القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 316
حَياءَكَ من غُصْنٍ بدَمْعيَ ثابتِ
حَياءَكَ من غُصْنٍ بدَمْعيَ ثابتِ / إذ أنتَ لم تَجعَلْ لِقاءكَ قائتي
أفي العَدْلِ أن تُغرَى لطاعةِ كاشح / بهَجْرٍ فتىً للعيشِ دُونَك ماقِت
كفى حَزَناً أنّا نزيلا مَحَلّةٍ / بلا ضاربٍ ميعادَ وصْلٍ وواقت
بَعيدٌ على قُرْبِ المَكان التقاؤنا / فنحن كَتفْليجِ الثُّغورِ الشتائت
سَلِ النجمَ عنّي في رَفيع سمائه / أشاهَدَ مِثْلي من جليس مُبايت
أُساهِرُه حتّى تَكِلَّ لِحاظُه / ويَنسَلَّ في الصبْحِ انسلالَ المُفالِت
حسَرْتُ إلى العُذّالِ عن يدِ ناكتٍ / على الأرضِ من حُزْنٍ وعن فَمِ ساكت
وسِرْبُ ظباءٍ بالعيون شَواخصٍ / إلينا وللأجيادِ غيرِ لوافت
خلَصْنَ غداةَ البَيْنِ من شَبَكِ الهوى / وألقَيْنَ أطرافَ الحبالِ البتائت
فللّهِ عَيْنا مَن رأى مِن مُحبِّهم / أطَلَّ دماً يومَ الرَّحيلِ المُباغت
أأسماءُ ما بي من غَيورٍ مُحاربٍ / كما بِيَ من خوفي لواشٍ مُخافت
وما يَنظِمُ الشعْرَ البديعَ من الورى / على ما دَرَوا من حُسْنِه المُتَفاوِت
سوى شاعرٍ من بَحْرِ عينَيَّ غارف / له الطبعُ أو مِن صَخْرِ قَلبك ناحت
أخا الأزْدِ ما في الخَطْبِ عنكَ تَفرّدٌ / وقد عَزَّنا قِدْماً أعَزُّ المَنابِت
أما نحن من أملاكِ عَمْرِو بنِ عامرٍ / بنو مَعشَرٍ بيضِ الوجودِ مَصالت
فروعٌ سَمتْ من جِذْمِ نَبْت بنِ مالكٍ / سُمُوّاً على حُدْثِ الأُصولِ نوابت
فأحياؤهم يُفْنُون طاغيةَ العِدا / وأمواتُهم يُحيون وُلْدَ المَقالت
ألم تر أنّ الدّينَ إن لم تَثُرْ له / غدا في الورى يَقْضِي حُشاشَةَ مائت
فيا عَطفةَ الأنصارِ عَوْداً كبَدْأةٍ / بأيدٍ لأعناقِ البُغاة رَوافت
وَرَمياً دِيارَ المارِقينَ منَ العِدا / بخَيْلٍ كعقْبانِ الشُّرَيْفِ الخَوافت
تَخُبُّ ببيضٍ مُغْمدي البِيضِ في الطُّلى / فمِن صالِفٍ ضَرْباً بهنّ ولائت
وكُلُّ كَمِيٍّ دِرْعُهُ الدّهرَ سَيْفُه / كَذيِ لِبْدةٍ من دُونِ شِبْليْهِ ناهت
لقد طَلَّ وَجْهُ الأرضِ ذا غَممٍ بهم / فهل من فتىً يا صاحِ بالسّيفِ سابت
له عَقْدُ رَأيٍ بعدَه عَقْدُ رايةٍ / لِذَبِّ فَراشٍ في الهوى مُتَهافت
كريمٌ كسا القَتْلَى لبَسْط أكُفّها / ثيابَ دمٍ منهم على الجِلْدِ قارت
يَظُنُّ الجبانُ العَجْزَ خُلْداً وإنّما / مَنالُ المَحايي من خلال المَماوتِ
وليس يَخوضُ العيشَ خُضْراً ظلِالهُ / سوى حائمٍ حولَ المنّيةِ حائت
وعِبثين من هَمٍّ حَملْتُ وهِمّةٍ / كَذي ضاغطٍ يَطْوي الفلاةَ وناكت
وما زادَني في النّاس إلا مَهابةً / تَخَرُّصُ قولٍ من حسودٍ مُباهت
وما نقَم الحُسّادُ إلا فضائلاً / تَكشّفَ منهم عن كُبودٍ فَتائت
ومهما يكنْ بي من عُيوبٍ تَعُدُّها / فلست برامي نظرة خلف فائت
ولا لصديق يوم نُعمى بحاسد / ولا بعدو يوم بؤس بشامت
فللّهِ إخوانٌ تَقطّعُ مُهجَتي / إذا ذُكرتْ منهم كِرامُ النّحائت
سقَى عَهْدَهم غَيثٌ تقول إذا بدا / يُجَلِّل وَجْهَ الأفق وُرْقُ الفَواخت
مُعِلّمَةُ الأمطارِ عَيْني على الثّرى / إذا ما سَما إن لم يكنْ كَفَّ ثابت
أخو الجُودِ ما عَذْلُ العَذولِ لطبعهِ / بلاوٍ ولا نُصْحُ النّصيحِ بِلافت
يَكِلُّ السّحابُ الَجونُ عن نَيْلِ شَأوِه / بإرسالِ مَنْثورٍ على الأرضِ هافت
فما قَطْرُه الجاري سوى عَرَقٍ له / تُحَدّرِهُ عن وَجْهِه كفُّ سالت
سَجِيّةُ قاضٍ بالسّماحِ نَهارَهُ / حُقوقَ بني الدّنيا وباللّيل قانت
فَبيْنَ صَلاةٍ لا يزالُ يُقيمُها / وبينَ صِلاتٍ منه قَسْمُ المَواقت
إذا زانَ نَعْت الأمجِدينَ فَمَجْدُه / يَجِلُّ غداةَ الفَخْرِ عن نَعْتِ ناعت
إذا النَّجْمُ سامَتْناهُ نحن فمِثْلُنا / له النّجمُ يَسَتْقري مقامَ المُسامت
له قَلَمٌ إن هَزَّه في كتابةٍ / أبَرَّ على سَيْفِ الكمِيِّ المُصالت
مَدى الدّهرِ يَجْري كاتباً غيرَ غالطٍ / بواحدةٍ أو حاسباً غير غالت
لمنع الذي يحويه ليس بآلت / ومن مال مسترعيه ليس بآلت
إليك كمالَ الدّينِ جاءتْ بركْبِها / ركائبُ ألوتْ بالفيافي الأمارت
إلى ذُخرِ أحرارٍ تَؤمُّ عِراصَه / إذا طَرقَتْ إحدى الخُطوبِ البَواغت
فلا حَلّتِ الأحداتُ منك بساحَةٍ / ولا رَمتِ الأعداءَ إلا بساحِت
ولا زلْتَ رَغْدَ العيش في ظِلِّ نعمةٍ / ومَحْسودِ مُلْكٍ للُمعادين كابت
ودونَكَها بِكْراً إليك زفَفْتُها / ولم يكُ شَيءٌ عن هواكَ بلائتي
إلى عالِمٍ ما مِنْ بليغٍ مُبادِرٍ / يُباريهِ فَضْلاً أو فقيةٍ مُباكت
مُحَيّرِ أبصارِ الورى وهْو صامِتٌ / وفاتِنِ أسماعِ الورى غيرَ صامت
أثابِتُ أنت الدَّهرَ كاسمِكَ في العُلا / فَحُييّتَ من باقٍ على العَهْدِ ثابت
فتىً مَجدُه حيث الثّوابِتُ رِفعةً / وما سَيْرُه في الجُودِ سَيْرَ الثّوابت
فلاتك هذي حَظُّها حَظَّ أُختها / فتُرمَى لها عَينُ الوِدادِ بِواكت
وإن يكُ فَرْضُ الوَقْتِ فات فجائِزٌ / متى ذَكَرَ النّاسي قَضاءُ الفَوائت
مَن كان يَخْدُمُ بالخُطا كُبَراءه
مَن كان يَخْدُمُ بالخُطا كُبَراءه / فأنا امْرؤٌ خَطَراتُه خُطُواتُهُ
ولقد تتابَعَ خِدْمتايَ لمَاجِدٍ / مُتَتابعٍ للزّائرين هِباته
ألِفِيّةٌ في إثْرها لامِيّةٌ / كُلٌّ حَكتْه بدُرِّها كلِماته
وإذا المُنكَّرُ عَرّفَتْه لسامعٍ / ألِفٌ ولامٌ فارقَتْ نَكِراته
قلْ لِمنْ صار جاهُه ذا نِصابٍ
قلْ لِمنْ صار جاهُه ذا نِصابٍ / كاملٍ وهْو واجِبُ الالتفاتِ
واجبٌ أن تَخافَ جَيْشَ أبي بَكْرٍ / إذا كنتَ مانعاً للزّكاة
شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ
شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ / يوماً وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعَيْنُ تَلْقى كِفاحاً ما نأى ودنا / ولا تَرى نَفْسَها إلا بمِرآة
وبيتٍ مثْلِ بَيْتِ اللهِ فَرْدٍ
وبيتٍ مثْلِ بَيْتِ اللهِ فَرْدٍ / إليه سُجودُ كلِّ ذوي البُيوتِ
أتاني فافتخَرْتُ به جوارباً / فيا نَفْسي حَظيتِ بما حَظيت
وبِتُّ كمُحصَرٍ في الأرضِ يُمْسي / ويُصبحُ وهْو ذو شَمْلٍ شَتيت
فجاء إليه بَيْتُ اللهِ يَسْعَى / وقال له السَّعادة قد كفِيت
فيا مَنْ ظَلَّ منعوتَ المعالي / بأشرفَ ما يكونُ من النعوت
ومَن هو قِبلةٌ تُلْوِي إليه / وُجوهُ الخَلْقِ من كلِّ السُّموت
إمامٌ رَبُّه آتاهُ حُكْماً / وذلك مَن يَشاءُ اللهُ يُوتي
حليمٌ في تَواضُعِه مَهيبٌ / لديه الخَصْمٌ يُلْجَمُ بالسُّكوت
على أحوالِ أحداثِ الليالي / له إقدامُ ذِمْرٍ مُستَميت
أخو كرمٍ يَسيرُ بكُلّ أرضٍ / حديثٌ عنه كالمِسْكِ الفَتيت
فتىً يُحيِي عُلاً ويُميتُ مالا / ألا حُيّيِتَ من مُحْيٍ مُميت
له أُهدِي قَوافِيَ سائراتٍ / أَبِيتُ لنَظْمِها قَلِقَ المَبيت
حِساناً للمُدِلِّ بها لعَمْري / على الكُرَماء حَقٌ ذو ثُبوت
ولكنْ رُبَّما عُهِدَ اتِّفاقاً / حِسانٌ في الزّمانِ بلا بُخوت
أيا مَن قُوَّتي منه اقترابي / ونَشْرُ ثنائه في النّاسِ قُوتي
لقد أعجَزْتَني فخَفَضْتُ صَوتي / وقد شَرّفْتَني فرفَعْتَ صِيتي
فدُمْ ما أصبحَتْ دِيَمٌ وأمسَتْ / تَجودُ على رياضٍ أو مُروت
وما لم يُغْنِ طَعْنٌ عن قنَاةٍ / وما لم يَعْرَ وِتْرٌ من قُنوت
يا مُعْرِضاً قد آن أَنْ تَتَلفَّتا
يا مُعْرِضاً قد آن أَنْ تَتَلفَّتا / تَعذيبُ قلبِ المُستَهامِ إلى مَتى
لم أجعَلِ الأحبابَ فيكَ أعادياً / حتى تكونَ لكُلِّهم بِي مُشمِتا
نذرَ الوشاةُ دَمي وتُصبحُ نادماً / إن لم تكُنْ مُتَبيَّناً مَتُثبِّتا
هي ليلةٌ عَلِقَ الرُّقادُ بناظري / فقَضى خيالُك فَرْضَ وَصْلٍ فُوِّتا
لا مُتِّعتْ عَيْنايَ منك بنَظْرةٍ / إن عادتا من بَعْدِ ذاك فأغفَتا
قد طَلَّق العَينَيْنِ طَيفُك ساخطاً / فَلَه اللّيالي عَدَّتا واعتدَّتا
وأَظُنُّ أنّ سَوادَ إنسانَيْهما / لهما حِدادٌ للمُصابِ أحَدَّتا
يا ناسيَ المِيعادِ من سُكْرِ الصبا / بعَذابِ هَجْرِك كم ترَى أن تُعنِتا
مَن لي لِيُطْلِقَ رَسْمَ قُبلةِ عارضٍ / قد كان في ديوانِ وَعْدِك أُثبِتا
واحْلُلْ مَهبَّ الريحِ من أصداغهِ / يَستَغْنِ قَومُك أن يَؤُمُّوا تُبَّتا
لا تَجعلَنَّ لنَيْلِ وَصْلِكَ مَوعِدي / بمُرور يومٍ للزّمانِ مُوَقِّتا
يومُ المُتَيَّم منك حَولٌ كاملٌ / يتَعاقَبُ الفصْلانِ فيه إذا أتى
ما بينَ نارِ حشاً وماءِ مَدامعٍ / إنْ حَنَّ صافَ وإن بكَى وَجْداً شَتا
للهِ ظَبْيٌ كلّما عَرَضوا له / صَرَعَ الرُّماةَ بمقلتَيْهِ وأفلَتا
ويَضُجُ منّي كلُّ مَنْبِت شَعْرةٍ / فيما أُجِنُّ ولو خَرِسْتُ تَزَمُّتا
وإذا عتَبْتُ من الإقامةِ بينهم / قالَ الزّمانُ يداكَ فاعلَمْ أَوْ كتا
فَضْلي لأوّلِ نَظْرةٍ مَتَبَرِّجٌ / دَعْ مَن يُقلِّبُ طَرْفَهُ مُستَثْبِتا
وطَريقتي حَسْناءُ إلا أنّها / مُحتاجةٌ معَ حُسْنِها أن تُبخَتا
أمّا القريضُ فكان غايةَ بارعٍ / يَوماً إذا أسمَعْتُهُ أن يَبْهَتا
ما زِلتُ فيه لناطقٍ ولسابقٍ / طلَعا أمامي مُسْكِتاً ومُسَكِّتا
قد كان ذلك مرّةً فاليومَ لا / أغدو لناشئةِ القريضِ مُربِّتا
لم يُبقِ لي من بحر هزْلٍ مُغرَفاً / ضَجري ولا في صَخْرِ جِد مُنحَتا
إن ماتَتِ الهمَمُ العليّة في الورى / فيَحُقُّ أن تَجِدَ الخواطرَ أمْواتا
لا تَعْجَبنْ من شَدِّ عُقْلِ شواردي / في الصدر حتى ما يطقن تفلتا
كذب المدائح كلُّها فمقتُّها / ولقد يهون الشيء حتى يمقتا
إلا مديحَ جمالِ دينِ مُحَمّدٍ / ومَنِ المُطيقُ لمجْده أن يَنْعتا
ولسانُ أُمّتِهِ الذي من طاعةٍ / لِمقالِه اسَتمع الزّمانُ وأنصتَا
علَمُ الهدَى إن سِيلَ عن عِلم الهدى / نثَر الجواهرَ شارحاً ومُنكِّتا
فإذا الكلامُ تَطاردَتْ فُرسانُه / شاهدْتَ سيفَ اللهِ منه مُصْلتا
وإذا أُتيحَ مَواقفٌ مَشهودةٌ / ٌفي نصرِ دينِ اللهِ إن باغٍ عَتا
نادَى المُنادي من رَفيعِ سَمائه / ألا فتىً إلا سليلُ ابنِ الفتىَ
مَولىً إذا ما شاء جار على الفتى / وأجارَ مِن عَضِّ الزّمانِ المُسحَتا
ما عادَ مَنْ يَلْقاهُ إلا قائلاً / يا ابنَ الفَتى للهِ دَرُّك مِن فتى
يَهَبُ النّوالَ معَ العلومِ مع العُلا / هل ماجدٌ في الدّهر يأتي ما أتى
ماضي العزائمِ جُودُ أسحمَ أوطَفٍ / قد شِيبَ فيه ببأسِ أغلَبَ أهْرَتا
ذو مُعْجِزٍ من بِشْرِه في وَجْهِه / مهما بدا أحَيا رجاءً مَيتَا
وإذا يداهُ أسنتا بعَطيّةٍ / نَصرْتُكَ حتّى لم يُبَلْ إن أسنَتا
صدْرُ الشّريعةِ والأئمَّةُ كُلُّهم / كالسّاعدَيْنِ بِجانبيهِ احتَفَّتا
إن قال أسكَت كلَّ فَحْلٍ هَدْرُه / وثنَى لسانَ الخَصْمِ يَحْكي أُسكُتا
وتَخالُ في النادي فُصولَ كلامهِ / دُرًّا تَبَدَّدَ عِقْدُه فَتَبتَّتا
وكأنّما الجوزاءُ فوق سَمائها / للالتقاطِ له يَداها امتَدَّتا
يا أوحداً للعصرِ أصبح صِيتُه / يومَ الفَخارِ لكُلِّ جَرْسٍ مخفِتا
قَضتِ الخِلافةُ بالعلا لكَ في الورى / فانظُرْ لحَقِّ عُلاك مَن قد ثَبّتا
والشّاهدانِ الدَّولتانِ على عُلا / لك سَلَّمتْ وجميعُ مَن قد ضَمَّتا
فَمنِ المُطيقُ جُحودَ فَضْلٍ حُزْتَهُ / وبه العِدا والحاسدون أَقَرَّتا
أما العَدو فكَم طغَى لكنْ أبَى / رَبُ السماء له سوى أنْ يُكْبَتا
شَهِدتْ لك الحُسّادُ نَيْلَ مَراتبٍ / عَذَروا لها الأكبادَ أن تَتَفَتتَّا
أَحَسودَهُ خفِّضْ عليك فطالما / أصبَحْتَ طالبَ غايتَيْهِ فأعْيَتا
يا مَن أُودِّع قبل توديعي له / نَفْساً ورُحاً في ذُراهُ تَربَّتا
قَسَماً بمَنْ حَجَّ الحجيجُ لبَيْتِه / حتّى يُزارَ مُصبَّحاً ومُبَيَّتا
ما عن رِضاً منّي أُفارقُ خِدْمتي / مَن قَتْوُه شَرفٌ يُعَدُّ لِمَن قَتا
مع أن حُبَّكَ لم يَدَعْ لي فُرْطةً / من جانبي لِمُقَدَّمٍ مُتَلفَّتا
لكنَّ داعيةَ الضَّرورة طالَما / منَعتْ بها قَدَمَ الفتَى أن تَثْبُتا
ووَدِدْتُ عند صَلاةِ مَدْحِكَ مُصبحاً / بشِكايةِ الأيّام ألا أَقْنُتا
ومتى تُبدَّلُ قَوْلتي يا لَهْفتي / عند الإيابِ بقَولَتي يا فَرْحَتا
فلوِ استَطعْتُ لصُمْتُ عن كلّ الورى / صَوْماً لِنيَّتِه أكونُ مُبيِّتا
حتى أعودَ مُعَيّداً بكَ راجياً / في حَسْبتي للعَوْدِ ألا أغْلَتا
فأْذَنْ جُعِلْتُ لكَ الفدىمن ماجدٍ / فالأَمْرُ أمرُك نافِياً أو مُثْبِتا
اِحفَظْ مكاني في فؤادِك غائباً / حِفْظي مَكانكَ من لِساني يَثْبتُا
لك مَحْضُ شُكري والشِّكاية كلُّها / لِصُروفِ دَهْرِكَ لم يَزلْ لي مُعْنِتا
سيكونُ مُنشِدَ مَدْحِ مَجْدِكَ في البِلَى / عَظْمي وإن هو في الضّريحِ تَرفتا
ولَوَ أنَ أرضاً للمَدائح أَنبتَتْ / أضحى ثرىً قد ضَمَّني لك مُنبِتا
فاسعَدْ بصَوْمٍ أنت فيه وقبلَه / ما زلْتَ للهِ المُنيبَ المُخْبِتا
واسَعدْ كذاكَ بِعيدهِ وبِعوْدِه / في العِز ما غَنَّى الحَمامُ وصَوّتا
بأبي العِذارَ المُستديرَ بخَدّهِ
بأبي العِذارَ المُستديرَ بخَدّهِ / وكمال بهجةِ حُسْنِهِ المنْعوت
فكأنّما هو صَولجانُ زُمُرُّذ / مُتلَقِّفٌ كُرةً منَ الياقوت
لمّا رأيتُ النّجمَ ساةٍ طَرْفُه
لمّا رأيتُ النّجمَ ساةٍ طَرْفُه / والأفْقُ قد ألقَى عليه سُباتا
وبناتُ نَعشٍ في الحِداد سوافرٌ / أيقنْتُ أنّ صَباحَهم قد ماتا
أأراكةَ الوادي سقَتْكِ غُيوثُ
أأراكةَ الوادي سقَتْكِ غُيوثُ / ونَماكِ مَوْلىُّ التلاعِ دَميثُ
وسَرى إليك معَ الصّباح بسُحْرةٍ / سارٍ تُدَرّجهُ أباطِحُ مِيث
من أيكةٍ مجْدودةٍ لفُروعها / عن سِرّ أفواهِ الدُّمَى تَنفيث
لرَطيبهنَّ عنِ القدودِ حِكَايةٌ / وليَبْسهنَّ عن الثُّغور حَديث
ما حُدَّ منه جُدَّ من رَشفاتِها / ولكُلِّ مُلْتهِفٍ أُتيحَ مُغيث
أيُّ المشارب كان أنقعَ قلْ لنا / والدّهرُ فيه حُزونةٌ ووُعوث
أزمَانَ غُصنِك يا أراكُ مُرنَّحٌ / يختالُ أم عودٌ به تَشعيث
بَرْقُ الغمائمِ والمبَاسمِ لم يَكَدْ / أن يُوِمضا إلا وأنت مَغيث
حَظٌّ رُزِقْتَ مَنالَهُ وحُرِمْتُه / والحَظُّ يَعجَلُ تارةً ويَريث
واهاً لعَصْرِ العامريّةِ بالحِمَى / والعَهْدِ لولا أنّه مَنْكوث
كيف السُّلُوُّ وبابِلُّي لِحاظِها / بالسِّحْرِ في عُقَدِ القُلوبِ نَفُوث
بَيضاءُ فاتنةٌ لصَخْرةِ قَلْبها / في ماء عَيْني لو تَلِينُ أميث
مقسومة شمساً وليلاً إذ بدت / للناظرين فواضح وأنيث
فالشمس في حيثُ النِّقابُ تَحُطُّه / والليلُ في حيثُ الخِمارَ تَلوث
وَدَّ الهلالُ لَوَ أنهُ طّوْقٌ لها / والنَّجْمُ لو أمسَى بِها الترعيث
والشَّمسُ أقنَعَ قَلْبَها من شِبْهِها / أن قد تَعلَّقَ باسْمِها تأنيث
شامَتْ لِيورِثَها فؤادي نَظْرةً / هيهاتَ ليس لقاتِلٍ تَوْريث
سائلْ عنِ الشُّهداء مِن قَتْلَى الهَوى / ولهم من الحَدَقِ النَّجيع نَفيث
أَمِنَ المَصارعِ بَعْثُهم فأنا إذنْ / من تحتِ عَطْفةِ صُدْغِها مَبْعوث
رشَأٌ يُخَضِّبُ عَشْرَهُ أنْ لم يَزَلْ / منّي الفؤادُ بكَفِّه مَضْبوث
كم قد أثَرتُ وراءه من مُقلتي / أنضاءَ دَمْعٍ سَيْرُهُنَّ حَثيث
في ليلةٍ مِن شَعْره وظلامها / وكآبتي حَبْلُ الدُجَى مَثْلوث
فاليومَ في تلك المَوارِد منهمُ / رَنَقٌ وفي تلك القُوى تَنْكيث
فلْيّرجِعَنَّ العاذلون على الهوى / ولهم بحُسْنِ تَجَلُّدي تَحْديث
فلقد جذَبْتُ زمامَ قلبي جَذْبةً / حتى ارعوَيْتُ وللأمور حُدوث
وتَغولّتْ بي عُرْضَ كُلِّ تَنوفةٍ / يَهْماءَ فَتْلاءُ الذِّراع دَلوث
وكأنّها وَسْطَ الفدافِدِ ناشِطٌ / راعَتْهُ غُضْفٌ شَفَّها التَّغْريث
ما زال يَفْلِي بي على هَوْل السُّرى / لِممَ البلادِ نَجاؤها المَحثوث
حتى نّزلْتُ بسِرِّ مجدٍ باهرٍ / لم يَجْلُ عن مِثْلٍ له تَبْحيث
فرأيتُ غَيثَ ندىً مَرَتْهُ سحائبٌ / غُرٌّ وليثَ وغَىً نَمتْهُ لُيوث
مَنْ شَبَّ ناراً للسماح رفيعةً / فالطّارقونَ فَراشُها المْبثوث
وأجَرَّه ذَيْلَ الفَخار وقد سَما / صُعُداً قديمٌ من عُلاً وحَديث
ذاك الهُمامُ مُهذَّبُ الدينِ الّذي / بنَوالهِ لبنى الرّجاء يُغيث
وله المَحامِدُ والمَعالي حِلْيةٌ / فالحَمْدُ كَسْبٌ والعُلا مَوروث
يَبْني محَامِدَهُ بهَدْمِ تلادِه / والجُودُ في مال الكريمِ يُعِيث
ذو هِمّةٍ يَغْدو السّحابُ بجودِه / مُستَصرِخاً فَرُعودُه تَغْويث
والشّمسُ تَستَضوي بنُور جبينه / فله إليها مِن سَناهُ بَعوث
والبدْرُ بابن أبيه يَفَخرُ كلّما / أمسى مخامِد ناره تأريث
حامي الحقيقة دونَ ذمّة جاره / إن عادَ حَبْلُ سِواهُ وهْو نكيث
أسَدٌ له مِمّا بَراهُ مِخْلبٌ / فيه لأكباد العِدا تَفْريث
ورِشاءُ فِكْرٍ مُرسَلٌ من كفّهِ / أبداً به درُّ الكلامِ نَبيث
نظرا نداهُ لمالِه التّربيعُ طو / لَ زمانه ولوَفْدهِ التَثْليث
أمّا إذا اعتمد الحسابَ فدأبُه / لعُفاته التنقيبُ والتبحيث
حتى إذا ما جادَ أصبحَ مالُهُ / بيدَيْ نَداهُ وأصلُه مجْثوث
كفُّ الكريمِ غَمامةٌ وصَنائعُ ال / معروف إن زكَت البِقاعُ حُروث
وأرى التَعرُّضَ باللئامِ جَهالةً / إن جَلَّ خَطْبٌ في الزَّمانِ كَريث
كالطّفل يَخدَع نَفْسَه عن رَشْفهِ / للثَدْيِ يُنقَعْ وَدْعُه المَمْروث
أم هلْ ملوكٌ لا تَبضُّ صَفاتُهم / إلا يَعوقُ لعابدٍ ويَغوث
وكأنّما الدُّنيا فَمٌ فيه الورى / كَلِمٌ فمنْها طَيِّبٌ وخَبيث
كم مَدْحٍ المَمدوحُ محْشوشٌ بهِ / والمادحُ المغْبُونُ فيه مَروث
والجُودُ ليس بمُخْلِدٍ لكنَّ مَن / نَفَع الورى فالعُمْرُ منه مَكيث
خُذها إذا خاضَ المسامعَ حُسنُها / قالوا جَريرٌ راجِعٌ وبَعيث
بِكْرٌ لكُفْؤٍ ماجِدٍ ما مِثْلُها / لسواهُ مَجْلُوٌ ولا مَطْموث
والخاطِبونَ المدحَ أشباهُ الظُّبى / منها الذُّكورُ وبعضُهنَّ أَنيث
حَقيقٌ على الأيّام أن يتَحدَّثوا
حَقيقٌ على الأيّام أن يتَحدَّثوا / بما عِندهم من نعمةِ اللهِ تَحْدُثُ
وما كان من نُعماهُ أقدم عندهم / فذاك على شُكْرٍ يُضاعَفُ أبعَث
وإن يك للأشياء في العَينِ ظاهرٌ / فذو اللُّبِّ أحياناً عنِ اللُّبِّ يَبْحث
ومَن كان نَفْعٌ للورى في بَقائه / فَيَبْقَى على رَغْمِ الأعادي ويَلْبَث
ضمَانٌ على اللهِ الوَفيِّ بقاؤه / وما عَهْدُه يوماً من الدّهرِ يُنكّث
قضَى اللهُ أنَّ النفْعَ للنّاسِ عِصمةٌ / بها طُولَ أعمارِ الورى يُتَشبَّث
ألم تَر أنّ اللهَ جَلَّ ثناؤه / يقولُ لنا ما يَنفَعُ النّاسَ يَمكُث
وذلك قُرآنٌ قديمٌ قرأتُه / لِيُسمَعَ لا قول منَ الشِعرِ مُحْدَث
فقُلْ لنجيبِ الدّينِ أبشِرْ بصِحّةٍ / تُعَجِّلُ عن قُرْبٍ ولا تَتَريَّث
أما أنت غَوْثٌ للورى من زمانِهم / فَرَبُّ الورى عن صَرفهِ لكَ أغوَث
أما أنت للأحرارِ في الدَهْرِ مَلْجأٌ / إذا جعَلَتْ فيه الحوادِثُ تَحْدُث
بلَى أنت للدّاعِي إلى الغوثِ في الورى / مُجيبٌ دعاءً نَصْرُه لا يُلَبَّث
تَروحُ وللأموالِ عندَكَ مَحْصَدٌ / وتغْدو وللآمالِ عندَكَ مَحْرَث
وللدِينِ نَصْرٌ واصبٌ ليس يأتَلي / وللمُلْكِ نُصْحٌ خالصٌ ليس يُغْلَث
وللصَّدْرُ للإسلامِ درعٌ يَصونُه / وقَلبٌ أمينٌ سِرّه ليس يُنبَث
فلا يَهنأِ الحُسّادَ أنْ راحَ أو غَدا / يُحَدِّثُ عنه بالنُباحِ مُحَدِث
سَتعْقُبُ ذي الشَكْوى بعُقْبَى حميدةٍ / تُفَتّتُ أكبادّ العِدا وتُفَرِّث
فُدونَك من فِكْرِى لكَ ابنةَ ساعةٍ / تَكادُ بها أذْنٌ وعَتْها تُطَمّث
فما هِيَ إلا حرَّةٌ عَربيّةٌ / فلولاك ما كانَتْ من العِزِّ تُطْمَث
فَدُمْ للعُلا ما دامَ في اللَيلِ كَوكَبٌ / وما حَجَّ بيتَ اللهِ أغبَرُ أشعَث
طَرِبنَ لترجيعِ الغناء المُهَزَّجِ
طَرِبنَ لترجيعِ الغناء المُهَزَّجِ / نَواعِجُ حتى جُزْنَ أعلامَ مَنْعِجِ
وخُضنْا بها بحراً من الآل طافحا / فعامتْ بنا مثلَ السّفينِ المُلجَّج
فلمّا طَوتْ كفُّ الدجى سطْرَ أحرفٍ / منَ العيسِ في ظهْرٍ من البيدِ مُدْرَج
ولاحَتْ نجومُ اللّيلِ والصُبحُ مغمَدٌ / كترصيع دُرٍ في قرابِ أرنْدَج
أَلمّتْ بنا تجلو قشيبَ بهائها / أُميمةُ في بُرْدٍ من الليلِ منْهَج
فما سمعَ الأقوامُ قبلَ طُروقها / بشمسٍ بدَتْ والصّبحُ لم يَبتلَّج
وأَنّى خَطَتْ في الرّملِ طُرْقاً خفيّةً / على الحيِّ أن يَقْتافَها أُختُ مُدلِج
خَلَصْنا نَجِيّاً في نَدِيٍّ من الكَرى / ونحن بأسرارِ الصّبابةِ نَنْتَجِي
وقالتْ أترضَى أنّ طَرفَكَ راقدٌ / وأنّيَ من بينِ الأسنّةِ مَخْرَجي
فقلت لها لولاكِ ما بِتُّ ناصباً / شباكَ الكَرى في البيدِ مُصطادَ بحْزَج
فواللهِ ما عهْدي بدَهماءَ ليلةً / تَخُبُّ بجفْنٍ لي على الغُمضِ مُشرَج
ولا دُرُّ دَمْعي خِيفةَ النَّهبِ ساعةً / غَدتْ خلفَ بابٍ لي من العينِ مُرْتَج
كذلك ما زالَ التّعاتُبُ دَأبَنَا / إلى أن رُمينا من هُبوب بِمُزْعِج
وقام خَطيبُ من سَنا الفَجْرِ فارتقَى / على مِنْبرٍ من آبَنوسٍ مُعَوَّج
حَطَبْتُ ضلُوعي ثمَّ أقبسْتُها الهوى / فإن راحَ عَذْلٌ نارَها تَتأجّج
فلا تَسْقِ كأسَ اللّومِ صِرْفاً مَسامعي / ولكنْ بذكْرِ العامريّةِ فامْزُج
عقيلةِ حَيٍّ حامِلينَ لها القَنا / من الخَيْلِ مَعْروضاً على كُلِّ مَنْسِج
لها رُمْحُ قّدٍ كلّما هَزَّه الصِّبا / تَلَقّاهُ من بُعْدٍ فؤادُ المُدَجَّج
تَبِعْتُ لها أخرى الحُمولِ مُشَيِّعاً / على زَبِدٍ عَبْلِ الذِّراعينِ مُدْمَج
تَبرقَعَ بالبدرِ المُنيرِ جَبينُه / ويَرفُل في لّيلٍ بِعطْفَيهِ مُدَّج
فلمّا أَحَسَّ السرْبُ وقْعَ نِعالِه / رَمَيْنَ بعينَيْ كُلِّ أدْماءَ عَوْهَج
ولولا نَسيمُ الرِّيحِ لم يَدرِ ناظرٌ / حَذارَ الغَياري ما ضمائرُ أحدُج
فلا يَقطَعنَّ اللهُ ألسنةَ الصِّبا / بما كشَفتْ للرَّكْبِ عن سِرٍّ هَوْدَج
ويومَ الكثيبِ الفَرْدِ لمّا استفَزَّنا / وادعٌ وكنّا من وُشاةٍ بمَدْرَج
وقفنا فدلسنا على رقبائنا / فظنوا خلياً كل ذي لوعة شج
حطَطْت لثاماً عن مَجودٍ مُوَرَّسٍ / وألقَتْ نقاباً عن أسيلٍ مُضَرَّج
فما زِلت أُذْري دَمعَ عَيْني صبابة / وتُبدي دَلالاً عن شَتيتٍ مُفَلَّج
وقال رَقيبانا دَعُوا لَومَ ناظرٍ / وناظرةٍ لم تَنْوِ سُوءاً فتُحرَج
رَعتْ هِيَ روضَ الزعفرانِ وما درتْ / وحَدّقَ ذا في الشّمس عند التّوهُّج
فبالطبعِ مَجلوبٌ بكاه وضِحكُها / بلا مُحزِنٍ مِمّا ظَنَنّا ومُبهِج
أصاحِ تَرى بَرْقَ المشيبِ تَهُزُّه / يدا قادحٍ في ليلِ فَودَيْك مَسْرِج
تغنم فأطرب الشبيبة فرصة / كأمس متى يذهب عن المرء لايجي
وما حلية الأعمارِ إلا مُعارةٌ / فخلِّ لها خَيلَ البَطالةِ تَمْعَج
ولمّا رأيتُ اللهوَ حانَ وداعهُ / وقالَ الصِّبا إلا أَرُحْ منكَ أُدلِج
غَمسْتُ فؤادي في الجهالةِ غَمْسةً / وقلتُ له امْرَحْ ما بدا لك وامرُج
ومَن رام نَزْعَ الثّوبِ يَدْخُلْ بوَجهه / وكفّيهِ فيه دَخلةً ثمَّ يُخْرج
وقد كنتُ مثلَ الطّودِ مُدَّتْ ظِلالُه / على رَوضِ عَيْشٍ بالشّباب مُدبَّج
فقد ثُلِجَتْ منّي الذُّوابةُ كَبرةً / ومَن يَبْقَ حتَّى يَشْتُوَ العُمرُ يُثلَج
تَعجّبْتُ من راجي سِقاطي بعدما / غدا نَقْدُ فَضْلي هازئاً بالمُبَهْرَج
أُجاملُ أقواماً على ما يريبني / حياءً ومن يَمرُرْ على الصّحب يُمجَج
وأسكتُ إبقاءً وعندي مَقالةٌ / مُفّوَّفةٌ إن تَصدِمِ الصدرَ تَلْعَج
ولست وإنْ أمسكْت للضَّيم مركباً / ولكنَّ حِلْمِي مُلْجَمٌ غيرُ مُسْرَج
وكم صاحبٍ داريْتُ أمزجُ جَهْله / بحِلْمِي أزماناً فلم يتَمَزَّج
ولستُ ولو شمَّمتُه الورْدَ جانباً / سوى الشّوكِ يُدمي الكفَّ من جِذْم عَوْسج
دعوتُ لإسعادي على الدَّهر دعوةً / وبيَّنْتُ في الأقوام غيرَ مُلَجْلج
فلم أرَ إلا عند أبناء أرْحَبٍ / وفاءً وإلا عند أبناء أعْوج
جنَبْتُ إلى مَهريَّةٍ كلَّ مُهرة / متى تَعْلُ لطْماً هامةَ البِيدِ تشْجُج
وراوحْتُ بين السَّرجِ والكُورِ سابقاً / على مِثْلِ خفاقِ الجناحَيْنِ أخْرج
كأني خيالٌ طارِقٌ أسلُكُ الفَلا / على الهَوْلِ في طَرْفٍ من اللّيلِ أدعج
إلى جاعلٍ عزاً مكانِيَ عَيْنَه / ومَن يَعشَقِ العلياءَ بالوفدِ يَلْهَج
ولولا امتداحي تاجَ دينِ مُحمدٍ / لَعِفْتُ لأبواب المُلوكِ تَولُّجي
ولكنّ إحسانَ الحُسَينِ أهاب بي / فقلتُ لحادي الأرحبيّةِ عَرِّج
أيا ماجداً تَغْشَى الوفودُ فِناءهُ / ومَنْ يَك بيتاً للمكارِم يُحجَج
ثِقافُ لهذا المُلْكِ ما زال رأيُه / يُقوِّم من أطرافِه كلَّ أعْوج
إذا أثَّفَتْ يوماً ثلاثَ أناملٍ / له قلَماً يَقْدِرْ أُموراً ويُنْضِج
ربيطٌ إذا ما قَعقع الخَطْبُ جأْشَه / وجَلَّ ابن غابٍ أن يُخشَّى بهَجْهَج
أخو صدقاتٍ صادقاتٌ يُسِرُّها / بِيُمناه مِن يُسراه فَرْطَ تَحرُّج
يَجودُ بلا بَرْقٍ ورَعْدٍ غَمامُها / على كلِّ حُر ذي دَريسَيْنِ مُلْفَج
إذا ذُكرَتْ أخلاقُه الزُّهْرُ ذَكرَةً / بأرضٍ وتَهبُبْ فوقَها الرِّيحُ تأرج
من القاسِمِيِّينَ الذين وجوهُهم / متى ما تَلُحْ في المأزِقِ الضَّنكِ يُفْرَج
إذا ما انتَمَوا في آلِ شَيبانَ صُودِفوا / إلى عِيصِ مَجْدٍ فيهمُ مُتَوشَّج
ملوكٌ تَهادَى النّاطقون تهادياً / بكلِّ حديثٍ عن عُلاهم مخَرَّج
لهمُ يومُ ذي قارٍ وقد رَكزَوا القنا / بأطْرافها ما بينَ أحشاءِ أَعْلُج
مُقامٌ به باهىَ النَّبيُّ وأنتمُ / فوارسهُ في ظِل أقتمَ مُرهِج
كسَرتُم جناحَيْ جيشِ كسرى وقلبَهُ / بضرْبٍ كما ألهَبْتَ نيرانَ عَرفَج
غداةَ دلَفْتُم بالرِماحِ شوائلاً / تَرى النّقْعَ فيها مثل ثوبٍ مُفَرَّج
بإسلامِكم والجاهليةِ قبلَه / أُديِلَ الهُدَى حاجِجْ بذلك تَحْجُج
فللّهِ أسلافٌ وأخلافُ سُؤدَد / لكَم نَهَجوا العلياءَ أوضَحَ مَنْهَج
غَنُوا في ديارِ العُجْم عزّاً وإنّما / نَماهم ملوكُ العُرْبِ من كل أبلَج
هُمُ افتتَحوها ثمَّ حلُّوا نِجادَها / وما الليثُ عمّا صادَه بمُهَيَّج
لهم صافناتُ الخيلِ مِلْءَ عِراصهم / لخائفِ قومٍ يَعْتَري أو لِمُرْتَج
ومَضْروبةٌ خَمْساً لغيرِ جريمةٍ / بأبوابهم ضَرْباً بكلِّ مُحَدْرَج
تَوابعٌ أسْرابِ المُثوِّبِ مثلما / يَلِى الرّعدَ لَمْعُ البارقِ المتبرِّج
أيا واحداً قد حَلّ للمجدِ ذِروةً / إذا حّلَّ كلٌّ في حواشٍ وأثْبُج
بكَ اللهُ رَبُّ العرشِ تَوَّجَ دينه / وقبلَك دينُ اللهِ لم يَتَتَوَّج
لأنتَ المُحلُّي لا المُحَّلي بمَنْصبٍ / فخَلِّ الحسودَ النّكْسَ يَبْكِ ويَنْشج
لئن رُفّهَ الصَّمصامُ بالغِمْد مَرّةً / لَمُرتقَبٌ منه وَشيكَ التَّبَرُّج
وإن يجْزعوا أن قيلَ لازِم بيتهِ / وإن كان نَجْماً حلَّ في خَير أبْرج
فلا يَيْأسَنْ حُرُّ وبَيتُ عطارِد / له شَرَفٌ فاليومَ أعظَمُ ما رُجى
مَلكتَ بمَوروثِ العَلاء تَحلِّياً / فلستَ إلى الحَلْىِ المُعارِ بمُخْرَج
ومهما أبىَ جِيدُ الحَمامِ حُلَى الورى / فما هو من طَوْقِ الإله بمُخرَج
أرى الفَضْلَ من غيرِ التَفضُّلِ حِلْيةً / متى يُجْلَ فيها المرءُ يَحْسُن ويَسْمج
وكم مُلهَجٍ بالشِعْر لكنْ لسانُه / لِراجيهِ عن إنعامِه مثْلُ مُلْهِج
إذا رُحت عنه باحثاً قال خُلْقُه / لمَدْحِيَ ما هذا بعُشِّكَ فادْرج
أطلْتُ لأبناء الزَمانِ تَوسُّمي / فلم أرَ في الفِتْيانِ غيرَ مُزَلَّج
فمَن ذا بتأميرٍ أُخاطِبُ منهمُ / وقد صارَ كلُّ القومِ واليَ مَنبِج
فأُقسِمُ لولا الغُرُّ من آلِ قاسمٍ / لقَلَّ على أهلِ الجبالِ مُعَرَّجي
أولئك أجوادٌ بنانُ أكفّهِم / ضَرائرُ أخلافِ السَّحابِ المُثَجَّج
كأنّي وقد ألقيتُ رحْلي إليهمُ / أقمْتُ ثَوِيّاً بينَ أوسي وخَزْرجي
أرحْتُ إلى فِكْري من الشِّعْرِ عازباً / وغَيْري الّذي إنْ يُنْتِج القولَ يُخْدِج
فَرصَّعْتُ في تاج على الدّينِ درّةً / تَخيّرتُها من بَحْرِيَ المُتَمَوِّجِ
من الكَلِمِ الغُرِّ اللَّواتي كأنّها / رياضٌ لعَيْنِ النّاظرِ المُتفَرِّج
نجومٌ لترغيبِ الورى في اقتِنائها / وتَخْليدِ ذِكْرسائلٍ متَأرّج
تَرى للَّيالي دائماً من صِغارِها / بكّفِّ الثريّا سِتّةً كالنّموذَج
بَقيِتَ ونَدْباً ماجِداً أنت صِنْوُه / قَرينَيْينِ في ضافٍ منَ العيشِ سَجْسَج
تَدومان فَرْعَيْ دَوحةٍ قاسِميّةٍ / كثيرةِ أفنانٍ إذا جاءَ مُلْتَج
كفَى بِبَني الكافي لِمُلْكٍ إنارةً / برأْيٍ لغَمّاءِ الخطوبِ مُفَرِّج
سماءُ عُلا ما يَبْرَحُ الدَّهرَ سامياً / إليها رجاءُ النّاسِ من كلِّ مَعْرَج
أبوهم وهم كانوا كسَبعةِ شُهبِها / فإن تَمْضِ أنوارُ النُّجومِ وتَدْرُج
ففي قَمَرَيْها من سناً ما كفَى الورى / إذا سفَرا عن كلِّ وجْهِ مُسَرَّج
نَظيمٌ لجِيدِ الفخرِ من جوهرِ العُلا / بسِلكِ بقاءٍ جامعٍ غيرِ مفْرَج
فَدُمْ في ظلالِ العِز مُستمتِعاً بهم / ونَورِزْ بسَعْدٍ ألفَ عامٍ ومَهْرِج
بحياةِ أيْرِ أبي الرَّجا
بحياةِ أيْرِ أبي الرَّجا / لمّا استَوى وتَسكْرَجا
وأتاك مُمتَدّاً فأد / خَلَ في حشاكَ وأخرجا
إلا احتشَمْتَ ولا تكو / نُ إلى هجائك مُحوِجا
فلقد رأيتَ وقد مدحْ / تُك كيف كان وكيف جا
مَن كان يَصفَعُ بالمدي / ح فكيف ظنُّك إن هَجا
صوتُ حمامِ الأيكِ عند الصّباحْ
صوتُ حمامِ الأيكِ عند الصّباحْ / جدَّد تذْكارِيَ عهْدَ الصّباحْ
علَّمْننَا الشّجْوَ فيا مَنْ رأى / عُجْماً يُعلِّمْن رجالاً فِصاح
ألحانُ ذاتِ الطَّوقِ في غُصنْهِا / مُذْكِرتي أزْمانَ ذاتِ الوِشاح
لا أشكرُ الطّائرَ إن شاقَني / على نوىً عن سَكَني وانتِزاح
وإنما أشكرُ لو أنّه / أعارني أيضاً إليه جَناح
أكلّما اشتَقْتُ الحِمَى شفَّني / لاح إذا بَرْقٌ من الغَورِ لاح
يَزيدُ إغرائي إذا لامني / وربّما أفسد باغي الصَّلاح
ماذا عسى الواشون أن يصْنَعوا / إذا تراسلْنا بأيدي الرِّياح
ورُبَّ ليلٍ قد تدرَّعتُه / رهينَ شوقٍ نحوكم وارتياح
يَرْوَي غليلُ الأرضِ من عبْرتي / وبي إليكم ظمأٌ والتْيِاح
حتى بَدتْ تُطلِقُ طَيْرَ الدُّجى / من شَكِ الأنجُمِ كفُّ الصباح
لا غرْوَ إن فاضَتْ دماً مقلتي / وقد غدتْ مِلْء فؤادي جِراح
بلُ يا أخا الحَيّ إذا زُرْتَه / فحَيِ عَنّي ساكناتِ البِطاح
وارْمِ بطرْفٍ من بعيدٍ فَمن / دونِ صِفاحِ البيِضِ بِيضٌ صِفاح
وآخِرُ العَهْدِ بأظعانِهم / يومَ حَدَوا تلك المَطِيَّ الطِّلاح
وعارَض الرَّكبَ على رِقْبةٍ / مُديرُ ألحاظٍ مِراضٍ صِحاح
لمّا جلا لي عند تَوديعِه / رِياضَ حُسْنٍ لم تكُنْ لي تُباح
جَعلْتُ ممّا هاج بي شَوقُها / وجْهِي وَقاحاً وجنَيْتُ الأقاح
وطالما قالوا ولم يَكْذِبوا / سِلاح ذي الحاجةِ وجْهٌ وقاح
فكيف ألْقى الدّهرَ قِرناً وقد / أصبَحْتُ لا أملِكُ ذاك السِّلاح
يا صاح إن أعددت لي نصرةً / فهذه حربي مع الدهر صاح
جَرَّبْتَني قِدْماً فصادفْتَني / على الأخِلاءِ قليلَ الجِماح
مُطاوِعاً كالماء إن سُقْتَه / من السّماسَحَّ أوِ الأرضِ ساح
مالكَ يا دَهْرُ على عِزَّتي / أَبيتَ إلا جَفْوتِي واطِّراح
والحُسنُ للحسناء مُستَجمَعٌ / والحظُّ قد جُنَّ بحُبِ القِباح
قلبي وشِعْري أبداً للورى / يُصبحُ كلٌ وحِماهُ مُباح
ذا لمُلوكِ العصرِ فيما أرى / نَهْبٌ وهذا للوجوهِ المِلاح
أمدَحُهمم عُمْري ولكنّني / أرجو من الله ثَوابَ امتداح
كأننّي قُمْريّةٌ عندهم / تَسجَعُ في المَغْدى لهم والمراح
ومالها في الجيدِ منهم سوى / ما قَلّدَ اللهُ بغَيْرِ امتياح
أَستَغْفِرُ اللهَ فتَشْبيهُها / ممّا على القائلِ فيهِ جُناح
فَهْي تَرى حَفْنةَ حَبٍّ لها / تُلقَى إلى جُرْعةِ ماءٍ قَراح
مَعيشةٌ رابحةٌ عندَهم / عِلّتُها كلَّ غَداةٍ تُزاح
ودون إطلاق معَاشي لهم / رِتاجُ مَطْلٍ عَسِرُ الانفتاح
أُلازِمُ الحَضْرةَ دهْراً إلى / أن يَتأنّى لي أوانُ السَّراح
حتّى إذا عُدْتُ إلى مَجْثمِي / عُدْتُ إلى عُمّالِ سُوءٍ وقاح
حان مَسيري راحلاً عنكمُ / ودونَ أوطانيَ بِيدٌ فِساح
فهل مُعينٌ لي على قَطْعها / بواضحِ الغُرّةِ بادي المراح
مُنتصِبِ الهادي سليمِ الشَّظَى / مُتّصلِ الخَطْوِ قليل الجِماح
تَنتَهب الأرض له أربَعٌ / للنّار من أطرافِهنّ انقداح
ومَن تُرَى يَسْخو بأمثاله / حتّى أراه وهْو فَوقَ اقْتِراح
إلاّ الأميرُ الماجِدُ المُرتَجي / نَواله الواهِبُ السُناح
فهذه حالي وذا شَرْحُها / فهل لقَلْبٍ معَ هذا انشراح
إن لم تَزُرْ عُثْمانَ لي أينقٌ / غُدُوَّها يَسبِقْ طَرْفَ الرِّياح
كأن أيديها إذا شارفَتْ / فِناءه فائزةٌ بالقِداح
نجَتْ على بُعْدٍ إليه وفي / بُعْدِ نَجاءِ العيسِ قُرْبُ النّجاح
فَزُرْن مَلْكاً لم يَزلْ جاهُه / عازِبَ سُؤْلٍ لي حتى أراح
صَدْرٌ رحيبُ الصّدْرِ ذو هِمّةٍ / له إلى نيْلِ المعالي طِماح
تَهُزُّ منه الدَّهرَ أعطافُه / نَشْوةُ جُودٍ تَعْتري وهْو صاح
تَرى بكَفّيْهِ ومِن وجْههِ / بَدْرَ سماءٍ بين بَحرَي سَماح
مُتَوَّجُ يَجْعَلُ هامَ العِدا / في الروْع تيِجانَ رؤوسِ الرِماح
يَبْتَدِر الصّارخُ يومَ الوغَى / بسائلِ الغُرّة طاغِي المِراح
في سَرْجه شَمْسٌ وفي نَقْعِه / شَمْسٌ أطاح النَّورَ منها فطاح
شَمْسان لما اكتنَفا قَسْطلاً / بهِ لآفاقِ السّماء اتّشاح
أضمَرَ ليلُ النّقْعِ صُغْراهُما / وضاقَ بالأكبرِ ذرْعاً فَباح
ألْوى إذا عاقَر كأسَ الوغَى / والَى اغتِباقَ الدَّمِ بالاصطِباح
إذا تَردَّى بالحُسامِ اغتَدَى / قرينَ سَيْفِ الرّأيِ سَيْفُ الكِفاح
ذو قَلَمٍ أعجِبْ به جارياً / من مُثْبتٍ آيةَ مُلْكٍ ومَاح
تُديرُه يُمْنَى يدَيْ ماجدٍ / له بزَنْدِ المكرماتِ اقْتداح
شَدَّتْ يدُ الدّولةِ أطنابَها / إليه في أسعَدِ وقْتٍ مُتاح
حامدةٌ مَوضعَها عنده / فما لَها ما عُمِّرتْ من بَراح
عاد بُعْثمانَ اختتِامُ العُلا / كما بدا بالحَسَنِ الافتِتاح
هذا أميرُ المؤمنين الذي / أولَيتَه منك الوَلاءَ الصُراح
دَعاكَ إذ جاهَدْتَ عن مُلْكِه / شهابه والحق فيه اتضاح
ما زادك الخلفة فخراً وإن / أتَتْ جَلالاً فوق كلِّ اقْتِراح
والبَيت لا يُكْسَى لتَشْريِفه / لكنْ تُراعَى سُنّةٌ واصْطِلاح
يا كعبةً للمجدِ مَأهولةً / إذا غدا الوَفْدُ إليها ورَاح
يَفْديكَ قَومٌ حاولُوا ضلّةً / تَناوُلَ المجدِ بأيدٍ شِحاح
مَعاشِرٌ أموالُهم في حِمىً / وعِرْضُهم من لُؤمِهم مُسْتَباح
أمّلْتُهم ثم تأمّلْتُهم / فلاحَ لي أنْ ليس فيهم فَلاح
طال مُقامي بفِنا أرِضكم / من غَيْرِ نَفْعٍ فالرَّواحُ الرَّواح
ما آفةُ الإنسانِ إلا المُنَى / طُوبَى لِمَنْ طَلّقها واستَراح
إلى ذُراكَ الرَّحْبِ نوِّخْتُها / وقد بَراها السَّيرُ بَرْيَ القِداح
من بلدٍ ناءٍ ولم أعتَمِدْ / بُعْدَ المَدى إلا لقُرْبِ النَّجاح
لولاكَ يا شَمْسَ ملوكِ الورى / لم يَبْقَ في طُرْقِ الرَّجا لانفساحْ
فاسمعْ ثناءً لك أبدَعْتُه / كأنه المِسْكُ إذا المِسْك فاح
مِن كلماتٍ كلمّا نُظِمَتْ / فللآلي عندَهُنّ افتضاح
لسوفَ أُهدِي لك أمثالها / إن كان في مُدَّةِ عُمْري انفِتاح
فدُمْ لأهلِ الفضلِ تُغْنيهمُ / فواضِلاً ما شُعْشِعَتْ كأسُ راح
لا عَرفوا غيركَ مَولى لهم / ما اتَّصلَت منهم بَنانٌ بِراح
حَشْوُ فؤادي فَرَحُ
حَشْوُ فؤادي فَرَحُ / في صَحْنِ كَفّي قَدَحُ
فقد بَلَغْتُ مِن زَم / ني كُلَّ ما أقتَرِح
لكنّني يا سادتي / والعْذرُ لي مُتّضِح
يَفْضَحُني حبُّكمُ / برَغْمِ قومٍ نَصَحوا
ولا يُلامُ عاشِقٌ / في مِثْلِكم يَفْتَضِح
لا فارقْتَني قَهوةٌ / كالنارِ إذ تَنْقَدِح
لم تَقَدَّمْ شُرْبُها / إلا تلاهُ الفَرح
صافيةٌ يُديرُها / قومٌ إليها جَمَحوا
إذا اشتَروا سُرورَهم / بمالِهم تَسمَّحوا
وكلُّ مَن بالمالِ يَبْ / تاعُ السُّرورَ يَربَح
ألا مَن عذيرِي من جوىً في الجوانحِ
ألا مَن عذيرِي من جوىً في الجوانحِ / ومن دَمْعِ عينٍ بالسَّرائرِ بائحِ
ومنِ لائمٍ يَسْعَى بكأسِ ملامة / على الصَّبِّ منه غابِقٌ بعدَ صابح
ومِن مَوْقفٍ يومَ الوَداعِ وقَفْتُه / وقد هاجَ أشجانَ القلوبِ الجَرائح
فقلتُ وقد زمُّوا المطايا عَشيةً / وقد جَرَّحَتْ أيدي الفِراقِ جَوارحي
دَمُ القلبِ في عيني وتَسْخو بمائها / فقُلْ في إناءٍ لا بما فيهِ راشح
ولكنْ عَذّرْتُ العَينَ مِمَّا أَتتْ به / وقالتْ وبعضُ القولِ أوضَحُ واضح
هُمُ أودعوني الدُّرَّ يومَ رحيلِهم / وقد ثارَ في بحرٍ من الوَجْدِ طافح
إليَّ مِنَ الأذْنِ ارتَمى فَخَزَنْتُه / من العِزِّ في الآماقِ خَزْنَ الشَّحائح
فما أنا في ما استَودَعوني بخائنٍ / ولو ذُبْتُ من نيرانِ وجْدٍ لَوافح
تَقبّلتُ درّاً من سِرارِ حَديِثهمِ / فأدَّيتُ دُرّاً من دُموعي السَّوافح
سِرارُ نوىً عندي ودّدْتُ على النوى / ودائعَه رَدّ الأمينِ المُناصح
ولولاهُ جادَ العينُ مِنّي بَعْبرةٍ / تُخَضِّبُ أطرافَ البّنانِ المَواسح
سلَوتُ الصِّبا لولا بُكاءُ حَمائمٍ / على فُرقةِ الأُلافِ صُبحاً نوائح
لَبِسْنَ حِداداً ثمّ مَزَّقْنَهُ سوى / مَزَرَّ جيوب في طُلاها طَرائح
وأنشَدنَ من شِعرِ الحمَامِ قصائداً / رَواها قديماً صادِحٌ بعد صادح
فِراقيَّةٌ أضحَى مُكَرَّرُ صَوتِها / لإلْفٍ قديمٍ وَدَّعَ الإلْفَ طائح
وتَشكو الذي أشكو فأبكيِ مُساعِداً / وتَبكِي بلا ماءٍ من العينِ سافِح
وتَحْذَرُ من زُرقٍ جَوارِحَ تُتَّقى / لِرامٍ ومِن خَطْفاتِ زُرْقِ الجَوارح
تُعاني خُطوباً وهي مِثْلي مُردِّدٌ / حَنيناً إلى يومٍ كما اعتادَ صالح
يَرومُ صِغارُ النّاسِ شَأوِيَ بعدَ ما / شأوْتُ كِباراً من سَراةٍ جَحاجِح
وكيف ولم تُذْمَمْ عُهودُ شَيبتي / يُرجَّى سِقاطي بعد شَيْبِ المَسائح
وحاشايَ أن تَغْدو مِراضاً عزائمي / نتَائجُ أفكارٍ بدَتْ لي صَحائح
وأصبح ليلُ الشعْرمنّي مُفتِّحاً / لأبصار صدْقٍ من قُلوب فَوائح
لِيَفْرُقَ ما بينَ السَّوائحِ ناظري / وقد طَلَعتْ شَمْسي وبينَ البوارح
عَجِبْتُ لقومٍ عَرَّفَتْني تَجارِبي / بما كان عنهم خَبَّرتنْي قَرائحي
ومُنتَحِلٍ قد رَدَّ قَولِي بعَيْنِه / مُعاداً كما رَدَّ الصَّدى صَوتَ صائح
وما للقريضِ اليومَ من فَضْل قِيمةٍ / فيُوجِبُ قَطْعَ السّارقِ المُتَواقح
أرىَ اليومَ مَدّاحَ اللّئامِ بَمْدحِهم / كَمُستَنْبح يَرجو إجابَةَ نابِح
ولولا دَواعي نِسبةٍ عربيّةٍ / وإلْفٍ لنَظْمِ الرائقاتِ الفَصائح
إذنْ لأنفْتُ اليومَ من قولِ فَقْرةٍ / وإن كَثُرتْ شكْوى الهمومِ الفوادح
أغالبُ صَرْفَ الدّهرِ والدّهرُ غالبٌ / وكم دائرٍ في لُجّةِ البحرِ سابح
ولولا زمانٌ أزمنَتْني صُروفُه / لقد كنتُ في الآفاقِ شَتَى المَنادح
ومَولىً بدا منه تَجافٍ فَرابَني / وعَهْدِي به فوقَ المُجافي الثُلح
عَلِمْتُ بلا فِعْلٍ بدا منه عَتْبَهُ / ولا طَرْحِ قولٍ من مُجِدٍ ومازح
ولكنْ يَعودُ الدّهر حَوْليَ بعدما / مضَى زَمَنٌ والدْهرُ فيه مصالحي
وما الدّهرُ إلا عَبْدُه فَلَقِيتُه / غدا يتَلقاني بَطلْعةِ كالح
فإن يكُ حَقَّاً ما ظَنَنْتُ منَ الذي / تَصّورَ في فَهْمٍ لمولايَ سانح
وأقسَمْتُ بالبَيتِ المُشَّرفِ رُكْنُه / فمِن لاثمٍ يَهْوي إليه وما سح
ومَن حَجَّهُ من شَرْقِ أرضٍ وغَرْبِها / على ضُمرٍ خُوصِ العيونِ طَلائح
لمَا كان في قُرْبٍ من الدّار أو نَوىً / فؤادي إلى تَغْييرِ عَهْدٍ بجانح
فلا يُصْغِ ذو حُكْمٍ إلى قولِ ناصحٍ / له باغْتيابِ الأفضلِينَ مَطارح
وواشٍ يُقَضّي بالوِشايةِ عُمْرَهُ / إذا هو يوماً لم يُغادِ يُراوح
وكم خامِلٍ لا يَهْتدي لنباهةٍ / بغَيْرِ وقُوعٍ منه في عِرْضِ راجح
وقومٍ أقامَ الغِلُّ لي في صُدورِهم / فما هو عنها ما حَييِتُ بِبارح
لنَفْسي اصطنَعْتُ القومَ حتَّى إذا حَوَوا / بيَ السُؤلَ جازَوْني جَزاءَ التَماسح
وأعرَفُ من نَفْسي بنَفْسي لن تَرَى / إذا رُمْتَ كَشْفاً عن عُيونِ القَوادح
فَدُونَك من نَفْسي عُيونَك فاستَمعْ / لِمخْتَصرٍ ما عنده غيرِ شارح
فما أنا إن لم تَدْنُ منّي بداخلٍ / مُماسٍ نفاقاً باللّقاءِ مُصابح
ولا كاتبٍ إن غِبْتُ عن غيرِ حاجةٍ / وأُجرِيَ مُجْرىَ ألكَنٍ مُتفاصح
ولا مُدَّعٍ ما ليس فيَّ تَشَيُّعاً / ففَضْليَ في أمثالهِ غيرُ ماسح
ولكنْ وَلاءٌ في الطَوّيةِ خالصٌ / ونَشْرُ ثناءٍ كاللطيةِ فائح
وعَهْدٌ كما يَزدادُ طولَ تَقادُمٍ / يَزيدُ لها في الراحِ طِيبَ روائح
ونَظْم قوافٍ في كرامٍ كأنَّها / عقودُ لآلٍ في طُلىً من طَلائح
فمَن ذا الذي يَلْقَى مَعانيَّ هذه / ولا يَتمّنى سَعْيَه لِمَصالحي
أبَى اللهُ إلا أنْ يكونَ تَدارُكي / بَمولىً إلى العلياءِ سامِي المَطامح
على يَدهِ العلياء حُسْنَ خَواتمي / يكونُ كما قد كان حُسْن فواتحي
وما هو إلا ناصحُ الدّينِ إنَّه / بإنعامِه قِدْماً عَهِدْتُ مَناجِحي
أخو كرمٍ عَذْبِ المَشارِع في الندى / إذا أمَّه الرّاجي أسْنَى المَفاتح
له قَلَمٌ سِيانِ سُودُ صحائف / يُسَطِرُها وقْعاً وبيِضُ صفائح
بَكَفّ شجاعٍ سافحٍ لدَمِ العِدا / وعن جُرْمِ ذي وُدٍّ وإن جَلَّ صافح
هُمامٍ لأسرارِ العبادِ مُروِّحٍ / وبين الندى والبأسِ حَزْماً مُراوح
سَعَى للعلا والأفْقُ حَول رِكابِه / بأعَزلَ يَسعَى من نُجومٍ ورامِح
كأنّ الثُريّا استأمَنتْ لجنُودِها / فقد بسَطَتْ للعهدِ كفَّ مُصالح
لناصحِ دينِ اللهِ بَشّر ناظري / تَلاءْ لُؤُ بشْرٍ من مُحَيّاهُ لائح
وناصحُ دينِ اللهِ ما زال قلبُه / بشأنيَ مَعْيناً جَزيلَ المَنائح
ولكن كَفاني الدَّهرَ من قلبِ ناصحٍ / وإن كَثُرَتْ آولاؤه قَلْبُ ناصح
ومَن يك بحراً يَغْمُرُ الأرضَ فَيْضُه / فما عُذره ألا يَجَودَ بسابح
خصوصاً وعن إدارِيَ اختَرْتَ حُسنْهُ / فماذا عليه لو غدا وهْو ما نحى
وفي إثْرِهِ منّي على القُرْبِ والنّوى / ثناءً كأنفاسِ الرّياضِ النّوافح
ومَدْحٌ بَديعٌ والمنائحُ طالما / غدَتْ وهْيَ أثمانٌ لغُرِّ المَدائح
وسائرُ شُكْرٍ يَعْبَقُ الأرضَ نَشْره / إذا سارَ غادٍ منه في إثْرِ رائح
فلِي فرسا فاطْرَحْ ولاعِبْ تَغالُبا / إذالَ على كُثْرٍ إذن من مدائحي
فلو فَرسَيْن اثنَيْنِ عن حاتمِ الندى / تَشفَّع إن لاعْبتُه لِعْبَ طارح
قَمَرْتُ النُّهى عنه ولم يَبْقَ في الورى / بجُودٍ له ذِكْرٌ بعيدُ المَطارح
وما هي بِكْراً من هِباتِك أبتَغِي / فكم لِيَ من مُهْرٍ وهَبْت وقارح
عسى فرسٌ أسِري إلى فارسٍ به / وأنت إذا استُسمِحْتَ أسْمحُ سامح
فتَسمَعُ شُكْري ثَمّ عندَ مُلوكِها / وما شُكْرُ دانٍ مُشْبِهاً شُكْرُ نازح
سأنَشُر في الآفاقِ عنك مدائحاً / مَحاسِنُ قومٍ عندَها كالمقابح
فزلْزالُ أرضِ الحاسِديَن مُجَدَّدٌ / إذا جُدْتَ لي بالعادياتِ الضَوابح
فهَبْ ليَ طِرْفاً يَسبِقُ الطَرْفَ إن جرَى / كإيماضِ إحْدَى البارقاتِ اللّوائح
مُطيعُ هوىً مُجريهِ ليس بناكصٍ / حَرونٍ ولا طاغٍ منَ الخيلِ جامح
كريمٌ من الأفراسِ لا يَدُ سائطٍ / تُعاني له ضَرباً ولا يَدُ كابح
يُهَمْلِجُ مثلَ الماء خَطْواً إذا مشَى / وذو سُنْبُكٍ في الصّخْرِ للنّارِ قادح
أغَرُّ من الدُهْمِ الجِيادِ مُحَجَّلٌ / كلَيْلٍ جَلتْه خَمسةٌ من مَصابح
وأشْهَبُ يُغْني عن حُجولٍ وغُرَّةٍ / غِنَى عُرْفِكَ المعروفِ عنَ مَدْحِ مادح
وأيُّ شيِاتِ الخيلِ حَلْىٌ مُزايَلٌ / إذا ما عدا بَعضُ العتاقِ الصَّحائح
فَصِيّرْ سِواراً في يَساري عِنانَه / أُبادِرْ به قَطْعَ الفلا والصّحاصِح
لأبْرَحَ من أرضٍ سَئِمْتُ إقامتي / بها قبلَ هَبّاتِ الرّياحِ البَوارح
فما لِي إلى نَيْلِ العُلا من وَسيلةٍ / سوى وَطء أجبالٍ ووَطْءِ أباطِح
فيا صَدْرُ بل يا بَحْرُ لا زلْتَ زاخراً / بِحارُ البرايا عندَه كالضّحاضِح
فما كُلّ بَحْرٍ لّلآلِي بلافِظٍ / ولا كُلَّ صَدْرٍ للصُّدورِ بِشارح
لقد عَدَلَ الدّهرُ الذي فيكَ جائرٌ / وعاد لَعْمرِي آسِياً غيرَ جارح
إذا قَسّمتْ حُسّادَ علياك كَفُّه / وأعداؤها بينَ الجَوى والجَوانح
فلا زلتَ ذا قلبٍ من الأنْسِ آهِل / ولا زلْتَ ذا طَرْفٍ من العزِّ طافح
مَدى الدَّهْرِ مَحْسوداً له كُل وامقٍ / وَلِيَ ومَحسْوداً بهِ كلُّ كاشح
وفي ثَوْبِ عُمْرٍ يَسْحَبُ الدّهْرَ ذَيْلَه / من المُلْكِ سَحْباً في عِراصٍ فَسائح
شاقَ الحَمَامُ إليك لمّا ناحا
شاقَ الحَمَامُ إليك لمّا ناحا / صَباً تَذكَّر إلْفَهُ فارتاحا
ليتَ الحَمامَ أتَمَّ لي إحسانه / فأعارني أيضاً إليه جَناحا
يا نازِحاً لم يَنقَطعْ ذِكْرِي له / لو أنّ ذاك يُقربُ النُزّاحا
أَتَظُنُّ أنّي صابِرٌ وجوانحي / مَمْلوءةٌ للبُعْدِ منك جِراحا
شَوقي إليك على البِعادِ قدِ اغتدَى / بَرَحاً لوَ أنّي أستطيعُ بَراحا
قَسَماً لقد كتَم اللّسانُ هواكُمُ / لكنَّ دمعي بالسّرائر باحا
عَزَّ العزاءُ عليَّ لمّا أنْ جَلا / يومَ الرّحيلِ معَ الصّباح صَباحا
وعلى الجيادِ مُعارِضينَ فوارسٌ / فوق الكَوائبِ عارِضينَ رِماحا
لو قاتَلوا بَدَلَ الظُّبَى بلِحاظِها / كانوا إذنْ أمضى الأنامِ سِلاحا
ومُرنَّحُ الأعطافِ تَحسَبُ صُدْغَه / ليلاً وتَحسَبُ خَدَّه مِصْباحا
صَلِفٌ له سلطانُ حُسْنٍ قاهرٌ / يأبَى إذا مَلَك الفَتىإسجاحا
بِتْنا نَدِيمَيْ خَلْوةٍ في عِفّةٍ / مُتَساقِيَيْنِ ولا زجاجةَ راحا
راحاً تَعاطاها السُّقاةُ نفوسَها / منّا ولم تُمْدد إليها راحا
للهِ أحبابٌ تأوَّبَ طَيْفُهم / ليُزيحَ عن عَيني الكرَى فأزاحا
غدَروا ففي الأسماع ما مَلَحوا وإن / سَفَروا فكانوا في العُيونِ مِلاحا
فكأنّما داعٍ دعا فأجَبْتُ ال / لازالَ أفعالُ الحسانِ قِباحا
كم كان من عُسْرٍ ومِن يُسرٍ / فما ألفِيتُ مِجْزاعاً ولا مِفراحا
خاطَبْتُ كلَّ مَعاشرٍ بلُغاتهم / زَمناً مُخاطبةَ الصّدَى مَن صاحا
ومنَعْتُ نفسي قولَ كلِّ بديعةٍ / عِطْفُ الكريم لها يُهَزُّ مِراحا
أضحىَ لعِجْلِ اللُّؤْمِ كُلٌ عابداً / جَهْلاً فألقَى شِعْريَ الألواحا
حتى صدَرْتُ إليك يا صدْرَ الورى / بمَطالبي العُلْيا بك استِنْجاحا
ورأيتُ مَمدوحاً كما رَضِيَ العُلا / فَرضيِتُ أن أُسْمَى له مَدّاحا
تُفْدَى الصدورُ لصدْرِ دَهرٍ لم يَزلْ / طَلِباً إلى فُضَلائه مُرْتاحا
في القُرْبِ مُرتاحاً إذا لاقاهُمُ / وعلى البِعادِ إليهمُ مُلْتاحا
من أصبحَ الإسلامُ وهْو لبيتهِ / ركْنٌ عُلاه أعيَتِ المُساحا
ولمَسْحِه كَفَّ الثريّا عُمْرَها / بَقِيَتْ كذا مَبْسوطةً إلحاحا
أقضَى قُضاةٍ في الممالكِ كُلِّها / مِمَّن غَدا يَبْغي العلا أو راحا
يّقْظانُ صاغَ اللهُ ثاقِبَ فَهْمِه / لُطْفاً لقُفْلِ غُيوبهِ مِفْتاحا
ما قِسْتُ عِلْمَ بني الزّمان بِعِلْمِه / مَن قائِسٌ بغُطامِطٍ ضَحْضاحا
وَرِثَ الأئمَةَ كابراً عن كابرٍ / ولوِرْثِه جَعَلَ العُلا الارجاحا
مَطرَوا هُمُ ومضوا كراماً في الورى / فثَوى غديراً بَعْدَهم طفَّاحا
حسُنتْ وطابَتْ في الورى أخبارُه / وأصَحَّها راوي العُلا إصحاحا
وكأنّ دُرًّا فاه راوى مَدْحِه / لمّا رَوى وكأنّ مِسْكا فاحا
مَلِكٌ سَرى العلماءُ تحت لوائه / فغَدا حريمُ بني الضَّلال مُباحا
قد سَخَّر الأرواحَ خالِقُها له / إن لم يكُنْ قد سَخّر الأرواحا
وإذا أشارَ بعَقْدِ مَوْعدِ مَجْلسٍ / شَوْقاً إليه تُعاوِدُ الأشباحا
أمّا المُلوكُ فلَثْمُ ما هو واطِيءٌ / شَوْقاً إليه يَطْمحَونَ طِماحا
تَمْتارُ من آرائه راياتُهم / نَصْراً مُتاحاً للِعدا مُجْتاحا
ويَروْنَ إن فَسَدَ الزّمانُ وأهلُه / للدين والدّنيا بهِ اسِتصْلاحا
إنّ المعاليَ كُنَّ سَرْحاً رائعاً / ألفاهُ عصْرُك عازِباً فأراحا
وحديثُ مَجْدٍ بالقديم وصَلْتَه / إذ كانَ حُبُّك للزّمانِ لِقاحا
أسلافُنا البيِضُ اليَمانونَ الأُلَى / كانوا وكان نداهم فضَّاحا
وإذا وقوا شح النفوس بمالهم / كانوا بأعراضٍ كَرُمْنَ شِحاحا
وغدَتْ فوارسُ للفوارسِ فيِهمُ / أبداً تُعوَّدُ للصِفاحِ صِفاحا
سَبقوا بنَصْرِ الدينِ دينِ مُحمَّدٍ / حتّى انجَلَى ليلُ الهُدى إصباحا
وشَرعْتَ أنت اليومَ نَصْراً مِثْله / فأزالَ عادِيةَ العِدا وأزاحا
فَعَلتْ فُصولُك فوق فِعْلِ نُصولِهم / لمّا أطارَ جَماجِماً وأطاحا
وأتىَ جِدالُك ما أتَوا بجِلادِهم / حتّى أسالَ دِماءهم وأساحا
ففَداكَ مِن رَيْبِ الحوادثِ حاسدٌ / يغدو إلى ما نِلْتَه طَمّاحا
عاوٍ يَقومُ على أناملِ رِجْلِه / لتنَال منه الكَفُّ نَجْماً لاحا
يَرجو سِواكَ وقد طَلَعْتَ لعَيْنهِ / قَسَماً لقد خُلِقَ الجَهولُ وَقاحا
في جَنْبِ شَمْسِ صُحىً يُقلِّبُ عَيْنَه / أعمىَ لِيَطْلُبَ بالسُّها استِصْباحا
ألسانَ أُمةِ أحمدٍ أنتَ الّذي / أوضَحْتَ مِلّةَ أحمدٍ لَمّاحا
لمّا رأوكَ منَ السّماحِ غمامةً / رَكِبوُا إليك من المَطِيِّ رِياحا
فمتى تَنالُ العَيْنُ منّي قُرّةً / بلِقاءِ شَمْسِ المُلْكِ منكَ كِفاحا
ومتى أُقَرِّطُ دُرَّ لفظِك مِسْمَعي / ويَزيدُ قُرْبُك روحِيَ اسْترواحا
قد كان خُوزِستانُ عُطْلاً عِطْفُها / حتّى كساها اللهُ منكَ وِشاحا
لا تَحقِرَنَّ قَضاءها من خِطَة / نُصْحاً لعَمْرُ أبي عُلاكَ صُراحا
فَهي المُعسْكرُ للمُهلّبِ جَدكم / أيامَ جرَّ جُيوشُه الأرْماحا
فَنفَى الخوارجَ عنْوةً عن أرضِها / نَفْياً أقامَ عليِهمُ النُّوّاحا
فاتْبَعْ كذلكَ في الممالِك إثْرَهُ / تَعْقُبْ فَساداً عَمَّهنّ صَلاحا
لو أرى المُهَّنى في البسيطةِ أمْةٌ / وُلِّيتُها فَتهادَتِ الأفراحا
وتَجِلُّ أنت عن الهَناءِ بمِثْلِها / شَرَفاً لكَ اللهُ الكريم أتاحا
أبكارُ مَدْحي كلّما استأمَرْتُها / تأبَى لكُفْوءٍ غيرِكَ الإنكاحا
فأصِخْ لها من مِدحةٍ حاآتُها / وحياضُ جُودِكَ رَوَّتِ المُدّاحا
أخّرتُ كتُبْي كي أكونَ مُقدّماً / منّي إليك معَ الوفودِ رَداحا
حُبّاً لنَفْسي لا بنفسي أنْ أرى / منّي الغداةَ لها إليك سَراحا
قَدَمِي تَغارُ عليك من قَلَمي إذا / أصلَحْتُه لِكتابةٍ إصلاحا
ولوِ استَطَعْتُ حكَيْتُه وسبَقْتُه / مَغْدىً إليك بمَفْرِقِي ومُراحا
بل لو قَدِرت وقد عَجَزْت عن السرى / لصُروفِ دَهرٍ قد أهَدَّ جِماحا
لَجَعْلت نقطةَ باءِ بسمٍ ناظري / مُتشَوِّقاً لِكتابِيَ اسِتفتاحا
فعسى يَرى إنسانَ عَيْني أوّلاً / قبلَ القراءةِ وَجْهك الوَضّاحا
فأجِبْ جَوابَ مُشرَفٍ عن خِدْمتي / حَسَنِ السّوابقِ لُبسها أوضاحا
وأقَلُّ حَقّي إن طَرقْتُ فِناءكم / وأنخْتُ أنضائي إليه طِلاحا
والخَدُّ لم يّظلْلِه ليلَ شَبيبتي / واليومَ جَلّلَه المَشيبَ صَباحا
فمِنَ البياضِ إلى البياضِ خدمتكُم / خِدماً بها يوماً رجَوْتُ فَلاحا
واليومَ ذاك اليوم فاسْعَ مُبادِراً / نَصْرِي فدَهْرِي في العِنادِ أشاحا
لم يَبْقَ منّي غير سُؤْرِ حَوادثٍ / إن لم تَدَاركْه بِجُودِكَ طاحا
لِمُهَلّبٍ بكُم وأنْصارِ النّبِي / حَقٌ إذا استَوضَحْتَه استيضاحا
يَقْضى على كرمِ العناصرِ منكَ أنْ / تُهْدِي بلا سَعْيٍ إلى جَناحا
فاسَمحْ بمأمولي الذي أنا طالبٌ / يا ابنَ الأُلىَ فضَلُوا المُلوكَ سَماحا
واحْمِلْ تَدلُّلَ آمِيلكَ فقد رأوا / طُرُقَ الرّجاءِ إلى نَداكَ فِساحا
فإليَّ أُهْدِ الإقْتراحَ كرامةً / وإلى فؤادِ الحاسد الأقراحا
أرغِمْ حسوداً فيكَ يُصبحُ بالقِلَي / عُمرَ الزمانِ إناؤه رَشَاحا
لا تُرْعَينْ كلَّ امْرىءٍ مُتَنَصّحٍ / سَمْعَ المُصدِقِّ قولَهُ استِنْصاحا
وزِنِ الوَرى وَزْناً بقِسطاسِ النُّهى / وانْقُدْ رِجالَ الاسْطِناعِ رَجاحا
واقدَحْ زِنادَ الرّأيِ منكَ ولا تَكُنْ / فيما عنَى نَشْرَ الحَيا قَدّاحا
واشْرِ المحامِدَ مُغْلياً أثماَها / فلَتلْكَ أعظَمُ صفَقْةٍ أرباحا
دُمْ للعلا ما جاد صُبْحاً دِيمةٌ / وسرى بلَيْلٍ بارِقٌ وألاحا
واستَنْطَقَ الطّيرَ الرّبيعُ فأصبحَتْ / في شُكْرِه عُجْمُ الطيورِ فِصاحا
ولقد أقولُ لشَمعةٍ نُصِبَتْ لنا
ولقد أقولُ لشَمعةٍ نُصِبَتْ لنا / وسُتورُ جُنحِ اللّيلِ ذاتُ جُنوحِ
أنا مَن يَحِنُّ إلى الأحبّةِ قَلْبُه / ولك البُكاء بدَمْعِكِ المَسفْوح
قالتْ عَجِلْتَ إلى المَلامِ مُسارِعاً / فاسمَعْ بيانَ حَدِيثيَ المَشْروح
أُفرِدْتُ مِن إلْفٍ شَهِيً وَصْلُه / حُلْوِ الجَنَى عَذِبِ المذاقِ صَريح
قد سُلَّ من جِسمْي وكان شَقيقَه / فرجعت عنه بقلبي المقروح
ها أنت تفقد من حكاه برقَّة / وبرِيقه وأراكَ في تَبْريح
وأنا لهُ ولقد فَقدْتُ بعَيْنهِ / أفليس بُخْلُ مدَامعي بقَبيح
بالنّارِ فَرّقتِ الحوادثُ بيننا / وبها نذَرْتُ أعودُ أقتُلُ روحي
أعطيتُ عِنانَ قَلْبيَ المَجروحِ
أعطيتُ عِنانَ قَلْبيَ المَجروحِ / حَوْراءَ لحاظُها بقَتْلي تُوحي
لم أسْخُ رِضاً بقَلْبيَ المَقْروحِ / لكنّيَ فادَيْتُ بقَلْبيَ رُوحي
طَرِبتُ لإلمامِ الخيالِ المُعاوِدِ
طَرِبتُ لإلمامِ الخيالِ المُعاوِدِ / ومَسْراهُ في جُنحٍ من اللّيلِ راكِدِ
وضجْعةِ صحبي بالفلاةِ وما لَهم / بها غيرَ أيدي العيسِ مُلقَى وَسائد
ونَومي إلى جَنبِ المطيّة في الدجى / ولَفّي بها فَضْلَ الزِّمامِ بساعدي
وزَوْرة ذاتِ الخالِ من غيرِ مَوْعدٍ / فيا حُسْنَها لو أنّني غيرُ هاجد
وما زلتُ إما واجداً غيرَ طالبٍ / لليلَى وإمّا طالباً غيرَ واجد
فلا يُبعِدِ اللهُ الخيالَ فإنه / من الجِيرةِ الغادينَ أدنَى المَعاهد
وما زال بي من طارقِ الشّوقِ عائدٌ / على ذِكْرِ عَهْدٍ مَرَّ لي غيرِ عائد
ومستَرقٍ من وَصْلِ أغيدَ فاتنٍ / مَحاسنُه رَوْضي وعيناي رائدي
تَغطّيت منه تحت قَطْرِ مَدامِعي / تَغَطِّيَ سِلْكٍ تحت نظْمِ الفرائد
فلم يَعتنِقني من هوىً غيرَ أنّه / تَوهَّمَ أنّ الصَبَّ بعضُ القلائد
تَمتّعتُما يا ناظِرَيَ بنظرةٍ / وأوردْتُما قلبي أمَرَّ المَوارد
أعَينَيَّ كُفا عن فؤادي فإنّه / من البَغْيِ سَعْيُ اثنينِ في قَتْلِ واحد
كأني نَصْبتُ العينَ منّي حِبالةً / ليغدو بها سِرْبُ الظباء صَوائدي
ومَن لم يُقلِّبْ في الورى طَرْفَ ناقدٍ / يَصِرْ بالأداني نَصْبَ كَيْدِ الأباعد
ولمّا بَلوْتُ النّاسَ أطلُبُ منهمُ / أخا ثقةٍ عندَ اعتراضِ الشَّدائد
تَطلّعْتُ في يَوْمَيْ رخاءٍ وشِدَّةٍ / ونادَيتُ في الأحياءِ هل مِن مُساعد
فلم أرَ فيما ساءني غيرَ شامتٍ / ولم أرَ فيما سَرَّني غيرَ حاسد
فطَلّقْتُ وُدَّ العالمين جميعِهم / ورُحْتُ فلا أُلوي على غيرِ واحد
وعُدْتُ إلى نَفْسٍ من الغزِّ مُرّةٍ / وصَبرٍ على الأيّامِ بالنُّجْحِ واعد
وقَصْرٍ يُسامي النّجْمَ مَن بات فوقه / على أنّه لم تَبْنهِ كفُّ شائد
من السّابقاتِ الرّيحَ عَفْواً إذا غدَتْ / ضَوامِنَ تَقْريبِ المَدى المُتَباعد
فما زال إمضائي عليها عزائمي / لأُنجزَ عندَ المجدِ إحدى المَواعد
إلى أن أعَرْنا مَسقِطَ النَّجمِ طَرْفَها / وقد سامتَتْ في السّيرِ ضوءَ الفَراقد
وقالوا مُناخُ الرَّكْبِ بَغْدادُ غُدوةً / وقودُ المطايا طائشاتُ المَقاود
فما بَرِحتْ منّا مباسمُ واجد / تُقَبِّلُ من شوقٍ مَناسمَ واخد
وقَلَّ من العِقيانِ صَوْغُ أساورٍ / لأيدي مَطي للعراقِ قَواصد
يزرن من الزّوراء بيتَ مكارمٍ / تَولّى له ذو العَرشِ رَفْعَ القواعد
مَواقِفُ خُطّتْ للهدى نَبويّةٌ / لأبيضَ من بيتِ النُّبوةِ ماجد
إذا خَرجَتْ منها المواسمُ صَوّرتْ / ثَرى الأرضِ آثارُ الوجوهِ السواجد
وإنْ أمّهُ الوُفّادُ ألقَوا رِحالَهم / إلى خيرِ مَوفودٍ عليه لوافد
إمامٌ له في بُعْدِه عن عُيونِنا / دُنُوٌّ إلى إسعافِنا بالمقاصد
كعِلْمِك أنّ اللهَ للخَلْقِ شاهدٌ / جلالاً وما خَلْقٌ له بمُشاهد
خليفةُ صِدْقٍ لا يُسِرُّ خلافه / سوى خائنٍ عن شِرعةِ الدّين حائد
ومُستَظْهرٌ باللهِ في نَصرِ دينهِ / مُظاهِرُ درْعَيْ نَجْدةٍ ومَحامد
من الآخِرين السّابقينَ إلى العُلا / إذا الفضلُ أبدَى عن مَسودٍ وسائد
ليهْنِك يا أعلى بني الدّهرِ منصباً / تَوقُّلُ جَدّ في ذرا المجدِ صاعد
وإجلالُ مُلْكٍ في فِناء نُبُوَّةٍ / فأكرِمْ بمَورودٍ عليه ووارد
ولم يَقْترِنْ سَعْدانِ أسعدُ منهما / لدينٍ ولا دُنيا على عَهْدِ عاهد
فلّلهِ عَيْنا مَنْ رأى الوفدَ طالعاً / معَ السّعدِ يبدو للعيونِ الرَواصد
وللهِ سِرٌ فيه آثَرَ سَيْرَهُ / إلى حافظٍ عن حَوْزَةِ اللهِ ذائد
سَرَى في جنودٍ للملائِكِ حَوْلَهُ / وأُخْرَى حُشودٍ من ملوكٍ أماجدِ
وقد رَشَّت الأرضَ الغمامُ لخيلهِ / معَ الصبح إكراماً لتلك المَشاهد
ألم تَر كيف اختالَتِ الأرضُ عِزّةً / بما قد بدا من حُسنِها المُتَزايد
وزُرَّ عليها الوَشْيُ حتّى كأنّها / وقد جُلِيَتْ إحدى الحسانِ الخرائد
وفي الجوِّ غاب بالأسنّةِ شابِكٌ / على أنّهُ يُؤْوي أُسودَ المَطارد
وأحْرَمَ بيضُ الهندِ إحرامَ مُحصَرٍ / بأيدي كماةٍ غيرَ أن لم تُجالد
فأقْسم لو لم تَلتزِمْ بدَمِ العِدا / لها فديةً ما طاوعَتْ كفَّ غامد
أيا كالىءَ الدّنيا معَ الدّينِ راصداً / كذي لِبَدٍ في مُلتقَى السُّبلِ لابد
ومَن رِفْدُه وَقْفٌ على كُلّ طالبٍ / ومَن حُبُّه فرضٌ على كُلّ عابد
فليس بمَقْبولدَى اللهِ دونَه / صلاةُ مُصَلٍ أو جهادُ مُجاهد
تَطلّع داءٌ من نفاقٍ لحاسم / وأينعَ هامٌ من أُناسٍ لحاصد
فثُرْ ثورةً للهِ معتَصِميّةً / لإطفاء نارَيْ مُجلِبٍ ومُكايد
عسى يَجْمَعُ الفتحَيْنِ عَصْرُك آنفاً / كما جُمِعا قِدْماً برَغْمِ المُعاند
فجَدّكَ في كسْرِ العدا غيرُ عاثرٍ / وزَنْدُك في نَصْرِ الهدى غير صالد
وخيْلُك في شَرْقِ البلادِ وغربِها / قلائدُ أعناق الحصونِ المَوارد
يَخُضْنَ الوغَى شُهْباً من البيضِ وَحْدَها / ويَخْرجْنَ شُقراً بالدماء الجَواسد
شَهِدتُ لقد أحسنْتَ في رَعْي أُمّةٍ / لها منك طَرْفٌ دونَها غَيرُ راقد
فلا سَدَّدَ الأيامُ نَحوَك سَهْمَها / ولا رَمَتِ الأعداءَ إلا بصارد
علَوتَ الورى طُرّاً فلن بناقصٍ / مَحلُّك من شَيءٍ وليس بزائد
سوى أنّنا نُهدِي التهاني لأنّها / وإن قَصَّرتْ تُعرِبْنَ عن وُسْعِ جاهد
أيا مَن غدَتْ حُجْبُ الجلالةِ دُونَه / فنائله منّا خُلُوص العقائد
مغَانيك طَوْفُ القاصِدين بها كما / مَعانيك فيها الدَّهرَ طَوفُ القصائد
وإن طالَ بي عن كعبةِ المدحِ غَيبةٌ / فهذا أوانُ السّائراتِ الشَّوارد
يُقَرّطُ منها مَعْشَرٌ بجَواهر / ويُكْعَمُ منها مَعشَرٌ بجَلامد
وللعبدِ إرْثٌ من قديمِ وَلائه / غدا شافعاً منه طَريفاً بتالد
وحَدُّ لسانٍ في أعاديك وَقْعُه / يزيد على سَيفِ الكَميِّ المُجالد
فإن شُرِّفَ العبْدُ اصطِناعاً فسنَّةٌ / لأهْلِ الوغَى حَلْيُ السّيوفِ الحَدائد
وما طَلَبي إلا القبولُ وإنما / أُريد عليه واضحاتِ شَواهد
بَثثْتَ أمير المؤمنين صنائعاً / قليلٌ لها منّي كثير المَحامد
فدُمْ للورى يا خيرَ مَن وَلِيَ الورى / وجادتْ يداه بالبوادي العوائد
فَمن جَعل الدّنيا بمُلكِك جَنّةً / حقيقٌ بأن يعطيكَ عيشةَ خالد
كأنّك بالأحبابِ قد جَدَّدوا العَهْدا
كأنّك بالأحبابِ قد جَدَّدوا العَهْدا / وأنجزَتِ الأيام من وَصْلِهم وَعْدا
وعادوا إلى ما عَوّدُونا فأصبَحوا / وقد أنعمَتْ نُعْمٌ وقد أسعَدتْ سُعْدى
أمانِيَ لا تُدنِي نوى غيرَ أنها / تُعللُ منا أنفُساً مُلئتْ وَجدا
وجَمرةُ شَوقٍ كلما لام لائمٌ / ورَدَّد من أنفاسِه زادَها وَقدا
أحِنُ إلى ليلَى على قُرْبِ دارِها / حَنينَ الذي يَشكو لأُلاَّفِه بُعدا
ولي سِلْكُ جسم ماؤه درّ أدمُع / فلولا العدا أمسَيْتُ في جِيدِها عِقدا
أكتِّمُ جَهْدي حُبَّها وهو قاتلي / وكامن نارِ الزَنْد لا يُحرِق الزّندا
هلالِية قوماً وبُعْدَ منازلٍ / فهل من سناً منها إلى مقلةٍ يُهْدَى
غزاليّةٌ للناظِرينَ إذا بدَتْ / إن انتقبَتْ عيْناً وإنْ سفَرتْ خدّا
إذا زُرْتُها جَرَّ الرماحَ فَوارسٌ / لتَقْصيدها فيمَنْ يُريغ لها قَصدا
وحالُوا بأطرفِ القنا دونَ ثَغْرها / كما ثار يَحْمِي النَّحْلُ بالإبَرِ الشهدا
وآخِرُ عَهْدي يومَ جَرَعاء مالك / بمُنْعَرَجِ الوادي وأظعانُهم تُحْدى
ولمّا دَنتْ والسِتْرُ مُرخىً ودونَها / غَيارَى غدَتْ تَغْلِي صدورُهُم حِقدا
تَقدَّمْتُ أبِغي أن أبيعَ بنظرةٍ / إلى سِجْفها روحي لقد رَخُصَتْ جِدّا
أسِفْتُ على ماضي عهودِ أحبَّتي / وهل يَملِكُ المَحزونُ للفائتِ الرَدَا
أبَوا أن يَبيتَ الصَّبُ إلا مُعذَّباً / إذا بَعُدُوا شوقاً وإن قَربُوا صَدا
متى وَرَدوا بي مَنْهلا من وِصالهم / قضَى هَجْرُهم أن يسبق الصدر الوردا
فكم حاد بي أن لم أنل منهم مُنى / وكم عاد بي أن لم أجِدْ منهمُ بُدّا
وما قاتِلي إلا لواحظُ شادنٍ / منَ الرّاعياتِ القلبَ لا البانَ والرَّندا
لغَيري رمَى بالطَّرف لكن أصابَني / ولا قَوَدٌ في الحُبِ ما لم يكنْ عَمدا
عَجِبتُ لليَلى وهي جِدّ فَروقةٍ / وقد صرَعَتْ يومَ النَّقا فارساً نَجْدا
كأنّ مَعاجَ العيسِ من بطنِ وَجْرةٍ / وقد طَفِقتْ تَصطادُ غِزلانُه الأُسدا
أظَلَّتْه أيّامُ الإمامِ بعَدلِه / فلم يَخْشَ ريمٌ أحورٌ أسَداً وَرْدا
إمامٌ رعَى للهِ أمرَ عبادِه / فعاش الورى في مُلْكِه عيشةً رَغْدا
بحَقٍ إليه اللهُ ألقَى أمورَنا / وللهُ أوْفَى ناقدٍ للورى نَقدا
فقد زَيَّن الدّنيا بآثارِ كَفِّه / سَماحاً وخلاها لأبنائها زُهدا
يُؤَرِّقُه خوفٌ عليهم ليأمَنوا / إذا الدّهرُ أزجَى نحوَهم حادِثاً إدّا
قلوبُ العِدا منه حِذاراً كقلْبِه / علينا وعَيْناهُ كأعيُنهم سهدا
إذا ما الهمومُ المُسهِرات طَرقْنَه / ضُيوفاً قرَاها جَمْعُهُ الجِدّ والجَدّا
وكالصُّبحِ مُبْيْضاً له الرَّأيُ يُنتضَى / إذا ما أظَلَّ الخَطْبُ كاللّيلِ مُسوّدا
بمُستَرشدٍ باللهش مُستَخلَفٍ له / مليكٍ يُريكَ اللهُ طاعتَه رُشْدا
يحولُ حجابُ العِزِّ دون لقائه / وإن كان لا يُعْيِي على طالبٍ رِفدا
وتَنْهَى العُيونَ الشَّمس عنها إذا اعتلتْ / بُهوراً وإن كانتْ بأنوارِها تُهْدى
فدُمْ للعُلا يا خيرَ من مطرَ الورى / نوالاً فلم نَعْرِفْ له في النّدى نِدّا
ورِثْتَ الذي قد ضمَّه البُرْدُ من تُقىً / ومِن كرمٍ من قبلِ أن تَرِثَ البُردا
ووُلِّيتَ من مُلْكِ القضيبِ شَبيه ما / تَولاّه مَنْ كان المُشيرُ به مَجدا
وما هو إلا أمْرُ أُمَتهِ الّذي / إليك انتهَى إذ كنتَ من بَينها الفَردا
سَرائرُ للهِ انطَوتْ في أمائرٍ / أُولوُ العِلْمِ قد كانوا إلى فَهْمِها أهدى
إذا لمَحتْها فِطْنةٌ عربيّةٌ / غدَتْ ألسُناً عند الحِجاجِ لكم لُدا
ألم ترَ أنَّ ابنَيْ نِزارٍ تَملَّكا / له القُبّةَ الحمراءَ والفَرَسَ النَهدا
فكان لهذا بالسيادةِ حجّةً / وهذا يَقودُ الخيلَ نحوَ الوغَى جُردا
دليلانِ كلُّ منهما بُوضوحِه / لكَ اللهُ رب العرشِ أهْدَى الّذي أهدى
نُحِبك لا حُبّ اعتيادٍ وإنّما / بِذاك علينا اللهُ قد أخَذ العَهدا
وما إن نَرى أجْراً على اللهِ واجباً / لمسْعَى رسولِ اللهِ إلا لك الودّا
بِكمُ آل عبّاسٍ يُعاذ ومنكمُ / يُعادُ لنا جَزْلُ العطاء كما يُبْدا
وأنتم شفَعْتُم للحَيا عند حَبْسِه / فأطْلقْتُموه حائزِين له حَمْدا
فهل غَيرُكم من آلِ بيتِ مكارمٍ / إذا افتخَروا كان الغَمامُ لهم عَبدا
لَكُم سَنَّ في الأرضِ الخلافة آدمٌ / ومِن أجلِكم لم يَأْسَ إذ فارق الخُلدا
وفي ظَهْرِ إبراهيمَ كانتْ خَبيئةً / أكفُّكم حتّى غَدتْ نارهُ بَردا
ولولا الّذي أصبَحتُم خلفاءَهُ / لما كان في كَونٍ مَعادٌ ولا مَبْدا
فلَمْ تُخلَفوا حتّى غدا وغَدوتُمُ / قَسيمَيْ عُلا عُدّا لِدينِ الهدى عَدّا
وأنت لدينِ الحقِّ غايتُه التي / تَناهَتْ فما عنها لذِي نُهيةٍ مَعْدى
تركْتَ بني الإلحادِ في كُلِّ مَوطنٍ / وقد هّدَّ سيفُ اللهِ بُنيانَهم هَدّا
هُمُ خَلَطوا الإسلامَ بالكُفْر خَلْطةً / فَصيّرتَ حّدَّ السيفِ بينهم الحَدّا
إذا الكفُّ أبدتْ باغتصابٍ إشارةً / إلى حَقِّك المَوروثِ لم تَصْحبِ الزَندا
إذا رأسُ طاغٍ مال عنك جَهالةً / أبَى حَيْنُه إلا القناةَ له قَدا
وما ارتَدَّ مُنْحازٌ فَرُدَّ بذِلّةٍ / إلا الدّينِ إلاّ سُرعةَ النَّفَسِ ارْتَدا
بَقيتَ لدهرٍ لم تَدَعْ أهلَه سُدىً / ودينٍ جَعْلتَ السّيفَ من دُونهِ سُدّا
إليك أميرَ المؤمنين سَرتْ بنا / ركائبُ أدنَتْ من مَواقِفك الوَفدا
لطَمْنَ بأيديهِنَّ خَدّاً من الفلا / على عَجَلٍ حتّى تَرَكنَ به خَدّا
وقد وفَدَ العبدُ القديمُ وَلاؤه / لِيُتْبعَ طُرْفاً من مَدائحِكم تُلدا
وما الشِعرُ قاضٍ واجباً من حُقوقِكم / لديَّ ولكنْ من مُقِل غدا جُهدا
ولولا مَناهِي دينِ جُودٍ شَرعْتَه / عَممْتُ بناتِ الفكْرِ من أنَفٍ وأدا
فِدىً لك نَفْسي في العبيد من الردى / فمِثْليَ مَن يَفْدِي ومثْلُك مَن يُفدى
بَقاءَك أرجو اللهَ ربّي وظِلَّه / على الخَلْقِ طُرّاً أن يَمُدَّهما مَدّا
تَصومُ على يُمنٍ وتُفْطِرُ دائماً / وتَطلعُ في أفْقٍ العُلا أبداً سَعدا
وتَبْقى إلى أن تُبْلِيَ الدَّهرَ خالداً / ولا شَرفٌ للسيفِ أن يُبْلِه الغِمدا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025