القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : التِّهامي الكل
المجموع : 105
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها / وَأَيَّة شَمسٍ يَستَقرُّ قَرارَها
أَعارَتك سَقم الجفن وَالجفن ضامِن / مَحاسِن أُخرى جَمَّة ما يُعارها
يمقلتها يَقضي غِرارٌ مِنَ الكَرى / وَما يٌقطَعُ الأَسياف إِلّا غِرارها
إِذا نَزَلتَ أَرضاً أَضاءَت بِوَجهِها / فَسيّانَ مِنها لَيلُها وَنَهارُها
كَواكِب لَكِنَّ الحدوج بروجها / بُدورٌ وَلَكِنَّ الخُدور سِرارُها
تَأَلَّقُ مِن تَحتِ النِقاب كَأَنَّما / يلاث عَلى شَمس النَهار خِمارُها
يَضُمُّ قَضيباً مِن أَراكٍ وِشاحِها / وَيَضمَن دِعصاً مِن زَرودٍ إِزارُها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياء وَإِشراقاً فَكَيفَ انسفارها
فَلا تعذلا في حُبِّها إِنَّ حُبَّها / سلافة خَمرٍ وَالحَنين خُمارُها
جَرَحتُ بِلَحظي خَدِّها فَتَعَمَّدَت / فُؤادي فأصمَته وَذاكَ انتِصارُها
فَدَعها وَقَتلي إِنَّها مِن قَبيلَةٍ / إِذا وَتَرَت لَم يُمطِل الدَهر ثارُها
إِذا نَزَلَ الأَضياف كاسَت عَقيرها / وَدارَت بِلا ذَنب كؤوس عُقارُها
بَكيتُ فَحَنَّت ناقَتي فَأَجابَها / صَهيل جوادي حينَ لاحَت دِيارُها
خططنا بأطراف الأَسِنَّةِ أَرضها / فأهدَت إِلَينا مِسك دارين دارُها
وَلاحَت ثَنايا الأُقحوانِ وَلَو رأت / ثَنايا الَّذي أَهواه طال استِتارُها
وَإِنّي وَإِن عاصيت في بيشة الهَوى / ليعجبني غُزلانها وَصوارُها
وَيعجبني جثجاثُها وَعَرارُها / وَحنوتُها أَو شيحُها وَبهارُها
أَرى الحُبَّ ناراً في القُلوبِ وَإِنَّما / يصعِّد أَنفاس المحب شرارُها
تَوَقَّ عُيون الغانِيات فَإِنَّها / سُيوف وَأَشفار الجُفون شِفارُها
نفرن وَقَد عاينَّ شَخصيَ وَالمَها / إِذا أَبصرت لَيثاً تَمادى نِفارها
بِنَفسي طيف جاد وَهناً بِمَوعِدٍ / غُرور وَقَد خاضَ الجُفونَ غِرارُها
أَلَمَّ وَرَحلي في فِناءينِ أَخصَبا / بِحَيث غُصونِ المَجدِ تَجنى ثِمارُها
وَهَل للمنى إِلّا أَبو الفَضلِ كعبة / يَكونُ إِلَيهِ حَجُّها واِعتِمارُها
تَخَيَّرتُهُ إِن الكِرام مَناهِلٌ / وَما يَستَوي غُدرانها وَبِحارُها
فَقَبَّلتُ إِذ عاينته خُفَّ ناقَةٍ / حباني بِهِ تهجيرها وابتِكارها
تعرَّق رَحلي ظَهرِها فَكَأَنَّما / تَضَمَّن مِنهُ ذا الفِقارِ فِقارها
وَزنَّاه بِالدُنيا فَزادَ وَإِنَّما / يُبَيِّنُ أَقدار الرِجال اختِبارُها
وَما يَعرف الإِنسان إِلّا بِغَيرِهِ / وَما فضلت يُمناك لَولا يَسارُها
أَقَلَّت ثراه همة يَمنيَّة / إِذا زارَت العيوق طالَ انحِدارها
لَهُ ماءَ وَجهٍ مُخبِرٍ عَن مَضائِهِ / وَرَونَق ماء الماضِيات غِرارُها
يَخاف عَداه سيفه وَلِسانِهِ / وَيُرهِب أَنياب الليوث وزارُها
صِلاتُ يَدَيه كالصَلاة فَتَركُها / ذنوب لَدَيهِ ما يُرجّى اغتِفارُها
سَجيَّة نَفسٍ بَينَ جَنبيه حُرَّة / تُباحُ أَياديها وبحمى ذمارِها
تَرى جودها بُخلاً بدون حَياتِها / فَيأتيكَ مِنها نَيلُها واِعتِذارُها
وَلو جَرَّ نَفعاً دفعه النَفس لَم يَكُن / عَلى مالِها دونَ الحياةِ اقتِصارُها
وَيُنجِز نعماه فَتَصفو وَرُبَّما / يُكَدِّر نُعماءَ الجَواد انتِظارُها
وَيحقر ما يُبدي فيعظم قدره / إِلّا إِنَّ تَعظيم الأَيادي احتِقارُها
وَإِن عَرَّسَت أَسيافه في معرسٍ / مِنَ الحَربِ أَمسَت وَالرؤوس نِثارُها
حَكى دَعفَلاً في بأسِهِ وَنَواله / كَما يَتبَع الخيل الجِياد مهارها
إِذا طالَت الآجال في حومَة الوَغى / فَفي شَفرَتي ما يَنتضيه اختِصارها
وَإِن عدلت عَنه العلى نَحوَ غَيرِهِ / وَحاشاه أَلجاها إِلَيهِ اضطِرارُها
يَحوز المَنايا وَالمنى مِنه أَنمِلٌ / طِوال القَنا تَزهى بِها وَقِصارُها
حَمَّيته أَسر بِهِ يثبت الوَغى / وَإِقدامه قطب عليه مَدارُها
وَيَرضاه ضَحضاح المَنيَّة خائِضاً / وَيَشكوهُ في بحر الثَناءِ غِمارُها
وَمَعرَكَة لِلنَّقعِ وَالطَير فَوقَها / سَحائِب لَكِنَّ النَجيع قِطارُها
سَماءٌ نعال الخيل فيها أَهِلَّة / وَلَكِنَّها لا تَستَدير صِغارُها
وَقَد أَلبس الفرسان مِن دكن نَسجِهِ / غَلائِل مِن فوق الدُروعِ غُبارُها
حَلَفتَ بِصدر الرُمح في صَدرِ كَبشِها / فَما مَيَّزَ الأَفواهَ عَنهُ خُوارُها
فَغَصَّت بِصَدرِ الرُمح ثغرة نَحرِهِ / كَما غَصَّ يَوماً بِالذِراعِ سِوارُها
وَضَمَّ الدَم المَسفوح أَرجاء درعه / كَما ضَمَّ أَرجاء السَفينَة قارُها
يَرُدُّ سِنان الرُمح مقلة أَزرَقٍ / بِها رَمَدٌ يَشتَد مِنهُ احمِرارُها
فَدتك رِجالٌ تحذر الفقر في النَدى / وَفي البُخلِ فَقرٌ لَيسَ مِنهُ حِذارُها
شَهِدنا لطيٍّ أَنَّهُ خَير عُصبَة / وَصَحَّ لَنا أَن الأَمير خيارُها
وَلَم أَرَ أُسدا غَيرَ آلُ مُفَرِّجِ / تَرَجّى عَطاياها وَيؤمِن زارُها
إِذا أَبرَمَت أَمراً فَلِلجودِ أَمرها / وَإِن هيَ لَم تُبرَم فَفيهِ اشتوارُها
جِبالُ حَلومٍ أَثقَلَ الحلم سَمعها / عَن اللَغوِ حَتّى قيلَ وقَرٌ وَقارُها
وَمِن شأنها إِسرافها في عَطائِها / فَإِن قيلَ ذا عارٌ فَذَلِكَ عارُها
غَدا بِنجوم السَعد مِن شدَّ رَحله / إِلَيكَ وَإِن باتَت وَشَطَّ مَزارُها
وَأحمد في مَدحيك وَالمَدح حلية / صياغتها منّي وَمِنكَ نُضارها
وَقَد يَمدَح الناس النُجومَ لِضوئِها / وَإِن كانَ مِن شَمس النَهار امتيارها
معين النَدى عالي المَدى وآكف الجَدا / مَريق الدِما وَالحَرب تسعر نارُها
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً / لَمّا دَعاهُ مُنادي الشَوق وَلا وزَرا
قَد كانَ يَكذِب أَخبار النَوى أَبَداً / فالآن صَدَّق خَبَر الرِحلَة الخَبَرا
كَم عاهَدَ الدَمع لا يُغري بجريت / هِ الواشي فَلَمّا استَقَلَّت ظَعنَهُم غَدرا
وَلِلمُحِبِّ شَهيد غير مكتتمٍ / مِن مقلتيه أَسَرَّ الحُبَّ أَو جَهرا
وَفي الهَوادِجِ ريم لَو عصرت ضَحىً / ماء النُضارَةِ مِن خَدَّيهِ لا نعصرا
هَيفاء فاتِرَة الأَلحاظ مُقلَتِها / وَأقتُل اللَحظ للعشاق ما فَتَرا
إِن كُنتَ مِمَّن لَهُ في نَفسِهِ أَربٌ / فامنَع جُفونك يَوم المَوقف النَظَرا
مَرَّت بِنافيه أَعرابيَّة فتنت / بِالحُسنِ مَن حَجَّ بيت اللَهِ وَاِعتَمَرا
تَرمي الحَجيج فَتصميهم وَيرشقها / راميهمُ فَيولّي سَهمَه هَدرا
تَرمي الجِمارَ فَتُذكي في قُلوبِهِم / جَمراً تَكون لَهُ أَنفاسهم شَررا
رَمَتكَ واِستَتَرَت في خَدرِها وَكَذا / القَنّاص إِن رامَ رَميَ الأبدِ اِستَتَرا
فَرُبَّ صبٍّ تَمَنّى أَنَّهُ حَجر / في البَيتِ حينَ أَكَبَّت تَلثم الحَجرا
إِنَّ الحِجاز سَقاها اللَهُ غادِيَة / أَرض مولدة في الأَعيُن الحَورا
سَل اللَياليَ هَل أَعطى القِياد وَهَل / جَرَّدن مِنّيَ الأَصارِما ذَكَرا
عَضباً يَزينك بَينَ القَومِ مَلبَسِهِ / وَإِن ضربت بِهِ في معرك بَترا
كُن مِثلِ دَهرِكَ إِن حارَبتَهُ أَبَداً / إِن يَستَقِم فاستَقِم واعثُر إِذا عَثَرا
وَإِن صَفا لَكَ لَون الدهر فاصفِ لَهُ / وَإِن تلوَّن أَلواناً فَكُن نَمِرا
واجعَل أَبا طاهِر مِن كُلِّ نائِبَةٍ / جاراً تَجِدهُ مِنَ الأَيام مُنتَصِرا
لا تَطلُبِ الجودَ إِلّا مِن أَنامِلِهِ / وَكَيفَ يُطلَبُ بَعدَ الرؤيَة الأَثَرا
أَغر لو لمست كَفّاه جَلمدة / صَلداً لأنبع في أَقطارِها نَهَرا
تعودت كفّه بَذل النَوال فَلَو / أَرادَ تَحويلها عَن ذاكَ ما قَدِرا
فَقَد وصلت بآمالي إِلى مَلِكٍ / تَعنو المُلوك لَهُ فَضلاً عَن الأَمرا
لأَنَّ راحَتَهُ بَحرٌ فَلَيسَ لَها / رَدٌّ ومن ذا يَرُدُّ البَحر إِن زَجَرا
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ صافٍ موارِده / والبحر تَلقى لديه الصَفوَ وَالكَدَرا
لا تُنكرَنَّ نفيساً مِن مَواهِبهِ / فالبَحر مِن شأنِهِ أَن يَلفُظَ الدُرَرا
ينبيك عَن جود كفَّيه تبَسُّمه / وَالبَرق عادَته أَن يَقدُم المَطَرا
قَد وافَقَ الفلك الدَوّار بغيته / وَحالَف النَصر وَالتأييد وَالظَفرا
لَو لَم يَفِد سفري ذا غير رؤيَته / لَكُنتُ أَربحَ مِن فَوقَ الثَرى سَفَرا
تَعنو لأبلَجَ طلق فَوقَ غُرَّتِهِ / تاج مِنَ النور يَعلوهُ إِذا سَفَرا
إِذا تَبَدّى نَهاراً خلت غُرَّتُهُ / شَمساً وَإِن لاحَ لَيلاً خلته قَمَرا
مَلكٌ إِذا عِشتُ مختَصّاً بَحَضرتِهِ / يَوماً عدلتُ بِهِ مِن عيشَتي عُمُرا
جيوشه زمراً غاراته ظفراً / أَنضارِهِ غرراً أَتباعه أَمرا
تعدي السُيوف بِيُمناهُ صَرامته / فَلو أَشارَ بِنابي الشَفرَتين برا
تلقى الكَهام إِذا ما كانَ حامِلَهُ / صِمصامَةً ذكراً صِمصامَةٌ ذكرا
قَد زادَ شِعريَ حسناً أَنَّني رَجُل / نظمت من وصفه في الشعر ما نُثِرا
فَكانَ شِعريَ سلكاً في فَضائِلِهِ / نطمتُهُنَّ وَكانَت فَوقه دُرَرا
يَجُلُّ جواداً سِواهُ عِندَنا فَإِذا / قِسنا بِهِ شُعبَةً مِن جودِهِ قَصرا
إِذا غَدا المدح في وَصفِ امرىءٍ غُرَراً / غَدَت مَناقِبُهُ في مَدحِهِ غُرَرا
قَد جَلَّ جودك قَدراً بَل عَلا شَرَفاً / مِن أَن تُقاسَ إِلى الأَشباه وَالنُظرا
أَقَلُّ قدرك أَن تدعى الأَميرُ كَما / أَقَلُّ قَدريَ أَن أَدعى مِن الشُعَرا
فليهن دجلة إِنَّ البحر جاورها / وَليَسحَبِ القصر ذيلَ التيه إِن قدرا
فالقَصر قَد حاطَه بَحران دجلته / بَحرٌ وَكَفَّكَ بَحر يَقذِف الدُرَرا
إِن كُنتَ أَشرَعتَ باباً أَو فَتَحتَ فَكَم / فَتَحتَ في المَجدِ باباً يُدهِشُ البَشرا
وَغير مُستَنكِر ذا في علاك وَلَو / كانَ المَساميرُ مِنهُ أَنجماً زهرا
فَأسعَد بِهِ فَلَو أَنَّ الدَهر أَنصَفَهُ / لَأُلبِسَت حافَتاهُ الشَمس وَالقَمَرا
لَو أَنَّ ذا العَرشِ لَم يَختِم نُبوَّتِهِ / حَتماً لأَنزَلَ في تَفضيلك السُوَرا
قَضى الإِلَهُ لَكَ الحُسنى وَقَدَّرَها / ومن يَردُّ قَضاء اللَهِ وَالقَدَرا
كَم جُبتُ نَحو عُبيد اللَه مِن بَلَدٍ / لَولاهُ لَم أَعتَسِفهُ طالَ أَم قَصُرا
وَلَم تَكُن آمِدٌ وَاللَهُ يَحرُسُها / داري وَلَم تَكُ خَيلي تألَف الحَضَرا
وَكَم تَعَسَّفت في قَصديه مِن خَطَرٍ / لا يبلغ المَجدَ مَن لا يَركَبُ الخَطَرا
لَو أَنَّهُ جاد بِالدُنيا بأَجمَعِها / لسائل لاستَحى مِن ذاكَ واِعتَذَرا
وَمَن يَكُن مثله في بَعدِ هِمَّتِهِ / يَرى العَظيم مِنَ الأَشياءِ مُحتَقَرا
نَفديهِ ما أَشرَقَت شَمسُ النَهارِ ضُحىً / وَجَنَّ لَيلٌ وَلاحَ الصُبحُ فاِنفَجَرا
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ / وَتِلكَ غوانٍ بَينها أَم جآذِرُ
بدور دهاهن الفِراق فَجاءَة / وَقَد يَفجأ الإِنسان ما لا يُحاذِرُ
تَهيم بِبَدرٍ وَالتَنَقل وَالنَوى / عَلى البَدرِ مَحتوم فَهلأ أَنتَ صابِرُ
لَهُ من سَنا الفَجر المورَّدِ غرَةٌ / وَمن حَلَكِ اللَيلِ البَهيمِ غَدائِرُ
أَلَم تَرَ خَيلي وَالنُجومُ كَأَنَّها / عَلى غَسَقِ اللَيل النُجوم الحَوائِرُ
فثرنَ إِليَّ مِثلَ ما ثارَ لِلهُدى / وَدولته داع إِلَيهِ وَناصِرُ
يَنالُ مِنَ الأَعداءِ خَوف أَبي النَدى / وَهيبته ما لا تَنالُ العَشائِرُ
إِذا ما تَبَدّى لِلمُلوك تَناثَرَت / عَلى بَسطِها تيجانها وَالمَغافِرُ
تَخرُّ لَهُ الأَملاك إِن بَصَروا بِهِ / سُجوداً وَلَو أَنَّ القَنا مُتشاجِرُ
وَتلثم بَعدَ الأَرض مِنهُ أَنامِلاً / إِذا التَطمَت قَبلَ البحار الزَواخِرُ
بنان بِها أَلقى مَراسيهُ النَدى / مُقيماً كَما أَلقى عَصاهُ المُسافِرُ
هوَ المَلِكُ البَحرُ الَّذي قيلَ في الوَرى / فَإِن لَم أُجاوِرُهُ فمن ذا أُجاوِرُ
فَأَلقيت رحلي مِنهُ عِندَ موفَّق / بِجود بِما يَهوى وَما هوَ ذاخِرُ
بَعيد المَدى داني النَدى واكف الجَدى / لَهُ كرم ثاوٍ وَمجدٌ مُسافِرُ
أَصابَ العُلى في أَوَّلِ الأَمرِ إِنَّما / يُصيب بأولاها الرِماحُ الشَواجِرُ
إِذا الرُمح لَم ينفك أَولى كعوبه / لَدى الرَوع لَم تنفعك مِنهُ الأَواخِرُ
هوَ الطاعِن النَجلاء لا يبلغ أَمر / مَداها وَلَو أَنَّ الرِماح مُسابِرُ
تَراهُ كَأَنَّ الرُمح سلك بِكَفِّهِ / غُداة الوَغى وَالدارعون جَواهِرُ
يَردُّ أَنابيب الرِماح سَواعِداً / وَمن زَرَدِ الماذيِّ فيها أَساوِرُ
لَها بَين أوداجِ الكماة مَوارِدُ / وَبَينَ صُدور المارِقينَ مَصادِرُ
تعمَّد حَبّات القُلوبِ كَأَنَّما / خَواطِرَها عِندَ القُلوبِ خَواطِرُ
يُلَبيهِ من آل المفرج إِن دَعا / أسود لَها بيض السُيوفِ أَظافِرُ
وَأَولاده شَمس الدِين مِنهُم كَواكِباً / وَحسان بَدر في الكَواكِب ظاهِر
رَأَيتُهُمُ عقداً وَلَكِن أَبو النَدى / بِمَنزلة الوسطى وكل جَواهِرُ
حَكوا شمس دينِ اللَهِ بَأساً كَما حَكى / أُسود الشَرى أَشبالهن الخَوادِرُ
تَراهُ لِقَرع البيضِ بالبيضِ مُصغِياً / كَأَنَّ صَليلَ الباتِراتِ مَزاهِرُ
تَوَسَّط طياً نسبةً وَمَكارِماً / كَما وَسِطَت حُسن الوجوهِ النَواظِرُ
وَحَفَّت بِهِ الأَرجاء مِن كُلِّ جانِبٍ / كَما حَفَّ أَرجاء العيونِ المَحاجِرُ
فَما ماتَ طائي وَحَسّان خالِد / وَلا غابَ مِنهُم غائِبٌ وَهوَ حاضِرُ
وَكانَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيه أَوَلٌ / فَصارَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيك آخِرُ
وَلَو راءَ ما يبنيه حاتِم طَيِّها / لَقالَ كَذا تَبنى العُلى وَالمآثِرُ
بِسَيفك نالَت طيىءٌ ما لَو أَنَّها / تَمَنَّتهُ لَم تبلغ إِلَيها الضَمائِرُ
وَعَلَّمَها قَتل المُلوكِ وأسرها / فَتىً مِنكَ في صَيدِ الفَوارِس ماهِرُ
وَمن فضل ما خُوِّلَت جادَ بِأَوَلٍ / وَيَبقى مِنَ الشَمسِ النُجوم الزَواهِرُ
فَقَد تَشكُرُ الأَيّام أَنَّكَ زِنتَها / وَما كل مَفعول بِهِ الخَير شاكِرُ
وَما زلت ذُخراً للإِمام وَعُدَّةً / لِكُلِّ إِمامٍ عُدَّةٌ وَذَخائِرُ
فَلَمّا جَرى ما كانَ أَقفرت قلبه / لأَنَّكَ نَفّاع إِذا شِئتَ ضائِرُ
تولى إِماماً ثُمَّ تَعزِل مثله / فَإِن تُدَع مأموراً فَإِنَّكَ آمِرُ
يُشَرِّفُ أَفناء المُلوكِ إِذا بَدَت / لَهُم فيكَ يَوماً ذمة وَأَواصِرُ
وَيُقهر مِنهُمُ مَن يُنازِعُ مُلكَهُ / وَأَولى الوَرى بِالمُلكِ مَن هوَ قاهِرُ
وَيَنصُرُكَ السَيف اليَماني عَليهِمُ / لأَنَّ اليَماني لِليَماني مُضافِرُ
لِذَلِكَ يَمضي في يَديك كَليلها / وَتَنبو بِكَفّي من سواكَ البَواتِرُ
أَحاطَ بِكَ التَوفيق مِن كُلِّ وجهَةٍ / وَجاءَتكَ مِن كُلِّ البِلادِ البَشائِرُ
وَيُلقي إِلَيكَ الأَمر كل خَليفَةٍ / فَقَدِّم وأَخِّر فعل من لا يؤامِرُ
إِذا كرهت أَعداؤُكَ إِسمك وَاِنثَنَت / لَهُ هرباً حَنَّت إِلَيهِ المَنابِرُ
وَما أَنا إِلّا رَوضَةٌ إِن مطرتها / تحوَّل هَذا المَدح أَزهَر زاهِرُ
فَإِن جادَني من جود نعماكَ رائِحٌ / فَقَد صادَني من صوب يُمناكَ باكِرُ
وَإِنّي لأَرجو أَن أَنالَ مِنَ الغِنى / بشعري ما لَم يَحوِهِ قَطُّ شاعِرُ
إِذا ما سَتَرتُ المَدحَ أَثناء مَنطِقي / فَلِلجودِ مِني حينَ يَطويهِ ناشِرُ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مُخَلَّدَة ما دامَ في الأَرضِ غابِرُ
طلبت العُلى بالجِدِّ وَالجَدُّ بَيِّنٌ / وَحَظُّكَ مِن كُلِّ الفَريقَينِ وافِرُ
كَأَنَّكَ مَغناطيس كل فَضيلَة / فَلا فَضل إِلّا وَهوَ نَحوَكَ سائِرُ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ / وَكل سِرار البَدر يَومانِ في الشَهرِ
هَلاليَّةٌ نيل الأَهِلَّة دونَها / وَكل نَفيس القدر ذو مطلب وَعرِ
وَمِن دونِها سوران سُورٌ مِنَ النَوى / وَسورٌ مِنَ الأَسيافِ وَالأسل السُمرِ
وَدون ارتِشافِ الريق يَرشف بِالقنا / عَريض الدِماء ماء يُشَبَّه بِالثَغرِ
طَوى طيفها في النَوم نَحوي مَفاوِزاً / مِنَ الأَرضِ تنضي راكِب البَرِّ وَالبَحرِ
فيها لَيلَةً كانَت لَهُ بِسوادها / وَبَهجَتِها كالخالِ في وَجنَةِ البكرِ
لَها سَيف طرف لا يزايل جفنه / وَلَم أَرَ سَيفاً قَطُّ في غمده يَغري
عُيونُ هِلالٍ في القُلوبِ ولحظها / أَحَدُّ وَأَمضى مِن سيوفِهِم البتر
لَها ريقة أَستغفر اللَهَ إِنَّها / أَلَذُّ وَأَشهى في النُفوسِ مِنَ الخَمرِ
أُعانِق مِنها صعدة راعبيَّة / تَرى زَجّها في مَوضِع النظر الشَزَرِ
وَيقصر ليلي إِن أَلمَّت لأَنَّها / صَباحٌ وَهَل لِلَّيلِ بقياً مَع الفَجرِ
أَقولُ لَها وَالعيسُ تحدج لِلنَّوى / أَعدّي لِفَقدي ما استَطَعتِ مِن الصَبرِ
وَقَد كانَتِ الأَجفانُ لِلجزع مَعدِناً / فَصارَت لِفَيضِ الدَمعِ مِن صَدفِ البَحرِ
سَأَنفقُ ريعان الشَبيبَة آنِفاً / عَلى طلبِ العَلياء أَو طَلَبِ الأَجرِ
أَلَيسَ مِنَ الخُسرانِ أَنَّ لَيالياً / تَمُرُّ بِلا نَفَعٍ وَتُحسَبُ مِن عَمري
تَبَدَّل وَجه الأَرضِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ / لِيأخُذ بِالتَعبيسِ مِن رَونَقِ البِشرِ
وَقَد كانَ ناونا فَآثَرهُ بِنا / بِذي كَرَمٍ بِالنَفعِ يُنجي مِنَ الضُرِّ
وَقَد كانَ نِجماً واضِحاً كُمُحَمَّدٍ / وَمثل عَلاه أَو خَلائقه الغرِّ
أَغَرَّ لَهُ باع تَقسَّمه العُلى / فَلِليَمَنِ يُمناهُ وَيُسراهُ لِليُسرِ
يَنوطُ نِجادي رَأيه وَحسامه / بِصَدرٍ كَمثل البَحرِ أَو سِعَة البَرِّ
وَيَحلُم عَن ذي الجَهلِ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاهُ مِن فَرطِ الوِقارِ أَخو وَقرِ
يُمَيِّزُهُ مِن كُلِّ شبهٍ فَضائِل / شَهرنَ لَه في الأَرضِ كالواو في عمرِو
وَيعرف قَبلَ الخير بِالبشر فَضله / كَما يُعرَفُ الصِمضامَةُ العَضَب بِالأَثَرِ
فَلا تعجبا أَن يَلفظ الدُر قائِلاً / فَلَم يَخلُ بحر زاخر قَطُّ مِن دُرِّ
إِذا جَلَبَ الأَقلام نَحوَ يمينه / فَقَد جلبت مِن شَطِّ بَحرٍ إِلى بَحرِ
يذكِّرُ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأَباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
فَلَو أَنَّ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
تَبيَّنُ في الطِفلِ النَجابَة مِنهُم / كَما يَستَبين العتق وَالسَبق في المَهرِ
رأيت العُلى تَحتاج أَصلاً وَبيئة / وَهَل يَطبع الدينار إِلّا مِنَ التِبرِ
تَجَرَّد هَذا الدَهر في نَصر أَهلِهِ / وَترك القَضا في كَفِّ خير أَولي النَصرِ
وَنيطَ بِهِ أَمر المَظالِمِ إِنَّما / يَنوطُ أَخو العزم الحَمائِل بِالصَدرِ
فَأَضحى ظَلام اللَيلِ نوراً بِعَدلِهِ / وَهَل لِظَلامِ اللَيلِ نَفع مَع الفَجرِ
وَزَيَّن أَقطارَ البِلادِ بِحُكمِهِ / وَأَحكامِهِ في الأَرضِ كالظَلم في الثَغرِ
بَدأتَ بِأَمرٍ فأته قَبلَ فوته / وَما دمت بَل لا زِلت متمثل الأَمرِ
وَإِنّي وَإِذكاريك أَمري كَقائِل / لهذي النُجوم وَهيَ تَسري أَلا فاسري
رَعاكَ الَّذي اِستَرعاكَ أَمر عِبادِهِ / وَحَيّاكَ مَن أَحياكَ لِلنَّفعِ وَالضُرِّ
لَهُ قَلم يَفري رِقاب عداته / وَهَل مخلب في إِصبَع اللَيثِ لا يَفري
إِذا سحب القرطاس مِن وَقعِهِ بِهِ / تَجَلَّت وجوه الخَطبِ وَالخُطَبِ الغُرِّ
تَجَمَّعَ أَقسام العُلى في كِتابِهِ / فَكانَ العُلى في الكُلِّ وَالشَطر في السَطرِ
الأئِمَة في الجود دعه فَإِنَّهُ / عَلى كُلِّ حالٍ يَعدِل البُخلَ بِالكُفرِ
إِذا لمته في لَج فِعلٍ فَقُل لَنا / أَتَعذِلَهُ بِالدَرِّ في الجود أَم تُغري
أَمُنتَجِعُ الغيث أَنتجع بحر كَفِّهِ / فَما الغَيثُ إِلّا في أَنامِلِهِ العَشرِ
أَمُنتَجِعُ الماء القراح وَهذه / سَحائِبُ تَهمي بِاللُجَينِ وَبالتِبرِ
وَما المَجد إِلّا رَوضَة هوَ زهرها / وَلَيسَ يَروق الرَوض إِلّا مَع الزَهر
عجبت لِهَذا الدَست كَيفَ جَفافه / وَقَد ضَمَّ بَحراً مِنكَ لَيسَ بِذي جَزرِ
وَقالوا لَنا في الدَهر بُخلٌ وَما سَخا / بِمثلك إِلّا أَهل ذا الزمن الحُرِّ
يَنُمُّ عَلَيكَ الفَضلَ في كُلِّ مَوطنٍ / نزلت كَما نَمَّ النَسيم عَلى العِطرِ
فِداؤك حيٌّ مِثلَ مَيتٍ لبخله / يُظَنُّ اقتناء المالِ خَيرٌ مِن الذِكرِ
يَموتُ لَئيم القَومِ مِن قبل مَوتِهِ / وَيقبُرُ مِن قَبلِ الدُخولِ إِلى القَبرِ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مِنَ الخالِداتِ الباقِياتِ إِلى الحَشرِ
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره / وَرَفرَفَ بِالتَوفيقِ وَاليُمنِ طائِرُهُ
تُسايرُكَ العَلياء وَالمَجدُ مِثلَما / يُصاحِبُ شَخصاً طِلَّهُ وَسايرُهُ
طلعت لدين اللَهِ شَمساً تحفّها / غَمائِم جود ما تغبُّ مَواطِرُهُ
فَلا ضَوءُ شَمسُ الدين تَقشع غيمها / وَلا الغَيمُ مِنها مانِع الضَوءِ ساتِرُهُ
لَقَد نَسِيَت طيىءٌ بجودك حاتِماً / وَأَغناهم عَن غايب الفَخر حاضِرُهُ
وَخَوَّلَهم ما يُنبَتونَ بِهِ العُلى / ويَغنَون ما تبقى عَليهم مآثِرُهُ
فمن جاء مِن طييٍّ شكرناك دونَه / لاعطائك الطَولُ الَّذي هوَ ناشِرُهُ
وَمن يرد الغُدران يَرجع ثَناؤُهُ / عَلى المُزن إِنَّ الغُدرَ مما تُغادِرُهُ
يُشلُّ العِدى خوف الأَمير إِذا وَنَت / كَتائِبُهُ عَن سلمهم وَمَناسِرُهُ
إِذا ما احتَمى بِالجَيشِ مَلكٌ فَإِنَّما / بِذِكرِ أَبي الدَواد يُحمى عَساكِرُهُ
كَفاهُ من الأَعوانِ في الرَوعِ بأسُهُ / وَأَغنَته عَن نَصرِ الجُيوشِ بَواتِرُهُ
وَما اللَيث مُحتاجٌ إِلى نصر غَيرِهِ / إِذا سلمت أَنيابِهِ وَأَظافِرُهُ
هوَ السالِبُ الأَعداء في ساعضة الوَغى / وَيَسلبُهُ في ساعَة السِلمِ زائِرُهُ
مَواهِبُهُ مِمّا أَفادَت سُيوفه / وَلَولا بروق المُزن ما انهَلَّ ماطِرُهُ
هوَ المَلكُ أَضحى الغيث لَيسَ بِنافِعٍ / إِذا جادَ أَرضاً صوبه وَبَوادِرُهُ
هوَ البَحرُ إِن صادَمته تَبقَ وَسطه / غَريقاً وَإِن تَستَجِدِ تَأتي جَواهِرُهُ
وَلَم أَرَ جوداً غَير جود ابن دُغفُلٍ / معنياً إِذا استرفدته فازَ زائِرُهُ
مفرَّقة في كُلِّ وَفدٍ هباته / مقسمة في كل نَجدٍ خَواطِرُهُ
إِذا ما أَتى بِالجودِ تحلف ما لَهُ / نَظير أَتَت مِن راحتيه نَظائِرُهُ
فَقَد شَرَّد الأَموال نَفياً كَأَنَّما / تَألّى يَميناً أَنَّها لا تُجاوِرُهُ
فَتىً جِدُّهُ في المكرمات وَهزلهُ / وَباطِنُهُ في المأثُراتِ وَظاهِرُهُ
فَلِلجودِ وَالهَيجاءِ وَالحلم شَطرهُ / وَللنَّقضِ وَالإِبرامِ وَالحَزمِ سائِرُهُ
غَدا كل مجد محدقاً بِمُفَرِّجٍ / كَما اكتنفت إِنسان عَينٍ مَحاجِرُهُ
وَنيطَت بِهِ الآمال وَالحَرب وَالعُلى / وَليداً وَما نَيطَت عليه مآزِرُهُ
يُخبِّرنا عَن جودِهِ بشر وجهه / وَقبلَ انصداع الفَجرِ تَبدو بَشائِرُهُ
وَيصدُقُ فيهِ المَدحُ حَتّى كَأَنَّما / يَسبح مِن صدق المَقالَةِ شاعِرُهُ
وَدَوَّخَ أَملاك البَريَّةِ يافِعاً / فَكَيفَ بِهِ لَمّا استَمَرَّت مَرائِرُهُ
إِذا المهر بَذَّ الخَيلَ في عُنفوانِهِ / فَكَيفَ تُدانيه إِذا فَرَّ فاطِرُهُ
يَجولُ بِهِ نَهد المَراكِلِ لَم تَزَل / تُواطيء هاماتِ الرِجالِ حَوافِرُهُ
يَظَلُّ عَلَيها متلئباً كَأَنَّهُ / خَطيب أناس وَالرؤوس مَنابِرُهُ
كَميٌّ تحاماهُ الكُماة كَأَنَّما / تُناطُ عَلى لَيث هَزبرٍ مَغافِرُهُ
يَكادُ لأدمان القِراعِ حُسامه / يُسابِقُهُ نَحوَ الطلى وَيُبادِرُهُ
فأن تعلُ قَحطان فَفي الليل أَنجم / وَلا يَستَوي أَغفاله وَزواهِرُهُ
وَلا يَستَوي حَدَّ الحُسامِ وَصفحه / وَلا أَوَّل الرُمحِ الأَصمّ وَآخِرُهُ
يُشابِهُهُ في رؤيَةِ العَينِ غيره / وَيبعد شبهاً حينَ تَأتي مَفاخِرُهُ
أَرى الناس مِثل الماء مشتبه الروى / وَلا يَتَساوى إِن يَكونُ تُجاوِرُهُ
لَقَد جادَني مِن جود كَفِّك وآبل / فَأَصبَحتُ رَوضاً وَالقَوافي أَزاهِرُهُ
فَإِن لَم أكافيهِ فَإِنّي شاكِرٌ / بِجُهدي وَإِن كافى عَلى العُرفِ شاكِرُهُ
وَأَعلَم أَنّي لست مُدرِكٌ وَصفهُ / أَيُدرِك عَرض الجَوِّ بِالكَفِّ شابِرُهُ
وَماليَ في مَدحَيهِ شيءٌ لِأَنَّني / نظمتُ مِنَ الدُرِّ الَّذي هوَ ناثِرُهُ
ليهنك عيد قَد أَطَلَّت سعوده / وَشهر صيام وَدَّعتك أَواخِرُهُ
وَقَد كُسيت أَيامُهُ مِنكَ طيبةً / كَذا المِسكُ يعدي ريحه من يُجاوِرُهُ
فَعِش عمر هَذا المَدح فيكَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى إِلى يَوم القيامَةِ غابِرُهُ
رصدت العُلى في مُلتَقى طُرق النَدى / فَلا غرو إِن صارَت إِلَيكَ مَصائِرُهُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ / وَلِمِثلِ فرقتها المَدامِعُ تُذخَرُ
رَحلت ضُحىً وَلِكُلِّ قَلبٍ حَيرةً / في حُسنِها وَلِكُلِّ عَينٍ مَنظَرُ
عَبِثَ النَعيمُ ها فصوَّرَ جِسمها / خَلقاً جَديداً وَالنَعيم يُصَوِّرُ
بَكُرَت طَلائِع لِلمَشيب بِلمَّتي / إِنَّ المَشيب إِساءَةٌ لا تُغفَرُ
وَيقال إِنَّ الشَيءَ يَأَلَفُ شَكلهُ / وَالبيضُ عَن بيضِ المَفارِقِ تَنفُرُ
لا تلحُها فَلكُلِّ يَومٍ مَوضِع / وَالعُرفُ في بَعض المَواضِعِ يُنكرُ
وَالشَيبُ صُبحٌ وَالسَواد دِجِنَّةٌ / وَاللَيلُ أَصلَحُ لِلوصالِ وَأستَرُ
كُنّا نضيفُ إِلى الغُرابِ فراقنا / فَإِذا المَشيبُ هوَ الغُرابُ الأَزهَرُ
كَيفَ السَبيل إِلى لِقائِكِ في الدُجى / وَاللَيلُ حَيثُ حَلَلتِ مِنهُ مُقمِرُ
يَتَحَيَّفُ القَمَرُ المُحاقَ تَحَيُّفاً / وَهلال خَدِّكِ كُلَّ يَومٍ مُبدرُ
بَدرٌ يُغادِر رَبعَهُ مِن طيبه / يَهدي ثَراه كَما يُهادي العَنبَرُ
وَتَحُلّ بِالبَيداءِ حِصناً سوره / زُرق الأَسِنَّةِ وَالعَجاجُ الأَكدَرُ
يَعتاد في أَلحاظِنا لِودادِهِ / فَكَأَنَّها جُندٌ لَديه وَعسكَرُ
تعصي قُلوب ذَوي الهَوى أَربابُها / فيهِ فَكُلٌّ في هَواهُ مُسَخَّرُ
وَكَأَنَّهُ مِن يُمن حيدرة استَعارَ / النَصرَ فَهوَ عَلى القُلوبِ مُظَفَّرُ
أَو من جَلالتِهِ استَعارَ جَماله / فَعُيوننا عَنه تَكِلُّ وَتَحسَرُ
ملكٌ لَهُ في كُلِّ أَرضٍ نِعمَةً / وَبِكُلِّ مُعتَرِكٍ ثَناء يُؤثَرُ
وَلِسَيفِهِ في كُلِّ هامٍ مَورِدٌ / وَلِرُمحِهِ في كُلِّ صَدرٍ مَصدَرُ
مُتَقَلِّدٌ مِن رَأيِهِ وَحُسامِهِ / سَيفَينِ ذا يَخفى وَذَلِكَ يَظهَرُ
صيغَت لِحَيدرَةَ بن يَملول يَدٌ / مِنها المَنايا وَالمُنى يَتَحَدَّرُ
وَجَبينه بَدر وَساحَة صَدرِهِ / بَرٌ وَأَنمُلُ راحَتَيهِ أَبحُرُ
يَجلو إِذا عَبِسَ اللَئيمُ لِوَفده / وَجهاً لماء البِشرِ فيهِ مخبَرُ
طَلقٌ كَصَفحِ السَيفِ إِلّا أَنَّهُ / في جانِبَيهِ مِن البَشاشَةِ جَوهَرُ
وَتَرى عِداهُ إِذا رَأَوهُ وَحدَهُ / جَيشاً لَهُ ظهرَ الحِصان مُعَسكَرُ
كَم رَدَّ دونَ الدارِعينَ بِنَفسِهِ / جَيشاً يَضيقُ بِهِ الفَضاء الأَقوَرُ
لِلنَّقعِ فيهِ وَلِلجوارِحِ فَوقَهُ / سِترانِ أَدكَن ذا وَذاكَ مُحَبَّرُ
تَعرى الوِهاد وَتَكتَسي مِن جُندِهِ / طُرُزاً وَتنتَقِبُ الجِبال وَتُسفِرُ
قَسَمَ الفَلا شِطرَينِ تَحتَ مَسيره / شَطراً يَسيرُ بِهِ وَشَطراً يَنصُرُ
إِن شئتَ أَنصار الحِمامِ فَناده / وَالخَيلُ تعثر بِالقَنا يا حَيدَرُ
وَكأنَّ صدرَ قَناتِهِ يَوم الوَغى / سِلكٌ وَأَبطال الفَوارِسِ جَوهَرُ
مُتَيَقِّظٌ في كُلِّ جارِحَةٍ لَهُ / مَخصوصة قَلب وَعين تَنظُرُ
لِلجودِ ما تَحوي يَداهُ وَما حَوى / وَالمَجدُ ما يُخفي الحَياء وَيُظهِرُ
أَمّا الإِمام فَإِنَّهُ لَكَ شاكِرٌ / وَاللَهُ أَرضى مِنهُ عَنكَ وَأَشكَرُ
آليت أستَسقي الغَمائِم بَعدَها / وَيَمين حَيدرة الغِمامِ الأَكبَرُ
أَولَيتَني مِن غَيرِ مَعرِفَةٍ جَرَت / نِعَماً فَجِئتَكَ بِالمَدائِحِ أَشكُرُ
وَغَرستَ عِندي نعمة لَكَ أَثمَرَت / وَمن الفِعالِ مُقَدَّم وَمؤَخَّرُ
فَدِمَشقٌ قَد نارَت بِحُسنِ رِياضِها / إِذ كُنت فيها أَنتَ سَعدٌ نَيِّرُ
فَظلامُها فَجرٌ وَحُسن ضِيائِها / دُرٌّ وَتربَتُها عَبيرٌ أَذفَرُ
أَنتَ الرَبيعُ وَكَيفَ تَحيا بَلدَةٌ / حَتّى يُجاوِرُها الرَبيع المُمطِرُ
أَكثرت جودك ثُمَّ قلت وَنَفسُ مَن / يهب النَفيس مِنَ العَطايا أَكثَرُ
يا صاحِ لَيسَ بِمُنكَرٍ أَن يُجتَنى / مِن مِثلِ هذا البَحرُ هَذا الجَوهَرُ
بِالنُصحِ قَدَّمك الإِمام عَلى الوَرى / ومن الفِعال مُقدَّمٌ لا يُنكَرُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ / بذا حكم المَقدور إِذ قُضيَ الأَمرُ
لَقَد لفظتني كُلَّ أَرضٍ وَبَلدَةٍ / وَما لفظتني عَن مَواطنها مِصرُ
لَعمري لَقَد طَوَّفَت في طَلَبِ العُلى / وَحالَفَني بَرٌّ وَحالَفَني بَحرُ
فَشَرَّقَت حَتّى لَم أَجِد لي مَشرِقاً / وَغرَّبت حَتّى قيلَ هَذا هوَ الخضرُ
أَروم جُسَيمات الأُمورِ وَإِنَّما / قُصارايَ أَن أَبقى إِذا أَبقى الدَهرُ
وَلَو كُنتُ أَرضى بِالكَثيرِ وَجَدتُهُ / وَلَكِنَّ في نَفسي أَمورٌ لَها أَمرُ
ظَلَلتُ بِمصر في السُجونِ مُخَلَّداً / وَإِنّي لَسيفٌ جفنه فَوقه سِترُ
فَقدت أَخلّائي الَّذينَ عَهِدتُهُم / وَجانبني مَن كانَ لي عِندَهُ وَفرُ
وَأَعظَمُ ما بي يا مُحَمَّدُ أَنَّنا / بِأَرضٍ وَفيما بَينَنا البُعدُ وَالهَجرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ إِلَيكَ أَجترَمتُهُ / فَقُل لي مَع الأُخوانِ غَيَّرَكَ الدَهرُ
تأَمَّل أَبا عَبدِ الإِلَهِ مَقالَتي / فَإِنَّ الصَديقَ الحُرَّ يَعتِبه الحُرُّ
أَتَذكُرُ إِذ كُنّا لَدى الدَهر رتعاً / وَمصر وَأَرض الشامِ إِذ عَيشُنا نضرُ
فَمالك تَجفوني مَع الدَهرِ إِذ عَتى / أَكُلُّ زَمانٍ هَكَذا عَيشُهُ مُرُّ
فَلا سائِلٌ عَنّي فأعذر صاحِباً / وَلا لَكَ في تَركِ السُؤالِ بِنا عُذرُ
فَإِن أَحرم الأُخوانِ وَالزَورِ مِنهُمُ / فَإِنّي امرؤٌ مِن شيمَتي في الأَسى الصَبرُ
عَتِبتُكَ عتب الذاكِرِ الودّ إِذ غَدا / أَسيراً وَمَحبوساً وَقَد نالَهُ ضُرُّ
فَلَو كُنتُ في أَسرِ الزَمانِ أَقالَني / وَلَكِنَّني في أَسرِ قَومٍ بِهِم كِبرُ
إِذا جَنَّني لَيلى وَهاجَت بَلابِلي / وَعاوَدني هَمّي تَجَدَّد لي فِكرُ
عَليلٌ وَما دائي سِوى الضَيم مِنهُمُ / فَهَل مِن خَلاصٍ إِذ مَدى الغايَة القَبرُ
فَلَو أَبصَرتَ عَيناكَ ما بيَ مِنَ الأَسى / بَكيت بِما يَنضى بِهِ الإِبل السَفَرُ
عَلى أَنَّني لا أَستَكين لِنَكبَةٍ / وَلا واضِعٌ جَنبي وَإِن مَسَّني فَقرُ
جَنيتُ عَلى نَفسي بِسَعيي إِلَيهِمُ / وَحَظّيَ من أَوفى مَواثيقهم غَدرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ سِوى الشِعرِ إِنَّني / لَأَعلَمُ أَنَّ الذَنبَ في نَكبَتي الشِعرُ
لَعَلَّ اللَياليَ مُنصفات أَخا أَسىً / بِأَحشائِهِ مِن فَرطِ حَسرَتِهِ جَمرُ
أَسيرُ لَدى قَومٍ بِغَيرِ جَنايَةٍ / إِلّا في سَبيل اللَهِ ما صنعَ الدَهرُ
لَقَد ضاقَت الدُنيا عَليَّ كَأَنَّها / لِما قَدَّرَ الرَحمَنُ في مُقلَتي فِترُ
وَفي النَفسِ حاجاتٌ وَدونَ مَرامِها / قُيودٌ وَحُرّاسٌ لَهُم حولنا زجرُ
فَكُن سائِلاً عَنّي فَإِنّي هالِكٌ / وَما لَهمُ عِندي عَلى حالَةٍ وِترُ
حَذرتُ زَماناً ثُمَّ أَوقَعَني القَضا / وَهَل حذر يُنجي إِذا نَفذ العُمرُ
وَأَنتَ أَخي في كُلِّ حالٍ وَإِنَّما / عَتَبتُك هَذا العَتبُ إِذ نفث الصَدرُ
أَكُلُّ غَريبٍ هَكَذا هوَ هالِكٌ / بِمِصرَ وَلَم يَشفَع لَهُ شافِعٌ حُرُّ
فَلَو أَنَّني في بَلدَةٍ غَيرَ هَذِهِ / إِذاً لَفَداني المالُ والأُسُل السُمرُ
وَما نالَني ضَيمٌ وَلا لانَ جانِبي / وَلا نالَني ضَرٌّ وَلا مَسَّني عُسرُ
أَبيتُ لَها يَقظانَ بَينَ وَساوِسٍ / أُراعي نُجوم اللَيلِ ما طلعَ الفَجرُ
إِذا كانَ نَفسي مِن أَجَلِّ ذَخيرَتي / وَأَتلَفتُها لَم يَبقَ لي بَعدَها ذُخرُ
فَإِن عِشتُ أَبدَيتُ الَّذي في ضَمائِري / وَإِن مِتُّ إِنَّ المُلتَقى لَهوَ الحَشرُ
أَسيلَة خَدٍّ دونَهُ الأُسل السُمرُ
أَسيلَة خَدٍّ دونَهُ الأُسل السُمرُ / وَدونَ ارتِشاف الريق مِن ثَغرِها ثغرُ
أَناةٌ بَراها اللَهُ أَكمَلَ صورَة / فَأَردَفَت الأَرداف واختَصر الخصرُ
وَبقصرُ ليلي ما أَلَمَّت لأَنَّها / صَباحٌ وَهلأ يَبقى الدُجى وَهيَ الفَجرُ
مَرى البينُ جفنيها عَلى الخَدِّ فالتَقى / بِأَدمَعها وَالمَبسَمُ الدرّ بالدرّ
وَقالوا أَتَسلوا عَن لَذيذ رِضابِها / فَقُلتُ وَهَل حَلَّت لِشارِبها الخَمرُ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ العَناءَ هوَ الغِنى / وَأَنَّ ابتِذال التِبر في حَقِّها تَبرُ
إِذا كانَ تِرحالي بِنِيَّة آيبٍ / فَباطِنُهُ وَصلٌ وَظاهِرُهُ هَجرُ
ذَريني أهب لِلمَجد شَرخ شَيبَتي / فَإِن لَم أُبادِرها استبدَّ بِها العُمرُ
فَلَم أَرَ هَذا العُمر إِلّا مَسافَة / إِذا مَرَّ يَوم مَرَّ مِن ذَرعها فَترُ
فَسلني بِالدُنيا فَقَلبي صَحيفَة / عَلى ظَهرِها مِن كُلِّ نائِبَةٍ سَطرُ
أَوسَع صَدري كُلَّ يَومٍ بِزَفرَةٍ / عَلى أَنَّهُ وسع يَضيقُ لَهُ الصَدرُ
أُكَلِّفُ أَقلامي تبلغني المُنى / وَقَد عجزت عَنهُ الرُدَيِنيَّةُ السُمرُ
وَإِن لَم يُنِل بِالبيضِ تَخضِبها الدِما / فَأَهون بِأَقلامٍ يُخَضِّبها الحِبرُ
إِذا فاتَ مِن أَربى عَلى العُشرِ رُمحَهُ / مُناهُ فَقَد فاتَت فَتىً رُمحُهُ شِبرُ
فعدِّ عَن الأَقلامِ واِستَنصِر القَنا / وَسيفك إِنَّ النَصل في حَدِّهِ النَصرُ
سأَنفي الأذى عَنّي وَشيكاتٍ بِفَتيَةٍ / طَعانهمُ نظمٌ وَضربِهُمُ نَثرُ
وَبَيداء لَولا أَنَّها هيَ مَجهل / لَشَبَّهتُها في الوسع صدرك يا بِشرُ
قطعت بِملء الغرضتين وَصارم / كَعَزمِكَ مِن ماء الفرند بِهِ أَثرُ
لَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ مَحاسِناً / بأيسَرها يُستَعبد العَبدُ وَالحُرُّ
يُكفِّرُني قَوم بِشُكر صَنيعِهِ / إِليَّ وَكفر المُنعَمينَ هوَ النَقَرُ
يَنوطُ نجادي رأيه وَحسامه / بِصَدرٍ كَمِثلِ البَرِّ أَو دونَهُ البَرُّ
وَيَحلَم عَن ذي الجَهلِ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاه مِن فَرطِ الوقارُ بِهِ وَقرُ
ومن يعتصم مِنه بعصمة خِدمَةٍ / يَحِد عَنه شَيئان المذلَّة وَالفَقرُ
وَما تَنجحُ الأَقلام إِلّا بِكَفِّهِ / وَمخلب غير اللَيث في كَفِّهِ ظُفرُ
سِهامٌ إِذا ما راشَها بِبَنانِهِ / أَصيب بِها قَلبُ البَلاغَةِ وَالنَحرُ
وَإِن سَحَبَ القِرطاسُ مِن وَقعِها بِهِ / تَجَلَّت وجوه الخَطبِ وَالخُطَبُ الغُرُّ
تُخَبِّرُ عَمّا في الضَمير كَأَنَّها / سواد سويداواتهنَّ لَها حِبرُ
وَيا عَجَباً للدَّستِ كَيفَ جَفافه / وَفي كُلِّ عقد مِن أَنامِلِهِ نَهرُ
وَلا عَجَبٌ أَن يَلفِظ الدُرَّ قائِلاً / وَهَل عَجَبٌ أَن يلفظَ الدُرَرُ البَحرُ
وَيعشى وَلا يَعشى بِنور جَبينه / عَجيب وَهَل يَعشى بِأَنوارِهِ البَدرُ
رَعاكَ الَّذي استَرعاكَ أَمر عِبادِهِ / وَحَيّاكَ مَن أَحياكَ يا أَيُّها الحَبرُ
فِداؤُكَ مَقبوض اليَدَينِ عَن النَدى / إِذا جادَ كانَ الديكُ بَيضَتُهُ وِترُ
إِذا كانَ أَولادُ الزَمانِ بوجهِهِم / عُبوسٌ فِبشرٌ في أسرته بِشرُ
يُغالِبُني فَرط الغَرامِ عَلى الصَبرِ
يُغالِبُني فَرط الغَرامِ عَلى الصَبرِ / وَلا صَبرَ لي عَن صورَةِ الشَمسِ وَالبَدرِ
وَيَعذُلني في الحُبِّ خِلوٌ وَلَو دَرى / بِهِ كَفَّ عَن عَذلي وَقَصَّر عَن زَجري
تَحَيَّرتُ في أَمري وَإِنّي لَعارِفٌ / بِأَمريَ لَكِنّي غُلِبتُ عَلى أَمري
وَصارَ عَليَّ القَلب وَالطَرفُ في الهَوى / نصيرين لِلظَّبيِ الَّذي لَجَّ في الهَجرِ
أَلا أَيُّها الظَمآنَ ها ماء مُقلَتي / وَيا قابِس النِيرانِ ها النار في صَدري
أَبى لِجُفوني فيك أَن تَطعم الكَرى / وَلِلقَلبِ أَن يَخلو مِنَ الهَمِّ وَالفِكرِ
وَذُبتُ فَلَو أَلقَيتَ في كأسِ خمرةٍ / لما اغتصَّ بي في كأسِها شارِب الخَمرِ
وَكَم لَذَّةٍ لي قَد نعمت بِطيبِها / وَلَم تَكُ فيما بَينَنا ريبة تَجري
تَطوفُ عَلَينا بِالمُدامِ سَبيَّةً / لَها جفن عَين قَد تَكَحَّل بِالسَحرِ
بدت تحت أَرواقِ الظَلامِ كَأَنَّما / يُواجِهُني مِن وَجهِها لَيلَةُ القَدرِ
وَلَيلٍ جثمنا تَحتَهُ فَتَطايَرَت / لوقَعَ المَطايا جاثِمات القطا الكُدري
تَسيرُ بِنا حَتّى إِذا عَزَّ جانِبٌ / مِنَ السَهلِ أَدَنتَنا إِلى جانِب الوَعرِ
كَواكِبُ رَكبٍ في كَواكِبِ ظُلمَةٍ / تَسيرُ كَما تَسري وَتَجري كَما تَجري
إِلى سَيدٍ أَوفَت فأوفاني المُنى / إِلى عِزَّةٍ أَوفَت عَلى غُرَّة البَدرِ
إِلى السَيِّدِ المِفضالِ وَالماجِدِ الَّذي / حَوى المَجدَ قدماً بِالمَفاخِرِ وَالقَدرِ
وَلَمّا ونت بُزل المَطايا حَثَثتُها / بِقَولي لَها سيري إِلى مَعدَنِ الفَخرِ
فَلَمّا أَحَست أَنَّكَ القَصدُ أَسرعت / رواحاً وأغنتني عن السَوطِ والزَجرِ
فَكانَ بِسَعدٍ لا بِنَجسٍ مَناخُها / عَلى بابِ مَن أَغنَت يَداهُ عَن القَطرِ
كَريم لَه من أَظلم الناس شاعِرٌ / يُشبِّههُ بِالغَيثِ وَالقَطرِ وَالبَحرِ
وَما زالَ ذا ذهب صَحيحٍ وَخاطِرٍ / وَذِكرٍ وَفِكرٍ لا يُقاسُ إِلى فِكرِ
وَإِن نابَ خَطبٌ لَم يَكُن دَفعُهُ سِوى / صدور العَوالي وَالمُهَنَّدَةِ البَترِ
رمت صفحة الأَعراب كَفُّ سَحابه / بِسَهمِ النَدى فاهتَزَّ في صَفَحةِ الدَهرِ
أَديبٌ لَبيبٌ ماجِدٌ متكِرِّمٌ / كَريمٌ المحيّا طَيِّبُ الأصلِ وَالذِكرِ
أَلا أَيُّها القيلُ الكَريمُ ومن سَما / بِمَجدٍ وَإِحسانٍ عَلى قِمَّةِ النَسرِ
تَقيكَ الرَدى نَفسٌ عَلى كَريمة / تُحبُّكَ حُبَّ الأمن في زمن الذُعرِ
لَقَد رفع الرَحمَنُ قَدرُكَ في الوَرى / كَما في اللَيالي شُرِّفت ليلة القَدرِ
فَإِن كنت في جنس البَرايا وفقتهم / فَلِلمِسكِ نَشرٌ لَيسَ يوجد في العِطرِ
إِلَيكَ عَروساً في قَريضٍ زَفَفتُها / إِلَيكَ فَخُذ يا أَبرَعَ الناسِ بِالشُكرِ
فَما عَزَّة الإِنسان إِلّا حَديثِهِ / فَعِش أَنتَ في خَيرِ الحَديثِ الَّذي يَجري
وَعِش أَبَداً ما لاح في الجَوِّ طائِرٌ / وَما هتفت وَرقاء في غُصُنِ نَضرِ
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً / بِسُعودِهِ بَينَ الشُهور
وَبِيَمنِهِ وَأَمانِهِ / وَالعَدل وَالخَير الكَثير
وَبِرُشدِهِ وَسَدادِهِ / وَالنَجح في كُلِّ الأُمور
وَبطيب عَيش قَد صَفا / كالماءِ هادٍ في الغَدير
وَبِكُلِّ مَنزِلَةٍ تُجَمِّلُ / كل منتقِدٍ بَصير
لِفَتى الفُتوَّة وَالمُروَّةِ / ذي المحلِّ أَبي السُرور
لِلسَّمحِ نجلُ مُحَمَّدٍ / ذي الفَخرِ وَالقَدرِ الكَبير
حَسَنٌ ومن إِحسانِهِ / لِلحامِدِ المثني الشَكور
فنواله فيهِ شفاء / لِلقُلوبِ وَلِلصُّدور
من لَم تَزَل أَنواره / تَعلو وَتَقهر كل نور
من قَد سَما بأبٍ لَه / قَد كان مَعدومُ النَظير
مَن كُلِّ من جارَ الزَمانُ / وزرتَه أَضحى بِخَير
فَعَليه عادَ بِغبطَةٍ / ما في المُغَيَّبِ وَالحضور
وَعلى بَني حسن فَهم / زَينُ المَدائِنِ وَالثُغور
وُهُمُ جَمال حيث حَلّوا / لِلصَّغير وَلِلكَبير
وَإِذا غدوا في مَجلسٍ / لمطاع أَمر أَو أَمير
فَهُمُ كأَمثالِ الشُموسِ / المشرقات وَكالبُدور
يا أَيُّها المعطي العَطايا / لِلعُقاة بِلا مُشير
يا من نَسيمُ فِعالِهِ / كَنَسيم مِسكِ أَو عَبير
يا من غَدا كِنزُ المُقِلِّ / بأَرضِنا وَغِنى الفَقير
انصر شَكوراً ذاكِراً / لَكَ بِالجَميلِ بِلا فُتور
فَلَقَد غَدا في عِلَّةٍ / صَدَّتهُ عَن حالِ المَسير
نَزَلَت بِهِ في بَيتِهِ / مِن طُولِها مِثلُ البَعير
لا يَستَريح إِلى حَديثِ / البيضِ في اليَومِ المَطير
فالجِسمُ مِنهُ مُنحَفٌ / وَالحالُ زائِدَةٌ القصور
فانعِم عَلى رَبِّ اعتِرافٍ / غير ذي مكرٍ كَفور
إِمّا بِعَينٍ أَو لُجَينٍ / أَو بِقَمحٍ أَو شَعير
لا زالَ نَجمُكَ طالِعاً / بالسَعدِ كالقَمَرِ المُنير
في حالِ إِقبالٍ يُقابِلُ / في الرَواحِ وَفي البُكور
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر / قَصُرَ المَنامُ وَليله لَم يقصُرِ
وَمِنَ الصَبابَةِ أَنَّ هاَيكَ الدُمى / أَدمَت محاجِرُهُ لسفح محجَرِ
أَعرضن عَن مُتَعَرِّضٍ وَمَلَلن / عَن متململٍ وَضحِكنَ من مُستعبرِ
يَحيا حَياة تذكُّرٍ فَإِذا أَتَت / عُلَقُ الصَبابَةِ ماتَ موت تذكُّرِ
شَوقٌ نأى جَلَدي بِهِ وَتَجَلُّدي / وَهَوىً هَوى صَبري له وَتَصَبُّري
كادَت تُجِد الوَجدَ لَولا فتية / من مُنذِرٍ أَو عُصبَةٍ من مُبصِرِ
مقسومة بِالحُسنِ بينَ مُخَفَّفٍ / وَمُثَقَّلٍ وَمؤَنَّثٍ وَمُذَكَّرِ
تُعطيكَ بِالأَلفاظِ غلظةَ ضَيغَمِ / وَتُريكَ بِالأَلحاظِ رِقَّةِ جؤذَرِ
يا جائِراً وَالدَهر أُجورُ حاكِم / وَالحادِثاتُ بِمُنجدٍ أَو مُغوِرِ
ما ضافَ بي هَمٌّ بِهِ فقربته / إِلّا مدالجة المطيِّ الضُمَّرِ
وَالصُبحُ قَد أَخذت أَنامِل كَفِّهِ / في كُلِّ جَيبٍ لِلظَّلامِ مُزَرَّرِ
فَكأَنَّما في الغَربِ راكِبُ أَدهَمٍ / يحتثُّه في الشَرقِ راكِب أَشقَرِ
يَسري لأبعدَ سؤددٍ مِن مشيه / وَيَروم أَقربَ موردٍ مِن مَصدَرِ
لعزيزِ دولَة آل أَحمدَ في الوَغى / وَالسِلمِ بدر سَريرها وَالمَنبرِ
شَرَفٌ يُريكَ مهلهلاً في تغلب / يَوم الكُلاب وتبَّعاً في حِميَرِ
كَم لِلعُفاةِ إِلَيهِ من سَبّابَةٍ / تومي وَكَم يَثنى لَه من خِنصَرِ
وَكَأَنَّما يَرمي العِدى مِن بأسِهِ / بأسوَدَ خَفّان وَجِنَّة عَبقَرِ
في حيث يَنفذ عامِلاً في جَوشَنٍ / طعناً وَيبذل صارِماً في مِغفَرِ
مُحمَرَّ أَطراف السُيوفِ كَأَنَّما / يُطبِعنَ من ورد الخُدودِ الأَحمَرِ
أَنسَيتَني ذُلّي بِعزِّ صَنائِع / علَّمتَنيهِ خبرة المُتَخَبِّرِ
فَعلامَ أَطلب من سواك مزيدة / وقد استثرنا مِنكَ مَعدِنَ جَوهَرِ
بيَمينك الطُولى عليَّ وَطَولِها / قَصَّرتُ عَن تَعريض كل مُقصِرِ
فاسلم فَكَم قرَّبت من مُتَباعِدٍ / صعب وَكَم يَسَّرتَ مِن مُتَعَسِّرِ
وَكَما تَقَدَّمتَ الأَنام فَضائِلاً / فَإِذا هُمُ وردوا الرَدى فَتأَخَّرِ
سَقى دَمعي الأحبَة حَيثُ ساروا
سَقى دَمعي الأحبَة حَيثُ ساروا / فَما ترويهِمُ الدِيمُ الغزارُ
تَوَلَّت ظعنُهُم وَالمَرءُ تنبو / بِهِ الأَحوال لا تَنبو الدِيارُ
لَهُنَّ مِن الحَيا نَحوي ابتِدارُ / كَما ابتَدَرت مِنَ الزَندِ الشَرارُ
فأَصمين الفؤاد فَقلت واهاً / أَتَرمي قَلب صائِدها الصَوارُ
أَقيدوني حآذركم فَقالوا / جِراحة كل عَجماء جَبارُ
وَطاعنة بِرُمحٍ مِن نُهودٍ / أَسِنة مِثلها الحَلمُ الصِغار
زَرعتُ بِخَدِّها رَوضاً بلثمي / فَفي وَجناتا مِنهُ اخضرارُ
كأَنَّ مَواقِع التَقبيل فيهِ / رَماد جامِدٌ وَالخَدِّ نارُ
لَيعينِكِ وخزة في كُلِّ قَلبٍ / أَأَشفارٌ جفونك أَم شفارُ
عَذَرتُكِ إِذ حجبتُ وَأَنتِ بَدرُ / لَهُ في كُلِّ أَوقاتِ سِرارُ
وَخوَّلَكِ النِفارُ وأي ريمٍ / يُرى أَبَداً وَلَيسَ لَهُ نِفارُ
تُجَرِّد منيَ الأَيّامُ نصلاً / لَهُ في كُلِّ ناحيَةٍ غِرارُ
يَظُنُّ أَناتيَ الجُهَلاءُ وَقراً / وَهَذا اللَوم أَكثره وِقارُ
وَلَو سادَ الصَبور بِغَيرِ حلم / إِذاً لاقتادَ قائِدَه الحِمارُ
أَطاعَ الناسُ أَرادهم وَهَذا / عَلى الإِسلامِ وَالعُلماءِ عارُ
لِكُلِّ بينهم هِمَمٌ وَقَدرٌ / لِعجلِ السامِريِّ له خُوارُ
فَذرني وَالطُغاة فبين رُمحي / وَبينَ قُلوبِ أَكثرهم سِرارُ
إِذا ما عَرَّس الخِطيُّ فيهم / فَإِنَّ رؤوسهم فيها نِثارُ
كأَنَّ رؤوسهم حَصَباتُ حَذفٍ / تَساقَط وَالفَضاء لَها جِمارُ
حَلَفتُ لأَنهَضَنَّ لَهُم بِأُسدٍ / لهم بِشعار دينِ اللَهِ زارُ
إِذا عَمِدوا ظَلامَ الشِركِ يَوماً / أَزالوهُ كَأَنَّهم نَهارُ
يؤدون النُفوسَ إِلى المَنايا / كَأَنَّ النَفسَ عِلٌ مُستَعارُ
إِذ بلغ الفَتى عِشرينَ عاماً / وَأعوزه العلاءُ فَذاكَ عارُ
إِذا ما أَوَّل الخِطِّيِّ أَخطا / فَما يُرجى بأخره انتِصارُ
أَرى مِنكَ وَجهَ الصَدِّ لا يَتَغيَّرُ
أَرى مِنكَ وَجهَ الصَدِّ لا يَتَغيَّرُ / وَوَصلُكِ هِنداً في الهَوى يَتَعَذَّرُ
أُعَلِّلُ نَفسي بِالوَعيدِ لزورَةٍ / ومن دونِها طرفُ الفَتى يَتَحَسَّرُ
أَغَرَّكِ هِندٌ جفوة العَينِ لِلبُكا / وَرُؤياكِ من عيني الدِما تَتَحَدَّرُ
فَصِرتِ لِقَتلي عامِداً تَتَحَمَّلي / إِلى اللَهِ أَشكو إِنَّهُ مِنكِ أَقدَرُ
لَأَلقى امرءاً خِلُّ المَكارِمِ وَالنَدى / وَحَسبيَ في خَيرِ امرىءٍ حينَ يَذكُرُ
بِقَصدِ المهيّا فزت بِالخَيرِ وَالرَضا / وَما زالَ مَن يَرجوهُ بِالبِرِّ يَظفَرُ
فَلِلَّهِ دَرُّ السَيِّدِ بن مُفَرِّجٍ / فَتىً فاضِلٌ حُلوُ الشَمائِلِ خَيِّرُ
عَجِبتُ لِفَضلٍ فيهِ لَمّا رأَيتُهُ / وَما زِلتُ في أَفعالِهِ أَتَفَكَّرُ
لَهُ هِمَّة تَعلو عَلى كُلِّ هِمَّةٍ / وَرأيٌ حَصيفُ في الأُمورِ مُدَبِّرُ
مُقيمٌ لأهلِ القَصدِ بِالبَذلِ لِلعَطا / فِمِن وارِدٍ يَرجو وآخر يَصدُرِ
يَرى أَنَّ مَن والاهُ أَعظَم مِنَّةً / إِذا جاءهُ بِالقاصِدينَ مُبَشِّرُ
وَإِنّي لأَدري أَنَّ في القَصدِ نَحوَهُ / بُلوغَ الرِضا فيما أُحِبُّ وَأُثِرُ
رِضىً كامِل لِلفَضلِ وَالدينِ وَالسَخا / وَأَصلٌ بِهِ أَصلُ المَناقِبِ يَفخَرُ
أَماطَت يَداهُ الفَقر بِالجودِ وَالنَدى / وَقارَنه في النَيل من كان يَقتُرُ
إِذا رامَ راجٍ قَصدَهُ وَهوَ مُعدَمٌ / فَلا مطله يَخشى وَلا الرَد يَحذَرُ
أَلفَت النَدى يأَبى الجَديد وَلَم تَزَل / أَحاديثك الحُسنى مَدى الدَهرِ تَنشُرُ
هَنيئاً لك العيد الَّذي أَنت عيده / وَلا زالَت الأَعياد عندك تَكثُرُ
وَقابل فيهِ السَعدُ وَاليمن وَالرِضا / وَكل الَّذي تَرجوه سَهلٌ مُيَسَّرُ
أَتاني عَن تاجِ الزَمان تَعتُّبُ
أَتاني عَن تاجِ الزَمان تَعتُّبُ / يُضَيِّق وسع الأَرض فَضلاً عَن الصَدرِ
وَلَم أَمتَدِحهُ آخِراً لِجَهالَةٍ / وَهَل لِلَّذي لا يَعرف الشَمس من عُذرِ
وَلَكِنَّني لَمّا رأَيتُ صِفاتِهِ / خَتَمنَ العُلى طراً خَتَمتُ بِهِ شعري
وَقَد أَخَّرَ اللَهَ النَبيَّ لِفَضلِهِ / وَقَدَّمَه في رتبةِ الفَضلِ وَالأَجرِ
أَعرتَهُم مِن دُرِّ وَصفك جَوهَراً / تَحَلّوا بِهِ ما بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرٍ
وَتاهو به عاريَّةً لا تَمَلُّكا / فَإِن شِئتَ رَدّوا ما استَعاروا مِنَ الدُرِّ
فَلَما تَمادى الأَمرُ نادَت بيَ العُلى / غَلَّطت فأعطِ القوسَ وَيحَكَ من يَبري
فَعادَ مَديحي نَحوَ أَبلجَ حَدِّثوا / بِلاح حَرَجٍ عَن جودِهِ وَعَن البَحُرِ
وَغايَة هَذا الفَضل أَنتَ وَإِنَّما / يُوافي إِلى الغاياتِ في آخِرِ الأَمرِ
بكرت عواذله تُعاتِبه
بكرت عواذله تُعاتِبه / وجلون دون مَواقِعِ الغَدرِ
وَتَصرَّمت أَيام لَذَّتِهِ / فَمَضَينَ عَنهُ بِجِدَّةِ العُمرِ
وَخَلَت مَنازِلُ من أَحِبَّتِهِ / قَذَفت بِهِم عنها يَدُ الدَهرِ
نَذَر الزَمانُ عَلى تفرُّقِنا / نَذراً فأبى يُصادِقُ النَذرِ
وَأَشَدُّ ما أَلقاهُ بَعدَهُم / أَنّي فُجِعتُ بِهِم وَبالصَبرُ
يا ظَبيَةَ القاعِ بَينَ الضال وَالسَمرِ
يا ظَبيَةَ القاعِ بَينَ الضال وَالسَمرِ / من كانَ أَغراكِ بالإِعراضِ وَالخَفَرِ
نَظَرتُ يَومَ مروراتٍ فأقصَدَني / سَهمٌ من الوَحشِ راميه مِنَ البَشَرِ
قَد كُنتُ أَعجَب من قول مَضى قدر / فمنذ ذَلِك قَد آمنتُ بِالقَدرِ
وَبِمُهجَتي يا عاذِليَّ مُهَفهَفٌ
وَبِمُهجَتي يا عاذِليَّ مُهَفهَفٌ / جمع التنحولِ بِأَسرِهِ في خَصرِهِ
أَسروه من بلد الثُغورِ فَأَصبَحَت / نَفسي أَسيرَة ناظريهِ وَثَغرِهِ
وَحَياتِهِ لَولا مَلاحةَ وَجهِهِ / ما ذَلَّ إِيماني لعزَّةِ كُفرِهِ
عَذِّب بِنارِ الحُبِّ قَلبي الَّذي
عَذِّب بِنارِ الحُبِّ قَلبي الَّذي / صَبَرته عنك فلَم يَصبِرِ
وَلا تَذُق طَعمَ الكَرى مُقلة / نَمَّت بِأَسراري وَلَم أَشعُرِ
أَظلُمُ من جورِكَ جور الَّذي / رأى عِذاريكَ فَلَم يَعذُر
أَوقَدَ البين في الخَميس خَميساً
أَوقَدَ البين في الخَميس خَميساً / لِلأَسى وَالفُؤاد فيهِ وَطيسا
لا ذكرتُ الخَميس إِذا فاجأتَني / كُنَّ فيهِ وَلَستُ أَنسى الخَميسا
إِذ تَوَلَّت جُموعُهُم عَن مَحَلٍ / حَلَّ صَبري وَهاجَ وَجداً رَسيسا
مَربَعٌ بان أَهله ثُمَّ أَضحى / مقفراً موحشاً وَكانَ أَنيسا
ثَوَّر الحزنُ عيسَ وجد مُقيم / بِفؤادي لَمّا أَثاروا العِيسا
وقطرت الدُموع إِذ قطر العيس / وَحمَّلت قطر دَمعي نُفوسا
عُدنَ مِثلَ الشَقيق في اللَون لَمّا / عادَ قَلبي لصبغةِ الهَمِّ حيسا
وَذَر الدَهر يتبع اليسرَ عُسراً / وَالهَوى بِالنَوى وَنُعماهُ بوسا
يُضحِك اليَوم ذا وَفي الغَدِ يبكيهِ / فكلاً تَرى ضَحوكاً عَبواس
هَكَذا صَرفُهُ يصرَّف في الناس / يَجرح يدوي وآخر يوسى
وَإِذا أَعقَبَ النُحوسَ سُعوداً / لِلفَتى أَتبع السُعودَ نُحوسا
وَهيَ تُعطي الخَسيس حَظاً نَفيساً / ثُمَّ تُعطي النَفيس حَظّاً خَسيسا
فَتَرى الفاضِلَ الأَديب أَخا / الفَهمِ عَلى عَظمِ قَدرِهِ مَنحوسا
دَهرُنا وَالِدٌ وَنَحنُ بَنوهُ / فاتَ في حُبِّهِ لَنا التَنفيسا
قسم الحَظَّ في بَنيهِ بِجَورٍ / فَبذا أَصبَحَ المَروسُ رَئيسا
جَعَل العلم وَالفطانة فينا / وَالنُهى وَالحِجى الجَليلَ النَفيسا
ظاهِر القَسمِ فيهِ جور وَفي / الباطِن عدل يُجانِبُ التالِيسا
فاستَعِن في الأُمورِ بِاللَهِ واصبِر / إِنَّ ذا الفَضلِ لا يَكونُ يؤوسا
وَلَقَد قلت لِلزَّمانِ مَقالاً / حينَ أَكدى وَعادَ جدباً يَبيسا
أَيُّهذا الزَمان إِن كنت صَخراً / فَبِكِلتا يَديَّ آيَة موسى
وَلَئن كنت داء كل كَريم / فَمعي من حذاقة طِبُّ عيسى
إِنَّ لي يا أَبا الحُسَين فؤاداً / فارِغاً من هَوى الوَرى مَنكوسا
وَهوَ ملآنُ مِنك وداً مُصفّى / قَد نَفى المذق عنه وَالتَدليسا
أَنتَ في المجد وَالمَعالي يَتيماً / أَبَداً مجدها عليك حَبيسا
من يناؤيكم وَأَنتم أناس / لم تَزالوا عَلى النُجومِ جُلوسا
وَإِذا ناقص أَرادَكَ بِالنَقصِ / ثَنى المجد رأيه مَنكوسا
صَغُر الناس في زَمانك وازددت / عَلاءً وَسؤدداً قُدموسا
وَأَتاك المَديح يَختال نَهزاً / وَلَقَد رمته فَكان شَموسا
هَذه مَدحة بوصفك تَعلو / كل مَدحٍ فَقَد غَدا مَطموسا
هاكها كالعَروسِ في الزَيِّ تُجلى / مِن جَمالٍ بِها تَروق العَروسا
لفظها يَترك الطُروسَ رِياضاً / وَسِوى لَفظِها يشين الطُروسا
فَتَختال البُيوت مِنها بروجاً / وَالمَعاني أَهِلَّةً وَشُموسا
خَطرات الصِبا تَشوق النَفيسا
خَطرات الصِبا تَشوق النَفيسا / وَخطوب النَوى تُذيب النُفوسا
بَرَح البين بِالأَحِبَّةِ مُذ كانوا / فَهَذا السَليم وَالمالوسا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025