المجموع : 393
مَنِ الرَّكْبُ يا بْنَ العامِريِّ أمامي
مَنِ الرَّكْبُ يا بْنَ العامِريِّ أمامي / أهُمْ سِرُّ صُبْحٍ في ضَميرِ ظَلامِ
يُشَيّعُهُمْ قَلْبُ المَشوقِ وربّما / يُقادُ إِلى ما ساءَهُ بزِمامِ
وقدْ بَخِلَتْ سُعْدى فلا الطّيْفُ طارِقٌ / وليسَ بمَرْدودٍ إليّ سَلامي
منَ الهِيفِ تَستَعدي على لَحْظِها المَها / وتَسلُبُ خُوطَ البانِ حُسْنَ قَوامِ
وكمْ ظَمَأٍ تحتَ الضّلوعِ أُجِنُّهُ / إِلى رَشَفاتٍ من وَراءِ لِثامِ
وما ذُقْتُ فاهَا غَيرَ أنّي مُكَرِّرٌ / أحاديثَ يَرْويها فُروعُ بَشامِ
هَوىً حالَ صَرْفُ الدّهْرِ بيني وبَيْنَهُ / أقُدُّ لهُ الأنْفاسَ وهْيَ دَوامِ
وغادَرَني نِضْوَ الهُمومِ يُثيرُها / غِناءُ حَمامٍ أو بُكاءُ غَمامِ
وأشْتاقُ أيّامَ العَقيقِ وأنْثَني / بأربَعَةٍ مِنْ ذِكْرِهِنّ سِجامِ
وهلْ أتناسى العَيْشَ غَضّاً كأنّهُ / أُعيرَ اخضِراراً في عِذارِ غُلامِ
بأرْضٍ كأنّ الرّوْضَ في جَنَباتِها / يجُرُّ ذُيولَ العَصْبِ فوقَ أَكامِ
إذا صَفَحَتْ غُدْرانَهُ الرّيحُ خِلْتَها / تُدَرِّجُ أثْراً في غِرارِ حُسامِ
ونامَ حَوالَيْها العَرارُ كأنّها / تُديرُ على النُّوارِ كأْسَ مُدامِ
سَبَقْنا بِها رَيْبَ الزّمانِ إِلى المُنى / وقَدْ لَقِحَتْ أسْماعُنا بمَلامِ
ومنْ أرْيَحيّاتي إذا اقْتادَني الهَوى / أفُضُّ وإنْ ساءَ العَذولُ لِجامي
وما زالَتِ الأيّامُ تُغْري بِنا النّوى / وتَسْحَبُ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وعُرامِ
أراها على سُعْدى غَيارى كأنّما / بِها مابِنا من صَبْوَةٍ وغَرامِ
فَيا لَيْتَها إذا جاذَبَتْني وِصالَها / تَرَكْنَ هَواها أو حَمَلْنَ سَقامي
لَعَمْرُ المَعالي حَلفَةً أُمَوِيّةً / لَسَدَّ علَيَّ الدّهْرُ كُلَّ مَرامِ
أما في لئامِ النّاسِ مَندوحَةٌ لهُ / فحَتّامَ لا يَحْتاجُ غَيْرَ كِرامِ
لأَدَّرِعَنَّ اللّيلَ يَلْمَعُ صُبْحُهُ / تَحَدُّرَ راحٍ منْ خِلالِ فِدامِ
على أرْحَبيّاتٍ مَرَقْنَ منَ الدُّجى / وقد لَغِبَ الحادي مُروقَ سِهامِ
حَوامِلَ للحاجاتِ تُلقى رِحالُها / إِلى ماجِدٍ رَحْبِ الفِناءِ هُمامِ
أغَرُّ كِلابي عَلَيْهِ مَهابَةٌ / تُغَضُّ له الأبْصارُ وهْيَ سَوامي
منَ القَوْمِ لمْ يَسْتَقْدِحِ المَجْدُ زَنْدَهُ / لدى الفَخْرِ إلاّ أوْقَدوا بِضِرامِ
وأعلاهُمُ في قُلّةِ المَجْدِ مَرْقَباً / أخو نِعَمٍ في المُعْتَفينَ جِسامِ
مُحَجَّبُ أطرافِ الرِّواقَيْنِ بالقَنا / إذا ادّرَعَ الخَيْلانِ ظِلَّ قَتامِ
ولمْ تَعثُرا إلا بأشْلاءِ غِلْمَةٍ / تُرَوّي غَليلَ المَشْرَفيِّ وهامِ
نُطالِعُ منْ أقْلامِهِ وحُسامِهِ / مَقَرَّ حَياةٍ في مَدَبِّ حِمامِ
ويَخْبُرُ أهواءَ النّفوسِ بنَظْرَةٍ / تَفُضُّ لها الأسرارُ كلَّ خِتامِ
وتَنْضَحُ كفّاهُ نَجيعاً ونائِلاً / تدَفُّقَ نائي الحَجْرَتَيْنِ رُكامِ
بحِلْمٍ إذا الخَطْبُ استُطيرَتْ لهُ الحُبا / رَماهُ برُكْنَيْ يَذْبُلٍ وشَمامِ
وخُلْقٍ كما هَبّتْ شَمالٌ مَريضَةٌ / على زَهَراتِ الرّوْضِ غِبَّ رِهامِ
وعِرْضٍ كمَتْنِ الهِنْدُوانيِّ ناصِعٌ / تَذُبُّ المَعالي دونَهُ وتُحامي
صَقيلُ الحَواشي مَسْرَحُ الحَمْدِ عندَهُ / رَحيبٌ وما فيهِ مُعَرَّسُ ذامِ
فللهِ مَجْدٌ أعْجَزَ النّجْمَ شأوُهُ / أحَلَّكَ أعْلى ذِرْوَةٍ وسَنامِ
وهبّتْ بكَ الآمالُ بعدَ ضَياعِها / لَدى مَعْشَرٍ عنْ رَعْيِهِنَّ نِيامِ
فَدونَكَ مما يَنظِمُ الفِكْرُ شُرَّداً / سَلَبْنَ حَصى المَرْجانِ كُلَّ نِظامِ
تَسيرُ بشُكْرٍ غائِرِ الذِّكْرِ مُنْجِدٍ / يُناجي لِسانَيْ مُعْرِقٍ وشَآمي
ويَهْوى مُلوكُ الأرضِ أن يُمْدَحوا بِها / وما كُلُّ سَمْعٍ يرتَضيهِ كَلامي
ألَمْ يَعلَموا أني تبوّأْتُ مَنزِلاً / يُطَنِّبُ فوقَ النَّيِّرَيْنِ خِيامي
وقد كُنتُ لا أرضى وبي لاعِجُ الصّدى / سِوى مَنْهَلٍ عَذْبِ الشريعَةِ طامِ
ولَمَّا اسْتَقرّتْ في ذراكَ بِنا النّوى / وقد كَرُمَ المَثْوى نَقَعْتُ أُوامي
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ / واليومَ طالَبَ صَرْفُها بالثّارِ
سُدَّتْ على عُونِ الرّزايا طُرْقُها / فسَمَتْ لنا بخُطوبِها الأبْكارِ
عَجَباً من القَدَرِ المُتاحِ تولّعَتْ / أحْداثُهُ بمُصَرِّفِ الأقدارِ
ولَنا بمُعتَرَكِ المَنايا أنْفُسٌ / وقَفَتْ بمَدْرَجَةِ القَضاءِ الجاري
في كلِّ يومٍ تعْتَرينا رَوعَةٌ / تَذَرُ العُيونَ كَواسِفَ الأبْصارِ
والموْتُ شِرْبٌ ليسَ يُورِدُهُ الرّدى / أحَداً فيَطْمَعَ منهُ في الإصدارِ
شرِبَ الأوائِلُ عُنفُوانَ غَديرِهِ / ولَنَشْربَنَّ بهِ من الأسْآرِ
ملأَتْ قُبورُهُمُ الفَضاءَ كأنّها / بُزْلُ الجِمالِ أُنِخْنَ بالأكْوارِ
ألْقَوا عِصِيَّهُمُ بدارِ إقامَةٍ / أنْضاءَ أيّامٍ مَضيْنَ قِصارِ
وكأنّهمُم بلَغوا المَدى فتَواقَفوا / يتَذاكَرونَ عَواقِبَ الأسْفارِ
لمْ يَذهَبوا سَلَفاً لنَغْبُرَ بَعدَهُمْ / أينَ البَقاءُ ونحنُ في الآثارِ
حارَتْ وراءَهُمُ العُقولُ كأننا / شَرْبٌ تُطَوِّحُهُمْ كُؤوسُ عُقارِ
يا مَنْ تُخادِعُهُ المُنى ولرُبّما / قطَعَتْ مَخائِلُها قُوى الأعمارِ
والناسُ يستَبِقون في مِضْمارِها / والمَوتُ آخِرُ ذلكَ المِضْمارِ
والعُمْرُ يَذْهَبُ كالحياةِ فما الذي / يُجْدي عَليكَ منَ الخَيالِ السّاري
بَيْنا الفَتى يَسِمُ الثّرى برِدائِهِ / إذ حَلَّ فيهِ رَهينَةَ الأحْجارِ
لوْ فاتَ عاديَةَ المَنونِ مُشَيَّعٌ / لنَجا بمُهْجَتِهِ الهِزَبْرُ الضّاري
أقْعى دوَيْنَ الغابِ يمنَعُ شِبلَهُ / ويُجيلُ نظرَةَ باسِلٍ كَرّارِ
وحَمى الأميرَ ابنَ الخَلائِفِ جعفَراً / إقْدامُ كُلِّ مغَرِّرٍ مِغْوارِ
يمشي كما مَشَتِ الأسودُ إِلى الوَغى / والخَيْلُ تَعثُرُ بالقَنا الخَطّارِ
ويخوضُ مُشْتَجَرَ الرِّماحِ بغِلْمَةٍ / عرَبيّةٍ نَخَواتُها أغْمارِ
ويَجوبُ أرديَةَ العَجاجِ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ تئِنُّ لهُ الرُّبا جَرّارِ
والمَشْرَفيّاتُ الرِّقاقُ كأنّها / ماءٌ أصابَ قَرارَةً في نارِ
ينعَوْنَ فَرْعاً من ذَوائِبِ دَوْحَةٍ / خَضِلَتْ حَواشِيها عَلَيْهِ نُضارِ
نَبَويّةِ الأعراقِ مُقْتَدَرِيّةٍ / تَفْتَرُّ عنْ كَرَمٍ وطِيبِ نِجارِ
ذَرَفَتْ عُيونُ المَكْرُماتِ وأعْصَمَتْ / أسَفاً بأكْبادٍ علَيْهِ حِرارِ
صَبْراً أميرَ المؤْمنينَ فأنْتُمُ / أسْكَنتُمُ الأحْلامَ ظِلَّ وَقارِ
هذا الهِلالُ وقد رَجَوْتَ نُمُوَّهُ / للمَجْدِ عاجَلَهُ الرّدى بسِرارِ
إن غاضَ مِنْ أنوارِهِ فَوراءَهُ / أُفُقٌ تَوَشّحَ منكَ بالأقمارِ
كادَتْ تَزولُ الرّاسِياتُ لِفَقْدِهِ / حتى أذِنْتَ لهُنَّ في استقْرارِ
ومتى أصابَ ولا أصابَكَ حادِثٌ / مِما يُطامِنُ نَخوةَ الجبّارِ
فاذْكُرْ مُصابَكَ بابنِ عمّكَ أحْمَدٍ / والغُرِّ منْ آبائِكَ الأخْيارِ
كانوا بُدورَ أسِرَّةٍ ومَنابِرٍ / يتهلّلونَ بأوْجُهٍ أحْرارِ
قومٌ إذا ذَكَرَتْ قُرَيْشٌ فضْلَهُمْ / أصْغى إليها البَيتُ ذو الأسْتارِ
بلغَ السّماءَ بهِمْ كِنانَةُ وارْتَدى / بالفَخْرِ حَيّا يَعْرُبٍ ونِزارِ
فاسْلَمْ رَفيعَ النّاظِرينَ إِلى العُلا / تُهْدى إليكَ قَلائِدُ الأشْعارِ
والدّهْرُ عَبْدٌ والأوامِرُ طاعَةٌ / والمُلْكُ مُقْتَبَلٌ وزَنْدُكَ وارِ
إذا اسْتَلَبَ النّومُ العِنانَ منَ اليَدِ
إذا اسْتَلَبَ النّومُ العِنانَ منَ اليَدِ / عَلِقْتُ بأعْطافِ الخَيالِ المُسَهَّدِ
ومالي وللزَّوْرِ الهِلاليِّ مَوْهِناً / بنَهْجٍ طَوَيْنا غَوْلَهُ طَيَّ مِجْسَدِ
بحَيْثُ صَهيلُ الأعْوَجيِّ يَروعُهُ / ويُنْكِرُ سَجْرَ الأرْحَبيِّ المُقَيَّدِ
لكَ اللهُ منْ ماضٍ على الهَوْلِ والعِدا / يهُزّونَ أطرافَ الوَشيجِ المُسَدَّدِ
يُراقِبُ أسرابَ النّجومِ بمُقْلَةٍ / تُقَسِّمُ لحْظاً بينَ نَسْرٍ وفَرْقَدِ
تَراءَتْ لهُ في مُنْحَنى الرّمْلِ جَذْوَةٌ / تَمايَلُ سَكْرى بين صالٍ ومُوقِدِ
وكم دُونَها منْ أتْلَعِ الجِيدِ شادِنٍ / مُهفْهَفِ مُسْتَنِّ الوِشاحَيْنِ أغْيَدِ
إذا الليلُ أدْنى منْ يَدَيَّ وِشاحَهُ / خَلَعْتُ نِجادَ المَشْرَفيِّ المتَأوِّدِ
سَمَوْتُ إليهِ والنّجومُ كأنّها / على الأفْقِ مُرْفَضُّ الجُمانِ المُبَدَّدِ
على لاحِقِ الأطْلَيْنِ يخْتَصِرُ المَدى / بإرْخاءِ ذِئْبِ الرّدْهَةِ المُتَورِّدِ
أُفيضُ عليهِ شِكَّتي وأُخيضُهُ / دُجى اللّيْلِ والأعْداءُ منّي بمَرْصَدِ
وأَجْنُبُهُ الرِّيَّ الذّليلَ وقد جَلَتْ / على الوِرْدِ أنْفاسُ الصَّبا مَتْنَ مِبْرَدِ
وتَجْمَحُ بي عن مَوْطِنِ الذُّلِّ هِمّةٌ / تُجَمِّعُ أشْتاتَ المَعالي بأحْمَدِ
هُمامٌ إذا استَنهَضْتَهُ لِمُلِمّةٍ / مَضى غَيرَ واهي المَنكِبيْنِ مُعَرِّدِ
مُعَرَّسُهُ مأوى المَكارِمِ والعُلا / ونائِلُهُ قَيْدُ الثّناءِ المُخَلَّدِ
تَشَبّتُ منهُ المَكْرُماتُ بماجِدٍ / يَروحُ إِلى غاياتِهنَّ ويغْتَدي
ويَبْسُطُ كفّاً للندىً أُمَويّةً / تُباري شآبيبَ الغَمامِ المُنَضَّدِ
ويَخْفُقُ أنّى سارَ أو حَلَّ فَوقَهُ / حَواشي ثَناءٍ أو ذَوائِبُ سُؤْدَدِ
وما رَوْضَةٌ تَشْفي الجَنوبُ غَليلَها / بذي وَطَفٍ من غائِرِ المُزْنِ مُنجِدِ
كأنّ الرّبيعَ الطّلْقَ في حَجَراتِها / يُجَرِّرُ ذَيْلَ الأتْحَميِّ المُعَضَّدِ
بأطْيَبَ نَشْراً منْ شَمائِلهِ التي / يَلوذُ بِها جارٌ وضَيْفٌ ومُجْتَدِ
إليكَ أبا العبّاسِ سارَتْ رَكائِبٌ / بِذِكْرِكَ تُحْدَى بل بنُورِكَ تَهْتَدي
عليهنَّ منْ أفناءِ قَوْمِكَ غِلْمَةٌ / يُزَمْزِمُ عنْهُمْ فَدْفَدٌ بعدَ فَدْفَدِ
وتَشكُو إليكَ الدَّهْرَ تَفْري خُطوبُهُ / بقيّةَ شِلْوٍ من ذَويكَ مُقَدَّدِ
حَوى عُنفُوانَ المَكْرَعِ الناسُ قَبلَنا / وأوْرَدَنا أعْقابَ شِرْبٍ مُصَرَّدِ
ولابدّ منْ يَومٍ أغَرَّ مُحَجَّلٍ / يُبَوّئُنا ظِلَّ الطِّرافِ المُمَدَّدِ
فإنّكَ أصْلٌ طَيِّبٌ أنا فَرْعُهُ / وأيُّ نَجيبٍ سُلَّ منْ أيِّ مَحْتِدِ
وكمْ لكَ عِندي منْ يَدٍ مُسْتَفيضَةٍ / لبِسَتْ بها طَوْقَ الحَمامِ المُغَرِّدِ
بَقِيتَ مَصونَ العِرْضِ مُبْتَذَلَ الندىً / مَديدَ رِواقِ العِزِّ طَلاّعَ أنْجُدِ
ويَوْمُكَ يَلْوي أخْدَعَ الأمْسِ نَحْوَهُ / ويَهْفو بعِطْفَيْهِ اشْتِياقاً إِلى الغَدِ
طَرِبْنَ إِلى نجدٍ وأنّى لها نَجْدُ
طَرِبْنَ إِلى نجدٍ وأنّى لها نَجْدُ / وبغداذُ لمْ تُنْجِزْ لنا مَوْعِداً بَعْدُ
وأسْعَدَها سَعْدٌ على ما تُجِنِّهُ / من الوَجْدِ لا أدمى جَوانِحَهُ الوَجْدُ
فيا نِضْوُ لا يَجْمَحْ بكَ الشّوقُ واصْطَبِرْ / قَليلاً وكَفْكِفْ منْ دُموعِكَ يا سَعْدُ
فما بِكُما دونَ الذي بي منَ الهَوى / ولكن أبَى أن يَجْزَعَ الأسَدُ الوَرْدُ
ستَرعى وإنْ طالَتْ بنا غُرْبَةُ النّوى / رُباً في حَواشي رَوْضِها النَّفَلُ الجَعْدُ
بحَيْثُ تُناجينا بألحاظِها المَها / إذا ضَمّنا والرّبْرَبَ الأجْرَعُ الفَرْدُ
ولَيْلَةَ رَفّهْنا عَنِ العِيسِ بَعْدما / قَضَتْ وَطَراً منْهُنّ مَلْويّةٌ جُرْدُ
سَرَتْ أمُّ عَمْرٍو والنّجومُ كأنّها / على مُسْتَدارِ الحَلْيِ منْ نَحْرِها عِقْدُ
فلمّا انْتَبَعّنا للخَيالِ تولّعَتْ / بِنا صَبَواتٌ فَلَّ منْ غَرْبِها البُعْدُ
وقُلْتُ لعَيْني وهْيَ نَشْوَى منَ الكَرى / أبِيني لنا حُلْمٌ رأيْناهُ أم هِنْدُ
لَئِنْ أخْلَفَ الطَّيْفُ المَواعيِدَ باللِّوى / فبالهَضباتِ الحُمْرِ لمْ يُخْلِفِ الوَعْدُ
وبِتْنا برَوْضٍ يَنْثُرُ الطَّلُّ زَهْرَهُ / عَلينا ويُرخي منْ ذَوائِبِهِ الرَّنْدُ
ونحن وراء الحَيّ نَحذَرُ منهُمُ / عُيوناً تُلَظّيها الحَفيظَةُ والحِقْدُ
وتَجْري أحاديثٌ تَلينُ مُتونُها / ويَفْتَنُّ في أطرافِها الهَزْلُ والجِدُّ
وتحتَ نِجادي مَشْرَفيٌّ إذا الْتَوى / بجَنْبيَ رَوْعٌ كادَ يَلْفِظُهُ الغِمْدُ
وهل يرْهَبُ الأعْداءَ مَنْ غَضِبَتْ لهُ / مَغاويرُ منْ بَكْرٍ كأنهُمُ الأُسْدُ
يَذودون عني بالأسِنّةِ والظُّبا / ولولاهُمُ أدنى خُطا العاجِزِ القِدُّ
فأوْجُهُهُمْ والخَطْبُ داجٍ مُضيئَةٌ / وألْسِنَتُهُمْ والعِيُّ مُحتَصَرٌ لُدُّ
إذا انتَسَبوا مَدَّ الفَخارُ أكُفَّهُمْ / إِلى شَرَفٍ أعلى دَعائِمَهُ المَجْدُ
فكُلٌّ سَعى للمَكْرُماتِ وإنّما / إِلى ناصِرِ الدّينِ انتهى الحَسَبُ العَدُّ
أغَرُّ يَهُزُّ الحَمْدُ عِطْفَيْهِ للندىً / على حينَ لا شُكْرٌ يُراعَى ولا حَمْدُ
أتَتْهُ العُلا طَوْعاً وكم رُدَّ طالِبٌ / على عَقِبَيْهِ بعدما استُفْرِغَ الجُهْدُ
ترى سيمِياءَ العِزِّ فوقَ جبينِهِ / كما لاحَ حَدُّ السّيْفِ أخْلَصَهُ الهِنْدُ
له نِعْمَةٌ تأوي إِلى ظِلّها المُنى / ويَسْحَبُ أذيالَ الثّراءِ بها الوَفْدُ
وعَزْمَةُ ذي شِبلَيْنِ ضاقَ بِهَمِّه / ذِراعاً فلا يَثْنيهِ زَجْرٌ ولا رَدُّ
يُقَلِّبُ عَيْناً لا يزالُ لدى الوَغى / يَذُرُّ عليها منْ خَبيئَتِهِ الزَّنْدُ
إذا السّنَواتُ الشُّهْبُ أجْلى قَتامُها / عنِ المَحْلِ حتى عَيَّ بالصَّدَرِ الوِرْدُ
حَلَبْنا أفاوِيقَ الغِنى منْ يَمينِهِ / وما غَرّنا البَرْقُ اللَّموعُ ولا الرَّعْدُ
ودَرَّتْ علَيْنا راحَةٌ خَلَصَتْ بِها / إلينا اليدُ البيْضاءُ والعِيشةُ الرَّغْدُ
فداهُ منَ الأقوامِ كُلُّ مُبَخَّلٍ / لهُ مَنْظَرٌ حُرُّ ومُخْتَبَرٌ عَبْدُ
إذا بَسَطَ المَدْحُ الوُجوهَ وأشرَقَتْ / زَوى بينَ عَيْنَيهِ على الشّاعِرِ الوَغْدُ
فلا بَلَغَتْ إنْ زُرْتُهُ ما تَرومُهُ / رَكائِبُ أنْضاها التّوَقُّصُ والوَخْدُ
يَخُضْنَ الدُّجى خُوصاً كأنّ عُيونَها / وهُنَّ جَليّاتٌ أَناسِيُّها رُمْدُ
إذا ما المَطايا جُرْنَ عن سَنَنِ الهُدى / وجاذَبَنا قَصْدَ النِّجادِ بها الوَهْدُ
ذَكَرْناكَ والظّلْماءُ تَثْني صُدورَها / إِلى الغَيِّ حتى يَسْتَقيمَ بِها الرُّشْدُ
حَمَلْنَ إليكَ الشِّعْرَ غَضّاً كأنّما / غَذَتْهُ برَيّا الشّيحِ عُذْرَةٌ أو نَهْدُ
فما زِلْتُ أحْدوهُ إليكَ مُحَبَّراً / وللهِ دَرّي أيَّ ذي فِقَرٍ أحْدو
ولاعَبْتُ ظِلّي في فِنائِكَ بَعدَما / أبَى أن يُزيرَ الأرضَ طُرَّتَهُ البُرْدُ
وقد كان عَهدي بالمُنى يَسْتَميلُني / إليكَ وتُدْنيني البَشاشةُ والوُدُّ
فما بالُنا نُجْفَى ومنكَ تعلَّمَتْ / صُروف اللّيالي أن يَدومَ لها عَهْدُ
وما بي نَوالٌ أرْتَجيه فَطالما / نَقَعْتُ الصّدى والماءُ مُقْتَسَمٌ ثَمْدُ
ولكنّكَ ابنُ العمِّ والعمُّ والِدٌ / وما لامرِئٍ منْ بِرِّ والِدِهِ بُدُّ
أثِرْها فلا ماءً أصابَتْ ولا عُشْبا
أثِرْها فلا ماءً أصابَتْ ولا عُشْبا / وقد مُلئَتْ أحْشاءُ رُكْبانِها رُعْبا
ونحنُ بحَيْثُ الذِّئْبُ يَشْكو ضَلالَهُ / إِلى النّجْمِ والسّاري يَسوفُ بهِ التُّرْبا
نُحاذِرُ منْ حَيَّيْ سُلَيْمٍ وعامِرٍ / أَناسِيَّ لا يَرْضَوْنَ غيرَ الظُّبا صَحْبا
إذا خَلَّفَتْ بَطْحاءَ نجْدٍ وراءَها / فلسنا بمَنّاعينَ أن تَقفَ الرَّكْبا
فأينَ ومِثلي لا يَغُشُّكَ ماجِدٌ / نَصولُ بهِ كالعَضْبِ مُحتَضِناً عَضْبا
لهُ هِمّةٌ غَيْرى على المَجدِ برَّحَتْ / بنَفْسٍ على الأيّامِ منْ تيهِها غَضْبى
وإنْ يَكُ في نَجْديِّ قَيْسٍ بَسالَةٌ / فإنّي ابنُ أرْضٍ تُنبِتُ البَطَلَ النَّدْبا
يَعُدُّ إباءَ الضّيْمِ كِبْراً وطالما / أبَيْنا فلم نَعثُرْ بأذيالِنا عُجْبا
ولكننا في مَهْمَهٍ تُعْجِلُ الخُطا / على وَجَلٍ هُوجُ الرّياحِ بهِ نُكْبا
إذا طالَعَتنا منْ قُرَيْشٍ عِصابَةٌ / وشافَهْنَ من أعلامِ مَكَّتِها هَضْبا
نزَلْنَ منَ الوادي المُقدَّسِ تُرْبُهُ / بآمَنِهِ سِرْباً وأعْذَبِهِ شِرْبا
وفي الرَّكْبِ مَنْ يَهْوى العُذَيْبَ وماءَهُ / ويُضْمِرُ أحياناً على أهلِهِ عَتبا
ويَصْبو إِلى وادِيهِ والرّوْضُ باسِمٌ / يُغازِلُهُ عافي النّسيمِ إذا هَبّا
وواللهِ لولا حُبُّ ظَمْياءَ لم يَعُجْ / عليهِ ولم يَعْرِفْ كِلاباً ولا كَعبا
وما أُمُّ ساجي الطّرْفِ مالَ بهِ الكَرى / على عَذَباتِ الجِزْعِ تَحْسَبُهُ قُلْبا
تُراعي بإحدى مُقْلَتَيْها كِناسَها / وتَرْمي بأُخْرى نَحوَهُ نَظَراً غَرْبا
فَلاحَ لَها مِنْ جانِبِ الرّمْلِ مَرْتَعٌ / كأنّ الرّبيعَ الطَّلْقَ ألْبَسَهُ عَصْبا
فمالَتْ إليهِ والحَريصُ إذا عَدَتْ / بهِ طَوْرَهُ الأطْماعُ لمْ يَحْمَدِ العُقْبى
وآنَسَها المرْعى الأنيقُ وصادَفَتْ / مَدى العَيْنِ في أرجائِهِ بَلَداً خِصْبا
فلمّا قَضَتْ منهُ اللُّبانَةَ راجَعَتْ / طَلاها فألْفَتْهُ قَضى بَعْدَها نَحْبا
أُتِيحَ لَها عاري السّواعِدِ لمْ يزَلْ / يَخوضُ إِلى أوْطارِهِ مَطْلَباً صَعْبا
فوَلَّتْ على ذُعْرٍ وبالنَّفْسِ ما بِها / منَ الكَرْبِ لا لُقِّيتَ في حادِثٍ كَرْبا
بأَوْجَدَ منّي يومَ عَجَّتْ رِكابُها / لِبَيْنٍ فلمْ تترُكْ لِذي صَبوَةٍ لُبّا
وما أنْسَ لا أنْسَ الوَداعَ وقد بدَتْ / تُغَيِّضُ دَمْعاً فاضَ وابِلُهُ سَكْبا
مُهَفْهَفَةٌ لم تَرْضَ أتْرابُها لَها / ببَدْرِ الدُّجى شِبْهاً وشَمْسِ الضُّحى تِرْبا
تنفَّسُ حتى يُسْلِمَ العِقْدَ سِلْكُهُ / وأكْظِمُ وَجْداً كادَ ينْتَزِعُ الخِلْبا
وتُذْري شَآبيبَ الدّموعِ كأنّما / أذابَتْ بعَيْنَيْها النّوى لُؤلؤاً رَطْبا
وما كُنْتُ أخشى أن أُراعَ لحادِثٍ / منَ الدّهْرِ أو أشْكو إِلى أهلِهِ خَطْبا
وقد زُرْتُ منْ أفْناءِ سَعْدٍ ومالكٍ / ضَراغِمَةً تُغْرى كِنانِيَّةً غُلْبا
منَ القَوْمِ يُزْجِي الرّاغِبونَ إلَيْهِمُ / على نَصَبِ المَسْرى غُرَيْرِيَّةً صُهْبا
لهُمْ نَسَبٌ رَفَّتْ عليهمْ فُروعُهُ / وبَوّأَهُمْ منْ خِنْدِفٍ كَنَفاً رَحْبا
إذا ذَكَروهُ أضْمَرَ العُجْمُ إحْنَةً / عليهمْ وأصْلى جَمْرَةَ الحَسَدِ العُرْبا
وإنْ سُئِلوا عمّنْ يُديرُ على العِدا / رَحى الحَرْبِ فيهمْ أو يكونُ لَها قُطْبا
أشاروا بأيْديهِمْ إِلى خَيْرِهِمْ أباً / وأطوَلِهِمْ باعاً وأرْحَبِهِمْ شِعَبا
إِلى مُدْلجيٍّ رَدّ عن آلِ جَعْفَرٍ / صُدورَ القَنا والجُرْدَ شازِبَةً قُبّا
وقابَلَ بالحُسْنى إساءَةَ مُجْرِمٍ / فودَّ بَريءُ القَومِ أنّ لهُ ذَنْبا
تُراقُ دِماءُ الكُومِ حَولَ قِبابِهِ / إذا راحَ شَوْلُ الحَيِّ مُقْوَرّةً حُدْبا
ويَسْتَمْطِرُ العافونَ منهُ أنامِلاً / أبى الجُودُ أن يَستَمطِروا بعْدَها سُحْبا
رأى عندَهُ الأعداءُ مِلْءَ عُيونِهِمْ / مَناقِبَ لو فازُوا بِها وَطِئوا الشُّهبا
فوَدّوا منَ البَغْضاءِ أنّ جُفونَهُمْ / عَقَدْنَ بهُدْبٍ دونَ رؤيَتها هُدْبا
ولم يُتلِعوا أعْناقَهمْ نَحوَهُ هَوًى / ولا عَفّروا تلكَ الجِباهَ لهُ حُبّا
ولكنّهمْ هابُوا مَخالِبَ ضَيْغَمٍ / يَجوبُ أديمَ الأرضِ نحوَهُمُ وَثْبا
أبا خالدٍ إنّي تَرَكْتُهُمُ سُدًى / وأحْسابُهُمْ فَوضَى وأعْراضُهُمْ نُهْبى
وصَدّقَ قَوْلي فيكَ أفعالُكَ التي / أبَتْ لقَريضي أن أوَشِّحَهُ كِذْبا
وهزّكَ مَدْحٌ كادَ يُصْبيكَ حُسْنُهُ / وفي الشِّعرِ ما هزَّ الكَريمَ وما أصْبى
يحدِّثُ عنهُ البَدرُ بالشّرقِ أهلَهُ / ويسألُ عنهُ الشّمسَ مَنْ سَكَن الغَرْبا
ومَنْ لم يُراقِبْ رَبَّهُ في رَعيّةٍ / أخِشَّتُهُ تُدْمي عَرانينَهُمْ جَذْبا
فإنّكَ أرْضَيْتَ الرّعايا بِسيرَةٍ / تحَلّتْ بها الدُّنيا ولم تُسْخِطِ الرَّبّا
رَماكَ بشَوْقٍ فالمَدامِعُ ذُرَّفُ
رَماكَ بشَوْقٍ فالمَدامِعُ ذُرَّفُ / حَنينُ المَطايا أو حَمائِمُ هُتَّفُ
أجَلْ عاوَدَ القَلْبَ المُعَنّى خَبالُهُ / عشيّةَ صَحْبي عنْدَ يَبْرينَ وُقَّفُ
فللهِ ما يَطْوي عليهِ ضُلوعَهُ / رَمِيٌّ بِذِكْرِ الغانِياتِ مُكَلَّفُ
يُهَيّجُهُ نَوحُ الحَمامِ وناسِمٌ / تَرِقُّ حَواشيه منَ الرّيحِ مُدْنَفُ
ويُذْكي لهُ الغَيْرانُ عَيناً إذا رأى / أَجارِعَ منْ حُزْوى بسَمْراءَ تُسْعِفُ
أيُوعِدُني الحَيُّ اليَماني وصارِمي / كهَمِّكَ مَفْتوقُ الغِرارَيْنِ مُرْهَفُ
وأفْرِشُ سَمْعي للوَعيدِ فحُبُّها / إذا جَمَحَتْ بي نَخوَةٌ يتلطَّفُ
وحَوليَ منْ عُلْيا خُزَيْمَةَ عُصْبَةٌ / إذا غَضِبَتْ ظلّتْ لها الأرضُ تَرجُفُ
يجُرّونَ أذيالَ الدُّروعِ إِلى الوَغى / فأقْوَى ويَعْروني هَواها فأضْعُفُ
أما وجَلالِ اللهِ لولا اتّقاؤُهُ / لَباتَ يُوارينا الرِّداءُ المُقَوَّفُ
وفضَّ خِتامَ السِّرّ بَيني وبينَها / كَلامٌ يؤَدّيهِ البَنانُ المُطَرَّفُ
ونازَعَني شَكْوى الصّبابَةِ شادِنٌ / منَ الغيدِ مَجْدولُ الموَشَّحِ أهْيَفُ
بِرابِيَةٍ مَيْثاءَ أضْحَكَ رَوْضَها / غَمامٌ بَكى منْ آخِرِ الليلِ أوْطَفُ
ورَكْبٍ على الأكْوارِ غيدٍ منَ الكَرى / تَداوَلَهُمْ سَيْرٌ حَثيثٌ ونَفْنَفُ
تَرى العِتْقَ منهُمْ في وُجوهٍ شَواحِبٍ / يُرَدِّدُ فيها لحظَهُ المُتقَوِّفُ
وتَخْدي بهِمْ خُوصٌ تَخايَلُ في البُرى / إذا اقْتادَهُنّ المَهْمَهُ المُتعَسَّفُ
ويَثْني هَواديها إذا طَمِحَتْ بِها / منَ القِدِّ مَلْوِيُّ المَرائِرِ مُحْصَفُ
سَرَوْا وفُضولُ الرَّيْطِ تَضْرِبُها الصَّبا / إِلى أنْ يَمَسَّ الأرضَ منهُنَّ رَفْرَفُ
وعاتَبَني عَمْرٌو على السّيرِ والسُّرى / ولمْ يَدْرِ أنّي للمَعالي أُطَوِّفُ
وما الصَّقْرُ يَسْتَذْكي الطّوى لحَظاتِهِ / بأصْدَقَ منّي نَظْرَةً حينَ يَخْطِفُ
أُخادِعُ ظنّي عنْ أمورٍ خفيَّةٍ / إِلى أن أرى تلكَ العَمايَةِ تُكْشَفُ
وأهْزَأُ بالأنْوارِ والصُّبْحُ طالِعٌ / ولا أهْتَدي بالنّجْمِ والليلُ مُسْدِفُ
وقَولٍ أتاني والحوادِثُ جمّةٌ / ودونيَ منْ ذاتِ الأراكَةِ صَفْصَفُ
أغُضُّ لهُ طَرْفي حَياءً منَ العُلا / وعَطفاً عليكُمْ والأواصِرُ تُعْطِفُ
أعَتْباً وقد سَيَّرْتُ فيكُمْ مَدائِحاً / كَما خالَطَتْ ماءَ الغَمامَةِ قَرْقَفُ
بَني عمِّنا لا تَنْسِبونا إِلى الخَنى / فلَم يترَدَّدْ في كِنانَةَ مُقْرِفُ
أأشْتُمُ شَيْخاً لفّ عِرْقي بعِرْقِهِ / مَناسِبُ تَزْكو في قُرَيشٍ وتَشْرُفُ
وأهْجو رِجالاً في العَشيرةِ سادةً / وبي من بَقايا الجاهِليّةِ عَجْرَفُ
وإنّي إذا ما لَجْلَجَ القوْلَ فاخِرٌ / يؤنِّبُ في أقوالِهِ ويُعَنِّفُ
أُدافِعُ عن أحْسابِكُمْ بقَصائِدٍ / غَدا المَجْدُ في أثْنائِها يتصرَّفُ
ولم أختَرِعْها رَغْبَةً في نَوالِكُمْ / وإنْ كانَ مَشْمولاً بهِ المُتَضَيِّفُ
ولكنْ عُرَيْقٌ فيَّ مِنْ عَرَبيّةٍ / يُحامي وراءَ ابنَيْ نِزارٍ ويأْنَفُ
فنحنُ بني دودانَ فَرْعَ خُزَيْمَةٍ / يَذِلُّ لنا ذو السَّوْرَةِ المُتَغَطْرِفُ
وأنتمْ ذَوو المَجْدِ القَديمِ يضُمُّنا / أبٌ خِندِفيُّ فيه للفَخْرِ مأْلَفُ
وتَقْرونَ والآفاقُ يَمْري نَجيعَها / شَآميّةٌ تَستَجْمِعُ الشَّوْلَ حَرْجَفُ
فِناؤُكُمُ مأوى الصّريخِ إذا انْثَنى / بأيدي الكُماةِ السّمْهَريُّ المُثَقَّفُ
وواديكُمُ للمَكْرُماتِ مُعَرَّسٌ / رَحيبٌ بطُلاّبِ الندىً مُتَكَنَّفُ
بأرجائِهِ مما اقْتَنَيْتُمْ نَزائِعٌ / يُباحُ عليهنّ الحِمى المُتَخَوَّفُ
تَرودُ بأبوابِ القِبابِ وأهلُها / عليها بألْبانِ القَلائِصِ عُكَّفُ
وأمّاتُها أوْدَتْ بحُجْرٍ وأدْرَكَتْ / عُتَيْبَةَ والأبْطالُ بالبِيضِ تَدْلِفُ
وكمْ مَلِكٍ أدْمَيْنَ بالقَيْدِ ساقَهُ / فظلَّ يُداني مِنْ خُطاهُ ويَرْسُفُ
فَيا لَنِزارٍ دعْوَةً مُضَريَّةً / بحيثُ الرُّدَيْنِيّاتُ بالدّمِ تَرْعُفُ
لنا في المعالي غايةٌ لا يَرومُها / سِوى أسَديٍّ عرَّقَتْ فيهِ خِنْدِفُ
مِراحَكَ إنّهُ البَرْقُ اليَماني
مِراحَكَ إنّهُ البَرْقُ اليَماني / على عَذَبِ الحِمى مُلقَى الجِرانِ
تطلَّعَ مِنْ حَشى الظَّلْماءِ وَهْناً / خُلوصَ النّارِ منْ طُرَرِ الدُّخانِ
فلا تَلعَبْ بعِطْفِكِ مُسْتَنيماً / إِلى خُدَعٍ تَطورُ بِها الأماني
فإنّ وَميضَهُ قَمِنٌ بِخُلْفٍ / كَما ابْتَسَمَتْ إِلى الشُّمْطِ الغَواني
ولا تَجْثِمْ بمَدْرَجَةِ الهُوَيْنَى / تُقَعقِعُ للنّوائِبِ بالشِّنانِ
إذا ذلَّتْ حَياتُكَ في مَكانٍ / فَمُتْ لطِلابِ عِزِّكَ في مَكانِ
أبى لي أن أُضامَ أبي ونَفْسي / ورُمْحي والحُسامُ الهِنْدُواني
وَشُوسٌ في الذّوائِبِ مِنْ قُرَيْشٍ / ذوو النّخَواتِ والغُرَرِ الحِسانِ
وأموالٌ تَخوَّنَها هُزالٌ / تُبَدَّدُ دونَ أعْراضٍ سِمانِ
إذا حَفَزَتْهُمُ الهَيْجاءُ لاذوا / بأطْرافِ المُثقَّفَةِ اللِّدانِ
وطارَتْ كُلُّ سَلْهَبَةٍ مِزاقٍ / ببِزَّةِ كُلِّ مُنْتَجَبٍ هِجانِ
يَقدُّونَ الدُّروعَ بمُرْهَفاتٍ / تُجَعْجِعُ بالخَميسِ الأُدْجُوانِ
ويَطْوونَ الضُّلوعَ على طَواها / ويأْكُلُ جارُهُمْ أُنُفَ الجِفانِ
تَناوَشَهُمْ صُروفُ الدّهْرِ حتّى / أُتيحَ لهُمْ بَنو عَبْدِ المَدانِ
زَعانِفُ لا يَزالُ لهمْ خَطيبٌ / غَداةَ الفَخْرِ مُسْتَرَقَ اللِّسانِ
يروحُ إليهمُ النَّعَمُ المندىً / وقد عَصَفَتْ بِنا نُوَبُ الزّمانِ
ودَبّتْ نَشْوَةُ الخُيَلاءِ فيهمْ / دَبيبَ النّارِ في سَعَفِ الإهانِ
وكيفَ يَعِزُّ شِرْذِمَةٌ لِئامٌ / على صَفَحاتِهِمْ سِمَةُ الهَوانِ
أُراقِبُ ليلَةً فيهمْ عَماساً / تمَخّضُ لي بيَوْمٍ أرْوَنانِ
وأخْدَعُهُمْ ولي عَزْمٌ شُجاعٌ / بمُخْتَلَقٍ منَ الكَلِمِ الجَبانِ
سأخْبطُهُمْ بِداهِيَةٍ نَآدٍ / فليسَ لهمْ بنائِبَةٍ يَدانِ
ولا حَسَبٌ يُقَدِّمُهُمْ ولكنْ / أرى الأُنْبوبَ قُدّامَ السِّنانِ
فإنّ ضياءَ دينِ اللهِ جاري / عشيّةَ تَلْتَقي حَلَقُ البِطانِ
حَذارِ فدونَ ما تَسْمو إليهِ / أسامَةُ وَهْوَ مُفتَرِشُ اللَّبانِ
وإنّ أخا أُمَيّةَ في ذَراهُ / لَكالنَّمَرِيّ جارِ الزِّبْرِقانِ
لدى مُتوَقِّدِ العَزَماتِ طَلْقِ ال / خَليقَةِ والمُحَيّا والبَنانِ
له نِعَمٌ يُراحُ لهُنّ عافٍ / إِلى نِقَمٍ يُهيبُ بهِنَّ جانِ
وفَيْضُ يَدٍ تُجَنُّ على سَماحٍ / وأخرى تَسْتَريحُ إِلى طِعانِ
تَلوذُ بحِقْوِهِ أيْدي الرّعايا / لِياذَ المَضْرَحِيَّةِ بالرِّعانِ
هنيئاً والسُّعودُ لَها دَواعٍ / قُدومٌ تَسْتَطيلُ بهِ التّهاني
لأرْوَعَ حَجَّ بيتَ اللهِ يَطْوي / إليهِ نِياطَ أغْبَرَ صَحْصَحانِ
ويَفْري بُرْدَةَ الظّلْماءِ حتى / يُفيقَ الأعْوَجيُّ منَ الحِرانِ
ويُصْبِحُ كلُّ ناجِيَةٍ ذَمولٍ / بهادِيَةٍ كَخُوطِ الخَيْزُرانِ
فلما شارَفَ الحَرَمَ اسْتَنارَتْ / بهِ سُرَرُ الأباطِحِ والمَحاني
تَساوى الشَّوْطُ بينكما بِشأْوٍ / كأنّكما لدَيْهِ الفَرْقَدانِ
فشَيَّدَ ما بَناهُ أوَّلُوهُ / ورَوْقُ شَبابِهِ في العُنْفُوانِ
أتُخْطِئُهُ العُلا ويُدِلُّ فيها / بعِرْقٍ من شُيوخِكَ غيرِ وانِ
جَرى وجَرَيْتَ مُستَبِقَيْنِ حتى / دَنا طَرَفُ العِنانِ منَ العِنانِ
غَداً أُبْطِنُ الكَشْحَ الحُسامَ المُهَنّدا
غَداً أُبْطِنُ الكَشْحَ الحُسامَ المُهَنّدا / إذا وقَذَ الحَيَّ الهَوانُ وأَقْصَدا
وللهِ فِهْريٌّ إذا الوِرْدُ رابَهُ / أبى الرِّيَّ واخْتارَ المَنيَّةَ مَوْرِدا
يُراقِبُ أفْراطَ الصّباحِ بناظِرٍ / يُساهِرُ في المَسْرى جُدَيّاً وفَرْقَدا
ولوْ بَقِيَتْ في المَشْرَفيّةِ هَبّةٌ / ضَرَبْتُ لداعِي الحَيّ بالخِصْبِ مَوعِدا
وهلْ ينفَعُ الصّمْصامُ مَنْ يَرتَدي بهِ / بحيْثُ الطُّلى تُفْرَى إذا كان مُغْمَدا
فما أرْضَعَتْني دِرَّةَ العِزِّ حُرّةٌ / لَئِنْ لم أذَرْ شِلْوَ ابنِ سَلْمى مُقدَّدا
تَريعُ إليهِ كلُّ مُمْسًى ومُصْبَحٍ / حَصَانٌ تَشُقُّ الأتْحَميَّ المُعَضَّدا
بعَيْنٍ تَفُلُّ الدّمعَ بالدّمعِ ثَرّةٍ / أفاضَتْ على النّحْرِ الجُمانِ المُبَدَّدا
وطَيْفٍ سَرى واللّيْلُ يَنْضو خِضابَهُ / ويَجْلو عَلينا الصُّبْحَ خَدّاً مُوَرَّدا
أتى والثُّريّا حِلّةُ الغَوْرِ مَعْشَراً / كِراماً بأطْرافِ المَروداتِ هُجَّدا
يَرومونَ أمراً دونَهُ رَبُّ سُرْبَةٍ / لُهامٍ تَشُبُّ الكَوْكَبَ المُتَوقِّدا
وصَلْنا بِهِ سُمْرَ الرِّماحِ وربّما / هَجَرْنا لها بَيضَ التّرائِبِ خُرّدا
وإنّي على ما فيَّ منْ عَجْرَفيّةٍ / إذا ما التَقى الخَيْلانِ أذْكُرُ مَهْدَدا
هِلاليَّةٌ أكْفاؤُها كُلُّ باسِلٍ / بَعيدِ الهَوى إن غارَ للحَرْبِ أنْجَدا
رَمَتْني بعَيْنَيْ جُؤْذَرٍ وتَلفّتَتْ / بذي غَيَدٍ يَعْطو بهِ الرّيمُ أجْيَدا
فَيا خادِيَيْها سائِقَيْنِ طَلائِحاً / تَجوبُ بصَحْراءِ الأراكَةِ فَدْفَدا
إذا أصْغَرَتْ أو أكْبَرَتْ في حَنينِها / ظَلِلْتُ على آثارِهِنَّ مُغرِّدا
أَفيقا قَليلاً منْ حُداءِ غَشَمْشَمٍ / أقامَ منْ القَلْبِ المُعَنّى وأقْعَدا
فإنّكُما إنْ سِرْتُماها بهُدنَةٍ / رَمَت بكُما نَجْداً من اليومِ أو غَدا
وسِيّانِ لولا حُبُّها عامريّةً / غُرابٌ دَعا بالبَيْنِ أو سائِقٌ حَدا
وكُلُّ هَوىً نَهْبُ الليالي وحُبُّها / إذا بَلِيَتْ أهواءُ قَوْمٍ تَجدَّدا
وعاذِلَةٍ نَهْنَهْتُ من غُلوائِها / وكُنتُ أبيّاً لا أُطيعُ المُفَنَّدا
إذا استَلَّ مني طارِقُ الخَطْبِ عَزْمَةً / فلابُدّ من نَيْلِ المَعالي أوِ الرّدى
أأسْحَبُ ذَيلي في الهَوانِ وأُسْرَتي / تَجُرُّ إِلى العِزِّ الدِّلاصَ المُسَرّدا
ولي من أميرِ المؤْمِنينَ إيالَةٌ / ستُرغِمُ أعْداءً وتَكْمِدُ حُسَّدا
هيَ الغايةُ القُصْوى إذا اعْتَلَقَتْ بها / مآرِبُ طُلّابِ العُلا بَلَغوا المَدى
أغَرُّ مَنافيٌّ يمُدُّ بضَبْعِهِ / جُدودٌ يُعالونَ الكَواكِبَ مَحْتِدا
تبرَّعَ بالمَعْروفِ قبلَ سؤالِهِ / فلمْ يَبْسُطِ العافي لِساناً ولا يَدا
فرُحْنا بمالٍ فرَّقَ المَجْدُ شَمْلَهُ / وراحَ بحَمْدٍ ضمَّ أشْتاتَهُ الندىً
حَلَفْتُ بفَتْلاءِ الذِراعِ شِمِلَّةٍ / تَخُبُّ بقَرْمٍ منْ أميّةَ أصْيَدا
وتَهوي إِلى البَيْتِ العَتيقِ ورَبُّها / إذا غالَ منْ تأويبهِ البيدُ أسْأَدا
أظلَّتْ مُحِلَّيْ طيّءٍ منهُ وقْعَةٌ / فكادوا يُبارونَ النّعامَ المُطَرّدا
ولاقى رَئيسُ القَوْمِ عَمْرو بنُ جابِرٍ / طِعاناً يُنَسِّيهِ الهَدِيِّ المُقَلدا
لأَسْتَودِعَنَّ الدّهْرَ فيكمُ قَصائِداً / وهنَّ يُوشِّحْنَ الثّناءَ المُخلَّدا
زَجَرْتُ إليكمْ كلَّ وَجْناءَ حُرّةٍ / وأدْهَمَ محْجولَ القوائِمِ أجْرَدا
فألْبَستموني ظِلَّ نُعْمى كأنني / أُجاوِرُ رِبْعياً من الرّوضِ أغْيَدا
تَسيرُ بها الرّكْبانُ شرقاً ومَغْرباً / ويَسْري لها العافونَ مَثْنى ومَوْحَدا
وكمْ لكَ عندي مِنّةً لوْ جَحَدْتُها / لقامَ بها أبناءُ عدنانَ شُهَّدا
بمُعْتَرَكِ العِزِّ الذي في ظِلالهِ / أفُلُّ شَبا الخَطْبِ الذي جارَ واعْتَدى
يظلُّ حَوالَيْهِ المَساكينُ عُوَّذاً / بخَيْر إمامٍ والسّلاطينُ سجّدا
عليهِ من النّورِ الإلهيِّ لمْحَةٌ / إذا اكْتَحَلَ السّاري بلأْلائِها اهْتَدى
ورِثْتَ عُبَيْدَ اللهِ عمَّكَ جودَهُ / وأشْبَهْتَ عبدَ اللهِ جَدَّك سُؤْدَدا
على عَذَبِ الجَرْعاءِ منْ أيْمَنِ الحِمى
على عَذَبِ الجَرْعاءِ منْ أيْمَنِ الحِمى / مَرادُ الظِّباءِ الأُدْمِ أو مَلْعَبُ الدُّمى
رَعابيبُ يُحمى سِرْبُهُنَّ بغِلْمَةٍ / يَشُمُّ بِهِمْ أنْفُ المُكاشِحِ مَرْغَما
غَيارَى إذا أرْخى الظّلامُ سُدولَهُ / سَرَوْا في ضَميرِ الليلِ سِراً مُكَتَّما
يَبيتونَ أيْقاظاً على حين هَوّمَتْ / كَواكِبُ يَغْشَيْنَ المَغارِبَ نُوَّما
طَرَقْتُهُمُ والبيضُ بالسُّمرِ تَحْتَمي / فخُضْتُ إليهنَّ الوَشيجَ المُقَوَّما
وبكادَ يُريني أوّلُ الفجْرِ غُرَّةً / على أخْرَياتِ الليلِ في وَجْهِ أدْهَما
وكمْ شَنَبٍ في ثغْرِهِ لم أُبَلْ بِهِ / ففي شَفَةِ الظَّلْماءِ منْ دُونِهِ لَمى
فبِتْنَ على ذُعْرٍ يُقَلِّبْنَ في الدُّجى / بِزُجٍّ على دُعْجٍ قِسِيّاً وأسْهُمما
وغازَلْتُ إحداهُنَّ حتى بكَتْ دَماً / مَدامِعُنا للصُّبْحِ حينَ تبسَّما
وضاقَ عِناقٌ يَسْلُبُ الجيدَ عِقْدَهُ / ولم يحْتَضِنْ منّا الوِشاحانِ مأثَما
فَوا عَجَبا حتى الصّباحُ يَروعُني / لهُ الوَيْلُ كم يَشْجو الفؤادَ المُتَيَّما
ولو قابَلَتْهُ بالذّوائِبِ راجَعَتْ / بِها اللّيلَ مُلْتَفَّ الغَدائِرِ أسْحَما
وإنْ كُفَّ عنّا ضَوْؤُهُ باتَ حَلْيُها / ينُمُّ علينا جَرْسُهُ إنْ ترنَّما
ولسنا نُبالي الحَلْيَ إنّ فَصيحَهُ / بحيثُ يُرى منْ قِلّةِ النُّطْقِ أعْجَما
فما شاعَ بالأسْرارِ منها مُسَوَّرٌ / ولم نتَّهِمْ أيضاً عليها المُخَدَّما
إذا ما سَرَتْ لمْ يُمكِن القُلْبَ مَنطِقٌ / ولا حاوَلَ الخَلْخالُ أنْ يتكلَّما
ولكنْ وَشى بي نَشْرُها إذْ توَشَّحَتْ / لديَّ جُمانَ الرَّشْحِ فذّاً وتَوْأَما
لئِنْ كَثُرَ الواشُونَ فالوُدُّ بَينَنا / على عُقَبِ الأيامِ لن يتصرَّما
وأبْرَحُ ما ألْقاهُ في الحُبِّ رائِعٌ / منَ الشّيبِ بالفَوْدَيْنِ منّي تضرّما
أقَبْلَ بلوغِ الأرْبعينَ تَسومُني / صُروفُ الليالي أن أشيبَ وأهْرَما
وتُسْحِبُني ذَيلَ الخَصاصةِ والعُلا / تُحَمِّلُني عِبْءَ السّيادةِ مُعْدِما
وأهتَزُّ عندَ المَكْرُماتِ فَشيمَةٌ / لنا ساعَةَ الضّرّاءِ أن تتكرَّما
وأرْضى بحَظٍّ في الثّراءِ مؤَخَّرٍ / إذا كانَ بَيتي في العَلاءِ مُقَدَّما
وتألَفُ نَفسي عِزَّها وهْيَ حُرَّةٌ / تَرى الكِبْرَ غُنْماً والضّراعَةَ مَغْرَما
وقد لامَني مَنْ لو تأمَّلْتُ قَوْلَهُ / علمتُ يَقيناً أنهُ كان ألْوَما
يُعَيِّرني أني صَدَدْتُ عنِ الوَرى / ولمْ أمْتَدِحْ منهمْ لَئيماً مُذَمَّما
روَيْدَكَ إنّي أبْتَغي إرْثَ مَعْشَري / وهَمُّكَ أنْ تُعْطَى لَبوساً ومَطعَما
فَواللهِ لا عَتَّبْتُ بابَكَ أخْمَصي / فذَرْني وجُرَّ الأتْحَمِيَّ المُسَهَّما
أأنْحو طَريقاً للطّماعَةِ مَجْهَلاً / وأتْرُكُ نَهْجاً للقَناعَةِ مَعْلَما
وقد شبّهَتْني إذ وُلِدْتُ قَوابِلي / منَ الأُسْدِ مَجْدولَ الذِّراعَيْنِ ضَيْغَما
ولو شِئْتُ إدراكَ الغِنى بالْتِماسِهِ / زَجَرْتُ على الأيْنِ المَطِيِّ المُخَرَّما
أكَلِّفُهُ الإسْآدَ حتى يَمَلَّهُ / ويَرْعُفُ في المَسْرى سَناماً ومَنْسِما
فلا عاشَ مَنْ يَرْضى بأسْآرِ عِيشَةٍ / تَبرَّضَها إلا ذَليلاً مُهَضَّما
ولِي نَظْرَةٌ شَطْرَ المَعالِي وهِمَّةٌ / أبَتْ أن تَزورَ الجانِبَ المُتَجهِّما
وأقرَعُ أبوابَ الملُوكِ بوالِدٍ / حَوى بأبي سُفْيانَ أشْرَفَ مُنْتَمى
ولولا ابنُ مَنصورٍ لما شِمْتُ بارِقاً / لجَدْوى ولم أفْتَحْ بمَسْأَلةٍ فَما
يَعُدُّ إِلى دودانَ بِيضاً غَطارِفاً / تَفرَّعَ رَوْقَيْ عِيصِهِمْ وتَسَنَّما
وفي مَزْيَدٍ منْ بَعْدِ رَيّانَ مَفْخَرٌ / لَوى عَنْ مَداهُ ساعِدَ النّجْمِ أجْذَما
فأكْرِمْ بآباءٍ هُمُ في اشْتِهارِهمْ / بُدورٌ وأبناءٍ يُعالُونَ أنْجُما
وأنتَ ابْنُهُمْ والفَرْعُ يُشْبِهُ أصْلَهُ / تُحامي وَراءَ المَجْدِ أن يُتَقَسَّما
تَروضُ مَصاعيبَ الأمورِ وتَمْتَطي / غَوارِبَ منْ دَهْرٍ أبى أن يُخَطّما
وتَسْمو إِلى شأوٍ ثَنى كُلَّ طالِبٍ / على ظَلَعٍ يَمْشي وقد كان مِرْجَما
وتَنْهَلُّ منْ كِلْتا يَدَيْكَ غَمائِمٌ / يظَلُّ عليْهِنَّ الأمانيُّ حُوَّما
فَجارُكَ لا يَخشى الأذى وتَخالُهُ / منَ الأمْنِ في أنْضادِ يَذْبُلَ أعْصَما
وعافِيكَ في رَوْضٍ توسَّد زَهْرَهُ / يُناجي غَديراً في حواشيهِ مُفْعَما
ويَمْتارُ نُعْمى لا تُغِبُّ ويجْتَلي / مُحيّا يَروقُ النّاظِرَ المتَوَسِّما
وإنْ ألقَتِ الحَرْبُ العَوانُ قِناعَها / وطارَتْ فِراخٌ كُنَّ في الهامِ جُثَّما
بيَوْمٍ مَريضِ الشّمسِ جَوْنٍ إهابُهُ / تظنُّ الضُّحى لَيْلاً منَ النّقْعِ أقْتَما
ضَرَبْتَ بسَيْفٍ لم يَخُنْكَ غِرارُهُ / يَرُدُّ شَباهُ جانِبَ القِرْنِ أثْلَما
ورأيٍ كَفاكَ المَشْرَفيَّ وسَلَّهُ / وسُمْرَ العَوالي والخَميسَ العَرَمْرَما
بَلَغْتَ المَدى فارْفُقْ بنَفْسِكَ تَسْتَرِحْ / فليس عَليها بَعْدَهُ أن تُجَشَّما
وحَسْبُ الفَتى أن فاقَ في الجودِ حاتِماً / وفي بأسِهِ عَمْراً وفي الرّأيِ أكْثَما
فهُنِّئَتِ الأيامُ منكَ بِماجِدٍ / أضاءَ بهِ الدّهْرُ الذي كان مُظلِما
لهُ هَيْبَةٌ فيها التّواضُعُ كامِنٌ / وعِزٌّ بذَيْلِ الكِبْرِياءِ تَلَثّما
وزارَكَ عِيدٌ ناشَ ذيلَكَ سَعْدُهُ / وألْقَى عَصاهُ في ذَراكَ وخَيّما
فصَيِّرْ أعادِيكَ الأضاحِيَّ إذ لَوَوْا / طُلىً يَسْتَزِرْنَ المَشْرَفيَّ المُصَمِّما
وسَقِّ الثّرى للنُّسْكِ منْ نَعَمٍ دَماً / ورَوِّ الظُّبا للمُلْكِ منْ بُهَمٍ دَما
ولا تَصْطَنِعْ إلا الكِرامَ فإنّهُمْ / يُجازونَ بالنَّعْماءِ مَنْ كان مُنْعِما
ومَنْ يتّخِذْ عندَ اللئامِ صَنيعَةً / تَجدْهُ على آثارِها مُتَنَدِّما
وأيُّ فَتىً من عَبْدِ شَمْسٍ غَمَرْتَهُ / بِسَيْبٍ كَشُؤْبوبِ الغَمامِ إذا هَمى
فأهْدى إليكَ الشِّعْرَ حُلْواً مَذاقُهُ / تَضُمُّ قوافِيهِ الجُمانَ المُنَظَّما
ومَنْ يترقَّبْ في رَجائِكَ ثَرْوَةً / فإني لمْ أخْدِمْكَ إلا لأُخْدَما
أثِرْها فما دونَ الصّرائِمِ حاجِزُ
أثِرْها فما دونَ الصّرائِمِ حاجِزُ / ولا فَوْقَها واهي العَزائِمِ عاجِزُ
أطَلَّ على الأكْوارِ سِرْحانُ رَدْهَةٍ / وأرْقَمُ ممّا يُوطِنُ القُفَّ ناكِزُ
فتًى لمْ تَوَرَّكْهُ الإماءُ وهَجْمَةٌ / تَضُمُّ قَواصِيها إليهِ المَفاوِزُ
أهَبْتُ بهِ حَيْثُ الهِدانُ منَ السُّرى / لِهامَتِهِ في غَمْرَةِ النّومِ غارِزُ
فهَبَّ كما اسْتَتْلى القَرينَةَ شامِسٌ / بهِ وَجَلٌ منْ رَوْعَةِ السّوْطِ حافِزُ
يَخوضُ الدُّجى والنّجْمُ يُومِضُ بالكَرى / إِلى طَرْفِهِ والليلُ بالصُّبْحِ رامِزُ
أُخَيَّ أقِمْ أعْناقَهُنَّ لحاجِزٍ / فهُنَّ على بَطْحاءِ نَجْدٍ نَواشِزُ
إذا أنتَ عاطَيْتَ الأزِمَّةَ مارِناً / بهِ يَرأَمُ الذُّلَّ العَدُوَّ المُناجِزُ
فما صَدَقَتْ عنكَ القَوابِلُ وانْثَنَتْ / تَذُمُّ شُيوخَ الحَيِّ فيكَ العَجائِزُ
هلِ العِزُّ إلا أن تُليحَ منَ الأذى / مُحاذَرَةً أن يَسْتَلينَكَ غامِزُ
فغُضّي مَلاماً يا بْنَةَ القَومِ إنني / مُقيمٌ بحيثُ الوَجْهِ للقِرْنِ بارِزُ
يَروضُ أَبيَّ الشِّعْرِ منّي مُقَصِّدٌ / مِراراً وأحياناً يُصاديهِ راجِزُ
خُذي قَصَباتِ السِّبْقِ منّي فَما لَها / منَ الحَيِّ غيرَ ابنِ المُعاوِيِّ حائِزُ
ولا تَعْذُلي بي أزْهَرَ بْنَ عُوَيْمِرٍ / فما الزّائِفُ المَنْفيُّ عندَكِ جائِزُ
ولا تَعْجَبي منْ مِدْرَعٍ مَسّهُ البِلى / فكَمْ حَسَبٍ لُفَّتْ عليهِ المَعاوِزُ
ومَرْتٍ يضِلُّ الذّئْبُ فيهِ إذا دَجا / بهِ الليلُ أو شَبَّتْ لَظاها الأماعِزُ
أقَمْنا بهِ صِغْوَ المَطايا كأنّما / يمُدُّ بِها سَيْراً على الأرضِ خارِزُ
إليكَ أبا الغَمْرِ استَلبْنا مِراحَها / وقد بَلِيَتْ أنْساعُها والرّجائزُ
تَؤُمُّ المُناخَ الرّحْبَ عندَكَ بَعدَما / تَضايَقَ عنها المَبْرَكُ المُتلاحِزُ
وتَزْوَرُّ عنْ بَكْرٍ وللجارِ فيهِمُ / مُهينٌ ومُغْتابٌ وهاجٍ ونابِزُ
أقولُ لسُفيانَ بنِ عَبدٍ وفي الحَشى / هُمومٌ لها بينَ الضّلوعِ حَزائِزُ
أغَرْتَ على أذْوادِ جارِكَ عادِياً / عليهِ وهنَّ المُنفَساتُ الحَرائِزُ
لبئسَ الفَتى جاءَتْ بهِ ثَقَفيَّةٌ / تذُمُّ بَنيها أوجَعَتْها الجَنائِزُ
وأنتَ الذي تَضْفو علينا ظِلالُهُ / وتَصْفو لَنا أخْلاقُهُ والغَرائِزُ
على حينَ لمْ يُرسَلْ إِلى الماءِ فارِطٌ / ولا شَدَّ أوْذاماً على السَّجْلِ ناهِزُ
وجُدْتَ بِما أضْحى الوَرى يكْنِزونَهُ / فلا ظَفِرَتْ تلك الأكُفُّ الكَوانِزُ
تَذودُ العِدا عنْ دَوْلَةٍ أرْعَدَتْ لَها / فَرائِصُ تَسْتَشْري عليها الهَزاهِزُ
نَزا خالدٌ فيهنّ وابنُ وَشيكَةٍ / وآلُ كَثيرٍ وابنُ كَعبٍ ولاهِزُ
فرَدَّ إِلى الغِمْدِ السُّرَيْجيَّ مُنْتَضٍ / وألْقَى على الأرضِ الرُّدَيْنيَّ راكِزُ
وكُلُّ امرِئٍ يَنوي خِلافَكَ خائِبٌ / ومَنْ هو يَسعى في وِفاقِكَ فائِزُ
أماطَ والليلُ أثيثُ الجَناحْ
أماطَ والليلُ أثيثُ الجَناحْ / عنْ مَبْسِمِ الشّمْسِ لِثامَ الصّباحْ
أغَنُّ يَعْروهُ مِراحُ الصِّبا / ويَنْثَني فالقَدُّ نَشْوانُ صاحْ
كالفَنَنِ المَهْزوزِ تَعْتادُهُ / على لُغوبٍ نَسَماتُ الرّياحْ
يَطْوي الفَلا وَهْناً وقد نَشَّرَتْ / ذَوائِبَ النّارِ قُرَيْشُ البِطاحْ
حيثُ القِبابُ الحُمْرُ مَحفوفَةٌ / بالأسَلِ السُّمْرِ وبِيضِ الصِّفاحْ
حَلَّ الدُّجى حُبْوَتَها إذ سَرَى / والليلُ للبَدْرِ حِماهُ مُباحْ
إذا الكَرى رنَّقَ في عَيْنَيهِ / رَنا بأجْفانٍ مِراضٍ صِحاحْ
وإنْ وَشى الحَلْيُ بهِ راعَهُ / بَعْدَ وَفاءِ الخُرْسِ غَدْرُ الفِصاحْ
وكيفَ يَستَكْتِمُ خَلْخالَه / سِرّاً وقد نَمّ عليهِ الوِشاحْ
إذا رَنا لَفَّ الرّدى حاسِراً / بِدارِعٍ فاللحْظُ شاكي السِّلاحْ
وما أضاءَ البَرْقُ منْ ثَغْرِهِ / إلا تَجَلّى حَبَبٌ فوقَ راحْ
كأنّهُ الرّوْضَةُ مَطْلولَةً / لَها اغتِباقٌ بالندىً واصْطِباحْ
إن مَطَرَتْ فيها دُموعُ الحَيا / ظلّتْ بأنْفاسِ النُّعامى تُراحْ
فالطَّرْفُ إن مرَّضَهُ نَرْجِسٌ / والخَدُّ وَرْدٌ والثّغورُ الأقاحْ
صَغا إِلى اللاحي وصَغْوُ الهَوى / إليهِ لا رُوِّعَ صَبٌّ بِلاحْ
كالمُهْرِ إنْ طامَنْتَ منْ غَرْبِهِ / أشَمَّهُ المَيْعَةَ جِنُّ المِراحْ
أُنْصِفُ إنْ جارَ وأعْنو إذا / سَطا وألْقى بالخُشوعِ الجِماحْ
فالغِيُّ رُشْدٌ وهَواني لهُ / في الحُبّ عِزٌّ وفَسادي صَلاحْ
وربّما تَجْمَحُ بي نَخْوَةٌ / تَلْهَجُ عَيْنايَ لها بالطِّماحْ
سأطْلُبُ العِزَّ ولوْ رَفْرَفَتْ / على حَواشيهِ عَوالي الرِّماحْ
بضَرْبَةٍ رَعْلاءَ أو طَعْنَةٍ / تَخاوَصَتْ منها عُيونُ الجِراحْ
مَتى أراها وهْي مُزْوَرَّةٌ / تَعْدو بآسادِ الشّرى كالسَّراحْ
واليومُ مُحْمَرُّ أديمِ الضُّحى / بالمَشْرَفيّاتِ صَقيلُ النّواحْ
فالذّابِلُ الخَطّيُّ يَشكو الصّدى / حتّى يُرَوّى بالنّجيعِ المُفاحْ
يا سَرَواتِ الرَّكْبِ رِفْقاً بِنا / فالأرْحَبيّاتُ رَذايا طِلاحْ
أسْمَعَها الرَّعْدُ بإرْزامِهِ / إهابَةَ الحادي وَراءَ اللِّقاحْ
واعْتَرَضَ المُزْنُ وفي شَوْطِهِ / دونَ شَآبيبِ حَياهُ انْتِزاحْ
يومِضُ بالبَرْقِ وكمْ حارَدَتْ / بوَدْقِهِ أطْباؤُهُ حينَ لاحْ
يَحْكي أبا المِغْوارِ في بِشْرِهِ / يا لَيْتَهُ أشْبَهَهُ في السَّماحْ
سِيروا إِلى آلِ عَدِيٍّ نُقِمْ / في عَطَنٍ رَحْبٍ وحَيٍّ لَقاحْ
حيثُ العِراصُ الخُضْرُ والأنْعُمُ ال / بيضُ وأنوارُ الوُجوهِ الصِّباحْ
لا المَنْهَلُ المَوْرودُ طَرْقٌ ولا ال / مَسْرَحُ مَمنوعٌ ولا الظِّلُ ضاحْ
إذا بلَغْنا عَضُدَ الدِّينِ لمْ / نَثْلِمْ شَبا المَحْلِ بضَرْبِ القِداحْ
نُهْدي إليهِ مِدَحاً نَمْتَري / بهِنَّ خِلْفَ النّائِلِ المُسْتَماحْ
أروَعُ طَلْقُ البُرْدِ لم يحْتَضِنْ / منَ التُّقى حاشِيَتَيْهِ جُناحْ
نائي المَدى يَقْصُرُ عن شأْوِهِ / خُطاً أطالَتْها الأعادي فِساحْ
لا يغْلِبُ الحَقَّ بهِ باطِلٌ / ولا يُداني الجِدَّ منهُ مِزاحْ
ومأْزِقٍ أغْمَدَ فيه الظُّبا / لمّا انْتَضى عَزْمَتَهُ للكِفاحْ
ونازَلَ المَوْتَ بأرْجائِهِ / شَهْباءُ تَقْتادُ المَنايا رَداحْ
وأنْصَتَ القِرْنُ لِداعي الرّدى / حيثُ العَوالي جَهَرَتْ بالصِّياحْ
حتى تولّى كالنّعامِ العِدا / مُقَنَّعي الهامِ ببَيْضِ الأداحْ
يا واهِبَ الأعْمارِ بعدَ اللُّها / وَرَتْ زِنادي بكَ قَبْلَ اقْتِداحْ
إليكَ أغْدو غيرَ مُستَلْفِتٍ / جِيدي إِلى رَشْحِ أكُفٍّ شِحاحْ
بهِمّةٍ تَفْتَرُّ عنْ مُنْيَةٍ / مَدَّ هَواديهِ إليها النّجاحْ
وبينَ طِمْرَيَّ فتًى ماجِدٌ / لمْ يجتَذِبْ عارِفَةً بامْتِداحْ
وحاجةٍ دافَعَ عنْ نَيْلِها / وَجْهٌ حَيِيٌّ وزَمانٌ وَقاحْ
وحاذَرَ المِنَّةَ منْ باخِلٍ / فطلَّقَ المِنْحَةَ قبلَ النِّكاحْ
أبَتْ إبِلي والليلُ وَحْف الغَدائِرِ
أبَتْ إبِلي والليلُ وَحْف الغَدائِرِ / رَشيفَ صَرىً في مُنْحَنى الوِرْدِ غائِرِ
وباتَتْ تُنادي جارَها وهْوَ راقِدٌ / وهَيْهاتَ أن يرْتاحَ مُغْفٍ لساهِرِ
وقد كادَ أولادُ الوَجيهِ ولاحِقٍ / ترِقُّ لأبْناءِ الجَديلِ وداعِرِ
دَعي إبِلي رَجْعَ الحَنينِ بمَبْرَكٍ / يَضيقُ على ذَوْدِ الخَليطِ المُجاوِرِ
فعَنْ كَثَبٍ تَشْكو مَناسِمُكِ الوَجى / وتَطوي الفَلا مَخْصوفَةً بالحوافِرِ
وتُرْويكِ في قَيْسٍ حِياضٌ تُظِلُّها / ذَوابِلُ في أيْدي لُيوثٍ خَوادِرِ
بحيثُ رُغاءُ المُتْلِياتِ وَراءَهُ / صَهيلُ الجيادِ المُقْرَباتِ الضّوامِرِ
بَنو عَرَبيّاتٍ يَحوطُ ذِمارَها / كُماةٌ كأنْضاءِ السّيوفِ البَواتِرِ
لهُمْ في نِزارٍ مَحْتِدٌ دونَ فَرْعِهِ / تَخاوُصُ ألحاظِ النّجومِ الزّواهِرِ
ولما طَوَتْ عنّي خُزَيْمةُ كَشْحها / ولم تَرْعَ في حَيَّيْ قُرَيْشٍ أواصِري
لوَيْتُ عِناني والليالي تَنوشُني / إِلى أرْيَحيٍّ من ذُؤابَةِ عامِرِ
فأفْرَخَ رَوْعي إذ قَمَعْتُ بِهِ العِدا / وخَفَّضَ جَأشي حينَ رفَّعَ ناظِري
فَتى الحَيِّ يأبى صُحْبَةَ الدِّرْعِ في الوَغى / ولا تكْلَفُ الأرْماحُ إلا بحاسِرِ
ويومٍ تَراءَى شَمسُهُ منْ عَجاجِهِ / تَطَلُّعَ أسْرارِ الهَوى منْ ضَمائِرِ
وتَخْتَفِقُ الراياتُ فيهِ كأنّما / هَفَتْ بحَواشِيها قَوادِمُ طائرِ
تبَسَّمَ حتى انْجابَ جِلْبابُ نَقْعِهِ / بمَرْموقَةٍ تَطْوي رِداءَ الدّياجِرِ
تُضيءُ وَراءَ اللُّثْمِ كالشّمْسِ أشْرَقَتْ / وَراءَ غَمامٍ للغَزالَةِ ساتِرِ
فغَضَّ طِماحَ الحرْبِ وهْيَ أبيّةٌ / بكُلِّ عُقَيْليٍّ كَريمِ العَناصِرِ
وحَفّتْ بهِ مِنْ سِرِّ جوثَةَ غِلْمَةٌ / مَناعيشُ للمَوْلى رِقاقُ المآزرِ
إذا اعْتَنَقَ الأبْطالُ خلْتَ عُيونَهُمْ / تَبُثُّ شَرارَ النّارِ تحت المَغافِرِ
يَصولونَ والهَيْجاءُ تُلقي جِرانها / بمأثورَةٍ بِيضٍ وأيْدٍ قَوادِرِ
ويَرْجونَ منْ آلِ المُهَيّا غَطارفاً / عِظامَ المَقاري واللُّها والمآثِرِ
ويَنْمي ضِياءُ الدينِ منْ كُبَرائِهِمْ / إِلى خَيْرِ بادٍ في مَعَدٍّ وحاضِرِ
سَليلُ مُلوكٍ منْ نِزارٍ تَخيّروا / لهُ سَرَواتِ المُحْصَناتِ الحَرائِرِ
فجاءَ كَماءِ المُزْنِ مَحْضاً نِجارُهُ / مُقابَلَ أطرافِ العُروقِ الزّواخِرِ
يُطيفُ به أنّى تلَفَّتَ سُؤْدَدٌ / أوائِلُهُ مَشْفوعَةٌ بالأواخِرِ
بَني البَزَرى صاهَرْتُمُ منهُ ماجِداً / يَزينُكُمُ أخرى الليالي الغَوابِرِ
وسُقْتُمْ إِلى أحْسابِهِ منْ خِيارِكُمْ / عَقائِلَ لا تَشْرونَها بالأباعِرِ
فبوّأتُموها حيثُ يُلقي به التُّقى / مَراسِيهُ والعِزُّ مُرْخَى الضّفائِرِ
وحُزْتُمْ بكَعْبٍ في كِلابٍ مَناقِباً / تُنافي أنابيبَ الرِّماحِ الشّواجِرِ
ولو بَذَلَ البَدْرُ النّجومَ لخاطِبٍ / لمَدَّ إِلى ثَرْوانَ باعَ المُصاهِرِ
فإيهٍ أبا الشّدّادِ إنّ وراءَنا / أحاديثَ تُرْوى بَعْدَنا في المَعاشِرِ
فمَنْ لي بخِرْقٍ ثائِرٍ فَوقَ سابِحٍ / تَردّى بإعْصارٍ منَ النّقْعِ ثائِرِ
إذا حَفَزَتْهُ هِزّةُ الرّوعِ خِلْتَهُ / على الطِّرْفِ صَقْراً فوقَ فَتْخاءَ كاسِرِ
أتَرضى وما للعُرْبِ غيرَكَ مَلجأ / توَسُّدَهُمْ رَملَيْ زَرُودٍ وحاجِزِ
بهِمْ ظَمَأٌ أدْمى الجَوانِحَ بَرْحُهُ / وذمّوا إِلى الشِّعْرى احْتِدامَ الهَواجِرِ
وطوّقْتَهُمْ نُعْمى فهُمْ يَشكُرونَها / ولا تأنَسُ النَّعْماءُ إلا بشاكِرِ
فأينَ الجِيادُ الجُرْدُ تَخْطو إِلى العِدا / على عَلَقٍ تَرْوَى بهِ الأرضُ مائِرِ
وفِتْيانُ صِدْقٍ يَصْدُرونَ عن الوَغى / وأيدِي المَنايا دامِياتُ الأظافِرِ
على عارِفاتٍ للطّعانِ عَوابِسٍ / طِوالِ الهَوالي مُجْفَراتِ الخواصِرِ
تَقَدّتْ بآطالِ الظِّباءِ ومزّجَتْ / دَماً بدُموعٍ في عُيونِ الجآذِرِ
وحاجَتُهُمْ إحدى اثْنَتيْنِ من العُلا / صُدورُ العَوالي أو فروعُ المنابِرِ
لواعِجُ الحبِّ أُخْفيها وأُبْديها
لواعِجُ الحبِّ أُخْفيها وأُبْديها / والدّمْعُ يَنشُرُ أسراري وأطْويها
ولَوْعَةٌ كَشَباةِ الرُّمْحِ يُطفِئُها / تَجَلُّدي وأُوارُ الشّوْقِ يُذْكيها
إحدى كِنانَةَ حلّتْ سَفْحَ كاظِمةٍ / غَداةَ سالَ بظُعْنِ الحيِّ واديها
فلَسْتُ أدري أمِنْ دَمْعٍ أُرَقْرِقُهُ / أم مِنْ مَباسِمها ما في تَراقِيها
ذَكَرْتُ بالرَّمْلِ منْ حُزْوى رَوادِفَها / والعينُ تَمْرَحُ عَبرى في مَغانيها
بحيث تُرْشَحُ أمُّ الخِشْفِ واحِدَها / على مَذانِبَ تَرْعى في مَحانيها
دارٌ على عَذَباتِ الجِزْعِ ناحِلةٌ / تُميتُها الرّيحُ والأمطارُ تُحييها
حَيَّيْتُها وجُفونُ العينِ مُترَعَةٌ / بأدمُعٍ رَسَبَتْ فيها مآقيها
وقَلَّ للدارِ مني مَدْمَعٌ هَطِلٌ / وعَبْرَةٌ ظَلْتُ في رُدني أواريها
فقد نَضَوْتُ بها الأيّامَ ناضِرَةً / تُغْني عنِ السَّحَرِ الأعلى لَياليها
أزْمانَ أخْطِرُ في بُرْدي هَوًى وَصِباً / بلِمّةٍ يُعجِبُ الحَسْناءَ داجيها
فانْجابَ لَيلُ شَبابٍ كنتُ آلَفُهُ / إذ لاحَ صُبْحُ مَشيبي في حَواشيها
يا سَرْحَةَ القاعِ رَوّاكِ الحَيا غَدَقاً / منْ ديمَةٍ هَطَلَتْ وُطْفاً عَزاليها
زُرْناكِ والظِّلُّ ألْمى فاسْتُريبَ بِنا / ولم يُنِخْ عندَكِ الأنْضاءَ حاديها
ومَسْرَحُ المُهْرَةِ الدّهْماءِ مُكْتَهِلٌ / لو كانَ بالرّوضَةِ الغنّاءِ راعيها
لوَيْتُ عنهُ هِناني وهْيَ تَجْمَحُ بي / والبيضُ مُرْتَعِداتٌ في غَواشيها
مُهْرَ الفَزارِيِّ غُضَّ الطّرْفَ عن نُغَبٍ / يُرْوي بِها إبِلَ العَبْسيِّ ساقيها
فقد نَمَتْكَ جِيادٌ لا تُلِمُّ بها / حتى تَرى السُّمْرَ مُحْمَرّاً عَواليها
كأنّ آذانَها الأقْلامُ جاريَةً / بِما نَبا السّيْفُ عنهُ في مَجاريها
منها الندىً والرّدى فالمُعْتَفونَ رأَوْا / أرْزاقَهُمْ مَعَ آجالِ العِدا فيها
بكَفِّ أرْوَعَ لم يَطْمَحْ لغايَتِهِ / ثَواقِبُ الشُّهْبِ في أعلى مساريها
يُمْطي ذُرا الشّرَفِ العاديِّ همّتَهُ / مُلْقًى على الأمَدِ الأقصى مَراسيها
ذو سُؤْدَدٍ كأنابيبِ القَنا نَسَقٍ / في نَجْدَةٍ من دِماءِ الصِّيدِ تُرويها
يُزْهى بها الدّهْرُ والأيّامُ مُشْرِقَةٌ / تهُزُّ في ظِلِّهِ أعْطافَها تيها
وعُصْبَةٍ مُلِئَتْ أسْماعُهُمْ كَلِماً / ظَلِلْتُ أخْلُقُها فيهِمْ وأَفْريها
أُوطَأْتُهُمْ عقِبي إذ فُقْتُهُمْ حَسَباً / بِراحَةٍ يرتَدي بالنُّجْحِ عافيها
فقُلِّدَ السّيْفَ يومَ الرّوعِ طابِعُهُ / وأعْطيَ القَوْسَ عندَ الرّمْيِ باريها
أرى أُهَيْلَ زماني حاوَلوا رُتَبي / وللنّجومِ ازْوِرارٌ عنْ مَراقيها
وللصُّقورِ مَدًى لا تَرْتَقي صُعُداً / إليهِ أغرِبةٌ تَهْفو خَوافيها
لولا مَساعيكَ لم أهْدِرْ بقافيَةٍ / يكادُ يَسْتَرْقِصُ الأسْماعَ راويها
إذا وَسَمْتُ بكَ الأشْعارَ أَصْحَبَ لي / أبِيُّها فيكَ وانْثالَتْ قَوافيها
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ / تَختالُ بينَ مَجاسِدٍ وعُقودِ
هيفاءُ ليّنَةُ التّثَنّي أقْبَلَتْ / في خُرَّدٍ كَمَها الصّرائِمِ غِيدِ
ومَرَرْنَ بالوادي على عَذَبِ الحِمى / فحَكَيْنَ هِزّةَ بانِهِ بِقُدودِ
وحَكى الشقيقُ بهِ اسْوِدادَ قُلوبِها / وأُعيرَ منهُنّ احْمِرارَ خُدودِ
وكأنّ أعيُنَهُنَّ منْ وَجَناتِها / شَرِبَتْ على ثَمَلٍ دَمَ العُنْقودِ
فَطَرَقْنَني والليْلُ رقَّ أديمُهُ / والنّجْمُ كادَ يهُمُّ بالتَّعْريدِ
ووَجَدْتُ بَرْدَ حُلِيّهِنّ وهَزَّ منْ / عِطفَيْهِ ذو الرّعَثاتِ للتّغْريدِ
فانْجابَ منْ أنوارِهِنَّ ظَلامُهُ / وأظَلَّهُنّ دُجى ذَوائِبَ سُودِ
وأنا بحَيثُ القُرْطُ من أجْيادِها / يَنْأى ويَقْرُبَ مِحْمَلي مِنْ جِيدي
كَرُمَتْ مَضاجِعُنا فلِيثَ على التُّقى / أُزْري وَجيبَ عنِ العَفافِ بُرودي
أزْمانَ يَنْفُضُ لِمّتي مَرَحُ الصِّبا / وهوَ الشّفيعُ إِلى الكَعابِ الرّودِ
ومَشارِبي زُرْقُ الجِمامِ فلَمْ يَنَلْ / منّي الأُوامُ بمَنهَلٍ مَورودِ
فارْفَضَّ شَملُ الأُنْسِ إذ جمَعَ البِلى / بِزَرودَ بينَ مَعاهِدٍ وعُهودِ
وتَقاسَمَتْني بعْدَهُ عُقَبُ النّوى / حتى لَفَفْتُ تَهائِماً بنُجودِ
وفَلَيْتُ ناصِيَةَ الفَلا بمَناسِمٍ / وَسَمَ المَطِيُّ بِها جِباهَ البيدِ
فسَقى الغَمامُ ولسْتُ أقنَعُ بالحَيا / أيّامَنا بينَ اللِّوى فَزَرودِ
بلْ جادَها ابنُ العامِريِّ براحَةٍ / وَطْفاءَ صِيغَ بَنانُها منْ جُودِ
مُتَوقِّدُ العَزَماتِ لو رُمِيَتْ بِها / زُهْرُ النُّجومِ لآذَنَتْ بخُمودِ
ومُواصِلٍ أرَقاً على طَلَبِ العُلا / في مَعْشَرٍ عن نَيْلِهِنَّ رُقودِ
ذو ساحَةٍ فَيحاءَ مَعروفٍ بِها / وَزَرُ اللّهيفِ وعُصْرَةُ المَنْجودِ
مَلْثومَةُ العَرَصاتِ في أرْجائِها / مَثْوى جُنودٍ أو مُناخُ وفودِ
لمّا تَوشَّحَتِ البِلادُ بفِتْنَةٍ / ما إنْ تَصيدُ سوى نُفوسِ الصِّيدِ
وتَشُبُّ شَعْثاءَ الفُروعِ وتَمْتَري / أخْلافَ حَرْبٍ للمَنونِ وَلودِ
أوْهى مَعاقِدَها وأطْفأَ نارَها / قبلَ انْتِشارِ لَظىً وبعْدَ وَقودِ
بالجُرْدِ تَمتاحُ العَجاجَ وغِلْمةٍ / في الغابِ منْ أسَلِ القَنا كأُسودِ
مِنْ كُلِّ وطّاءٍ على قِمَمِ العِدا / بحَوافِرٍ خُلِقَتْ منَ الجُلْمودِ
وصَوارِمٍ عُرِّينَ منْ أغْمادِها / حتى ارْتَدَيْنَ منَ الطُّلى بغُمودِ
ولَوِ انْتَضى أقلامَهُ السّودَ احْتَمى / بِيضُ الصِّفاحِ بِها منَ التّجْريدِ
والسُّمْرُ منْ حَذَرِ التّحَطُّمِ في الوَغى / تُبدي اهْتِزازَ مُنَضْنِضٍ مَطْرودِ
فكأنّهُنّ أُعِرْنَ منْ أعدائِه / يومَ اللّقاءِ تَلَوّيَ المزْؤودِ
وهمُ إذا ما الرّوعُ قلّصَ ظلَّهُ / عنْ كُلِّ مُسْتَلَبِ الحُشاشَةِ مُودِ
مِنْ سائِلٍ صَفَداً يُؤَمِّلُ سَيْبَهُ / ومُكَبَّلٍ في قِدِّهِ مَصْفودِ
وكِلاهُما من رَهْبَةٍ أو رَغْبَةٍ / بَأساً وجُوداً مُوثَقٌ بقُيودِ
كمْ قُلْتُ للمُتَمَرّسينَ بشأْوِهِ / أرْميهِمُ بقَوارِعِ التّفْنيدِ
غاضَ الوفاءُ فليسَ في صَفَحاتِهِمْ / ماءٌ وفي الأحشاءِ نارُ حُقودِ
وحُضورُهمْ في حادِثٍ كمَغيبِهمْ / وقِيامُهُمْ لمُلِمّةٍ كقُعودِ
لم يَبْتَنوا المَجْدَ الطّريفَ ولا اقْتَنَوا / مِنهُ التّليدَ بأنْفُسٍ وجُدودِ
لا تَطْلُبوهُ فشَرُّ ما لَقيَ امْرُؤٌ / في السَّعْي خَيْبَةُ طالِبٍ مَكْدودِ
لكَ يا عَليُّ مآثِرٌ في مِثلِها / حُسِدَ الفتى والفَضْلُ للمحسودِ
وَضَحَتْ مَناقِبُكَ التي لمْ يُخْفِها / حَسَدٌ يُلثِّمُهُ العِدا بجُحودِ
والناسُ غَيْرَكَ والعُلا لكَ كُلُّها / ضَلّوا مَعالِمَ نَهْجها المَسْدودِ
فاسْتَقْبِلِ النّيروزَ طَلْقَ المُجْتَلى / والدّهْرَ عَذْبَ الوِرْدِ نَضْرَ العُودِ
في دَولَةٍ تُرْخي ذَوائِبها على / عِزٍّ يُلاذُ بظِلِّهِ المَمْدودِ
سَقى دارَها منْ مُنْحَنى الأجْرَعِ الفَرْدِ
سَقى دارَها منْ مُنْحَنى الأجْرَعِ الفَرْدِ / أجَشُّ نَمومُ البَرْقِ مُرْتَجِزُ الرَّعْدِ
فَباتَ يُحَيّي بالحَيا عَرَصاتِها / وهُنَّ على الهُوجِ المَراويدِ تَسْتَعْدي
فلا زالَ يَكسوها الرّبيعُ وشائِعاً / تَرِفُّ حَواشِيها على عَلَمَيْ نَجْدِ
ويُفْعِمُ غُدْراناً كأنّ يَدَ الصَّبا / تَجُرُّ علَيْها رَفْرَفَ النَّثْرَةِ السَّرْدِ
بِها تَسْحَبُ الأرْماحَ فِهْرُ بنُ مالِكٍ / إذا ما شَحا الرّاعي ليَكْرَعَ في الوِرْدِ
وتَدْفَعُ عنهُ كلَّ أشْوَسَ باسِلٍ / بمَسْنونَةٍ زُرْقٍ ومَلْبونَةٍ جُردِ
يَصوبُ بأيديهِمْ نَجيعٌ ونائِلٌ / ولولا الندىً لم تَسْتَنِرْ صَفْحَةُ المَجْدِ
بكى حَضَنٌ إذْ عُرِّيَتْ هَضباتُهُ / منَ البَطَلِ الجَحجاحِ والفَرَسِ النَّهْدِ
وفي الجيرَةِ الغادينَ هَيْفاءُ غادَةٌ / نَأَتْ لا دَنا قُرْطٌ لظَمْياءَ منْ عِقْدِ
إذا نَظَرَتْ أغْضى لها الرّيمُ طَرْفَهُ / وإنْ سَفَرَتْ أخْفى سَنا البَدْرِ ما تُبْدي
خَليليَّ إنْ علّلْتُماني فعَرِّضا / بِها قَبلَ تَصْريحِ الفؤادِ عنِ الوَجْدِ
فما هَبَّ عُلْويُّ الرّياحِ ولا بَدا / سَنا بارِقٍ إلا طَرِبْتُ إِلى هِنْدِ
وقد كَمَنَتْ في القَلْبِ منّي صَبابَةٌ / إليها كُمونَ النارِ في طَرَفِ الزَّنْدِ
أأنْقُضُ عهْدَ المالِكيَّةِ باللِّوى / إذاً لا رَعى العَلْياءَ إنْ خُنْتُها عَهْدي
وأغْدِرُ وابْنا خِنْدِفٍ يَهْتِفانِ بي / ويَلْمَعُ حَدُّ السّيفِ منْ خِلَلِ الغِمدِ
ولو لمْ يَكُنْ فيَّ الوَفاءُ سجِيّةً / دَعاني إليها الأرْيَحيُّ أبو سَعْدِ
فتىً يَفْتَري شَأْوَ المعالي بهِمّةٍ / تُناجي غِرارَ السّيْفِ في طَلَبِ الجَمْدِ
وما رَوْضَةٌ حَلَّ الرّبيعُ نِطاقَها / وجَرَّتْ بِها الأنْواءُ حاشِيَةَ البُرْدِ
إذا حَدَرَتْ فيها النُّعامى لِثامَها / ثَنى عِطْفَهُ الحَوْذانُ والْتَفَّ بالرَّنْدِ
بأطْيَبَ نَشْراً منْ شَمائِلِهِ التي / تَنُمُّ بِرَيّاها على العَنْبَرِ الوَرْدِ
أغَرُّ إذا هَزَّتْهُ نَغْمَةُ مُعْتَفٍ / تَبَلَّجَ عنْ أُكْرومَةٍ وندىً عِدِّ
إليكَ زَجَرْتُ العِيسَ بين عِصابَةٍ / كُهولٍ وشُبّان وأغْلِمةٍ مُرْدِ
تَخوضُ خُدارِيَّ الظّلامِ بأوْجُهٍ / تُقايِضُ غَيَّ الدّاعِرِيَّةِ بالرُّشْدِ
على كُلِّ فَتْلاءِ الذِّراعِ كأنّها / منْ الضُّمْرِ شِلْوُ الأصْبَحيِّ منَ القِدِّ
تَرَكْنا وَراءَ الرّمْلِ دارَ إقامَةٍ / ملأْتُ بِها كَفَّيَّ منْ لَبَدِ الأُسْدِ
ولولاكَ لم تَخطرْ بِبالي قَصائِدٌ / هَوابِطُ في غَوْرٍ طَوالِعُ منْ نَجْدِ
لَحِقْتُ بِها شأْوَ المُجيدينَ قَبْلَها / وهَيْهاتَ أن يُؤْتَى بأمثالِها بَعْدي
فهُنَّ عَذارى مَهْرُها الوُدُّ لا الندىً / وما كُلُّ مَنْ يُعْزى إِلى الشِّعْرِ يَسْتَجْدي
ألا بأبي كَعْبٌ خَليلاً وصاحِباً
ألا بأبي كَعْبٌ خَليلاً وصاحِباً / وناهيكَ كَعْبٌ منْ مُغيثٍ ومُصْرِخِ
أَروعُ بهِ سِرْبَ القَطا كُلَّ ليلَةٍ / تَمُدُّ جَناحَيْ أقْتَمِ الرّيشِ أفْتَخِ
إذا سِيمَ خَسْفاً أدْرَكَتْهُ حَفيظَةٌ / تُصَعِّرُ خَدَّ العامِرِيِّ فيَنْتَخي
يَزورُ الوَغى في غِلْمَةٍ منْ هَوازِنٍ / رِقاقِ حَواشي الأوْجُهِ الغُرِّ شُرَّخِ
وُجوهٌ كما شِيفَ الدّنانيرُ عُوِّدَتْ / إباءَ عَرانينٍ منَ العِزِّ شُمَّخِ
وأيْدٍ تَبُزُّ التاجَ قمّةَ أبْلَجٍ / وتَكْسو قِناعَ النّقْعِ لِمَّةَ أبْلَخِ
لَئِنْ جَمَعَتْ ما بَينَ ظَهْرٍ ولَبَّةٍ / فكمْ فرَّقَتْ ما بَينَ هامٍ وأفْرُخِ
أقولُ لخِرْقٍ منْ لُؤيِّ بنِ غالِبٍ / بأرْجاءِ مُغْبَرٍّ منَ البيدِ سَرْبَخِ
أجَزْنا وأيْمُ اللهِ ساحَةَ حاجِرٍ / فمِلْ بهَواديها إِلى رَمْلِ مُرْبِخِ
هُنالِكَ حَيٌّ منْ قُرَيْشٍ تحَدَّبوا / على الجارِ والعافي بعاطِفَةِ الأخِ
إذا ما صَباحٌ فُرَّ عَنْهُمْ شَميطُهُ / وهَدَّ الدُّجى من رُكْنِها المُتَفَسِّخِ
أقَمْنا بحيْثُ الطَّلُّ ذابَ سَقيطُهُ / على زَهَرٍ بالمَنْدَليِّ مُضَمَّخِ
فلا زالَ حادي الخِصْبِ يَسْحَبُ فَوقَهُ / ذَوائِبَ سُحْبٍ تَلْثِمُ الأرْضَ نُضَّخِ
وذي بَخَلٍ لا يَتْبَعُ الوَدْقُ بَرْقَهُ / مَتى يتخَرَّقْ في المَواهِبِ يَرْضَخِ
دَعاني إِلى ضَحْضاحِ ماءٍ أعافُهُ / لَدى عَطَنٍ إنْ يَغْشَهُ الركْبُ يُسْبِخِ
إليكَ فلم تَظفَرْ يَداكَ بطامِعٍ / متى ما يُفَتِّشْ عن رَمادِكَ يَنْفُخِ
إذا ما أناخَ الضّيْفُ عندَكَ نِضْوَهُ / بَكى رَحْمَةً للأرْحَبيِّ المُنَوَّخِ
وأرْحَبُ باعاً منكَ كَعْبُ بنُ مُدْلِجٍ / متى ما أُزِرْهُ مِدْحَةً لا أوَبَّخِ
عن الشّرَفِ الوضّاحِ قُدَّ أديمُهُ / وبالحَسَبِ المَغْمورِ لمْ يتلطَّخِ
إذا ما أتاهُ الضّيفُ لم يُعْتِمِ القِرى / ولمْ يَحْتَجِبْ عن مُعْتَفيهِ ببَرْزَخِ
وإنْ طاشَ حَرْبٌ كَفَّ بالحِلْمِ غَرْبَها / وأهْوى بنيرانٍ إِلى السِّلْمِ بُوَّخِ
وذي لَجَبٍ كالطَّوْدِ كادَتْ رِعانُهُ / تَميدُ بأرْكانٍ حَوالَيْهِ سُوَّخِ
فشُدَّتْ نَواصي الخَيْلِ وهْيَ تَدوسُهُ / بأثْبَتَ منْهُ في اللِّقاءِ وأرْسَخِ
بأرْوَعَ فَضْفاضِ الرِّداءِ مُذَرَّبٍ / أغِرَّةَ عَزْمٍ للخُطوبِ مُدَوِّخِ
يَخوضُ القَنا الرُّعافَ لِيثَتْ كُعوبُهُ / بأذْرُعِ أبْطالٍ لَهاميمَ بُذَّخِ
إذا ثارَ رَيْعانُ العَجاجِ تلثَّموا / على غُرَرٍ تَسْتَوْقِفُ العَيْنَ شُدَّخِ
يا طُرَّةَ الشّيحِ بسفْحِ عاقِلِ
يا طُرَّةَ الشّيحِ بسفْحِ عاقِلِ / كيفَ تُناجيكِ صَبا الأصائِلِ
لا خَطَرَ النَّعامُ فيكِ مَوْهِناً / يَريغُ تَوشيمَ الخِضابِ النّاصِلِ
وصافَحَتْكِ الرّيحُ حَسْرى والثّرى / مُرْتَضِعٌ دَرَّ الغَمامِ الهاطِلِ
فرُبَّ أعْرابيّةٍ نَشْوى الخُطا / تُقْلِقُ أثناءَ الوِشاحِ الجائِلِ
تَرمي حَواليكِ بأحْداقِ المَها / إذا ارْتَقَبْنَ غِرَّةَ الحَبائِلِ
وَيْحَ الهَوى كيفَ أصابَ لحْظُها / وقد أطاشَ أسْهُمي مَقاتِلي
أما كَفاها القَدُّ وهْوَ رامِحٌ / ألا تُراميني بطَرْفٍ نابِلِ
أصْغَتْ إِلى الواشينَ بعْدَ صَبْوَةٍ / أرُدُّ فيها لَغَطَ العَواذِلِ
فلَيْتَها أوْصَتْ بِنا خَيالَها / غَداةَ أبْدتْ صَفحةَ المُزايلِ
تَضحكُ منْ ذي ولَهٍ يَبكي الصِّبا / شَوْقاً إِلى أيّامِهِ القَلائِلِ
أيا أخا حَنظَلَةَ بنِ مالِكٍ / ناضِلْ عنِ الفِهْرِيِّ أُخْتَ وائِلِ
فالنَّثْرَةُ الحَصْداءُ لمْ تَسُنَّها / إلا على عَبْلِ الذِّراعِ باسِلِ
والثّأْرُ لا تَغْفُلُ عنهُ خِنْدِفٌ / فكيْفَ أغْضَيْتَ على الطّوائِلِ
إنْ لمْ أرَوِّعْ قَوْمَها بفِتْيَةٍ / يَمْشونَ مَشيَ الأُسْدِ بالمَناصِلِ
تَشُلُّهُمْ بأذْرُعٍ مَفْتولَةٍ / على الرِّقابِ في عُرا السّلاسِلِ
فما انْتَضَتْ أفْرى حُسامٍ للطُّلى / منْ خَيرِ جَفْنٍ ضمَّهُ قَوابِلي
وقد أرابَ والرّقيبُ هاجِعٌ / طُروقُها تَرفُلُ في الغَلائِلِ
مرّتْ بجَرْعاءِ الحِمى فعَطّرَتْ / أشباحَ أطْلالٍ بها نَواحِلِ
تَبغي كأنْضاءِ السّيوفِ فِتْيَةً / مُوَسَّدينَ أذْرُعَ الرّواحِلِ
فأرَّقَتْ أسْوانَ خاطَ جَفْنَهُ / كَرىً هوَ الصّهْباءُ في المَفاصِلِ
عَدِّ عنِ الطّيفِ فما أتى بهِ / حُلْمٌ جَنَتْهُ سَوْرَةُ البَلابِلِ
والشِّعْرُ في غَيرِ الإمامِ صادِرٌ / عنْ فِكَرٍ تعلّلَتْ بالباطِلِ
منْ مَعْشَرٍ شُمِّ الأنوفِ ذادَةٍ / بَيضِ الوجوهِ سادَةٍ أماثِلِ
دلّتْ على أعراقِهِمْ أفعالُهُمْ / والمَكْرُماتُ جمّةُ المَخائلِ
فطرّفوا عنِ العُلا بأذْرُعٍ / شابَتْ أسابيَّ دَمٍ بِنائِلِ
شنّوا على الأعْداءِ غاراتِهمْ / تَتْرى كوَلْغِ الأذْؤُبِ العَواسِلِ
وكم أناخُوا الحَربَ وهْيَ تَلْتَظي / على مُسِرِّ الضِّغْنِ بالكَلاكِلِ
وقد وفَوْا إذا ضمنوا يومَ الوَغى / رِيَّ القَنا للأَسْل النَّواهلِ
فهاشمٌ خيرُ بَني فِهْرٍ وهُمْ / خَيْرُ الوَرى وأشْرَفُ القَبائِلِ
لِلّهِ بَيْتٌ شَدَّ مِنْ أطْنابِهِ / رَكْزُ القَنا في ثُغَرِ القَنابِلِ
عَبدُ مَنافٍ ضُرِبَتْ أوْتادُهُ / على طُلى الأعْداءِ والكَواهِلِ
هلْ يَخفِضُ السّادِرُ منْ هَديرِهِ / فالمَجْدُ لا يَعْبَقُ بالأراذِلِ
كمْ يُلْقِحُ الآمالَ وهْيَ تَرْعَوي / إليهِ في أعقابِ جَدٍّ حائِلِ
يُمْسي إذا الليلُ ارْجَحَنَّ ظِلُّهُ / في شُغُلٍ عنِ الرُّقادِ شاغِلِ
وإنْ أضاءَ الصُّبْحُ زَرَّ صَدْرُهُ / على الجَوى مُرْتَعِدَ الخَصائِلِ
سيَخْطِرُ الآبي على شَكيمِهِ / منْ زُبَرِ الحَديدِ في الخَلاخِلِ
ودونَ ما يُعْلي إليهِ طَرْفَهُ / عَيْطاءُ تُدمي قَدَمَ المُساجِلِ
يا خَيْرَ مَنْ تَفترُّ كلَّ شارِقٍ / عَنْ ذِكْرِهِ ضَمائِرُ المَحافِلِ
جاءَكَ شَهْرُ اللهِ طَلْقَ المُجْتَلى / مُبارَكَ الأيّامِ واللّيائِلِ
يُهْدي لكَ الأجْرَ وتَقْريهِ الندىً / مِنْ نِعَمٍ مُتْرَعَةِ المَناهِلِ
فلْيَرْعَ حَوْذانَ الغُمَيْرِ هَجْمَةٌ / لِعامِرٍ طائِرَةُ النّسائِلِ
فَلي بأكْنافِ العِراقِ مَسْرَحٌ / رَحْبُ المندىً أرِجُ الخَمائِلِ
ومِنْحَةٌ ضافيَةٌ أرْمي بِها / طَرْفِيَ في إثْرِ الغَمامِ الوابِلِ
وأستَدِرُّ صَوْبَها بمِدْحَةٍ / تَغْرَى لَها الأسْنانُ بالأنامِلِ
غَرّاءُ لو ذابَتْ لَصاغَتِ الدُّمى / منها حُلى أجْبادِها العَواطِلِ
ولَوْ رَضِيتُ حَبَّرَتْ رُواتُها / بِها كَلامَ العَرَبِ الأوائِلِ
ألَمَّتْ ودوني رامَةٌ فكَثيبُها
ألَمَّتْ ودوني رامَةٌ فكَثيبُها / ينُمُّ على مَسْرى البَخيلَةِ طِيبُها
وفَوقَ الغُرَيْرِيّاتِ أعْناقُ فِتْيَةٍ / يَشُدُّ طُلاها بالرِّحالِ دُؤوبُها
وأنّى اهْتَدَتْ والليلُ داجٍ ودونَها / حُزونُ البِطاحِ منْ مِنىً وسُهوبُها
وزارَتْ فَتىً نِضْوَ السِّفارِ تَطاوَحَتْ / بهِ نُوَبٌ تَطْغى عليهِ خُطوبُها
وما راقَبَتْها عُصبَةٌ عامِريّةٌ / تُزَرُّ على أُسْدِ العَرينِ جُيوبُها
فإنّ نَسيمَ العَنْبَرِ الوَرْدِ إنْ سَرَتْ / إلينا ووَسْواسُ الحُليِّ رَقيبُها
وللهِ عَيْنٌ تَمْتَري دَمْعَها النّوى / ونَفْسٌ يُعَنّيها الهَوى ويُذيبُها
وكُنتُ إذا الأيْكِيّةُ الوُرْقُ غرّدَتْ / أخَذْتُ بأحْناءِ الضّلوعِ أُجيبُها
وإنْ خَطَرَتْ وَهْناً صَباً مَشرِقيّةٌ / على كَبِدِي هاجَ الغَرامَ هُبوبُها
وإني لأسْتَنْشي الرّياحَ فربّما / تَجيءُ برَيّا أمِّ عَمْروٍ جَنوبُها
وأنْشَقُ منها نَفْحَةً غَضَويّةً / ولي عَبراتٌ ما تَجفُّ غُروبُها
أُعَلِّلُ نَفْساً بالعِراقِ مريضةً / ولكنْ بأكْنافِ الحِجازِ طَبيبُها
فهل علِمَتْ بنتُ الحُوَيْرِثِ أنّني / مُقيمٌ على العَهْدِ الذي لا يَريبُها
ومُخْلِسةٌ منْ رَوْعَةِ البَيْنِ لِمّتي / أقَبْلَ الثّلاثينَ اسْتَنارَ مَشيبُها
وما نَهْنَهَتْني دونَها خَشيَةُ الرّدى / وهَلْ هيَ إلا مُهْجَةٌ وشَعوبُها
ولا خِفْتُ أن يَستَغويَ البيدُ ناظِري / فإني إذا ما اغْبَرّتِ الأرضُ ذِيبُها
وبيضٍ أُرَويّها دَماً عِندَ مأزِقٍ / بهِ تَشهَدُ الهَيجاءُ أني شَبيبُها
وشِعْرٍ كنَوّارِ الرِّياضِ أقولُهُ / إذا الكَلِماتُ العُورُ قامَ خَطيبُها
أُنيرُ وأُسْدي مَجْدَ أرْوَعَ باسِمٍ / على حِينِ يَلوي بالوجُوهِ قُطوبُها
تَصوبُ بكفّيْهِ شَآبيبُ نائِلٍ / إذا السّنواتُ الشُّهْبُ مارَ ضَريبُها
ويَخْلُفُ أنواءَ الرّبيعِ إذا كسا / سَنامَ الحمى بُرْدَيْ عَديمٍ نُضوبُها
أخو هِمَمٍ مَشْغوفَةٍ بمَكارِمٍ / يَروحُ إِلى غاياتِهنَّ عَزيبُها
ويَقْصُرُ عنها المَدْحُ حتى كأنّنا / إذا نَحنُ أثْنَيْنا عليها نَعيبُها
أطَلَّ على الأكْفاءِ تَغْلي صُدورُهُمْ / على حَسَدٍ تَفترُّ عنهُ نُدوبُها
وصاغَتْ لهُ في كلِّ قَلبٍ مَحبّةً / يَدٌ بالأيادي ثَرّةٌ تَسْتَثيبُها
ولوْ أضْمَرَتْ فيهِ العَداوَةَ أنْفُسٌ / لحدّثَ عن أسرارِهِنَّ قُلوبُها
إليكَ أبا حَسّانَ أُزْجي رَكائِباً / لَها مِنْ رِحابِ الأكْرَمينَ خَصيبُها
ويُطْرِبُها الحادي بمَدْحِكَ مَوْهِناً / فتَخْدي وقد مَسَّ المَراخِي لُغوبُها
ولولاكَ لم أطْرُقْ أحاوِصَ عامِرٍ / ولا نَبَحَتْني في كُلَيْبٍ كَليبُها
فيمَّمْتُ أخْوالي هِلالَ بنَ عامِرٍ / واغِرْبَةُ الحَيَّيْنِ شاجٍ نعيبُها
أؤَمِّلُ أن ألقى الخُطوبَ فتَنْثَني / نَوابيَ عن شِلْوي لَدَيْهِمْ نُيوبُها
فمَعْذِرَةُ الأيامِ مَقْبولَةٌ بِهِمْ / ومَغْفورَةٌ للنّائِباتِ ذُنوبُها
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ / ظَمْياءُ بالعَقِداتِ منْ يَبْرينِ
تَرْنو وقد وَلِعَ الفُتورُ بعَيْنِها / وَلَعَ الهَوى بفؤادِيَ المَفْتونِ
ولَها اسْتِراقَةُ نَظْرَةٍ نالَتْ بِها / ما لا يُنالُ بصارِمٍ مَسْنونِ
ونَشَدْتُ قَلبي حينَ عزَّ مَرامُهُ / إذ ضلَّ بينَ مَحاجِرٍ وعُيونِ
تلكَ النّواظِرُ ما تُفيقُ منَ الكَرى / وبِها سُهادُ الهائِمِ المَحْزونِ
يا سَعدُ إنّ الجِزْعَ أكثَبَ فاسْتَعِرْ / نَظَراتِ طاوي ليلَتَينِ شَفونِ
واجْذِبْ زِمامَ الأرْحَبيّ ولا تُبَلْ / ذِكْراً وَصَلْنَ حَنينَهُ بحَنيني
واشتاقَ كاظِمَةً فجُنَّ جُنونُهُ / وذَكَرْتُ ساكِنَها فجُنَّ جُنوني
لمنِ الظّعائِنُ دون أكثِبَةِ الحِمى / يَطوي الفَلاةَ بهِنَّ كُلُّ أَمونِ
فالآلُ بَحْرٌ حينَ ماجَ برَكْبِها / وجَرى الرّكائِبُ فيهِ جَريَ سَفينِ
عارَضْتُها فنظَرْنَ عن حَدَقِ المَها / يَلمَحْنَ بارقَةَ الغَمامِ الجُونِ
وتكاثَرَتْ دُفَعُ الدّموعِ كأنّها / نَفَحاتُ سَيْبِكَ يا قِوامَ الدّينِ
للهِ دَرُّكَ مِنْ مُدَبِّرِ دولَةٍ / وَجَدَتْهُ خَيْرَ مُؤازِرٍ ومُعينِ
يُلْقي بعَقْوَتِها ذِراعَيْ ضَيْغَمٍ / أدْمى شَبا الأنْيابِ دونَ عَرينِ
ويَحوطُها بيَراعِهِ وحُسامِهِ / متدَفِّقَيْنِ بنائِلٍ ومَنونِ
وضَحَتْ مَناقِبُهُ فليسَ بمُدَّعٍ / شَرَفاً ولا في مَجْدِهِ بظَنينِ
واسْتَأْنَفَ الفُضَلاءُ في أيامِهِ / عِزّاً فلمْ يتَضاءَلوا لِلهُونِ
وتطوَّحَتْ بي هِمّةٌ درَأَتْ إِلى / وَجْناءَ جائِلَةِ النّسوعِ وَضِيني
وطَرَقْتُ ساحتَهُ فألْقَمْتُ الثّرى / صَنِفاتِ ذَيْلِ دِلاصِيَ المَوْضونِ
مَنْ مُبْلِغٌ بَطْحاءَ مكّةَ أنّني / لمْ أرْعَ بالجَرْعاءِ رَوْضَ هُدونِ
ورأيْتُ مَنْ يَمْتارُ ضَوْءَ جَبينِهِ / بَصَري فقبَّلْتُ الثّرى بجَبيني
لولا العُلا وأنا القَمينُ بنَيْلِها / لنَفَضْتُ منْ مِنَحِ المُلوكِ يَميني
فالعِزُّ بالبَطْحاءِ بينَ مُغَرِّرٍ / شَرِسٍ وأبْلَجَ شامِخِ العِرْنينِ
ولأَشْكُرَنّ نَداكَ شُكْرَ خَميلَةٍ / لندىً يُرَقْرِقُهُ الغَمامُ هَتونِ
ولأنْظِمَنَّ قَصائِداً لَفَّ الحِجى / فيها سُهولَ بَلاغَةٍ بحُزونِ
وتَهُزُّ أعْطافَ المُلوكِ كأنّها / ريحُ الشّمالِ تعثّرَتْ بغُصونِ
وكأن راويها يطوفُ علَيْهِمُ / بابْنِ الغَمامةِ وابْنَةِ الزَّرْجونِ
تلكَ الحُدوجُ يُراعِيهنَّ غَيْرانُ
تلكَ الحُدوجُ يُراعِيهنَّ غَيْرانُ / ودونَهُنَّ ظُباً تَدْمَى وخِرْصانُ
مَرَرْنَ بالقارَةِ اليُمْنى فعارَضَها / أُسْدٌ تُسارِقُها الألحاظَ غِزْلانُ
ينحو الأُجَيْرِعَ من حُزْوى أُغَيْلِمَةٌ / سالَتْ بهِمْ بُرَقُ الصّمّانِ غِرّانُ
والعَينُ تلْحَظُهُمْ شَزْراً فتَطْرِفُها / بالمَشْرَفيّةِ والخَطّيِّ فُرْسانُ
تبطّنوا عَقِداتِ الرّمْلِ منْ إضَمٍ / بحَيثُ يلثِمُ فرْعَ الضّالَةِ البانُ
والجُرْدُ صافِنَةٌ لِيثَتْ بأجْرَعِه / لَها على الأثَلاتِ الشُّمِّ أرْسانُ
وفي الحُدوجِ الغَوادي كُلُّ غانِيَةٍ / يَرْوَى مُؤَزَّرُها والخَصْرُ ظَمْآنُ
تهزُّني طَرَباتٌ منْ تَذَكُّرِها / كما ترَنّحَ نِضْوُ الرّاحِ نَشْوانُ
كمْ زُرْتُها بنِجادِ السّيْفِ مُشْتَمِلاً / والنّجْمُ في الأُفُقِ الغَرْبيّ حَيْرانُ
وللعُرَيْبِ بأكْنافِ الحِمى حِلَلٌ / طَرَقْتُها والهَوى ذُهْلٌ وشَيْبانُ
فَراعَها قُرَشِيٌّ في مَراعِفِهِ / تِيهٌ يهُزُّ بهِ عِطْفَيْهِ عَدْنانُ
وبتُّ أحْبُو إلَيها وهْيَ خائِفَةٌ / كما حَبا في حَواشي الرّمْلِ ثُعْبانُ
فأَقْشَعَ الرَّوْعُ عنها إذْ تَوَسَّنها / أغَرُّ مُنْخَرِقُ السِّرْبالِ شَيْحانُ
وفضَّ غِمْدَ حسامي في العِناقِ لَها / ضَمّي كما الْتَفَّ بالأغصانِ أغْصانُ
والشُّهْبُ تَحكي عُيونَ الرّومِ خِيطَ على / أحْداقِها الزُّرْقِ للسّودان أجْفانُ
يا أُخْتَ مُعتَقِلِ الأرْماحِ يتْبَعُهُ / إِلى وقائِعِهِ نَسْرٌ وسِرْحانُ
أعْرَضْتِ غَضْبَى وأغرَيْتِ الخَيالَ بِنا / فلسْتُ ألْقاهُ إلا وهْوَ غَضْبانُ
يَسْري إليَّ ولا أحظى بزَوْرَتِهِ / فالطَّرْفُ لا سَهِرَتْ عَيناكِ يَقْظانُ
وإنّما الطّيْفُ يَسْتَشْفي برؤيَتِهِ / على النّوى مُستَميتُ الشّوقِ وسْنانُ
يا روّعَ اللهُ قوماً ريعَ جارُهُمُ / والذُّلُّ حيثُ ثَوى جَنْبٌ وهَمْدانُ
ملَطَّمونَ بأعْقار الحِياضِ لهُمْ / بكُلِّ منْزلَةٍ للّؤْمِ أوْطانُ
فليسَ يأْمَنُهُمْ في السِّلْمِ جيرَتُهُمْ / ولا يَخافُهُمُ في الرّوعِ أقْرانُ
فارَقْتُهُمْ ولهُم نَحوي إذا نَظَروا / لَحْظٌ تُلَظّيهِ أحْقادٌ وأضْغانُ
وبينَ جَنْبَيَّ قَلْبٌ لا يُزَعْزعُهُ / على مُكافَحَةِ الأيّامِ أشْجانُ
ألْقى الخُطوبَ ولي نَفْسٌ تُشَيِّعُني / غَضْبى وأجْزَعُ إمَّا بانَ جِيرانُ
أكلَّ يَومٍ نَوىً تَشْقى الدّموعُ بِها / إِلى غَوارِبَ تَفْريهنَّ كِيرانُ
فالغَرْبُ مَثْوى أُصَيْحابي الذينَ هُمُ / عشيرتي ولَنا بالشّرْقِ إخْوانُ
أسْتَنشِقُ الرّيحَ تَسْري منْ دِيارِهمُ / وهْناً كأنّ نَسيمَ الرّيحِ رَيْحانُ
فيا سَقى اللهُ زَوراءَ العِراقِ حَياً / تَرْوى بشُؤبوبِهِ قُورٌ وغِيطانُ
مُزْنٌ إذا هزَّ فيهِ البَرقُ مُنْصُلَهُ / عَلا منَ الرّعْدِ في حَضْنَيْهِ إرْنانُ
يَرْمي بأُلْهوبِهِ والغيْثُ منسَكِبٌ / حتى الْتَقَتْ فيهِ أمْواهٌ ونيرانُ
فقد عَرَفْتُ بِها قَوْماً ألِفْتُهُمُ / كما تَمازَجَ أرْواحٌ وأبدانُ