القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 155
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
أينَ عُشاقُك سُمَّار الليَالي / أينَ من واديكِ يا مهدَ الجمالِ
موكبُ الغيدِ وعيدُ الكرنفالِ / وَسُرَى الجُنْدولِ في عرض القنالِ
بين كأسٍ يتشهى الكرمُ خمرَهْ /
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثَغْرَهْ /
إلتقتْ عيني بهِ أوَّلَ مرَّهْ /
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِ نظرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
مرَّ بي مُستضحكاً في قربِ ساقي / يمْزُجُ الراحَ بأقداحٍ رِقاقِ
قد قصدناهُ على غيرِ اتفاقِ / فنَظرنا وابتسمنا للتَّلاقي
وهوَ يَستهدِي على المفْرِقِ زهرَهْ /
ويُسوِّي بيدِ الفتنةِ شَعْرَهْ /
حين مسَّتْ شَفتي أوَّل قطرَهْ /
خِلْتُهُ ذوَّبَ في كأسيَ عِطرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
ذَهبيُّ الشَّعرِ شَرقيُّ السِّماتِ / مرِحُ الأعْطافِ حلوُ اللَّفتاتِ
كُلَّما قلتُ لهُ خُذْ قالَ هاتِ / يا حبيبَ الرُّوحِ يا أُنسَ الحياةِ
أنا من ضيَّعَ في الأوهامِ عُمْرَهْ /
نسيَ التاريخَ أو أُنسيَ ذِكرَهْ /
غيرَ يومٍ لم يَعُدْ يذكرُ غيرَهْ /
يومَ أنْ قابلته أوَّلَ مرَّهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
قالَ من أينَ وأصغى ورَنا / قلتُ من مصرَ غريبٌ ههُنا
قالَ إن كنتَ غريباً فأنا / لم تكنْ فينيسيا لي مَوْطنا
أينَ منِّي الآن أحلامُ البُحَيْرَهْ /
وسماءٌ كَستِ الشطآنَ نضْرَهْ /
منزلي منها على قمةِ صَخْرَهْ /
ذاتِ عينٍ من مَعينِ الماء ثرَّهْ /
أينَ من فارسوفيا تلكَ المَجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
قلتُ والنشوةُ تسري في لساني / هاجتِ الذكرى فأينَ الهَرمان
أين وادي السِّحرِ صدَّاحَ المغاني / أين ماءُ النيل أين الضِّفَّتان
آه لو كنتَ معي نختالُ عَبْرَهْ /
بشراعٍ تَسبحُ الأنجمُ إثرَهْ /
حيث يَروي الموجُ في أرخم نَبْرَهْ /
حُلْمَ ليلٍ من ليالي كليوبترَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
أيُّها الملَّاحُ قِفْ بينَ الجسورِ / فتنةِ الدنيا وأحلامِ الدهورِ
صفَّق الموجُ لولدانٍ وحورِ / يُغرقون الليلَ في يَنبوع نورِ
ما ترى الأغيدَ وضَّاء الأسِرَّهْ /
دقَّ بالساق وقد أسلَم صدْرَهْ /
لمحبٍّ لفَّ بالساعد خَصْرَهْ /
ليتَ هذا الليلَ لا يُطْلِعُ فجرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
رَقَصَ الجُندولُ كالنجم الوضيِّ / فاشْدُ يا ملَّاح بالصوتِ الشجيِّ
وترَنَّمْ بالنشيدِ الوثَنيّ / هذه الليلةُ حُلْمُ العَبقريِّ
شاعتِ الفرحةُ فيها والمسرَّهْ /
وجَلا الحبُّ على العُشّاق سرَّهْ /
يَمنةً مِلْ بي على الماء ويَسرَهْ /
إنَّ للجندول تحت الليل سِحرَهْ /
أين يا فينيسيا تلك المجالي / أين عُشاقُك سُمَّار الليالي
أين من عينيَّ يا مهدَ الجمالِ / موكبُ الغيد وعيدُ الكرنفالِ
يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ /
إذا ما طافَ بالشُّرْ
إذا ما طافَ بالشُّرْ / فَةِ ضوء القمر المضْنَى
ورفَّ عليكِ مثل الحلْ / مِ أو إشراقةِ المعنى
وأنتِ على فراش الطُّهْ / رِ كالزنبقة الوَسْنى
فضمِّي جسمكِ العاري / وصوني ذلك الحُسْنا
أغارُ عليكِ من حسابٍ / كأنَّ لضوئه لحنا
تدقُّ له قلوبُ الحو / رِ أشواقاً إذا غنى
رقيقُ اللمس عربيدٌ / بكلِّ مليحةٍ يُعْنى
جريءٌ إن دعاه الشوْ / قُ أن يقتحمَ الحصنا
تحدَّرَ من وراء الغَي / مِ حينَ رآكِ واستأنى
ومسَّ الأرضَ في رفقٍ / يشقُّ رياضها الغَنَّا
عجبتُ لهُ وما أعجبُ / كيفَ استلَمَ الركنا
وكيفَ تسوَّرَ الشَّوك / وكيفَ تسلَّقَ الغُصْنا
على خديك خمرُ / صبابةٍ أفرغها دنَّا
رحيقٌ من جَنَى الفتْ / نَةِ لا ينضُبُ أو يفْنى
وفي نهديكِ طِلسما / نِ في حَلِّهما افتنَّا
إلى كنزهما المعبو / دِ باتَ يعالجُ الرُّدْنا
أغارُ أغارُ إنْ قبَّ / لَ هذا الثغرَ أو ثَنَّى
ولفَّ النَّهْدَ في لينٍ / وضمَّ الجسدَ اللَّدْنا
فإنَّ لضوئهِ قلباً / وإنَّ لسحره جَفْنا
يصيدُ الموجةَ العذرا / ءَ من أغوارها وَهْنا
وكم من ليلةٍ لمَّا / دعاهُ الشوقُ واستدنى
جثا الجبَّارُ بين يديْ / كِ طفلاً يشتكي الغَبْنا
أرادَ فلم يَنَل ثغراً / ورامَ فلم يُصِبْ حِضنا
حوَتْكِ ذراعهُ رسماً / وأنتِ حويتهِ فنَّا
عصيتِ هواهُ فاستضرى / كأنَّ بصدره جِنَّا
مضى بالنظرةِ الرَّعنا / ءِ يطوي السَّهل والحَزْنا
يثيرُ الليلَ أحقاداً / وصدرَ سحابهِ ضِغنا
وعادَ الطفلُ جبَّاراً / يهزُّ صراعهُ الكوْنا
فَرُدِّي الشرفةَ الحمرا / ءَ دونَ المخدَع الأسنى
وصوني الحسنَ من ثَورَ / ةِ هذا العاشق المُضنى
مخافةَ أنْ يظنَّ النا / سُ في مخدعكِ الظنَّا
فكم أقلقتِ منْ ليلٍ / وكم من قَمَرٍ جُنَّا
هاتفُ الفجر الذي راعَ النجومْ
هاتفُ الفجر الذي راعَ النجومْ /
وأطارَ الليلَ عن آفاقِها /
لم يَزَلْ يُغري بنا بنتَ الكرومْ /
ويُثيرُ الوجدَ في عشاقها /
صَيْدَحٌ جُنَّ غراماً بالسَّحَرْ /
أنطقتْهُ لهفةُ الروحِ المشوقْ /
مَوثِقُ القلب وميعادُ النَّظرْ /
مهرجانُ النُّور في عُرس الشروقْ /
فَرَحُ الجَنَّة في ألحانِهِ /
وصداهُ في السَّحاب العابرِ /
أرسَلَ السِّحْرَ على ألوانِه /
من فَمٍ شادٍ وقلبٍ شاعرِ /
يا لهُ صوتاً من الماضي البعيدْ /
رائعَ الإيقاعِ فتَّان النغمْ /
جدَّدَ الأشواقَ باللحن الجديدْ /
وهو كالدنيا عَريقٌ في القِدَمْ /
كم عيونٍ نفَضَتْ أحلامَها /
حينَ نادى غيرَ حُلمٍ واحدِ /
سلسلتْ فيه المُنى أنغامَها /
وهي تشدو بالرحيقِ الخالدِ /
كلَّما لألأ في الشرق السَّنا /
دقَّتِ البابَ الأكُفُّ الناحلهْ /
أيُّها الخمَّارُ قمْ وافتح لنا /
واسقِنا قبلَ رحيلِ القافلهْ /
خَمرةُ العشاقِ لا زالتْ ولا /
جَفَّ من ينبوعها نهرُ الحياهْ /
نضبتْ في قدَحِ العمرِ الطِّلا /
وهيَ في الأرواح تستهوي الشِّفاهْ /
كم شموسٍ عَبرَتْ هذا الفضاء /
وألوفٍ من بدورٍ ونجومْ /
والثرى بين ربيعٍ وشتاء /
ضاحكُ النَّوَّارِ وهَّاجُ الكرومْ /
كلُّ عنقودٍ دموعٌ جَمَدَتْ /
وقلوبٌ فَنيتْ فيها شعاعا /
ما احتواها الفجرُ إلَّا اتّقَدَتْ /
جمرةً تذكو حنيناً والتياعا /
لو أصابَتْ ريشتيها وثَبتْ /
بجناحين من الشَّوق القديمْ /
فاعذرِ الكأسَ إذا ما اضطربتْ /
حَبَباً يخْفِق في كفِّ النديمْ /
أيها الخالدُ في الدنيا غراما /
أينَ نيْسابورُ والروضُ الأنيقْ /
أين معشوقكَ إبريقا وجاما /
هلْ حَطَمْتَ الكأس أم جفَّ الرحيق /
هذه الكَرمةُ والوادي الظليلْ /
مثلما كانا وهذا البلبلُ /
حاضرٌ أشبهُ بالماضي الجميلْ /
لو يُغَنِّيهِ المغني الأولُ /
اليدُ البيضاءُ في كلِّ الغصونْ /
زهرةٌ تَنْدَى ونوْرٌ يُشرقُ /
والثرى من نَفَسِ الرُّوحِ الحنونْ /
مهجةٌ تهفو وقلبٌ يخفقُ /
كم تشهَّيتَ الحبيبَ المُحسِنا /
لو سقى مثواكَ بالكأسِ الصبيب /
وتمنَّيتَ وما أحلى المنى /
خطواتٍ منه والمثوى قريبْ /
أتُرى أعطيتَه سِرَّ الخلودْ /
أم حبوتَ الحسنَ سلطاناً يدومْ /
عجباً تخطئ أسرارَ الوجودْ /
أيها الحاسبُ أعمارَ النجومْ /
شَفَةُ الكأسِ التي أنطقتَها /
لم تَدَعْ للسائلِ الصادي جوابا /
حُجُبٌ عن ناظري مَزَّقْتها /
فرأيتُ العيش برقاً وسرابا /
ولمستُ الخافقَ الحيَّ المنى /
طينةً تبكي بكفِّ الجابلِ /
تشتهي الرَّشْفَةَ مما عَلَّنَا /
وهي ملأى تحت ثغرِ الناهلِ /
نسِيَ الأنخابَ من تهوى وأمسى /
مثلما أمسيتَ يستسقي الغماما /
واشتكتْ رقَّتهُ في الأرض يُبسا /
وغدا الإبريقُ والكأسُ حطاما /
لا فما زالا ولا زال الحبيبْ /
أيها المفْعِمُ بالحبِّ الوجودا /
إنَّ من غنّيْت بالأمس القريبْ /
مَنَحَتْهُ ربَّةُ الشِّعْرِ الخلُودا /
مرَّ بي طيفُكما ذاتَ مساء /
وأنا ما بينَ أحلامي وكأسي /
استبدَّت بيَ أطيافُ الخفاء /
وتغرَّبتُ عن الدنيا بنفسي /
صِحْتُ بالليلِ إلى أن أشفقا /
فليَقفْ نجمُكَ وليَنأ السَّحَرْ /
جَدَّدَ العشاقُ فيكَ الملتقى /
وحَلا الهمسُ على ضوءِ القمَرْ /
فادخلا بين ضياءٍ وغمامْ /
حانةَ الأقدار والليلِ القديمْ /
مجلساً يهفو به رُوحُ الغرامْ /
كلُّ نجمٍ فيه ساقٍ ونديمْ /
وانهلا من سَلْسَلِ النُّورِ المذابْ /
خمرةً ليس لها من عاصرِ /
قَنَعَ الصوفيُّ منها بالحَبابْ /
وهيَ تنهلُّ بكأسِ الشاعرِ /
فاروِ يا شاعرُ عن إشراقِها /
إنَّما كأسُك نورٌ وصفاءْ /
كيفَ طالعتَ على آفاقها /
روعةَ الغيبِ وأسرارَ السماءْ /
كيف أبصرتَ الجمالَ المشرِقا /
بَصَرَ الفانينَ في حُبِّ الإلهْ /
وفتحتَ الأبدَ المستغلِقا /
عن ضمير الكونِ أو سرِّ الحياهْ /
أبروحانيةِ الشَّرقِ العريقْ /
أمْ ببوهيميَّةِ الفنِّ الطَّليقْ /
سَبَحَتْ رُوحُك في الكون السحيقْ /
حيث لا يَسْمعُ طافٍ لغريقْ /
حيث أبصرتَ الذي لم تُبْصِرِ /
أعينٌ مَرَّتْ بهذا العالَمِ /
ذاك سرُّ الشاعرِ المستهترِ /
وفتونِ الفيلسوفِ العالمِ /
ذاك سرُّ النَّغْم المسترسلِ /
والصفاءِ السلسلِ المطَّردِ /
رُوحُ شادٍ فَنِيَتْ في الأزَلِ /
وتحدَّثْ شهوةَ المنتقدِ /
صرَخَتْ آلامُهُ في كُوبهِ /
فهوى يثأرُ من آلامهِ /
إنما البعثُ الذي تشدُو بهِ /
يقظةُ المفجوعِ في أحلامِهِ /
إنما البعثُ المُرَجَّى للوَرَى /
غاية الحيِّ التي لا تُحمَدُ /
إنما تُبْعَثُ في هذا الثَّرى /
بعضَ ما يُقطَفُ أو ما يُحصَدُ /
حَسبُها تعزيةً أنَّا سَنَحْيَا /
في غدٍ مثلَ حياةِ الزَّهَرِ /
وسنطوي الأبدَ المجهولَ طيَّا /
جُدَدَ الأطياف شتَّى الصُّوَرِ /
حسبُها تعزية أن نحلُما /
بأناشيدِ الصَّباحِ المنتظرْ /
ونشقُّ الأرض عن وجهِ السَّما /
حيث نورُ الشمسِ أو ضوءُ القمرْ /
ربما جَدَّدَ أو هاجَ لنَا /
نبأً أو قِصةً مِنْ حُبِّنَا /
نوْحُ ورقاءَ أرنَّتْ حَوْلنا /
أو شجَى قُبّرةٍ مرَّتْ بنا /
أو خُطَى إلفينِ في فجرِ الصِّبا /
أترَعا كأسَيهما مِنْ ذوبهِ /
أو صدَى رَاعٍ على تلكَ الرُّبى /
صَبَّ في النَّاي أغاني حُبِّهِ /
حُلُمٌ مَثَّلتُهُ في خاطري /
فعشقتُ الخُلدَ في هذا الرُّواءْ /
أنكرُوهُ فَحَكَوا عن شاعرِ /
جُنَّ بالخمر وأغوتْه النساءْ /
ولقد قالوا شذوذٌ مُغرِبُ /
وإباحيَّة لاهٍ لا يُفيقْ /
آهِ لو يَدْرونَ ما يضطربُ /
بين جنبيْكَ من الحزن العميقْ /
أوَلا يغْدو الخليعَ الماجِنا /
من رأى عُقْبَى الصباحِ الباسِمِ /
ورأى الحيَّ جماداً ساكنا /
بعد ذيَّاك الحراك الدائمِ /
أوَلا يُغْرِبُ في نشوتِه /
شاربُ الغُصَّةِ في اليومِ الأخيرْ /
أوَلا يُمْعنُ في شهوتهِ /
مُسْلِمُ الجسمِ إلى الدودِ الحقيرْ /
قصةُ الزُّهدِ التي غَنَّوْا لها /
علَّلتهمْ بالسرابِ الخادعِ /
نشوةُ الشاعر ما أجملها /
هيَ مفتاحُ الخلودِ الضّائعِ /
لو أصابوا حكمةً ما اتَّهموا /
وبكى لاحيكَ والمسْتهجنُ /
فهو من دنياهمُ لو عَلموا /
عَبَثٌ مُرٌّ ولَهْوٌ مُحزنُ /
يا قاهرَ الموتِ كم للنفسِ أسرارُ
يا قاهرَ الموتِ كم للنفسِ أسرارُ / ذلَّ الحديدُ لها واستخْذت النَّارُ
وأشفَقَ البحرُ منها وهو طاغيةٌ / عاتٍ على ضرباتِ الصَّخرِ جَبَّارُ
حواكَ أُحدوثةً مُثْلى وتضحيةً / لم تحوِها سِيرٌ أو تروِ أخبارُ
رماكَ في جَنَباتِ اليمِّ محترِبٌ / خافي المقاتل عند الرَّوعِ فرَّارُ
ترصَّدتكَ مراميهِ ولو وقَعَتْ / عليهِ عيناكَ لم تُنقذهُ أقدارُ
يَدِبُّ في مسبحِ الحيتانِ منسرباً / والغورُ داجٍ وصدرُ البحرِ موَّارُ
كدودةِ الأرضِ نورُ الشمس يقتلها / وكم بها قُتِلتْ في الروضِ أزهارُ
هوى بكَ الفُلْكُ إلَّا هامةً رُفِعتْ / لها من المجدِ إعظامٌ وإكبارُ
واستقبلَ البحرُ صدراً حين لامسَهُ / كادتْ عليهِ جبالُ الموجِ تنهارُ
وغابَ كلُّ مشيدٍ غيرَ قُبَّعةٍ / ذكرى من الشَّرفِ العالي وتذكارُ
ألقيتَها فتلقَّى الموجُ مَعْقَدها / كما تلَقَّى جبينَ الفاتحِ الغَارُ
ولو يُرَدّ زمانُ المعجزاتِ بها / لانشقَّ بحرٌ لها وارتدَّ تيَّارُ
كأنَّها خطبةٌ راعَتْ مقاطعُها / لها العوالمُ سُمَّاعٌ ونُظَّارُ
تقولُ لا كانَ لي ربٌّ ولا هتفتْ / بذكرِه الحربُ إنْ لم يُؤخذِ الثارُ
يا ابنَ البحار وليداً في مسابحها / ويافعاً يؤثرُ الجُلَّى ويختارُ
ما عالمُ الماءِ يا رُبَّان صفهُ لنا / فما تحيطُ به في الوهم أفكارُ
وما حياةُ الفتى فيه أتسليةٌ / وراحةٌ أم فُجاءاتٌ وأخطارُ
إذا السفينةُ في أمواجهِ رَقصَتْ / على أهازيجَ غنَّاهنَّ إعصارُ
وأشجتِ السُّحْبَ موسيقاهُ فاعتنقتْ / وأُسدِلتْ من خدور الشُّهبِ أستارُ
وأنتَ ترنو وراءَ الأُفق مبتسماً / كما رَنا نازحٌ لاحتْ لهُ الدارُ
غرقانَ في حُلمٍ عَذْبٍ تُسلسلهُ / من ذروةِ الليل أنواءٌ وأمطارُ
يا عاشِقَ البحر حَدِّثْ عن مفاتنِه / كم في لياليهِ للعشَّاقِ أسمارُ
ما ليلةُ الصيف فيه ما روايتُها / فالصيفُ خمرٌ وألحانٌ وأشعارُ
إذا النسائمُ من آفاقه انحدرتْ / وضوَّأتْ من كُوَى الظلماءِ أنوارُ
وأقبلتْ عارياتٍ من غلائلها / عرائسٌ من بناتِ الجنِّ أبكارُ
شُغلُ الربابنةِ السارينَ من قدَمٍ / تُجلى بهنَّ عشِيَّاتٌ وأسحارُ
يُترِعْنَ كأسَك من خمرٍ مُعَتَّقَةٍ / البحرُ كهفٌ لها والدهرُ خمَّارُ
وأنت عنهنَّ مشغولٌ بجاريةٍ / كأنَّ أجراسَها في الأُذن قِيثارُ
صوتُ الحبيبةِ قد فاضتْ خوالجُها / ورنَّحتْها من الأشواق أسفارُ
وألهفَ قلبكَ لما اندكَّ شامخُها / والنوءُ مصطرعٌ والموجُ هدّارُ
بوغِتَّ بالقدَرِ المكتوب فانسرَحَت / عيناكَ تقرأ والأمواجُ أسطارُ
نزلتما البحرَ قبراً حين ضمَّكما / رفّتْ عليه من المرجان أشجارُ
نام الحبيبانِ في مثواهُ واتّسَدا / جنباً لجنبٍ فلا ذلٌّ ولا عارُ
مصارعٌ للفدائيين يعشقها / مستقتلونَ وراءَ البحر أحرارُ
مَنيَّةٌ كحياةٍ كلما ذُكِرَتْ / تجدّدَتْ لك في الأجيالِ أعمارُ
هيَ الفخارُ لشعبٍ من خلائقهِ / خَلْقُ الرجالِ إذا هاجَتهُ أخطارُ
له البحارُ بما اجتازتْ شواطئها / وما أجنّته خلجانٌ وأغوارُ
رواقُ مجدٍ على جدرانهِ رُفِعَتْ / للخالدين أماثيلٌ وآثارُ
دخلتَ من بابهِ واجتزتَ ساحتَه / وسِرتَ فيهِ على آثارِ من ساروا
يتيهُ باسمكَ في أقداسهِ نُصُبٌ / رخامهُ الدهرُ والتاريخُ حَفّارُ
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي / واتبعي يا جبالُ في الأرضِ ظِلِّي
واصْدَحِي يا جنادلَ النهر تحتي / بأناشيدِ مائكِ المُنْهَلِّ
وارفعي يا رُبى إليَّ وأدني / زَهَرَاتٍ من عُشْبكِ المخضَلِّ
ضَمِّخي من عبيرها ونداها / قَدَماً لمْ تطأكِ يوماً بذُلِّ
هَزَأتْ بالجراحِ من مِخلب الْ / ليثِ وأنياب كل أفعى وصلِّ
واحملي يا رياحُ صوتي إلى الوا / دي وضِجِّي بكلِّ حزنٍ وسهلِ
وانسمي بالغرام يا نسمةَ الْ / ليلِ وكوني إلى الأحبة رُسْلي
إنَّ في حومةِ القبيلةِ ناراً / ضَوَّأتْ لي على مَضاربِ أهلي
رقصتْ حولها الصبايا وغَنَّتْ / بأغاني شَبابها المستهِلِّ
صوتُ إفريقيا ووحيُ صباها / ونداءُ القرونِ بعدي وقبْلي
باسمِها الخالدِ امتشقتُ حُسامي / بيدٍ تخفضُ الحظوظَ وتُعلي
وشربتُ الحميمَ من كلِّ شمسٍ / نارُها تُنضِجُ الصخورَ وتُبلي
وقهرتُ الحياةَ حتى كأني / قَدَرٌ تكتبُ الحتوفُ وأُملي
يا عذارى القبيل أنتنَّ للْ / مَجدِ على عِفَّةٍ صواحبُ بَذْلِ
حسبُ روحي الظامي وحسب جراحي / رَشفَةٌ من عيونِكنَّ النُّجْلِ
وابتساماتكنَّ فوق شفاهٍ / بمعاني الحياةِ كم أومأتْ لي
حين ألقى زوجي على بابِ كوخي / وأُناغي على ذراعيَّ طفلي
وأنامُ الليلَ القصيرَ لأجلو / صارمي في سَنى الصباحِ المطلِّ
إذا ارتقى البدرُ صفحةَ النهرِ
إذا ارتقى البدرُ صفحةَ النهرِ /
وضمَّنا فيهِ زورقٌ يجري /
وداعبتْ نَسمةٌ من العِطرِ /
على مُحيَّاكِ خُصْلةَ الشَّعرِ /
حَسَوْتُها قبلةً من الجمرِ /
جُنَّ جُنوني لها وما أدري /
أيَّ معاني الفتونِ والسِّحرِ /
ثغرُك أوحى بها إلى ثغري /
حُلْمُ مساءٍ أتاحهُ دهري /
غَرّدَ فيه الحبيسُ في صدري /
فنوِّليني فليس في العمرِ /
سوى ليالي الغرام والشِّعْرِ /
إنِّي رأيتُ النذيرَ في الأثرِ /
تطلِقُ كفَّاهُ طائرَ الفَجْرِ /
فقرِّبي الكأسَ واسكبي خمري /
بعينيكِ ما يُلْهمُ الخاطرا
بعينيكِ ما يُلْهمُ الخاطرا / ويتركُ كلَّ فتىً شاعرا
فيا فِتنةً من وراءِ البحارِ / لقِيتُ بها القَدَرَ الساخرا
دَعَتْني فَجمَّعتُ قلبي لها / وناديتُ ماضِيَّ والحاضرا
وأقبلتُ في موكبِ الذكريات / أُحَيِّ الخميلةَ والطائرا
وساءَلني القلبُ ماذا ترى / فقلتُ أرى حُلُماً عابرا
أرى جَنةً وأراني بها / أهيمُ بأرجائها حائرا
ملأتُ بتُفَّاحها راحتيَّ / وبتُّ لكَرْمَتِها عاصرا
وذقتُ الحنانَ بها والرِّضى / يداً بَرَّةً وفماً طاهرا
فيا ليلةً لم تكُنْ في الخيالِ / أجَدَّتْ ليَ المرحَ الغابرا
أفاءَتْ على النيلِ سحرَ الحياة / وأحيَتْ لشعري بهِ سامرا
نسيت لياليَّ من قبلها / وكنتُ لها الوافيَ الذاكرا
سلي من أثارتْ بقلبي الفتونَ / وخَلَّتْهُ محتدِماً ثائرا
بربِّك من ألَّفَ الأصغرين / وعلَّقَ بالناظر الناظرا
إذا أطلقَ الضوءُ أطيافَه / ولفَّ بها خصرَكِ الضامرا
وطوَّقَ نحْرَك لحظُ العيونِ / وعادَ بكَرَّتهِ حاسرا
ووقَّعتِ من خفَقات القلوب / على قدَميْكِ الصَّدى الساحرا
وحدَّثَ كلُّ فتىً نفسَهُ / أرى الفنَّ أم روحَه القاهرا
تمثَّلْتِهِ طيفَ إنسانةٍ / ومَثَّلَ فيك الصِّبا الناضرا
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا / رُبَّ ذكرى تعيدُ لي طَربي
وارفعي وَجهكِ الجميلَ أرى / كيفَ هذا الحياءُ لَمْ يَذُبِ
واسندي رأسَكِ الصغيرَ إلى / ثائرٍ في الضلوع مُضطربِ
ذلك الطفلُ هَدْهديهِ فما / ثابَ من ثورةٍ ومن صَخَبِ
وامنحي عينيَ النُّعاسَ على / خُصَلاتٍ من شعركِ الذَّهبي
ظمأي قاتلي فما حَذري / مَوردي منكِ مَوْردَ العَطَبِ
ثرْثِري واصنعي الدموعَ ولا / تحفِلي إنْ هَمَمْتِ بالكذبِ
بي نزوعٌ إلى الخيال وبي / للتمنِّي حنينُ مُغتربِ
وا عَجَبي منكِ إنْ نسيتِ وما / أسفي نافعٌ ولا عَجَبي
لم أزَلْ أرقبُ السماءَ إلى / أن أطَلَّ الشتاءُ بالسُّحُبِ
موعِدُنا كانَ في أصائلِهِ / ضِفَّة سُندسيَّةُ العُشُبِ
نرقبُ النيلَ تحت زورقنا / وخفوقَ الشِّراعِ عن كثبِ
وظلالَ النخيل في شَفَقٍ / سالَ فوق الرمالِ كاللَّهبِ
كأسُنا مترَعٌ وليلتُنا / غادةٌ من مضارِبِ العربِ
ويكِ لا تنظري إلى قدَحي / نظرَاتِ الغريبِ واقتربي
شفتاكِ النَّديتانِ بهِ / فيهما رُوحُ ذلك الحَببِ
شَهِدَ المنتَشِي بخمرهما / أنَّ هذا الرحيقَ من عِنبي
هي الكاسُ مشرقةً في يديكَ
هي الكاسُ مشرقةً في يديكَ / فماذا أرابكَ في خمرِها
نظرتَ إليها وباعدْتَها / كأنَّ المنيَّة في قطْرِها
أما ذقتَها قبلَ هذا المساءِ / وعربدْتَ نشوانَ من سُكْرِها
حلا طعمُها يوم كنتَ الخليَّ / وكلُّ الصبابةِ في مُرِّها
سُقِيتَ بها من يدٍ لم تكنْ / سوى الريح تنفُخُ في جمْرِها
تلفَّتْ فهذا خيالُ التي / مَرِحت وغرَّدَت في وَكرِها
وغُرفَتُها لم تزلْ مثلما / تنسَّمتَ حُبَّكَ من عطرِها
وقفتَ بها ساهماً مُطرقاً / يُحدِّثكَ الليلُ عن سرِّها
مكانكُ فيها كما كان أمسِ / وذلك مثواك في خِدْرِها
وآثارُ دمعِك فوقَ الوسادِ / وفوق المُهدَّل من سترِها
فهل ذُقْتَ حقاً صفاءَ الحياةِ / وذوْبَ السعادة في ثغْرِها
إذا فُتحَ البابُ تحتَ الظلام / فكيف ارتماؤُك في صَدرِها
وكيف طوى خَصرَها ساعدَاكَ / ومرَّتْ يداكَ على شعرِها
وما هذه رِعشَةٌ في يَدَيكَ / أم الكأسُ ترجفُ من ذكرِها
وما في جبينك يا ابنَ الخيال / سِماتٌ تحدِّث عن غَدرِها
لقد دنَّسَ الجسَدُ الآدميُّ / حياةً حَرَصْتَ على طُهْرِها
بكى الفنُّ فيكَ على شاعرٍ / تسائِلهُ الروحُ عن ثأرِها
نزلت بها وهْدَةً كم خبا / شُعاعٌ وغُيِّبَ في قبرِها
رفعتَ تماثيلكَ الرائعاتِ / وحطَّمْتهنَّ على صَخرِها
فدعْ زهرةَ الأرض يا ابن السماء / فأنتَ المبرَّأُ من شرِّها
مراحُك في السُّحُب العالياتِ / وفوق المُنوَّرِ من زُهرِها
فمُدَّ جَناحيكَ فوق الحياةِ / وأطلِقْ نشيدَك في فجرِها
هيِّئي الكأس والوَتَرْ
هيِّئي الكأس والوَتَرْ / تلك كومو مدى النظَرْ
واصدحي يا خواطري / طُويَتْ شُقَّة السَّفَرْ
ودَنَتْ جَنَّةُ المنى / وحلا عندها المقَرْ
قد بُعِثْنا بها على / موعدٍ غيرِ منتظَرْ
في مساءٍ كأنه / حُلُمُ الشيْخِ بالصغَرْ
البحيراتُ والجبالُ / توشَّحْنَ بالشجَرْ
وتنَقَّبْنَ بالغما / مِ وأسفرنَ يا للقمَرْ
والبروناتُ غادةٌ / لبسَتْ حُلَّةَ السهَرْ
نُثِرَتْ فوقها الديا / رُ كما يُنثر الزَّهَرْ
وعَبَرْنا رحابها / فأشارتْ لمن عَبَرْ
هاكَها قُبْلَةً فمنْ / رامَ فليركبِ الخطَرْ
فسمونا لخدْرها / زُمراً تلْوها زُمَرْ
في زجاج مُحلِّقٍ / لا دخانٌ ولا شرَرْ
يتخطَّى بنا الفضا / ءَ على السُّنْدسِ النَّضِرْ
سُلَّم يُشبهُ الصرا / طَ تسامى على البصَرْ
فإلى النجْمِ مُرتقىً / وإلى السُّحْبِ منحدَرْ
وحللنا بقمَّةٍ / دونها قِمَّة الفِكَرْ
بَهَجٌ في كنوزها / للمحبِّينَ مُدّخَرْ
بابلٌ أم بحيرةٌ / أم قصورٌ من الدُّرَرْ
أم رؤَى الخلدِ في الْ / حَياةِ تَمثَّلْنَ للبشَرْ
حبَّذا أُمسياتُها / وحنيناً إلى البُكَرْ
ونزوعاً إلى السفي / نِ تهيأنَ للسَّفَرْ
نسِيَتْ شُغْلَها القلو / بُ وهلَّلنَ للسَّمَرْ
أوجُهٌ مثلما رَنتْ / زهرةُ الصيف للمطَرْ
أضحيانية السِّما / تِ هلاليةُ الطُّرَرْ
يَتَوَهَّجْنَ بالشبا / بِ ويَندينَ بالخفَرْ
طلعةٌ تسعِدُ الشَقي / يَ وتعطي له العمرْ
تمنح الحظّ من تشا / ءُ وتبقي ولا تَذَرْ
إنما تنظرُ السما / ءُ إلى هذه الصوَرْ
لترى اللَّهَ خالقاً / مُبدِعاً مُعجزَ الأثَرْ
شاعرَ النيلِ طُفْ بها / غَنِّها كلَّ مبتكَرْ
الثلاثون قد مَضَتْ / في النفاهاتِ والهذَرْ
فتزوّدْ من النَّعي / مِ لأيامِك الأُخَرْ
أين وادي النخيلِ أم / قاهريَّاتُه الغُرَرْ
لا تَقُلْ أخصبَ الثرى / فهنا أوْرقَ الحجَرْ
ههُنا يَشعُرُ الجما / دُ ويوحي لمن شعَرْ
آهِ لولا أحبةٌ / نزلوا شاطئَ النهَرْ
ورُفاتٌ مُطَهَّرٌ / وكريمٌ من السِّيَرْ
لتمنّيتُ شُرْفَةً / ليَ في هذه الحُجَرْ
أقطعُ العمرَ عندها / غيرَ وانٍ عن النظَرْ
فلقد فاز من رأى / ولقد عاشَ من ظفِرْ
يا ابنةَ العالمِ الجدي / دِ صِلي عالماً غَبَرْ
في دَمي من تُراثه / نفحةُ البدوِ والحضَرْ
وأغانٍ لمن شدا / ومعانٍ لمن فخَرْ
ما تُسِرِّينَ أفصِحي / إنّ في عينكِ الخبَرْ
الغريبانِ ههنا / ليس يُجديهما الحذَرْ
نحن رُوحانِ عاصفا / نِ وجسمان من سقَرْ
فاعذري الروحَ إن طغى / واعذري الجسمَ إن ثأَرْ
نضَبَتْ خمْرُ بابلٍ / وهوى الكأسُ وانكسَرْ
وهُنا كرمةُ الخلو / دِ فطوبى لمن عَصَرْ
فيمَ والنبعُ دافِقٌ / يشتكي الظامئُ الصَّدرْ
ولمن هذه العيونُ / تغمَّرْنَ بالحوَرْ
بتنَ يَلعبن بالنُّهى / لعِبَ الطفلِ بالأُكَرْ
هنَّ أصفى من الشُّعا / عِ وأخفى مِن القدَرْ
ولمن توشكُ الثُّدَى / وثبَةَ الطيرِ في السَّحَرْ
كلُّ إلفٍ لإِلفهِ / هَمَّ بالصّدْرِ وابتدَرْ
عضَّ في الثوبِ واشتَكى / وطأةَ الخزِّ والوبَرْ
سِمَةُ الطائرِ المُعَذْ / ذَبِ في قيْدِهِ نقَرْ
ولمن رفَّتِ المبا / سِمُ واسترسل الشَّعَرْ
ثمرٌ ناضجُ الجني / كيف لا نقطُفُ الثَّمَرْ
ما أبى الخلدَ آدمٌ / أو غوى فيه أو عثَرْ
زلَّةٌ تورِثُ الحِجى / وتُرِي اللَّهَ من كفَرْ
كأسنا ضاحِكُ الحبَا / بِ مُصَفَّى من الكدَرْ
فاسكبي الخمر وارشفي / هِ على رَنّةِ الوتَرْ
وإذا شئت فاسقِني / هِ على نغْمَةِ المطَرْ
فغداً يذْهبُ الشبا / بُ وتبقى لنا الذِّكَرْ
ما بالرُّعاةِ آثارَهم فترنَّموا
ما بالرُّعاةِ آثارَهم فترنَّموا / هلْ طافَ بالصحراءِ منهم مُلهمُ
أم ضوّأتْ سيناءُ في غسَقِ الدُّجى / وجلا النبوءةَ برْقُها المتكلمُ
نظَروا خِلالَ سمائِها وتأملوا / وتقابلتْ أنظارُهم فتبسَّموا
إيه فلاسفةَ الزمانِ فأنتمو / ببشائر الغيبِ المحجَّبِ أعلمُ
هذا النشيدُ الأسيويُّ مَعادُهُ / نبأٌ تقَرُّ به الشعوبُ وتنعَمُ
وطريقُكم مصرٌ وإنّ طريقها / أثرٌ من الوحي القديم ومعلمُ
ألا يكونَ الفجرُ هَديَ خُطاكمو / فدليلُكم قبَسُ الخلود المُضْرَمُ
هو سحرُ مصرَ وعرشُها ولواؤها / والصّولجانُ وتاجُها المتوسمُ
وجبينُ صاحِبها العزيزِ وإنّهُ / نورٌ على إصباحها مُتقدِّمُ
أوفى على الوادي بضاحكِ ثغرهِ / وجهٌ تُقبِّلهُ السماءُ وترأمُ
مُسترسِلُ النظرِ البعيدِ كأنّهُ / مَلك يُفكِّرُ أو نبيٌّ يُلهمُ
وكأنما الآمالُ عبْرَ طريقهِ / أنفاسُ روْضٍ بالعشيّة ينسِمُ
يتنظّرُ الحقلُ المنوّرُ خطوَهُ / والنهرُ والجبلُ العريضُ الأيهمُ
فكأنّ روحاً عائداً من طيبةٍ / فيه شبابُ ملوكِها يتبسمُ
هتفَ البشيرُ به فماجتْ أعصرٌ / وتلفّتتْ أممٌ ودارتْ أنجمُ
هذا هو الملِكُ الذي سعِدتْ به / مِصرٌ وهذا حُبُّها المتجسِّمُ
لمن البُنُودُ على العُبابِ خوافِقاً / لِمن النسورُ على السّحابِ تُحوِّمُ
لمن المواكبُ مائجاتٍ مثلما / أومتْ عصا موسى فشُقَّ العيْلمُ
ولِمَ الصباحُ كأنما أنداؤُه / كأسٌ تُصفّقُ أو رحيقٌ يسجمُ
ولِمَ اختلاجُ النيلِ فيه كأنه / شيخٌ يُذكرُ بالشبابِ ويحلمُ
ولمن هتافٌ بالضِّفاف مُردّدٌ / أشجى من الوترِ الحنونِ وأرخمُ
ولمن عواصمُ مصرَ حاليةَ الذُّوى / تغزو بوارقُها النجومَ وتزحُمُ
ولِمَ احتشادُ سرائري وخواطري / ولمن شفاهٌ بالدعاءِ تتمْتمُ
أسكندريةُ قد شهدتِ فحدِّثي / فاليومَ قد وضَحَ الحنينُ المبهمُ
هاتي املأي كأسي وغنِّي واعصري / خمراً أعلُّ بها ولا أتأثّمُ
إن كنت أفقَ الملهَمينَ وأيكَهم / إنِّي إذاً غرِّيدُك المترنِّمُ
يا درّة البحرِ التي لم يتّسِمْ / جِيدُ البحار بمثلها والمعصمُ
جدّدْتِ أعراسَ الزمانِ وزانها / ركبٌ لفاروق العظيمِ ومَقدِمُ
ما عادَ جبَّارُ الشعوبِ وإنما / قد عادَ قيصرُكِ الرشيدُ المسلمُ
في مهرجانٍ لم يُحِط بجلاله / وصفٌ ولم يبلغْ مداهُ توهُّمُ
يومُ الشباب ولا مِراءَ وإنه / للشرقِ عيدٌ والكنانةِ مَوسِمُ
قد فَتّحَ التاريخُ في كتابه / يُصغِي إليهِ ويشرئبُّ المِرْقَمُ
مولايَ أمْلِ عليه أوّلَ آيةٍ / لشبابِ شعبٍ خالدٍ لا يهرَمُ
هو من شبابكَ يستمدُّ رجاءَهُ / ويَسود باسمكَ في الحياةِ ويحكُمُ
فابعثهُ جيلاً واثباً متقحِّماً / إن الشبابَ توثُّبٌ وتقحُّمُ
هزّ الفتى الأمويّ تحت إهابهِ / منه مَضاءٌ كالحسامِ مُصمِّمُ
فمشى يطوِّحُ بالعروش كأنه / شمشونُ في حِلَقِ الحديد يحطمُ
دونَ الثلاثينَ استثيرَ فأجفلتْ / أُمَمٌ وراءَ تخومهِ تتأجَّمُ
والمجد موهبةُ الملوك وإنما / تَبْني المواهبُ والخلائقُ تدْعَمُ
ويضيقُ بالشعبِ الطموحِ يقينهُ / ويُثيرُ مِرّتهُ الخيالُ فيَعْرُمُ
قوتُ الشعوبِ ورِيُّها أحلامُها / إنّ الخيالَ إلى الحقيقةِ سُلّمُ
يا عاقدَ التاجِ الوضيءِ بمفرقٍ / كالحقِّ مَعْقِدُهُ هُدىً وتبسُّمُ
أعظِمْ بتاجكَ جوهراً لم يحوهِ / كنزٌ ولم يحرزْ جُلاهُ مِنجَمُ
ميراثُ أول مالكينَ سما بهم / عرشٌ أعزُّ من الجبالِ وأضخَمُ
نوابُ شعبكَ حينما طالعتهم / طافَ الرحيق البابليُّ عليهمُ
هتفوا بمجدِكَ واستخفّ وقارَهمْ / أملٌ يجلُّ عن الهتافِ ويعظمُ
أقسمتَ بالدستور والوطن الذي / بك بعد ربِّكَ في العظائم يُقسمُ
براً بوالدِكَ العظيم وذِمَّةً / لجدودك الصيدِ الذين تقدَّموا
وتطلّعَتْ عَبرَ المدائن والقرى / مُهَجٌ يكادُ خفوقُها يتكلمُ
تُصغي لصوتكَ في السحاب ورجعُهُ / لحنٌ على أوتارهنَّ يُنغّمُ
خشعتْ له النَّسَمات وهي هوازجٌ / وتنصّتَ العصفورُ وهو يُهينمُ
وَصَغَتْ سَنابلُ مثلما أوحَى لها / تأويلُ يوسفَ فهي خُضرٌ تنجمُ
يا صوتَ مصرَ ويا صدى أحلامها / زدْ روعتي مما يهزُّ ويُفْعِمُ
ألقى المقادَة في يديكَ وديعةً / شعبٌ لغير خُطاكَ لا يترسمُ
فَتَلَقَّ تاجَك من يديه فإنه / في الدهرِ عُروتهُ التي لا تُفصَمُ
فليهنأ الملِكُ الهمامُ بعيدهِ / ولْيعرضِ الجيشُ الكميُّ المعلمُ
مولايَ جندك ماثلونَ فأولهِمْ / سيفاً يُقبّل أو لواءً يُلثمُ
لما رأوْكَ على جوادكَ قائماً / وضعوا السيوف على الصدور وأقسموا
وكأن إبراهيمَ طيفك ماثلاً / وكأنك الرَّوحُ الشقيقُ التوأمُ
يا قائدَ الجيشِ المظفّر تِه بهِ / إن الشعوبَ بمثل جيشِك تُكرمُ
الأرضُ تعرفهُ وتشهدُ أنه / سيلٌ إذا لمعَ الحديدُ وقشعمُ
طوروسُ أم عكاءُ عن أمجادِهِ / تروي أم البيت العتيق وزمزمُ
أم حومةُ السودانِ وهي صحيفة / السيف خطّ سطورها واللهذمُ
أم مورةُ الشماءُ يوم أباحها / والنارُ حول سفينه تتهزّمُ
لولا قراصنةٌ عليها تآمروا / لم يَعْلُ نافارين هذا الميسمُ
فاغفر لما صنع الزمان فإنها / بؤسى تمرُّ على الشعوبِ وأنعُمُ
وانفخ به من بأسِ روحكَ سورةً / يرمي سُطاها المستخفّ فيُحجِمُ
فالرفقُ من نبل النفوسِ وربما / يُلحَى النبيلُ بفعله ويُذمّمُ
إنّا لفي زمنٍ حديثُ دُعاتِه / نُسْكٌ ولكنّ السياسةَ تأثّمُ
ووراءَ كلِّ سحابةٍ في أفقهِ / جيشٌ من المتأهِّبينَ عَرمرمُ
قالوا فتىً عشقَ الطبيعةَ واغتدى / بغرائب الأشعارِ وهو متيّمُ
وطوى البحارَ على شراعِ خيالهِ / يرتادُ عاليةَ الذُّرى ويُؤمِّمُ
أنا من زعمتمْ غيرَ أنِّي شاعرٌ / أرضى البيانَ بما يصوغُ ويرسُمُ
إنِّي بنيتُ على القديم جديدَهُ / ورفعتُ من بنيانهِ ما هدَّموا
الشعرُ عندي نشوةٌ عُلويةٌ / وشُعاعُ كأسي لم يُقبِّلها فمُ
ولحونُ سِلمٍ أو ملاحمُ غارةٍ / غنَّى الجبالَ بها السحابُ المرزِمُ
أرسلتهُ يومَ النداءِ فخلتُه / ناراً وخلتُ الأرضَ خضَّبها الدمُ
ودعاهُ عرشكَ فاستهلَّ خواطراً / فأتيتُ عن خَطراتهنَّ أترجمُ
ورفعتُ رأسي للسماءِ وخِلتُني / أتناولُ النجمَ البعيدَ وأنظمُ
فاقبلْ نشيديَ إنْ عطفتَ فإنه / صوتُ الشباب وروحهُ المتضرِّمُ
وسَلِمتَ يا مولايَ للوطن الذي / بكَ يستظلُّ ويستعزُّ ويسلمُ
سِحْر نطقتُ به وأنت المنطِقُ
سِحْر نطقتُ به وأنت المنطِقُ / ولكَ الولاءُ ولي بعرشكَ موثِقُ
يا أفقَ إلهامي ووحيَ خواطري / هذا نشيدي في سمائكَ يخفِقُ
توحي إليَّ الشعرَ علويَّ السنى / مصر ونورُ شبابكَ المتألِّقُ
وشواردٌ هزَّ النجومَ رويُّها / والكونُ مصغٍ والشعاعُ يُصفِّقُ
في ليلةٍ للنفس فيها هِزَّةٌ / ولكلِّ قلبٍ صبوةٌ وتشوُّقُ
ريَّا الأديمِ كلجَّةٍ مسجورةٍ / يسري عليها للملائكِ زورقُ
غنَّى بها الشعرُ الطروبُ وأقبلت / بالزهرِ حوريَّاتُهُ تتمنطقُ
وشدا الرعاةُ الملهَمون كأنما / سيناءُ من قبَسِ النبوةِ تُشرقُ
هيَ من طوالعِك الحسانِ وإنه / أمَلٌ لمصرَ على يديكَ يُحقَّقُ
مصرٌ إذا سُئلت فأنت لسانُها / وجنانُها وشعورُها المتدفِّقُ
فتلقَّ فرحتَها بعيدكَ إنَّه / عيدٌ يهنئُ مصرَ فيه المشرقُ
مولايَ هلْ لي أن أُقبلَ راحةً / بيضاءَ تُحيي المأثراتِ وتخلُقُ
مرَّتْ على الوادي فكلُّ شِعابِهِ / عَينٌ مفَجَّرَةٌ وغصنٌ مُورقُ
وجَلوتَها للناظرينَ فأبصروا / برهانَ ربك ساطعاً يتألقُ
لو رُدَّ فرعونٌ وسِحْرُ دعاتهِ / وتساءلوا بكَ مُجمعينَ وأحدقوا
لقِفَتْ عصاكَ عصيَّهم فتصايحوا / لا سحرَ بعد اليوم أنتَ مُصدِّقُ
يا باعثَ الرُّوح الفتيِّ بأمةٍ / تسمو بها آمالُها وتُحلِّقُ
أغلى الذخائر في كنوز فخارِها / تاجٌ يُجمِّلهُ بنوركَ مفرِقُ
صاغَتهُ من آمالِها ودمائها / وأجلّهُنَّ دمُ الشباب المهْرَقُ
إن أنسَ لا يَنسَ اليمينَ ويومهُ / قلبي الطروبُ وجفنيَ المغرورِقُ
وهُتافُ روحي في خِضمٍّ صاخبٍ / خِلتُ الفضاء الرَّحبَ فيه يغرقُ
القائد الأعلى وتحتَ لوائهِ / حُرَّاسُ مصرَ الباسلونَ السُّبَّقُ
طافوا بساحتكَ الكريمةِ فيلقاً / يحدُوهُ منْ آمالِ مصرٍ فيلقُ
وأنلتَهُمْ شرَفَ المثولِ فقرَّبوا / مُهَجاً يحوطُكَ حُبُّها ويُطوِّقُ
وضعوا الأكفَّ على الكتاب وأقسموا / وسُيوفُهمْ من لوعةٍ تتحرَّقُ
أوْمى لها الماضي فجنَّ حديدُها / حتى تكادَ بغيرِ كفٍّ تُمشقُ
ذكرَتْ بك النصرَ المبينَ وفاتحاً / يطأُ الجبالَ الشامخاتِ ويَصعقُ
يا صنوَ إبراهيمَ لو ناديتُه / بك لاستجاب وجاء باسمكَ ينطقُ
لك مصرُ والسودانُ والنهر الذي / يحيا المواتُ به ويغنيَ المُملِقُ
عرشٌ قوائمهُ التُّقى وظلالهُ / عَدْلٌ وروحانيةٌ وترفُّقُ
المسجدُ الأقصى يودُّ لو أنه / أسرى إليهِ بكَ الخيالُ الشيِّقُ
كم وقفةٍ لكَ في الصلاةِ كأنما / عمرٌ تحُفُّ به القلوبُ وتخفُقُ
لما وقفتَ تلفّتَ المحرابُ من / فرحٍ وأنتَ لديه حانٍ مطرقُ
ويكاد من بَهَج يضيءُ سِراجَه / وجهٌ عليه من الطهارةِ رَونقُ
أحييتَ سنةَ مالكينَ سما بهمْ / في الشرق أوج حَضارةٍ لا يُلحَقُ
فانين في حبِّ الإله ولن ترى / بعد الأُلوهة ما يُحبُّ ويُعْشَقُ
طُهْرٌ عَصَمْتَ به الشبابَ وإنما / شِيمُ الملوكِ به أحقُّ وأخلقُ
تُغضي لرقّتكَ النفوسُ مهابةً / وتهُمُّ بالنظرِ العيونُ فتُشفِقُ
إنَّ السيوفَ تُهاب وهي رقيقةٌ / وخَلائقُ العظماءِ حين تُرفَّقُ
ألقى البشيرُ على المدائنِ والقرى / نبأً كصوت الوحيِ ساعةَ يطلَقُ
عَبر الضِّفافَ الحالماتِ فمسَّحت / جَفناً وهبّ نخيلها يتأنَّقُ
فرحٌ تَمثّلَ مصرَ فهي خواطرٌ / صدَّاحةٌ وسرائرٌ تترقرقُ
اليومَ آمنَتِ الرعيةُ أنها / أدنى لقلبكَ في الحياة وألصقُ
آثرْتها فحبتْكَ من إيثارِها / تاجاً شعائرهُ الولاءُ المطلقُ
مَلكاتُ مصرَ الرائعاتُ إذا بدا / كفٌ تشير له وعينٌ ترمُقُ
وحديثُ أرواحٍ يَضوعُ عبيرهُ / ومن الطهارة ما يَضوعُ ويَعْبَقُ
يا صاحبيْ مصرٍ أظلَّكما الرِّضى / وجرى بيُمنِكما الربيعُ المونِقُ
وفداءُ عرشكما المؤثَّلِ أمةٌ / أمستْ خناصرُها عليه تُوَثَّقُ
يا شمسُ يا أمَّ الحياةِ تكلمي / فلقد يُثابُ على الكلام الصَّيْدَقُ
أأعزُّ منا تحتَ ضوئِك أمةٌ / هي بالحياة وبالسيادة أخْلَقُ
إنّا بنوكِ وإن سُئلتِ فأُمنا / مهدُ الشموسِ وعرشُهنَّ المعْرِقُ
عرشٌ لفاروقَ العظيمِ يزينهُ / هذا الشبابُ العبقريُّ المشرقُ
با بشيرَ المنى أحُلْمُ شبابٍ
با بشيرَ المنى أحُلْمُ شبابٍ / مَرَّ بالنهر أمْ غرامٌ جديدُ
أم شدا الأنبياءُ بالضِّفة الخَضْ / راءِ أم قامَ للملائكِ عيدُ
مهرجانٌ ممالكُ الشرقِ فيهِ / دعواتٌ وفرحةٌ ونشيدُ
وهتافٌ بالشاطئين صداه / تَتناجى بهِ الملوكُ الصيدُ
اسلمي يا أميرةَ الشرقِ واحكم / مَلِكَ الشرقِ ما يشاءُ الخلودُ
يوم نادتكَ باسمكَ العذبِ فريا / لُ أبي هللَ الزمانُ السعيدُ
دُمتَ أيامُكَ الحسانُ شبابٌ / ولياليكَ كلهنَّ سعودُ
دنا الليلُ فهيا الآنَ يا ربَّةَ أحلامي
دنا الليلُ فهيا الآنَ يا ربَّةَ أحلامي /
دعانا مَلَكُ الحبِّ إلى محرابه السامي /
تعاليْ فالدُّجى وحيُ أناشيدٍ وأنغامِ /
سَرَتْ فرحتُهُ في الماء والأشجارِ والسُّحْبِ /
ألا فلنحْلُمِ الآنَ فهذي ليلةُ الحبِّ /
على النيلِ وضوءُ القمرِ الوضاح كالطفلِ /
جرى في الضِّفةِ الخضراءِ خلفَ الماءِ والظلِّ /
تعاليْ مِثلهُ نلهو بِلثمِ الوردِ والطِّلِّ /
هناك على ربى الوادي لنا مَهْدٌ من العشبِ /
يَلُفُّ الصَّمتُ روحيْنا ويشدو بلبُلُ الحبِّ /
يطوفُ بنا على شطٍّ من الأضواء مسحورِ /
شِراعٌ خافقُ الظلِّ على بحرٍ من النورِ /
تناجيه نجومُ الليلِ نجوى الأعين الحُورِ /
وأنتِ على فمي ويدي خيالٌ خافقُ القلبِ /
ألا فلنحلُمِ الآنَ فهذي ليلةُ الحبِّ /
ليالي الصيفِ أحلامٌ تراءت للمحبِّينا /
تغيبُ الخمرُ والساقي ويبقى سحرها فينا /
وهذا كأسُها الوهاجُ صدَّاحٌ بأيدينا /
فهيا نشرب الليلةَ من نبع الهوى العذْبِ /
ألا فلنحلُمِ الآن فهذي ليلةُ الحبِّ /
حيَّاك أرضاً وازدهاكِ سماءَ
حيَّاك أرضاً وازدهاكِ سماءَ / بحرٌ شدا صخراً وصفَّقَ ماءَ
يحبو شعابَكِ في الضحى قبلاته / ويرفُّ أنفاساً بهن مساءَ
متجدِّدَ الصبواتِ أودعَ حبَّهُ / شتى الأشعةِ فيكِ والأنداءَ
وَلِعٌ بتخطيطِ الرمال كأنه / عرَّافةٌ تستطلع الأنباءَ
ومصوّرٌ لبقُ الخيال يصوغُ من / فنِّ الجمالِ السِّحرَ والإغراءَ
نسق الشواطئ زينةً وأدقها / صوراً بريَّا صفحتيهِ تراءى
يجلو بريشته السماءَ وإنما / زادت بريشته السماءُ جلاءَ
لا الصبحُ أوضحُ من مطالعِهِ بِها / شمساً ولا أزهى سنىً وضياءَ
كلا ولا الليل المكوكبُ أفقُهُ / بأغرَّ بدراً أو أرقّ سماءَ
يا رُبَّ زاهيةِ الأصيلِ أحالها / أُفقاً أحمّ ولجَّةً حمراءَ
وكأنما طوتِ السماءَ ونشَّرَتْ / لهباً وفجَّرتِ الصخورَ دِماءَ
ولربَّ عاطرةِ النسيمِ عليلةٍ / طالعتُ فيها الليلةَ القمراءَ
رقصت بها الأمواجُ تحتَ شُعاعِها / وسرَتْ تجاذبُ للنسيم رداءَ
حتى إذا رانَ الكرى بجفونها / ألقت إليكِ بسمعها إصغاءَ
تتسمَّعُ النوتيَّ تحت شراعهِ / يشدو فيبدعُ في النشيدِ غِناءَ
هزَّت ليالي الصيفِ ساحرَ صوتهِ / فشجى الشواطئَ واستخفَّ الماءَ
وأثارَ أجنحةَ الطيورِ فحوَّمتْ / في الأفقِ حيرى تتبعُ الأصداءَ
صُورٌ فواتنُ يا شواطئُ صاغها / لكِ ذلكَ البحرُ الصناعُ رواءَ
فتنظّريهِ على شعابكِ مثلما / رجعَ الغريب إلى حماهُ وفاءَ
كم ظلّ يضربُ في صخورِكِ موجُهُ / مما أجَنَّ محبَّةً ووفاءَ
عذراً إذا عَيَّتْ بمنطقه اللُّغى / فهوَ العَيِيُّ المفحِم الفُصحاءَ
فخُذي الحديثَ عليه واستمعي لهُ / كم من جمادٍ حدَّثَ الأحياءَ
وسليهِ كيف طوى الليالي ساهداً / وبَلا الأحبَّةَ فيكِ والأعداءَ
كم ليلةٍ لك يا شواطئُ خاضَها / والهولُ يملأ حولكِ الأرجاءَ
والسفنُ مرهفةُ القلاعِ كأنما / تطأ السحابَ وتهبطُ الدأماءَ
حملتْ لمصرَ الفاتحينَ وطوّحتْ / بالنيل منهمْ جَحْفلاً ولواءَ
ولو استطاع لردَّ عنكِ بلاءَهم / وأطارَ كلَّ سفينةٍ أشلاءَ
أو كان يملك قدرةً حشَدَ الدُّجى / ونضا الرجومَ وجنَّد الأنواءَ
ودعا غواربَه الثقالَ فأقبلتَ / فرمى بها قدراً وردَّ قضاءَ
فاستعرضي سِيرَ الحياة وردِّدي / ما سرَّ من أنبائهنَّ وساءَ
وخُذي ليومكِ من قديمكِ أُهبةً / ومن الجديد تعِلَّةً ورجاءَ
إيهِ شواطئَ مصرَ والدنيا مُنىً / تهفو إليكِ بنا صباحَ مساءَ
ناجيتِ أحلامَ الربيعِ فأقبلتْ / وأشرتِ للصيف الوسيمِ فجاءَ
يحبوكِ من صفوِ الزمانِ وأنسه / ما شئتِ من مَرحِ الحياةِ وشاءَ
وغداً تضيءُ على جبينكِ لمحةٌ / طبعَ الخلودُ سماتها الغرّاءَ
وترفُّ منه على ثغورِك قبلةٌ / أصغى النسيم لها وغضَّ حياءَ
فاستقبلي الصيفَ الجميلَ وهيِّئي / للشعرِ فيكِ خميلةً غنّاءَ
وتسمّعي لحنَ الخيالِ وأفردي / لي فوق مائكِ صخرةً بيضاءَ
واستعرضي حورَ الجنانِ وأطلقي / لغة السماء وألهمي الشعراءَ
عشقنا الدمى وعبدنا الصورْ
عشقنا الدمى وعبدنا الصورْ / وهِمنا بكلِّ خيالٍ عَبَرْ
وصُغنا لكَ الشعرَ حُبَّ الصِّبا / وشدوَ الأماني وشجو الذِّكَرْ
تغنَّتْ به القُبَلُ الخالداتُ / وغنَّى بإيقاعها المبتكَرْ
وجئنا إليكَ بمُلكِ الهوى / وعرشِ القلوبِ وحكم القدَرْ
بأفئدةٍ مثلما عَرْبَدَتْ / يَدُ الريح في ورقاتِ الشجَرْ
وأنتَ بأفقِكَ ساجي اللحاظِ / تُطِلُّ على سُبُحاتِ الفِكَرْ
دنوتَ فقلنا رُؤى الحالمينَ / فلما بَعُدْتَ اتهمنا النظَرْ
وحامتْ عليكَ بأضوائِها / مصابيح مثل عيون الزَّهَرْ
تتبَّعنْ خطوك عَبْرَ الطريقِ / كما يَتحرّى الدليلُ الأثَرْ
يُقبِّلنَ من قدميكَ الخطى / كما قبَّل الوثنيُّ الحجَرْ
مشى الحسنُ حولكَ في موكبٍ / يرِفُّ عليه لواءُ الظفَرْ
تمثَّلَ صدرُك سلطانَهُ / كجبارِ وادٍ تحدَّى الخطَرْ
بِنَهدينِ يستقبلانِ السماءَ / كأنهما يُرضعان القمَرْ
تَساميتَ عن لُغةِ الكاتبينَ / وروعةِ كلِّ قصيدٍ خطَرْ
سوى شاعرٍ في زوايا الحياةِ / دَعَتهُ مباهجُها فاعتذَرْ
أكبَّ على كأسه وانتحى / صدى الليلِ في اللحظات الأُخَرْ
رنا حيث ترقُبُ أحلامُهُ / خيالكَ في الموعِدِ المنتظَرْ
أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي
أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي / لكَ والنجمُ مؤنِسي ورفيقي
وتوارى النهارُ خلف ستارٍ / شفقيٍّ من الغمام رقيقِ
مدّ طيرُ المساء فيه جناحاً / كشراعٍ في لُجةٍ من عقيقِ
هو مثلي حيرانُ يضربُ في ال / ليل ويجتاز كل واد سحيقِ
عادَ من رحلةِ الحياة كما عد / تُ وكلّ لِوكره في طريقِ
أيهذا التمثالُ هأنذا جئتُ / لألقاكَ في السكونِ العميقِ
حاملاً من غرائب البرِّ وال / بَحرِ ومن كل محدَثٍ وعريقِ
ذاك صيدي الذي أعودُ به لَي / لاً وأمضي إليه عند الشروقِ
جئت ألقي به على قدميكَ الآ / نَ في لهفةِ الغريب المشُوقِ
عاقداً منهُ حول رأسِكَ تاجاً / ووشاحاً لقدِّكَ الممشوقِ
صورةٌ أنتَ من بدائعَ شتّى / ومثالٌ من كلِّ فنٍّ رشيقِ
بيدي هذه جبَلتُكَ من قلبي / ومن رونقِ الشبابِ الأنيقِ
كلما شمتُ بارقاً من جمالٍ / طِرتُ في أثرهِ أشقُّ طريقي
شهِدَ النجمُ كم أخذتُ من الر / رَوعةِ عنهُ ومن صفاءِ البريقِ
شهِدَ الطير كم سكبتُ أغاني / هِ على مسمعيكَ سكبَ الرحيقِ
شهِدَ الكرمُ كم عصرتُ جَناهُ / وملأتُ الكؤوسَ من إبريقي
شهِدَ البرُّ ما تركتُ من الغا / رِ على معطفِ الربيعِ الوريقِ
شهد البحرُ لم أدَعْ فيه من دُر / رٍ جديرٍ بمفرقيكَ خليقِ
ولقد حيَّرَ الطبيعةَ إسرا / ئي لها كلَّ ليلةٍ وطروقي
واقتحامي الضُّحى عليها كراعٍ / أسيويٍّ أو صائدٍ إفريقي
أو إلهٍ مُجنَّحٍ يتراءى / في أساطيرِ شاعرٍ إغريقي
قلتُ لا تعجبي فما أنا إلَّا / شبَحٌ لجَّ في الخفاءِ الوثيقِ
أنا يا أمُّ صانعُ الأملِ الضا / حِكِ في صورة الغد المرموقِ
صُغْتُهُ صوغَ خالقٍ يعشق الْ / فَنَّ ويسمو لكل معنى دقيقِ
وتنظّرتُه حياةً فأعياني / دبيبُ الحياة في مخلوقي
كلَّ يوم أقولُ في الغدِ لكنْ / لستُ ألقاهُ في غدٍ بالمفيقِ
ضاع عمري وما بلغتُ طريقي / وشكا القلبُ من عذابٍ وضيقِ
معبدي معبدي دجا الليلُ إلا / رعشة الضوءِ في السراج الخفوقِ
زأرتْ حولك العواصفُ لما / قهقه الرعدُ لالتماعِ البروقِ
لطمتْ في الدُّجى نوافذَكَ الصّم / ودقَّتْ بكل سيلٍ دفوقِ
يا لتمثاليَ الجميلِ احتواهُ / ساربُ الماء كالشهيد الغريقِ
لم أعُدْ ذلك القويَّ فأحمي / هِ من الويلِ والبلاءِ المحيقِ
ليلتي ليلتي جنيت من الآ / ثامِ حتى حملتِ ما لم تطيقي
فاطربي واشربي صُبابةَ كاسٍ / خمرها سالَ من صميمِ عروقي
مرّ نورُ الضحى على آدميٍّ / مُطرقٍ في اختلاجةِ المصعوقِ
في يديه حُطامةُ الأمل الذا / هبِ في ميعة الصبا الموموقِ
واجماً أطبقَ الأسى شفتيهِ / غيرَ صوتٍ عبرَ الحياة طليقِ
صاح بالشمس لا يُرعْكِ عذابي / فاسكبي النارَ في دمي وأريقي
نارك المشتهاةُ أندى على ال / قلب وأحنى من الفؤاد الشفيقِ
فخذي الجسمَ حفنة من رمادٍ / وخذي الروحَ شعلةً من حريقِ
جُنَّ قلبي فما يرى دَمَهُ القا / ني على خَنجرِ القضاء الرقيقِ
حلفتُ بالخمرِ والنساءِ
حلفتُ بالخمرِ والنساءِ / ومجلسِ الشعرِ والغناءِ
ورحلةِ الصيفِ في أوربا / وسحر أيامِها الوضاءِ
رفعتُ فيها لواءَ مصرٍ / ورأس مصرٍ إلى السماءِ
لم أنسكم قطُّ أصدقائي / ولم يحُلْ عنكمُ إخائي
أُحبكمُ فوق كلِّ حبٍّ / وهانَ في حبكم فنائي
فما تظنّون في وفيٍّ / أربى هواهُ على الوفاءِ
إذا احتواهُ الصعيدُ ليلاً / وهيمنتْ نَسمة المساءِ
وتاهتِ الأقصر اختيالاً / بالغيدِ في موسم الشتاءِ
صَدفتُ عنها إلى وجوهٍ / عرفتُ فيهنَّ أصدقائي
أنتم وهل لي سوى خيالٍ / يجمعكم بي على التنائي
فانتظروني ولا تظنوا الظْ / ظنون واستمطروا ثنائي
روحي المقيمُ لديكِ أم شبَحي
روحي المقيمُ لديكِ أم شبَحي / لعبتْ برأسي نشوةُ الفرحِ
يا حانةَ الأرواحِ ما صنعتْ / بالروح فيكِ صبابةُ القدحِ
ما للسماءِ أديمُها لهَبٌ / الفجرُ إنَّ الفجرَ لم يَلُحِ
ولمَ البحيرةُ مثلما سُجِرتْ / أو فُجِّرتْ من عرقِ منذَبحِ
نارٌ تطيرُ وموكبٌ صَخِب / منْ كل ساهي اللَّحظِ منسرحِ
لولا ابتسامةُ جارتي وفمٌ / يدنو إليَّ بصدرِ منشَرحِ
لحسبتها روما تمورُ لظىً / في قهقهاتِ السَّاخرِ الوقحِ
زهوٌ تملَّكني فأذهلني / ومن الذهولِ طرائفُ المُلحِ
أأنا الغريبُ هنا وملءُ يدي / أعطافُ هذا الأغيدِ المرِحِ
خفَقتْ على وجهي غدائرُها / فجذبتها بذراعِ مجترحِ
لم أدر وهيَ تُديرُ لي قَدحي / من أين مغتبقي ومصطبحي
وشدا المغنِّي فاحتشدتُ لها / كم للغناءِ لديَّ من مِنَحِ
عَرَضَتْ بفاكهة محرَّمةٍ / وعرضتُ لم أنطِقْ ولم أبُحِ
يا رَبِّ صُنعُكَ كلُّه فتنٌ / أين الفرارُ وكيف مُطَّرحي
هذي الروائعُ أنت خالقُها / ما بين مُنجرِدٍ ومتَّشحِ
تاييسُ لم تعبَثْ براهبها / لكنَّهُ أشفى على البُرَحِ
ما بين أسرارٍ مُغلَّقةٍ / وطروقِ بابٍ غيرِ منفتحِ
عرض الجمالُ له فأكبَره / ورآكَ فيهِ فجُنَّ من فَرحِ
أترى معاقبتي على قدَرٍ / لولاك لم يُكتَبْ ولم يُتَحِ
إنِّي عبدتُك في جَنى شفةٍ / ويدٍ ووجه مشرق الوضحِ
ولو استطعتُ جعلتُ مِسبحتي / ثَمَرَ النهودِ وجلَّ في السُّبَحِ
كنزُ أحلامِكَ يا شاعرُ في هذا المكانِ
كنزُ أحلامِكَ يا شاعرُ في هذا المكانِ /
سحرُ أنغامِكَ طوَّافٌ بهاتيكَ المغاني /
فجرُ أيامِكَ رفَّافٌ على هذي المحاني /
أيها الشاعرُ هذا الرَّيْنُ فاصدحْ بالأغاني /
كلُّ حيٍّ وجمادٍ ههنا / هاتفٌ يدعو الحبيبَ المحسِنا
يا أخا الرُّوحِ دعا الشوقُ بنا / فاسْقِنا من خمرةِ الرَّيْن اسقنا
عالَمُ الفتنةِ يا شاعرُ أم دنيا الخيالِ /
أمروجٌ عُلِّقتْ بين سحابٍ وجبالِ /
ضحكتْ بين قصورٍ كأساطيرِ الليالي /
هذه الجنةُ فانظرْ أيَّ سحرٍ وجمالِ /
يا حبيبَ الروحِ يا حُلمَ السَّنا / هذه ساعتُنا قم غنِّنا
سَكِرَ العشاقُ إلَّا أننا / فاسقنا من خمرةِ الرّينِ اسقنا
ليلةٌ فوق ضِفافِ الرينِ حُلْمُ الشعراءِ /
أليالي الشرقِ يا شاعرُ أم عرس السماءِ /
الدُّجى سكرانُ والأنجمُ بعضُ الندماءِ /
أنصتَ الغابُ وأصغى النهرُ من صخرٍ وماءِ /
فاسمعِ الآن البشيرَ المعلِنا / حانتِ الليلةُ والفجرُ دنا
فاملإِ الأقداحَ من هذا الجنى / واسْقنا من خمرة الرينِ اسقنا
ها هم العشاقُ قد هبُّوا إلى الوادي خفافا /
أقبلوا كالضوءِ أطيافاً وأحلاماً لطافا /
ملأوا الشاطئَ همساً والبساتينَ هُتافا /
أيها الشاعرُ هذا الرَّيْنُ فاستوحِ الضِّفافا /
الصِّبا والحسنُ والحبُّ هنا / يا حبيبي هذه الدنيا لنا
فاملإِ الكأس على شدوِ المنى / واسقنا من خمرةِ الرينِ اسقنا
يا ابنة الأرِ حديثُ الأمس ما أعذب ذكرَهْ /
كان حلما أن نرى الرين وأن نشرب خمرَهْ /
وشربنا فسكرنا وأفقنا بعد سَكرَهْ /
ووقفنا لوداعٍ وافترقنا بعد نظرَهْ /
أين أنت الآن أم أين أنا / ضربتْ أيدي الليالي بيننا
غيرَ صوتٍ طاف كالحلمِ بنا / إسقنا من خمرة الرَّينِ اسقنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025