً إنّ غُرّ مدائِحي / فيكُم لَتَشْهَدُ لي بصِدقِ ولائي
ولئن شكَكْتَ بما اِدّعيتُ من الوِلا / أوَ ليسَ هذا المدحُ نُصحَ ولاءِ
أوَ ما تَروني كلّما بصُدودِكُم / أحرقْتُمُ عودي يَطيبُ شَذائي
جارَتْنيَ الفُصَحاءُ نحو مَديحكُم / فتلَوْا وكُنتُ مُلجّأَ البُلَغاءِ
أنا غرْسُ والدِك الّذي ثمرَ الثّنا / منهُ جنَتْهُ لكم يدُ النّعْماءِ
أرضَعْتُكُم دَرَّ الفصاحةِ طيّباً / إذ كان طيّبُ روضِه مرعائي
يا مَنْ أصولُ على الزّمانِ ببأسِه / ويُجيبُ عند الحادثاتِ نِدائي
بخِتانِ نصرِ اللّه قرّتْ أعيُنُ الد / دُنيا وسُرّت مهجةُ العَلياءِ
والوقتُ راقَ ورقّ حتّى صفّقتْ / ورقُ الغصونِ على غِنا الوَرْقاءِ
فتهنّ بالولدِ السّعيدِ وخَتْنِه / واِرْشُفْ هَنيئاً شهدَةَ السّرّاءِ
ولدٌ به ما فيك من شرفٍ ومِن / فخرٍ ومن بأسٍ ومن إعطاءِ
في بيتِك المعمورِ منذُ ولادِه / نشأ السّرورُ به وكلُّ هناءِ
نجمٌ أتى من نيّرينِ كِلاهُما / وهَباهُ أيَّ سعادةٍ وضياءِ
خلعَ القِماطَ ففاز في خِلعِ العُلى / وسعى فأدركَ غايةَ العُقَلاءِ
للّه طينَتُه أكانَتْ نُقطةً / نقطَتْ ببسمِ اللّه تحت الباءِ
للّه خاتَمُك الّذي في نَقشه / كتبَ المصوّرُ أعظمَ الأسماءِ
ريحانةُ النّادي وشمعةُ أُنسِه / سُلوانةُ الجُلَساءِ والنُدَماءِ
اللّه يحرُسُه ويحرُسُكم معاً / من سائِر الأسواءِ والأرزاءِ
وعسى يُمدُّكم الإلهُ جميعَكم / بزيادةِ الأعمار والأبناءِ
ويُمِدُّ والدَكم ودولةَ مجدِكم / بدوامِ إقبالٍ وطولِ بَقاءِ
هلمّ بنا يا برْقُ في أبرقِ الحِمى
هلمّ بنا يا برْقُ في أبرقِ الحِمى / نُساقطُ دُرَّ الدّمْعِ فرداً وتوأما
هلمّ بِنا نقضي من النّدْبِ واجِباً / لعصرٍ مضى فيه وعهدٍ تقدّما
فإن كُنتَ لي يا برقُ عَوناً فقُم بِنا / نروّي قُلوباً صادياتٍ وأرسُما
تشبّهتَ بي دعوى ولو كنتَ مُشبِهي / بوجدٍ إذاً أصبحتَ تَبكي معي دَما
فكم بين باكٍ مُستهامٍ وبين مَنْ / تباكى خليّاً وهو يُبدي التبسُّما
تقمّصْتُ ثوباً من دُخانٍ ومهجتي / عليها قميصٌ من لظاكَ تجسّما
فوا عجباً تسقي الرّبوعَ مدامِعي / وقلبي إلى سُكّانِها يشتكي الظّما
أروحُ ولي قلبٌ إذا ما نضَحْتُه / بماءِ عُيوني كي يَبوخَ تضرّما
وأُمسي ولي دمعٌ يَجودُ بمُقلَتي / وثوبٌ إذا ما أحجَمَ الصّبرُ أقدَما
فللّهِ ما أجراهُ في مَعرَكِ النّوى / إذا الوجدُ أجرى جيشَهُ كَرّ مُعلما
فمَنْ لي بعصرٍ كلّما مرّ ذِكرُه / بسمعي حَلا عندي ووصلٍ تضرّما
وليلاتِ أُنس نادمَتني بُدورُها / وفي الأرضِ زارتْني بها أنجمُ السّما
شِهابٌ تظنّ الشُهْبَ فيها لحُسنها / ثُغورَ الغواني البيضِ في حوّةِ اللّما
سقى اللّه مغنىً بالحِمى صوبَ مُزنِه / يَحوكُ له وشيَ الرّبيعِ المُسهّما
ولا برحَتْ فيه الأقاحي ضواحِكاً / ولا صرفَتْ منها يدُ الدّهرِ دِرْهَما
محلٌّ به حلّ الشبابُ تمائِمي / فلا نقصَ إذ أصبحْتُ فيه متمِّما
ومصرعُ أسرى موثَقينَ قُلوبُهم / بحَومَتِه أضحتْ مع الطّيرِ حُوَّما
حَمى حُرمةً مسّ الصّعيد صِعادَه / وأصبح فيه السّيفُ بالحِلِّ مُحرِما
وثغرٌ غدت منه الثّنايا منيعة / فأضحى بنقْعِ الصّافِناتِ ملثّما
قد اِشتبهَتْ آفاقُه في عِراصِه / فكلٌّ حَوى منها بُدوراً وأنجُما
فكم ثَمّ من شمس بلَيلٍ تقنّعتْ / وبدرِ ظلامٍ بالنّهارِ تعمّما
وليثِ عَرينٍ بالحديدِ مسرْبَلٍ / وخِشفِ كِناسٍ بالنُضارِ تخزّما
تميلُ بأثوابِ الحرير غُصونُه / وتنطِقُ بالسحرِ الحلالِ به الدُمى
وتفترُّ عن ميماتِ تِبرٍ حِسانُه / يكادُ بهنّ الحُسنُ أن يتختّما
مكانٌ به كنزٌ من الحُسنِ لم يزل / بآياتِ أرصادِ الحديدِ مطَلْسَما
حمَتْهُ سَراةٌ لا تزالُ رُماتُهم / مفوّقةً للحَتفِ هُدْباً وأسهُما
قد اِتّخذوا للفتكِ والطّعنِ آلةً / قُدودَ العذارى والوشيجَ المقوَّما
يرونَ هَوانَ الحُبّ عِزّاً وسُؤدداً / وأحسنَ آجالِ النّفوسِ التّيتّما
تكادُ الأقاحي خجْلةً من ثُغورِهم / تَعودُ ثناياها شقيقاً مُعَندَما
إذا نظرتْ أقمارُهم عينَ مُبغضٍ / يُطالبُهم في مَغرَمٍ عاد مُغرَما
بروحيَ منهم جيرةٌ جاوَروا الحمى / فجاروا على قلبٍ بهم قد تذمّما
همُ ألهَبوا صدري وفيه توطّنوا / فللّه جنّاتٌ ثوَتْ في جهنّما
حلا لي بهِم مُرُّ العَذابِ كما حَلا / لنفْسِ عليٍّ خوضُها الحتفَ مطْعَما
هُمامٌ لدى الهيجاءِ لو أنّ بأسَه / ببحرٍ طَما في مدّه لتحجّما
وذو عزَماتٍ لو تُصاغُ صوارِماً / لأوشكْنَ في صُمِّ الصّفا أن تُصمّما
سُلالةُ خيرِ المرسَلين مطهّرٌ / أتى طاهِراً من كلّ أبلجَ أكرَما
أجلُّ مُلوكِ الأرضِ قدراً وقُدرةً / وأشرفُهم نفْساً وأطيبُ مُنتَمى
جوادٌ أتى والجوّ جَونٌ فأصبحتْ / أياديه فيه كالشِّياهِ بأدْهَما
ووافى المَعالي بعدما خرّ سقفُها / فشيّد من أركانِها ما تهدّما
إذا الدهرُ أجرى جَحْفَلاً كان قبلَهُ / وإنْ هزّ سيفاً كان كفّاً ومِعصَما
كريمٌ عُيونُ الجودِ لولا وُجودُه / لَفاضَتْ جواريها وأغضَتْ على عَمى
ولُطفٌ بَراهُ اللّه للنّاس مُجمَلاً / فنوّعَهُ بالمَكرُماتِ وقسّما
هو العدلُ إلّا أنّه إذ يَرومُه / عدوٌّ بظُلمٍ كان أدهى وأظلَما
هِلالُ حِمامٍ فوقَه من دِلاصِه / هِلالُ حياةٍ يترُك الحتفَ أقصَما
وبدرُ كمالٍ بالسّروجِ بُروجُه / وليثُ نِزالٍ بالعوالي تأجّما
يرى عاملَ الخطّيّ قدّاً مُهفهفاً / ويحسَبُ إيماضَ اليمانيّ تبسّما
إذا ما تولّى للوثوبِ على العِدا / يكادُ عليه الدِّرْعُ أن يتفصّما
غنيٌّ لديه لا يزالُ من الثّنا / كنوزٌ وإن أضحى من المالِ مُعدما
له نِقَمٌ محذورةٌ عند سُخطِه / ولا غَرْوَ أن عادتْ من العفوِ أنعُما
ضَحوكٌ إذا اِستمطرتهُ فهو بارقٌ / يجودُ وإن جرّبتَهُ كان مِخذَما
وصعبٌ إذا اِستعطَفتَه لانَ جانباً / وعذْبٌ إذا عادَيْتَه صارَ عَلقَما
حوى البأسَ والمعروفَ والنُسكَ والنُهى / وحازَ المعالي والتُقى والتكرّما
أعارَ وميضَ الصّاعقاتِ حُسامَه / وصاغَ لسانَ الموتِ للرُمحِ لهذَما
وبرقَع في فجرِ الصّباحِ جِيادَه / وجلّلها ليلاً من النّقعِ معلَما
فتىً أصلحَ الأيّامَ بعد فسادِها / وكمّل أعوانَ الكِرامِ وتمّما
وبيّن ما بينَ الضّلالةِ والهُدى / فأوضحَ نهجاً طالما كان أقْتَما
وقوّم زَيغَ الدينِ بعد اِعوِجاجِه / فأصبحَ فيه بعدَما كان قيّما
وألزَمَ أهل النُصْبِ بالنّصّ فاِغتدى / فصيحُهمُ لا يُحسنِ النُّطْقَ أبْكَما
فلولاهُ لم يصْفُ الغديرُ من القَذى / وأصبحَ غوْراً ماؤهُ وتأجّما
أفاضَ عليهِ من أدلّةِ فَهمِه / سُيولاً فأضحى طيّبَ الوِردِ مُفعَما
ذكيٌّ إذا قُصّتْ دواوينُ مَدحِه / تنفّسَ صُبحُ الطّرسِ مِسكاً مختّما
له قلمٌ يجري الزّمان بما جرى / ويسعى القَضا في إثر مَسعاهُ حيثُما
يمجّ رُضابَ النّحلِ طوراً لسانُه / وينفثُ طوراً نابُه سُمَّ أرْقَما
يراعٌ يُريعُ البيضَ إمضاءُ حكمِه / فتحسَبُ أمضاهنّ ظُفْراً مقلّما
يترجم ما يوحي إليه جَنانُه / فينثُرُ دُرّاً في السّطورِ منظّما
فصيحٌ عن الأسماءِ جمجمَ لفظُه / وأسمعَ معناهُ القُلوبَ وأفهَما
بروحيَ منه راحةٌ نفحَتْ بها / أناملُه من دوحِه فتكلّما
تتبّع خُضْرَ الخطِّ حتّى اِستوى بها / فحلّ على عينِ الحياةِ وخيّما
وشارفَ منها روضةَ القُدسِ فاِدّعى / إخاءَ عَصا موسى وأقلام مريَما
تقدّسْتَ من طودٍ بأيمَنِ طُورِه / كريمٌ روى فصلَ الخِطابِ وترجَما
أمَولايَ إنّ الدهرَ يعلمُ فضلَكُم / ويعرِفُكُم أندى بَنيه وأكرَما
تملّكتُمُ رِقَّ الزّمانِ وأهلَه / فليس الليالي فيه إلّا لكُم إمَا
لقد كان وجهُ الأرضِ أطلسَ مغبَراً / فأمسى لكم كالأفقِ يزهو منجِّما
تواضُعُكم أدنى مواضعَكُم لنا / وقدرُكم فوقَ السّمواتِ قد سَما
لعمرُك ما جُودُ السّحابِ غريزةً / ولكنّه علّمتَهُ فتعلّما
جرَيْتَ مع الأقدارِ في كلّ غايةٍ / فلم نَدْرِ من كان المؤثّرُ منكُما
بِفَتوى أخيكَ السيفِ زُوِّجت العُلى / فعزّ حِماها حيثُ صِرْتَ لها حِمى
فَدُمْ سالماً ما نبّه الصُبحُ طائِراً / وما هيّجَ الأشواقَ شادٍ ترنّما
ولا زِلْتَ غيثاً برقُه يصعقُ العِدا / ويُنبِتُ نُوّارَ النُّضارِ إذا هَمى
ولا برِحَ الدّهرُ الحَروبُ إذا سَطا / يزورُك بالأفراحِ سِلماً مُسلِّما
ووافاكَ عيدُ الفِطر بالعزّ دائماً / ووفّاك صومُ الدهرِ أجراً معظَّما
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه / فبَكى فخِلْتُ بُكاهُ من أوداجِهِ
ودعَتْهُ غِزلانُ العَقيقِ إلى السُّرى / فغدا يُساري النّجمَ في إدلاجهِ
ودعَتْهُ ناحلةُ الخُصورِ إلى الضّنى / فكسَتْهُ صُفْرَ الوشي من دِيباجِهِ
تُملي عُيونُ الغانياتِ عليه ما / يُملي النّديمُ به كؤوسَ زُجاجِهِ
يا مَنْ لقلبٍ يَستضيءُ بقلبِه / فكأنّ جنّتهُ ذُبالُ سِراجِهِ
دنِفٌ أعارَتْهُ الخُصورُ سَقامَها / أينَ الأطِبّا من عَزيزِ عِلاجِهِ
قد ظنّ سكْبَ الدّمْعِ يُخمِدُ نارَه / سَفَهاً به فتأجّجَتْ بأُجاجِهِ
من لي بوصلِ غَزال خِدرٍ صادَني / في صادِ لحظٍ تحت نُونِ حَجاجِهِ
وبياضِ ساعدِه المُساعدِ لوعَتي / للّه ما صنعَتْ يَدا اِعوِجاجهِ
قرُبَتْ محاسنُه وعزّ وُصولُه / فبدا بُدوَّ البدرِ في أبراجِهِ
كم من ظلامٍ فيه قد نادَمْتُه / حتّى بدَتْ نارُ الصّباحِ بساجِهِ
ولَرُبّ زائِر أيكَةٍ لو أنّه / يدعو الجَمادَ لزادَ في إبهاجِهِ
ولقد تأمّلْتُ الزّمانَ وأهلَه / وأجَلْتُ عينَ النّقدِ في أفواجِهِ
فرأيتُ عربدةَ الزّمانِ عزيزةً / في حالِ سَكرتِه وصحوِ مِزاجِهِ
ولرُبّما ظنّ السّفيهُ بأنّه / يصحو بلى لكنّ لاستدراجِهِ
ويُسِرُّ قلبُ الدّهرِ كلَّ عجيبةٍ / لم يُفشِها إلّا بَنو أزواجِهِ
ورأيتُ أغلى ما عليهِ من الحُلى / أربابَه وعليَّ درّةَ تاجِهِ
قَيْلٌ تواخى بالمكارمِ والتُقى / والجودِ والمعروفِ منذ نِتاجِهِ
سمْحٌ إذا فقدَ الثّرى صوبَ الحَيا / وشكا الظّما يَسقيهِ من ثجّاجِهِ
بطلٌ إذا هزّ القَنا بأكُفِّه / تُضحي القُلوبُ مَراجِزاً لزُجاجِهِ
أسدٌ إذا لقيَ الخميسَ فعندَهُ / كبشُ الكثيبةِ من أذلِّ نِعاجِهِ
جمْعُ الأسودِ إذا لَقيه لدى الوَغى / حذَراً يبدّلُ زأرَه بثؤاجِهِ
لجَبُ الجيوشِ إذا يمرُّ بسمعِه / لجَبُ الذُبابِ يطنُّ في أهزاجِهِ
يَقري بلحمِ الشّوسِ شاغبةَ الظُّبا / ويزيدُ حرُّ الضّربِ في إنضاجِهِ
تُرجى منافعُه ويُحذَرُ ضُرُّه / في يومِ نائِله ويومِ هَياجِهِ
كسدَ المديحُ وأكدَحوا نُظامه / حتّى أتى فأقامَ سوقَ زواجِهِ
يا اِبْنَ الّذي ساد الأنامَ ونجلَ مَنْ / فاقَ الملائِكَ في عُلا أدراجِهِ
إنّ المديحَ إذا أردْتُ ثناءَكُم / تَهوي النّجومُ إليّ من أبراجِهِ
وإذا قصدْتُ سواكُمُ فيه فلم / تظفَرْ يَدي إلّا ببيضِ دَجاجِهِ
أيّدْتَ دينَ الحقِّ بعد تأوّدٍ / وسدَدْتَ بالإحكامِ كلَّ فِجاجِهِ
وشفَيْتَ علّتَهُ بكُتبٍ قد غدَتْ / مثلَ الطّبائِعُ لاِعتدالِ مِزاجهِ
أسفارُ صِدْقٍ كلُّ خصمٍ مبطِلٍ / منها سيعلَمُ كاذِباتِ حِجاجِهِ
نورٌ مُبينٌ قد أنار دُجى الهَوى / ظلم الضّلالة في ضياءِ سِراجهِ
وغديرُ ختمٍ بعدَما لعبَتْ به / ريحُ الشّكوكِ وآضَ من لجّاجِهِ
أمطَرْتَهُ بسحابةٍ سمّيْتَها / خيرَ المَقالِ وضاقَ في أمواجِهِ
وأبَنْتَ في نُكَتِ البيانِ عن الهُدى / فأرَيْتَنا المَطموسَ من مِنْهاجِهِ
وكذاكَ منتَخَبٌ من التفْسيرِ لم / تنسِجْ يدا أحدٍ على مِنساجِهِ
للأعرَجينِ وإن بدَتْ شُرُفاتُه / لن يَبلُغا المِعشارَ من مِعراجِهِ
مولاي قد ذهبَ الصيامُ مودِّعاً / وأتاكَ شهرُ الفِطرِ باِستِبهاجِهِ
شهرٌ نوى قتلَ الصيامِ هِزبرُه / فاِغتالَ مهجتَهُ بمِخلَبِ عاجِهِ
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها / فقد حَكاها فهل يروي حَكاياها
وهل درى كيفَ ربُّ الحُسن رتّلها / والجوهرُ الفردُ منه كيفَ جزّاها
وهل سُقاةُ الطِّلا تدري إذا اِبتسَمتْ / أيُّ الحَيا بانَ عند الشّرْبِ أشهاها
وسلْ أراكَ الحِمى عن طعمِ ريقَتها / فليسَ يَدري سِواهُ في محيّاها
وهل رياضُ الرُّبا تدري شقائِقُها / في خدِّها أيُّ خال في سُويْداها
وإنْ رأيتَ بُدورَ الحيِّ وهي بهِم / فحيِّ بالسّرّ عنّي وجهَ أحياها
واِقصِدْ لُباناتِ نُعمانٍ وجيرتَها / واِذكُر لُباناتِ قلبي عند لُبْناها
عرّجْ عليها عن الألباب ننشدُها / فإنّنا منذُ أيّامٍ فقدْناها
وقِفْ على منزلٍ بالخيفِ نسألُه / عن أنفُسٍ وقُلوبٍ ثمّ مَثواها
معاهدٌ كلّما أمسَيْتُ عامرَها / ليلاً وأصبحتُ مجنوناً بلَيلاها
ورُبّ ليلٍ به خُضْتُ الظّلامَ كما / يخوضُ في مَفرق العذراءِ مِدراها
جَوْن كحظٍّ به الآفاقُ قد خضَبَتْ / بياضَها وجرى بالقارِ جِرْياها
تبدو النجومُ فلم تَصْبِرْ لظُلمتِه / مثلَ الشَّرارِ بجوفِ الزَّندِ أخفاها
هوَتْ بنا فيهِ عيسٌ كالجبالِ سمَتْ / نحو السّماءِ ولو شِئْنا مَسسناها
ركائِبٌ كحُروفٍ رُكِّبتْ جُمَلاً / أكرِمْ بها من حُروفٍ قد سطَرْناها
أنعامُ هُجنٍ حكَتْ روحَ النّعامِ إذا / مرّتْ بها الريحُ ظنّتْها نُعاماها
حتّى نزَلْنا على الدّارِ الّتي شرُفَتْ / بمَنْ بها ولثَمْنا دُرَّ حَصباها
فعاوَضَتْنا بُدورٌ من فوارسِها / تحمي خُدورَ شُموسٍ من عذاراها
ضيفانُهم غيرَ أنّا لا نُريد قِرىً / إلّا قُلوباً إليهم قد أضفْناها
ما كان يُجدي ولا يُغني السُّرى دنِفاً / لكنّ حاجةَ نفسٍ قد قضَيناها
مَنْ لي بوصلِ فتاةٍ دون مطلَبِها / طعْنٌ يصوّرُ بالأجسامِ أفواها
عزيزةٌ هي شفْعُ الكيمياءِ لها / نَدري وُجوداً ولكنْ ما وجَدْناها
فيها منَ الحُسْنِ كنزٌ لا يُرى وكذا / تُخفي الكُنوزُ المَنايا في زواياها
تكادُ ترشَحُ نوراً كلّما خطرَتْ / بالمَشْيِ لا عَرَقاً من كلِّ أعضاها
كأنّما الفجرُ ربّاها فأرضَعَها / حليبَهُ وبقُرْصِ الشّمسِ غذّاها
قد صاغَها اللّهُ من نورٍ فأبرزَها / حتّى ثراها الورى يوماً وواراها
محجوبةٌ لا ينالُ الوهمُ رؤيتَها / ولا تَصيدُ شِراكَ النّومِ رُؤياها
قد منّعَتْها أسودٌ مثلُ أعيُنِها / سُيوفُهم لا تنالُ البُرءَ جَرحاها
لو تُمسِكُ الريقَ كادوا حين تقطُرُها / أن يلعَقوها فلم ترحَل بريّاها
إذا على حيّهم مُزنُ الحَيا وقعَتْ / لفّتْ على زَفَراتِ الرّعدِ أحشاها
وإنْ تنفّسَ صُبْحٌ عن لظى شفَقٍ / قاموا غِضاباً وظنّوا الصُبحَ يهواها
حرصاً عليهم نواحُ الوُرْقِ يُسخِطُهُم / توهُّماً أنّ داءَ الحُبِّ أشجاها
تهوى الفراشُ إليها كلّما سفرَتْ / فيستُرونَ غَياراها محيّاها
بين القُلوبِ وعينَيْها مضى قسَمٌ / أن لا تُصحَّ ولا تصحو سُكاراها
وبالجَمالِ على أهلِ الهَوى حلفَتْ / أن لا تموتَ ولا تحْيا أُساراها
للّه أيّامُ لهوٍ بالعقيقِ وإن / كانت قِصاراً وساءَتْني قُصاراها
أوقاتُ أُنْس كأنّ الدهرَ أغفلَها / أو من صُروفِ الليالي ما عرَفْناها
لم نشْكُ من محَنِ الدُنيا إلى أحدٍ / من البريّة إلّا كان إحداها
أُعيذُ نفسي من الشّكوى إلى بشَر / باللّه والقائِم المهديّ مولاها
اِبنِ النّبيّ أبي الفضلِ الأبيّ أخي ال / معروفِ خيرِ بَني الدُّنيا وأزْكاها
نورُ الزُجاجةِ مِصباحٌ توقّدَ مِنْ / نارِ الكَليمِ الّتي في الطُّورِ ناجاها
جُزءٌ من العالَمِ القُدسيّ هِمّتُه / ينوءُ بالعالَمِ الكلّيِّ أدناها
تاجُ الوزارةِ طوقُ المجدِ خاتَمُهُ / إنسانُ عينِ المعالي زَندُ يُمناها
حليفُ فضلٍ به تدري الوزارة إذ / فيها تجلّى بأيّ الفضلِ حلّاها
طِيبُ النّبوّةِ فيه عنهُ يُخبِرُنا / بأنه ثمرٌ من دوحِ طُوباها
كريمُ نفسٍ من الإحسانِ قد جُبِلَتْ / منه الطِباعُ فعمّ الناسَ جَدواها
ذاتٌ من اللُطْفِ صاغَ اللّهُ عنصُرَها / ورحمةً لجميعِ الناسِ سوّاها
عظيمةٌ يتّقي الجبّارُ سطوَتَها / زكيّةٌ تعرفُ العُبّادُ تَقواها
تقضي بسعدٍ ونحسٍ في الورى فلها / حُكمُ النّجومِ الدّراري في قضاياها
للطّالبينَ كُنوزٌ في أنامِلها / وللزّمانِ عُقودٌ من سجاياها
في أصفهانَ ديارِ العزّ منزلُه / ونفْسُهُ فوقَ هامِ النّجمِ مَسعاها
يرمي الغيوبَ بآراءٍ مسدّدةٍ / مثلِ السّهامِ فلا تُخطي رَماياها
عزّتْ به الدولةُ العلياءُ واِعتدلَتْ / حتّى ملا الأرضَ قِسطاً عدلُ كِسراها
عِمادُها العلمُ والمعروفُ نائِبُها / إكسيرُها مومِياها بُرْءُ أدواها
لم يترُكَنْ ظالماً غيرَ العُيونِ بها / إذ لا تُجازى بما تَجنيهِ مرضاها
أفديهِ من عالِمٍ تشْفي براعتُه / مرضى قلوبِ الورى في نفْثِ أفعاها
للفاضلينَ سُجودٌ حين يُمسِكُها / كأنّ سرَّ العصا فيها فألقاها
كأنّما ليلُنا تُطوى غياهبُه / إذا صحائِفُه فيها نشرْناها
سُطورُها عن صُفوفِ الجيشِ مغنيةٌ / وأيُّ جيشِ وغىً بالرّدّ يَلقاها
كأنّما ألِفاتٌ فوقَها رُقِمَتْ / على الأعادي رِماحاً قد هزَزْناها
نسطو بهنّ على الخصمِ المُلمِّ بنا / كأنّ راءَاتِها قُضْبٌ سلَلْناها
إذا رأينا الحُروفَ المُهمَلاتِ بها / فودُّنا بالأناسي لو لقَطْناها
قومٌ تنالُ الأماني والأمانَ بها / وآخرونَ بها تَلقى مناياها
لم يظفَرِ الفهمُ يوماً في تصوّرها / ولا يَزورُ خيالُ الوهمِ مَغناها
وبِنتِ فكرٍ سحابُ الشّكِّ حجّبَها / عنِ العُقولِ وليلُ الغَيِّ غشّاها
جرَتْ فأجْرَتْ لها من عينِ حِكمتِه / ما لو يَفيضُ على الأمواتِ أحياها
فزالَ عنها نِقابُ الرّيبِ واِنكشفَت / أسرارُها وتجلّى وجهُ معناها
قُلْ للّذينَ اِدّعوا في الفضلِ فلسفةً / قد أبطلَ الحجّة المَهديُّ دَعواها
من طُورِ سيناءَ هذا نورُ فِطنتِه / فمَنْ أرسطو ومن طورُ اِبن سيناها
فليفخرِ الفُرسُ وليزْهوا بسؤدُدِهم / على جميع الوَرى وليَحمَدوا اللّهَ
بمَنْ يُقاسون في الدنيا ودولتُهم / وزيرُها من بَني طهَ ومولاها
من مالِكٍ أصبحَ المهديُّ آصفَها / وقام فيها سُليمانُ الورى شاها
إنّ الرعايةَ لا تُعزى إلى شرفٍ / إلّا إذا كانتِ الأشرافُ تَرعاها
يا اِبْنَ النُبوّةِ حقّاً أنت عِترَتُها / فقد حوَيْتَ كثيراً من مَزاياها
حافظْتَ فيها على التّقوى ودُمتَ على / عهدِ المودّةِ والحُسنى بقُرباها
كم في ثناياكَ منّا نفحةً عبقَتْ / إليكَ فيها اِهتدَينا إذ شَممناها
من كلِّ منقبَةٍ بالفضلِ معجزةٍ / آياتُها من سِواكُم ما عرَفْناها
مفاخِرٌ قبلَ تشريفي برؤيتكُم / آمنتُ بالغَيبِ فيها إذ سمعناها
عنها ثِقاتُ بني المَهديّ قد نقَلوا / لنا روايات صِدقٍ فاِعتَقَدْناها
كانت كنَثْرِ اللآلي في مسامِعِنا / واليومَ فيكَ عُقودٌ قد نَظَمْناها
شُكراً لصُنعِكَ من حُرٍّ لسادَتِنا / بعدَ الإياسِ وهَبْتَ المُلكَ والجاها
تزلزَلَتْ في بَني المهديِّ دولتُهم / لكنّ فيكَ إله العرشِ أرساها
تطلّبَ الفُرْسُ والأعرابُ خُطبَتَها / فما سمحْتَ بها إلّا لأولاها
زوّجْتَها بكريم النفسِ أطهرِها / فرجاً وأوفرها عِلماً وأتقاها
لولا وُجودُك يا اِبنَ المصطفى غُصِبَتْ / منّا حُقوقُ معالٍ قد ورِثْناها
عنّا رفعتَ زمانَ السّوءِ فاِنقمعَتْ / بالكّرهِ شوكتُه حتّى وطِئْناها
مولايَ دعوةَ مُشتاقٍ حُشاشتُه / لولا الرّجاءُ أُوارُ المجدِ أوراها
إليكَ قد بعثَتهُ رغبةٌ غلبَتْ / لم يهجُرِ الأهلَ والأوطانَ لولاها
لعلّ عزْمةَ نشْطٍ فيكَ قد رحلتْ / إليكَ نحمَدُ غِبَّ السّيرِ عُقباها
أتاكَ يطوي الفَلا يوماً وآونةً / يَرقى الجِبالَ ليَلقى طورَ سِيناها
فحلّ بُقعةَ قُدْسٍ حين شارفَها / ما شكّ أنّكَ نارٌ أنتَ مُوسَاها
توهّمَ النورَ ناراً إذ رآكَ وكم / نفْسٍ تُغالِطُها في الصدقِ عَيناها
دَنا ليقبِسَ ناراً أو يُصيبَ هُدىً / إلى مَدارِكِ غاياتٍ تمنّاها
حاشا عن الرؤية العُظمى تجابُ بلَنْ / فكلُّ قصدِ كَليمِ الشّوقِ إيّاها
إن لم يعُدْ باليدِ البيضاءِ منك إلى / ديارِ مصرٍ أتى منها فقد تاها
عسى بكُمْ يُنجح الرحمنُ مطلبَه / فقد توسّلَ فيكُم يا بَني طهَ
ينمُّ عليه الدّمعُ وهو جَحودُ
ينمُّ عليه الدّمعُ وهو جَحودُ / وينتحِلُ السُّلوانَ وهو وَدودُ
ويذكُرُ ذُهلاً والهوى حيثُ عامرٌ / ومنزلَ حُزْوى والمُرادُ زَرودُ
ويُظهِرُ في لُبْنى الغرامَ مورّياً / ومنهُ إلى ليلى الضّميرُ يعودُ
ويشتاقُ آرامَ العقيقِ وإنّهُ / لعمْرُكَ في أشباهِها لَعَميدُ
ويصحو فتأتيهِ الصِّبا بروايةٍ / عنِ البانِ تسقيهِ الطُّلى فيَميدُ
تحدّثُهُ عن أهلِه فتُميتُه / وتنفحُهُ في نشرِهِم فيعودُ
أروحُ ولي روحٌ تسيرُ مع الصَّبا / لها صدَرٌ نحو السّما وورودُ
وقلبٌ على كلِّ الخُطوبِ إذا دهَتْ / سوى الدّلِّ والبينِ المُشِتِّ جَليدُ
وعينٌ لوَ اِنّ المُزْنَ تحملُ ماءَها / لأمسى اِشتعالُ البرقِ وهو خمودُ
إذا شِمْتُ إيماضاً حدَتْ مُزنَ عَبرَتي / من الزّفراتِ الصّاعِداتِ رُعودُ
علامَ الجُفونُ السّودُ منكرةٌ دَمي / وفي الوجَناتِ البيضِ منهُ شُهودُ
وما بالُ هاتيكَ الخُصورِ نحيفةً / أهُنّ لأبناءِ الكَمالِ جُدودُ
وما بالُنا أحداقُنا في نُفوسِنا / بحُبِّ الظِّباءِ الباخِلاتِ تَجودُ
نسمّي السّيولَ الحُمْرَ منها تجاهُلاً / دُموعاً ونَدري أنّهنّ كُبودُ
وإنّي من القومِ الّذين بنانُهم / وألسُنُهُم للسّائِلينَ تُفيدُ
نَسودُ الأسودَ الضّارياتِ وإن غدا / لنا الظّبياتُ كالنِساتُ تَسودُ
وتضرَعُنا بيضُ الظُّبا وهيَ أعينٌ / ونحطِمُها بالهامِ وهْي حَديدُ
أمَا وبُدورٍ أشرقتْ وهي أوجُهٌ / وسودِ لَيالٍ طُلْنَ وهي جُعودُ
وأغصانِ بانٍ تَنثَني في غلائِلٍ / وسُمرِ رِماحٍ فوقهُنّ بُرودُ
وبيضِ نُحورٍ تحتمي في أساورٍ / وأجفانِ آرامٍ بهنّ أُسودُ
وأطواقِ تِبرٍ هنّ للعَينِ حِليةٌ / وللصبِّ في أسرِ الغَرامِ قُيودُ
لَفي القلبِ وجدٌ لو حَوى اليمُّ بعضَه / لأضحَتْ له الحيتانُ وهي وقودُ
وفي الخدِّ ودْقٌ لو سَقى الرّوضَ أصبحتْ / أقاحيهِ بالأكمامِ وهْيَ وُرودُ
فكم في البُكا ينثُرنَ ياقوتَ أدمُعي / ثُغورٌ تُحاكي الدُرَّ وهو نَضيدُ
ثغورٌ تُذيبُ القلبَ وهي جوامدٌ / وتُضرِمُ فيّ النارَ وهي بَرودُ
فحتّامَ لا نارُ الصّبابةِ تنطفي / ولا للدموعِ الجارياتِ جُمودُ
لعمرُك قبل الشّيبِ لم أعرِفِ الدُمى / تسوقُ إليّ الحتفَ وهوَ صُدودُ
ولم أدْرِ قبلَ الحبِّ أن يبعثَ القضا / إليّ المنايا الحُمرَ وهي خُدودُ
وما خِلْتُ أنّ اللّدْنَ والصّبْرُ لامتي / تُمكّنُ فيّ الطّعنَ وهيَ قُدودُ
ولم أحسَبِ الرُمّانِ من ثمرِ القَنا / إِلى أن رأتْهُ العينُ وهو نُهودُ
بروحي ظِباء نافراتٍ عيونُها / شِراكٌ بها صِيدَ الأسودِ تَصيدُ
لها لفَتاتٌ مُهلِكاتٌ كأنّها / لسَرْحِ الرّدى روضَ القُلوبِ تَرودُ
كأنّ على أعناقِها ونُحورِها / تنظّم من مدْحِ الحُسينِ عُقودُ
قريبٌ إلى المعروفِ تدعوه شيمةٌ / بها عُرِفَتْ آباؤهُ وجُدودُ
سَحابٌ به تُحمى النّفوسُ إذا هَمى / وينبُتُ في روضِ الحديدِ جُلودُ
هُمامٌ إذا لاقى العِدا وهْوَ وحدَهُ / يَصيدُ أسودَ الجيشِ وهْوَ عديدُ
من الطّعنِ يحمي العِرضَ عن جنّةِ النّدى / وللمالِ في سيفِ النّوالِ يُبيدُ
أخو كرَمٍ أمّا نوالُ بَنانِه / فدانٍ وأمّا مجدُه فبَعيدُ
كأنّ بيوتَ المالِ منه لجودِه / عُيونُ محبٍّ والحُطامُ هُجودُ
له شُثْنُ أظفارِ المَنايا صوارِمٌ / وأجنحةُ النّصرِ العزيز بُنودُ
إذا الجدولُ الهنديُّ يجري بكفّه / ففي الوِردِ منه كم يغصُّ وَريدُ
مقرُّ عواليهِ القلوبُ كأنّها / إذا هزّها نحو الصّدورِ حُقودُ
تكهّلَ في علمِ العُلا وهْوَ يافعٌ / وجازَ بُلوغَ الحُلمِ وهوَ وليدُ
وأفصحَ عن فصلِ الخِطابِ بمنطِقٍ / لديه لَبيدٌ ضارعٌ وبَليدُ
له بصرٌ يرنو به عن بَصيرةٍ / يجوزُ حُدودَ الغيبِ وهو حَديدُ
وليلٌ إذا اِستَجْلاهُ في ليلِ مارِقٍ / غَدا لِصباحِ النُّجْحِ وهوَ عَمودُ
وعزْمٌ لوَ اِنّ البيضَ تحكيه ما نَبَتْ / لها عن صُدورِ الدّارِعينَ حُدودُ
وقُضْبٌ كأمثالِ النّجومِ تقدّرَتْ / بهنّ نُحوسٌ للورى وسُعودُ
كأنّ ضِياها للعِبادِ طوالِعٌ / ففيها شقيٌّ منهمُ وسعيدُ
تشكّى الظّما منها الشِّفارُ وفي الدِّما / لها وهْيَ في نارِ القُيونِ وُرودُ
وتهوى الطُّلا حتّى كأنّ أديمَها / لَها قِدَماً فيه اِكتسَبْنَ غُمودُ
سلِ الغيثَ عنهُ إن جهِلْتَ فإنّه / يُقرُّ له بالفضلِ وهْوَ حَسودُ
وما الرّعدُ إلّا صوتُ زَجرٍ له على / تشبّهِه في جودِه ووَعيدُ
وليسَ اِنحناءُ البيضِ إلّا لعِلمِها / به أنّه الأمضى فهنّ سُجودُ
إذا الدّهرُ أفنى نجلُهُ أنفُسَ الغِنى / أُفيضَ عليها من نَداهُ وُجودُ
دَنا فتدلّى للعطاءِ ونعلُه / له فوقَ إكليلِ النّجومِ صُعودُ
تسيرُ فتغدو الرُبْدُ وهي سوابقٌ / لديه وتُضحي الفُتْخَ وهْي جُنودُ
قوادمُها للشّوسِ ترسِلُ نيلَه / وأحشاؤها للخائِنين لُحودُ
فيا اِبنَ عليٍّ وهيَ دعوةُ مخلصٍ / له عهدُ صِدْقٍ في وِلاكَ أكيدُ
لقد نفّذَ الرّحمنُ حُكمَك في الورى / فلِنْتَ لهم لفظاً وأنتَ شَديدُ
وكافأتَ بالإحسانِ من ساءَ فعلُه / إليكَ فحُزْتَ الفضلَ وهو حَميدُ
وعطّلْتَ بئرَ الظُلْمِ حتّى تهدّمتْ / فأصبحَ قصْرُ العدلِ وهْوَ مَشيدُ
أرَضْتَ خُطوبَ الدّهرِ وهي جوامِحٌ / وطاوعَكَ المِقدارُ وهو عَنيدُ
ليَهنِك عيدُ الفِطرِ يا بهجةَ الورى / ومُلكٌ قديمٌ عاد وهو جَديدُ
فما البصرةُ الفيحاءُ إلّا قلادةٌ / وأنت بها نحرٌ يَليقُ وحيدُ
بطيبِك طابَتْ أرضُها مُذْ حلَلْتَها / فسافرَ منها المِسْكُ وهو صَعيدُ
فلا زِلتَ محروسَ الجَنابِ مُمَلَّكاً / حليفاكَ فيها دولةٌ وخُلودُ
تزورُك أملاكُ الورى وهي خُضَّعٌ / وتقصِدُكَ الأيّامُ وهيَ وُفودُ
هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه
هذا الحِمى يا فتى فاِنزِل بحَوْمتِه / واِخضَع هنالكَ تعظيماً لحُرمتِهِ
وإن وصلتَ إلى حيٍّ بأيمنهِ / بعد البُلوغِ فبالِغْ في تحيّتِهِ
وحُلَّ بالحِلّ واِكحَل بالثّرى بصَراً / وقبّل الأرضَ واِسجُدْ نحو قِبلَتِهِ
واِطمَع بما فوقَ إكليلِ النّجومِ ولا / ترجو الوصولَ إلى ما في أكلّتِهِ
واحذَرْ أُسودَ الشّرى إن كُنتَ مقتنِصاً / فإنّ حُمرَ ظُباها دون ظَبيتِه
للّهِ حيٌّ إذا أوتادُه ضُرِبَتْ / يودُّها الصّبُّ لو كانت بمُهجتِهِ
بجِزعِه كم قضتْ من مهجةٍ جزَعاً / وكم هوَتْ كبِدٌ حرّى بحرَّتِهِ
لم يُمكِنِ المرءَ حِفظاً للفؤادِ به / يوماً ولو كان مَقبوضاً بعَشْرَتِهِ
ما شِئتَ فيه اِقترِح إلّا الأمانَ على / قَرحى القلوبِ وإلّا وصلَ نِسوَتِهِ
ربُّ الحسامِ وذاتُ الجَفنِ فيه سوىً / كلٌّ غدا الحتفُ مقروناً بضربتِهِ
لن تُخفيَ الحُجبُ أنوارَ الجمالِ به / فربّةُ السّجْفِ فيه كاِبنِ مُزنتِهِ
قد أنشأ الغُنجَ شيطانُ الغرامِ به / فقامَ يدعو إلى شيطانِ فِتنتهِ
والحُسنُ فيه لسلطان الهوى أخذتْ / يَداهُ في كلّ قلبٍ عقْدَ بَيعتِهِ
أقمارُه لحديدِ الهِندِ حاملةٌ / تحمي شُموسَ العَذارَى في أهلّتهِ
اللّهَ يا أهلَ هذا الحيّ في دنفٍ / يُجيبُ رجعَ أغانيكُم برنّتِهِ
ضيفٌ ألمّ كإلمامِ الخيالِ بكُم / إليكُمُ حملَتْهُ ريحُ زفرَتِهِ
صبٌّ غريقُ الهوى في لُجِّ مدمَعِه / فأينَ نوحُ رضاكُم من سفينتِهِ
اللّهَ في نفس مصدورٍ بكم خرجَتْ / أمشاجُها كلَفاً فيكم بنفثتِهِ
فحبَّكم لتُحبّوهُ فهام وما / يدري محبّتَهُ تصحيف محنتهِ
صُنتم صِغارَ اللآلي من مباسِمكُم / عنه وغِرتُم على ياقوتِ عَبرتِهِ
فكم أسيرِ رُقادٍ عنه رِقَّكُمُ / فادى جُفونَكمُ المرضى بصحّتهِ
يا حاكِمي الجور فينا من معاطِفِكم / تعلّموا العدلَ واِنحوا نحو سُنّتهِ
قلبي لدى بعضِكم رهنٌ وبعضُكُمُ / هذا دمي صارَ مطلولاً بوجنَتِهِ
وذا اِبنُ عينيَّ خالٌ في مورّدِه / وذاك نومِيَ مسروقٌ بمُقلتِهِ
أفدي بكم كلَّ مخصورٍ ذُؤابتُه / تتلو لنا ذِكرَ فِرعونٍ وفِرقتِهِ
كأنّما الخِضرَ فيما نال شارَكه / ففي المراشِفِ منه طعمُ جُرعَتِهِ
أُعيذُ نفسي بكم من سحرِ أعيُنكُم / فإنّ أصلَ بلائي من بليّتِهِ
في كلِّ نوعٍ مُرادٍ من محاسِنكُم / نوعٌ من الموتِ يأتينا بصورتِهِ
يكادُ قلبي إذا مرّ النّسيمُ بكُم / عليهِ في النارِ يَحمى من حميّتهِ
يا حبّذا غُرُّ أيّامٍ بنا سلَفَتْ / على منىً ولَيالينا بحمرَتِهِ
أوقاتُ أُنسٍ كسَتْ وجهَ الزّمانِ سنىً / كأنّما هُنّ أقمارٌ بظُلمتِهِ
كم نشّقتنا رَياحينَ الوِصالِ به / يدُ الرِّضا وسقَتْنا كأسَ بهجَتِهِ
كأنّ لُطفَ صَباها في أصائِلِها / لُطفُ الوزيرِ حُسينٍ في رعيّتهِ
فُزْنا بها وأمِنّا كلَّ حادثةٍ / كأنّما نحنُ في أيّامِ دولتِهِ
مضَتْ وللآنَ عِندي ليس يفضُلُها / شيءٌ من الدّهر إلّا يومُ نُصرتِهِ
يومٌ به أعيُنُ الأعداءِ باكيةٌ / والسّيفُ يبسِمُ مخضوباً بعزّتِهِ
والحتفُ يترعُ كاساتِ النّجيعِ به / والرُمْحُ يهتزّ نَشواناً بخَمرِتهِ
والذّنبُ أصبحَ مَسروراً ومُبتَهِجاً / واللّيثُ يندُبُ مفجوعاً بإخوَتِهِ
لقد رَماها بموّارٍ ذوابلُهُ / مثل الصِّلالِ تسقّتْ سُمَّ عزمَتِهِ
جيشٌ إذا سار يكسو الجوَّ عِثْيَرُه / فتَعثُرُ الشّمسُ في أذيال هَبوَتِهِ
دُروعُه الحزمُ من تسديد سيّده / وبيضُ راياتِه آراءُ حِكمَتِهِ
إذا الجبالُ له في غارةٍ عرَضَتْ / إلى الرّحيلِ تنادَتْ عوفَ وطأتِهِ
ترى به كلَّ مِقدامٍ بكلِّ وغىً / يرى حُصولَ الأماني في منيّتِهِ
شهمٌ إذا ما غديرُ الدِّرعِ جلّلَهُ / منهُ توهّمتَ ثُعباناً بحِليتِهِ
وإنْ تأبّطْتَ سيفاً خِلتَهُ قدَراً / يجري وتجري المنايا تحت قُدرتِهِ
فأصبحَ الحيُّ منها حين صبّحَها / يذري الدُموعَ على الصّرعى بعرْصَتِهِ
قد توّجَ الضّربَ بالهاماتِ مَعقِلُهُ / وورّدَ الطّعْنُ منه خدَّ تُربتِهِ
لم يدْرِ يفرحُ في فتحِ الحُسينِ له / إذ حازَهُ أم يعزّى في أعزَّتِهِ
فتحٌ أتاهُ وكان الصومُ ملبسَهُ / فهزّ عِطفَيْهِ في ديباجِ خِلعَتِهِ
أشابَ فودَيْهِ بالأهوالِ أوّلُه / وعاد أوّلُ يومٍ من شَبيبتِهِ
فتحٌ تراه المعالي نورَ أعيُنها / ويكتسي المجدَ فيه يومُ زينتهِ
إذا الرّواةُ أتوا في ذِكره سطَعَتْ / مجامرُ النّدِّ من ألفاظِ قصّتِهِ
سلِ الهُفوفَ عن الأعرابِ كم ترَكوا / منَ الكُنوزِ وجنّاتٍ ببقعَتِهِ
وسائِلِ الجيشَ عنهُم كم بهِم نسفَتْ / عواصِفُ النّصرِ طوقاً عندَ سطوَتِهِ
ما هُمْ بأوّلِ قومٍ حيَّهُم فرَدوا / فأهلكوا برُجومٍ من أسنّتِهِ
يَضيقُ رحبُ الفضا في عينِ هاربِهم / خوفاً وأضيقُ منها دِرعُ حِيلتِهِ
يا خالديّونَ خُنتُم عهدَ سيّدِكم / هلّا وفَيتُم وخِفتُم بأسَ صَولَتِهِ
يحيا دُعاكُم لمولاكُم لتقتَبِسوا / من نورِه فاِصطَلَيْتُم نارَ جَذوتِهِ
من جيشهِ أحرقَتْكُم نارُ صاعقةٍ / فكيفَ لو تنجلي أنوارُ طلعتِهِ
عارَضتموهُ بسِحرٍ من تخيّلِكُم / فكان موسى ويَحيى مثلَ حيَّتِهِ
أضلّكُم عن هُداكُم سامريُّكُمُ / حتّى اِتّخذتُم إلَهاً عِجلَ ضِلّتِهِ
كُنتُم بفوزٍ وجَنّاتٍ فأخرَجَكُم / إبليسُ منها وحُزتُم خِزيَ لَعنتِهِ
بَرّاكَ ربُّك ما برّاكَ منهُ ولا / خُصِصْتَ في برَكاتٍ من عطيّتِهِ
كفرْتَ في ربِّكَ الثاني وخُنتَ به / يَكفيكَ ما فيكَ من حِرمانِ نِعمتِهِ
يا زينةَ المُلكِ بل يا تاجَ سُوددِه / وحِليةَ الفخرِ بل يا طَرْزَ حُلّتِهِ
إن كان من فتحِ عمّوريّةٍ بقِيَتْ / ذُرّيّةٌ من بَنيه أو عَشيرتِهِ
فإنّ فتحَك هذا فذُّ توأمِه / وإنّ نصرَك هذا صِنْوُ نَخلتِهِ
لو كان يدري له في القَبرِ مُعتَصِمٌ / لَقامَ حَيا وعادَتْ رُوحُ غيرَتِهِ
فليَهْنِكَ اللّهُ في النّصرِ العزيزِ وفي ال / فتحِ المُبين وفي إدراكِ رِفعَتِهِ
وليتَ والدَكَ المرحومَ يشهدُ ما / منكَ الحُضورُ رَواهُ حالَ غَيبتِهِ
مَنْ مُبلِغٌ عنكَ هذا الفتحَ مسمَعَهُ / لكَيْ تكونَ سَواءً في مسرّتهِ
سَمعاً فديتُك مَدحاً من حليفِ ولاً / عليهِ صِدقُ وِلاءٍ من عَقيدتِهِ
مدحاً على وجنتَيْهِ ورْدَتا خجَلي / منكُم وأوضحَ عُذري فوقَ غُرّتِهِ
بوجهِه من ظُنوني في مكارِمِكُم / آثارُ حُسْنٍ وبِشْر فوقَ بَشْرَتِهِ
أحرَقْتَ بالصّدِّ عودي فاِسْتطابَ شذاً / أمَا تُشمُّ مَديحي طيبَ نفحتِهِ
هذا الّذي كان في ظرفي نضحْتُ به / فاِرشُفْ طِلا كأسِه واِلذذ بشَهْدَتِهِ
واِغفِر فِدىً لك نفسي ذنبَ مُعتَرِفٍ / بفضلكِم مُستَقيلٍ من خطيئَتِهِ
كُنْ كيفَ شِئْتَ فما لي عنكَ مُصطَبَرٌ / واِرْفُقْ بمَنْ أنت مَلزومٌ بذِمّتِهِ
لا زِلتَ يا اِبنَ عليٍّ رُكنَ بيتِ عُلاً / تهوي الوُجوهُ سُجوداً نحوَ كعْبَتِهِ
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى / فأدرَكْتَ في ضربِ الطُّلا الدّولةَ الغَرّا
وسِرْتَ على شوكِ العَوالي إلى العُلا / ومَنْ رامَ إدراكَ العُلا يركَبِ الوَعْرا
لِكَسْبِ الثّنا خُضْتَ الحُتوفَ وإنّما / يخوضُ عُبابَ البحرِ مَنْ يطلُب الدُّرّا
إذا عرَضَتْ دونَ المُنى لكَ لجّةٌ / منَ الحتفِ صيّرْتَ الحديدَ لها جِسْرا
وإنْ غشِيَتْ نورَ البصائِرِ ظُلمةٌ / جلَبْتَ من الرّأيِ السّديدِ بها فجْرا
درَى المُلكُ يا يَحْيى بأنّك قلبُه / فضمّكَ حتّى منهُ أسكنَكَ الصّدْرا
جلَسْتَ على كُرسيّهِ فأزَنْتَهُ / فأصبحْتَ كالتّوريدِ في وجنةِ العَذْرا
خلَتْ منه إحدى راحتَيْكَ فحُزْتَهُ / بسعيِك بعد الفوْتِ بالرّاحةِ الأخرى
فخاتَمُهُ لم ينتزع من يَمينِه / سوىً كان بالكفِّ اليَمين أو اليُسرى
فما البصرةُ الفيحاءُ إلّا قِلادةٌ / ونحرُك من دونِ النّحورِ بها أحرى
وما هي إلّا ذاتُ حُسْنٍ تعجّبَتْ / قد اِتّخذَتْ جيشَ الأُسودِ لها خِدرا
حَصانٌ بِهالاتِ الحُصونِ تسوّرَتْ / مُخدِّمةً تستخدمُ البيضَ والسُّمرا
تَمادى زَماناً وعدُها فتمنّعَتْ / وجادَتْ بوصلٍ بعدَما مطلَتْ دَهْرا
ولَجْتَ قُلوبَ البيضِ كالسّرِّ نحوَها / وخُضْتَ بلِمّاتِ الملمّاتِ كالمِدْرا
تزوّجْتَها من بعدِ ما فاتَها الصِّبا / فأمْسَتْ لديكَ الآنَ ثيّبُها بِكرا
نسجْتَ لها حُمرَ الملابِسِ بالوغى / وألبَسْتَها في سِلمِك الحُلَلَ الخَضْرا
جعلتَ رؤوسَ المُعتدينَ نِثارَها / وأنقَذْتَ من بيضِ الحديدِ لها المَهْرا
دخلتَ عليها بعدما اِنكشفَ الغِطا / فكُنتَ لعوراتِ الزّمانِ لها سِترا
رجَعْتَ إليها بالولايةِ بعدَما / عرَجْتَ عُروجَ الرّوحِ في ليلةِ الإسْرا
ترحّلْتَ عنها كالهِلالِ ولم تزَلْ / تنقّلُ حتّى عُدْتَ في أفْقِها بَدْرا
وفارقَها محروقةَ القلبِ ثاكِلاً / وأُبْتَ فأبدَتْ من مسرّتِها البِشْرا
لئِنْ منحَتْكَ اليومَ جهراً وصالَها / لقد كان هذا الأمرُ في نفسِها سِرّا
فكم مرّ عامٌ وهي تُخفي حنينَها / إليكَ وتُحيي ليلَها كلَّه سَهْرا
لأمرٍ عَدا كانت تصدُّ إذا رأتْ / لوصلِك وقتاً لم تجِدْ دونَه عُذرا
بسُمْر القَنا ورّدْتَ في الطّعنِ خدّها / وبالبيضِ قد رتّلْتَ من ثغرِها الثّغرا
لقد أبصرَتْ بعد العَمى فيكَ عينُها / وأحدثَ في أجفانِها فتحُك السِّحرا
وقلّدْتَ في عقدِ المكارِمِ جيدَها / ووشّحْتَ منها في صنائِعِكَ الخَصْرا
وأضحَكْتَها بعدَ البُكا في صوارمٍ / متى اِبتسمت في الروعِ تستضحكُ النّصرا
ورشّقْتُها حتّى حكى التِبْر تُربها / ولو لم تكنْ في أرضِها أصبحتْ قَفْرا
فكُنتَ لها لمّا اِستويتَ بعرشِها / كيوسُفَ إذ ولّاهُ سيّدُه مِصْرا
فلم تجزِ أهلَ الكَيْدِ يوماً بكَيدِهم / ولم تصطَنِعْ غَدْراً بمَن صنَع الغَدْرا
وهبْتَ جميعَ المُذنبينَ نُفوسَهم / فأوسَعْتَهُم عُذراً وأثقلتَهُم شُكرا
وجودُك فيها للعبادِ مسرّةٌ / لأنّك بدرٌ وهيَ بالشّرفِ الزّهرا
حوَيْتَ الثّنا والبأسَ والحزْمَ والنُهى / وحُزْتَ النّدى والعفوَ والحِلمَ والصّبْرا
عمَرْتَ بُيوتَ المجدِ بعدَ خرابِها / فجدّدْتَ يا يَحيى لأمواتِها عُمْرا
بخُفّيكَ يَمشي النعلُ وهوَ حديدةٌ / يَفوقُ على تاجِ النُّضارِ على كسْرى
وفيكَ ثرى الفيحاءِ لمّا حلَلْتَها / تشرّفَ حتّى شارفَ الأنجُمَ الزُّهْرا
تَهَنَّ بها مُستَمْتِعاً واِلْقَ وجهَها / ببِشرٍ يسرّي الهمّ عن مُهجةِ الغَرّا
فلا برِحَتْ أيدي المَلاحةِ والصِّبا / على وجنتَيْها تجمَعُ الماءَ والجَمْرا
وزُفَّ الطّلا واِشرَب على وردِ خدِّها / فشُرْبُ الطِلا يحلو على الوجنةِ الحَمرا
ولا صحّ مُعتلُّ النّسيمِ ولا صحَتْ / بعصرِكَ فيها أعيُنُ الخرّدِ السّكْرى
ولا زِلْتَ غيثاً هامياً وهي روضةٌ / مدى الدّهرِ تَجني من خَمائِلِها الزّهْرا
سلامٌ حَكى في حُسنِه لُؤلؤَ العِقدِ
سلامٌ حَكى في حُسنِه لُؤلؤَ العِقدِ / وضُمِّخَ منه الجَيبُ بالعنبرِ الوَرْدِ
وأروى تحيّاتٍ تغنّى بروضِها / حَمامُ الثّنا شُكراً على فنَنِ الوُدِّ
وخير دُعاءٍ قد أصابَ إجابةً / بسهمِ خُشوعٍ فوّقَتْهُ يدُ المجدِ
منَ المخلِصِ المَملوكِ يُهدي كرامةً / إلى السيّدِ المعروفِ بالفضلِ والوَفْدِ
إلى اِبنِ الكِرامِ الفاخرينَ ذوي العُلا / حليفِ النّدى المولى الحُسينِ أخي الرُشْدِ
سَحابٌ إذا اِستَسقى العُفاةُ نوالَهُ / يَجودُ بِلا وعدٍ ويَهمي بلا رَعْدِ
كريمٌ إذا هبّ السّؤالُ بسَمْعِه / يُنبّهُ عن أخلاقهِ حدقَ الوَردِ
بمولدِه طابَ الزّمانُ وأهلُه / وشبّ وقرّتْ مُقلةُ العدلِ والمجدِ
يرقُّ إذا رقّ النسيمُ لدى النّدى / ويَقسو لدى الهيجاءِ كالحجَرِ الصّلْدِ
تكوّن من بأسٍ وجودٍ وبأسُه / بأعضائِهِ يوري وراحاتُه تُندي
إذا جادَ يوماً من بني المُزنِ خِلتَهُ / وإنْ هزّ سيفاً خِلتَهُ من بَني الأُسْدِ
تكمّل في وجهِ السّعادةِ وجهُه / فأشرقَ في إكليلِه قمرُ السّعْدِ
ألا فاِحمِلي يا ريحُ منّي أمانةً / تحدِّثُ عن حِفظِ العُهودِ له عِندي
رسالةَ مُشتاقٍ إليه كأنّما / تنفّسَ منها الصُّبحُ عن عبَقِ النّدِّ
وعنّيَ قبِّل يا رسولُ يمينَهُ / وبُثَّ لديه ما أُجِنُّ من الوَجْدِ
وبلّغْهُ تسليمي عليه فعلّه / يُجيبُك في ردِّ السّلامِ على البُعدِ
فذلك مَنٌّ منهُ كالمَنّ طعمُه / يلَذُّ به سَمعي ويَشفى به كبدي
وإنّي لمَمنونٌ لديكَ بقصدِه / ولو كنتَ مجرى كالدُموعِ على خدّي
ويا لَيتَها نعلٌ برجلَيْكَ شُرِّفا / بتُربةِ وادِيه المقدّسِ من جِلدي
عليهِ سلامُ اللّهِ ما حنّ شيّقٌ / وأوْرَتْ صَباباتُ الغرامِ صَبا نجْدِ
ما اِشتُقَّ بياضُ مِسكِها الكافورِ
ما اِشتُقَّ بياضُ مِسكِها الكافورِ / مِسكَ الشَّعَرِ
إلّا كسرَ الضُحى بتركِ النّورِ / زَنْجَ السَّحَرِ
خودٌ كَحُلَتْ جُفونُها بالغَسَقِ / واِفترّ شُنيبُها لنا عن فلَقِ
قد ضمّ لثامُها شُعاعَ الشّفقِ /
واِستُودِعَ فجرُ نحرِها البلّوري / شُهْبَ الدُرَرِ
واِنبثّ ظلامُ فرعِها الدّيجوري / فوقَ القمرِ
الخمرُ ملقَّبٌ بفِيها برُضابْ / والطّلعُ بَدا بثغرِها وهْو حُبابْ
والدُرُّ بنُطقِها مُسمّى بخِطابْ /
بِكرٌ بزغَتْ ببَيْتِها المعْمورِ / شمسُ الخفَرِ
واِنقضّ حولَ سحْفِها المَزْرورِ / شُهْبُ السَّمَرِ
ما الرُمحُ ببالغٍ مَدى قامتِها / والصّارمُ معتزٍ إلى مُقلَتِها
والسّهْمُ رَوى النّفوذَ عن لفتَتِها /
لم أحسَب قبلَ طرفِها المَسحورِ / عِينَ البَقَرِ
أن تصرع في خِبا العيونِ الحُورِ / أُسدَ البشَرِ
من مَبسَمِها العذبِ إن بانَ بريقٌ / يا شامتَها اِحرمي فواديكِ عَقيق
من رَشْفِ رُضابِها ومن لثْمِ عَتيق /
والقدُّ قضيبُه بَدا بالطّور / مُرخى الحِبرِ
والخصرُ نطاقُه ثَوى بالغَور / تحت الأُزُرِ
فاقَتْ بجمالِها على الظّبي كما / بالبأسِ مَليكُنا على الليثِ سَما
بحرٌ بنوالِه على البحرِ طَما /
نجلُ المَلِكِ المظفّرِ المنصورِ / حسَنُ السِيَرِ
سيفٌ ضُربَتْ به رِقابُ الجَورِ / سهمُ الغِيَرِ
شهمٌ نظمَ الثّنا له الشُّهْبُ عُقودْ / والبدرُ له إلى محيّاهُ سُجودْ
والدّهرُ مقيّدٌ لديه بقُيودْ /
والحتفُ أمام جيشِه المَنصورِ / كالمُؤتَمرِ
والبحرُ إلى خضمِّه المَسجورِ / كالمُفتقِرِ
سامي رُتَبٍ تقدّسَتْ أسماهُ / هامي نِعمٍ تظاهرَتْ آلاهُ
الحمدُ له فلا جَوادَ إلّا هو /
روضٌ حسُنَتْ فِعالُه كالنّورِ / غِبَّ المطَرِ
قِرنٌ بسريِّ سيفِه المشهورِ / إحدى الكُبَرِ
مولىً لكلامِه عَنى قولُ لَبيد / سَحْبانُ لديهِ إن جرى البحثُ بَليدْ
قارٍ لسِنٍ مهذّبِ اللفظِ مُجيدْ /
بالرُّمحِ يخُطُّ بالدّمِ المحضورِ / فوقَ الطُّرَرِ
يحكي بفُصولِ سجْعِه المنثورِ / نظْمَ السّورِ
يا مَنْ بيَديهِ مجمَعُ الأرزاقِ / والمُسرِفُ في نَوالِه المُهْراقِ
اِقْصد فلقَد دملتَ في الإنفاقِ /
واِكفُف فيَسيرُ جودِكِ المَيسورِ / فوقَ الوَطَرِ
واِربَع فبَطيُّ سعيِكَ المَشكورِ / جريُ القَدَرِ
نوروزُ أتاكَ زائِراً يا برَكَهْ / بالخَيرِ إليكَ عائِدٌ والبرَكَهْ
فاِشرِفْ بسَمائِه وزيّنْ فلكَهْ /
واِشرَب طرَباً بغَفلةِ المَقدورِ / كأسَ الظَّفَرِ
واِسرُر أبداً ودُمْ لنفْخِ الصّورِ / عالي السُّررِ
فخرُ الوَرى حيدريٌّ عمَّ نائِلُهُ
فخرُ الوَرى حيدريٌّ عمَّ نائِلُهُ / فجرُ الهُدى ذو المَعالي الباهراتِ علي
نجمُ السُّهى فلكيّاتٌ مراتِبُه / بادي السّنا نيّرٌ يسمو على زُحَلِ
ليثُ الثّرى قبَسٌ تَهمي أنامِلُه / غيثُ النّدى مورِدٌ أشهى من العسَلِ
بدْرُ البَها أفُقٌ تَبدو كواكِبُه / شمسُ الدُّنا صُبْحُ ليلِ الحادِثِ الجَلَلِ
سامي الذَرى صاعدٌ تُخشى نوازِلُه / حتفُ العِدا ضارِبُ الهاماتِ والقُللِ
طودُ النُّهى عندَ بيتِ المالِ صاحِبُه / سِمطُ الثّنا زينةُ الأجيادِ والدُّولِ
طِبُّ القِرى كفُّ يُمنِ الدّهرِ كاهِلُهُ / نابُ الرّدى أجلٌ في صورةِ الرَّجُلِ
روضٌ زَها منهلٌ طابَتْ مشارِبُه / روحُ المُنى منبعُ الآلاءِ والخَوَلِ
بحرٌ جَرى علقَميٌّ مُجَّ عاسِلُه / مُروي الصّدى مورِدِ العسّالةِ الذُّبُلِ
مُعطي اللّهى نبويّاتٌ مناقبُه / رحبُ الفنا نجلُ خيرِ الخلْقِ والرُسُلِ
مَقْنى الثّرى فاضلٌ عمّت فواضِلُه / عفُّ الرِّدا علَويٌّ طاهرُ الخُلَلِ
دهرٌ دَها قدَرٌ دارَتْ نوائِبُه / كنزُ الغِنى كهفُ أمْنِ الخائِفِ الوجِلِ
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً / وفتىً يسحَرُ العُقولَ بيانُهْ
والفصيحُ الذي إذا قال شِعراً / خِلتَهُ ينظِمُ النّجومَ لِسانُهْ
لكَ من جوهرِ الكلامِ نِظامٌ / زانَ ما بينَ دُرِّه مَرْجانُهْ
ومَعان مثل اليواقيتِ أضحى الل / لفظُ فيها مرصّعاً عِقبانُه
عِقدُه في نُحورِ حورِ القوافي / وعلى معصمِ البلاغةِ حانُهْ
هو للشّاربينَ روحٌ وراحٌ / بل وروضٌ زَها بهِ ريحانُهْ
لو رأى ما نَبَيْتَ عنه اِبنُ عادٍ / جلَّ في عينِه وهانَتْ جِنانُه
أو ليَعقوبَ منه جاؤوا بشيءٍ / ذهبَتْ عن فؤادِه أحزانُه
يا بديعاً فاقَ الورى وأديباً / رقّ طبعاً وراقَ فيه زمانُه
أنتَ أتحَفْتَني بأبلغِ مدحٍ / جلَّ قَدْراً وفي فؤادي مكانُهْ
دُرُّ ألفاظِه على الدُرِّ يُزري / بل وتُزري على الشّموسِ حِسانُهْ
منّةٌ منهُ كالأمانةِ عنديَ ال / قِدْرُ منها ثقيلةُ أوزانُهْ
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا / واِنْثُرْ به دُررَ الدّموعِ على الثّرى
واِنظُرْ بغُرّتِه الهِلالَ إذا اِنجَلى / مُستَرجِعاً متفجِّعاً متفكّرا
واِقطِف ثِمارَ الحُزنِ من عُرجونِه / واِنحَر بخَنجَرِه بمُقلَتِك الكَرى
واِنْسَ العَقيقَ وأُنْسَ جيرانِ النّقا / واِذْكُر لنا خبرَ الصّفوفِ وما جَرى
واِخلَع شِعارَ الصّبرِ منك وزُرَّ مِنْ / خِلَعِ السَّقامِ عليكَ ثوباً أصفَرا
فثِيابُ ذي الأشجانِ أليَقُها بهِ / ما كان من حُمرِ الثّيابِ مُزَرَّرا
شهرٌ بحُكمِ الدّهرِ فيه تحكّمتْ / شَرُّ الكِلابِ السّودِ في أسَدِ الشّرى
للّهِ أيُّ مُصيبةٍ نزلَتْ به / بكَتِ السّماءُ لها نجيعاً أحمَرا
خطْبٌ وهَى الإسلامُ عندَ وُقوعِه / لبِسَتْ عليهِ حِدادَها أمُّ القُرى
أوَ مَا ترى الحرَمَ الشّريفَ تكادُ من / زفَراتِه الجَمَراتُ أن تتسعّرا
وأبا قُبَيس في حَشاهُ تصاعدَتْ / قبَساتُ وجْدٍ حرُّها يَصلي حِرا
علِمَ الحطيمُ به فحطّمَهُ الأسى / ودَرى الصّفا بمُصابه فتكدّرا
واِستَشْعَرَتْ منه المشاعِرُ بالبَلا / وعَفا محسَّرُها جوىً وتحسَّرا
قُتِلَ الحُسينُ فيا لَها من نَكبةٍ / أضحى لها الإسلامُ منهدِمَ الذُّرا
قتْلٌ يدلُّكَ إنّما سرُّ الفِدا / في ذلك الذِبْحِ العظيمِ تأخّرا
رُؤيا خليلِ اللّهِ فيهِ تعبّرَتْ / حقّاً وتأويلُ الكِتابِ تفسّرا
رُزْءٌ تدارَكَ منه نفْسُ محمّدٍ / كَدَراً وأبكى قبرَهُ والمِنْبَرا
أهدى السّرورَ لقلبِ هِندٍ واِبنها / وأساءَ فاطمةً وأشجى حيدَرا
ويلٌ لقاتلِه أيدري أنّهُ / عادى النبيَّ وصِنوَهُ أمْ ما دَرى
شُلّتْ يَداهُ لقد تقمّصَ خِزيةً / يأتي بها يومَ الحِسابِ مؤزَّرا
حُزني عليه دائِمٌ لا ينقضي / وتصبُّري منّي عليَّ تعذَّرا
وا رَحمَتاهُ لصارِخاتٍ حولهُ / تبكي لهُ ولوَجْهِها لنْ تَسْتُرا
ما زالَ بالرُّمحِ الطّويلِ مُدافعاً / عنها ويكْفَلُها بأبيضَ أبْتَرا
ويَصونُها صونَ الكريمِ لعِرْضِه / حتّى له الأجَلُ المُتاحُ تقدّرا
لهفي على ذاكَ الذّبيحِ من القَفا / ظُلْماً وظلّ ثلاثةً لن يُقْبَرا
مُلقىً على وجهِ التُرابِ تظنّه / داودَ في المحرابِ حينَ تسوّرا
لهفي على العاري السّليبِ ثيابُه / فكأنّه ذو النّونِ يُنبَذُ بالعَرا
لهفي على الهاوي الصّريعِ كأنّه / قمرٌ هَوى من أوجِه فتكوّرا
لهفي على تلكَ البَنانِ تقطّعتْ / لو أنّها اِتّصلَتْ لكانتْ أبحُرا
لهفي على العبّاسِ وهو مجنْدَلٌ / عرضَتْ منيّتُهُ له فتعثّرا
لحِقَ الغُبارُ جَبينَهُ ولَطالَما / في شأوِه لحِقَ الكرامَ وغبّرا
سلَبَتْهُ أبناءُ اللِّئامِ قميصَهُ / وكَسَتْهُ ثوباً بالنّجيعِ معَصْفَرا
فكأنّما أثرُ الدِّماءِ بوجهِه / شفقٌ على وجهِ الصّباحِ قد اِنْبَرا
حُرٌّ بنصرِ أخيهِ قام مُجاهِداً / فهَوى المَماتَ على الحياةِ وآثَرا
حفِظَ الإخاءَ وعهدَهُ فوفى له / حتّى قضى تحت السّيوفِ معفَّرا
مَنْ لي بأن أفدي الحُسينَ بمُهجَتي / وأرى بأرضِ الطّيفِ ذاك المحْضَرا
فلوِ اِستطَعْتُ قذَفْتُ حبّةَ مُقلتي / وجعلْتُ مدفِنَهُ الشريفَ المَحجرا
روحي فِدى الرّاسِ المُفارِقِ جسمَهُ / يُنشي التِلاوةَ ليلَهُ مُستَغفِرا
رَيحانةٌ ذهبَتْ نضارةُ عودِها / فكأنّها بالتُّربِ تَسقي العَنْبَرا
ومضرّجٍ بدمائِه فكأنّما / بجُيوبِه فتّتَّ مِسكاً أذْفَرا
عَضْبٌ يدُ الحِدثانِ فلّتْ غَربَهُ / ولَطالما فلقَ الرؤوسَ وكسّرا
ومثقّفٍ حطَمَ الحِمامُ كُعوبَه / فبكى عليهِ كلُّ لَدْنٍ أسْمَرا
عَجباً له يشكو الظّماءَ وإنّه / لو لامَسَ الصّخرَ الأصمَّ تفجّرا
يلِجُ الغُبارَ به جَوادٌ سابِحٌ / فيَخوضُ نَقعَ الصّافِناتِ الأكْدَرا
طلبَ الوصولَ إلى الوُرودِ فعاقَهُ / ضَرْبٌ يَشُبُّ على النّواصي مِجْمَرا
ويلٌ لمَنْ قتَلوهُ ظمآناً أمَا / علِموا بأنّ أباهُ يَسْقي الكَوثَرا
لم يَقتُلوهُ على اليقينِ وإنّما / عرضَتْ لهُم شُبَهُ اليهودِ تصوُّرا
لعنَ الإلهُ بَني أميّةَ مِثلما / داودُ قد لعنَ اليَهودَ وكَفرا
وسَقاهُمُ جُرَعَ الحميمِ كما سَقَوْا / جُرَعَ الحِمامِ اِبْنَ النّبيِّ الأطْهَرا
يا لَيْتَ قومي يُولَدونَ بعصْرِه / أو يسمعونَ دُعاءَهُ مُستَنصِرا
ولوَ اِنّهُم سمِعوا إذاً لأجابَه / منهُم أُسودُ شَرىً مؤيَّدَةُ القُرى
من كلِّ شهمٍ مهدَويٍّ دأبُه / ضرْبُ الطُّلا بالسّيفِ أو بَذْلُ القِرى
من كلِّ أنمُلةٍ تجودُ بعارضٍ / وبكلِّ جارحةٍ يُريكَ غضَنْفَرا
قومٌ يَروْنَ دمَ القُرونِ مُدامةً / ورياضَ شُربِهم الحديدَ الأخضَرا
يا سادَتي يا آلَ طهَ إنّ لي / دَمعاً إذا يجري حديثُكُمُ جرَى
بي منكُمُ كاِسمي شِهابٌ كلّما / أطفَيْتُهُ بالدّمعِ في قلبي وَرى
شرّفتُموني في زكيِّ نِحارِكُم / فدُعيتُ فيكُم سيّداً بينَ الوَرى
أهوى مدائِحَكُم فأنظِمُ بعضَها / فأرى أجلَّ المَدْحِ فيكُم أصغَرا
ينحطُّ مَدحي عن حقيقةِ مدحِكُم / ولوَ اِنّني فيكُم نظَمْتُ الجَوهَرا
هَيهاتَ يَستوفي القريضُ ثناءَكُم / لو كان في عددِ النّجومِ وأكثَرا
يا صفوةَ الرّحمنِ أبرَأُ من فتىً / في حقِّكُم جحَدَ النّصوصَ وأنْكَرا
وأعوذُ فيكُم من ذُنوبٍ أثْقَلَتْ / ظهري عسى بولائِكُم أن تُغْفَرا
فبِكُم نجاتي في الحياةِ من الأذى / ومنَ الجحيمِ إذا ورَدْتُ المَحْشَرا
فعليكُمُ صلّى المُهيمِنُ كلّما / كرَّ الصّباحُ على الدُّجى وتكوَّرا
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ / فصدْرُ العُلى من قلبِه بعدَهُ صُفْرُ
وغُيِّبَ منه في الثّرى نيّرُ الهُدى / فغارَتْ ذُكاءُ الدّينِ واِنكسَفَ البدْرُ
وماتَ النّدى فلْتَرْثِهِ ألسُنُ الثّنا / وليثُ الوَغى فلتَبْكِه البيضُ والسُّمرُ
فحقُّ المعالي أن تشُقَّ جُيوبَها / عليهِ وتنْعاهُ المكارمُ والفخرُ
هو الماجِدُ الوهّابُ ما في يَمينِه / هوَ العابِدُ الأوّابُ والشّفْعُ والوِتْرُ
هوَ الحُرُّ يومَ الحربِ تُثْني حِرابُه / عليهِ وفي المِحرابِ يعرفُه الذِّكرُ
فلا تحسبَنّ الدّهرَ أهلكَ شخصَهُ / ولكنّهُ في موتِه هلكَ الدّهرُ
فلو دفَنوهُ قومُه عندَ قدْرِه / لجلَّ ولو أنّ السِّماكَ له قَبْرُ
وما دَفْنُه في الأرضِ إلّا لعِلْمِنا / به أنّه كنزٌ لها ولَنا ذُخْرُ
وما غَسْلُه بالماءِ إلّا تطوّعاً / وإلّا فَقولا لي متى نَجُسَ البحرُ
فتىً يورِدُ الهِنديَّ وهْوَ حديدةٌ / ويَصدِقُ فيه وهوَ من علَقٍ تِبْرُ
حَوى الفضلَ والإيثارَ والزُّهْدَ والنُّهى / وصاحَبهُ المعروفُ والجودُ والبِرُّ
تعطّلَتِ الأحكامُ بعد وفاتِه / وضاعَتْ حُدودُ اللَّهِ والنهيُ والأمرُ
فهل لفُروضِ الدّينِ والنّفْلِ حرمةٌ / وهل لليالي القَدْرِ من بعدِه قَدْرُ
يعِزُّ على المُختارِ والصّنوِ رُزْؤُه / لعِلمِهما في أنّه الوَلَدُ البَرُّ
فغيرُ مَلومٍ جازِعٌ لمُصابِه / ففي مثلِ هذا الخطْبِ يُستَقبَحُ الصّبْرُ
أجَلُّ بَني المَهديّ لو أنّهُ اِدّعى / وقال أنا المهديُّ وازَرَهُ الخضْرُ
كريمٌ كأنّ اللّهَ أخّرَ موتَهُ / ليكسِبَ فيهِ الأجْرَ مَنْ فاتَهُ بَدْرُ
فكيفَ رياضُ الحُزنِ يبسِمُ نَوْرُها / وترجو حياةً بعدَما هلَكَ القَطْرُ
وكيفَ نُرجّي أنّ لليلِ آخِراً / وفي ظُلُماتِ الأرضِ قد دُفِنَ الفَجْرُ
فأيُّ عِظامٍ في ثَراهُ عظيمةٍ / تجِلُّ وعن إرثائِها يصغُرُ الشِّعْرُ
نصلّي عليها وهي عنّا غنيّةٌ / ولكنّنا فيها لنا يعظُمُ الأجْرُ
ونُثني عليها رغبةً في ثنائِها / ليَعبَقَ في الأفواهِ من طيبِها عِطْرُ
ترفَّعْنَ عن قدْرِ المَراثي جلالةً / وعنْ أدمُعِ الباكي ولو أنّها دُرُّ
فمَنْ لليَتامى والأرامِلِ بعدَهُ / وممّنْ نرجّي النّقْعَ إنْ مسّنا الضُّرُّ
كأنّ الورى من حولِه قبلَ بعثِهم / دَعاهُم من الأجداثِ في يومِه الحَشْرُ
لَئِنْ غدرَتْ فيه اللّيالي فإنّها / بكُلِّ وفيِّ العهدِ شيمَتُها الغَدْرُ
وما ضرّها لو أنّها في عبيدِه / منَ الخَلقِ يُفْدى ذلكَ السيّدُ الحُرُّ
سَرَتْ نسمةُ الرُّضوانِ نحو ضريحِه / ولا زالَ فيها من شَذا طِيبِه نَشْرُ
وفي ذمّةِ الرّحمنِ خيرُ مودَّعٍ / أقامَ لدَينا بعدَهُ الوَجْدُ والفِكْرُ
تناءَى فللدُّنيا عليهِ وأهلِها / بُكاءٌ وحزْنٌ والجِنانُ لها بِشْرُ
دعَتْهُ لوصْلِ الحورِ طوبى فزارَها / ولم يدْرِ فيمَنْ بعدَهُ قتلَ الهَجْرُ
فلا يَشْمَتِ الحُسّادُ فيه فإنّه / سترغمُهُمْ بالموتِ أبناؤهُ الغُرُّ
لَئِنْ سلِمَتْ أبناؤهُ وبَنوهُمُ / فويلُ العِدا ولْيَفرَحِ الذّئْبُ والنَّسْرُ
فُروعٌ تَسامَتْ للعُلا وهْوَ أهلُها / فطابَتْ وفي أفنانِها أثّرَ الشُّكْرُ
مُلوكٌ زكَتْ أخلاقُهم فكأنّهُم / حدائِقُ جنّاتٍ وأخلاقُهُم زَهْرُ
كأنّ عليّاً بينهُم بَدْرُ أربعٍ / وعَشْرٍ أضاءَتْ حولَهُ أنجُمٌ زُهرُ
إذا ما عليٌّ كان في المجدِ والعُلا / سَليماً فلا زَيدٌ يَقولُ ولا عَمْرُو
يَهونُ علينا وقْعُ كلِّ ملمّةٍ / إذا كان موجوداً وإن فدَحَ الأمرُ
أمَولايَ هذا عادةُ الدّهرِ في الوَرى / وليس بهِ خيرٌ يَدومُ ولا شَرُّ
فعُذْراً لِما يَجنِيهِ فيكُم فكَمْ وكَمْ / لهُ عِندَكُم من قبلُ فادحةٌ وِتْرُ
عَسى اللّهُ يَجزيكَ الثّوابَ مُضاعَفاً / ويَعقُبُ عُسْرَ الأمرِ منْ بَعدِهِ يُسْرُ
ويُلْهِمُكَ الصّبرَ الجميلَ بفَضلِهِ / ويمتدُّ في الحظِّ السّعيدِ لكَ العُمْرُ
إلى اللّهِ نَشكو فادِحاتِ النّوائِبِ
إلى اللّهِ نَشكو فادِحاتِ النّوائِبِ / فقد فجَعَتْنا في أجلِّ المَطالبِ
رمَتْنا برُزْءٍ لو رمَتْ فيه يَذبُلاً / لزُلزِلَ منه راسِخاتُ الجوانِبِ
فتبّاً لدهْرٍ لا تزالُ خُطوبُه / تُطالِبُ في أوتارِها كلَّ طالِبِ
كأنّ الليالي فيهِ في بعضِها لهُمْ / قد اِتّصلَتْ أرحامُها بالنّواصِبِ
فإنّا وإنْ ساءَتْ إلَيْنا صُروفُها / فقد حسّنَتْ أخلاقُنا بالتّجارِبِ
فيا لَيْتَها فدّتْ حُسَيْناً بما تَشا / منَ الوَفْدِ من ماشٍ إليهِ وراكِبِ
لقد شَفعَتْ يومَ الصّفوفِ بمِثلِه / وثنّتْ بلَيثٍ من لُؤيِّ بنِ غالِبِ
هِزَبْرٌ تَرى بيضَ العَطايا بكفّهِ / وحُمرَ المَواضي بينَ حُمرِ المَخالِبِ
صوارمُه في أوجُهِ الموتِ أعيُنٌ / وأقوُسُه منها مَكانَ الحَواجِبِ
فتىً كانَ كالتّوريدِ في وجنةِ العُلى / وكالعِقْدِ حُسناً في نُحورِ المَراتِبِ
فلا اِنطَبَقَتْ عينُ العُلا بعدَ فَقدِه / ولا اِبتسَمَ الهِنديُّ في كفِّ ضارِبِ
عزيزٌ ثَوى تحتَ التُرابِ بحُفرةٍ / فيا لَيتَها محفورة في التّرائِبِ
فلا تحسَبوهُ من دُجى القبرِ راهِباً / ألَيْسَ المُحيّا منهُ مصباحَ راهِبِ
سَقى اللّهُ مَثواهُ بعَفْوٍ ورَحمةٍ / وأولاهُ سِتراً يومَ كَشْفِ المَعايبِ
وما فَقْرُ مَثواه الرّويِّ إلى الحَيا / وفيهِ انطَوى بحرٌ لذيذ المَشاربِ
وما في بَناتِ النّعشِ حاجةُ نعشِهِ / كفى ما حوَتْهُ من حِسانِ المَناقِبِ
نعَتْهُ السّما والأرضُ حتّى بكَتْ له / جُفونُ الغَوادي بالدّموعِ السّواكِبِ
ورقّ القَنا حُزناً عليهِ صُدوره / وحنّتْ إليهِ صاهِلاتُ السّلاهِبِ
وشقّتْ عليهِ الأبعَدونَ جُيوبَها / منَ الوجدِ فضلاً عن قُلوبِ الأقارِبِ
قضى فقضى المعروفُ والبأسُ والرّجا / وضاقَتْ علينا واسِعاتُ المَذاهِبِ
فليسَ عليه القلبُ من أُسْدِ قومِه / بأجزَعَ من خُمْصِ الذِّئابِ السّواغِبِ
فقُلْ لبَني الحاجاتِ كُفّوا عنِ السُّرى / فوا خَيبةَ المسعى وفَوْتَ المآرِبِ
أرى الأرضَ حالَتْ دونَه فتكسّفَتْ / لمرآهُ أقمارُ الدُّجى والملاعِبِ
سنَبْكيهِ ما عِشنا وإنْ قلَّ دَمعُنا / أزَدْناهُ منّا بالقُلوبِ الذّوائِبِ
فلا سلِمَتْ نفْسٌ من الوَجدِ لم تَذُبْ / عليهِ ولا قلبٌ غَدا غيرَ واجِبِ
سلِ الأرضَ عنهُ هل تصدّى فِرِندُه / فعَهدي به نَصْلٌ صَقيلُ المَضارِبِ
وهل أقْشَعَتْ مُزْنُ النّدى من بَنانِه / فعِلميَ فيها وهْيَ عشْرُ سَحائِبِ
وهل دُفِنَتْ منهُ الشّمائِلُ في الثّرى / فمركزُها الأصليُّ بين الكواكِبِ
فما للثّنا من بعدِه بهجةٌ ولو / سرَقْنا المعاني من ثَنايا الكَواعِبِ
متى بعدَهُ الأيّامُ تُطفي أُوامَنا / وقد غوّرَتْ بالأرضِ بحرَ المَواهِبِ
وأنّى لنا منها نُحاولُ راحةً / وقد أوقعَتْنا في أشقِّ المَتاعِبِ
كريمٌ غدَتْ راحاتُه بعد موتِه / لعاداتِها مبسوطةً للرّغائِبِ
تمكّن منهُ الموتُ في قَبضِ روحِه / ولم يتمكّنْ عندَ قبضِ الرّواجِبِ
أدامَ علينا فَقْدُه الليلَ سَرْمَداً / فلم نلْقَ فجراً بعدَهُ غيرَ كاذِبِ
كأنّ قُرونَ الحالِقاتِ لرُزْئِه / لنا وصلَتْ عُمرَ الدُّجى بالذّوائِبِ
فلو لم يُتِمِّ اللّهُ نورَ الهُدى لنا / بوالدِه عِشْنا بسُودِ الغَياهِبِ
أبي الجُودِ والتّقوى عليّ أخي النّدى / ذُكاءِ المعالي بدرِ شُهبِ الكَتائِبِ
جوادٌ بأرضِ الكَرخَتَيْنِ مُقامُه / ومعروفُه يَسري إلى كلِّ طالبِ
عسى اللّهُ يُبقي عُمرَه ويمدُّه / ويَكفيهِ في الدّارَينِ سوءَ العَواقِبِ
ولا شهِدَتْ عيناهُ بينَ أحبّةٍ / ولا سمِعَتْ أُذْناهُ صوتَ النّوادِبِ
ولا برِحَتْ أبناؤهُ وبَنوهُمُ / تحِفُّ به للنّصْرِ من كلِّ جانبِ
أُسودٌ إذا شُدَّتْ ثعالِبُ لُدْنِهم / تَصيدُ أسودَ الصيدِ صيدُ الثّعالِبِ
رياضٌ سقَتْها الفاطميّاتُ درَّها / وأزْكى فروعٍ من أصولٍ أطايِبِ
سُلالاتُ أرحامٍ من الرِّجْسِ طُهِّرَتْ / مَيامينُ أنجابٌ أتَوْا من نَجائِبِ
وقاهُ وإيّاهُم من السّوءِ ربُّهم / وبلّغَهُم أسنى المُنى والمطالِبِ
هوى الكوكبُ الدُرّيّ من أفُقِ المجدِ
هوى الكوكبُ الدُرّيّ من أفُقِ المجدِ / فتبّاً لقلبٍ لا يذوبُ من الوجدِ
وتَعْساً لعَينٍ لا تَفيضُ دموعُها / فقد غاضَ بحرٌ من مُلوك بَني المَهدي
تداركَهُ كسْفُ الرّدى بعد تمِّه / فحالَ وحالَتْ دونَه ظُلمَةُ اللّحْدِ
مضى فالنُّهى من بعدِه واجِدُ الحَشا / وصدرُ العُلى من بعدِه فاقِدُ الخَلْدِ
برَتْهُ المَنايا وهْوَ عُضْوٌ من النّدى / فأصبحَ كفّ المَكرُماتِ بلا زَنْدِ
ألا فاِندُبوا يا وافِدونَ اِبنَ مُحسنٍ / فقد هُدّ رُكْنُ الجودِ من كعبةِ الوفدِ
وعزّوا بني السّاداتِ فيهِ فإنّما / بهِ رُفِعَتْ من ذِكرِهم سورةُ الحَمدِ
تَوارَى فأورى في القُلوبِ صَبابةً / فحيّاً ومَيْتاً لم يزَلْ واريَ الزَّنْدِ
هو اِبنُ رسولِ اللّهِ والجوهرُ الّذي / تكوّن من نورِ النّبوّةِ والرُّشْدِ
لقد وهَبَ الدّنيا لأكرَمِ والِدٍ / وآثرَ في طوبى القُدوم على الجَدِّ
تنازعُ فيه الحورُ حُبّاً وغيرةً / وتَغبِطُهُ الوُلدانُ في جنّةِ الخُلْدِ
لوَ اِنّ بناتِ النّعْشِ في سَمْكِ نعشِه / لَصارَتْ لبَدْر التّمِّ من أكرَمِ الوُلْدِ
فحقّاً لمَلْكِ الحوْزِ يَشكو فِراقَهُ / فعَنْ غابه قد غابَ خيرُ بني الأُسْدِ
وحقّاً لِعَيْنِ الحربِ تبكي له دَماً / فقد فقدَتْ في فَقْدِه سَيفَها الهِنْدي
وحقُّ العُلى أن تنبُشَ الأرضَ بعدَهُ / فقد ضيّعَتْ في التُّرْبِ واسطةَ العِقْدِ
سرى طيبُه في الأرض حتّى كأنّما / تبدّلَ منها الطيبُ بالعَنبَرِ الوَردي
فحسبُكِ يا أكفانَهُ فيهِ مَفْخَراً / فإنّكِ من نصلِ العُلا موضعُ الغِمدِ
ويا نَعشَهُ باللّهِ كيفَ حملْتَهُ / ويا لحدَهُ كيف اِنطوَيْتَ على أحْدِ
جَوادٌ على آثارِ آبائِه جرى / وأجدادِه الغُرِّ الغطارِفةِ اللُّدِّ
ولو لم تعُقْهُ الحادثاتُ عن المَدى / لأدركَ من غاياتِهم غايةَ القَصْدِ
ولو أنّ شقَّ الجيبِ قد ردّ فائِتاً / لقلّ وإنّي قد شقَقْتُ لهُم كِبْدي
ولو قبِلَ الموتُ الفِداءَ فديتُه / ولكنّهُ لن يُعطيَ الحُرَّ بالعَبْدِ
بَنو المجدِ لا أصمَتْكُمُ أسهُمُ الرّدى / ولا شلّتِ الأيامُ منكُم يَدَ الرِّفدِ
ولا اِمتحَنَتْ بالبَينِ يوماً عُيونكُم / ولا أحرقَتْ أحشاءَكُم لوعةُ البُعدِ
ولا برِحَتْ آراءُكم وأكفُّكُم / مصابيحُها تَهدي وراحاتُها تُجدي
فَخرُ الوَرَى ذو المَعَالي البَاهِرَاتِ عَلِي
فَخرُ الوَرَى ذو المَعَالي البَاهِرَاتِ عَلِي / نَجمُ السُّهَى نَيّرٌ يَسمُو عَلَى زُحَلِ
لَيثُ الثَّرَى مَورِدٌ أَشهَى مِنَ العَسَلِ / بَدرُ البَهَا صُبحُ لَيلِ الحَادِثِ الجَلَلِ
سَامِي الذرَى ضَارِبُ الهَامَاتِ والقُلَلِ / طَودُ النُّهَى زِينَةُ الأَجيَادِ وَالدُّوَلِ
طِبُّ القِرَى أَجلٌ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ / رَوضٌ زَهَا مَنبَعُ الآلاءِ والخَوَلِ
بَحرٌ جَرَى مَورِدِ العَسَّالَةِ الذُّبُلِ / مُعطِي اللّهَى نَجلُ خَيرِ الخَلقِ والرُّسُلِ
مَقنَى الثَّرَى عَلَوِيٌّ طَاهِرُ الخُلَلِ / دَهرٌ دَهَا كَهفُ أَمنِ الخَائِفِ الوَجِلِ
حَيدَرِيٌّ عَمَّ نَائِلُهُ
حَيدَرِيٌّ عَمَّ نَائِلُهُ / ذُو المَعَالِي البَاهِرَاتِ عَلِي
فَلَكِيَّاتٌ مَرَاتِبهُ / نَيّرٌ يَسمُو عَلَى زُحَلِ
قَبَسٌ تَهمِي أَنَامِلُهُ / مَورِدٌ أَشهَى مِنَ العَسَلِ
أُفُقٌ تَبدُو كَوَاكِبُهُ / صُبح لَيلِ الحادِثِ الجَلَلِ
صَاعِدٌ تُخشَى نَوَازِلُهُ / ضَارِبُ الهَامَاتِ والقُلَلِ
عِندَ بَيتِ المَالِ صَاحِبُهُ / زِينَةُ الأَجيَادِ والدُّوَلِ
كَفُّ يُمنِ الدَّهرِ كَاهِلُهُ / أَجلٌ في صُورَةِ الرَّجُلِ
مَنهَلٌ طَابَت مَشَارِبُهُ / مَنبَعُ الآلاءِ والخَوَلِ
عَلقَمِيٌّ مُجَّ عَاسِلُهُ / مَورِدِ العَسَّالَةِ الذُّبُلِ
نَبَوِيَّاتٌ مَنَاقِبُهُ / نَجلُ خَيرِ الخَلقِ والرُّسُلِ
فَاضِلٌ عَمَّت فَوَاضِلُهُ / عَلَوِيٌّ طَاهِرُ الخُلَلِ
قَدَرٌ دَارَت نَوَائِبُهُ / كَهفُ أَمنِ الخَائِفِ الوَجِلِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025