القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صَفِيّ الدِّين الحِلّي الكل
المجموع : 899
كَفى البَدرَ حُسناً أَن يُقالَ نَظيرُها
كَفى البَدرَ حُسناً أَن يُقالَ نَظيرُها / فَيُزهى وَلَكِنّا بِذاكَ نَضيرُها
وَحَسبُ غُصونِ البانِ أَنَّ قَوامَها / يُقاسُ بِهِ مَيّادُها وَنَضيرُها
أَسيرَةُ حِجلٍ مُطلَقاتٌ لِحاظُها / قَضى حُسنُها أَن يُفَكَّ أَسيرُها
تَهيمُ بِها العُشّاقُ خَلفَ حِجابِها / فَكَيفَ إِذا ما آنَ مِنها سُفورُها
وَلَيسَ عَجيباً أَن غُرِرتُ بِنَظرَةٍ / إِلَيها فَمِن شَأنِ البُدورِ غُرورُها
وَكَم نَظرَةٍ قادَت إِلى القَلبِ حَسرَةً / يُقَطَّعُ أَنفاسَ الحَياةِ زَفيرُها
فَواعَجَبا كَم نَسلُبُ الأُسدَ في الوَغى / وَتَسلُبُنا مِن أَعيُنِ الحورِ حورُها
فُتورُ الظُبى عِندَ القِراعِ يُشيبُنا / وَما يُرهِفُ الأَجفانَ إِلّا فُتورُها
وَجُذوَةُ حُسنٍ في الحُدودِ لَهيبُها / يَشُبُّ وَلَكِن في القُلوبِ سَعيرُها
إِذا آنَسَتها مُقلَتي خَرَّ صاعِقاً / جَناني وَقالَ القَلبُ لا دُكَّ طورُها
وَسِربِ ظِباءٍ مُشرِقاتٍ شُموسُهُ / عَلى جَنَّةٍ عَدُّ النُجومِ بُدورُها
تُمانِعُ عَمّا في الكِناسِ أُسودُها / وَتَحرُسُ ما تَحوي القُصورُ صُقورُها
تَغارُ مِنَ الطَيفِ المُلِمَّ حُماتُها / وَيَغضَبُ مِن مَرِّ النَسيمِ غَيورُها
إِذا ما رَأى في النَومِ طَيفاً يَزورُها / تَوَهَّمَهُ في اليَومِ ضَيفاً يَزورُها
نَظَرنا فَأَعدَتنا السَقامَ عُيونُها / وَلُذنا فَأَولَتنا النُحولَ خُصورُها
وَزُرنا فَأُسدُ الحَيِّ تُذكي لِحاظَها / وَيُسمَعُ في غابِ الرِماحِ زَئيرُها
فَيا ساعِدَ اللَهُ المُحِبَّ لِأَنَّهُ / يَرَى غَمَراتِ المَوتِ ثُمَّ يَزورُها
وَلَمّا أَلَمَّت لِلزِيارَةِ خِلسَةً / وَسَجفُ الدَياجي مُسبَلاتٌ سُتورُها
سَعَت بِنا الواشونَ حَتّى حُجولُها / وَنَمَّت بِنا الأَعداءُ حَتّى عَبيرُها
وَهَمَّت بِنا لَولا غَدائِرُ شِعرِها / خُطى الصُبحِ لَكِن قَيَّدَتهُ ظُفورُها
لَيالِيَ يُعديني زَماني عَلى العِدى / وَإِن مُلِئَت حِقداً عَلَيَّ صُدورُها
وَيُسعِدُني شَرخُ الشَبيبَةِ وَالغِنى / إِذا شانَها إِقتارُها وَقَتيرُها
وَمُذ قَلَبَ الدَهرُ المِجَنَّ أَصابَني / صَبوراً عَلى حالٍ قَليلٍ صَبورُها
فَلو تَحمِلُ الأَيّامُ ما أَنا حامِلٌ / لَما كادَ يَمحو صِبغَةَ اللَيلِ نورُها
سَأَصبِرُ إِمّا أَن تَدورَ صُروفُها / عَلَيَّ وَإِمّا تَستَقيمُ أُمورُها
فَإِن تَكُنِ الخَنساءُ إِنِّيَ صَخرُها / وَإِن تَكُنِ الزَبّاءُ إِنّي قَصيرُها
وَقَد أَرتَدي ثَوبَ الظَلامِ بِحَسرَةٍ / عَلَيها مِنَ الشوسِ الحُماةِ جُسورُها
كَأَنّي بِأَحشاءِ السَباسِبِ خاطِرٌ / فَما وُجِدَت إِلّا وَشَخصي ضَميرُها
وِصادِيَةِ الأَحشاءِ غَضّي بِآلِها / يَعُزُّ عَلى الشِعرى العَبورِ عُبورُها
يَنوحُ بِها الخِرَّيتُ نَدباً لِنَفسِهِ / إِذا اِختَلَفَت حَصباؤُها وَصُخورُها
إِذا وَطِئَتها الشَمسُ سالَ لُعابُها / وَإِن سَلَكَتها الريحُ طالَ هَديرُها
وَإِن قامَتِ الحَربا تُوَسِّدُ شَعرَها / أَصيلاً أَذابَ الطَرفَ مِنها هَجيرُها
تَجَنَّبُ عَنها لِلحِذارِ جَنوبُها / وَتَدبِرُ عَنها في الهُبوبِ دَبورُها
خَبَرتُ مَرامي أَرضِها فَقَتَلتُها / وَما يَقتُلُ الأَرضينَ إِلّا خَبيرُها
بِخُطوَةِ مِرقالٍ أَمونٍ عِثارُها / كَثيرٍ عَلى وَفقِ الصَوابِ عِثورُها
أَلَذُّ مِنَ الأَنغامِ رَجعُ بَغامِها / وَأَطيَبُ مِن سَجعِ الهَديلِ هَديرُها
نُساهِمُ شِطرَ العَيشِ عيساً سَواهِماً / لِفَرطِ السُرى لَم يَبقَ إِلّا شُطورُها
حُروفاً كَنَوناتِ الصَحائِفِ أَصبَحَت / تُخَطُّ عَلى طِرسِ الفَيافي سُطورُها
إِذا نُظِمَت نَظمَ القَلائِدِ في البُرى / تَقَلَّدُها خُضرُ الرُبى وَنُحورُها
طَواها طَواها فَاِغتَدَت وَبُطونُها / تَجولُ عَليها كَالوِشاحِ ظُفورُها
يُعَبِّرُ عَن فَرطِ الحَنينِ أَنينُها / وَيُعرِبُ عَمّا في الضَميرِ ضُمورُها
تَسيرُ بِها نَحوَ الحِجازِ وَقَصدُها / مَلاعِبُ شِعبَي بابِلٍ وَقُصورُها
فَلَمّا تَرامَت عَن زَرودَ وَرَملِها / وَلاحَت لَها أَعلامُ نَجدٍ وُقورُها
وَصَدَّت يَميناً عَن شُمَيطٍ وَجاوَزَت / رُبى قَطَنٍ وَالشُهبُ قَد شَفَّ نورُها
وَعاجَ بِها عَن رَملِ عاجٍ دَليلُها / فَقامَت لِعِرفانِ المُرادِ صُدورُها
غَدَت تَتَقاضانا المَسيرَ لِأَنَّها / إِلى نَحوِ خَيرِ المُرسَلينَ مَسيرُها
تَرُضُّ الحَصى شَوقاً لِمَن سَبَّحَ الحَصى / لَدَيهِ وَحَيّا بِالسَلامِ بَعيرُها
إِلى خَيرِ مَبعوثٍ إِلى خَيرِ أُمَّةٍ / إِلى خَيرِ مَعبودٍ دَعاها بَشيرُها
وَمَن أُخمِدَت مَع وَضعِهِ نارُ فارِسٍ / وَزُلزِلَ مِنها عَرشُها وَسَريرُها
وَمَن نَطَقَت تَوراةُ موسى بِفَضلِهِ / وَجاءَ بِهِ إِنجيلُها وَزَبورُها
وَمَن بَشَّرَ اللَهُ الأَنامَ بِأَنَّهُ / مُبَشِّرُها عَن إِذنِهِ وَنَذيرُها
مُحَمَّدُ خَيرُ المُرسَلينَ بِأَسرِها / وَأَوَّلُها في الفَضلِ وَهوَ أَخيرُها
أَيا آيَةَ اللَهِ الَّتي مُذ تَبَلَّجَت / عَلى خَلقِهِ أَخفى الضَلالَ ظُهورُها
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا خَيرَ مُرسَلٍ / إِلى أُمَّةٍ لَولاهُ دامَ غُرورُها
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا خَيرَ شافِعٍ / إِذا النارُ ضَمَّ الكافِرينَ حَصيرُها
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يامَن تَشَرَّفَت / بِهِ الإِنسُ طُرّاً وَاِستَتَمَّ سُرورُها
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا مَن تَعَبَّدَت / لَهُ الجِنُّ وَاِنقادَت إِلَيهِ أُمورُها
تَشَرَّفَتِ الأَقدامُ لَمّا تَتابَعَت / إِلَيكَ خُطاها وَاِستَمَرَّ مَريرُها
وَفاخَرَتِ الأَفواهُ نورَ عُيونِنا / بِتُربِكَ لَمّا قَبَّلَتهُ ثُغورُها
فَضائِلُ رامَتها الرُؤوسُ فَقَصَّرَت / أَلَم تَرَ لِلتَقصيرِ جُزَّت شُعورُها
وَلَو وَفَتِ الوُفّادُ قَدرَكَ حَقَّهُ / لَكانَ عَلى الأَحداقِ مِنها مَسيرُها
لِأَنَّكَ سِرُّ اللَهِ الأَيَّدِ الَّتي / تَجَلَّت فَجَلّى ظُلمَةَ الشَكِّ نورُها
مَدينَةُ عِلمٍ وَاِبنُ عَمِّكَ بِابُهاَ / فَمِن غَيرِ ذاكَ البابِ لَم يُؤتَ سورُها
شَموسٌ لَكُم في الغَربِ رُدَّت شَموسُها / بِدورٌ لَكُم في الشَرقِ شُقَّت بِدَورُها
جِبالٌ إِذا ما الهَضبُ دُكَّت جِبالُها / بِحارٌ إِذا ما الأَرضُ غارَت بُحورُها
فَآلُكَ خَيرُ الآلِ وَالعِترَةُ الَّتي / مَحَبَّتُها نُعمى قَليلٌ شَكورُها
إِذا جولِسَت لِلبَذلِ ذُلَّ نِظارُها / وَإِن سوجِلَت في الفَضلِ عَزَّ نَظيرُها
وَصَحبُكَ خَيرُ الصَحبِ وَالغُرَرُ الَّتي / بِها أَمِنَت مِن كُلِّ أَرضٍ ثُغورُها
كُماةٌ حُماةٌ في القِراعِ وَفي القِرى / إِذا شَطَّ قاريها وَطاشَ وَقورُها
أَيا صادِقَ الوَعدِ الأَمينِ وَعَدتَني / بِبُشرى فَلا أَخشى وَأَنتَ بَشيرُها
بَعَثتُ الأَماني عاطِلاتٍ لِتَبتَغي / نَداكَ فَجاءَت حالِياتٍ نُحورُها
وَأَرسَلتُ آمالاً خِماصاً بُطونُها / إِلَيكَ فَعادَت مُثقَلاتٍ ظُهورُها
إِلَيكَ رَسولَ اللَهِ أَشكو جَرائِماً / يُوازي الجِبالَ الراسِياتِ صَغيرُها
كَبائِرُ لَو تُبلى الجِبالُ بِحَملِها / لِدُكَّت وَنادى بِالثُبورِ ثَبيرُها
وَغالِبُ ظَنّي بَل يَقينِيَ أَنَّها / سُتُمحى وَإِن جَلَّت وَأَنتَ سَفيرُها
لِأَنّي رَأَيتُ العُربَ تَخفُرُ بِالعَصا / وَتَحمي إِذا ما أَمَّها مُستَجيرُها
فَكَيفَ بِمَن في كَفِّهِ أَورَقَ العَصا / تُضامُ بِيَ الآمالُ وَهوَ خَفيرُها
وَبَينَ يَدَي نَجوايَ قَدَّمتُ مَدحَةً / قَضى خاطِري أَلّا نُجيبَ خَطيرُها
يُرَوّي غَليلَ السامِعينَ قُطارُها / وَيَجلو عُيونَ الناظِرينَ قَطورُها
هِيَ الراحُ لَكِن بِالمَسامِعِ رَشفُها / عَلى أَنَّهُ تَفنى وَيَبقى سُرورُها
وَأَحسَنُ شَيءٍ أَنَّني قَد جَلَوتُها / عَليكَ وَأَملاكُ السَماءِ حُضورُها
تَرومُ بِها نَفسي الجَزاءَ فَكُن لَها / مُجيزاً بِأَن تُمسي وَأَنتَ مُجيرُها
فَلِاِبنِ زُهَيرٍ قَد أَجَزتَ بِبُردَةٍ / عَلَيكَ فَأَثرى مِن ذَويهِ فَقيرُها
أَجِرني أَجِزني وَاِجزِني أَجرَ مِدحَتي / بِبَردٍ إِذا ما النارُ شَبَّ سَعيرُها
فَقابِل ثَناها بِالقُبولِ فَإِنَّها / عَرائِسُ فِكرٍ وَالقَبولُ مُهورُها
وَإِن زانَها تَطويلُها وَاِطِّرادُها / فَقَد شانَها تَقصيرُها وَقُصورُها
إِذا ما القَوافي لَم تُحِط بِصِفاتِكُم / فَسِيّانِ مِنها جَمُّها وَيَسيرُها
بِمَدحِكَ تَمَّت حِجَّتي وَهيَ حُجَّتي / عَلى عُصبَةٍ يَطغى عَلَيَّ فُجورُها
أَقُصُّ بِشِعري إِثرَ فَضلِكَ واصِفاً / عُلاكَ إِذا ما النَاسُ قُصَّت شُعورُها
وَأَسهَرُ في نَظمِ القَوافي وَلَم أَقُل / خَليلَيَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرُها
خَمِدَت لِفَضلِ وِلادِكَ النيرانُ
خَمِدَت لِفَضلِ وِلادِكَ النيرانُ / وَاِنشَقَّ مِن فَرَحٍ بِكَ الإيوانُ
وَتَزَلزَلَ النادي وَأَوجَسَ خيفَةً / مِن هَولِ رُؤياهُ أَنو شِروانُ
فَتَأَوَّلَ الرُؤيا سَطيحُ وَبَشَّرَت / بِظُهورِكَ الرُهبانُ وَالكُهّانُ
وَعَلَيكَ إِرمِيّا وَشَعيا أَثنَيا / وَهُما وَحِزقيلٌ لِفَضلِكَ دانوا
بِفَضائِلٍ شَهِدَت بِهِنَّ السُحبُ وَالت / تَوراةُ وَالإِنجيلُ وَالفُرقانُ
فَوُضِعتَ لِلَّهِ المُهَيمِنِ ساجِداً / وَاِستَبشَرَت بِظُهورِكَ الأَكوانُ
مُتَكَمِّلاً لَم تَنقَطِع لَكَ سُرَّةٌ / شَرَفاً وَلَم يُطلَق عَلَيكَ خِتانُ
فَرَأَت قُصورَ الشامِ آمِنَةٌ وَقَد / وَضَعَتكَ لا تَخفى لَها أَركانُ
وَأَتَت حَليمَةُ وَهيَ تَنظُرُ في اِبنِها / سِرّاً تَحارُ لِوَصفِهِ الأَذهانُ
وَغَدا اِبنُ ذي يَزَنٍ بِبَعثِكَ مُؤمِناً / سِرّاً لِيَشهَدَ جَدَّكَ الدِيّانُ
شَرَحَ الإِلَهُ الصَدرَ مِنكَ لِأَربَعٍ / فَرَأى المَلائِكَ حَولَكَ الإِخوانُ
وَحُبِيتَ في خَمسٍ بِظِلِّ غَمامَةٍ / لَكَ في الهَواجِرِ جِرمُها صيوانُ
وَمَرَرتَ في سَبعٍ بِدَيرٍ فَاِنحَنى / مِنهُ الجِدارُ وَأَسلَمَ المِطرانُ
وَكَذاكَ في خَمسٍ وَعِشرينَ اِنثَنى / نَسطورُ مِنكَ وَقَلبُهُ مَلآنُ
حَتّى كَمَلتَ الأَربَعينَ وَأَشرَقَت / شَمسُ النُبوَّةِ وَاِنجَلى التَبيانُ
فَرَمَت رُجومُ النَيِّراتِ رَجيمَها / وَتَساقَطَت مِن خَوفِكَ الأَوثانُ
وَالأَرضُ فاحَت بِالسَلامِ عَلَيكَ وَال / أَشجارُ وَالأَحجارُ وَالكُثبانُ
وَأَتَت مَفاتيحُ الكُنوزِ بِأَسرِها / فَنَهاكَ عَنها الزَهدُ وَالعِرفانُ
وَنَظَرتَ خَلفَكَ كَالإِمامِ بِخاتَمٍ / أَضحى لَديهِ الشَكُّ وَهوَ عِيانُ
وَغَدَت لَكَ الأَرضُ البَسيطَةُ مَسجِداً / فَالكُلُّ مِنها لِلصَلاةِ مَكانُ
وَنُصِرتَ بِالرُعبِ الشَديدِ عَلى العِدى / وَلَكَ المَلائِكُ في الوَغى أَعوانُ
وَسَعى إِلَيكَ فتى سَلامَ مُسَلِّماً / طَوعاً وَجاءَ مُسَلِّماً سَلمانُ
وَغَدَت تُكَلِّمُكَ الأَباعِرُ وَالظِبا / وَالضَبُّ وَالثُعبانُ وَالسِرحانُ
وَالجِزعُ حَنَّ إِلى عُلاكَ مُسَلِّماً / وَبِبَطنِ كَفِّكَ سَبَّحَ الصُوّانُ
وَهَوى إِلَيكَ العِذقُ ثُمَّ رَدَدتَهُ / في نَخلَةٍ تُزهى بِهِ وَتُزانُ
وَالدَوحَتانِ وَقَد دَعَوتَ فَأَقبَلا / حَتّى تَلاقَت مِنهُما الأَغصانُ
وَشَكا إِلَيكَ الجَيشُ مِن ظَمَإٍ بِهِ / فَتَفَجَّرَت بِالماءِ مِنكَ بَنانُ
وَرَدَدتَ عَينَ قَتادَةٍ مِن بَعدِ ما / ذَهَبَت فَلَم يَنظُر بِها إِنسانُ
وَحَكى ذِراعُ الشاةِ مُودَعَ سُمَّهُ / حَتّى كَأَنَّ العُضوَ مِنهُ لِسانُ
وَعَرَجتَ في ظَهرِ البُراقِ مُجاوِزَ ال / سَبعِ الطِباقِ كَما يَشا الرَحمانُ
وَالبَدرُ شُقَّ وَأَشرَقَت شَمسُ الضُحى / بَعدَ الغُروبِ وَما بِها نُقصانُ
وَفَضيلَةٌ شَهِدَ الأَنامُ بِحَقِّها / لا يَستَطيعُ جُحودَها إِنسانُ
في الأَرضِ ظِلَّ اللَهِ كُنتَ وَلَم يَلُح / في الشَمسِ ظِلُّكَ إِن حَواكَ مَكانُ
نُسِخَت بِمَظهَرِكَ المَظاهِرُ بَعدَ ما / نُسِخَت بِمِلَّةِ دينِكَ الأَديانُ
وَعَلى نُبُوَّتِكَ المُعَظَّمِ قَدرُها / قامَ الدَليلُ وَأُوضِحَ البُرهانُ
وَبِكَ اِستَغاثَ الأَنبِياءُ جَميعُهُم / عِندَ الشَدائِدِ رَبَّهُم لِيُعانوا
أَخَذَ الإِلَهُ لَكَ العُهودَ عَلَيهِمُ / مِن قَبلِ ما سَمَحَت بِكَ الأَزمانُ
وَبِكَ اِستَغاثَ اللَهَ آدَمُ عِندَما / نُسِبَ الخِلافُ إِلَيهِ وَالعِصيانُ
وَبِكَ اِلتَجا نوحٌ وَقَد ماجَت بِهِ / دُسرُ السَفينَةِ إِذ طَغى الطوفانُ
وَبِكَ اِغتَدى أَيّوبُ يَسأَلُ رَبَّهُ / كَشفَ البَلاءِ فَزالَتِ الأَحزانُ
وَبِكَ الخَليلُ دَعا الإِلَهَ فَلَم يَخَف / نَمرودَ إِذ شُبَّت لَهُ النيرانُ
وَبِكَ اِغتَدى في السِجنِ يوسُفُ سائِلاً / رَبَّ العِبادِ وَقَلبُهُ حَيرانُ
وَبِكَ الكَليمُ غَداةَ خاطَبَ رَبَّهُ / سَأَلَ القَبولَ فَعَمَّهُ الإِحسانُ
وَبِكَ المَسيحُ دَعا فَأَحيا رَبُّهُ / مَيتاً وَقَد بَلِيَت بِهِ الأَكفانُ
وَبِكَ اِستَبانَ الحَقُّ بَعدَ خَفائِهِ / حَتّى أَطاعَكَ إِنسُها وَالجانُ
وَلَوَ اَنَّني وَفَّيتُ وَصفَكَ حَقَّهُ / فَنِيَ الكَلامُ وَضاقَتِ الأَوزانُ
فَعَلَيكَ مِن رَبِّ السَلامِ سَلامُهُ / وَالفَضلُ وَالبَرَكاتُ وَالرُضوانُ
وَعَلى صِراطِ الحَقِّ آلُكَ كُلَّما / هَبَّ النَسيمُ وَمالَتِ الأَغصانُ
وَعلى اِبنُ عَمِّكَ وارِثِ العِلمِ الَّذي / ذَلَّت لِسَطوَةِ بَأسِهِ الشُجعانُ
وَأَخيكَ في يَومِ الغَديرِ وَقَد بَدا / نورُ الهُدى وَتَآخَتِ الأَقرانُ
وَعَلى صَحابِتَكَ الَّذينَ تَتَبَّعوا / طُرُقَ الهُدى فَهَداهُمُ الرَحمانُ
وَشَرَوا بِسَعيِهِمُ الجِنانَ وَقَد دَرَوا / أَنَّ النُفوسَ لِبَيعِها أَثمانُ
يا خاتَمَ الرُسلِ الكِرامِ وَفاتِحَ ال / نِعمِ الجِسامِ وَمَن لَهُ الإِحسانُ
أَشكو إِلَيكَ ذُنوبَ نَفسٍ هَفوُها / طَبعٌ عَليهِ رُكَّبَ الإِنسانُ
فَاِشفَع لِعَبدٍ شَأنَهُ عِصيانُهُ / إِنَّ العَبيدَ يَشينُها العِصيانُ
فَلَكَ الشَفاعَةُ في مُحِبّيكُم إِذا / نُصِبَ الصِراطُ وَعُلِّقَ الميزانُ
فَلَقَد تَعَرَّضَ لِلإِجازَةِ طامِعاً / في أَن يَكونَ جَزاءَهُ الغُفرانُ
فَيروزَجُ الصُبحِ أَم يا قوتَةُ الشَفَقِ
فَيروزَجُ الصُبحِ أَم يا قوتَةُ الشَفَقِ / بَدَت فَهَيَّجَتِ الوَرقاءَ في الوَرَقِ
أَم صارِمُ الشَرقِ لَمّا لاحَ مُختَضِباً / كَما بَدا السَيفُ مُحمَرّاً مِنَ العَلَقِ
وَمالَتِ القُضبُ إِذ مَرَّ النَسيمُ بِها / سَكرى كَما نُبِّهَ الوَسنانُ مِن أَرَقِ
وَالغَيمُ قَد نُشِرَت في الجَوِّ بُردَتُهُ / سِتراً تُمَدُّ حَواشيهِ عَلى الأُفُقِ
وَالسُحبُ تَبكي وَثَغرُ البَرَّ مُبتَسِمٌ / وَالطَيرُ تَسجَعُ مِن تيهٍ وَمِن شَبَقِ
فَالطَيرُ في طَرَبٍ وَالسُحبُ في حَربٍ / وَالماءُ في هَرَبٍ وَالغُصنُ في قَلَقِ
وَعارِضُ الأَرضِ بِالأَنوارِ مُكتَمِلٌ / قَد ظَلَّ يَشكُرُ صَوبَ العارِضِ الغَدِقِ
وَكَلَّلَ الطَلُّ أَوراقَ الغُصونِ ضُحىً / كَما تَكَلَّلَ خَدُّ الخَودِ بِالعَرَقِ
وَأَطلَقَ الطَيرُ فيها سَجعَ مَنطِقَهِ / ما بَينَ مُختَلِفٍ مِنهُ وَمُتَّفِقِ
وَالظِلُّ يَسرِقُ بَينَ الدَوحِ خُطوَتَهُ / وَلِلمِياهِ دَبيبٌ غَيرُ مُستَرَقِ
وَقَد بَدا الوَردُ مُفتَرّاً مَباسِمُهُ / وَالنَرجِسُ الغَضُّ فيها شاخِصُ الحَدَقِ
مِن أَحمَرٍ ساطِعٍ أَو أَخضَرٍ نَضِرٍ / أَو أَصفَرٍ فاقِعٍ أَو أَبيَضٍ يَقَقِ
وَفاحَ مِن أَرَجِ الأَزهارِ مُنتَشِراً / نَشرٌ تَعَطَّرَ مِنهُ كُلُّ مُنتَشِقِ
كَأَنَّ ذِكرَ رَسولِ اللَهِ مَرَّ بِها / فَأُكسِبَت أَرَجاً مِن نَشرِهِ العَبِقِ
مُحَمَّدُ المُصطَفى الهادي الَّذي اِعتَصَمَت / بِهِ الوَرى فَهَداهُم أَوضَحَ الطُرُقِ
وَمَن لَهُ أَخَذَ اللَهُ العُهودَ عَلى / كُلِّ النَبِيِّنَ مِن بادٍ وَمُلتَحِقِ
وَمَن رَقي في الطِباقِ السَبعِ مَنزِلَةً / ما كانَ قَطَّ إِلَيها قَبلَ ذاكَ رَقي
وَمَن دَنا فَتَدَلّى نَحوَ خالِقِهِ / كَقابِ قَوسَينِ أَو أَدنى إِلى العُنُقِ
وَمَن يُقَصِّرُ مَدحُ المادِحينَ لَهُ / عَجزاً وَيَخرَسُ رَبُّ المَنطِقِ الذَلِقِ
وَيُعوِزُ الفِكرُ فيهِ إِن أُريدَ لَهُ / وَصفٌ وَيَفضُلُ مَرآهُ عَنِ الحَدَقِ
عُلاً مَدحَ اللَهُ العَلِيُّ بِها / فَقالَ إِنَّكَ في كُلٍّ عَلى خُلُقِ
يا خاتَمَ الرُسلِ بَعثاً وَهوَ أَوَّلُها / فَضلاً وَفائِزُها بِالسَبقِ وَالسَبَقِ
جَمَعتَ كُلَّ نَفيسٍ مِن فَضائِلِهِم / مِن كُلِّ مُجتَمِعٍ مِنها وَمُفتَرِقِ
وَجاءَ في مُحكَمِ التَوراةِ ذِكرُكِ وَال / إِنجيلِ وَالصُحُفِ الأولى عَلى نَسَقِ
وَخَصَّكَ اللَهُ بِالفَضلِ الَّذي شَهِدَت / بِهِ لَعَمرُكَ في الفُرقانِ مِن طُرُقِ
فَالخَلقُ تُقسِمُ بِاِسمِ اللَهِ مُخلِصَةً / وَبِاِسمِكَ أَقسَمَ رَبُّ العَرشِ لِلصَدَقِ
عَمَّت أَياديكَ كُلَّ الكائِناتِ وَقَد / خُصَّ الأَنامُ بِجودٍ مِنكَ مُندَفِقِ
جودٌ تَكَفَّلتَ أَرزاقَ العِبادِ بِهِ / فَنابَ فيهِم مَنابَ العارِضِ الغَدِقِ
لَو أَنَّ جودَكَ لِلطوفانِ حينَ طَمَت / أَمواجُهُ ما نَجا نوحٌ مِنَ الغَرَقِ
لَو أَنَّ آدَمَ في خِدرٍ خُصِصتَ بِهِ / لَكانَ مِن شَرِّ إِبليسِ اللَعينِ وُقي
لَو أَنَّ عَزمَكَ في نارِ الخَليلِ وَقَد / مَسَّتهُ لَم يَنجُ مِنها غَيرَ مُحتَرِقِ
لَو أَنَّ بَأسَكَ في موسى الكَليمِ وَقَد / نوجي لَما خَرَّ يَومَ الطورِ مُنصَعِقِ
لَو أَنَّ تُبِّعَ في مَحلِ البِلادِ دَعا / لِلَّهِ بِاِسمِكَ وَاِستَسقى الحَيا لَسُقي
لَو آمَنَت بِكَ كُلُّ الناسِ مُخلِصَةً / لَم يُخشَ في البَعثِ مِن بَخسٍ وَلا رَهَقِ
لَو أَنَّ عَبداً أَطاعَ اللَهَ ثُمَّ أَتى / بِبُغضِكُم كانَ عِندَ اللَهِ غَيرَ تَقي
لَو خالَفَتكَ كُماةُ الجِنِّ عاصِيَةً / أَركَبتَهُم طَبَقاً في الأَرضِ عَن طَبَقِ
لَو تودَعُ البيضُ عَزماً تَستَضيءُ بِهِ / لَم يُغنِ مِنها صِلابُ البيضِ وَالدَرَقِ
لَو تَجعَلُ النَقعَ يَومَ الحَربِ مُتَّصِلاً / بِاللَيلِ ما كَشَفَتهُ غُرَّةُ الفَلَقِ
مَهَّدتَ أَقطارَ أَرضِ اللَهِ مُنفَتِحاً / بِالبيضِ وَالسُمرِ مِنها كُلُّ مُنغَلِقِ
فَالحَربُ في لُذَذٍ وَالشِركُ في عَوَذٍ / وَالدينُ في نَشَزٍ وَالكُفرُ في نَفَقِ
فَضلٌ بِهِ زينَةُ الدُنيا فَكانَ لَها / كَالتاجِ لِلرَأسِ أَو كَالطَوقِ لِلعُنقِ
صَلّى عَلَيكَ إِلَهُ العَرشِ ما طَلَعَت / شَمسُ النَهارِ وَلاحَت أَنجُمُ الغَسَقِ
وَآلِكَ الغُرَرِ اللّاتي بِها عُرِفَت / سُبلُ الرَشادِ فَكانَت مُهتَدى الفِرَقِ
وَصَحبِكَ النُجُبِ الصيدِ الَّذينَ جَرَوا / إِلى المَناقِبِ مِن تالٍ وَمُستَبِقِ
قَومٌ مَتى أَضمَرَت نَفسٌ اِمرِئٍ طَرَفاً / مِن بُغضِهِم كانَ مِن بَعدِ النَعيمِ شَقي
ماذا تَقولُ إِذا رُمنا المَديحَ وَقَد / شَرَّفتَنا بِمَديحٍ مِنكَ مُتَّفِقِ
إِن قَلتَ في الشِعرِ حُكمٌ وَالبَيانُ بِهِ / سِحرٌ فَرَغَّبتَ فيهِ كُلِّ ذي فَرَقِ
فَكُنتَ بِالمَدحِ وَالإِنعامِ مُبتَدِئاً / فَلَو أَرَدنا جَزاءَ البَعضِ لَم نُطِقِ
فَلا أَخُلُّ بِعُذرٍ عَن مَديحِكُمُ / ما دامَ فِكري لَم يُرتَج وَلَم يُعَقِ
فَسَوفَ أُصفيكَ مَحضَ المَدحِ مُجتَهِداً / فَالخَلقُ تَفنى وَهَذا إِن فَنيتُ بَقي
بِكُم يَهتَدي يا نَبِيَّ الهُدى
بِكُم يَهتَدي يا نَبِيَّ الهُدى / وَلِيٌّ إِلى حُبِّكُم يَنتَسِب
بِهِ يَكسِبُ الأَجرَ في بَعثِهِ / وَيَخلُصُ مِن هَولِ ما يَكتَسِب
وَقَد أَمَّ نَحوَكَ مُستَشفِعاً / إِلى اللَهِ مِمّا إِلَيهِ نُسِب
سَلِ اللَهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجاً / وَيَرزُقُهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِب
يا عِترَةَ المُختارِ يا مَن بِهِم
يا عِترَةَ المُختارِ يا مَن بِهِم / يَفوزُ عَبدٌ يَتَوَلّاهُمُ
أُعرَفُ في الحَشرِ بِحُبّي لَكُم / إِذ يُعرَفُ الناسُ بِسيماهُمُ
ياعِترَةَ المُختارِ يا مَن بِهِم
ياعِترَةَ المُختارِ يا مَن بِهِم / أَرجو نَجاتي مِن عَذابٍ أَليم
حَديثُ حُبّي لَكُم سائِرٌ / وَسَرُّ وُدّي في هَواكُم مُقيم
قَد فُزتُ كُلَّ الفَوزِ إِذ لَم يَزَل / صِراطُ ديني بِكُم مُستَقيم
فَمَن أَتى اللَهَ بِعِرفانِكُم / فَقَد أَتى اللَهَ بِقَلبٍ سَليم
جُمِعَت في صِفاتِكَ الأَضدادُ
جُمِعَت في صِفاتِكَ الأَضدادُ / فَلِهَذا عَزَّت لَكَ الأَندادُ
زاهِدٌ حاكِمٌ حَليمٌ شُجاعٌ / ناسِكٌ فاتِكٌ فَقيرٌ جَوادُ
شِيَمٌ ما جُمِعنَ في بَشَرٍ قَط / طٍ وَلا حازَ مِثلَهُنَّ العِبادُ
خُلُقٌ يُخجِلُ النَسيمَ مِنَ العَط / فِ وَبَأسٌ يَذوبُ مِنهُ الجَمادُ
فَلِهَذا تَعَمَّقَت فيكَ أَقوا / مٌ بِأَقوالِهِم فَزانوا وَزادوا
وَغَلَت في صِفاتِ فَضلِكَ ياسي / نُ وَصادٌ وَآلُ سينٍ وَصادُ
ظَهَرَت مِنكَ لِلوَرى مُعجِزاتٌ / فَأَقَرَّت بِفَضلِكَ الحُسّادُ
إِن يُكَذِّب بِها عِداكَ فَقَد كَذ / ذَبَ مِن قَبلُ قَومُ لوطٍ وَعادُ
أَنتَ سِرُّ النَبِيِّ وَالصِنوُ وَاِبنُ ال / عَمِّ وَالصِهرُ وَالأَخُ المُستَجادُ
لَو رَأى غَيرَكَ النَبِيُّ لَآخا / هُ وَإِلّا فَأَخطَأَ الإِنتِقادُ
بِكُمُ باهَلَ النَبِيُّ وَلَم يُل / فِ لَكُم خامِساً سِواهُ يُزادُ
كُنتَ نَفساً لَهُ وَعَرسُكَ وَاِبنا / كَ لَدَيهِ النِساءُ وَالأَولادُ
جَلَّ مَعناكَ أَن يُحيطَ بِهِ الشِع / رُ وَتُحصي صِفاتِهِ النُقّادُ
إِنَّما اللَهُ عَنكُمُ أَذهَبَ الرِج / سَ فَرُدَّت بِغَيظِها الإِحتِدادُ
ذاكَ مَدحُ الإِلَهِ فيكُم فَإِن فُه / تُ بِمَدحٍ فَذاكَ قَولٌ مُعادُ
أَميرَ المُؤمِنينَ أَراكَ إِمّا
أَميرَ المُؤمِنينَ أَراكَ إِمّا / ذَكَرتُكَ عِندِ ذي حَسبٍ صَغا لي
وَإِن كَرَّرتُ ذِكرَكَ عِندَ نَغلٍ / تَكَدَّرَ سِترُهُ وَبَغى قِتالي
فَصِرتُ إِذا شَكَكتُ بِأَصلِ مَرءٍ / ذَكَرتُكَ بِالجَميلِ مِنَ المَقالِ
فَلَيسَ يُطيقُ سَمعَ ثَناكَ إِلّا / كَريمُ الأَصلِ مَحمودُ الحِلالِ
فَها أَنا قَد خَبَرتُ بِكَ البَرايا / فَأَنتَ مَحَكُّ أَولادِ الحَلالِ
فَوَاللَهِ ما اِختارَ الإِلَهُ مُحَمَّداً
فَوَاللَهِ ما اِختارَ الإِلَهُ مُحَمَّداً / حَبيباً وَبَينَ العالَمينَ لَهُ مِثلُ
كَذَلِكَ ما اِختارَ النَبِيُّ لِنَفسِهِ / عَلِيّاً وَصِيّاً وَهوَ لِاِبنَتِهِ بَعلُ
وَصَيَّرَهُ دونَ الأَنامِ أَخاً لَهُ / وَصِنواً وَفيهِم مَن لَهُ دونَهُ الفَضلُ
وَشاهِدُ عَقلِ المَرءِ حُسنُ اِختِيارِهِ / فَما حالُ مَن يَختارُهُ اللَهُ وَالرُسلُ
تَوالَ عَلِيّاً وَأَبناءَهُ
تَوالَ عَلِيّاً وَأَبناءَهُ / تَفُز في المَعادِ وَأَهوالِهِ
إِمامٌ لَهُ عِقدُ يَومِ الغَديرِ / بِنَصِّ النَبيِّ وَأَقوالِهِ
لَهُ في التَشَهُّدِ بَعدَ الصَلاةِ / مَقامٌ يُخَبِّرُ عَن حالِهِ
فَهَل بَعدَ ذِكرِ إِلَهِ السَماءِ / وَذِكرِ النَبِيِّ سِوى آلِهِ
وَلائي لِآلِ المُصطَفى عِقدُ مَذهَبي
وَلائي لِآلِ المُصطَفى عِقدُ مَذهَبي / وَقَلبِيَ مِن حُبِّ الصَحابَةِ مُفعَمُ
وَما أَنا مِمَّن يَستَجيزُ بِحُبِّهِم / مَسَبَّةَ أَقوامٍ عَليهِم تَقَدَّموا
وَلَكِنَّني أُعطي الفَريقَينِ حَقَّهُم / وَرَبّي بِحالِ الأَفضَلِيَّةِ أَعلَمُ
فَمَن شاءَ تَعويجي فَإِنّي مُعَوَّجٌ / وَمَن شاءَ تَقويمي فَإِنّي مُقَوَّمُ
قيلَ لي تَعشَقُ الصَحابَةَ طُرّاً
قيلَ لي تَعشَقُ الصَحابَةَ طُرّاً / أَم تَفَرَّدتَ مِنهُمُ بِفَريقِ
فَوَصَفتُ الجَميعَ وَصفاً إِذا ضُو / وِعَ أَزرى بِكُلِّ مِسكٍ سَحيقِ
قيلَ هَذي الصِفاتُ وَالكُلُّ كَالدِر / ياقِ يَشفي مِن كُلِّ داءٍ وَثيقِ
فَإِلى مَن تَميلُ قُلتُ إِلى الأَر / بَعِ لا سِيَّما إِلى الفاروقِ
أَلا قُل لِشَرِّ عَبيدِ الإِلَ
أَلا قُل لِشَرِّ عَبيدِ الإِلَ / هِ وَطاغي قُرَيشٍ وَكَذّابِها
وَباغي العِبادِ وَباغي العِنادِ / وَهاجي الكِرامِ وَمُغتابِها
أَأَنتَ تُفاخِرُ آلَ النَبِيِّ / وَتَجحَدُها فَضلَ أَحسابِها
بِكُم بِأَهلِ المُصطَفى أَم بِهِمُ / فَرَدَّ العُداةَ بِأَوصابِها
أَعَنكُم نَفى الرِجسَ أَم عَنهُمُ / لِطُهرِ النُفوسِ وَأَلبابِها
أَما الرِجسُ وَالخَمرُ مِن دابِكُم / وَفَرطُ العِبادَةِ مِن دابِها
وَقُلتَ وَرِثنا ثِيابَ النَبِيِّ / فَكَم تَجذِبونَ بِأَهدابِها
وَعِندَكَ لا يورِثُ الأَنبِياءُ / فَكيفَ حَظيتُم بِأَثوابِها
فَكَذَّبتَ نَفسَكَ في الحالَتَينِ / وَلَم تَعلَمِ الشَهدَ مِن صابِها
أَجَدُّكَ يَرضى بِما قُلتَهُ / وَما كانَ يَوماً بِمَرتابِها
وَكانَ بِصِفّينَ مِن حِزبِهِم / لِحَربِ الطُغاةِ وَأَحزابِها
وَقَد شَمَّرَ المَوتُ عَن ساقِهِ / وَكَشَّرَتِ الحَربُ عَن نابِها
فَأَقبَلَ يَدعو إِلى حَيدَرٍ / بِإِرغابِها وَبِإِرهابِها
وَآثَرَ أَن تَرتَضيهِ الأَنامُ / مِنَ الحَكَمَينِ لِأَسبابِها
لِيُعطي الخِلافَةَ أَهلاً لَها / فَلَم يَرتَضوهُ لِإِيجابِها
وَصَلّى مَعَ الناسِ طولَ الحَياةِ / وَحيدَرُ في صَدرِ مِحرابِها
فَهَلا تَقَمَّصَها جَدُّكُم / إِذا كانَ إِذ ذاكَ أَحرى بِها
لِذا جُعِلَ الأَمرُ شورى لَهُم / فَهَل كانَ مِن بَعضِ أَربابِها
أَخامِسَهُم كانَ أَم سادِساً / وَقَد جُلِبَت بَينَ خُطّابِها
وَقَولُكَ أَنتُم بَنو بَنيهِ / وَلَكِن بَنو العَمِّ أَولى بِها
بَنو البِنتِ أَيضاً بَنو عَمِّهِ / وَذَلِكَ أَدنى لِأَنسابِها
فَدَع في الخِلافَةِ فَصلَ الخِلافِ / فَلَيسَت ذَلولاً لِرُكّابِها
وَمَأَنتَ وَالفَحصَ عَن شانِها / وَما قَمُّصوكَ بِأَثوابِها
وَما ساوَرَتكَ سِوى ساعَةٍ / فَما كُنتَ أَهلاً لِأَسبابِها
وَكَيفَ يَخُصّوكَ يَوماً بِها / وَلَم تَتَأَدَّب بِآدابِها
وَقُلتَ بِأَنَّكُمُ القاتِلونَ / أُسودَ أُمَيَّةَ في غابِها
كَذَبتَ وَأَسرَفتَ فيما اِدَّعَيتَ / وَلَم تَنهَ نَفسِكَ عَن عابِها
فَكَم حاوَلتَها سَراةٌ لَكُمُ / فَرُدَّت عَلى نَكصِ أَعتاِبِها
وَلولا سُيوفُ أَبي مُسلِمٍ / لَعَزَّت عَلى جُهدِ طُلّابِها
وَذَلِكَ عَبدٌ لَهُم لا لَكُمُ / رَعى فيكُم قُربَ أَنسابِها
وَكُنتُم أَسارى بِبَطنِ الحُبوسِ / وَقَد شَفَّكُم لَثمُ أَعقابِها
فَأَخرَجَكُم وَحَباكُم بِها / وَقَمَّصَكُم فَضلَ جِلبابِها
فَجازَيتُموهُ بِشَرَّ الجَزاءِ / لَطَغوى النُفوسِ وَإِعجابِها
فَدَع ذِكرَ قَومِ رَضوا بِالكَفافِ / وَجاؤوا الخِلافَةَ مِن بابِها
هُمُ الزاهِدونَ هُمَ العابِدونَ / هُمُ الساجِدونَ بِمِحرابِها
هُمُ الصائِمونَ هُمُ القائِمونَ / هُمُ العالِمونَ بِآدابِها
هُمُ قُطبُ مِلَّةِ دينِ الإِلَهِ / وَدَورُ الرَحى حَولَ أَقطابِها
عَلَيكَ بِلَهوِكَ بِالغانِياتِ / وَخَلِّ المَعالي لِأَصحابِها
وَوَصفِ العِذارِ وَذاتِ الخِمارِ / وَنَعتِ العُقارِ بِأَلقابِها
وَشِعرُكَ في مَدحِ تَركِ الصَلاةِ / وَسَعيِ السُقاةِ بِأَكوابِها
فَذَلِكَ شَأنُكَ لا شَأنُهُم / وَجَريُ الجِيادِ بِأَحسابِها
أَسَلَبنَ مِن فَوقِ النَهودِ ذَوائِبا
أَسَلَبنَ مِن فَوقِ النَهودِ ذَوائِبا / فَجَعَلنَ حَبّاتِ القُلوبِ ذَوائِبا
وَجَلَونَ مِن صُبحِ الُوجوهِ أَشِعَّةً / غادَرنَ فَودَ اللَيلِ مِنها شائِبا
بيضٌ دَعاهِنَّ الغَبِيُّ كَواعِبا / وَلوِ اِستِبانَ الرَشدَ قالَ كَواكِبا
وَرَبائِبٌ فَإِذا رَأَيتَ نِفارَها / مِن بَسطِ أُنسِكَ خِلتَهُنَّ رَبارِبا
سَفَهاً رَأَينَ المانَوِيَّةَ عِندَما / أَسبَلنَ مِن ظُلمِ الشُعورِ غياهِبا
وَسَفَرنَ لي فَرَأَينَ شَخصاً حاضِراً / شُدِهَت بَصيرَتُهُ وَقَلباً غائِباً
أَشرَقنَ في حُلِلٍ كَأَنَّ وَميضَها / شَفَقٌ تَدَرَّعُهُ الشُموسُ جَلابِبا
وَغَرَبنَ في كِلَلٍ فَقُلتُ لِصاحِبي / بَأَبي الشُموسِ الجانِحاتِ غَوارِبا
وَمُعَربِدِ اللَحَظاتِ يَثني عِطفَهُ / فَيُخالُ مِن مَرَحِ الشَبيبَةِ شارِبا
حُلوِ التَعَتُّبِ وَالدَلالِ يَروعُهُ / عَتَبي وَلَستُ أَراهُ إِلّا عاتِبا
عاتَبتُهُ فَتَضَرَّجَت وَجَناتُهُ / وَاِزوَرَّ أَلحاظاً وَقَطَّبَ حاجِبا
فَأَذابَني الحَدُّ الكَليمُ وَطَرفُهُ / ذو النونِ إِذ ذَهَبَ الغَداةَ مُغاضِبا
ذو مَنظَرٍ تَغدو القُلوبُ لِحُسنِهِ / نَهباً وَإِن مَنَحَ العُيونَ مَواهِبا
لا بِدعَ إِن وَهَبَ النَواظِرَ حُظوَةً / مِن نورِهِ وَدَعاهُ قَلبي ناهِبا
فَمَواهِبُ السُلطانِ قَد كَسَتِ الوَرى / نِعَماً وَتَدعوهُ القَساوِرُ سالِبا
الناصِرُ المَلِكُ الَّذي خَضَعَت لَهُ / صيدُ المُلوكِ مَشارِقاً وَمَغارِبا
مَلِكٌ يَرى تَعَبَ المَكارِمِ راحَةً / وَيَعُدُّ راحاتِ القِراعِ مَتاعِبا
بِمَكارِمَ تَذرُ السَباسِبَ أَبحُراً / وَعَزائِمٍ تَذرُ البِحارَ وَمُحارِبا
لَم تَخلُ أَرضٌ مِن ثَناهُ وَإِن خَلَت / مِن ذِكرِهِ مُلِئَت قَناً وَقَواضِبا
تُرجى مَواهِبُهُ وَيُرهَبُ بَطشُهُ / مِثلَ الزَمانِ مُسالِماً وَمُحارِبا
فَإِذا سَطا مَلَأَ القُلوبَ مَهابَةً / وَإِذا سَخا مَلَأَ العُيونَ مَواهِبا
كَالغَيثِ يَبعَثُ مِن عَطاهُ وابِلاً / سَبطاً وَيُرسِلُ مِن سَطاهُ حاصِبا
كَاللَيثِ يَحمي غابَهُ بِزَئيرِهِ / طَوراً وَيُنشِبُ في القَنيصِ مَخالِبا
كَالسَيفِ يُبدي لِلنَواظِرِ مَنظَراً / طَلقاً وَيُمضي في الهَياجِ مَضارِبا
كَالسَيلِ يُحمَدُ مِنهُ عَذباً واصِلاً / وَيَعُدُّهُ قَومٌ عَذاباً واصِبا
كَالبَحرِ يُهدي لِلنُفوسِ نَفائِساً / مِنهُ وَيُبدي لِلعُيونِ عَجائِبا
فَإِذا نَظَرتَ نَدى يَدَيهِ رَأيَهُ / لَم تُلفِ إِلّا صائِباً أَو صائِبا
أَبقى قَلاونُ الفَخارَ لِوُلدِهِ / إِرثاً وَفازوا بِالثَناءِ مَكاسِبا
قَومٌ إِذا سَئِموا الصَوافِنَ صَيَّروا / لِلمَجدِ أَخطارَ الأُمورِ مَراكِبا
عَشِقوا الحُروبَ تَيَمُّناً بِلِقى العِدى / فَكَأَنَّهُم حَسِبوا العُداةَ حَبائِبا
وَكَأَنَّما ظَنّوا السُيوفَ سَوالِفاً / وَاللُدنَ قَدّاً وَلِلقِسِيِّ حَواجِبا
يا أَيُّها المَلِكُ العَزيزُ وَمَن لَهُ / شَرَفٌ يَجُرُّ عَلى النُجومِ ذَوائِبا
أَصلَحتَ بَينَ المُسلِمينَ بِهِمَّةٍ / تَذَرُ الأَجانِبَ بِالوَدادِ أَقارِبا
وَوَهَبتَهُم زَمَنَ الأَمانِ فَمَن رَأى / مَلِكاً يَكونُ لَهُ الزَمانُ مَواهِبا
فَرَأَوا خِطاباً كانَ خَطباً فادِحاً / لَهُم وَكُتَّباً كُنَّ قَبلُ كَتائِبا
وَحَرَستَ مُلكَكَ مِن رَجيمٍ مارِدٍ / بِعَزائِمٍ إِن صُلتَ كُنَّ قَواضِبا
حَتّى إِذا خَطِفَ المَكافِحُ خَطفَةً / أَتبَعتَهُ مِنها شِهاباً ثاقِبا
لا يَنفَعُ التَجريبُ خَصمَكَ بَعدَ ما / أَفنَيتَ مَن أَفنى الزَمانَ تَجارِبا
صَرَّمتَ شَملَ المارِقينَ بِصارِمٍ / تُبديهِ مَسلوباً فَيَرجِعُ سالِبا
صافي الفِرِندِ حَكى صَباحاً جامِداً / أَبدى النَجيعَ بِهِ شُعاعاً ذائِبا
وَكَتيبَةٍ تَذَرُ الصَهيلَ رَواعِداً / وَالبيضَ بَرقاً وَالعَجاجَ سَحائِبا
حَتّى إِذا ريحُ الجِلادِ حَدَثَ لَها / مَطَرَت فَكانَ الوَبِلُ نَبلاً صائِبا
بِذَوائِبٍ مُلدٍ يُخَلنَ أَراقِماً / وَشَوائِلٍ جُردٍ يُخَلنَ عَقارِبا
تَطَأُ الصُدورَ مِنَ الصُدورِ كَأَنَّما / تَعتاضُ مِن وَطءِ التُرابِ تَرائِبا
فَأَقَمتَ تَقسِمُ لِلوُحوشِ وَظائِفاً / فيها وَتَصنَعُ لِلنُسورِ مَآدِبا
وَجَعَلتَ هاماتِ الكُماةِ مَنابِراً / وَأَقَمتَ حَدَّ السَيفِ فيها خاطِبا
يا راكِبَ الخَطَرِ الجَليلِ وَقَولُهُ / فَخراً بِمَجدِكَ لا عَدَمتَ الراكِبا
صَيَّرتَ أَسحارَ السَماحِ بِواكِراً / وَجَعَلتَ أَيّامَ الكِفاحِ غَياهِبا
وَبَذَلتَ لِلمُدّاحِ صَفوَ خَلائِقٍ / لَو أَنَّها لِلبَحرِ طابَ مَشارِبا
فَرَأَوكَ في جَنبِ النُضارِ مُفَرِّطاً / وَعَلى صِلاتِكَ وَالصَلاةِ مُواظِبا
إِن يَحرُسِ الناسُ النُضارَ بِحاجِبٍ / كانَ السَماحُ لِعَينِ مالِكَ حاجِبا
لَم يَملَأوا فيكَ البُيوتَ غَرائِباً / إِلّا وَقَد مَلَأوا البُيوتَ رَغائِبا
أَو لَيتَني قَبلَ المَديحِ عِنايَةً / وَمَلَأتَ عَيني هَيبَةً وَمَواهِبا
وَرَفَعتَ قَدري في الأَنامِ وَقَد رَأَوا / مِثلي لِمِثلِكَ خاطِباً وَمُخَطِبا
في مَجلِسٍ ساوى الحَلائِقَ في النَدى / وَتَرَتَّبَت فيهِ المُلوكُ مَراتِباً
وَافيتُهُ في الفُلكِ أَسعى جالِساً / فَخراً عَلى مَن جاءَ يَمشي راكِبا
فَأَقَمتُ أُنفِذُ في الزَمانِ أَوامِراً / مِنّي وَأُنشِبُ في الخُطوبِ مَخالِبا
وَسَقَتنِيَ الدُنيا غَداةَ أَتَيتُهُ / رَيّاً وَما مَطَرَت عَلَيَّ مَصائِبا
فَطَفِقتُ أَملَأُ مِن ثَناكَ وَنَشرِهِ / حِقَباً وَأَملَأُ مِن نَداكَ حَقائِبا
أُثني فَتَثني صِفاتُكَ مُظهِراً / عِيّاً وَكَم أَعيَت صِفاتُكَ خاطِبا
لَو أَنَّ أَغصاناً جَميعاً أَلسُنٌّ / نُثني عَلَيكَ لَما قَضَينَ الواجِبا
خَلَعَ لرَبيعُ عَلى غُصونِ البانِ
خَلَعَ لرَبيعُ عَلى غُصونِ البانِ / حُلَلاً فَواضِلُها عَلى الكُثبانِ
وَنَمَت فُروعُ الدَوحِ حَتّى صافَحَت / كَفَلَ الكَثيبِ ذَوائِبُ الأَغصانِ
وَتَتَوَّجَت هامُ الغُصونِ وَضَرَّجَت / خَدَّ الرِياضِ شَقائِقُ النُعمانِ
وَتَنَوَّعَت بُسطُ الرِياضِ فَزَهرُها / مُتَبايِنُ الأَشكالِ وَالأَلوانِ
مِن أَبيَضٍ يَقَقٍ وَأَصفَرَ فاقِعٍ / أَو أَزرَقٍ صافٍ وَأَحمَرَ قاني
وَالظِلُّ يَسرِقُ في الخَمائِلِ خَطوَهُ / وَالغُصنُ يَخطِرُ خِطرَةَ النَشوانِ
وَكَأَنَّما الأَغصانُ سوقُ رَواقِصٍ / قَد قُيَّدَت بِسَلاسِلِ الرَيحانِ
وَالشَمسُ تَنظُرُ مِن خِلالِ فُروعِها / نَحوَ الحَدائِقِ نَظرَةَ الغَيرانِ
وَالطَلعُ في خَلَلِ الكِمامِ كَأَنَّهُ / حُلَلٌ تَفَتَّقُ عَن نُحورِ غَوانِ
وَالأَرضُ تَعجِبُ كَيفَ تَضحَك وَالحَيا / يَبكي بِدَمعٍ دائِمِ الهَمَلانِ
حَتّى إِذا اِفتَرَّت مَباسِمُ زَهرِها / وَبَكى السَحابُ بِمَدمَعٍ هَتّانِ
ظَلَّت حَدائِقُهُ تُعاتِبُ جَونَهُ / فَأَجابَ مُعتَذِراً بِغَيرِ لِسانِ
طَفَحَ السُرورُ عَلَيَّ حَتّى إِنَّهُ / مِن عِظمِ ما قَد سَرَّني أَبكاني
فَاِصرِف هُمومَكَ بِالرَبيعِ وَفَصلِهِ / إِنَّ الرَبيعَ هوَ الشَبابُ الثاني
إِنّي وَقَد صَفَتِ المِياهُ وَزُخرِفَت / جَنّاتُ مِصرَ وَأَشرَقَ الهَرمانِ
وَاِخضَرَّ واديها وَحَدَّقَ زَهرُهُ / وَالنيلُ فيهِ كَكَوثَرٍ بِجِنانِ
وَبِهِ الجَواري المُنشَآتُ كَأَنَّها / أَعلامُ بيدٍ أَو فُروعُ قِنانِ
نَهَضَت بِأَجنِحَةِ القُلوعِ كَأَنَّها / عِندَ المَسيرِ تَهُمُّ بِالطَيَرانِ
وَالماءُ يُسرِعُ في التَدَفُّقِ كُلَّما / عَجِلَت عَليهِ يَدُ النَسيمِ الواني
طَوراً كَأَسنِمَةِ القِلاصِ وَتارَةً / مُتَفَتِّلٌ كَأَكارِعِ الغِزلانِ
حَتّى إِذاكُسِرَ الحَليجُ وَقُسِّمَت / أَمواهُ لُجَّتِه عَلى الخُلجانِ
ساوى البِلادَ كَما تُساوي في النَدى / بَينَ الأَنامِ مَواهِبُ السُلطانِ
الناصِرُ المَلِكُ الَّذي في عَصرِهِ / شِكرَ الظِباءُ صَنيعَةَ السِرحانِ
مَلِكٌ إِذا اِكتَحَلَ المُلوكِ بِنورِهِ / خَرّوا لِهَيبَتِهِ إِلى الأَذقانِ
وَإِذا جَرى بَينَ الوَرى ذِكرُ اِسمِهِ / تُغنيهِ شُهرَتُهُ عَنِ اِبنِ فُلانِ
مِن مَعشَرٍ خَزَنوا الثَناءَ وَقَطَّعوا / بِغِنا النُضارِ جَوائِزَ الحُزّانِ
قَومٌ يَرَونَ المَنَّ عِندَ عَطائِهِم / شِركاً بِوَصفِ الواحِدِ المَنّانِ
الموقِدونَ تَحتَ المَراجِلِ لِلقِرى / فَضَلاتِ ما حَطَموا مِنَ المُرّانِ
إِن أَخرَسَت فِلَذُ العَقيرِ كِلابَهُم / دَعَوُا الضُيوفَ بِأَلسُنِ النيرانِ
أُسدٌ رَوَت يَومَ الهِياجِ أَكُفُّهُم / بِدَمِ الأُسودِ ثَعالِبَ الخِرصانِ
قَصَفوا القَنا في صَدرِ كُلِّ مُدَرَّعٍ / وَالبيضَ في الأَبدانِ وَالأَبدانِ
قَد عَزَّ دينُ مُحَمَّدٍ بِسَمِيِّهِ / وَسَما بِنُصرَتِهِ عَلى الأَديانِ
مَلِكٌ تَعَبَّدَتِ المُلوكُ لِأَمرِهِ / وَكَذاكَ دَولَةُ كُلِّ رَبِّ قِرانِ
وافى وَقَد عادَ السَماحُ وَأَهلُهُ / رِمَماً فَكانَ لَهُ المَسيحَ الثاني
فَالطَيرُ تَلجَأُ بِالحُصونِ لِأَنَّها / بِنَداهُ لَم تَأمَن مِنَ الطَوفانِ
لا عَيبَ في نُعماهُ إِلّا أَنَّها / يَسلو الغَريبُ بِها عَنِ الأَوطانِ
شاهَدتُهُ فَشَهِدتُ لُقمانَ الحِجى / وَنَظَرتُ كِسرى العَدلِ في الإيوانِ
وَرَأَيتُ مِنهُ سَماحَةً وَفَصاحَةً / أَعدى بِفَيضِهِما يَدي وَلِساني
يا ذا الَّذي شَغَلَ الزَمانَ بِنَفسِهِ / فَأَصَمَّ سَمعَ طَوارِقِ الحِدثانِ
لَو يَكتَبُ اِسمُكَ بِالصَوارِمِ وَالقَنا / أَغنى عَنِ التَضرابِ وَالتَطعانِ
وَكَتيبَةٌ ضَرَبَ العَجاجُ رِواقَها / مِن فَوقِ أَعمِدَةِ القَنا المُرّانِ
نَسَجَ الغُبارُ عَلى الجِيادِ مَدارِعاً / مَوصولَةً بِمَدارِعِ الفُرسانِ
وَدَمٌ بِأَذيالِ الدُروعِ كَأَنَّهُ / حَولَ الغَديرِ شَقائِقُ النُعمانِ
حَتّى إِذا اِستَعَرَ الوَغى وَتَتَبَّعَت / بيضُ الصِفاحِ مَكامِنَ الأَضغانِ
فَعَلَت دُروعُكَ عِندَها بِسُيوفِهِم / فِعلَ السَرابِ بِمُهجَةِ الظَمآنِ
وَبَرَزتَ تَلفِظُكَ الصُفوفُ إِلَيهِم / لَفظَ الزَنادِ سَواطِعَ النيرانِ
بَأَقَبَّ يَعصي الكَفَّ ثُمَّ يُطيعُهُ / فَتَراهُ بَينَ تَسَرُّعٍ وَتَوانِ
قَد أَكسَبَتهُ رِياضَةً سُوّاسُهُ / فَتَكادُ تَركُضُهُ بِغَيرِ عِنانِ
كَالصَقرِ في الطَيَرانِ وَالطاووسِ في ال / خَطَرانِ وَالخَطّافِ في الرَوغانِ
يَرنو إِلى حُبُكِ السَماءِ تَوَهُّماً / أَنَّ المَجَرَّةَ حَلبَةُ المَيدانِ
لَو قيلَ عُج نَحوَ السَماءِ مُبادِراً / وَطِئَت يَداهُ دَوابِرَ الدَبَرانِ
أَو قيلَ جُز فَوقَ الصِراطِ مُسارِعاً / لَمَشى عَليهِ مِشيَةَ السَرَطانِ
وَفَلَلتَ حَدَّ جُموعِهِم بِصَوارِمٍ / كَكَراكَ نافِرَةٍ عَنِ الأَجفانِ
ضَلَّت فَظَنَّت في مُقارِعَةِ العِدى / أَنَّ الغُمودَ مَعاقِدُ التيجانِ
صَيَّرتَ هاماتِ الكُماةِ صَوامِعاً / وَكَواسِرَ العِقبانِ كَالرَهبانِ
يا ذا الَّذي خَطَبَ المَديحَ سَماحُهُ / فَنَداهُ قَبلَ نِدايَ قَد لَبّاني
أَقصَيتَني بِالجودِ ثُمَّ دَعَوتَني / فَنَداكَ أَبعَدَني وَإِن أَدناني
ضاعَفتَ بِرَّكَ لي وَلو لَم تولِني / إِلّا القُبولَ عَطِيَّةً لَكَفاني
فَنَأَيتُ عَنكَ وَلَستُ أَوَّلَ حازِمٍ / خافَ النِزولَ بِمَهبِطِ الطوفانِ
عِلمي بِصَرفِ الدَهرِ أَخلى مَعهَدي / مِنّي وَصَرَّفَ في البِلادِ عِناني
وَلَرُبَّما طَلَبَ الحَريصُ زِيادَةً / فَغَدَت مُؤَدِّيَةً إِلى النُقصانِ
فَلَئِن رَحَلتُ فَقَد تَرَكتُ بَدائِعاً / غَصَبَت فُصولَ الحُكمِ مِن لُقمانِ
وَخَريدَةً هِيَ في الجَمالِ فَريدَةٌ / فَهِيَ الغَريبَةُ وَهيَ في الأَوطانِ
مُعتادَةً تَهَبُ الحَليلَ صَداقَها / فَخراً عَلى الأَكفاءِ وَالأَقرانِ
لا عَيبَ فيها وَهوَ شاهِدُ حُسنِها / إِلّا تَبَرَّجَها بِكُلِّ مَكانِ
قَلَّت وَإِن حَلَّت صَنائِعَ لَفظِها / لَكُم وَإِن نَطَقَت بِسِحرِ بَيانِ
فَجَميلُ صُنعِكُمُ أَجَلُّ صَنائِعاً / وَبَديعُ فَضلِكُمُ أَدَقُّ مَعانِ
مَلِكٌ يُرَوِّضُ فَوقَ طِرفٍ قارِعٍ
مَلِكٌ يُرَوِّضُ فَوقَ طِرفٍ قارِعٍ / كُرَةً بِجَو كانٍ حَكاهُ ضَبابا
فَكَأَنَّ بَدراً في سَماهُ راكِباً / بَرقاً يُزَحزِحُ بِالهِلالِ شِهابا
أَيُّهَذا العَزيزُ قَد صَحَّ رِقّي
أَيُّهَذا العَزيزُ قَد صَحَّ رِقّي / لَكَ مِن مَوقِعِ اِسمِيَ المَرموزِ
أَنا مِن يَومِ مَولِدي لَكَ عَبدٌ / وَلِهَذا دُعيتُ عَبدَ العَزيزِ
كَم قَد أَفَضنا مِن دُموعٍ وَدَماً
كَم قَد أَفَضنا مِن دُموعٍ وَدَماً / عَلى رُسومِ لِلدِيارِ وَدِمَن
وَكَم قَضَينا لِلبُكاءِ مَنسِكاً / لَمّا تَذَكَّرنا بِهِنَّ مَن سَكَن
مَعاهِداً تُحدِثُ لِلصَبرِ فَناً / إِن ناحَتِ الوُرقُ بِها عَلى فَنَن
تَذكارُها أَحدَثَ في الحَلقِ شَجاً / وَفي الحَشا قَرحاً وَفي القَلبِ شَجَن
لِلَّهِ أَيّامٌ لَنا عَلى مِنىً / فَكَم لَها عِندي أَيادٍ وَمِنَن
كَم كانَ فيها مِن فَتاةٍ وَفَتىً / كُلُّ لِقَلبِ المُستَهامِ قَد فَتَن
شَرِبتُ فيها لَذَّةَ العَيشِ حَساً / وَما رَأَيتُ بَعدَها مَرأً حَسَن
فَما اِرتَكَبنا بِالوِصالِ مَأثِماً / بَل بِعتُهُم رَوحي بِغَيرِ ما ثَمَن
وَعاذِلٍ أَضمَرَ مَكراً وَدَهاً / فَنَمَّقَ الغِشَّ بِنُصحٍ وَدَهَن
لاحٍ غَدا يَعرِفُ لِلقَلبِ لَحاً / إِن أَعرَبَ القَولَ بِعَذلي أَو لَحَن
يَزيدُني بِالزَجرِ وَجداً وَأَسىً / إِن كانَ ماءُ الوُدِّ مِنهُ قَد أَسَن
سَئِمتُ مِنهُ اللَومَ إِذ طالَ مَدىً / فَلَم أُجِبهُ بَل بَدَوتُ إِذ مَدَن
بِحَسرَةٍ تَشتَدُّ في السِرِّ قِراً / إِذ لَم تُذَلَّل بِزِمامٍ وَقَرَن
لا تَتَشَكّى نَصَباً وَلا وَجىً / إِذا دَجا اللَيلُ عَلى الرَكبِ وَجَن
كَم سَبَقَت إِلى المِياهِ مِن قَطاً / فَأَورَدَت بِاللَيلِ وَهوَ في قَطَن
حَثَّت فَأَعطَت في السَرى خَيرَ عَطاً / إِن حَنَّ يَوماً غَيرُها إِلى عَطَن
وَأَصبَحَت مِن بَعدِ أَينٍ وَعَياً / لِلمَلكِ الناصِرِ ضَيفاً وَعَيَن
مَلكٌ غَدا لِسائِرِ الناسِ أَباً / إِن سارَ في كَسبِ الثَناءِ أَو أَبَن
الناصِرُ المَلكُ الَّذي فاضَ جَداً / فَخِلتُهُ ذا يَزَنٍ أَو ذا جَدَن
مَلكٌ عَلا جَدّاً وَقَدراً وَسَناً / فَجاءَ في طُرقِ العُلى عَلى سَنَن
لا جورَ في بِلادِهِ وَلا عِداً / إِن عُدَّ في العَدلِ زَبيدٌ وَعَدَن
كَم بِدَرٍ أَعطى الوُفودَ وَلُهىً / وَكانَ يُرضيهِم كَفافاً وَلُهَن
جَنَيتُ مِن إِنعامِهِ خَيرَ جَنىً / وَكُنتُ مِن قَبلُ كَمَيتٍ في جَنَن
فَما شَكَيتُ في حِماهُ لَغباً / وَلَو أَطاقَ الدَهرُ غَبني لَغَبَن
دَعَوتُهُ بِالمَدحِ عَن صِدقٍ وَلاً / فَلَم يُجِب يَوماً بِلَم وَلا وَلَن
أَنظِمُ في كُلِّ صَباحٍ وَمَساً / كَأَنَّهُ لِصارِمِ الدَهرِ مِسَن
يامَلِكاً فاقَ المُلوكَ وَرَعاً / إِن شانَ أَهلَ المُلكِ طَيشٌ وَرَعَن
أَكسَبتَني بِالقُربِ مَجداً وَعُلاً / فَصُغتُ فيكَ المَدحَ سِرّاً وَعَلَن
إِن أولِكَ المَدحَ الجَميلَ فَحَراً / وَإِن كَبا فِكرُ سِوايَ أَو حَرَن
لا زِلتَ في مُلكِكَ خِلواً مِن عَناً / وَليسَ لِلهَمَّ لَدَيكَ مِن عَنَن
وَنِلتَ فيهِ ما تَرومُ مِن مِنىً / وَعِشتَ في عِزٍّ وَبَأسٍ وَمِنَن
إِن لَم أَزُر رَبعَكُم سَعياً عَلى الحَدَقِ
إِن لَم أَزُر رَبعَكُم سَعياً عَلى الحَدَقِ / فَإِنَّ وُدِّيَ مَنسوبٌ إِلى المَلَقِ
تَبَّت يَدي إِن ثَنَتني عَن زِيارَتِكُم / بيضُ الصِفاحِ وَلَو سُدَّت بِها طُرُقي
يا جيرَةَ الحَيِّ هَلّا عادَ وَصلُكُمُ / لِمُدنَفٍ مِن خُمارِ الوَجدِ لَم يُفِقِ
لا تُنكِروا فَرَقي مِن بَعدِكُمُ / إِنَّ الفِراقَ لَمُشتَقٌّ مِنَ الفَرَقِ
لِلَّهِ لَيلَتُنا بِالقَصرِ كَم قَصُرَت / فَظَلتُ مُصطَبِحاً في زِيِّ مُغتَبِقِ
وَباتَ بَدرُ الدُجى فيها يُسامِرُني / مُنادِماً فَيَزينُ الخَلقَ بِالخُلُقِ
فَكَم خَرَقنا حِجاباً لِلعِتابِ بِها / وَلِلعَفافِ حِجابٌ غَيرُ مُنخَرِقِ
وَالصُبحُ قَد أَخلَقَت ثَوبَ الدُجى يَدُهُ / وَلَيتَهُ جادَ لِلعُشّاقِ بِالخَلُقِ
أَبلى الظَلامَ وَماذا لَو يَجودُ بِهِ / عَلى جُفونٍ لِطيبِ الغُمضِ لَم تَذُقِ
ما أَحسَنَ الصُبحَ لَولا قُبحُ سُرعَتِهِ / وَأَعذَبَ اللَيلَ لَولا كَثرَةُ الأَرَقِ
هَبَّ النَسيمُ عِراقِيّاً فَشَوَّقَني / وَطالَما هَبّ نَجدِيّاً فَلَم يَشُقِ
فَما تَنَفَّستُ وَالأَرواحُ سارِيَةٌ / إِلّا اِشتَكَت نَسَماتُ الريحِ مِن حُرَقي
ذَر أَيُّها الصَبُّ تَذكارَ الدِيارِ إِذا / مُتَّعتَ فيها بِعَيشٍ غَيرِ مُتَّسِقِ
فَكَم ضَمَمتَ وِشاحاً في الظَلامِ بِها / ما زادَ قَلبَكَ إِلّا كَثرَةَ القَلَقِ
فَخَلِّ تَذكارَ زَوراءِ العِراقِ إِذا / جاءَت نَسيمُ الصَبا بِالمَندَلِ العَبِقِ
فَهَذِهِ شُهُبُ الشَهباءِ ساطِعَةً / وَهَذِهِ نَسمَةُ الفِردَوسِ فَاِنتَشِقِ
فَتِلكَ أَفلاكُ سَعدٍ لا يَلوذُ بِها / مِن مارِدٍ لَخَفيِّ السَمعِ مُستَرِقِ
سَماءُ مَجدٍ بَدا فيها فَزَيَّنَها / نَجمٌ تَخُرُّ لَديهِ أَنجُمُ الأُفُقِ
مَلِكٌ غَدا الجودُ جُزءاً مِن أَنامِلِهِ / فَلَو تَكَلَّفَ تَركَ الجودِ لَم يُطِقِ
أَعادَ لَيلَ الوَرى صُبحاً وَكَم رَكَضَت / جِيادُه فَأَرَتنا الصُبحَ كَالغَسَقِ
مُشَتَّتُ العَزمِ وَالأَموالِ ما تَرَكَت / يَداهُ لِلمالِ شَملاً غَيرَ مُفتَرِقِ
إِذا رَأى مالَهُ قالَت خَزائِنُهُ / أَفديكَ مِن وَلَدٍ بِالثُكلِ مُلتَحِقِ
لَولا أَبو الفَتحِ نَجمُ الدينِ ما فُتِحَت / أَبوابُ رِزقٍ عَليها اللَومُ كَالغَلَقِ
مَلِكٌ بِهِ اِكتَسَتِ الأَيّامُ ثَوبَ بَهاً / مِثلَ اِكتِساءِ غُصونِ البانِ بِالوَرَقِ
تَهوى الحُروبَ مَواضيهِ فَإِن ذُكِرَت / حَنَّت فَلَم تَرَ مِنها غَيرَ مُندَلِقِ
حَتّى إِذا جُرَّدَت في الرَوعِ أَغمَدَها / في كُلِّ سابِغَةٍ مَسرودَةِ الحَلَقِ
يَأَيُّها المَلِكُ المَنصورِ طائِرُهُ / وَمَن أَياديهِ كَالأَطواقِ في عُنُقي
أَحيَيتَ بِالجودِ آثارَ الكِرامِ وَقَد / كانَ النَدى بَعدَهُم في آخِرِ الرَمَقِ
لَو أَشبَهَتكَ بِحارُ الأَرضِ في كَرَمٍ / لَأَصبَحَ الدُرُّ مَطروحاً عَلى الطُرُقِ
لَو أَشبَهَ الغَيثُ جوداً مِنكَ مُنهَمِراً / لَم يَنجُ في الأَرضِ مَخلوقٌ مِنَ الغَرَقِ
كَم قَد أَبَدتَ مِنَ الأَعداءِ مِن فِئَةٍ / تَحتَ العَجاجِ وَكَم فَرَّقتَ مِن فِرَقِ
رَوَيتَ يَومَ لِقاهُم كُلَّ ذي ظَمَإٍ / في الحَربِ حَتّى حِلالَ الخيلِ بِالعَرَقِ
وَيَومَ وَقعَةِ عُبّادِ الصَليبِ وَقَد / أَركَبتَهُم طَبَقاً في البيدِ عَن طَبَقِ
مَزَّقتَ بِالمَوصِلِ الحَدباءِ شَملَهُمُ / في مَأزِقٍ بِوَميضِ البيضِ مُمتَزِقِ
بِكُلِّ أَبيَضَ دامي الحَدِّ تَحسُبُهُ / صُبحاً عَليهِ دَمُ الأَبطالِ كَالشَفَقِ
آلى عَلى غِمدِهِ أَلّا يُراجِعَهُ / إِلّا إِذا عادَ مُحمَرّاً مِنَ العَلَقِ
فَاِستَبشَرَت فِئَةُ الإِسلامِ إِذ لَمَعَت / لَهُم بَوارِقُ ذاكَ العارِضِ الغَدِقِ
وَأَصبَحَ العَدلُ مَرفوعاً عَلى نَشَزٍ / لَمّا وُلّيتَ وَباتَ الجَورُ في نَفَقِ
كَم قَد قَطَعتُ إِلَيكَ البيدَ مُمتَطِياً / عَزماً إِذا ضاقَ رَحبُ الأَرضِ لَم يَضِقِ
يَدُلَّني في الدُجى مُهري وَيُؤنِسُني / حَدُّ الحُسامِ إِذا ما بَتَ مُعتَنِقي
وَاللَيلُ أَطوَلُ مِن عَذلِ العَذولِ عَلى / سَمعي وَأَظلَمُ مِن مَرآهُ في حَدَقي
أُهدي قَلائِدَ أَشعارٍ فَرائِدُها / دُرٌّ نَهَضتُ بِهِ مِن أَبحُرٍ عُمُقِ
يَضُمُّها وَرَقٌ لَولا مَحاسِنُهُ / ما لَقَّبوا الفِضَّةَ البَيضاءَ بِالوَرَقِ
نَظَمتُها فيكَ ديواناً أَزُفُّ بِهِ / مَدائِحاً في سِوى عَلياكَ لَم تَرُقِ
وَلو قَصَدتُ بِهِ تَجديدَ وَصفِكُمُ / لَكانَ ذَلِكَ مَنسوباً إِلى الحُمُقِ
تِسعٌ وَعِشرونَ إِن عُدَّت قَصائِدُها / وَمِثلُها عَدَدُ الأَبياتِ في النَسَقِ
لَم أَقتَنِع بِالقَوافي في أَواخِرِها / حَتّى لَزِمتُ أَواليها فَلَم تَعُقِ
ما أَدرَكَت فُصَحاءُ العُربِ غايَتَها / قَبلي وَلا أَخذوا في مِثلِها سَبَقي
جَرَت لِتَركُضَ في مَيدانِ حَومَتِها / قَومٌ فَأَوقَفتُهُم في أَوَّلِ الطَلَقِ
فَليَحسُنِ العُذرُ في إيرادِهُنَّ إِذا / رَأَيتَ جَريَ لِساني غَيرَ مُنطَلِقِ
فَلَو رَأَت بَأسَكَ الآسادُ لَاِضطَرَبَت / بِهِ فَرائِصُها مِن شِدَّةِ الفَرَقِ
يا آلَ أُرتُقَ لَولا فَيضُ جودِكُمُ / لَدامَ خَرقُ المَعالي غَيرَ مُرتَتِقِ
لَقَد رَفَعتُم بِإِسداءِ الجَميلِ لَكُم / ذِكراً إِذا قَبَضَ اللَهُ الأَنامَ بَقي
لا زالَ يَهمي عَلى الوُفّادِ نائِلُكُم / بِوابِلٍ مِن سَحابِ الجَودِ مُندَفِقِ
دارَت عَلى الدَوحِ سُلافُ القَطرِ
دارَت عَلى الدَوحِ سُلافُ القَطرِ / فَرَنَّحَت أَعطافَهُ بِالسُكرِ
وَنَبَّهَ الوُرقَ نَسيمُ الفَجرِ / فَغَرَّدَت فَوقَ الغُصونِ الخُضرِ
تُغني عَنِ العودِ وَصَوتِ الزَمرِ /
تَبَسَّمَت مَباسِمُ الأَزهارِ / وَأَشرَقَ النَوّارُ بِالأَنوارِ
وَظَلَّ عِقدُ الطَلَّ في نِثارِ / وَباكَرَتها دِيَمُ الأَمطارِ
فَكَلَّلَت تيجانِها بِالدُرِّ /
قَد أَقبَلَت طَلائِعُ الغُيومِ / إِذ أَذِنَ الشِتاءُ بِالقُدومِ
فَمُذ حَداها سائِقُ النَسيمِ / عَفَّت رُبى العَقيقِ وَالغَميمِ
وَباكَرَت أَرضَ دِيارِ بَكرِ /
أَما تَرى الغَيمَ الجَديدَ قَد أَتى / مُبَشِّراً بِالقُربِ مِن فَصلِ الشِتا
فَاِعقُر هُمومي بِالعُقارِ يا فَتى / فَتَركُ أَيّامِ الهَنا إِلى مَتى
فَإِنَّها مَحسوبَةٌ مِن عُمري /
فَاِنهَض لِنَهبِ فُرصَةِ الزَمانِ / فَلَستَ مِن فَجواهُ في أَمانِ
وَاِشرَب عَلى الناياتِ وَالمَثاني / إِنَّ الخَريفَ لَرَبيعٌ ثانِ
فَاِتمِم حُلاهُ بِكُؤوسِ الخَمرِ /
فَصلٌ لَنا في طَيِّهِ سُعودُ / بِعَودِهِ أَفراحُنا تَعودُ
يَقدِمُ فيهِ الطَائِرُ البَعيدُ / في كُلِّ يَومٍ لِلرُماةِ عيدُ
كَأَنَّهُ بِالصَرعِ عيدُ النَحرِ /
هَذي الكَراكي نَحوَنا قَد قَدِمَت / فاقِدَةً لِإِلفِها قَد عَدِمَت
لَو عَلِمَت بِما تُلاقي نَدِمَت / فَاِنظُر إِلى أَخياطِها قَد نُظِمَت
شِبهَ حُروفٍ نُظِمَت في سَطرِ /
تَذَكَّرَت مَرتَعِها فَشاقَها / فَأَقبَلَت حامِلَةً أَشواقَها
تُجيلُ في مَطارِها أَحداقَها / تَمُدُّ مِن حَنينِها أَعناقَها
لَم تَدرِ أَنَّ مَدَّها لِلجَزرِ /
يا سَعدُ كُن في حُبِّها مُساعِدي / فَإِنَّهُ مُذ عِشتُ مِن عَوائِدي
وَلا تَلُم مَن باتَ فيها حاسِدي / فَلَو تَرى طَيرَ عِذارِ خالِدِ
أَقَمتَ في حُبِّ العِذارِ عُذري /
طَيرٌ بِقَدرِ أَنجُمِ السَماءِ / مُختَلِفُ الأَشكالِ وَالأَسماءِ
إِذا جَلا الصُبحُ دُجى الظُلماءِ / يَلوحُ مِن فَوقِ طَفيحِ الماءِ
شِبهَ نُقوشٍ خُيّلَت في سِترِ /
في لُجَّةِ الأَطيارِ كَالعَساكِرِ / فَهُنَّ بَينَ وارِدٍ وَصادِرِ
جَليلُها ناءٍ عَنِ الأَصغارِ / مَحدودَةٌ مِنذُ عُهودِ الناصِرِ
مَعدودَةٌ في أَربَعٍ وَعَشرِ /
شُبَيطَرٌ وَمِرزَمٌ وَكُركي / وَصِنفُ تَمٍّ مَعَ إِوَزٍّ تُركي
وَلَغلَغٌ يُشبِهُ لَونَ المِسكِ / وَالكَيُّ وَالعَنّازُ يا ذا الشَكِّ
ثُمَّ العُقابُ مُلحَقٌ بِالنِسرِ /
وَيَتبَعُ الأَرنوقَ صِنفٌ مُبدِعُ / أَنيسَةٌ إِنسِيَّةٌ إِذ تُصرَعُ
وَالضَوُّ وَالحِبرَجُ فَهيَ أَجمَعُ / خَمسٌ وَخَمسٌ كَمُلَت وَأَربَعُ
كَأَنَّها أَيّامُ عُمرِ البَدرِ /
فَاِبكُر إِلى دِجلَةَ وَالأَقطاعِ / فَإِنَّها مِن أَحمَدِ المَساعي
وَاِعجَب لِما فيها مِنَ الأَنواعِ / مِن سائِرِ الجَليلِ وَالمَراعي
وَضَجَّةِ الشيقِ وَصَوتِ الحُضِر /
ما بَينَ تَمٍّ ناهِضٍ وَواضِعِ / وَبَينَ نَسرٍ طائِرٍ وَواقِعِ
وَبَينَ كَيٍّ خارِجٍ وَراجِعِ / وَنَهضَةِ الطَيرِ مِنَ المَراتِعِ
كَأَنَّها أَقطاعُ غَيمٍ تَسري /
أَما تَرى الرُماةَ قَد تَرَسَّموا / وَلِاِرتَقابِ الطَيرِ قَد تَقَسَّموا
بِالجِفتِ قَد تَدَرَّعوا وَعَمَّمواَ / لَمّا عَلى سَفكِ دِماها صَمَّموا
جاؤوا إِلَيها في ثِيابٍ حُمرِ /
قَد فَزِعوا عَن كُلِّ عُربٍ وَعَجَم / وَأَصبَحوا بَينَ الطِرافِ وَالأَجَم
مِن كُلِّ نَجمٍ بِالسُعودِ قَد نَجَم / وَكُلِّ بَدرٍ بِالشَهابِ قَد رَجَم
عَن كُلِّ مَحنيٍّ شَديدِ الظَهرِ /
مَحنِيَّةٌ في رَفعِها قَد أُدمِجَت / أَدرَكَها التَثقيفُ لَمّا عوِّجَت
قَد كُبِسَت بُيوتُها وَسُرِّجَت / كَأَنَّها أَهِلَّةٌ قَد أُخرِجَت
بَنادِقاً مِثلَ النُجومِ الزُهرِ /
قَد جَوَّدَت أَربابُها مَتاعَها / وَأَتعَبَت في حَزمِها صُنّاعَها
وَهَذَّبَت رُماتُها طِباعَها / إِذا لَمَسَت خابِراً أَقطاعَها
حَسِبتَها مَطبوعَةً مِن صَخرِ /
إِذا سَمِعتُ صَرخَةَ الجَوارِحِ / تَصبوا إِلى أَصواتِها جَوارِحي
وَإِن رَأَيتُ أَجَمَ البَطائِحِ / وَلَم أَكُن ما بَينَها بِطائِحِ
يَضيقُ عَن حَملِ الهُمومِ صَدري /
مَن لي بِأَنّي لا أَزالُ سائِحا / بَينَ المَرامي غادِياً وَرائِحا
لَو كانَ لي دَهري بِذاكَ سامِحا / فَالقُربُ عِندي أَن أَبيتَ نازِحا
أَقطَعُ في البَيداءِ كُلَّ قَفزِ /
نَذَرتُ لِلنَفسِ إِذا تَمَّ الهَنا / وَزُمَّتِ العيسُ لِإِدراكِ المُنى
أَن أَقرِنَ العِزَّ لَدَيها بِالغِنى / حَتّى رَأَت أَنَّ الرَحيلَ قَد دَنا
فَطالَبَتني بِوَفاءِ نَذري /
تَقولُ لي لَمّا جَفاني غُمضي / وَأَنكَرَت طولَ مَقامي أَرضي
وَعاقَني صَرفُ الرَدى عَن نَهضي / ما لِلَّيالي أولِعَت بِخَفضي
كَأَنَّها بَعضُ حُروفِ الجَرِّ /
فَاِنهَض رِكابَ العَزمِ في البَيداءِ / وَاِزوَرَّ بِالعيسِ عَنِ الزَوراءِ
وَلا تُقِم بِالمَوصِلِ الحَدباءِ / إِنَّ شِهابَ القَلعَةِ الشَهباءِ
يَحرُقُ شَيطانَ صُروفِ الدَهرِ /
نَجمٌ بِهِ الأَنامُ تَستَدِلُّ / مَن عَزَّ في حِماهُ لا يَذِلُّ
في القَرِّ شَمسٌ وَالمَصيفِ ظِلُّ / وَبلٌ عَلى العُفاةِ مُستَهِلُّ
أَغنى الأَنامَ عَن هُتونِ القَطرِ /
لَو قابَلَ الأَعمى غَدا بَصيرا / وَلَو رَأى مَيتاً غَدا مَنشورا
وَلَو يَشا الظَلامَ كانَ نورا / وَلو أَتاهُ اللَيلُ مُستَجيرا
أَمَّنَهُ مِن سَطَواتِ الفَجرِ /
لُذ بِرُبوعِ المَلِكِ المَنصورِ / مُحيي الأَنامِ قَبلَ نَفخِ الصورِ
باني العُلا قَبلَ بِنا القُصورِ / قاتِلَ كُلِّ أَسَدٍ هَصورِ
مَلَّكَهُ اللَهُ زِمامَ النَصِرِ /
مَلكٌ كَأَنَّ المالَ مِن عُداتِهِ / يَرى حَياةَ الذِكرِ في مَماتِهِ
قَد ظَهَرَ العِزُّ عَلى أَوقاتِهِ / وَأَشرَقَ النورُ عَلى لَيلاتِهِ
كَأَنَّها بَعضُ لَيالي القَدرِ /
أَصبَحَ في الأَرضِ لَنا خَليفَهُ / نَعِزُّ في أَربُعِهِ المَألوفَه
قَد سَمَحَت أَكُفُّهُ الشَريفَه / وَأُلهِمَت عَزمَتُهُ المُنيفَه
بِكَسرِ جَبّارٍ وَجَبرِ كَسرِ /
يَخضَعُ هامُ الدَهرِ فَوقَ بابِهِ / وَتَسجُدُ المُلوكَ في أَعتابِه
وَتَخدُمُ الأَقدارُ في رِكابِه / تَرومُ فَضلَ العِزِّ مِن جَنابِه
وَتَستَمِدُّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ /
مُحَكَّمٌ ناءٍ عَنِ الأَغراضِ / وَجَوهَرٌ خالٍ مِنَ الأَعراضِ
يُهابُ كَالساخِطِ وَهوَ راضِ / قَد مَهَّدَت آرائُهُ الأَراضي
وَأَهلَكَت كَفّاهُ جَيشَ الفَقرِ /
لَمّا رَأى أَيّامَهُ جُنودا / وَالناسَ في أَعتابِهِ سُجودا
أَرادَ في دَولَتِهِ مَزيدا / فَأَعتَقَت أَكَفُّهُ العَبيدا
وَاِستَعبَدَت بِالجودِ كُلِّ حُرِّ /
يا مَلِكاً تَحسُدُهُ الأَملاكُ / وَتَقتَدي بِعَزمِهِ الأَفلاكُ
يَهابُهُ الأَعرابُ وَالأَتراكُ / لَهُ بِما تُضمِرُهُ إِدراكُ
كَأَنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالسِرِّ /
قُربي إِلَيكُم لا العَطاءُ سولي / وَوُدُّكُم لا غَيرَهُ مَأمولي
إِذا جَلَيتُ كاعَبَ الفُصولِ / لا أَبتَغي مَهراً سِوى القَبولِ
إِنَّ القَبولَ لا لِأَجلِ مَهرِ /
لا بَرِحَت أَفراحُكُم مُجَدَّدَه / وَأَنفُسُ الضَدَّ بِكُم مُهَدَّدَه
وَأَربُعُ المَجدِ بِكُم مُشَيَّدَه / وَالأَرضُ مِن آرائِكُم مُمَهَّدَه
وَالدَهرُ بِالأَمنِ ضَحوكُ الثَغرِ /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025