القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 367
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ / أما تَخْشَينَ من كسْبِ الذنوبِ
متى يُجْري طلوعُكِ في جفوني / سنا شمسٍ مواصلةِ الغروبِ
وكم تُبْلي الكروبُ عليك جسمي / ألا فَرَجٌ لديك من الكروبِ
وأنْتِ قدحتِ في أعشارِ قلبي / بسهميك المُعلّى والرّقيبِ
ولم أسمع بأنّ عيونَ عِينٍ / تُفيضُ سهامَهُنَّ على القلوبِ
أسِهامٌ مُفَوّقاتٌ لرمْيِي
أسِهامٌ مُفَوّقاتٌ لرمْيِي / أم قِداحٌ مفوَّقات لضربي
صائباتٌ جميعُهَا فاتراتٌ / وَيْحَ قلبي ماذا يُعِدّ لقلبي
تلكمُ الأعينُ التي خذلَتني / في التصابي بها خواذلُ سَربِ
رَبّةَ البُرْقُعِ الَّتي فيه تَحمي / وردةَ الخدّ عقربٌ ذاتُ لسبِ
قد مزَجْتِ العذابَ لي فهو عذبٌ / بزلالٍ من ماء ثغرِكِ عَذْبِ
بَاكِر صَبوحَك مِن سُلافِ القَهوةِ
بَاكِر صَبوحَك مِن سُلافِ القَهوةِ / وامزج بسمعك صِرْفَها بالنغمةِ
وانظر إلى النارنج في الطبق الذي / أبدى تدانيَ وجنةٍ من وجنةِ
ومن العجائب أن تضرّم بيننا / جمراتُ نار تُجْتَنَى من جنةِ
ولقد سريتُ بفتيةٍ قطعوا الفلا
ولقد سريتُ بفتيةٍ قطعوا الفلا / بعزائمٍ مثلِ الصوارم سُلّتِ
وكأنّ ليلة عزمهم زَنْجِيّةٌ / زِينَتْ بِحلْيِ نجومها فتحلّتِ
غَمَسَتهُمُ في غَمرَةٍ من هَولها / صَبَروا لها بِسُرَاهمُ فتَجلّتِ
وكَأَنَّما عُقَدُ الحَنادس بُوكِرَتْ / بيدٍ من الصبح المنير فحلّت
وكَأَنّ أَنجُمها على أَعجَازها / دَرَقٌ على أكفال دُهْمٍ وَلّتِ
يا لَيلَةً فُزْتُ إذْ ظَفرتُ بها
يا لَيلَةً فُزْتُ إذْ ظَفرتُ بها / لأنْتِ صَفْوُ الحَياةِ لو دُمْتِ
هزَمتُ فيك الهمومَ فانْهَزَمَتْ / بكرّ شُقْرِ الكؤوس والكُمْتِ
وكادَ لَيلي يكون من قِصَرٍ / غَيرَ زَمَانٍ مجدّد الوقتِ
وذي أربع كخوافي العُقَاب
وذي أربع كخوافي العُقَاب / يطيرُ بها السبق عن حلبَتِه
كأنّ الصَّبا قُيّدَتْ خَلْفَهُ / مُقَصّرَةً عن مدى وثبته
تَرى اللّيلَ يُغْمَسُ في وَجْهه / ويَبتَسِمُ الصبحُ من غُرّتِه
يقدّمُهُ للوغى مِحْرَبٌ / كأنّ الغَضنْفَرَ في نَثْلَته
كأنّ المَدى منهُ في قبضَةٍ / فإيّاكَ إيّاكَ من قبضته
بأزْرَقَ في أسمرٍ لم يَزَلْ / دمُ الذِّمْرِ كالكحلِ في زرقته
وعضبٍ لأنْفُس أُسْدِ الكِفاح / معاطبُ تكمنُ في سلته
ترى خضرَةَ الماء مشبوبَةً / بها حمرةُ النّار في صفحته
وتحسبه وادياً مُفْعَماً / سراباً تموّج في قفرته
يَنَالُ به فُسْحَةً في العلى / مَنِ ازدحمَ الهمُّ في هِمّته
الدّمعُ يَنطقُ واللّسانُ صَموتُ
الدّمعُ يَنطقُ واللّسانُ صَموتُ / فانظرْ إلى الحركاتِ كيف تموتُ
ما زالَ يظهرُ كلّ يومٍ بي ضَنَىً / فلذاك عن عَيْنِ الحِمامِ خَفِيتُ
صبٌّ يطالِبُ في صبابَةِ نَفسِهِ / جسداً بمديةِ سقمه منحوتُ
وأنا نذيرك إنْ تُلاحظ صبوةً / فاللّحظُ منكَ لنارِها كِبريتُ
قد كنتُ في عهدِ النصيح كآدمٍ / لكن ذكرتُ هوى الدّمَى فنسيتُ
كيف التخلّصُ من فواترِ أعينٍ / يُلْقي حبائلَ سحرها هاروتُ
ومُعذِّبي مَنْ يَستلذُّ تَعذّبي / لا باتَ من بلوَايَ كيفَ أبِيتُ
رشأٌ أحنّ إلى هواه كأنّه / وطنٌ وُلدتُ بأرضه ونشيتُ
في ليلِ لمته ضللتُ عن الهوى / وبنورِ غُرّتِهِ إليه هديتُ
ومنعَّمٌ جَرَحَ الشّبابُ بخَدّهِ / لحظي فسالَ على المها الياقوتُ
وأنا الذي ذاقت حلاوةَ حُسْنِهِ / عيني فساغَ لطرفها وشجيتُ
قال الكواعبُ قد سعدتَ بوصلنا / فَأَجبتها وبِهَجركنّ شقيتُ
كنْتُ المُحبّ كرامَةً لشَبيبَتي / حتى إذا وَخَطَ المَشِيبُ قُلِيتُ
مَن أَستَعينُ بِهِ على فرط الأسَى / فأنا الذي بجنايَتي عوديتُ
كنتُ امرَأً لم أَلقَ فيه رزيّةً / حتى سُلِبْتُ شبيبَتي فرُزِيتُ
تهدي ليَ المرآةُ سُخْطَ جنايَتي / فَاللَّه يعلمُ كيف عنه رضيتُ
همّي كسِقطِ القَبسِ لكنْ طُعمُهُ / عُمْرٌ إذا أفْناهُ فيَّ فنيتُ
وإذا المشيبُ بَدا به كافُورُهُ / كَفَرَتْ به فكأنّه الطّاغوتُ
ولربّ مُنْتَهِبِ المدى يجري به / عرقٌ عريقٌ في الجيادِ وَلِيتُ
لَيلٌ حَبَاهُ الصبحُ درهمَ غُرّةٍ / وحجولَ أربعَةٍ بهنّ القوتُ
متفنّنٌ في الجري يتّبعُ اسمَهُ / منه نعوتٌ بعدهنّ نعوتُ
أطلَقتُهُ فعقلتُ كلّ طريدة / تبغي بلحظِكَ صيدَها فتفوتُ
لقطتْ قوائمه الأوابدَ شُرّداً / قد كانَ منهُ لِجَمعها تَشتيتُ
فكأنّمَا جَمَدَ الصُّوارُ لِدَوْمِهِ / تَحتي فَلي من صَيدها ما شيتُ
سارعْ إلى الحقّ وعوّلْ على
سارعْ إلى الحقّ وعوّلْ على / قولِ حكيمٍ بارع الحِكمةِ
إنْ شئتَ أنْ تَحيا فكنْ صادقاً / فإنّما الكذّابُ كالمَيّتِ
ومسبلةٍ دَمعاً يَسوغُ عُذوبةً
ومسبلةٍ دَمعاً يَسوغُ عُذوبةً / على أن دمع المقلَتين أُجاجُ
مَرَتْها صَباها حين درَّت فأُرضعت / بسائطُ من أخلاقها وفجاجُ
تَخَرّقَ فيها لمعُ برْقٍ كأنّما / يَشُبّ ويَخبُو من سَنَاهُ سراجُ
علت خيلُنا منها جليداً فلم يُتَحْ / بِنا للعدى من عَدوهِنَّ عجاجُ
وكم حافرٍ في الرسغ منه زبرجدٌ / كسير به ممّا علاه زجاجُ
بأُسدِ وغىً كم قيل عوجوا نُصرْتمُ / على الموت من حرب العداة فعاجوا
فلا غُنمَ إلّا كلّ رأسٍ كأنّهُ / على الرمح من ضَرْبِ المهندِ تاجُ
وخُمْصانَةٍ منقادَةٍ بذوائبٍ / لسائِقِها خَلْفَ الجَوادِ لجاجُ
كأنّ وراءَ الخيلِ منها جآذراً / تُرَوّعُ أخصارٌ لهنّ دماجُ
فكانَ لنا في الرّومِ قتلٌ معجَّلٌ / وفينا لهم من الوشيج شجاجُ
ومشبهَةٍ في الجَوِّ أنوارَ أختها
ومشبهَةٍ في الجَوِّ أنوارَ أختها / يضيءُ سَنَاها كلَّ أسحمَ داج
كأنّ صلالاً وسطها في مكامنٍ / تحركُ فيها ألسناً بلجاج
وتحسبها تجلو على كلّ ناظرٍ / كواكبَ نارٍ في بروجِ زجاج
قد أرانا مكافحُ الأُسْدِ سيفاً
قد أرانا مكافحُ الأُسْدِ سيفاً / حَدُّهُ في طَلا عِداهُ وَلُوجُ
فَرَأينا في دَسْتِهِ بَحرَ بأسٍ / مُدّ منهُ إلى الضّرابِ خَليجُ
وحسبنا الفِرِنْدَ أرْجُلَ نَمْلٍ / عَبَرَتْ مِنهُ جَدْوَلاً لا يَمُوجُ
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها / يضاحكُها في الغيم سِنّ من الضِّحّ
كأنّ صَبَاها للعرانين فَتّقَتْ / نداها بندٍّ فهي طيِّبةُ النفح
بأطيبَ من ريّا لماها لراشفٍ / إذا انتبهتْ في الشرْقِ ناظرةُ الصبح
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على / صبٍّ من الشوق دائمِ البَرحِ
بِحُمْرَةٍ في الجُفُونِ تحسبها / نَدَرْتُهَا في الفُؤادِ عَن جرحِ
هل جَمدَ البحرُ من دجاكَ فما / ينتقلُ الحوت فيه بالسّبْحِ
أم حدثَت حَيْرَةٌ مواصلة / في الجوّ بَينَ البُطَيْنِ والنّطحِ
لو كنت ليل الشبابِ بتّ إلى ال / صبحِ من الشيب طائرَ الجُنْحِ
لو كنت ليل الشبابِ فُتُّ ولم / تَدّرِكِ النّاظِرِينَ باللّمحِ
متى أرى كلكلاً بركت به / يَطْعَنُ فيه السِّماكُ بالرّمحِ
وللثّرَيا جناحُ قاطِعَةٍ / بالخفق منه مسافةَ الجُنحِ
وأشهبُ الصبح في إغارته / يستاقُ ما للنّجومِ من سرحِ
فاطوِ رواقَ الظّلامِ عن أُفُقٍ / تُنْشَرُ فيه مُلاءَة الصبحِ
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها / كَرْهاً وجُنْحُ الليلِ مدّ جناحَا
جَمَعَ الشبابُ به بنيهِ وبينهم / شيخٌ غَدا شيبٌ عليه وراحا
وكأنّه في كلّ داجي شعرةٍ / في الرأسِ منهُ مُوقِدٌ مِصباحا
أمسَيتُ مَفطوماً عَنِ الكَأسِ الَّتي / يتراضعُ الندمَاءُ منها راحا
إلّا شميماً كان هَمّاً سُكْرُهُ / وغناؤهُ في مسمعي نياحا
جُرْنا على زمنِ الصبا الزَاهي الَّذي / عزَلَ الهمومَ ومَلّكَ الأفراحا
أبناءُ عصرٍ فَتّقُوا من بَينهم / مِسْكَ الشّبيبَةِ بالمُدامِ ففاحا
جَعَلوا حُداءَهُمُ السَماعَ وأَوجَفوا / بدلَ القَلائِصِ بينَهم أَقداحا
وَكَأنّما نَبَضَتْ لهم أَفواهُهُم / بِالشُربِ مِن أَجسامِها أَرواحا
حَتّى إذا اصطَبَحوا فررتُ فلم يجِد / للشيبِ بَينَهمُ الصباحُ صَباحا
ما لي أُكافحُ قِرْنَ كأسٍ جالَ في / مَيدانِ نشوَته وجال كِفاحا
ومجدَّلٌ شاكي السّلاحِ من الصِّبا / من لم يُبَقّ له المشيبُ سِلاحا
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي / كَواكِبُ يَخفى غيرها وهي لائِحه
أراكَ مُحِبّاً لا مُحَبّاً فعَدّ عَن / مكابدةٍ تشقى بها لا مسامَحه
تروحُ وتغدو جانحاً عن مَحَبَّةٍ / إليّ ونفسي عن وصالِكَ جَانِحَه
إِذا ما شَبابي نالَ شيبُكَ عِطفَهُ / فخاسرةٌ نَفسي ونفسُكَ رابحَه
ولو عَلمتْ سني لما كان لومُها / عليّ سناناً جارحاً كلَّ جارحه
لشيَّبني في عنفوانِ شَبيبَتي / لقائي مِنَ الأَيّامِ دَهياءَ فادِحه
وقَطعِيَ غَولَ القَفرِ في مَتنِ سابِحٍ / وخوضيَ هَوْلَ البَحرِ في بَطنِ سابِحه
وما ضرّها كافورُ شيبي وتحتهُ / لمسك شبابي كلُّ فِعلٍ ورائِحه
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ / مَرْحباً بالشّمسِ في غيرِ صَباحْ
سلّمَ الإيماءُ عنها خجلاً / أوَمَا كان لها النّطقُ مُباح
غادَةٌ تَحملُ في أجفانِها / سقماً فيه منيّاتُ الصحاح
بتُّ منها مُستعيداً قُبَلاً / كانَ لي مِنها عَلى الدّهرِ اقتراح
أَلثم الدّرَّ حصىً ينبع لي / بزلالٍ ناقعاً فيه التياح
وأُروّي غُلَلَ الشّوقِ بما / لم يكُنْ في قُدْرَةِ الماءِ القَراح
باعتناقٍ ما اعتنَقْناهُ خَنىً / والتزامٍ ما التزمناهُ سفاح
ما على من صادَ في النّوم لَهُ / شَرَكُ الحلمِ مهاةً من جُناح
همتُ بالغيدِ فلو كنت الصِّبا / لم يكُنْ منّيَ عنهنّ بَرَاح
ورددتُ الشيبَ عنها معرضاً / بكلامِ السّلمِ أو كلْم الكفاح
عَلِّلِ النّفسَ بريحانٍ وراحْ / وأطِعْ ساقِيَها واعصِ اللّواح
وأدِرْ حمراءَ يسري لُطُفاً / سُكْرُها منْ شمِّها في كلّ صَاح
لا يغرّنّكَ منها خَجَلٌ / إنّها تُبديه في خدٍّ وَقَاح
واعْلُهَا بالماءِ تَعْلَمْ منهما / أنّ بينَ الماءِ والنّارِ اصطلاح
وإذا الخَمْرُ حماها صِرْفُهَا / تَرَكَ المزْجُ حماها مُسْتَباح
خلّني أُفْنِ شَبابي مَرَحاً / لا يُرَدّ المهرُ عن طَبْع المراح
إنّما يَنْعَمُ في الدّنْيا فَتىً / يدْفَعُ الجِدّ إليها في المزاح
فاسقِني عن إذْنِ سلطانِ الهَوَى / ليس يَشفي الرّوحَ إلّا كأسُ راح
وانتَظرْ للحلمِ بعدي كرّةً / كم فسادٍ كان عُقْباهُ صلاح
فالقضيبُ اهتَزّ والبَدرُ بدا / والكثيبُ ارتَجّ والعنبرُ فاح
والثريّا رجحَ الجوُّ بها / كابنِ ماءٍ ضمَّ للوكرِ جناح
وكأنّ الغَربَ منْها ناشقٌ / باقةً من ياسمينٍ أو أقاح
وكأنّ الصبحَ ذا الأنوار من / ظُلَمِ اللّيلِ على الظلماءِ صاح
فاشرَبِ الراحَ ولا تُخْلِ يداً / من يدِ اللّهوِ غُدُوّاً ورواح
ثَقّلِ الرّاحةَ مِنْ كاساتِها / برَداحٍ من يَدِ الخودِ الرّداح
في حديقٍ غَرَسَ الغَيثُ بهِ / عَبقَ الأرواح مَوْشيَّ البطاح
تعقلُ الطَّرفَ أزاهير به / ثمّ تعطيه أزاهيرَ صراح
أرْضَعَ الغَيمُ لباناً بانَهُ / فَتَربّتْ فيه قاماتُ المِلاح
كُلّ غصنٍ تَعتري أعطافَهُ / رِعْدَةُ النَشوانِ مِن كَأسِ اصطِباح
يكتسي صبغةَ وَرْسٍ كُلّما / ودَّعت في طَرَف اليَومِ براح
فكأنّ التربَ مِسْكٌ أذفَرٌ / وكأنّ الطلّ كافورُ رباح
وكأنّ الرّوْضَ رَشّتْ زَهْرَهُ / بمياهِ الوردِ أفواهُ الرّياح
أفَلا تَغنَمُ عَيشاً يقتَضي / سَيرُهُ عنكَ غُدوّاً ورواح
وإذا فارَقتَ ريعانَ الصِّبا / فَاللّيالي بأمانيكَ شِحاح
أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ
أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ / وشغلُ كفّيّ بكوبٍ وقَدَحْ
فَلا تَلُمني إنّني مُغْتَنِمٌ / مِنَ السّرورِ في زَمَاني ما مَنَحْ
فإنّهُ مُسْتَرْجِعٌ هِبَاتِهِ / وباخلٌ مِن الصِّبا بما سَمَح
وَسَقِّني من قهوَةٍ كاساتُها / تُسْرِجُ في الأيدي مصابيحَ الصّبح
لو شمَّها صاحٍ عَسيرٌ سُكْرُهُ / تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ
ولا تسوّفْني إلى ترويقها / لا يَشْتَوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ
حتى أقولَ زاحفاً من نشوَتي / يَحْسُنُ بالتزحيفِ بيتُ المنسرح
ومالئٍ زقّاً وكاهُ مردياً / سمَّ الأسَى منهُ بدُرْياقِ الفَرَح
وجاثمٍ بين النّدامَى تَرْتَوي / أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَح
كأنّما رَدّتْ عليه روحَهُ / سُلافَةُ الرّاح فإن مُسّ رمح
غضّ الصّبا كأنّما حديثهُ / يمازجُ النّفسَ بأنفاسِ الملح
حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ / طَلّ دم العنقودِ منه وسفح
حتى إذا ما صبّ منه رَيّقاً / سدّ على ذَوْبِ العَقيقِ مَا فتح
ترَى نجيعَ الزقّ منهُ راشحاً / كأنّهُ من وَدَجِ اللّيلِ رَشَح
مُدامَةٌ للرّوحِ أُخْتٌ بَرّةٌ / يَنْأى بها سُرورُنا عنِ التَرَح
قد عَلِمَتْ مزاجَهُ فَشُرْبُها / يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح
وتجعلُ القارَ الذي باشَرَها / في الدنّ مسكاً للعرانينِ نفح
يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرِها / نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح
والشّمْسُ منها في نقابِ غَيمِها / مخافةً من نورها أن تُفْتَضَحْ
يومٌ كأنّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ / يَنْظِمُ للرّوضِ عُقُوداً وَوُشَح
يَقدحُ ناراً من زنادِ بَرْقِهِ / ويطفئُ الغيثُ سريعاً ما قَدَح
لمّا جَرَتْ فيهِ الصَّبا عَليلةً / رقّ الهواءُ فيهِ للنّفسِ وصَح
كأنّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِناْ / أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح
حتى علا الجوَّ دجىً لم يَغْتَبِقْ / فيه الثّرَى من الحيا كما اصطَبَح
غرابُ ليل فوقنا مُحَلّقٌ / يَقْبِضُ عنّا ظلّه إذا جنح
وقد محا صبغَ الدّياجي قَمَرٌ / دينارُهُ في كَفّةِ الغَرْبِ رَجَح
حتى إذا ردّ حُدا عدوّهِمْ / من كان في وادي الرّقادِ قد سرَح
نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ / يلمحُ طرْفَ الشكرِ من حيثُ لمح
يسألُ في تقويمِ جيدٍ مائلٍ / لو لم يسامحْ في الحميّا لسَمَح
أضاربٌ كفّيه يَشدو سَحَراً / أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح
نبّهَ للقهوَةِ كلّ طافح / في مصرَعِ السكر قتيلاً مُطّرَح
من كلّ جذلان كأنّ رُوحَهُ / عن جسمه من شدّةِ السكرِ نَزَح
إنّ الّذي شَحَّ على إيقاظِهِ / سامَحَ في الشُّهْبِ نداماهُ فشَح
وجاءنا السّاقي بصَحنٍ مُفْعَمٍ / لو شاءَ أنْ يَسْبَحَ فيه لسَبَح
يا لائمي في الراح كم سيئةٍ / تجاوَزَ الغَفّارُ عنها وصَفَح
ماذا تُريدُ من سَبُوقٍ كُلّما / رُمْتَ وقوفاً منه باللّومِ جَمَح
أغشُّ خلقِ اللَّه عند ذي هوى / من عَرَضَ الرشدَ عليه ونصح
حتى إذا فكّرَ عَنْ بَصيرَةٍ / ذمّ من الأفعالِ ما كان مَدَح
قُمْ هاتِها من كفّ ذاتِ الوِشاحْ
قُمْ هاتِها من كفّ ذاتِ الوِشاحْ / فقَد نَعى اللّيلَ بشيرُ الصّباح
واحللْ عُرَى نومكَ عن مُقلَةٍ / تَمْقُلُ أحداقاً مِراضاً صحاح
خَلِّ الكرَى عَنكَ وخُذْ قَهْوَةً / تُهدي إلى الرّوحِ نسيمَ ارتياح
هذا صَبُوحٌ وَصَبَاحٌ فما / عُذْرُكَ في تَرْكِ صَبُوح الصّباح
باكِرْ إلى اللّذّاتِ وارْكَبْ لها / سَوابقَ اللّهوِ ذواتِ المِراح
من قبل أنْ ترشُفَ شمسُ الضّحى / ريقَ الغوادي من ثُغُورٍ الأقاح
أو يطويَ الظلُّ بساطاً إذا / ما بَرِحَ الطلّ له عنْ بَرَاح
يا حَبّذا ما تبصرُ العينُ مِنْ / أنْجُمٍ راحٍ فوقَ أفلاكِ راح
في روضةٍ غنّاءَ غنّتْ بها / في قُضُبِ الأوْراقِ وُرْقٌ فِصَاح
لا يعرفُ النّاظرُ أغصانَها / إذا تثنتْ من قدودِ الملاح
كَأنّ مفتوتَ عبيرٍ بها / مُطَيّبٌ منه هُبوبُ الرّياح
من كلّ مقصورٍ على رنّةٍ / لو دمَعَتْ عَينٌ له قلتَ ناح
أو ساجعٍ تحسَبُ ألحانَهُ / مِن كُلّ نَدمانٍ عَلَيهِ اقتراح
إنْ قيل بَدّلْ بُدّلَتْ نَغْمَةٌ / منه كأنّ الجِدّ منها مُزاح
يا صاحِ لا تصحُ فكمْ لذّةٍ / في السكرِ لم يَدْرِ بها عيشُ صاح
وأَركبْ زماناً لا جماحٌ لهُ / من قبْلِ أنْ يحدثَ فيه الجماح
قلتُ لحادينا وكأسُ السرى / دائِرَةٌ من كَفّ عَزْمٍ صُرَاح
والعيسُ في شِرّةِ إرقالها / تلطِمُ بالأيدي خدودَ البطاح
لا تُطْمِعِ الأنضاءَ في راحةٍ / وإن وصلنا بغدوٍّ رواح
من كلّ مثل الغَرْبِ مَمْلُوءَةٍ / أيناً فما تَنْشَطُ عندَ امتِياح
فهي سخيّاتٌ وإنْ خلتها / بما أنالَتْ من ذميلٍ شحاح
تمتحُ بالأَرسانِ أرْماقَهَا / إِلى الرَشيدِ المَلِكِ المُستَماح
إنّ عُبَيدَ اللَّه منه انتَضَت / يمانيَ البأسِ يمينُ السّماح
مَلْكٌ به تُخْتَمُ أهْلُ العُلَى / إِذا بدا فَبِأَبيهِ افتِتاح
وعمّ منهُ الذلُّ أهلَ الخنى / وعمَّ منْهُ العزُّ أهلَ الصّلاح
مستَهدِفُ المعروفِ سمحٌ لهُ / عِرْضٌ مَصُونٌ وثناءٌ مباح
يخفضُ في المُلْكِ جنَاحَ العُلى / لم يَرْفَعِ القَدْرَ كخفضِ الجَناح
تمهرُ أرواحَ العدى بيْضُهُ / إذا أرادتْ من حروبٍ نكاح
فكلّما غَنّتْهُ في هامهم / أبْقَتْ على إثْرِ الغناءِ النّياح
كَمْ ليلَةٍ أشرَقَ في جُنحِها / بخضرمِ الجَيشِ إلال الصّباح
تسري بها عقبانُ راياتِهِ / مهتَدياتٍ بنُجومِ الرّماح
حوائِماً تحسبُ في أُفْقِهِ / مَجَرّةَ الخَضراءِ ماءً قراح
كأنّها والرّيحُ تَهفُو بهَا / قلوبُ أعدائِكَ يومَ الكِفاح
كَمْ مأزِقٍ أصدرتْ عن أُسْدِهِ / حُمْراً خَياشيمَ القنا والصفاح
يَفتَح في سَوْسَانِ لَبّاتِهِم / بنفسجُ الزّرْقِ شقيقَ الجراح
كأنّ أطرافَ الظُّبَى بينَهُمْ / تفلقُ فوقَ الهامِ بيضَ الأداح
أقبلتَهُمْ كلّ وجيهيَّةٍ / تضيّقُ العُمْرَ خطاها الفساح
كأنّما ترشَحُ أبصارُهَا / بما اغتَذَتْهُ من ضَريبِ اللّقاح
لولاك يا ابن العزّ من يَعْرُبٍ / لم تَلجِ الآمالُ بابَ النّجاح
ولا تَلَقّى الفَوزَ إذ سوهموا / بنو القوافي من مُعَلّى القداح
فانْعمْ بعيدٍ قد أتى ناظماً / كلُّ لسانٍ لك فيه امتداح
فقد أرتنا في ابتذالِ اللّهَى / كفُّكَ أفعالَ المُدَى في الأضاح
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ / بأنّ غرابَ البَينِ يَنْعَبُ في الصّبحِ
فقلتُ أقيمي من عِقاصِكِ صبغَةً / على اللّيْلِ تهْدي منه جنحاً إلى جنح
عسَى طوله يَثني عن البَينِ عَزْمَهُ / وتُفضي به حَرْبُ الفراقِ إلى الصّلح
وبَينَ خَلالِ الدُّرّ من ظبيةِ اللّوَى / رضابٌ قراحٌ لا يُداوى به قَرْحي
مُنَعَّمَةٌ في الحَيّ نيطَتْ لصونِها / جهاراً بحد السّيْفِ عاليةُ الرّمحِ
فقِفْ بحياةِ النّفسِ عن مصرع الرّدى / فمن لا يدانِ النّارَ يَنجُ منَ اللّفحِ
فكمْ مُهجَةٍ قد غَرّها الحبّ بالمُنى / فأسلفها الخسرانَ في طَلَبِ الرّبحِ
يقولونَ لي لا تجيدُ الهجاءَ
يقولونَ لي لا تجيدُ الهجاءَ / فقلتُ وما لي أُجيدُ المديح
فقالوا لأنّكَ تَرْجو الثّوابَ / وهذا القياسُ لعمري صحيح
فقلتُ صفاتي فقالوا حسانٌ / فقلتُ نسيبي فقالوا مليح
فقلت إليكم فلي حُجّةٌ / وللحقّ فيها مجالٌ فسيح
عفافُ اللّسانِ مقالُ الجميل / وفِسْقُ اللّسانِ مقالُ القَبيح
وما لي وما لامرِئٍ مسلِمٍ / يَرُوحُ بسَيْفِ لساني جَريح

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025