المجموع : 99
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها / وَسُقها وَلَو لَم يَبقَ إِلّا نُسوعُها
وَخَلِّ أَحاديثَ المَطامِعِ وَالمُنى / أَلا إِنَّما أَشقى الرِجالِ طَمُوعُها
وَلا تَحسِدَن فيها رِجالاً بِشبعِها / فَخَيرٌ لَها مِن ذَلِكَ الشِبعِ جُوعُها
فَلا بُدَّ لِلمُنحي عَلى الزادِ وَحدَهُ / إِذا ما اِمتَلا مِن هَوعَةٍ سَيصُوعُها
وَإِن دَولَةٌ وَلَّت قَفاها فَوَلِّها / قَفاكَ فَأَعيى كُلّ شَيءٍ رُجوعُها
وَلا تَتعَبَن في نُصحِ مَن غابَ رُشدُهُ / وَهَوِّن فَخَفّاضُ المَباني رَفُوعُها
لَعَلَّ ذُرىً تَهوي فَتَعلُوا أَسافِلٌ / لِذاكَ فَرَفّاعُ البَرايا وَضُوعُها
وَبِع بِالقِلى دارَ المَهانَةِ وَالأَذى / فَما الرابِحُ المَغبوطُ إِلّا بَيُوعُها
وَلا تَتَّكِل عَجزاً وَلُؤماً وَذِلَّةً / عَلى قَولِهِم بَغيُ الرِجالِ صَرُوعها
مَتى صُرِعَ الباغي فَعاشَ قَتيلُهُ / بَلى طالَما أَردى النُفوسَ هَلُوعُها
وَحَسبُكَ مِن لَومِ الرَذايا فَإِنَّها / تُقِلُّ وَتَقمى أَن يُرَجّى سُطوعُها
فَقَد غَرَّها شُعٌّ يُسَدّيهِ جَهلُها / وَهَل عَن ضِعافِ المُولِ يُغني شُعُوعُها
إِذا نَفَرَت عَن قَريَةٍ طَيرُ سَعدِها / فَما يُرتَجى إِلّا بِبَخسٍ وقُوعُها
تُهَدِّدُ بِالرَمضاءِ قَوماً أَصُولُها / نَشَت في لَظىً مُذ أَنبتَت وَفُرُوعُها
وَتَطلُبُ إِجفالَ القَناطِرِ بِالنَوى / وَوَقعُ بِغالٍ فَوقَها لا يَضُوعُها
وَتَكسُو سَرابيلَ المَديحِ مَعاشِراً / تَنابِلَةً أَبواعُها لا تَبُوعُها
عَدِمتُ رِجالاً لا لِضَيمٍ إِباؤُها / إِذا غَضِبَت أَو لا لِحَقٍّ نُجوعُها
مَتى لَم تَرُعها بِتَّ مِنها مُرَوَّعاً / وَتَأمَنُ مِن مَكروهِها إِذ تَروعُها
أَلا يا لقَومي الأَكرَمينَ مَتى أَرى / بِنا الخَيلَ تَهوي مُطبِقاتٍ صُروعُها
عَلَيهنَّ مِنّا فِتيَةٌ عَبدَلِيَّةٌ / جَرِيٌّ مُزَجّاها جَوادٌ مَنُوعُها
مُقَدَّمَةٌ أَسلافُها في ظَعائِنٍ / حِسانِ المَجالي طَيبّاتٍ رُدُوعُها
وَقَد جَعَلت نَخلَين خَلفَاً وَيَمَّمَت / قُرى الشامِ أَو أَرضَ العِراقِ نجُوعُها
فَخَيرٌ لَعَمرِي مِن بَساتينِ مُرغَمٍ / عَلى ذي المَجاري طَلحُ نَجدٍ وَشُوعُها
وَمِن ماءِ نَهرِ الجَوهَرِيَّةِ لَو صَفَا / ذُبابَةُ حَسيٍ لا يُرَجّى نُبُوعُها
وَمِن مَروَزِيٍّ بِالقَطيفِ وَلالِسٍ / عَباءٌ بوَادي طَيّئٍ وَنُطُوعُها
وَمِن لَحمِ صافٍ في أَوَال وَكَنعَدٍ / ضِبابٌ وَجُرذانٌ كَثيرٌ خُدُوعُها
أَما سَهمُنا في بَحرها المِلحُ ماؤُهُ / وَفي نَخلِها العُمِّ الطَوادي جُذُوعُها
وَلَيسَ لَنا في الدُرِّ إِلّا مَحارُهُ / وَلا في عُذُوقِ النَخلِ إِلّا قُمُوعُها
فَبُعداً لِدارٍ خَيرُها لِعَدُوِّها / وَقَومٍ بِأَسوا كُلِّ حَظٍّ قَنُوعُها
فَعَزماً فَقَد طالَت مُداراتُنا العِدى / وَطالَ بِسُوءِ الغَيثِ فِينا ولُوعُها
فَإِنَّ لَنا مِن مَورِدِ الذُلِّ مَنزَعاً / إِلى غَيرِهِ وَالأَرضُ جَمٌّ صُقُوعُها
فَلا دارَ إِلّا حَيثُ يُهتَضَمُ العِدَى / وَلا عِزَّ إِلّا حَيثُ يَبدُو خضُوعُها
سَتَعلَمُ لَكِن حَيثُ لا العِلمُ نافِعٌ / ذَوُو الجَهلِ مَن ضَرّارُها وَنفوعُها
إِذا أَقبَلَت شُعثُ النَواصي تَضُمُّها / عَلَيهِم مَساعيرُ الوَغى وَتَصُوعُها
أَلَسنا حُماةَ الحَيِّ وَالخَيلُ تَدَّعي / إِذا فَرَّ خَوفاً مِن لَظاها شَكُوعُها
بِنا يُمنَعُ الثَغرُ المَخُوِفُ وَعِندَنا / رياضُ النَدى يَزدادُ حُسناً وَشوعُها
نعُدُّ إِذا نَحنُ اِنتَمَينا أُبُوَّةً / تُوازِنُ هاماتِ الرِجالِ شُسُوعُها
وَما زالَ فينا لا يُدافعُ ذاكُمُ / رَبيعُ مَعَدٍّ كُلِّها وَرُبُوعُها
إِذا هَضبَةٌ لِلعِزِّ طالَت فِراعُها / فَلا تَلقَنا إِلّا وَمِنّا فُرُوعُها
تَلُوذُ بِنا عَليا مَعَدٍّ إِذا جَنَت / فَيَأمَنُ جانِيها وَيهدى مَرُوعُها
بِنا يَأكُلُ الصَعوُ البُزَاةَ وَيَتَّقي / شَذا الأَخطَلِيّاتِ الحَرامَى خمُوعُها
عَفاءٌ عَلى البَحرَينِ لَو قيلَ أَينَعَت / زَنابيرُ واديها وَجادَت زُرُوعُها
فَهَل ذاكَ إَلّا لِلعَدُوِّ وَعُصبَةٍ / سَيَشقى بِها مَتبوعُها وَتَبُوعُها
لَقَد صَدَّعُوا عَمداً عَصاها فَلا اِلتَقَت / وَلا اِلتَأَمَت إِلّا عَلَيهم صُدُوعُها
لَعَمرُكَ ما عَيني بِعَينٍ إِذا اِلتَقَى / هُجوعُ مَعاوِينِ العِدى وَهجوعُها
فَإِن رَضِيَت قَومي بِنَقصِي فَلي غِنىً / بِنَفسي وَجَلّابُ المَنايا دَفُوعُها
مَتَى لَم أَضِق ذَرعاً بِأَرضٍ فَإِنَّني / لَدى الهَمِّ جَوّابُ المَوامي ذَرُوعُها
يُشَيِّعُني قَلبٌ إِلى العِزِّ تائِقٌ / وَنَفسٌ إِلى العَليا شَديدٌ نُزُوعُها
أُشَرِّفُها مِن أَن يَكُونَ إِباؤُها / لِواجِبِ حَقٍّ أَو لِضَيمٍ خُنوعُها
وَما أَنا في السَرّاءِ يَوماً فَرُوحُها / وَلا أَنا في الضَرّاءِ يَوماً جَزُوعُها
سأُنزِلُها المَلحُودَ أَو رَأسَ هَضبَةٍ / مِنَ العِزِّ يُعيي كُلَّ راقٍ طُلوعُها
وَما طَلَبي العَلياءَ إِرثُ كَلالَةٍ / فَيَقصُرُ خَطوي دُونَها فَأَسُوعُها
عَلَيَّ لَها سَعيُ الكِرامِ فَإِن أَمُت / فَوَهّابُها سَلّابُها وَنَزُوعُها
يا باكِياً لِدِمنَةٍ وَأَربُعِ
يا باكِياً لِدِمنَةٍ وَأَربُعِ / اِبكِ عَلى آلِ النَبِيِّ أَو دَعِ
يَكفيكَ ما عايَنتَ مِن مُصابِهِم / مِن أَن تبكّي طَلَلاً بِلَعلَعِ
تُحِبُّهُم قَلبي وَتَبكي غَيرَهُم / إِنَّكَ فيما قُلتَهُ لَمُدَّعِ
أَما عَلِمتَ أَنَّ إِفراطَ الأَسى / عَلَيهِمُ عَلامَةُ التَشَيُّعِ
أَقوَت مَغانيهِم فَهُنَّ بِالبُكا / أَحَقُّ مِن وادي الغَضا وَالأَجرُعِ
يا لَيتَ شِعري مَن أَنُوحُ مِنهُمُ / وَمَن لَهُ يَنهَلُّ فَيضُ أَدمُعي
أَلِلوَصِيِّ حينَ في مِحرابِهِ / عُمِّمَ بِالسَيفِ وَلَمّا يَركَعِ
أَم لِلَّذي أَودَت بِهِ جَعدَتُهُم / يَومَئِذٍ بِكاسِ سُمٍّ مُنقِعِ
وَإِنَّ حُزني كَقَتيلِ كَربَلا / لَيسَ عَلى طُولِ البِلى بِمُقلِعِ
إِذا ذَكَرتُ يَومَهُ تَحَدَّرَت / مَدامِعي لِأَربَعٍ في أَربَعِ
يا راكِباً نَحوَ العِراقِ جُرشُعا / يُنمَى لِعَبدِيِّ النِّجارِ جُرشَعِ
إِذا بَلَغتَ نِينَوى فَقِف بِها / وُقُوفَ مَحزُونِ الفُؤادِ مُوجَعِ
وَاِلبِس إِذا اِسطَعتَ بِها ثَوبَ الأَسى / وَكُلَّ ثَوبٍ لِلعَزاءِ فَاِخلَعِ
فَإِنَّ فِيها لِلهُدى مَصارِعاً / رائِعَةً بِمثلِها لَم يُسمَعِ
فَاِسفَح بِها دَمعَكَ لا مُستَبقِياً / في غَربِهِ وَبُح غَراماً وَاِجزَعِ
فَكُلُّ دَمعٍ ضائِعٌ مِنكَ عَلى / غَيرِ غَريبِ المُصطَفى المُضَيَّعِ
لِلّهِ يَوماً بِالطُفوفِ لَم يَدَع / لِمُسلِمٍ في العَيشِ مِن مُستَمتَعِ
يَومٌ بِهِ اِعتَلَّت مَصابيحُ الدُجى / بِعارِضٍ مِنَ الضَلالِ مُفزِعِ
يَومٌ بِهِ لَم يَبقَ مِن دَعامَةٍ / تَشُدُّ رُكنَ الدِينِ لَم تُضَعضَعِ
يَومٌ بِهِ لَم يَبقَ مِن داعِيَةٍ / تَدعُو إِلى الشَيطانِ لَم تُبتَدَعِ
يَومٌ بِهِ لَم تَبقَ مِن غَمامَةٍ / تُحيي ثَرى الإِسلامِ لَم تُشَيَّعِ
يَومٌ بِهِ لَم تَبقَ قَطُّ رايَةٌ / تَهدي إِلى ضَلالَةٍ لَم تُرفَعِ
يَومٌ بِهِ لَم يَبقَ قَطُّ مارِنٌ / وَمَعطِسٌ لِلحَقِّ لَم يَنجَدِعِ
يَومٌ بِهِ لَم تَبقَ مِن وَسيلَةٍ / حقّاً لِآلِ المُصطَفى لَم تُقطَعِ
يَومٌ بِهِ الكَلبُ الدَريعُ يَعتَدِي / عَلى هِزبَرِ الغابَةِ المُدَرَّعِ
يَومٌ بِهِ غُودِرَ سِبطُ المُصطَفى / لِلعاسِلاتِ وَالضِباعِ الخُمَّعِ
لَهفي لَهُ يَدعُو الطّعان مُعلِناً / دُعاءَ مَأمُونِ الفِرارِ أَروَعِ
يَقُولُ يا شَرَّ الأَنامِ أَنتُمُ / أَكفَرُ مِن عادٍ وَقَومِ تُبَّعِ
كاتَبتُمُوني بِالمَسيرِ نَحوَكُم / وَقُلتُمُ خُذ في المَسيرِ أَو دَعِ
فَنَحنُ طَوعٌ لَكَ لَم نَنسَ الَّذي / لَكُم مِن العَهدِ وَلَم نُضَيِّعِ
حَتّى إِذا جِئتُ لِما يُصلِحُكُم / مِن إِرثِ جَدّي وَذرَارِيهِ مَعي
لَقِيتُمُوني بِسُيُوفٍ في الوَغى / مُنتَضَياتٍ وَرِماحٍ شُرَّعِ
هَل كانَ هَذا في سِجِلّاتِكُمُ / يا شَرَّ مَرأىً لِلوَرى وَمَسمَعِ
هَل لَكُمُ أَن تَفُوا بِبَيعَتي / أَن تَسمَحُوا لي عَنكُمُ بِمَرجعِ
قالَوا لَهُ هَيهاتَ ذاكَ إِنَّهُ / ما لَكَ في سَلامَةٍ مِن مَطمَعِ
بايِع يَزيداً أَو تَرى سُيوفَنا / هامَكُمُ يَقَعنَ كُلَّ مَوقِعِ
فَعِندَها جَرَّدَ سَيفاً لَم يَضَع / نِجادَهُ مِنهُ عَلى أَيِّ مَوضِعِ
وَعاثَ في أَبطالِهِم حَتّى اِتَّقى / مِن بَأسِهِ الحاسِرُ بِالمُقنَّعِ
وَحَولَهُ مِن صَحبِهِ كُلُّ فَتىً / حامي الذِمارِ بَطَلٍ سَمَيذَعِ
كَم غادِرٍ غادَرَهُ مُجَدَّلاً / وَالخَيلُ تُردي وَالكُماةُ تَدَّعي
حَتّى رَماهُ الرِجسُ شُلّت يَدُهُ / عَن بارِعِ الرَميَةِ صُلبِ المَنزَعِ
فَخَرَّ وَالهَفا لَهُ كَأَنَّما / عَلَيهِ رَدعٌ أَو خَلوقٌ أَودَعِ
مِن بَعدِ أَن لَم يَبقَ مِن أَنصارِهِ / غَيرُ طعامِ أَنسُرٍ وَأَضبُعِ
ثَمَّتَ مالُوا لِلخيامِ مَيلَةً / قالَت لِرُكنِ الدِينِ إِيهاً فَقَعِ
ضَرباً وَنَهباً وَاِنتِهاكَ حُرمَةٍ / وَذَبحَ أَطفالٍ وَسَلبَ أَذرُعِ
لَقَد رَأَوا في الفِكرِ تَعساً لَهُم / رَأيَ قُدارٍ رَأَيُهُم فَيَصدَعِ
وَأَينَ عَقرُ ناقَةٍ مِمّا جَنَوا / يا لَلرِجالِ لِلفِعالِ الأَشنَعِ
ما مِثلُها في الدَهرِ مِن عَظيمَةٍ / لَقَد تَعَدَّت كُلَّ أَمرٍ مُفظِعِ
تُسبى ذراري المُصطَفى مُحمَّدٍ / رِضاً لِشانيهِ الزَنيمِ الدُكَّعِ
يا لَهفَ نَفسي لِلحُسَينِ بِالعَرا / وَقَد أُقيمَ أَهلُهُ بِجَعجَعِ
لَهفي لِمَولايَ الشَهيدِ ظامِئاً / يُذادُ عَن بَحرِ الفُراتِ المُترَعِ
لَم تَسمحِ القَومُ لَهُ بِشَربَةٍ / حَتّى قَضى بِغُلَّةٍ لَم تُنقَعِ
لَهفي لَهُ وَالشَمرُ فَوقَ صَدرِهِ / لِحَينِ أَوداجٍ وَهَشمٍ أَضلُعِ
لَهفي لَهُ وَرَأسُهُ في ذائِلٍ / كَالبَدرِ يزهى في أَتَمِّ مَطلَعِ
لَهفي لِثَغرِ السِبطِ إِذ يَقرَعُهُ / مَن سَيَوَدُّ أَنَّهُ لَم يُقرَعِ
يا لَهفَ نَفسي لِبناتِ أَحمَدٍ / بَينَ عِطاشٍ في الفَلا وَجُوَّعِ
يُسَقنَ في ذُلِّ السِبا حَواسِراً / إِلى الشآمِ فَوقَ حَسرِ أَضلُعِ
يَقدُمُهُنَّ الرَأسُ في قَناتِهِ / هَدِيَّةً إِلى الدَعِيِّ اِبنِ الدَعِي
يَندُبنَ يا جَدَّهُ لَو رَأَيتَنا / نُسلَبُ كُلَّ مِعجَرٍ وَبُرقُعِ
نُهدَى إِلى الطاغي يَزيد لُعثاً / شُعثاً بِأَسوا حالَةٍ وَأَبدَعِ
يَحدي بِنا حادٍ عَنيفٌ سَيرُهُ / لَو قِيلَ إِرتَع ساعَةً لَم يَرتَعِ
يُتعِبُنا السَيرُ فَيَستَحِثُّنا / إِذا تَخَلَّفنا بِضَربٍ مُوجِعِ
وَلَو تَرى السَجّانَ في كُبُولِهِ / يَضرِبُ ضَربَ النَعَمِ المِسلَعِ
يَعزِز عَلَيكَ جَدَّنا مُقامُنا / وَمَصرَعٌ في الطفِّ أَيُّ مَصرَعِ
اِستَأصَلوا رِجالَنا وَما اِكتَفوا / بِسَبيِ نِسوانٍ وَذَبحِ رُضَّعِ
ثُمَّ يَصِحنَ يا حُسَينَاهُ أَما / بَعدَ فِراقِ اليَومِ مِن تَجَمُّعِ
خَلَّفتَنا بَعدَكَ وَقفاً محجِراً / عَلى الحَنينِ وَالنَوى وَالجَزَعِ
واعَجَباً لِلأَرضِ كَيفَ لَم تَثُخ / وَلِلسَماءِ كَيفَ لَم تُزَعزَعِ
فَلَعنَةُ الرَحمَنُ تَغشى عُصبَةً / غَزَتهُمُ وَعُصبَةً لَم تدفَعِ
يا آل طَهَ أَنتُمُ وَسيلَتي / عِندَ الإِلَهِ وَإِلَيكُم مَفزَعي
واليتُكُم كَيما أَكونَ عِندَكُم / تَحتَ لِواءِ الأَمنِ يَومَ الفَزَعِ
وَإِن مَنَعتُم أَن يُوالي غَيرَكُم / إِن يَردِ الحَوضَ غَداً لَم يُمنَعِ
إِلَيكُمُ نَفثَةَ مَصدُورٍ أَتَت / مِن مُقحَمِ الشِعرِ إِلى مِصقَعِ
مَغرِبيٌّ عَرَبيٌ طَبعُهُ / وَنَجرُهُ وَلَيسَ بِالمُدَرَّعِ
يُنمى إِلى البَيتِ العُيونِيِّ إِلى / أَجَلِّ بَيتٍ في العُلى وَأَرفَعِ
عَلَيكُمُ صَلّى الإِلَهُ وَسَقى / أَجَلّ بَيتٍ في العُلى وَأَرفَعِ
رِدى مُرَّ الحتُوفِ وَلا تُراعِي
رِدى مُرَّ الحتُوفِ وَلا تُراعِي / فَما خَوفُ المَنِيَّةِ مِن طِباعي
وَعَزماً صادِقاً فَلَكَم مَضيقٍ / بِصِدقِ العَزمِ صارَ إِلى اِتِّساعِ
وَمَن هابَ المَنيَّةَ أَدرَكَتهُ / وَماتَ أَذَلَّ مِن فَقعٍ بِقاعِ
ذَريني وَالمُلوكَ بِكُلِّ أَرضٍ / أُكايلُها الرَدى صاعاً بِصاعِ
فَما أَيمانُهُم تَعلو شمالي / وَلا أَبواعُهُم تَعدُو ذِراعي
تُخَوِّفُني اِبنَةُ العَبديِّ حَتفي / وَإِقحامي المَهالِكَ وَاِفتِراعي
وَتَعذِلُني عَلى إِنفاقِ مالي / وَتَزعُم أَنَّهُ لِلفَقرِ داعِ
فَقُلتُ لَها وَقَد أَربَت وَزادَت / رُوَيدَكِ لا شَقيتِ فَلَن تُطاعي
أَما وَالأَريَحيَّةِ إِنَّ سَمعي / لِما تَهذي العَواذِلُ غَيرُ واعِ
أَأَحفلُ بِالفِراقِ وَكُلُّ شِعبٍ / تُصَيِّرُهُ المَنونُ إِلى اِنصِداعِ
وَأَرهبُ أَن أَمُوتَ وَكُلُّ حَيٍّ / سَينعاهُ إِلى الأَقوامِ ناعِ
وَأَخشى الفَقرَ وَالدُنيا مَتاعٌ / وَرَبّي بِالكِرامِ أَبَرُّ راعِ
دَعيني أَركَبُ الأَهوالَ إِنّي / رَأَيتُ رُكوبَها فيهِ اِتِّداعي
فَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ / إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ
فَإِنَّ بِأَرضِنا بَقَراً شِباعاً / وَلَكِن بَينَ آسادٌ جِياعِ
وَهَل يَهنا البَهيمَةَ خِصبُ مَرعىً / إِذا ما آنَسَت صَوتَ السِباعِ
إِذا راعَ الوداعُ قُلوبَ قَومٍ / فَلي قَلبٌ يَحِنُّ إِلى الوداعِ
وَإِن يَنزَع إِلى الأَوطانِ غِمرٌ / فإِنَّ إِلى النَوى أَبَداً نِزاعي
يُراعُ لِفُرقَةِ الأَوطانِ نِكسٌ / ضَعيفُ العَزمِ أَخلى مِن يَراعِ
وَكَم مِن فُرقَةٍ طالَت فَكانَت / بُعَيدَ اليَأسِ داعِيَةَ اِجتِماعِ
تُقارِعُني الحَوادِثُ عَن مُرادي / وَأَرجُو أَن يُذلِّلَها قِراعي
وَإِنّي وَالعُلى فَرَسا رِهانٍ / كَما أَنا وَالنَدى أَخَوا رَضاعِ
وَلَستُ إِذا الهُمومُ تَأَوَّبَتني / مُلاقيها بِآراءٍ شَعاعِ
وَلَكِنّي سَأَلقاها بِعَزمٍ / وَباعٍ في المَكارِمِ أَيّ باعِ
سَئِمتُ تَقَلُّبي فَوقَ الحَشايا / وَنَومي بِالهَواجِرِ وَاِضطِجاعي
إِذا يَوماً نَبَت بي دارُ قَومي / فَما تَنبُو المَطِيُّ عَنِ اِنتِجاعي
سَأَطلُبُ حَقَّ آبائِي وَحَقّي / وَلَو مِن بَينِ أَنيابِ الأَفاعي
وَإِنَّ المَوتَ في طَلَبِ اِرتِفاعٍ / لَدَيَّ وَلا حَياتي في اِتِّضاعِ
وَثَوبُ اللَيثِ فِيَّ إِذا تَبَدَّت / فَريسَتُهُ وَإِطراقُ الشُجاعِ
يُخادِعُني عَنِ العَليا رِجالٌ / وَأَينَ بَنو الفَواعِلِ مِن خِداعي
أَأَبقَى تابِعاً وَلَدَيَّ فَضلٌ / يَسومُ الناسَ كُلَّهُمُ اِتِّباعي
يُطاوِلُني بِقَومي كُلُّ عَبدٍ / تَنَقَّلَ مِن لَكاعٍ في لَكاعِ
أَهُمُّ بِهَجوِهِم فَأَرى ضَلالاً / هِجائي دونَ رَهطِ اِبنِ الرِقاعِ
أَنا اِبنُ السابِقينَ إِلى المَعالي / وَأَربابِ المَمالِكِ وَالمَساعي
حَلَلنا مِن رَبيعَةَ في ذُراها / وَجاوَزنا الفُروعَ إِلى الفِراعِ
وَقَد عَلِمت نِزارٌ أَنَّ قَومي / سُيوفُ ضِرابها يَومَ المَصاعِ
وَأَنّا المانِعُونَ حِمى مَعَدٍّ / وَأَهلُ الذَبِّ عَنها وَالدِفاعِ
نُهينُ لَها التِلادَ وَلا نُحاشي / وَنُوطِئُها البِلادَ وَلا نُراعي
وَنَشري البَيِّعاتِ بِكُلِّ خَطبٍ / عَناها لا لِبَيعٍ وَاِبتِياعِ
وَما زالَت مَدى الأَيّامِ فينا / لَها راعٍ وَساعٍ أَيّ ساعِ
وَما حِفظُ العُلى وَالمَجدِ شَيءٌ / مِنَ الأَشياءِ كَالمالِ المُضاعِ
وَإِن نَفخَر نِجِيءُ بِكُلِّ مَلكٍ / حَليمٍ قادِرٍ عاصٍ مُطاعِ
بَنَينا عِزَّنا وَرَسى عُلانا / بِضَربِ الهامِ وَالكَرَمِ المُشاعِ
بِنا يَستَنسِرُ العُصفُورُ تِيهاً / وَتَخشى الأسدُ صَولاتِ الضِباعِ
وَمَجهولٌ إِذا يُعزى كَشَيءٍ / وَإِنسانٌ وَأَخفى مِن نُخاعِ
تَرَكناهُ كَأَنتَ وَذا وَأَضحى / كَمِثلِ الطَودِ ما بَينَ البِقاعِ
وَإِرِّيسٍ جَعَلناهُ رَئيساً / يَسومُ الناسَ غَيرَ المُستَطاعِ
فَصارَ يُعَدَّ ذا رَأيٍ وَعَقلٍ / وَكانَ يُعَدَّ في الهَمَجِ الرِعاعِ
وَأَرعَنَ باذِخٍ صَعبِ المَراقي / صَكَكناهُ فَآذن بِاِنقِشاعِ
فَلا يَستَغرِقَنَّ الحُمقُ قَوماً / فَكَم مِن رفعَةٍ سَبَبُ اِتِّضاعِ
فَإِنَّ سُيُوفَنا ما زالَ فيها / شِفاءٌ لِلرُؤوسِ مِن الصُداعِ
يَخَبِّرُ تُبَّعٌ عَنها وَكِسرى / بِذا وَالمُنذِرانِ وَذُو الكَلاعِ
فَكَم قِدماً رَبَعنا مِن رُبوعٍ / بِهنَّ وَكَم أَبَرنا مِن رَباعِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ
إِلام أُورِدُ عُتباً غَيرَ مُستَمَعِ / وَأُنفِقُ العُمرَ بَينَ اليَأسِ وَالطَمَعِ
وَكَم أُحيلَ عَلى الأَيّامِ مُفتَرِياً / ما تُحدِثُ البدعُ النَوكَى مِن البِدَعِ
آلَيتُ أَنفَكُّ مِن حِلٍّ وَمُرتَحَلٍ / أَو أَن تَقولَ لِيَ الآمالُ خُذ وَدَعِ
لا صاحَبَتنِيَ نَفسٌ لا تُبَلِّغُني / مَراتِبَ العِزِّ لَو في ناظِرِ السَبُعِ
سَيَصحَبُ الدَهرَ مِنّي ماجِدٌ نَجِدٌ / لَو داسَ عِرنِينَ أَنفِ المَوتِ لَم يُرَعِ
أَأَقبَلُ النَقصَ وَالآباءُ مُنجِبَةٌ / وَالبَيتُ في المَجدِ ذُو مَرأىً وَمُستَمَعِ
لَأَركَبَنَّ مِنَ الأَهوالِ أَعظَمَها / هَولاً وَما يَحفَظُ الرَّحمنُ لَم يُضَعِ
وَلا أَكونُ كَمَن يَسعى وَغايَتُهُ / وَمُنتَهى سَعيِهِ لِلرِّيِّ وَالشِبَعِ
أَيذهَبُ العُمرُ لا يَخشى مُعانَدَتي / خَصمي وَجاري بِقُربي غَيرُ مُنتَفِعِ
وَبَينَ جَنبَيَّ عَزمٌ يَقتَضي هِمَماً / لَو ضَمَّها صَدرُ هَذا الدَهرِ لَم يَسَعِ
فَلا رَعى اللَهُ أَرضاً لا أَكونُ بِها / سُمّاً لِمُستَنكِفٍ غَيثاً لِمُنتَجِعِ
كَم عايَنَ الدَهرُ مِنّي صَبرَ مُكتَهِلٍ / إِذ لَيسَ يُوجَدُ صَبرُ العودِ في الجَذَعِ
وَكَم سَقاني مِن كَأسٍ عَلى ظَمَأٍ / أَمَرَّ في الطَعمِ مِن صابٍ وَمِن سَلَعِ
وَما رَمَتني بَكرٌ مِن نَوائِبهِ / إَلّا صَكَكتُ بِصَبري هامَةَ الجَزَعِ
سَلِ الأَخِلّاءِ عَنّي هَل صَحِبتُهُمُ / يَوماً مِنَ الدَهرِ إِلّا وَالوَفاءُ مَعي
أَلقى مُسيئَهُمُ بِالبِشرِ مُبتَسِماً / حَتّى كَأَن لَم يَخُن عَهداً وَلَم يُضِعِ
وَسَلهُمُ هَل وَفى لي مِن ثِقاتِهمُ / حُرٌّ وَلَم يَشرِ في نَقضي وَلَم يَبِعِ
ثَكِلتُهُم ثُكلَ عَينٍ ما تَبَطَّنَها / مِنَ القَذى أَو كَثُكلِ العُضوِ لِلوَجَعِ
لَقَد تَفَكَّرتُ في شَأني وَشَأنِهمُ / فَبانَ لي أَنَّ ذَنبي عِندَهُم وَرَعي
فآهِ مِن زَفَراتٍ كُلَّما صَعَدَت / في الصَدرِ كادَت تُوَرّي النار مِن ضِلعي
يَسُوقُها أَسَفٌ قَد ثارَ مِن نَدَمٍ / يُربي عَلى نَدَمِ المَغبُونِ مِن كُسَعِ
وَلَيسَ ذاكَ عَلى مالٍ نَعِمتُ بِهِ / حِيناً وَأَفناهُ صَرفُ الأَزلَمِ الجَذِعِ
وَلا عَلى زَلَّةٍ أَخشى عَواقِبَها / وَالناسُ حِزبانِ ذُو أَمنٍ وَذُو فَزَعِ
لَكِن عَلى دُرَرٍ تَزهُو جَواهِرُها / في عِقدِ كُلِّ نِظامٍ غَيرِ مُنقَطِعِ
تَوَّجتُها مَعشَراً لا أَبتَغي عِوَضاً / عَنها وَإِنّيَ في قَومي لَذُو قَنَعِ
وَكُنتُ أَولى بِها مِنهُم وَكَم مِنَنٍ / ضاعَت وَما فائِتٌ يَمضي بِمُرتَجَعِ
وغَرَّني مِنهُمُ لَفظٌ خُدِعتُ بِهِ / وَالناسُ ما بَينَ مَخدوعٍ وَمُختَدِعِ
فَلو تَكونُ إِلى الأَصدافِ نِسبَتُها / لَكانَ لِي كَرَمٌ يَنهى عَن الهَلَعِ
لَكِنَّها الجَوهَرُ الطَبعِيُّ قَد أَمِنَت / مِنَ التَشَظّي مَدى الأَيّامِ وَالطَبَعِ
ليُبعِدَنِّيَ عَنهُم شَدُّ ناجِيَةٍ / وَجناءَ غُفلٍ مِن التَوقِيعِ وَالوَقَعِ
أَو ذاتُ قِلعٍ مِنَ العَيناءِ ما عُرِفَت / في زَجرِها بخَلٍ يَوماً وَلا هِدَعِ
وَلا رَغَت عِندَ حَملِ الثِقلِ مِن ضَجَرٍ / وَلا إلى هُبَعٍ حَنَّت وَلا رُبَعِ
تَجري مَعَ الريحِ إِن هَوناً وَإِن مَرَحاً / فَنِعمَ مُطلِعَةٌ مِن هَولِ مُطَّلِعِ
فَتِلكَ أَو هَذِهِ أَجلو الهُمومَ بِها / إِذا تَطاوَلَ لَيلُ العاجِزِ الضَرِعِ
يَأبى لِيَ المَجدُ أَن أَرضى بِغَيرِ رِضاً / وَرَأيِ ماضٍ وَعَزمٍ غَيرِ مُفتَرِعِ
ما أَقبَحَ الذُلَّ بِالحُرِّ الكَريمِ وَما / أَسوا وَأَقبَحَ مِنهُ العِزُّ بِاللُكَعِ
ما لي أُجمجِمُ في صَدري بَلابِلَهُ / وَمَنكِبُ الأَرضِ ذو مَنأىً وَمُتَّسَعِ
وَكُلُّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطني / وَكُلُّ قَومٍ إِذا صاحَبتهُم شِيَعي
وَلي مِنَ الفَضلِ أَسنَاهُ وَأَشرَفَهُ / وَهِمَّةٌ جاوَزَت بي كُلَّ مُرتَفِعِ
المَجدُ أَعتَقُ وَالآدابُ بارِعَةٌ / وَذِروَةُ المَجدِ مُصطافي وَمُرتَبَعي
لِيَ النَّباهَةُ طَبعٌ قَد عُرِفتُ بِهِ / وَكُلُّ مَعنىً مِنَ الأِلفاظِ مُختَرَعي
فَيَأسكُم مِن رُجُوعِي بَعدَ مُنصَرَفي / نِطافُ دِجلَةَ تُغنِيني عَنِ الجُرَعِ
سَيَعرِفُ الخاسِرُ المَغبُونُ صَفقَتَهُ / مِنّا وَمَن ضَيّعَ البازِيَّ بِالوَصَعِ
لا خَيرَ في مَنزِلٍ تَشقى الكِرامُ بِهِ / وَيُلحَقُ السَيِّدُ المَتبُوعُ بِالتَبَعِ
كَم لُمتُ قَومي لا بَل كَم أَمَرتُهُمُ / بِحَسمِ داءِ العِدا فيهِم فَلَم أُطَعِ
فَلَم أَجِد بَعدَ يَأسي غَيرَ مُرتَحَلي / عَنهُم لِهَمٍّ أسَلِّيهِ وَمُتَّدَعِ
فَإِن يُرِيعُوا أَرِع وَالعَقلُ مُكتَسَبٌ / وَالرَيعُ خَيرٌ وَمَن لِلعُميِ بِالرَسَعِ
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ / ونارُ جَوىً أَذكَت لَظاها المَدامِعُ
وَقَلبٌ إِذا ما قُلتُ يُعقِبُ راحَةً / أَبَت حُرَقٌ تَأتي بِهِنَّ الفَجائِعُ
أَفي كُلِّ يَومٍ للحَوادِثِ عَدوَةٌ / لَها في سُوَيدَا حَبَّةِ القَلبِ صادِعُ
فَلو أَنَّ هَذا الدَهرَ لا دَرَّ دَرُّهُ / يُسالِمُ أَربابَ العُلى وَيُوادِعُ
وَلَكِنَّهُ يَختارُ كُلَّ مُهَذَّبٍ / لَهُ الفَضلُ فينا وَاللُهى وَالدَسائِعُ
أَبَعدَ اِبنِ إِبراهِيمَ يا دَهرُ يُبتَغى / إِلَيكَ خُلودٌ أَو تُرَجّى صَنائِعُ
تَعِستَ لَقَد عَلَّمتَنا بَعدَهُ البُكا / وَعَرَّفتَنا بِالثُكلِ ما الحُزنُ صانِعُ
فَتىً كانَ بَرّاً بِالعَشيرَةِ راحِماً / رَؤُوفاً بِها لا تَزدَهيهِ المَطامِعُ
وَلَم تَلقهُ في مَحفَلٍ مِن نَدِيِّهِ / يُشاري عَلى ما ساءَها وَيُبايِعُ
وَلَو شاءَ جازى بِالعُقوبَةِ قُدرَةً / وَلَكِن لَهُ مِن خَشيَةِ اللَهِ رادِعُ
يَصُدُّ عَن العَوراءِ حَتّى كَأَنَّما / بِهِ صَمَمٌ عَمّا يَقولُ المُقاذِعُ
كَريمُ الثَنا تَأبى الدَنِيَّةَ نَفسُهُ / هُمامٌ لِأَبوابِ الحَوادِثِ قارِعُ
لَهُ حِكَمٌ مَأثورَةٌ حينَ تَلتَقي / بِآرائِها عِندَ المُلوكِ المَجامِعُ
يَقولُ فَلا يُخطي إِذا ما تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَصاقِعُ
جَميلُ السَجايا كُلَّما اِزدادَ رِفعَةً / تَواضَعَ حَتّى قيلَ ماذا التَواضُعُ
سَواءٌ عَلَيهِ في القَضِيَّةِ مَن دَنَت / بِهِ الرَحِمُ القُربى وَمَن هُوَ شاسِعُ
نَشا مُذ نَشا لَم يَدرِ ما الجَهلُ وَالخَنا / وَسادَ بَني أَيّامِهِ وَهوَ يافِعُ
وَلا عَرَفَ العَوراءَ يَوماً وَلا اِنتَحى / إِلى خطَّةٍ يَبغي بِها مَن يُقاذِعُ
إِذا قيلَ مَن أَوفى مَعَدٍّ بِذِمَّةٍ / أَشارَت إِلَيهِ بِالبَنانِ الأَصابِعُ
لَقَد فُجعَت غُنمٌ وَبَكرٌ وَطُوطِئَت / لِمَهلِكِهِ أَكتادُها وَالقَبائِعُ
كَما فُجِعَت مِن قَبلِهِ بِجِدُودِهِ / بَنُو جُشَمٍ وَالمَجدُ لِلمَجدِ تابِعُ
فَصَبراً بَنِي مَستُور فَالدَهرُ هَكَذا / وَكُلٌّ عَلَيهِ لِلمَنايا طَلائِعُ
فَفيكُم بِحَمدِ اللَهِ حِصنٌ وَمَعقِلٌ / وَنُورٌ مُبينٌ يَملَأُ الأُفقَ ساطِعُ
فَمَن كانَ عَبدُ اللَهِ مِنهُ خَليفَةً / فَما ماتَ إِلّا شَخصُهُ لا الطبائِعُ
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ قَبلَ اِحتِلامِهِ / يُدافِعُ عَنكُم جاهِداً وَيُصانِعُ
فَما عاشَ فَالبَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / يَطولُ عَلى الأَيّامِ وَالرَبعُ واسِعُ
وُقِيتَ الرَدى وَالسُوءَ يا با مُحمَّدٍ / وَحَلَّت بِمَن يَهوَى رَداكَ القَوارِعُ
تَعَزَّ فَكُلٌّ سَالِكٌ لِسَبيلِهِ / وَكُلُّ اِمرِئٍ مِن خَشيَةِ المَوتِ جازِعُ
وَنَحنُ سَواءٌ في المُصابِ وَإِن نَأَت / بِنا الدارُ فَالأَرحامُ مِنّا جَوامِعُ
وَلا شَكَّ مِنّا في التَأَسّي وَإِنَّما / نُعَزِّيكَ إِذ جاءَت بِذاكَ الشَرائِعُ
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا / فَلو كانَ يَشفِي داءَهُ اللَوم لاِشتَفى
وَرِفقاً بِهِ يا عاذِليهِ فَإِنَّهُ / شَجِيٌّ وَقد قاسى مِنَ اللَومِ ما كَفى
فَلولا هَوىً لا يَملكُ العَزمَ عِندَهُ / لَكانَ حِمِيَّ الأَنفِ أَن يَتَعَطَّفا
وَلَكِنَّ مَن يَعشِق وَلَو كانَ ذا عُلىً / فَلا بُدَّ أَن يَعنُو وَأَن يَتَلَطَّفا
خَلِيلَيَّ قُوما فَاِسقِياني رُعِيتُما / سُلافَةَ خَمرٍ مُرَّةَ الطَعمِ قَرقَفا
بِكَفِّ نَديمٍ أَو تَراءَى بِحُسنِهِ / لِيَعقُوبَ لَم يَأسَف لِفُقدانِ يُوسُفا
وَلَو أَنَّهُ لِلبَدرِ لَيلَةَ تِمِّهِ / تَجَلّى لأَبدى غِيرَةً مِنهُ وَاِختَفى
نَظَلُّ بِعَينَيهِ نَشاوى وَثَغرِهِ / فَما نَتَحَسّى الكَأسَ إِلّا تَرَشُّفا
وَلا بَأَسَ لَو غَنَّيتُماني فَقُلتُما / رَعى اللَهُ بِالجَرعاءِ حَيّاً وَمَألَفا
بِخَفقِ المَثاني في ظِلالِ حَدائِقٍ / تَظَلُّ عَلى أَغصانِها الطَيرُ عُكَّفا
دُجَيلِيَّةٌ لَو حَطَّ غَيلانُ رَحلَهُ / بِها ساعَةً أَنسَتهُ حُزوى وَمُشرِفا
كَنِسيانيَ الأَوطانَ في ظِلِّ سَيِّدٍ / جَلى الغَمَّ عَن سَوداءِ قَلبي وَكَشَّفا
دَعانِيَ إِذ لَم آتِهِ مُتَعَرِّضاً / لِنَيلٍ وَأَدنى مِن مَكاني وَشَرَّفا
وَضاعَفَ إِكرامي وَبِرّي بَداهَةً / فَنَفسي فِداهُ ما أَبَرَّ وَأَلطَفا
وَما ضَرَّني مَع قُربِهِ أَنَّ مَنزِلي / وَقَومي بِأَكنافِ المُشَقَّرِ وَالصَفا
يَقُولُونَ ماتَ الأَكرَمونَ وَأَصبَحَت / بِحارُ النَدى قاعاً مِنَ الخَيرِ صَفصَفا
وَلَم يَبقَ في هَذا البَريَّةِ ماجِدٌ / يُلاذُ بِهِ إِن رَيبُ دَهرٍ تَعَجرَفا
فَقلتُ لَهُم أَخطَأتُمُ إِنَّ لِلنَدى / وَلِلجُودِ بَحراً يَقذِفُ الدُرَّ مُردفا
فَما دامَ فَخرُ الدينِ يَبقى وَنَسلُهُ / فَلا تَسأَلوا عَمَّن مَضى أَو تَخَلَّفا
فَإِن غالَهُم رَيبُ المَنونِ كَغَيرِهِم / فَقَولُوا عَلى الدُنيا وَأَبنائِها العَفا
وَمَن يَلقَ فَخرَ الدينِ يَلقَ اِبنَ تارحٍ / جَلالاً وَإِنسانِيَّةَ وَتَحَنُّفا
هُوَ الطاهِرُ الأَخلاقِ لا دِينُهُ رِيا / وَلا مَجدُهُ دَعوى وَلا جُودُه لَفا
سَليلُ مُلوكٍ لا تَرى في قَدِيمِهِ / لَئِيماً وَلا مُستَحدَثَ البَيتِ مُقرِفا
أَتى بَعدَهُم وَالدَهرُ قَد سَلَّ سَيفَهُ / عَلى الناسِ وَاِستَشرى بِحَدٍّ وَأَوجَفا
فَلَم يَثنِ مِنهُ ذاكَ باعاً وَلا يَداً / وَلا عَزمَةً لا بَل لآبائِهِ اِقتَفى
لَعَمري لَقَد أَحيا النَدى بَعدَ مَوتِهِ / وَجَدَّدَ رَبعاً لِلعُلى كانَ قَد عَفى
وَأَضحى بِهِ المَعروفُ غَضّاً وَأَصبَحَت / حِياضُ النَدى مِن فَيضِ كَفَّيهِ وُكَّفا
وَرَدَّ إِلى الآمالِ رُوحاً غَدَت بِها / تَنُوءُ وَكانَت مِن هَلاكٍ عَلى شَفا
تَرى الجُودَ وَالإِحسانَ فيهِ غَريزَةً / وَطَبعاً بِهِ سادَ الوَرى لا تَكَلُّفا
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّهُ هانَ مالُهُ / عَلَيهِ فَأَعطى بِاِبتِسامٍ وَأَضعَفا
يُهيلُ عَلى سُوّالِهِ مِن نَوالِهِ / إِذا ما الجوادُ الغَمرُ كالَ وَطفَّفا
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَخَوّى كُلّ نَجمٍ وَأَخلَفا
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشوعاً وَلَم يَصدِف عَن الرُشدِ مَصدَفا
بَلاهُ الإِمامُ البَرُّ حِيناً وَغَيرهُ / فَلَم يَرَ أَزكى مِنهُ نَفساً وَأَشرَفا
وَوَلّاهُ أَمرَ المُسلمينَ فَلَم يَرُع / تَقِيّاً وَلا راعى لِدُنياهُ مُسرِفا
وَلا خانَ بَيتَ المالِ جَهراً ولا خَفا / وَلا زاغَ عَن نَهجِ الإِمامِ وَلا هَفا
وَجَدنا الإِمامَ الناصِرَ المُهتَدى بِهِ / أَبَرَّ إِمامٍ بِالرَعايا وَأَرأَفا
فَلا عَدِمَ الإِسلامُ أَيّامَهُ الَّتي / أَقامَت بِدارِ المُشرِكينَ التَلَهُّفا
وَعاشَ الدَواميّونَ في ظِلِّ عِزِّهِ / يُصافُونَ مَن صافي وَيجفونَ مَن جَفا
فَإِنَّهُمُ زَينُ العِراقِ وَأَهلُهُ / وَسادَاتُ مَن وافى مِنىً وَالمُعرَّفا
أُجِلُّهُمُ عَن حاتِمٍ وَاِبنِ مامَةٍ / وَأَوسُ إِذا هَبَّت مِنَ الرِيحِ حَرجَفا
فَيا تارِكاً نَقلَ الأَحادِيثِ عَنهُمُ / وَيَنقُلُ أَخبارَ الأَوالي تَعَسُّفا
فِعالُهُمُ شَيءٌ تَراهُ حَقيقَةً / فَحَدِّث بِهِ وَاِلغِ الحَديث المُزَخرَفا
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِمَّن لَهُ الفَضلُ خُلَّةٌ / بِها قَومُهُ صارُوا رُؤوساً وَآنفا
فَكَعبٌ جَوادٌ وَالزبيديُّ فارِسٌ / وَقَيسٌ حَليمٌ وَالسَمَوأَلُ ذُو وَفا
وَتِلكَ خِلالٌ فيهمُ قَد تَجَمَّعَت / فَكُلُّ فَتىً مِنهُم بِها قَد تَعَطَّفا
وَزادُوا خِلالاً لَو عَدَدتُ عَشيرَها / لَدَوَّنتُ فيها مُصحَفاً ثُمَّ مُصحَفا
فَيا قاصِدَ البَحرَينِ يُزجي شِمِلَّةً / كَأَنَّ عَلى أَشداقِها الهُدلِ كرسُفا
إِذا أَنتَ لاقَيتَ المُلوكَ بَني أَبي / أَريبَهُمُ وَالأَبلَخَ المُتَغَطرِفا
فَحَيِّهِمُ مِنّي تَحِيَّةَ وامِقٍ / عَطُوفٍ عَلى اِبنِ العَمِّ لَو عَقَّ أَو جَفا
وَقُل لَهُمُ لا تُغفِلُوا شُكرَ سَيِّدٍ / تَوَخّى أَخاكُم بِالكَرامَةِ وَاِصطَفى
وَمَن لَم يُوَفِّ اِبنَ الدَواميّ حَقَّهُ / عَلى مُوجِباتِ الشُكرِ مِنكُم فَما وَفى
فَقَد أَلبَسَ النَّعماءَ حَيّي رَبيعَةٍ / كَما أَلبَسَ النَعماءَ مِن قَبلُ خِندِفا
وَهَل يَكفُر الإِحسانَ إِلّا اِبنُ غيَّةٍ / يُقَلِّبُ قَلباً بَينَ جَنَبَيهِ أَغلَفا
وَيأَبى لِيَ الكُفرانَ أَنّي اِبنُ حُرَّةٍ / كَريمٌ مَتى صَرَّفتُ عَزمي تَصَرَّفا
وَإِنّي وَإِن كُنتُ الرَفيعَ عِمادهُ / لَأُثني عَلَيهِ بِالَّذي كانَ أَسلَفا
وَلا يَمنَعَنّي ذاكَ بَيتٌ بِناؤُهُ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وَأَشرَفا
فَقَدتَ الرَدى يا با عَلِيٍّ إِلى العِدى / وَجُزتَ المَدى تُرجى وَتُخشى وَتُعتَفى
وَمُتِّعتَ بِالأَمجادِ أَبنائِكَ الأُلى / بِهم يُكتَفى في كُلِّ خَطبٍ وَيُشتَفى
وَلا بَرِحَت تَسطُو الخِلافَةُ مِنهُمُ / بِأَبيضَ تَدعُوهُ مُفيداً وَمُتلِفا
وَعاشَ مُعادِي مَجدِهِم وَحَسُودُهُم / يُكابِدُ غَمّاً لا يَرى عَنهُ مَصرفا
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت
بُنَيَّ مُذ غِبتَ عَن عَينَيَّ ما عَرَفَت / غمضاً وَلا بِتُّ إِلّا ساهِراً دَنِفا
وَلا سَمِعتُ بِشَخصٍ آبَ مِن سَفَرٍ / إِلّا حَنَنتُ وَأَعلَنتُ البُكا أَسَفا
قَضى أَخُوكَ حُسَينٌ نَحبَهُ وَمَضى / وَهَل سِواكَ تراهُ مِنهُ لِي خَلَفا
فَما مَرَرتُ بِقَبرٍ مُذ فُجِعتُ بِهِ / إِلّا وَصِحتُ بِأَعلى الصَوتِ وَا لَهَفا
فَاِرحَم أَباكَ فَلو أَبصَرتَ عَبرَتَهُ / وَكُلَّما كَفَّ مِن شأَنٍ لَها وَكَفا
قَد أَقرَحَ الدَمعُ عَينَيهِ وَقَد وَهَنَت / مِنهُ العِظامُ وَأَضحى الجِسمُ قَد نَحُفا
شَيخٌ أَنافَ عَلى السَبعينَ حَلَّ بِهِ / ثُكلٌ وَشَوقٌ فَإِن داما فَوَا تَلَفا
إِن لَم يَمُت خافَ أَن يَعمى وَمَن عَمِيَت / عَيناهُ ماتَ وَإِن لَم يَسكُنِ الجَدَفا
بُنَيَّ ما أَنتَ مِن أَهلِ العُقوقِ وَلا / عَوَّدتَني مِنكَ إِلّا البِرَّ وَاللُطَفا
فَرِقَّ لِي وَاِرث مِن هَمٍّ أُكابِدُهُ / شَوقاً إِلَيكَ وَحُزناً لِلّذي سَلَفا
وَاِدفَع بِلُقياكَ عَنّي وَحشَةً وَأَسىً / عَلى إِذابَةِ جِسمٍ بالضَنى اِختلَفَا
وَكُن جَوابَ كِتابي حينَ تَنشُرُهُ / وَأمُر بِشِدٍّ وَلَمّا تَبلُغِ الطَرَفا
وَلا تَكَلَّف لِرِزقٍ غُربَةً وَشَقا / الرِّزقُ آتٍ فَلا تَحمِل لَهُ كَلَفا
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ / سُهادي وَسُقمي وَالدُمُوعُ الدَوافِقُ
فَجُودا بِلا مَنٍّ وَجُودَا بِلا أَذىً / فَما ماتَ مَومُوقٌ وَلا عاشَ وَامِقُ
فَلا عارَ في وَصلِ اِمرِئٍ ذِي صَبابَةٍ / فَذا الناسُ مُذ كانُوا مَشُوقٌ وَشائِقُ
وَلا تَحسَبِ الشَكوى الدَليلَ عَلى الهَوى / فَكَم صامِتٍ وَالدَمعُ عَن فيهِ ناطِقُ
لَقَد مُنِعَ النُطقَ اللِسانُ وَعاقَهُ / عَنِ البَثِّ وَالشَكوى مِن البَينِ عائِقُ
وَمِن أَينَ لي قَلبٌ يُؤَدّي عِبارَةً / إِلى مَنطِقي وَالبَينُ بِالقَلبِ آبِقُ
فَآهٍ عَلى سُلطانِ حَقٍّ مُوَفَّقٍ / لِما جاءَ في القُرآنِ حَقّاً يُوافِقُ
فَيَقطَعُ في حَقّي يَدَ البَينِ إِنَّهُ / لِسَوداءِ قَلبي يَومَ نُعمانَ سارِقُ
خَليلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ إِنَّني / بِحِبلِكُما دونَ البَرِيَّةِ واثِقُ
أَبُثُّكُما وَجدي وَأَشكُو إِلَيكُما / جَوىً بَينَ أَثناءِ الحَشا لا يُفارِقُ
وَأُنبِيكُما أَنّي عَلى ما عَهِدتُما / إِذا ضَيَّعَ العَهدَ المَلُولُ المماذِقُ
فَعَزماً فَفي وَخدِ المَطايا تَعِلَّةٌ / لِذي هِمَمٍ وَالمَوتُ غادٍ وَطارِقُ
وَقَد يَفجَأُ المَرءَ الحِمامُ وَما قَضى / لَهُ وَطَراً وَالناسُ ماضٍ وَلاحِقُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / بِحَيثُ اِلتَقى سِقطُ اللِّوى وَالأَبارِقُ
وَهَل أَرَيَنَّ العِيسَ تَهوي رِقابُها / بِنا حَيثُ أَنقاءُ العُيونِ الشَواهِقُ
وَهَل أَرِدَن ماءَ العُذَيبِ غُدَيَّةً / وَقَد مَلَّ حادينا وَضَلَّ الفُرانِقُ
وَهَل تَصحَبَنّي فِتيَةٌ أَبَواهُمُ / عَلِيٌّ وَفَضلٌ لا صَدِىٌّ وَغافِقُ
وَشُعثٌ أطارَ النَومَ عَنها وَلاحَها / رُكوبُ المَرامي وَالهُمومُ الطَوارِقُ
سَرَت مِن قُرى البَحرَينِ وَاِستَنهَضَتهُمُ / هُمومٌ بِأَدناها تَشيبُ المَفارِقُ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَسدُو كَأَنَّها / بِنا بَينَ أَجزاعِ المُرارِ النَقانِقُ
صِلُوا اللَيلَ وَخداً بِالمَطايا فَإِنَّها / شَوارِفُ بُزلٌ لَيسَ فيها حَقائِقُ
فَقالَوا رُوَيداً بِالمَطِيِّ فَإِنَّها / رَذايا وَذا يَومٌ مِن الحَرِّ ماحِقُ
فَقُلتُ أَبُقياً كُلُّ هَذا وَرأَفَةً / عَلَيها وَهَل لِلسَيرِ إِلّا الأَيانِقُ
فَمِيلُوا عَلَيها بِالسِياطِ وَعَرِّفُوا / ذَوي الجَهلِ مِنّا كَيفَ تَحوي الوَسائِقُ
وَعَدُّوا وَرُدُّوا عَن كَظيمٍ وَنَكِّبُوا / غَضايا فَما بِالنَومِ تُطوى السَمالِقُ
وَلا تَرِدُوا إِلّا اِلتِقاطاً وَلَو أَتى / ظَماها عَلى أَجرانِها وَالوَدائِقُ
فَإِن هِيَ لِلوَفراءِ تاقَت فَإِنَّني / إِلى مَورِدٍ عَذبٍ بِحَرّانَ تائِقُ
إِلى مَورِدٍ لا يَعرِفُ الأَجنَ ماؤُهُ / وَلا نَبَتَت في حافَتيهِ الغَلافِقُ
جَرى مِن يَمينِ الأَشرَفِ المَلكِ ماؤُهُ / فَكُلُّ خَليجٍ مِنهُ لِلعَينِ رائِقُ
حَرامٌ عَلَيها دُونَهُ الماءُ وَالكَلا / وَأَن تَلتَقي أَعضادُها وَالمَفارِقُ
فَيَومَ تُوافيهِ تُراحُ وَيَنقَضي / شَقاها وَيُلقى مَيسُها وَالنَمارِقُ
وَتُضحي بِحَيثُ العِزُّ عَودٌ لنابِه / صَريخٌ وَحَيثُ الجُودُ غَضٌّ غُرانِقُ
تكَفِّرُ إِجلالاً وَتَسجُدُ هَيبَةً / وَقَد حَزَّتِ الأَوساطَ مِنها المَناطِقُ
مُرِمِّينَ إِلّا عَن حَديثٍ مُصَرَّدٍ / تُخالِسُهُم أَبصارُهُم وَتُسارِقُ
لَدى مَلكٍ مِن آلِ أَيّوبَ لَم تَسِر / بِأَحسَنِ نَشرٍ مِن ثَناهُ المَهارِقُ
كَريمٍ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمَّماً / جَواداً زَكَت أَعراقهُ وَالخلائِقُ
فَتىً لَو يُباري جُودَهُ البَحرُ لاِلتَقَت / دَرادِيرُ في حِيرَانِهِ وَمَغارِقُ
لَهُ هَيبَةٌ كَم ضَيَّقَت مِن مُوَسَّعٍ / وكَم قَد غَدا رَهواً بِها المتَضايِقُ
يَرُدُّ مِنَ المُستَصعَباتِ بِطَرفِهِ / وَإِيمائِهِ ما لا تَرُدُّ الفَيالِقُ
زَئيرُ لَيُوثِ الحَربِ حينَ تُحِسُّهُ / هَريرٌ وَإِمّا زَمجَرَت فَنَقانِقُ
إِذا غابَ فَهيَ الأُسدُ زأراً وَصَولَةً / وَإِن حَضَرَ الهَيجاءَ فَهيَ خَرانِقُ
أَحَلَّتهُ أَعلى كُلِّ مَجدٍ وَسُؤددٍ / صَوارِمُهُ وَالمُقرَباتُ السَوابِقُ
وَأَلبَسَهُ تاجَ المَعالي سَخاؤُهُ / وَإِقدامُهُ وَالضَربُ فارٍ وَفارِقُ
لَهُ الناسُ وَالدُنيا مِنَ اللَهِ نِحلَةً / حَباهُ بِها وَاللَهُ يُعطي وَيأفقُ
أَحَقُّ مُلوكِ الأَرضِ بِالمُلكِ مَن بِهِ / يَنالُ الغِنى الراجي وَتُحمى الحَقائِقُ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ ضاقَت بِرَحبِها / مَغارِبُها عَن عَزمِهِ وَالمَشارِقُ
يُسابِقُهُ في الرَوعِ عِرنِينُ أَنفِهِ / وَلِلرُّمحِ حملاقٌ وَلِلسَيفِ عاتِقُ
وَيَومٍ يُواري الشَمسَ رَيعانُ نَقعِهِ / وَيَحوَلُ قَبلَ الطَرفِ فيهِ الحَمالِقُ
وَتَمشي نُسورُ الجَوِّ فَوقَ عَجاجِهِ / وَتَبني بِهِ أَوكارَهُنَّ اللقالِقُ
كَأَنَّ العَجاجَةَ عارِضٌ وَكَأَنَّما / بِهِ المَشرَفِيّاتُ المَواضي عَقائِقُ
وَتَحسَبُ مِن رَأيِ الأَسِنَّةِ أَنَّها / قَواذِفُ قَذفٍ صَوَّتَت وَصَواعِقُ
وَقَد أَبطَلَ الضَربُ القِسيَّ وَأُلقِيَت / فَلَم يَبقَ إِلّا ضارِبٌ وَمُعانِقُ
مَشى نَحوَهُم مَشيَ السَبنتى فَداحِضٌ / بِشِكَّتِهِ أَو طائِشُ اللُبِّ زاهِقُ
بِنَصلٍ يَقُولُ المَوتُ حينَ يَشُكُّهُ / بِزَوجَةَ مَن يُعلى بِهِ أَنتِ طالِقُ
فَصَكَّ بِهِ الأَبطالَ صَكّاً بِهِ اِلتَقَت / لِقاءَ قِلىً أَقدامُها وَالعَنافِقُ
سَلِ الكُفرَ مَن أَودى بِدمياطَ رُكنَهُ / وَقَصَّرَ أَعلى فَرعِهِ وَهوَ باسِقُ
يُخَبِّركَ صِدقاً أَنَّ مُوسى هُوَ الَّذي / بِصارِمِهِ باقَت عَلَيهِ البَوائِقُ
وَقَد جاءَت الإِفرَنجُ مِن كُلِّ وجهَةٍ / كَأَنَّ تَداعيها السُيُولُ الدَوافِقُ
كَتائِبُ مِلءُ البَرِّ وَالبَحرِ مَن بَدَت / لَهُ قالَ ذا جُنحٌ مِنَ اللَيلِ غاسِقُ
تَسيرُ بِسَدٍّ مِن حَديدٍ لَوَ اِنَّهُ / هُوَ السَدُّ لَم يَخرِقهُ لِلوَعدِ خارِقُ
لَهُ لجَبٌ كادَت مِراراً لِهَولِهِ / تَقَطَّعُ بَينَ المُسلِمينَ العَلائِقُ
فَما كانَ إِلّا أَن أَحَسُّوا قُدُومَهُ / تَحُفُّ بِهِ تِلكَ البُنودُ الخَوافِقُ
يَهُزُّ حُساماً لَم يَكُن مِن دِمائِها / لَهُ صابِحٌ مِنهُم برِيٍّ وَغابِقُ
وَمالوا لِقَذفِ المالِ في اليَمِّ بِالضُحى / وَبِاللَيلِ ثارَت في الرِحالِ الحَرائِقُ
وَأَزعَجَهُم مَن ذاقَ لِلجُرحِ بَعدَهُم / بِأَمسٍ وَهَل يَستَعذِبُ المَوتَ ذائِقُ
فَوَلّوا فَمُنكَبٌّ عَلى أُمِّ رَأسِهِ / لَدُن ذاكَ لَم يَنفُق وَآخَرُ نافِقُ
وَمُستَعصِمٌ بِالبَحرِ مِنهُ وَعائِدٌ / بِأَخلَقَ تَنبُو عَن صَفاهُ المَطارِقُ
وَلَم يَبقَ يُثني مِن عَنانِ جَوادِهِ / أَبٌ لِاِبنِهِ وَالمَوتُ لِلقَومِ خانِقُ
فَسالَ دَمٌ لَو سالَ في الأَرضِ لَاِستَوى / بِها رَدَغٌ ما عُمِّرَت وَمَزالِقُ
جَرى مِنهُ فَوقَ البَحرِ بَحرٌ فَمَوجُهُ / إِلى الآنِ مِن بَعدِ الأَقاحي شَقائِقُ
فَصارَ نَئيماً ذَلِكَ الزَأرُ وَاِغتَدَت / بُغاماً لِفَرطِ الخَوفِ تِلكَ الشَقائِقُ
وَلَم يُنجِ مِنهُم لُجُّ بَحرٍ وَلا حَمَت / حُصونٌ أُديرَت حَولَهُنَّ الخَنادِقُ
وَلا مَنَعت في مُلتَقاها مُلوكها / قَرابَتُها صُهبُ اللِّحى والبَطارِقُ
فَيا لَكَ عَصراً أَلبَسَ الكُفرَ حُلَّةً / مِنَ الذُلِّ لا تَبلى وَلِلمِسكِ ناشِقُ
وَمَدَّ عَلى الإِسلامِ سِتراً مُوَفَّقاً / مِنَ العِزِّ يَبقى ما تَأَوَّهَ عاشِقُ
فَلَولاهُ لَم يَنطِق بِدِمياطَ داعِياً / إِلى كَلِمَةِ التَوحيدِ وَالعَدلِ ناطِقُ
فَأُقسِمُ ما والاهُ إِلّا مُوَحِّدٌ / تَقِيٌّ وَما عاداهُ إِلّا مُنافِقُ
فَلا يُعدِمَنَّ اللَهُ أَيّامَهُ الَّتي / بِها يَفتُقُ الإِسلامُ ما الكُفرُ راتِقُ
أَبا الفَتحِ لا زالَت بِكَفَّيكَ تَلتَقي / مَفاتيحُ أَرزاقِ الوَرى وَالمَغالِقُ
إِلَيكَ رَمَت بِي نائِباتٌ هَوارِقٌ / لِدَمعي وَأَحداثٌ لِعَظمي عَوارِقُ
أَبِيتُ وَفي صَدري مِنَ البَينِ خارقٌ / وَفي عُنُقي مِن كَظمَةِ الغَمِّ خانِقُ
وَلَم يَبقَ بَعدَ اللَهِ إِلّاكَ مَقصِدٌ / تَمُدُّ إِلَيهِ بِالأَكُفِّ الخَلائِقُ
فَكَم لُجِّ تَيّارٍ إِلَيكَ اِعتَسَفتُهُ / تُهالُ لِرُؤياهُ العُيونُ الرَوامِقُ
وَكَم جُبتُ مِن مَجهولَةٍ وَمُشَيِّعي / بِها قَلبُ مَأثورٍ وَشَيخانُ آفِقُ
وَما لِيَ خُبرٌ بِالفَيافي وَإِنَّما / سَناؤُكَ فيها قائِدٌ لي وَسائِقُ
شُهورٌ تِباعٌ سَبعَةٌ وَثَلاثَةٌ / أُرافِقُ لا أَلوي بِها وَأُفارِقُ
أَسيرُ مُجدّاً أَربَعاً وَيَعوقُني / ثَمانٍ مِنَ الحُمّاءِ وَالخَوفِ عائِقُ
وَأَينَ مِنَ البَحرَينِ سَنجارُ وَالقَنا / وَمِن راحَتَيها كِندَةٌ وَالجَرامِقُ
وَلَكِن إِذا ما المَرءُ لَم يَلقَ يَومَهُ / أَتى أَيَّ أَرضٍ رامَها وَهوَ رافِقُ
وَحُسنَ حَديثِ الناسِ عَنكَ اِستَفَزَّني / إِلَيكَ وَوُدٌّ يَعلَمُ اللَهُ صادِقُ
فَداكَ مِنَ الأَسواءِ كُلُّ مُضَلَّلٍ / عَنِ الرُشدِ لَم يَطرُقه لِلجُودِ طارِقُ
وَلا زِلتَ مَحرُوسَ الجَنابِ مُمَلَّكا / رِقابَ عِدى عَلياكَ ما ذَرَّ شارِقُ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ / شُغِفتَ بِتَذرافِ الدُموعِ السَوافِكِ
عَفَت غَيرَ آرِيٍّ وَأورَقَ حائِلٍ / وَأَشعَثَ مَشجُوجٍ وَسُفعٍ رَوامِكِ
وَنُؤيٍ كَجِذمِ الحَوضِ غَيَّرَ رَسمُهُ / وَجِيفُ الحَصا بالمُوجِفاتِ الحَواشِكِ
كَأَنَّ فُؤادي ناطَهُ ذُو سَخيمَةٍ / قَليلُ التَحَنّي في صُدورِ النَيازِكِ
غَداةَ تَداعى الحَيُّ بِالبَينِ بَعدَما / جَلا الصُبحُ أَعجازَ النُجومِ الدَوالِكِ
وَقَد قَرَّبُوا لِلبَينِ كُلَّ هَمَرجَلٍ / أَمُونِ القَرى ضَخمِ العَثانين تامِكِ
قِمَطرٍ دَرَفسٍ فَيسَرِيٍّ كَأَنَّما / مَناكِبُهُ جُلِّلنَ وَشيَ الدَرانِكِ
رَعى واجِفاً فَالصُلبُ مِن أَجبُلِ الغَضا / بِحَيثُ اِستَهَلَّت كُلُّ وَطفاءَ رامِكِ
وَفي الجِيرَةِ الغادينَ لا عَن مَلالَةٍ / ظِباءٌ عَلى تِلكَ الهِجانِ البَوائِكِ
خِماصُ الحَشا حُمُّ الشِفاهِ كَأَنَّما / يَلُثنَ مُرُوطَ العَصبِ فَوقَ العَوانِكِ
وَيَبسِمنَ عَن نَورِ الأَفاحِيِّ لَم يَزَل / يُغَذّى بِدَرّاتِ الذِهابِ الرَكائِكِ
وَفِيهِنَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ غادَةٌ / يُطَيِّبُ رَيّاها عَبيرَ المَداوِكِ
كَأَنَّ عَلى فيها سُلافَةَ قَرقَفٍ / وَقَد غُوِّرَت أُمُّ النُجُومِ الشَوابِكِ
أَقُولُ لِها سِرّاً وَقَد غابَ كاشِحٌ / رَقيبٌ مَقالَ العاشِقِ المُتَهالِكِ
لَكِ الخَيرُ ما هَذا الجَفاءُ وَهَذِهِ / دِياري وَأَهلي زُلفَةٌ مِن دِيارِكِ
أَتَرضينَ قَتلي لا بِسَلَّةِ صارِمٍ / مِن البِيضِ إِلّا سَلَّةً مِن لِحاظِكِ
فَوَاللَهِ ما أَدري أَإِعراضُ بَغضَةٍ / لَنا أَو دَلالٌ فَاِفصحي عَن مَقالكِ
فَلي هِمَّةٌ عَلَيا وَنَفسٌ أَبِيَّةٌ / تَمُجُّ وِصال اللّاوِياتِ المَواعِكِ
وَلِي عَزمَةٌ إِن ساعَدَ الجدُّ أَشرَقَت / وَنافَت عَلى شُمِّ الرِعانِ الشَوامِكِ
ولا بُدَّ مِن نصِّ القِلاصِ وَإِن غَدَت / حُطاماً أَعالي دَأيِها المُتلاحِكِ
عَلَيهِنَّ فِتيانٌ كِرامٌ تَحَرَّجُوا / مِنَ النَومِ إِلّا فَوقَ تِلكَ الحَوارِكِ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَشدُو كَأَنَّها / مَعَ الآلِ أُمّاتُ الرِئالِ الرَواتِكِ
أَقيمُوا صُدورَ اليَعمُلاتِ ورَفِّعُوا / عَنِ السُبلِ تَنجُوا مِن سَبيلِ المَهالِكِ
فَعَنَّ لَنا مِن بَين سِتّينَ لَيلَةٍ / وَميضُ سَناً عَن أَيمَنِ الجَوِّ نابِكِ
فَقالُوا تَرى النَجمَ اليَمانيَّ قَد بَدا / يَلُوحُ بِمُستَنٍّ مِنَ الأُفقِ حالِكِ
فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ نَجمٌ تَرَونَهُ / بِناحِيَةِ الخَضراءِ ذاتِ الحَبائِكِ
فَقالوا فَماذا قُلتُ نارٌ بِرَبوَةٍ / تُشَبُّ لِأَبناءِ الهُمومِ الضَرابِكِ
يُضِيءُ سَناها بِالدُجى مُتَنَمِّرٌ / عَلى الدَهرِ مُودِي البَرك رَحبِ المَبارِكِ
أَغَرُّ نَماهُ كُلُّ حامٍ مُمانِعٍ / عَنِ المَجدِ بِالمُستَأثراتِ البَواتِكِ
مِنَ العَبدليّينَ الأُلى في أَكُفِّهِم / حَياةٌ لِأَوّابٍ وَمَوتٌ لِباعِكِ
أُناسٌ هُمُ الناسُ اِنتَدَوا وَتَشَعّبَت / بِهِم هِمَمٌ ما بَينَ ناءٍ وَآرِكِ
فَحُلّوا عُرى التِرحالِ وَاِستَعصِمُوا بِهِ / مِنَ الدَهرِ واِرمُوا صَرفَهُ بِالدَوامِكِ
فَإِنَّ لَدَيهِ مِن عَلِيٍّ مَقاذِفاً / عَنِ المَجدِ يَخشى فَتكَهُ كُلُّ فاتِكِ
يُجيرُ عَلى الأَيّامِ ما لا تُجيرُهُ / عَلَيهِ وَيَسطُو بَالخُطُوبِ العَوارِكِ
مَنيعُ الحِمى لا يَذعَرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا تُتَّقى غاراتُهُ بِالمَآلِكِ
فَتىً لا يَرى مالاً سِوى ما أَفادَهُ / طِعانُ العِدى في المَأزَقِ المَتَضانِكِ
وَلا يَقتَني مِن مالِهِ غَيرَ سابِحٍ / وَأَبيضَ مَخشُوبِ الغِرارَينِ باتِكِ
وَمَسرُودَةٍ جَدلاءَ تَضفو ذُيولُها / عَلى قَدَمِ القَرمِ الأَنَدِّ الضُبارِكِ
وَأَحسَنُ مِن شَدوِ المَزاهِيرِ عِندَهُ / صَليلُ المَواضي في مُتونِ التَرائِكِ
وَلا يَتَساوى رَدعُ مِسكٍ وَعَنبَرٍ / لَدَيهِ بِرَدعٍ مِن دَمِ القِرنِ صائِكِ
وَإِن جَعَلَت فَوقَ الأريكِ مَقيلَها / رِجالٌ فَسَل عَنهُ رِجالَ الأَوارِكِ
لَهُ كُلَّ يَومٍ غارَةٌ مُشمَعِلَّةٌ / تَرى الصِّيدَ مِن شَدّاتِها في مَناسِكِ
بِها يَحتَوِي نَهبَ الأَعادي وَيَصطَفي / عَقائِلَ أَبناءِ المُلوكِ العَواتِكِ
حَمِيٌّ عَلى ما حازَهُ وَأَتَت بِهِ / إِلَيهِ الأَتاوى مِن مَليكٍ مُتارِكِ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ لَم يَثنِ عَزمَهُ / أَقاويلُ أَبناءِ الطِغامِ الضُكاضِكِ
ترى العَرَبَ العَربا يحُجّونَ بَيتَهُ / كَأَنَّهُمُ جاؤُوا لِذَبحِ النَسائِكِ
رِجالاً وَرُكباناً فَمِن طَالِبٍ غِنىً / وَمِن تائبٍ عَن ذِلَّةٍ مُتَدارِكِ
تَخالُ إِياساً في الفَصاحَةِ باقِلاً / لَدَيهِ وَفُرسانُ الوَغى في تَداوُكِ
إِذا صالَ لَم يُعدَل بِقَيسِ بنِ خالِدٍ / وَإِن قالَ لَم يُعدَل بِسَعدِ بنِ مالِكِ
وَإن جادَ بَذَّ المَرثدِيِّينَ جُودُهُ / وَأَنسى بَني الآمالِ جُودَ البَرامِكِ
أَبا ماجِدٍ لَم يَبقَ إِلّاكَ ماجِدٌ / يُرجّى لِأَبكارِ الخُطُوبِ النَواهِكِ
أَنِفتُ لِمَدحي مَن سِواكُم لِأَنَّني / إِلى ذِروَتَيكُم في سِنامٍ وَحارِكِ
وَأَكبَرتُ نَفسي أَن أُرى مُتَضائِلاً / أُرَجّي نَوالاً مِن لَئِيمٍ رَكارِكِ
مَخافَةَ تَرّاكٍ يَقُولُ وَقَولُهُ / أَمَضُّ وَأَمضَى مِن حُدودِ النَيازِكِ
لَوَ اِنَّ بَني القَرمِ العُيونيِّ سادَةٌ / كِرام يُرَوّونَ القَنا في المَعارِكِ
لَغارُوا عَلى النَظمِ الجَميلِ وَلَم يَكُن / لَهُم في مَعاني لَفظِهِ مِن مُشارِكِ
أَما كانَ فيهِم مِثلُ عَمرو بنِ مرثِدٍ / وَذُو المَجدِ دفّاعُ الهُمومِ السَوادِكِ
فَغَر فَبَناتُ الفِكرِ أَولى بِغَيرَةٍ / وَأَجدَرُ مِن نُجلِ العُيونِ الرَكارِكِ
وَحافِظ عَلى الذِكرِ الجَميلِ فَإِنَّما / مَصيرُ الفَتى أُحدُوثَةٌ في الشَكائِكِ
وَلا تُسلِمَن لِلدَهرِ مَولىً هَواكُمُ / هَواهُ وَمَهما ساءَكُم غَيرُ حاسِكِ
يَمُتُّ بِوُدٍّ مِن ضَميرٍ تَحُوطُهُ / عَواطِفُ أَرحامٍ إِلَيكُم شَوابِكِ
وَلَستُ وَإِن أَودى الزَمانُ بِثَروَتي / وَزاحَمَني مِنهُ بِخَصمٍ مُماحِكِ
بِمُهدٍ ثنائي وَالمَناديح جَمَّةٌ / إِلى حَوتَكِيٍّ أَبشَع اللُؤمِ راعِكِ
يَرى مُورِدَ الآمالِ حَولَ فِنائِهِ / بِعَينِ نوارٍ تَلحَظُ الشَيبَ فارِكِ
ولا ضارِعٍ طَوعَ المُنى يَستَفِزُّني / إِلى مُقرِفٍ رَجمُ الظُنونِ الأَوافِكِ
وَلَستُ بِمفراحٍ بِمالٍ أُفيدُهُ / لعَمري وَلا آسٍ عَلى إِثرِ هالِكِ
وَلا مادِحٍ إِلّا سُراةَ بَني أَبي / جَمالُ المَعالي بَل لُيُوثُ المَعارِكِ
وَلي وَقفَةٌ في دارِهِم إِثرَ وَقفَةٍ / وما ذاكَ في أَشباهِ قَومي بِشائِكِ
فَإِن صَدَّقُوا ظَنّي وَظنّيَ أَنَّهُم / نُجُومُ سَماءٍ شَمسُها غَيرُ دالِكِ
فَإِمّا نَبَت بِي دارُهُم أَو تَوَعَّرَت / عَلَيَّ فَما ضاقَت رِحابُ المَسالِكِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ / فَلَستُ بِمُرتاعٍ لِهَجرٍ وَلا وَصلِ
وَما ذاكَ مِن بُغضٍ لَكُنَّ وَلا قِلىً / وَلَكِنَّ قَلبي عَن هَواكُنَّ في شُغلِ
أَبَت لِي وِصالَ البِيضِ هِمّاتُ ماجِدٍ / بَعيدِ الحَمايا غَيرِ نِكسٍ وَلا وَغلِ
غَيُورٍ عَلى العَلياءِ أَن يَبتَني بِها / رَزايا أُناسٌ ما تُمِرُّ وَلا تُحلي
سَواسِيَةٍ لا في مَعَدٍّ مِن الذُرى / وَلا في بَني قَحطانَ في الكاهِلِ العَبلِ
مَضَت حِقبُ الدُنيا وَما في بُيُوتِهِم / لِعِزِّ المَعالي مِن سَليلٍ وَلا بَعلِ
أَضاعُوا حِماها فَاِستُبيحَ وَأَيقَظُوا / عَلَيها البلا مِن كَلِّ حافٍ وَذي نَعلِ
وَباعُوا بِرُخصٍ باعِثَ العدلِ فيهِمُ / فَراحُوا وَكُلٌّ مِنهُمُ في يَدَي عَدلِ
وَأَضحَوا كَفَقعٍ أَو أَداحِيِّ قَفرَةٍ / تُقَلَّبُ بِالمِنساةِ وَاليَدِ وَالرِجلِ
تَسُومُهُمُ سُوءَ العَذابِ بِغلظَةٍ / عِداهُم وَيُسقونَ المَهانَةَ بِالرَطلِ
فَذُو المَالِ مِنهُم لا يَزالُ لِأَجلِهِ / يَروحُ أَخا وَيلٍ وَيَغدُو أَخا ثُكلِ
وَذُو الفَقرِ في هَمَّينِ هَمّ مَعيشَةٍ / وَهَمِّ عَدُوٍّ فَهوَ يَمشي بِلا عَقلِ
فَأَروحُهُم مَن راحَ فيهم وَرَأسُهُ / كَرَأسِ عَلاةِ القَينِ وَكَفِّهِ الطَبلِ
فَذُو الحَزمِ مَن أَعطى بِباعٍ قَصيرَةٍ / وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ إِلى نَذلِ
وَذُو العَزمِ مَن أَمسى وَأَصبَحَ عائِذاً / بِجِلفٍ مِنَ الأَعرابِ أَو عاهِرٍ طِملِ
وَإِمّا اِنتَدى بَعضَ البَوادي وَبَعضُهُم / سَواءٌ بِضاحي البَرِّ أَو باحَةِ الرَحلِ
فَأَقوَلُهُ قَد كانَ جَدّي وَوالِدي / وَجَدُّ أَبي خُدّامَ رَهطِكَ مِن قَبلي
فَإِن يَتَلقّى بِالقَبُولِ مَقالَهُ / فَيا لَكَ مِن فَخرٍ وَيا لَكَ مِن فَضلِ
وَإِن قالَ كلّا ما عَلِمتُ فَيا لَها / خُوَيخِيَّةٌ تُدعى مُضَيَّقَةَ السُبلِ
وَإِن جاءَ يَوماً نازِلاً لِهَوانِهِ / تَلَقّاهُ مِنهُ بِالإِقامَةِ وَالنُزلِ
كَأَنَّ عَلَيهِ إِذ يَحُلُّ نَقيعَةَ ال / قُدُومِ وَلَيسُوا لِلسَماحَةِ بِالأَهلِ
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ هَل أَرى / لَكُم يَومَ بَأسٍ يَصدِمُ الجَهلَ بِالجَهلِ
إِلى مَ تُقاسُونَ الهَوانَ أَذِلَّةً / وَأَنتُم إِذا كُوثِرتُمُ عَدَدُ النَملِ
يَسُوقُكُم كَرهاً إِلى ما يَسُوءُكُم / عَبيدُكُمُ سَوقَ الأُحَيمِرَةِ الهُزلِ
وَكَم تَتَرَدُّونَ الخُمولَ ضَراعَةً / وَلُؤماً وَتَشرونَ الغَباوَةَ بِالنُبلِ
يَوَدُّ الفَتى مِنكُم إِذا عَنَّ أَو بَدا / لَهُ مِن بَني القِيناتِ أَسوَدُ كَالحَجلِ
بِأَنَّ حَضيضَ الأَرضِ أَضحى بِقَعرِهِ / لَهُ نَفَقٌ مِمّا اِعتَراهُ مِنَ الخبلِ
فَذُو القَدرِ مِنكُم وَالجَلالَةِ يَحتوي / صفاياهُ مِنهُم بالمَطاميرِ وَالحَبلِ
وَسائِرُكُم بِالبُهم يَرعى مُحَلِّقاً / بِأَثوابِهِ رُعباً مِنَ الجَدِّ وَالهَزلِ
عَزيزُكُمُ يَرضى مِنَ الدُرِّ بِالحَصى / وَيَقنَعُ لَو يُعطى مِنَ الدَرِّ بِالمَصلِ
فَقُبحاً لَكُم ماذا تَعُدُّونَ في غَدٍ / إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يا أَخلَفَ النَسلِ
فَإِن كانَ خَوفُ القَتلِ وَالأَسرِ داءَكُم / فَشَأنُكُم أَدهى مِنَ الأَسرِ وَالقَتلِ
فَعَزماً فَموتُ العِزِّ عِندَ ذَوي النُهى / حَياةٌ وَعَيشُ الذُلِّ مَوتٌ بِلا غُسلِ
فَقَد يُنكِرُ الضَيمَ الكَريمُ بِسَيفِهِ / إِنِ اِسطاعَ أَو بِالشَدقَمِيَّةِ وَالرَحلِ
كَما فَعَلَ العَبسِيُّ قَيسٌ وَإِنَّما / أَخُو الهِمَّةِ العَليا أَخُو الحَسَبِ الجَزلِ
أَشاعَ لِعَبسٍ بِالسَلامِ وَأرقَلَت / بِهِ العِيسُ مِن نَجدٍ إِلى كَنَفي وَبلِ
وَحَلَّ عَلى الأَتلادِ غَيرَ مُجاوِرٍ / وَلَكِنَّ عِضّاً لا يَنامُ عَلى تَبلِ
وَلا خَيرَ عِندي في حَياةٍ كَأَنَّها / حَياةُ دَعاميصِ الفَراشَةِ في الضَحلِ
وَذي إِربَةٍ أَهدى لِيَ اللَومَ ناصِحاً / وَذُو اللُبِّ أَحياناً يُريعُ إِلى العَذلِ
يَقُولُ بِتَأنيبٍ أَأُنسيتَ ما جَرى / عَلَيكَ مِنَ الأَغلالِ والسِجنِ وَالكَبلِ
وَإِحرازِ ما أُوتيتَهُ وَاِكتَسَبتَهُ / عَلى غَيرِ ذَنبٍ مِن فِراخٍ وَمِن نَخلِ
وَتفريقَهُ في كُلِّ شاوٍ وَخارِبٍ / وَذاتِ هَنٍ كَالماءِ في رَدعِ الوَحلِ
وَسَلبِ الحِسانِ المُكرَماتِ تَهاوُناً / بِهنَّ وَدَمعُ الأَعيُنِ النُجلِ كَالوَبلِ
وَما كانَ مِن إِخراجِهِنَّ صَوارِخاً / مِنَ الضَيمِ مِن بَعدِ القِصارَةِ وَالشّكلِ
وَسُكنى البَوادي دارَهُنَّ وَإِنَّها / لَدَارُ اِمرِئٍ لا بِالحصورِ وَلا الخَطلِ
أَمِثلُكَ يَرضى دارَ ذُلٍّ إِذا مَأى / بها نَأمُ الضَيّونِ طارَ أَبُو الشِبلِ
أَما كانَ في أَرضِ العِراقِ مَراغِمٌ / تَرُوقكَ عَن دارِ الزَلازلِ وَالأَزلِ
فَقُلتُ لَهُ أَربِع عَلَيَّ وَفي الحَشا / لَوافِحُ أَحقادٍ مَراجِلُها تَغلي
وَجَدِّكَ لَم تَعذِل مَلُوماً وَلَم تَهج / جَثُوماً وَلَم تُوقِظ نؤُوماً عَلى تَبلِ
لِأَمرٍ تَخَطَّيتُ الخَطايا وَلَم أَزل / بِمَطوِ المَطايا أُتبِعُ الجَهلَ بِالجَهلِ
وَما أَعجَبَتني دارُ ذُلٍّ وَإِن غَدَت / مَنازِلَ قَومي وَالأَكارِمِ مِن أَهلي
وَلَكِنَّني حاوَلتُ ما إِن أَتَمَّهُ / لِيَ اللَهُ لَم أَجفَل بِمَحلٍ وَلا مَغلِ
وَقُلتُ عَسى يَوماً كَيَومٍ شَهِدتُهُ / قَديماً لِكَيما يلحَقَ الشُومُ بِالثُكلِ
أَكُونُ بِهِ قُطبَ الرَحى وَمُديرَها / بِعَزمٍ عَلى أَهلِ الضَلالَةِ وَالجَهلِ
فأَلفَيتُ قَوماً إِن طَلَبتَ اِنبِعاثَهُم / لِيَومِ سِبابٍ فَاِدعُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ
وإِن رُمتَ فيهم دَفعَ ضَيمٍ وَنُصرَةٍ / بِهِم رُمتَ أَو شالاً مِنَ اِصطُمَّةِ الرَملِ
يُرَجّونَ عَبداً خائِباً قَعَدَت بِهِ / عَلى الخِزيِ أُمّاتٌ وَقَفنَ عَلى الغُسلِ
شَريساً أَعارَتهُ اللَيالي جَهالَةً / جَلالاً وَمالاً وَهيَ مَعتُوهَةُ العَقلِ
قِراعٌ وَلَكِنَّ الكَوَادنَ لَم تَكُن / لِتَجري مَعَ الخَيلِ العرابِ عَلى الحَبلِ
فَما وَلَدَتني حاضِنٌ حَنَفِيَّةٌ / عبيدِيَّةٌ تَسمُو إِلى الحسَبِ الجَزلِ
وَلا عُرِفَت في المَروَتَينِ أُبُوَّتي / وَلا كُنتُ أهدى السابِقينَ إِلى الفَضلِ
وَلا نَزَلَ الأَضيافُ يَوماً بِعقوَتي / وَلا ثَبَتَت في ماقِطٍ حَرجٍ رِجلي
لَئِن أَنا لَم أَغشَ اللِئامَ بِوَقعَةٍ / يَشيبُ لَها مِن هَولِها مَفرِقُ الطِفلِ
وَيَومٍ يَظَلُّ العَثرُ فيهِ نَبائِلاً / مُغَربَلَةً فَوقَ الشَناوِيرِ وَالزَبلِ
لِيَعلَمَ أَهلُ الغَدرِ أَنَّ عَداوَتي / لَأَمقَرُ مِن صابٍ وَأَقطَعُ مِن نَصلِ
وَإِنّي لَكالنَشرِ الَّذي تَستَلِذُّهُ / وَأَهنى لَها لَو قدِّرَت مَرتَعَ الأزلِ
وَهَل يَكشِفُ الغَمّاءَ عَن ذي ضَرورَةٍ / وَيَجلو ظَلامَ الخَطبِ إِلّا فَتىً مِثلي
كَذَلِكَ كانَت مُنذُ كانَت أُبُوَّتي / ذَوو الهامَةِ الخَشناءِ وَالجانِبِ السَهلِ
إِذا السَيِّدُ الجَبّارُ أَبدى تَعامياً / وَصَعَّرَ خَدّاً وَاِستَباحَ حِمى المَطلِ
أَضاءَت لَهُ أَسيافُنا فَهَدَينَهُ / وَقَوَّمنَهُ فَاِستَبدَلَ الحِلمَ بِالجَهلِ
فَسائِل مَعَداً هَل لَها مِن مُعَوِّلٍ / سِوانا إِذا البَزلاءُ قامَت عَلى رِجلِ
وَهَل قادَنا بِالجَهضَمِيَّةِ سَيِّدٌ / وَإِن كانَ فينا واسِعَ البَأسِ وَالفَضلِ
أَلَم نَترُكِ الضحيانَ يَكبُو وَبَعدَهُ / كُلَيباً أَذَقنا عِرسَهُ مَضَضَ الثَكلِ
وَأَردى أَخانا اليَشكُريَّ وَفَرخَهُ / فَوارِسُ مِنّا غَيرُ ميلٍ وَلا عُزلِ
سَواءٌ عَلَينا قَومُنا إِذ تُضِيمُنا / وَأَعَداؤُنا وَالفَرعُ يُنمي إِلى الأَصلِ
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه / يُريعُ إِلى البُقيا وَتُطوى حَبائِلُه
وَقُلتُ كَفاهُ ما لَقيتُ وَنالَني / بِهِ الدَهرُ مِمّا كانَ قِدماً يُحاوِلُه
فَأَغمَضتُ جَفناً وَالقَذى مِلءُ ناظِري / وَأَبدَيتُ سلماً لَيسَ تخشى دَغائِلُه
وَأَطفأتُ نارَ الجَهلِ بِالحِلمِ بَعدَما / غَلى المِرجَلُ الأَحوى وَذيقَت تَوابِلُه
وَوَطَّنتُ نَفسي لِلمُداراةِ ما رَأى / رَأيتُ وَمَهما قالَهُ أَنا قائِلُه
فَما زادَ ذُو الأَضغانِ إِلّا تَمادِياً / وَلا بَشَّرَت إِلّا بِشرٍّ مَخائِلُه
كَذَلِكَ أَحوَالُ الحَسُودِ وَخِبُّهُ / وَما تَقتَضي أَخلاقُهُ وَشمائِلُه
فَلا تَرجُ يَوماً في حَسُودٍ مَوَدَّةً / وَإِن كُنتَ تُبدي وُدَّهُ وَتُجامِلُه
وَلا تَبغِ بالإِحسانِ إِرضاءَ كاشِحٍ / فَلَيسَ بِمغنٍ في دَمالٍ تَدامُلُه
فَقُل لِخَليعٍ هَمُّهُ ما يَسُوءُني / رُوَيدَكَ فاتَ الزُجَّ في الرُمحِ عامِلُه
وَلا تَحسَبَنّي ضِقتُ يَوماً بِما جَرى / ذِراعاً فَما ضاقَت بِحُرٍّ مَراكِلُه
فَقَد يُدرِكُ البَدرَ الخُسوفُ وَتَنجَلي / غَياهِبُهُ عَن نُورُهِ وَغَياطِلُه
وَقَد يَجزِرُ الرَجّافُ طَوراً وتارَةً / يُسَيِّرُ ذاتَ الجُلِّ بِالمَدِّ ساحِلُه
فَإِن سَاءَني القَومُ الكِرامُ وَضَيَّعُوا / حُقوقي وَهَديُ المَجدِ فيهِم وَكاهِلُه
فَقَبلي أَخُو شَنّ بنِ أَفصى أَضاعَهُ / بَنُو عَمِّهِ دَونَ الوَرى وَفَضائلُه
وَلا بُدَّ هَذا الدَهرُ يَرجِعُ صَحوُهُ / وَيَنجابُ عَنهُ غَيُّهُ وَيُزايِلُه
وَقَد يُشرِقُ الرّيقُ الفَتى وَهوَ غَوثُهُ / وَيَجرَحُهُ ماضي الشَبا وَهوَ فاصِلُه
فَيَنطِقُ عَن صِدقٍ وَيَسمَعُ واعِياً / وَيَفهَمُ عَن عَقلٍ فَيَزهَقُ باطِلُه
فَيَذهَبُ قَومٌ كَاليَعاليلِ لا يُرى / لَها أَثَرٌ وَالماءُ تغطي جَداوِلُه
فَجَدعاً وَعَقراً لِلزَمانِ إِذا اِستَوى / مُطَهَّمُهُ في عَينِهِ وَطَهامِلُه
وَقُبحاً لِدَهرٍ أَصبَحَ العَلُّ فيلُهُ / وَأَضحَت بُزاةُ الطَيرِ فيهِ عُلاعِلُه
فَلا يَفرَحِ الخَلفُ الهِدانُ بِنَكبَتي / فَما نالَني مِن صَرفِها فهوَ نائِلُه
عَلى أَنّني لا مُستَكيناً لِحادِثٍ / وَسيّانِ عِندي نِيلُهُ وَصَلاصِلُه
وَقائِلَةٍ وَالعِيسُ تُحدَجُ لِلنَوى / وَدَمعُ الجَوى قَد جالَ في الخَدِّ جائِلُه
عَلَيكَ بِصَبرٍ وَاِحتِسابٍ فإِنَّما / يَفُوتُ الثَنا مَن راحَ وَالصَبرُ خاذِلُه
وَلا تَرمِ بِالأَهوالِ نَفساً عَزيزَةً / فَذا الدَهرُ قَد أَودى وَقامَت زَلازِلُه
فَكَم كُربَةٍ في غُربَةٍ وَمَنِيَّةٍ / بِأُمنِيَّةٍ وَالرِزقُ ذُو العَرشِ كافِلُه
فَقُلت لَها وَالعَينُ سَكرى بِزَفرَةٍ / أُرَدِّدُها وَالصَدرُ جَمٌّ بَلابِلُه
أَبالمَوتِ مِثلي تُرهِبينَ وَبِالنَوى / وَعاجِلُهُ عِندي سَواءٌ وَآجِلُه
وَلَلمَوتُ أَحيا مِن حَياةٍ بِبَلدَةٍ / يُري الحُرَّ فيها الغَبنَ مَن لا يُشاكِلُه
وَما غُربَةٌ عِن دارِ ذُلٍّ بِغُربَةٍ / لَوَ اِنّ الفَتى أَكدى وَغَثَّت مَآكِلُه
وَرُبَّ غَريبٍ ناعِمٍ وَاِبنِ بَلدَةٍ / تُبَكِّيهِ قَبلَ المَوتِ فيها ثَواكِلُه
وَإِنّ مُقامي يا اِبنَةَ القَومِ لِلقَلى / وَلِلضَيمِ لَلعَجز الَّذي لا أُزامِلُه
فَلا تُنكري خَوضي الطَوامي وَجَوبِيَ ال / مَوامي إِذا الآلُ اِسجَهَرَّت طَياسِلُه
فَمِن كَرَمِ الحُرِّ اِرتِحالٌ عَن الفِنا / إِذا قُدِّمَت أَوباشُهُ وَرَعابِلُه
وَلا بُدَّ لي مِن وَقفَةٍ قَبلَ رِحلَةٍ / أُذيل بِها دَمعي فَيَنهَلُّ وابِلُه
عَلى جَدَثٍ أَضحى بِهِ المَجدُ ثاوياً / بِحَيثُ يَرى شَطَّ العَذارِ مُقابِلُه
لِأَسأَلَ ذاكَ القَبرَ هَل غَيَّرَ البِلى / مَحاسِنَ مَجدٍ غَيّبَتها جَنادِلُه
وَهَل هَمَّت المَوتى بِإشعاءِ غارَةٍ / يُثارُ بِها مِن كُلِّ جَوٍّ قَساطِلُه
فَقَد نامَتِ الأَحيا عَنِ الغَزوِ فَاِستَوى / بِكُلِّ سَبيلٍ أُسدُهُ وَخَياطِلُه
فَيا عَجَباً مِن مُلحِدٍ ضَمَّ فَيلَقاً / وَبَحراً وَطَوداً يركَبُ المُزنَ عاقِلُه
مَضى طاهِرَ الأَخلاقِ وَالخِيمِ لَم يَمِل / إِلى سَفَهٍ يَوماً وَلا خابَ آمِلُه
فَيا لَكَ مِن مَجدٍ تَداعَت فُرُوعُهُ / وَمالَ ذُراهُ وَاِنقَعَرَّت أَسافِلُه
لِيَبكِ العُلى وَالمَجدُ وَالبَأسُ وَالنَدى / لَقَد صَلَّ واديها وَجَفَّت مَسايِلُه
وَتَندبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا / لِما أَنهَلَتها كفُّهُ وَأَنامِلُه
لَعَمري لَئِن كانَ الأَميرُ مُحمَّدٌ / قَضى وَأُصيبَت يَومَ نَحسٍ مَقاتِلُه
لَقَد مُنيَت مِنهُ الأَعادي بِثائِرٍ / هُمامٍ أَبى أَن يَحمِلَ الضَيمَ كاهِلُه
أَيا فَضلُ لا زالت لِنُعماكَ تَلتَقي / بِمَغناكَ ساداتُ المَلا وَعَباهِلُه
مَنحتُكَ وُدّاً كُنتُ قَبلُ مَنحتُهُ / أَباكَ وَمُزني لَم تَقَشَّع هَواطِلُه
وَلاقَيتُ مِن جَرّائِكُم ما عَلِمتَهُ / وَهَل أَحَدٌ مِن سائِرِ الناسِ جاهِلُه
وَكَم مُبغِضٍ لِي في هَواكُم وَشانئٍ / عَلَيَّ بِنارِ الحِقدِ تَغلي مَراجِلُه
فَلا تَحمِلنّي وَالمَناديحُ جَمَّةٌ / عَلى مَوردٍ يَستَعذِبُ المَوتَ ناهِلُه
أَرَيتُكَ إِن أَخَّرتَني وَجَفَوتَني / وَذا الدَهرُ قَد أَربى وَبانَ تَحامُلُه
وَجازَت قُرى البَحرَينِ عِيسي وَأَصبَحَت / عُمانِيَّةً وَاِستَبهلَتها سَواحِلُه
وَأًصبَحَ في الحَيِّ اليَمانيّ رَحلُها / وَحَفَّت بِهِ أَقيالُهُ وَمَقاوِلُه
أَوِ اِستَقبَلَت أَرضَ الحِجازِ فَيَمَّمَت / بَني حَسَنٍ وَالفَضلُ بادٍ شَواكِلُه
أَوِ اِنتَجَعَت آلَ المُهَنّا فَفيهمُ / حِمىً آمِنٌ لا يَرهَبُ الدَهرَ نازِلُه
أَوِ اِعتامَتِ القَومَ الَّذينَ أَحَلَّهُم / ذُرى كُلِّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
فَقُل لي عِمادَ الدِينِ ماذا أَقُولُهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
إِذا قيلَ لِي مِن أَينَ أَقبَلتَ وَاِرتَمَت / بِكَ العِيسُ أَو مَن كُنتَ قِدماً تُواصِلُه
وَمَن رَهطكَ الأَدنى الَّذي لَكَ فَخرُهُ / وَنابِهُ قَدرٍ لا يُساوِيهِ خامِلُه
هُناكَ يَكُونُ الصِدقُ نَقصاً عَلَيكُمُ / وَلا يَتَحرّى الكِذبَ إِلّا أَراذِلُه
وَمَنصِبُكَ السامي إِلى الفَخرِ مَنصِبي / وَرَبعُكَ رَبعي وَالعُلى أَنتَ آيِلُه
فَجُد بِالَّذي تَحوي يَداكَ عَلى الوَرى / وَضِنَّ عَلَيهم بِالَّذي أَنا قائِلُه
فَما المِسكُ إِلّا مِن عَقابيلِ نَشرِهِ / وَلا الجَوهَرُ المَكنونُ إِلّا خَصائِلُه
وَرَأيُكَ أَعلى وَالرِضا ما رَضيتَهُ / وَكُلُّ اِمرئٍ غُولُ المَنِيَّةِ غائِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه / وَخَصمٌ عَلى طُولِ اللَيالي أُزاوِلُه
وَطاوٍ عَلى بَغضايَ تَصرُفُ نابُهُ / عَلَيَّ وَبِالشَحناءِ تَغلي مَراجِلُه
كَأَنَّ أَباهُ كانَ قاتِلَهُ أَبي / وَها أَنا إِن أَوفى بيَ العُمرُ قاتِلُه
دَعُوني وَأَرضَ اللَهِ فَهيَ عَريضَةٌ / فإِن يَفلُلِ العَزمُ الَّذي أَنا حامِلُه
سَتَشهَدُ لي بِالسَيرِ في كُلِّ مَهمَهٍ / أَواخِرُ لَيلي إِن أَعِش وَأَوائِلُه
سَئِمتُ مُداراةَ اللَيالي وَغَرَّني / صَديقٌ أُصافيهِ وَخِلٌّ أُواصِلُه
وَضِقتُ ذِراعاً باِبنِ عَمٍّ مُحَبَّبٍ / إِلَيَّ وَإِن لَم تَسقِ أَرضي مَخاثِلُه
فَكَم لَيلَةٍ عَلَّلتُ نَفسي بِذِكرِهِ / وَسَكَّنتُ قَلبي فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه
فَلَمّا اِلتَقَينا كانَ حَظّي جَفاؤُهُ / وَكانَ لِغَيري بِرُّهُ وَنَوافِلُه
وَلَم أَسَتشِر قَلبي عَلى بَتِّ حَبلِهِ / مِنَ اليَأسِ إِلّا كادَ لُبّي يُزايِلُه
حُنُوّاً عَلَيهِ وَاِنتِظاراً لَعَلَّهُ / يُريعَ فَتُعصى في اِصطِناعي عَواذِلُه
وَإِنّي مَعَ الغَبنِ الَّذي يَرمضُ الحَشا / لأَحمي وَأَرمي دُونَهُ مَن يُناضِلُه
وَأُظهِرُ للأَقوامِ أَنّي بِقُربِهِ / مَليكٌ يُرَجّى رِفدُهُ وَفَواضِلُه
وَإِن ذَكَروهُ في النَدى قُلتُ ماجِدٌ / وَهوبٌ لِجُلِّ المالِ حُلوٌ شَمائِلُه
وَعَنَّفَني في قَصدِهِ وَاِصطِفائِهِ / رِجالٌ وَفي النَظمِ الَّذي أَنا قائِلُه
وَقالوا أَلَيسَ الماءُ يَعرِفُ طَعمَهُ / بِأَوَّلَ سِجلٍ مُرتَويهِ وَناهِلُه
وَأَنتَ فَقَد جَرَّبتَ كُلَّ مُجَرَّبٍ / وَطاوَلتَ ما لا كانَ خَلقٌ يُطاوِلُه
وَقُلتَ فَأَحسَنتَ المَقالَ وَلَم تَدَع / لِمُبتَدِعِ الأَشعارِ مَعنىً يُحاوِلُه
وَقُمتَ مَقاماً لَو يُقامُ لِغَيرِهِ / لَقالَ اِرتياحاً أَحسُن البِرِّ عاجِلُه
فَدَع عَنكَ مَولىً لا يُفيدُكَ قُربُهُ / وَذُمَّ اِبنَ عَمٍّ لا يَعُمُّكَ نائِلُه
وَهَل يَنفَعُ النَجدِيّ غَيمٌ لِأَرضِهِ / صَواعِقُهُ العُظمى وَلِلغَورِ وابِلُه
فَقُلتُ رُوَيداً إِنَّهُ اِبنُ مُحمَّدٍ / وَإِن ساءَني إِعراضُهُ وَتَغافُلُه
وَإِنّي لَأَرجُو وَليَةً مِن غَمامِهِ / بِها يَمرَعُ الوَادي وَيَخضَرُّ باقِلُه
أَقولُ لِرَهطٍ مِن سُراةِ بَني أَبي / وَدَمعُ المَآقي قَد تَداعَت حَوافِلُه
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُغضي عَلى القَذى / وَنُكثِرُ لَيّانَ العُلى وَنُماطِلُه
هَلِ الشَرُّ إِلّا ما تَرونَ وَرُبَّما / تَعَدّى فَأَنسى عاجِلَ الشَرِّ آجِلُه
وَهَل يَحمِلُ العَزمَ الثَقيلَ أَخُو العُلى / وَيَضعُف عَن حَملِ الظُلامَةِ كاهِلُه
وَما بَعدَ سَلبِ المالِ وَالعِزِّ فَاِعلَمُوا / مُقامٌ وَزادُ المَرءِ لا بُدَّ آكِلُه
وَلا بَعدَ تَحكيمِ العِدى في نُفوسِنا / وَأَموالِنا شَيءٌ مِنَ الخَيرِ نَأمُلُه
أَطاعَت بِنا إِخوانُنا كُلَّ كاشِحٍ / خَبيثِ الطَوايا يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه
وَجازَ عَلَيهِم قَولُ مَن قالَ إِنَّنا / عَدُوٌّ مَعَ الإِمكانِ تُخشى غَوائِلُه
فَأَينَ عُقولُ القَومِ إِذ يَقبَلونَهُ / فَما يَستوي مَنقوصُ عَقلٍ وَكامِلُه
أَنَحنُ بَنَينا العِزَّ أَم كانَ غَيرُنا / بَناهُ وَشَرُّ الناسِ مَن خابَ عامِلُه
وَهَل كانَ عَبدُ اللَهِ والِدَ مَعشَرٍ / سِوانا فَيُستَصفى وَتَمشي وَسائِلُه
فَأُقسِمُ ما هَذا لِخَيرٍ وَإِنَّهُ / لَأَوَّلُ ما الأَمرُ المُقَدَّرُ فاعِلُه
وَمَن يَستَمِع في قَومِهِ قَولَ كاشِحٍ / أُصيبَت كَما شاءَ المُعادي مَقاتِلُه
وَما كُلُّ مَن يُبدي المَوَدَّةَ ناصِحٌ / كَما لَيسَ كُلُّ البَرقِ يَصدُقُ خائِلُه
وَقَد يُظهِرُ المَقهُورُ أَقصى مَوَدَّةٍ / وَأَوهاقُهُ مَبثُوثَةٌ وَمَناجِلُه
وَمَن لَم يُقابِل بِالجَلالَةِ قَومَهُ / أَتاهُ مِنَ الأَعداءِ ما لا يُقابِلُه
وَمَن لَم يُبِح زُرقَ الأَسِنَّةِ لَحمَهُ / أُبيحَ حِماهُ وَاِستُرِقَّت حَلائِلُه
وَمَن لَم يُدَبِّر أَمرَهُ ذُو بَصيرَةٍ / شَفيقٌ بَكَتهُ عَن قَريبٍ ثَواكِلُه
وَكَم مِن هُمامٍ ضَيَّعَ الحَزمَ فَاِلتَقَت / عَلَيهِ عِداهُ بِالرَدى وَدخائِلُه
وَما المَرءُ إِلّا عَقلُهُ وَلِسانُهُ / إِذا قالَ لا أَبرادُهُ وَغَلائِلُه
فَقُومُوا بِعَزمٍ وَاِجعَلُوني مُقَدَّماً / فَأَيُّ حُسامٍ لَم تُرَصَّع حَمائِلُه
وَسِيرُوا عَلى طَيرِ الفَلاحِ فَقَد أَرى / رَسُولَ الجَلا وافى وَقامَت دَلائِلُه
فَإِنّي كَفيلٌ بِالخَرابِ لِبَلدَةٍ / يُراعى بِها مِن كُلِّ حَيٍّ أَراذِلُه
وَمِن ضَعفِ رَأي المَرءِ إِكرامُ ناهِقٍ / وَقَد ماتَ هزلاً في الأَواخِيِّ صاهِلُه
وَمَن ضَيَّعَ السَيفَ اِتِّكالاً عَلى العَصى / شَكى وَقعَ حَدِّ السَيفِ مِمّن يُنازِلُه
وَلَيسَ يَزينُ الرُمحَ إِلّا سِنانُهُ / كَما لا يَزينُ الكَفَّ إِلّا أَنامِلُه
فَإِن تَرفُضوا نُصحي فَما أَنا فيكُمُ / بِأَوَّلِ مَيمُونٍ عَصَتهُ قَبائِلُه
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمي وَإِن أَبَت / لَأَظفَرَ مِنها بِالَّذي أَنا آمِلُه
فَإِنَّ بِقُربي مِن رِجالي مُتَوَّجاً / تُواصِلُ أَسبابَ العُلى مَن يُواصِلُه
مَنيعُ الحِمى لا يُذعِرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا يَمنَعُ الأَعداءُ شَيئاً يُحاوِلُه
إِلَيكَ عِمادَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / تَناهى فَما يُؤتى بِعقدٍ يُشاكِلُه
فَقَد كُنتُ قَد عِفتُ القَريضَ زَهادَةً / بِمُستامِهِ إِذ يُرخِصُ الدُرَّ جاهِلُه
وَأَكبَرتُ نَفسي عَن مَديحي مُذَمَّماً / بِكُلِّ قَبيحٍ بَشَّرتنا قَوابِلُه
وَلَولاكَ لَم أَنبِس بِبَيتٍ وَلَو طَمى / مِنَ الشِعرِ بَحرٌ يَردفُ المَوجَ ساحِلُه
وَلَكِنَّ لي فيكُم هَوىً وَقَرابَةً / تُحَرِّكُني وَالرَحمُ يُحمَدُ واصِلُه
وَإِنّي لَأَشنا المَدحَ في غَيرِ سَيِّدٍ / أَبُوهُ أَبي لَو زاحَمَ النَجمَ كاهِلُه
فَلا زِلتَ كَهلاً لِلعَشيرَةِ يُلتَجى / إِلَيهِ إِذا ما الدَهرُ عَمَّت زَلازِلُه
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ / فَما المَجدُ إِلّا بَعضُ ما أَنتَ فاعِلُ
دَعِ الشِعرَ حَتّى يَشمَلَ الحَدَّ حِكمَةً / وَشَأنَكَ وَالدُنيا فَأَنتَ المُقابَلُ
فَقَد جُزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَتِربُكَ في لِعبِ الصِبا مُتَشاغِلُ
وَأَدرَكتَ ما فَوقَ الكَمالِ وَلَم يُقَل / لِمِثلكَ في ذِي السِنِّ إِنَّكَ كامِلُ
أَخَذتَ بِأَعضادِ العَشيرَةِ بَعدَما / هَوَت وَعَلَت مِنها الرُؤُوسَ الأَسافِلُ
وأَنقَذتَها مِن بَعدِ أَن لَعِبَت بِها / يَدُ الدَهرِ وَاِستَولَت عَلَيها الزَلازِلُ
فَأَنتَ لِناشِيها أَخٌ وَلِطِفلِها / أَبٌ راحِمٌ وَاِبنٌ لِذي الشَيبِ واصِلُ
عَلى أَنَّكَ المَولى الَّذي يُقتَدى بِهِ / وَلَكِنَّ طَبعاً تَقتَضيهِ الشَمائِلُ
أَطاعَت لَكَ الأَيّامُ كَرهاً وَسَلَّمَت / إِلَيكَ مَقاليدَ الأُمُورِ القَبائِلُ
فَقُل لِلّيالي كَيفَ تَجري صُرُوفُها / فَما الفَضلُ شَيءٌ غَيرُ ما أَنتَ قائِلُ
فَقَد أَذعَنت لِلخَوفِ مِنكَ وَأَهطَعَت / إِلى قَولِ مَأمُولٍ تَلَقّاهُ آمِلُ
زَهَت بِكَ آفاقُ البِلادِ وَأَخصَبَت / رُباها وَطابَت في ذُراها المَآكِلُ
وَنامَت عُيُونٌ رُبَّما عافَتِ الكَرى / بِلا رَمَدٍ فيها وَقَرَّت بَلابِلُ
تَرَكتَ الغُواةَ الغُثرَ فَوضى وَطالَما / غَدَت وَلَها مِن قَبلُ فينا مَحافِلُ
وَأَوليتَها مِنكَ الهَوانَ وَأَصبَحَت / وَكُلُّ غَويٍّ خاشِعٌ مُتضائِلُ
وَلَم يَبقَ مِن حِزبِ الضَلالِ اِبنُ غَيَّةٍ / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهوَ خَزيانُ خامِلُ
رَفَعتَ عِمادَ المَجدِ مِن بَعدِ ما وَهى / وَرثَّ وَأَضحى رُكنُهُ وَهوَ مائِلُ
وَأَحيَيتَ رُوحَ الجُودِ مِن بَعدِ ما قَضى / وَرَدَّ عَلَيهِ التُربَ حاثٍ وَهائِلُ
وَقُمتَ بِأَحكامِ الشَريعَةِ فَاِستَوَت / لَدَيكَ ذَوُو الأَجبالِ طَيٌّ وَوائِلُ
وَأَوهَيتَ كَيدَ الفاسِقينَ فَأَصبَحُوا / وَناصِرُهُم مِن جُملَةِ الناسِ خاذِلُ
وَداوَيتَ قَرحاً كانَ في كَبدِ العُلى / تَبَطَّنهُ داءٌ مِنَ الغِلِّ قاتِلُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا اِلتقَت / صُدُور المَذاكي وَالخِفافُ الذَوابِلُ
وَنِعمَ المُرَجّى في السِنينِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الضُرِّ أَبناءُ السُرى وَالأَرامِلُ
وَنِعمَ المُراعي لِلنَّزيلِ إِذا غَدا / أَكيلاً وَأَفنى مالَهُ مَن يُنازِلُ
وَنِعمَ الصَريخُ المُستَجاشُ إِذا اِرتَوَت / لَدى الرَوعِ مِن هامِ الكُماةِ المَناصِلُ
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِمّا تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَعاوِلُ
وَنِعمَ مُناخُ الرَكبِ أَهدى لَهُ السُرى / سَنا النارِ في الظَلماءِ وَالعامُ ماحِلُ
فَيَا سائِلي عَن شَأنِ فَضلٍ وَلَم يَزَل / بَغيضاً إِليَّ العالِمُ المُتَجاهِلُ
سَلِ القَومَ عَنهُ يَومَ جاءَت وَأَقبَلَت / تَخُبُّ المَذاكي تَحتَها وَتُناقِلُ
أَغارَت عَلى دَربِ الحَنائِدِ غارَةً / يَطيرُ الحَصا مِن وَقعِها وَالجَراوِلُ
لَها فَيلَقٌ بِالجَوِّ ذِي النَخلِ كامِنٌ / وَرَيعانُها لِلمَسجِدِ الفَردِ شامِلُ
وَطارَدَتِ الفِتيانَ فيها وَأَظهَرَت / كُناها وَكُلٌّ عارِفٌ مَن يُجادِلُ
فَوَلَّت حُماةُ القَومِ خَيلاً وَلَم تَزَل / بَنُو الحَربِ في يَومِ التَلاقي تُحاوِلُ
فَراحَت عَلَيها الخَيلُ فَاِنبَعَثَت لَها / جَحافِلُ جَمعٍ تَقتَفيها جَحافِلُ
فَحاصَت حِذارَ القَتلِ وَالأَسرِ خَيلُهُ / وَسُمرُ القَنا فيهنَّ صادٍ وَناهِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّما / لَهُ المَوتُ جُندٌ بِالمُعادينَ كافِلُ
وَعاجَلَ طَعناً سَيِّدَ القَومِ فَاِغتَدَوا / وَقَد عافَ كُلٌّ مِنهُمُ ما يُحاوِلُ
بِها رَدَّ أَرواحَ التَوالي وَقَد غَدَت / إِذا ثارَ مِنهُم راجِلٌ طاحَ راجِلُ
أَقولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي وَعَبرَتي / عَلى الخَدِّ مِنها مُستَهِلٌّ وَجائِلُ
وَقَد قَلِقَت مِنّي الحَشا وَتَتابَعَت / ظَواهِرُ أَنفاسٍ وَأُخرى دَواخِلُ
أَيا نَفسُ صَبراً لِلبَلايا فَرُبَّما / أَتى فَرَجٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ غافِلُ
فَكَم ضاقَ أَمرٌ ثُمَّ وَافى اِتِّساعُهُ / وَما عاجِلٌ إِلّا وَيَتلوهُ آجِلُ
وَقَد يَأمَنُ النَقصَ السُها لِاِحتِقارِهِ / وَيَخشى الخُسوفَ البَدرُ وَالبَدرُ كامِلُ
وَما بَينَ مَوتُورٍ وَلا بَينَ واتِرٍ / لِفَصلِ القَضا إِلّا لَيالٍ قلائِلُ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يُحَقَّرَ عالِمٌ / لَدى ضِدِّهِ أَو أَن يُوَقَّرَ جاهِلُ
فَقَد رُبَّما لِلجَدِّ يُكرَمُ ناهِقٌ / فَيُخلى لَهُ المَرعى وَيُحرَمُ صاهِلُ
وَقَد يُلبَسُ الدِيباجَ قِردٌ وَلُعبَةٌ / وَتُلوى بِأَعناقِ الرِجالِ السَلاسِلُ
وَما الدَهرُ إِلّا فَرحَةٌ ثُمَّ تَرحَةٌ / تَناوَبُها الأَيّامُ وَالكُلُّ زائِلُ
فَقِرّي حَياءً وَاِطمَئِنّي جَلادَةً / فَأَيُّ كَريمٍ سالَمتهُ الغَوائِلُ
فَما أَنا بِالعَلِّ الجزُوعِ إِذا عَرى / مِنَ الدَهرِ خَطبٌ أَو تَعَرّضَ نازِلُ
وَما كانَ حَملي لِلأَذى عَن ضَراعَةٍ / وَلَكِن لِأَمرٍ كانَ مِنّي التَثاقُلُ
وَإلّا فَعِندي لِلسُرى أَرحَبِيَّةٌ / وَعَزمٌ يَفُلُّ السَيفَ وَالسَيفُ فاصِلُ
وَفِيَّ عَلى عَضِّ اللَيالي بَقِيَّةٌ / وَإِن قُطِعَت مِن راحَتَيّ الأَنامِلُ
وَلِي عَن مَكانِ الذُلِّ مَنأىً وَمَرحَلٌ / وَذا الناسُ في الدُنيا غَريبٌ وَآهِلُ
وَلَستُ غَريباً أَينَ كُنتُ وَإِنَّما / مَعانِيَّ غُربٌ في الوَرى لا المَنازِلُ
وَلَولا رَجائِي في الأَميرِ لَقَلَّصَت / بِرَحلي عَنِ الدارِ القِلاصُ العباهِلُ
وَلَكِن إِذا ما النَفسُ جاشَت وَعَدتَها / بِما وَعَدَتني فيهِ تِلكَ المَخائِلُ
فَيَسكُنُ مِنها الجَأشُ حَتّى كَأَنَّني / بِها فَوقَ أَعلامِ المَجَرَّةِ نازِلُ
وَحُقَّ لِمثلي أَن يُؤَمِّلَ مِثلَهُ / وَفي الناسِ مَأمُولٌ يُرَجّى وَآمِلُ
لِأَنَّ عَلِيّاً جَدَّهُ عَمِّيَ الَّذي / يَطُولُ بِهِ بَيتي عَلى مَن يُطاوِلُ
وَضَبّارُ جَدّي عَمُّهُ وَكِلاهُما / خَليصانِ وَالعَمُّ المُهَذَّبُ ناجِلُ
وَيَجمَعُنا في الأُمَّهاتِ اِبنُ يُوسُفٍ / عَلِيٌّ وَنُعمان الأَغَرُّ الحُلاحِلُ
وَلِيَ دُونَ هَذا عِندَ فَضلٍ وَسيلَةٌ / إِذا اِنقَطَعَت فيما سِواهُ الوَسائِلُ
وَعِندي مِنَ المدحِ الَّذي ما اِهتَدى لَهُ / جَريرٌ وَلا تِلكَ الفُحولُ الأَوائِلُ
أَقَرَّ بِفَضلِ الفَضلِ بادٍ وَحاضِرٌ / وَساقَ إِلَيهِ الشُكرَ حافٍ وَناعلُ
وَأَضحى سَريرُ المُلكِ يَختالُ فَرحَةً / بِهِ وَتَجَلَّت عَنهُ تِلكَ القَساطِلُ
فَيا نَحسُ سِر بُعداً وَسُحقاً وَلا تَجُز / بِداري مَدى الأَيّامِ أُمُّكَ هابِلُ
فَقَد حالَ فَضلٌ دونَ ما أَنتَ طالِبٌ / لَدَيَّ وَذُو الإِحسانِ وَالجُودِ فاضِلُ
وَأَصبَحَ دُوني راجِحٌ وَكَأَنَّهُ / أَخُو غايَةٍ صَعبُ العَريكَةِ باسِلُ
مُلوكٌ هُمُ الشُمُّ الرَواسي رَزانَةً / إِذا ما اِستَخَفَّ الحِلمَ حَقٌّ وَباطِلُ
وَإِن نَهَضُوا يَوماً لِحَربٍ رَأَيتَهُم / كَأَنَّهُمُ فَوقَ الجِيادِ الأَجادِلُ
نَماهُم إِلى العَلياءِ أَشرَفُ والِدٍ / تَقُومُ لَهُ بِالمَأثُراتِ الدَلائِلُ
أَبُو القاسِمِ المَلكُ الَّذي عُرِفَت بِهِ / حِدادُ المَواضي وَالعِتاقُ الصَواهِلُ
هُمامٌ لَهُ عَزمٌ وَحَزمٌ وَمَحتِدٌ / كَريمٌ وَبَأسٌ لا يُطاقُ وَنائِلُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٍ وَيافِثٌ / وَحامٍ وَمُبدِي قطعِهِ وَالمَواصِلُ
وَلا بَرِحَت تَسطُو رَبيعَةُ في العِدى / بِمِثلِهِمُ ما طَبَّقَ الأَرضَ وابِلُ
وَما ناحَ قُمرِيُّ الحَمامِ وَما دَعا / أَخُو فاقَةٍ وَاستَجلَبَ المَدحَ باذِلُ
وَعاشُوا جَميعاً في نَعيمٍ وَغِبطَةٍ / وَحاسِدُهُم في غُمَّةٍ لا تُزايِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَأَجرَدُ صاهِلُ
وَطَعنٌ إِذا الغُزُّ المَساعيرُ أَقبَلَت / تَخُبُّ مَذاكيها بِها وَتُناقِلُ
وَضَربٌ إِذا ما الصِيدُ هابَت وَأَحجَمَت / وَفَرَّ مِنَ الفرسانِ مَن لا يُنازِلُ
وَنَصّ القِلاص القُودِ تَخدي كَأَنَّها / نَعامٌ بِأَعلى قُلَّةِ الدَوِّ جافِلُ
يَجُوبُ بِهِ البَيداءَ كُلُّ شَمَردَلٍ / يُسارِعُ في كَسبِ العُلى وَيُعاجِلُ
سَواءٌ عَلَيهِ لَيلُهُ وَنَهارُهُ / وَتَهجِيرُهُ وَقتَ الضُحى وَالأَصائِلُ
فَيا خاطِبَ العَلياءِ لا تَحسَبَنَّها / حَديثَ العَذارى أَنشَأَتهُ المَغازِلُ
تَنَحَّ وَدَعها هَكَذا غَيرَ صاغِرٍ / لِمَلكٍ هُمامٍ ما اِشتَهَت فَهوَ باذِلُ
أَغَرُّ عُيونِيٌّ كَأَنَّ جَبينَهُ / صَفيحَةُ سَيفٍ أَخلَصَتهُ الصَياقِلُ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَأَحمَدُ وَالقَرمُ الهِزَبرُ الحُلاحِلُ
هُوَ المَشرَبُ العَذبُ الَّذي طابَ وِردُهُ / إِذا خَبُثَت لِلشّارِبينَ المَناهِلُ
سمامُ العِدى جَمُّ النَدى دافِعُ العِدى / بَعيدُ المَدى يَعلُو بِهِ مَن يُطاوِلُ
بِهِ اِفتَخَرَت هِنبٌ وَطالَت بِمَجدِهِ / لُكَيزٌ وَعَزَّت عَبدُ قَيسٍ وَوائِلُ
لَهُ ذِروَةُ المَجدِ المُؤَثَّلِ وَالعُلى / إِذا اِنشَعَبَت يَومَ الفَخارِ القَبائِلُ
حَميدُ السَجايا ما تَروحُ عِداتُهُ / مُسالمةً هاماتُهُم وَالمَناصِلُ
يُحكِّمُ في أَعدائِهِ حدَّ سَيفِهِ / إِذا حُطِّمَت في الدّارِعينَ العَوامِلُ
إِذا ما رَآهُ ناظرٌ خالَ أَنَّهُ / شِهابٌ عَلى جانٍ مِنَ الأُفقِ نازِلُ
يَرومُ ذَوو الأَغراضِ إِدراكَ شَأوِهِ / وَأَينَ مِنَ البَحرِ الخِضَمِّ الجَداوِلُ
وَهَيهاتَ نَيلُ الفَرقَدينِ وَلَو رَقى / عَلى مُشمَخِرّاتِ الذُرى المُتَناوِلُ
هُوَ البَحرُ لَكِن مَدُّهُ غَيرُ جازِرٍ / هُوَ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ كامِلُ
هُوَ الشَمسُ في جَوِّ السَماءِ وَنُورُها / عَلى كُلِّ مَن فَوقَ البَسيطَةِ شامِلُ
هُوَ المُزنُ إِلّا أَنَّهُ فَوقَ سابِحٍ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنهُ سَحٌّ وَوابِلُ
هُوَ اللَيثُ إِلّا أَنَّ عِرِّيسَهُ القَنا / وَصيداتِهِ الصّيدُ المُلوكُ العَباهِلُ
هُوَ النَصلُ لَكِن لا يحُسُّ غِرارَهُ / بَنانٌ وَبِالأَيدي تُحَسُّ المَناصِلُ
إِذا صَبَّحَت راياتُهُ دارَ مَعشَرٍ / عِدىً كَثُرَت أَيتامُها وَالأَرامِلُ
وَإِن رُبِطَت بَينَ القِبابِ جِيادُهُ / فَهُنَّ بِأَكبادِ المُلوكِ جَوائِلُ
فَقُل لِلعِدى مَهلاً قَليلاً فَإِنَّهُ / سِمامٌ لِمَن يَبغي العَداوَةَ قاتِلُ
كَأَنَّكُم لَم تَعرِفُوا سَطَواتِهِ / إِذا الحَربُ فارَت مِن لَظاها مَراجِلُ
سَلُوا تُخبَرُوا مِن غَيرِ جَهلٍ لِفِعلِهِ / بَني مالِكٍ فَالحُرُّ بِالحَقِّ قائِلُ
أَلَم يَجلِبِ الجُردَ العِتاقَ شَوازِباً / مِنَ الخَطِّ تَتلُوها المَطايا المَراسِلُ
إِلى أَن أَناخَت بِالدَجانيّ بَعدَما / بَراها السُرى وَالأَينُ فَهيَ نَواحِلُ
فَصَبَّحنَ حَيّاً لَم تُصَبَّح حِلالهُ / قَديماً وَلا رامَت لِقاهُ الجَحافِلُ
فَكُم قَرمِ قَومٍ غادَرَتهُ مُجَدَّلاً / تَقُطُّ شَواهُ الخامِعاتُ العَواسِلُ
وَكَم مالِ نَحّامٍ مِنَ القَومِ أَصبَحَت / تُقَسَّمُ غَصباً جُلُّهُ وَالعَقائِلُ
وَكَم عاتِقٍ لَم تَترُكِ الخِدرَ ساعَةً / تُقلِّبُ كَفَّيها لَهُ وَهيَ ثاكِلُ
تَقُولُ وَدَمعُ العَينِ مِنها كَأَنَّهُ / جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتوابِلُ
حَنانيكَ يا اِبنَ الأَكرَمينَ فَلَم تَدَع / لَنا أَملاً تُلوى عَلَيهِ الأَنامِلُ
وَفي لِينَةٍ أَردى شَغاميمَ طَيِّئٍ / جِهاراً وَلَونُ الجَوِّ بِالنَقعِ حائِلُ
عَشِيَّةَ لا يَلوي عِنانَ جَوادِهِ / حِمىً وَالعَذارى دَأبُهُنَّ التَعاوُلُ
غَدا مِثلَ ما راحَ الظَليمُ يَحُثُّهُ / عَلى الجَريِ لَيلٌ قَد أَظَلَّ وَوابِلُ
فَإِن يَنجُ مِن أَسيافِهِ فَلَقَد نَجا / وَفي قَلبهِ خَبلٌ مِن الرُعبِ خابِلُ
وَكانَ لَهُم بِالحَزمِ يَومٌ عَصَبصَبٌ / وَقَد حَشَدَت لِلحَربِ تِلكَ القَبائِلُ
عَنينٌ وَآلُ الفَضلِ مِن آلِ بَرمَكٍ / وَكُلُّهُمُ لِلعِزِّ أَنفٌ وَكاهِلُ
وَجاءَت زَبيدٌ كَالجَرادِ وَطَيِّئٌ / وَكُلٌّ يُمَنّي نَفسَهُ ما يُحاوِلُ
وَكانُوا يَظُنّونَ الأَميرَ بِدارِهِ / مُقيماً وَجاءَتهُم بِذاكَ الرَسائِلُ
فَضاقَت عَلى أَحياءِ قَيسٍ رِحابُها / مِنَ الخَوفِ وَاِنسَدَّت عَلَيها المَناهِلُ
وَجاءَت إِلَيهِ الرُسلُ مُخبِرَةً لَهُ / بِما قَد دَهى وَالأَمرُ إِذ ذاكَ هائِلُ
فَسارَ مِنَ الأَحساءِ تَطوي بِهِ الفَلا / عِتاقُ المَذاكي وَالمَطِيُّ الذَوامِلُ
فَمَرَّت بِقَصرِ العَنبَرِيِّ وَلَم يَكُن / لَها بِسِوى دارِ الأَعادي تَشاغُلُ
فَما شَعَروا حَتّى تَداعَت عَلَيهِمُ / كَما يَتَداعى صَيِّبٌ مُتَوابِلُ
شَوائِلُ تشوال العَقارِبِ فَوقَها / لُيُوثٌ وَلَكِن غابُهُنَّ القَساطِلُ
فَثارُوا يُرِشّونَ الطّرادَ وَكُلُّهُم / يُطاعِنُ في مَوجاتِها وَيُجاوِلُ
إِلى أَن بَدَت مِن آلِ فَضلٍ عِصابَةٌ / قَصيرٌ لَدَيها الباذِخُ المُتَطاوِلُ
يَقودُ نَواصِيها أَخُو الجُودِ ماجِدٌ / وَفَضلٌ إِذا هابَ الكَمِيُّ المُنازِلُ
وَأَحمَدٌ السامي عَظيمٌ وَكُلُّهُم / أَخُو ثِقَةٍ يَعلُو عَلى مَن يُصاوِلُ
فَزادَ مَقاديمَ الفَوارِسِ بَعدَما / تَحَطَّمَ فيها مَشرَفِيٌّ وَذابِلُ
وَأَقبلَ لَيثُ الغابِ أَعني مُحمّداً / يُفَتِّشُ عَن أَشبالِهِ وَيُسائِلُ
فَقِيلَ لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ دَأبُهُم / طِعانُ العِدى في حَيثُ تَخفى المَقاتِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّهُ / بِأَخذِ نُفوسِ القَومِ بِالسَيفِ كافِلُ
فَطارُوا سِلالاً مِن أَسيرٍ وَهارِبٍ / وَمِن هالِكٍ تَبكي عَلَيهِ الثَواكِلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا خائِفٌ مُتَرَقِّبٌ / حِماماً سَريعاً أَو نَزيلٌ مُنازِلُ
وَمِن بَعدِ ذاكَ العِزِّ أَضحَت مُلُوكُهُم / وَكُلٌّ لَدَيهِ خاشِعٌ مُتَضائِلُ
وَلا عارَ لَو عاذُوا بِأَكنافِ سَيِّدٍ / يَطُولُ فَلا تُرجى لَدَيهِ الطَوائِلُ
فَمِن قَبلِ ذا عاذَت بِأَكنافِ هانِئٍ / بَنُو مُنذِرٍ إِذ عارَضَتها الغَوائِلُ
فَقُل لِعُقَيلٍ غَثِّها وَسَمينِها / إِذا جَمَعتها في النُجوعِ المَحافِلُ
أَلا إِنَّما فِعلُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / لِإحياءِ ما سَنَّ الجُدودُ الأَوائِلُ
هُمُ بِخَزازَى دافَعُوا عَنكُمُ العِدى / وَذَلِكَ يَومٌ مُمقِرُ الطَعمِ باسِلُ
فَشُكراً بِلا كُفرٍ لِسَعيِ رَبيعَةٍ / فَما يَكفُرُ النَعماءَ في الناسِ عاقِلُ
إِلَيكَ اِبنَ شَقّاقِ الفَوارِسِ مِدحَةٌ / تُطَأطَأ لَها مِن حاسِديكَ الكَواهِلُ
أَتَتكَ كَنَظمِ الدُرِّ مِن ذي قَرابَةٍ / لِإِحياءِ وُدٍّ لا لِمالٍ يُحاوِلُ
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها / وَعادَ إِلَيها حُسنُها وَجَمالُها
وَأَضحَت تُباهي جَنَّتي أَرضِ مَأربٍ / لَيالي بَنُو ماءِ السَماءِ حِلالُها
فَيا حُسنَها حينَ اِستَقَرَّ قَرارُها / وَزايَلَها ما كانَ فيهِ وَبالُها
بِأَوبَةِ مَيمُونِ النَقيبَةِ لَو سَطا / عَلى الأرضِ خَوفاً مِنهُ زالَت جِبالُها
بِهِ اِعتَدَلَت أَرض الحَساءِ وَغَيرُها / وَقَد كانَ أَعيَى لِلأَنامِ اِعتِدالُها
إِذا غابَ عَنها غابَ عَنها رَبيعُها / وَإِن آبَ فيها آبَ فيها ثِمالُها
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ يخشى وَيُرتَجى / إِذا قَصَّرَت عَن يَومِ خَطبٍ رِجالُها
فَيَخشاهُ جَبّارٌ وَيَرجُوهُ خائِفٌ / وَأَرمَلَةٌ قَد ماتَ هُزلاً عيالُها
يَجُذُّ مَقالاتِ الرِجالِ بِلَفظَةٍ / وَيَقصُرُ عَنهُ عِندَ ذاكَ جِدالُها
تَوَدُّ مُلوكُ الشَرقِ وَالغَربِ أَنَّهُ / يَمينٌ وَأَنَّ العالمينَ شِمالُها
هُمامٌ مَتى نُودي عَلى الخَيلِ بِاِسمِهِ / تَضايَقَ عَنها في المَكَرِّ مَجالُها
وَإِن حُدِيَت بَعدَ الكَلالِ قَلائِصٌ / بِذكراهُ وَهناً زالَ عَنها كَلالُها
وإِن نُزلَ الخرمُ المَخُوفُ فَبَيتُهُ / مِن الأَرضِ عالي هُضبِها وَتِلالُها
وَإِن نَزَلَ الوَسمِيُّ دارَ قَبيلَةٍ / رَعاهُ ولَو أَنَّ الرياضَ قِلالُها
أَعَزَّ عُقَيلاً عِزُّهُ فَتَدَامَلَت / وَمِن قَبلُ أَعيى مَن سِواهُ اِندِمالُها
كَفاها وَأَغناها بِنائِلِ كَفِّهِ / وَمالِ عِداها فَاِغتَدَت وَهوَ مالُها
وَأَنزَلَها دارَ الأَعادي بِسَيفِهِ / فَأَضحَت خَفافيثاً لَدَيها صِلالُها
وأَورَدَها بِالمَشرَفيِّ مَوارِداً / حَرامٌ بِغَيرِ المَشرَفيِّ بَلالُها
أَقامَ عُهُوداً بَينَ عَمرٍو وَعامِرٍ / عَيِيٌّ عَلى أَيدي الرِجالِ اِنحِلالُها
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ إِذا دَعَوا / لِنائِبَةٍ جَلَّت وَآذى اِحتِمالُها
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِن قيلَ مَن لَها / خَطيبٌ وَأَعيَى الحاضِرينَ مَقالُها
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ إِذا أَتَت / تُقَلقِلُ مِن بَعدِ الهُدُوِّ رِحالُها
وَنِعمَ مَلاذُ المُعتَفينَ إِذا نَبا / زَمانٌ وَهَبَّت عامَ مَحلٍ شَمالُها
وَنِعمَ سَدادُ الثَغرِ تَكثُرُ دُونَهُ / مَعاذيرُ أَربابِ العُلى وَاِعتِلالُها
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالدَوحَةِ الَّتي / زَكى فَرعُها وَاِزدادَ طيباً ظِلالُها
وَجَدِّكَ مُذ فارَقتَنا ما صَفَت لَنا / حَياةٌ وَلا خَلّى العُيونَ اِنهِمالُها
وَما ذاكَ إِلّا لِاِشتِياقٍ مُبَرِّحٍ / إِلى لَثمِ كَفٍّ لَيسَ كُلٌّ يَنالُها
أَنامِلُها فيها حَياةٌ وَرَحمَةٌ / ومَوتٌ وَيُغني الطالِبينَ اِنهِمالُها
فَعِش أَبَداً يابا عَلِيٍّ بِعِزَّةٍ / يَزيدُ عَلى مَرِّ اللَيالي جَلالُها
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ لَم تَبقَ رايَةٌ / لِمَجدٍ وَرَثَّت غَيرَ شَكٍّ حِبالُها
وَجِد وَاِجتَهِد في آلِ جَروانَ إِنَّهُم / سُيوفٌ تُقَرّي حاسِديكَ نِصالُها
هُمُ بَذَلُوا فيما يَسُرُّكَ أَنفُساً / كِراماً وَنارُ الحَربِ يَعلُو اِشتِعالها
وَهُم حَطَّمُوا سُمرَ العَوالي وَفَلَّلُوا / مَضارِبَ أَسيافٍ حَديثاً صِقالُها
غَداةَ أَبي الجرّاحِ يَغدو كَأَنَّهُ / نَعامَةُ قَفرٍ تَقتَفيها رِئالُها
وَذادُوا الأَعادي عَن حِماكَ وَفَلَّقُوا / جَماجِمَ لَم يَبرَح قَديماً ضَلالُها
وَأُوصِيكَ خَيراً بِالعَشيرَةِ كُلِّها / فَإِنَّكَ مِن بَعدِ الإِلَهِ مَآلُها
فَأَنتَ الَّذي أَحيَيتَها وَأَغثتَها / وَقَد كَثُرَت قِيلُ الأَعادي وَقالها
فَلا تَكتَرِث مِن قَولِ واشٍ وَشى بِها / فَما مُبلِغُ الحُسّادِ إِلّا مِحالها
وَأَلغِ مَقالاتِ الوُشاةِ فَإِنَّها / لأَشياءَ ظَنّي أَنَّها لا تَنالُها
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا / فَلَستُ بِراضٍ مَنزِلَ الهُونِ مَنزِلا
وَلا تَسأَلاني أَينَ تَرمي رَكائِبي / فَمالَكُما أَن تُسلِماني وَتسأَلا
فَقَد سَئِمَت نَفسي المُقامَ وَشاقَني / رُكُوبُ الفَيافي مَجهَلاً ثُمَّ مَجهَلا
وَكَيفَ مُقامي بَينَ أَوباشِ قَريَةٍ / أَرى الرَأسَ فيها مَن بِها كانَ أَسفَلا
بَني عَمِّ مَن أَمسى كَثيراً سَوامُهُ / وَإِن كانَ أَدنى مِن هُتَيمٍ وَأَرذَلا
وَأَعداءُ مَن غالَت يَدُ الدَهرِ مالَهُ / وَإِن كانَ أَسرى مِن قُرَيشٍ وَأَنبلا
لَحى اللَّهُ مَن يُغضي عَلى ضَيمِ صاحِبٍ / وَمَن يَجعَلُ الخِلَّ المُناصِحَ مَأكلا
وَمَن لا يَرى حَقَّ الصَديقِ وَلَو نَبا / بِهِ الدَهرُ أَو أَضحى مِنَ المالِ مُرمِلا
وَمَن لا يُجازي الوُدَّ بِالوُدِّ مُفضِلاً / وَيَجزي القِلى وَالصَدَّ بِالصَّدِّ وَالقِلى
خَليليَّ كُفّا عَن جِدالي فَإِنَّني / أَرى الرَأيَ كُلَّ الرَأيِ أَن أَتَرَحَّلا
فَقَد جاءَ في بَيتٍ مِنَ الشِعرِ سائِرٍ / لَنا مثلٌ مِن عالِمٍ قَد تَمَثَّلا
وَإِنَّ صَريحَ الحَزمِ وَالرَأيِ لِاِمرِئٍ / إِذا أَدرَكَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
فَكَيفَ بِنارٍ لا يَزالُ وَقودُها / حَديداً إِذا حُشَّت بِرِفقٍ وَجَندَلا
إِلى كَم أُداري بَينَ قَومي وَأَتَّقي / وَأَصدى فَأُسقى الماءَ صاباً وَحَنظَلا
بَلَوتُ صُروفَ الدَهرِ كَهلاً وَيافِعاً / فَما اِزدَدتُ عِلماً غَيرَ ما كانَ أَوَّلا
وَأَلقى صُروفَ الدَهرِ سِنَّ اِبنِ أَربَعٍ / فَتَحسَبُني الأَحداثُ عوداً مُذَلَّلا
كَذا الماجِدُ الأَحساب يَمضي وَما دَرَت / رُواةُ المَساعي أَيَّ عَصرَيهِ أَفضَلا
وَقَلَّبتُ هَذا الدَهرَ بَطناً وَظاهِراً / فَأَلقَيتُهُم ذِئباً وَهِرّاً وَتَنفُلا
وَما اِختَرتُ خِلّاً مِنهُمُ أَتَّقي بِهِ / زَمانِيَ إِلّا اِشتَقتُ أَن أَتَبَدَّلا
دَعَوتُ رِجالي مِن قَريبٍ فَخِلتُني / دَعَوتُ إِلى الجُلّى أَسيراً مُكَبَّلا
وَأَعلَنتُ في الحَيِّ البَعيدِ فَلم أَجِد / عَلَيهِم لِمثلي في الخُطوبِ مُعَوِّلا
وَمِن قَبلُ ما نادَيتُ في حَيِّ عامِرٍ / وَكُنتُ لِداعِيهِم إِذا الأَمرُ أَغفَلا
فَصُمَّت رِجالٌ عَن دُعائي وَأَحجَمَت / كَمِثلِ بُغاثِ الطَيرِ عايَنَ أَجدَلا
ولَو دِرهَمٌ يَوماً دَعاهُم لَأَقبَلَت / رِجالٌ وَخَيلٌ تَملأُ الجَوَّ قَسطَلا
كَذَلِكَ مَن يَبغي الوَضائِمَ لا يَني / يُضامُ وَيُسقى بِالكَبيرِ المُثَمِّلا
وَلا لَومَ في شاني عَلَيهِم لِأَنَّني / لَأَلوي بِهِ أَو أَجعَل الآلَ مَنهَلا
وَلَو أَنَّ مَن نادَيتُ مِن صُلبِ عامِرٍ / لَأَوضَعَ إِيضاعاً لِصَوتي وَأَرفَلا
وَلَكِنّ أَوباشاً لَعَمري تَجَمَّعَت / مَعَ اِبنِ عَلِيٍّ إِذ تَوَلّى وَأَجهَلا
نَفتهُم قَديماً بَكرَةً وَمُحارِبٌ / وَلَم يَجِدُوا في حَيِّ شَيبانَ مَدخَلا
وَلَو أَنَّ عِرقاً مِن رَبيعَةَ فيهِمُ / لَكانُوا عَلى الأَرحامِ أَحنا وَأَوصَلا
أَلا يا لَقومي هَل أَرى في جَنابِكُم / مُطاعاً لَدى الساداتِ مِنكُم مُبَجَّلا
وَهَل أُصبِحُ الأَعداءَ مِنكُم بِصَيلَمٍ / تُغادِرُ دارَ القَومِ رَبعاً مُعَطَّلا
أَيُصبِحُ حَظّي فيكُمُ وَهوَ ناقِصٌ / وَتَغدُو حُظوظُ الغَيرِ أَوفى وَأَكمَلا
وَيُكرَمُ أَقوامٌ مُعيدٌ أَبُوهُمُ / وَيُحرَمُ مَن يُدعى عَلِيّاً وَعَبدَلا
أَما وَأَبيكُم إِنَّها لَبَلِيَّةٌ / إِذا جالَ فيها فِكرُ مِثلي تَمَلمَلا
حِذاراً عَلى العَقدِ الَّذي عَقَدَت لَنا / أَوائِلُنا في العِزِّ أَن يَتَحَلَّلا
وَخَوفاً مِنَ الأَمرِ الَّذي يَشعَبُ العَصا / وَمَن خَذَل المَولى لَهُ كانَ أَخذَلا
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ عُصبَةٍ / إِذا قُلتُ عَنها أَدبَرَ الشَرُّ أَقبَلا
وَقَد شَرِقَت لِلغَبنِ عَيني بِمائِها / وَحُقَّ لِماءِ العَينِ أَن يَتَهَمَّلا
تَرى أَنَّ أَفعالَ اللَيالي الَّتي جَرى / لَنا شُومُها صارَت عَلى وَزنِ أَفعَلا
فَيا شِقَوتا ما لي أَرى كُلَّ ساعَةٍ / أُمُوراً مُحالاتٍ وَرَأياً مُضَلَّلا
وَما لي أَرى الساداتِ إِمّا مُشَرَّداً / بِأَرضِ الأَعادي أَو مَضيماً مُكَبَّلا
شَفى غَيظَهُ مِنّا المُعادي لَوِ اِشتَفى / وَحَرَّمَ فينا مِن قَريبٍ وَحَلَّلا
وَما نالَ مِنّا ذاكَ إِلّا لِأَنَّنا / جَعَلنا لَهُ دِرعاً وَرُمحاً وَمُنصَلا
وَمَن يُعطِ خَصماً دِرعَهُ وَحُسامَهُ / وَسابِقَهُ فَليَلبَسِ الذُلَّ مُشملا
وَمَن مَلَّكَ الأَعداءَ تَدبيرَ أَمرِهِ / فَذاكَ الَّذي يُدعى العَديمَ المُثَكَّلا
وَمَن رامَ طولَ العُمرِ بِالذُلِّ وَالغَبا / رَأى المَوتَ مَرأَىً عاجِلاً وَمُؤَجَّلا
وَمَن لَم تَكُن أَنصارُهُ مِن رِجالِهِ / أُخيفَ وَأَضحى بِالجناياتِ مُبسَلا
وَمَن لانَ يَوماً لِلعِدى هانَ وَاِصطَلى / عَلى الكُرهِ مِن نيرانِها شَرَّ مُصطَلى
وَمَن لَم يُقَدِّم لِلأُمورِ مُقَدَّماً / أَضاعَ وَأَبدى لِلمرامينَ مَقتَلا
فَآهٍ لِقَومي لَو أُطِعتُ لَدَيهِمُ / دَرَوا أَنَّ فيهِم حازِمَ الرَأيِ فَيصَلا
لَقَد كُنتُ لا أَرضى الدَنِيَّةَ فيهمُ / وَلا يَزدَهيني عَنهُمُ مَن تَمَحَّلا
وَلَكِن إِذا ما الأَمرُ حُمَّ اِنتِهاؤُهُ / أَقامَ مُقامَ الأَضبَطِ الوردِ خَيطَلا
وَأَقمَنُ شَيءٍ بِالهَلاكِ مَدينَةٌ / تُريكَ نَبِيهَ القَدرِ مَن كانَ أَخمَلا
فَيا رَبِّ لا صَبراً عَلى ذا وَلا بَقاً / فَسُق فَرَجاً أَو لا فَمَوتاً مُعَجَّلا
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي / أَلا ما لِأَحداثِ الزَمانِ وَما لي
يُفَجِّعنَني في كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ بي / بِأَنفَسٍ مالٍ أَو بِأَشرَفِ آلِ
أَرى الشَرَّ قُدّاماً وَخلفاً وَأَتَّقي / نِبالَ الأَذى عَن يَمنَةٍ وَشِمالِ
إِذا قُلتُ جَلّى بَعضُ هَمّي أَتَت لَهُ / نَوائِبُ أَمضى مِن حُدودِ نِصالِ
كَأَنَّ الرَزايا وَالمَنايا تَحالَفا / عَلى عَكسِ آمالي وَبَثِّ مَآلي
لَحى اللَهُ هَذا الدَهرَ كَم يَستَفِزُّني / لِخَوضِ بِحارٍ أَو لِشَقِّ جِبالِ
يُكَلِّفُني جَريَ الجَوادِ وَقَد لَوى / شِكالاً عَلى ساقَيَّ خَلفَ شِكالِ
وَقَد مَصَّ مُخَّ العَظمِ حَتّى إِزارهُ / وَبَدَّلَهُ مِن نِيِّهِ بِهُزالِ
وَهَل يَقطَعُ الشّكلَ الجَوادُ عَلى الوَنى / وَلَو جالَ في الآرِيِّ كُلَّ مَجالِ
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ خِلَّتي / وَأَمري وَحالِ الأَرذَلينَ وَحالي
أَلا لَيتَني قَد كُنتُ خِدناً مُخادِناً / لِخَيطِ نَعامٍ في الفَلا وَرِئالِ
وَلَم أَكُ عارَفتُ اللِئامَ وَلَم أَنُط / حِبالَ خَسيسٍ مِنهُمُ بِحِبالي
فَلَم أَرَ مِنهُم غَيرَ خِبٍّ يَمُدُّ لي / لِسانَ مُحِبٍّ مِن طَوِيَّةِ قالِ
لَهُ شِيمَةُ السَنَّورِ في لُطفِ خدعِهِ / وَلَكِنَّهُ في اللَمسِ حَيَّةُ ضالِ
إِذا جِئتُ فَدّاني وَأَبدى بَشاشَةً / وَلاحَظَني مِنهُ بِعَينِ جَلالِ
وَإِن غِبتُ أَدنى ساعَةٍ مِن لحاظِهِ / تَمَحَّلَ في غَيبي بِكُلِّ مِحالِ
إِلى اللَهِ أَشكُو مَنجَمي في مَعاشِرٍ / هُمُ شَرُّ ماضٍ في الزَمانِ وَتالِ
صَحِبتُهُمُ مُستَصفِياً فَوَجَدتُهُم / أَليمَ عَذابٍ في أَشَدِّ نِكالِ
إِذا قُلتُ حَلَّ الدَهرُ غِلَّ صُدُورِهِم / أَبَت سُوءُ أَخلاقٍ وَقُبحُ خِصالِ
ولا ذَنبَ لي إِلّا حِجىً وَبَراعَةٌ / وَمَجدٌ وَبَيتٌ في رَبيَعَةَ عالِ
وَمَيلي إِلى أَهلِ التَواضُعِ وَالعُلى / بِوُدّي وَبُغضي الأَسفَلَ المُتَعالي
وَمَعرِفَتي آباءَهُم وَجُدُودَهُم / وَرَفضي لِقيلٍ في الأَنامِ وَقالِ
لِعِلمي بِيَومٍ ما بِهِ ذُو نَدامَةٍ / يُرَدُّ وَلا ذُو عَثرَةٍ بِمُقالِ
وَلا السَيِّدُ الجَبّارُ فيهِ بِسَيِّدٍ / مُطاعٍ وَلا عالي الرَعاعِ بِعالِ
بِهِ الحُكمُ لِلّهِ الَّذي لا قَضاؤُهُ / بِحَيفٍ وَلا سُلطانُهُ بِمُزالِ
أُداريهمُ حَتّى كَأَنّي لَدَيهمُ / أَسيرُ طِعانٍ أَو أَسيرُ سُؤالِ
وَلَو شِئتُ قَد كُنتُ المُدارى لِأَنَّني / أَصُولُ بِأَيدٍ في الأَنامٍ طِوالِ
إِذا شِئتُ لَبّى دَعوَتي كُلُّ ماجِدٍ / يُعَدُّ لِيَومَي نائِلٍ وَنِزالِ
جِبالٌ إِذا طاشَت حُلومُ بَني الوَغى / رَواسٍ وَلَكِن في شُخوصِ رِجالِ
عَلى كُلِّ مَحبُوكِ القَرى شَنجِ النَسا / تَجِيءُ رِعالاً مِن وَراءِ رِعالِ
نِتاجُ اِبنِ حَلّابٍ وَقَيدٍ وَلاحِقٍ / وَغُلِّ المَذاكي كامِلٍ وَعُقالِ
بِها كم وَطِئنا مِن رِقابِ قَبيلَةٍ / وَحَيٍّ عَلى مَرِّ الزَمانِ حِلالِ
وَذُو الحُمقِ لَو نادى أَراهُ نِداؤُهُ / بَناتِ اِبنِ آوى في شُخوصِ سَعالي
تَجِيءُ بِآلاتٍ لَها مُستَعِدَّةً / لِحَصدِ غِلالٍ لا لِضَربِ قِلالِ
عَلى كُلِّ مَرقُومِ الذِراعَينِ يَنتَمي / لِأَلأَمِ عَمٍّ في الكِدادِ وَخالِ
تَشاحَجُ فيها آتُنٌ مُوجدِيَّةٌ / يَنُسنَ بِآذانٍ لَهُنَّ طِوالِ
لَنا كَدحُهُم في حَيثُ كانُوا وَكَدحُها / حَلالٌ مِن الباري وَغَيرُ حَلالِ
عَدِمتُ زَمانَ السُوءِ أَمّا بُزاتُهُ / فَعُطلٌ وَأَمّا بُومُهُ فَحوالِ
أَراهُ وَلُوعاً بِالكِرامِ يَلُسُّها / كَلَسِّ الكَلا مِن يَمنَةٍ وَشِمالِ
كَأَنَّ لَهُ ثَأراً عَلى كُلِّ ماجِدٍ / جَمالٍ لِأَهلِ الأَرضِ وَاِبنِ جَمالِ
فَقُل لِبَني الأَوباشِ مَهلاً فَإِنَّها / لَيالٍ وَتَأتي بَعدَهُنَّ لَيالِ
فَإِن رَقَدَت عَينُ الزَمانِ هُنَيئَةً / فَكَم يقظَةٍ مِنهُ أَتَت بِزَوالِ
فَلَولا أُفُولُ الشَمسِ لَم يَبنِ السُها / وَلَولا الدُجى ما لاحَ ضَوءُ ذُبالِ
فَلا تَطمَعِ الأَوباشُ فينا فَإِنَّنا / رَحاها وَما الأَوباشُ غَيرُ ثُفالِ
فَإِنَّ هُتَيماً لَو حَوَت مالَ هاشِمٍ / هُتَيمٌ فَلا يَغرُركَ طَيفُ خَيالِ
سَتَرجِعُ فيما عُوِّدت مِن حَميرِها / وَمِن خَرقِ أَشنانٍ وَخَصفِ نِعالِ
فَصَبراً قَليلاً سَوفَ تَجني غِراسَها / ثَمارَ بَلايا أَينَعَت وَوَبالِ
وَإِلّا فَلا عَزَّت مُلُوكُ بَني أَبي / وَلا خَطَرَ الفِعلُ الجَميلُ بِبالي
فَكُلٌّ لَهُ مِمّا قَضى اللَهُ عادَةٌ / سَتُدرِكُهُ لَو نالَ كُلَّ مَنالِ
فَسَوفَ تَرونَ الشَمسَ قَد غالَ نُورُها / نُجُوماً مُسَمّاةً وَبَدرِ كَمالِ
فَكَيفَ بِها مَخسُولَةً لَو تَساقَطَت / لَما عَدَلَت في الفَقدِ عُودَ خِلالِ
وَمَن عَوَّدَ اللَهُ الجَميلَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى بِجِدٍّ في العَشيرةِ عالِ
عَلى ذاكَ مِنّي شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ / يُبَيِّنُ لِلأَقوامِ صِدقَ مَقالي
وَآلُ بَني جَروانَ لَمّا رَمَتهُمُ / بِداءٍ عَلى غَيرِ الكِرامِ عُضالِ
أَرادَت عِداهُم نَيلَ ما كانَ مِن عُلىً / لَهُم يا لَقَومي مِن عَمىً وَضَلالِ
وَأَطمَعَهُم قَتلُ الرَئيسِ وَما جَرى / مِن اِخراجِ آلٍ وَاِستِباحَةِ مالِ
فَما رَبِحُوا غَيرَ العَناءِ وَإِن غَدَت / عُقُولُهُم تُدعى عُقُولَ سِخالِ
وَهَل عَمَلٌ أَغنى عَن المالِ أَو شَفى / حَرارَةَ ظَمآنٍ تَرَيّعُ آلِ
فَلم يَمضِ إِلّا الحَولُ ثُمَّ رَأَيتُهُم / عَلى رَغمِ شانِيهِم بِأَنعَمِ بالِ
يَلُوذُ مُعادِيهم بِهم وَهو خاضِعٌ / كَما تَخضَعُ الجُربُ العِجافُ لِطالِ
فَلَو أَنَّهُم شاؤُوا لأَضحَت مَنازِلٌ / تَمُرُّ بِها الأَيّامُ وَهيَ خَوالِ
وَلَكِنَّ حُسنَ العَفوِ مِنهُم سَجِيَّةٌ / إِذا ما عَفا وَالٍ وَعاقَبَ والِ
وَمِن حَقِّ بَيتٍ مِنهُ يُعزى اِبنُ عَبدَلٍ / دَوامُ عُلُوٍّ في أَتَمِّ كَمالِ
وَمَن يَلقَ إِبراهيمَ يلقَ اِبنَ تارَحٍ / أَخي العَزمِ في نسكٍ وَعَزمِ خِلالِ
وَيَلقَ اِبنَ يَعقُوبَ المُكَرَّمَ يُوسُفاً / نَبِيَّ الهُدى في عِفَّةٍ وَجَمالِ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُكَيزٍ وَعامِرٍ / بِأَعلى مَحَلٍّ مِن ذُرىً وَقِلالِ
فَيا بِأَبي أَخلاقُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَأَعذَبُ مِن صافي الثِّغابِ زلالِ
أَخٌ وَاِبنُ عَمٍّ حينَ أَدعُو وَوالِدٌ / شَقيقٌ وَخِلٌّ لا يَخُونُ وَكالي
كَفى ساكِنَ البَحرَينَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَناءَ بِأعباءٍ تكِدنَ ثِقالِ
فَلولاهُ لا زالَ الرَفيعَ عِمادُهُ / لَصال عَلَيها الدَهرُ كُلَّ مصالِ
فَدامَ لَهُ طُولُ البَقاءِ مُعَظَّماً / لِعَقرِ مَتالٍ أَو لِمَنعِ نَوالِ
وَلا زالَ يَعلُو في السَعادَةِ جَدُّهُ / وَيَنمى بَلا نَقصٍ بِماءِ هِلالِ
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي / إِنَّ الفَتى لَم يَزَل كَلّاً عَلى الإِبِلِ
وَسائِلي وارِدَ الرُكبانِ عَن خَبَري / يُنبيكِ أَنّيَ عَينُ الماجِدِ البَطَلِ
لا أَشرَبُ الماءَ ما لَم يَصفُ مَورِدُهُ / وَلا أَقولُ لِمُعوَجِّ الوِصالِ صِلِ
تُكَلِّفِيني مُقاماً بَينَ أَظهُرِكُم / وَلَيسَ يَبدُو فِرِندُ السَيفِ في الخِلَلِ
ما دامَتِ البيضُ في الأَجفانِ مُغمَدَةً / فَما يَبينُ لَها في الهامِ مِن عَمَلِ
وَفي التَنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وَعُلاً / لَم يَكمُلِ البَدرُ لَولا كَثرَةُ النَقلِ
وَالمَندَلُ الرَطبُ في أَوطانِهِ حَطَبٌ / وَقَد يُقوَّمُ في الأَسفارِ بِالجُملِ
داوَيتُكُم جاهِداً لَو أَنَّ داءَكُمُ / مِمّا يُداوى بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَكُلَّما زادَ نُصحي زادَ غَيُّكُمُ / لا بارَكَ اللَهُ في وُدٍّ عَلى دَخَلِ
أَسَأتمُ وَظَنَنتُم لا أَباً لَكُمُ / أَن لا أُحِسَّ بِطَعمِ الصابِ في العَسَلِ
إِن أَترُكِ العَودَ في أَمرِ اِغتِنائِكُمُ / فَنَهلَةُ الطَرفِ مَجزاةٌ عَنِ العَلَلِ
كَم قَد غَرَستُ مِنَ الإحسانِ عِندَكُمُ / لَو يُثمِرُ الغَرسُ في صَفواءَ مِن جَبَلِ
لا تَحسَبُوا أَنَّ بُعدَ الدارِ أَوحَشَني / البُعدَ آنَسُ مِن قُربٍ عَلى دَغَلِ
لَقَد تَبَدَّلتُ مِنكُم خَيرَ ما بَدَلٍ / فَاِستَبدِلُوا الآنَ مِنّي شَرَّ ما بَدَلِ
شَرُّ الأَخِلّاءِ مَن تَسري عَقارِبُهُ / لا خَيرَ في آدِمٍ يُطوى عَلى نَغلِ
لا تَنقِمُونَ عَلى مَن لا يَبيتُ لَكُم / مِنهُ سَوامٌ وَلا عِرضٌ عَلى وَجَلِ
يُزانُ ناديكُمُ يَومَ الخِصامِ بِهِ / كَما تُزانُ بُيُوتُ الشِعرِ بِالمَثَلِ
إِذا خَطِيبُكُم أَكدَت بَلاغَتُهُ / أَجابَ عَنهُ فَلَم يُقصِر وَلَم يُطِلِ
أَثرى زَماناً فَلَم يَذمُمهُ سائِلُهُ / وَقَلَّ مالاً فَلَم يَضرَع وَلَم يَسَلِ
يَكسُوكُمُ كُلَّ يَومٍ مِن مَحاسِنِهِ / وَمَجدِهِ حُلَلاً أَبهى مِنَ الحُلَلِ
وَلَم يَزَل هَمُّهُ تَشييدَ مَجدِكُمُ / يَوَدُّ لَو أَنَّهُ أَوفى عَلى زُحَلِ
يُهينُ في وُدِّكُم مَن لا يَوَدُّ لَهُ / هُوناً وَيُكرِمُ فيهِ عِلَّةَ العِلَلِ
إِن قُلتُمُ الخَيرَ يَوماً قالَ مُبتَجِحاً / عَنكُم وَإِن قُلتُمُ العَوراءَ لَم يَقُلِ
ما ضَرَّكُم لَو وَفَيتُم فَالكَريمُ إِذا / حالَ اللَئيمُ وَفى طَبعاً وَلَم يَحلِ
أَلَستُ أَوفاكُمُ عَهداً وَأَحلَمُكُم / عَقداً وَأَقوَمُكُم بِالفَرضِ وَالنَفَلِ
أَلَيسَ بَيتُكُم في العِزِّ مَركَزُهُ / بَيتي فَما كانَ مِن فَخرٍ فَمِن قبلي
أَلَستُ أَطوَلَكُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ / باعاً وَأَحملَكُم لِلحادِثِ الجَلَلِ
كَم يَنفُقُ الغِشُّ فِيكُم وَالنِفاقُ وَكَم / لا تَرغَبُونَ إِلى نُصحٍ ولا عَذَلِ
إِن يُمسِ مَقتُكُمُ حَظّي فَحُقَّ لَكُم / الوَردُ مِن قُربِهِ يُغمى عَلى الجُعَلِ
وَإِن عَكَفتُم عَلى من لا خَلاقَ لَهُ / دُوني فَقَد عَكَفَت قَومٌ عَلى هُبَلِ
أَمَّلتُ دَفعَ مُلِمّاتِ الخُطوبِ بِكُم / فَآهِ واشَقوتا مِن خَيبَةِ الأَمَلِ
وَكُنتُ أَحسَبُكُم مِمَّن تَقرُّ بِهِ / عَيني فَأَلفَيتُكم مِن سُخنَةِ المُقَلِ
إِن يَخفَ ما بَينَكم فَضلي فَلا عَجَبٌ / لا يَستَطيعُ شُعاعَ الشَمسِ ذُو السَبَلِ
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَنباءُ ما بَرِحَت / تُسايِرُ الريحَ بِالأَسحارِ وَالأُصُلِ
هَل جاءَ قَومي وَأَخداني الَّذينَ هُمُ / إِن أُرمَ مِن قِبَلِ الرامينَ لا قِبلي
بِأَنَّني لَم أَرِد وِرداً أُعابُ بِهِ / وَلَم أَقِف ذاتَ يَومٍ مَوقِفَ الخَجَلِ
كَسَوتُ قَومِيَ وَالبَحرَين ثَوبَ عُلاً / يَبقى جَديداً بَقاءَ الحُوتِ وَالحَملِ
لَقَد تَقَدَّمتُ سَبقاً مَن تَقَدَّمَني / سِنّاً وَأَدرَكَ شَأوي فارِطَ الأوَلِ
بِذاكَ قُدوَةُ أَهلِ العِلمِ قاطِبَةً / أَبو البَقاءِ مُحِبُّ الدَينِ يَشهَدُ لي
هُوَ الإِمامُ الَّذي كُلٌّ لَهُ تَبَعٌ / مِن كُلِّ حافٍ عَلى الدُنيا وَمُنتَعِلِ
فَما الخَليلُ لَهُ مِثلٌ يُقاسُ بِهِ / وَهَل يُقايَسُ بَينَ البَحرِ والوَشَلِ
وَبَعضِ غُلمانِهِ يَكفي فَكَيفَ بِهِ / مُهَذَّباً لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
وَلَم يَقُل وَحدَهُ ما قالَ بَل شَهدَت / بِهِ الأَفاضِلُ مِن بَغدادَ عَن كَمَلِ
وَلَيسَ في الشِعرِ مِن فَضلٍ يَطُولُ بِهِ / مِثلي وَلَو فاقَ أَعلى سَبعِها الطُوَلِ
بَل فَضلُ مِثلِيَ أَن يَسمُو بِهِمَّتِهِ / عَن مَدحِ فَدمٍ عَن العَلياءِ في شُغُلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ / نَم في جِوارِ الهُمامِ السَيِّدِ البَطَلِ
وَلا تَرُعكَ خَيالاتٌ تَمُرُّ بِها / كانَت تَرُوعُكَ في أَيّامِكَ الأُولِ
فَقَد كَفاكَ مُقاساةَ الأَذى مَلكٌ / مُتَوَّجٌ بَينَ فَضلِ ذِي النَدى وَعَلي
وَيا أَخا المالِ لا تَوجَل وَباهِ بِهِ / في الناسِ وَاِقطَع عُرى مَن شِئتَ أَو فَصلِ
فَقد تَرى دَولَةَ الساداتِ قَد خَفَقَت / أَعلامُها وَتَوَلَّت دَولَةُ الخوَلِ
وَاِبعَث إِلى المُدنِ بِالبُشرى مُخَبِّرَةً / بِمُلكِ أَروَعَ لا عِيٍّ وَلا وَكِلِ
كَيما تَعُودَ إِلى الأَوطانِ آيِبَةً / قَومٌ رَأَوا قَبلُ فيها خَيبَةَ الأَمَلِ
جَلاهُمُ الضَيمُ عَنها فَاِغتَدَوا هَرَباً / مِن غَيرِ ما بغضَةٍ مِنهُم وَلا مَلَلِ
في أَرضِ فارِسَ لا يُحصى عَديدُهُمُ / وَفي العِراقَينِ مِلءُ السَهلِ وَالجَبَلِ
مُذَبذَبينَ عَن الأَوطانِ كُلّهمُ / مِن شِدَّةِ الشَوقِ وَالتِذكارِ في شُغُلِ
وَمَن أَقامَ بِها قامَت قِيامَتُهُ / وَعايَنَ النارَ مِن خَلفٍ وَمِن قُبُلِ
وَجاءَهُ كُلَّ يَومٍ مَن يُحاسِبُهُ / مِن غَيرِ فَرضٍ يُؤَدِّيهِ وَلا نَفَلِ
يَبيتُ آمِنُهُم مِمّا يُكابِدُهُ / فَوقَ الحَشِيَّةِ مِثلَ الشارِبِ الثَمِلِ
وَلَيسَ يَأمَنُ إِلّا مَن أُذَمُّ لَهُ / عَبدٌ نَشا مِن نِتاجِ الزِّنجِ كَالعَجَلِ
أَو خَلفُ سُوءٍ مِنَ الأَعرابِ هِمَّتُهُ / ما أَسخَطَ اللَهَ مِن قَولٍ وَمِن عَمَلِ
يا هاجِرَ الدارِ مِن خَوفٍ هَلُمَّ فَقَد / نادى بِكَ الأَمنُ أَن أَقدِم عَلى عَجَلِ
وَلا تَخَف فَالَّذي قَد كُنتَ تَعهَدُهُ / أَزالَهُ سَيِّدُ الأَملاكِ مُنذُ وَلي
أَبُو سِنانٍ حَليفُ المَكرُماتِ وَمَن / أَنافَ سُؤدُدُهُ السامي عَلى زُحَلِ
مُحيي البِلادِ وَقَد أَشفَت عَلى جُرُفٍ / هارٍ وَمانِعُها بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَباعِثُ العَدلِ حَيّاً بَعدَما صَرَخَت / وَأَعلَنَت أُمُّهُ بِالوَيلِ وَالثَكَلِ
لَو عادَ وَالِدُهُ حَيّاً وَخاصَمَهُ / مُستَضعَفٌ لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
كَم رَدَّ مَظلَمَةً قَد ماتَ ظالِمُها / وَلَم يُناقِش ذَوي الدَعوى وَلَم يَسَلِ
وَكَم يَدٍ في الأَذى وَالظُلمِ قَد بَسَطَت / كَفّاً فَبَدَّلَها مِن بَعدُ بِالشَلَلِ
هَذا وَكَم عَبدِ سُوءٍ كانَ هِمَّتُهُ / حَملَ النَمائِمِ وَالبُهتانِ وَالنَغَلِ
أَراحَ مِنهُ قُلوبَ المُسلِمينَ وَلَم / يَصحَب وَبَدَّلَهُ نِكلاً مِن النَكَلِ
وَكَم نَدِيِّ ضَلالٍ كانَ ذا لجَبٍ / سَطا فَأَخرَسَهُ عَن قَولِ لا وَهَلِ
أَحمى مِنَ المَرءِ جَسّاسِ بنِ مُرَّة إِذ / أَردى كُلَيباً بِعَزمٍ غَيرِ ذي فَشَلِ
لَم يَقبلِ العارَ في ضَيمِ النَزيلِ وَلَم / يَقنَع بِنَقصٍ وَلا يَحتَجُّ بِالعِلَلِ
أَحنى وَأَعدَلُ مِن كِسرى غَداةَ رَمى / بِالسَهمِ قَلبَ اِبنِهِ في الحَقِّ لَم يُبَلِ
وَلَيسَ يَعدِلُهُ الطائيُّ في كَرَمٍ / يَوماً وَكَيفَ يُقاسُ البَحرُ بِالوَشَلِ
وَأَينَ مِنهُ كُلَيبٌ في النِزالِ إِذا / عَضَّت حُدودُ السُرَيجِيّاتِ بِالقُلَلِ
سَل عَنهُ يَومَ أَغارَت في كَتائِبِها / خَيلُ القَطيفِ مِنَ القَرحا إِلى الجَبَلِ
يَحُثُّها مِن عُقَيلٍ كُلُّ ذي أَشَرٍ / مَولى فَوارِسَ لا ميلٍ وَلا عُزَلِ
أَعطى أَسِنَّتَهُم نَحرَ الجَوادِ وَلَم / يَسمَح لَهُم في مَجالِ الطَعنِ بِالكَفَلِ
حَتّى حَمى خَيلَهُ غَصباً وَساعَدَهُ / قَلبٌ جَرِيءٌ وَرَأيٌ غَيرُ ذي خَطَلِ
ثُمَّ اِنثَنى راجِعاً وَالنَصرُ صاحِبُهُ / يَمشي بِهِ المُهرُ مُختالاً عَلى مَهلِ
كَم مِن أَخي كُربَةٍ أَحيا بِصارِمِهِ / وَكَم أَماتَ بِهِ مِن ثائِرٍ بَطَلِ
وَكَم ظَلامِ وَغَىً جَلّى غَياهِبَهُ / مِن بَعدِ أَن صارَ وَقتُ الظُهرِ كَالطَفَلِ
يا طِيبَ أَيّامِهِ يا حُسنَ دَولَتِهِ / لَقَد أَبَرَّت عَلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
فَلَيتَ أَنّهُما داما وَدامَ وَلَم / يَكُن لَهُم أَبَدَ الأَيّامِ مِن دُولِ
لَولا الرَجاءُ الَّذي كُنّا نُؤَمِّلُهُ / فيها لَمُتنا بِغِلِّ النَفسِ عَن كملِ
لَكِن تحاتي حُشاشاتُ النُفوسِ إِذا / كادَت تَقضّى بِقَولٍ فيهِ مُتَّصِلِ
بِأَنَّهُ الثائِرُ المَنصُورُ يسنِدُهُ / عَن الرُواةِ عَن الأَبدالِ وَالرُسُلِ
بِهِ أَنارَت قُرى البَحرَينِ وَاِبتَهَجَت / بِقاعُها وَتَسَمَّت قُرَّةَ المُقَلِ
وَأَصبَحَت بَعدَ ثَوبِ الذُلِّ قَد لَبِسَت / ثَوباً مِنَ العِزِّ ذا وَشيٍ وَذا خَمَلِ
وَراحَ من حَلّها في رَأسِ شاهِقَةٍ / لَو رامَهَا الأَسوَدُ النَعّابُ لَم يَصِلِ
لَو حَلَّها آدَمٌ مِن بَعدِ جَنَّتِهِ / لَم يَبغ عَنها إِلى الفِردَوسِ مِن حِوَلِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادُوا مَمالِكَهُم / بِالمَشرَفِيّاتِ لا بِالمَكرِ وَالحِيَلِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهِيمَ كُلُّ فَتىً / مُنَزَّهِ العِرضِ مِن غِشٍّ وَمِن دَغَلِ
قَومٌ هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / وَفي وَفاءٍ وَفي حِلٍّ وَمُرتَحَلِ
يُمضُونَ في الناسِ ما قَالُوا وَغَيرُهُم / إِن أَنكَرُوا مِنهُ بَعضَ القَولِ لَم يَقُلِ
في كُلِّ حَيٍّ تَرى إِلّا أَقَلَّهُم / بَيتاً وَمَفخَرُ ذاكَ البَيتِ في رَجُلِ
وَأَنتُمُ مَعشَرٌ لَو رامَ طِفلُكُمُ / نَيلَ السَماءِ لَصَكَّ الحوتَ بِالحَملِ
مَن ذا يُعَدُّ كَعَبدِ اللَهِ جَدِّكُمُ / جَدّاً وَيَدعُو فَتىً كَالفَضلِ أَو كَعلي
وَمَن يُسامي أَبا المَنصُورِ وَالِدَكُم / فَخراً وَأَينَ الثَرى مِن مَعقَلِ الوَعلِ
وَمَن كَمِثلِ بَنيهِ يَومَ عادِيَةٍ / يَمشي الكُماةُ إِلَيها مِشيَةَ الوَجَلِ
وَفي أَبي مِسعَرٍ فَخرٌ تُقِرُّ بِهِ / كُلُّ القَبائِلِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلِ
وَأَينَ مِثلُ بَني الفَضلِ الَّذينَ إِذا / سُئِلُوا أَنالُوا بِلا مَطلٍ وَلا مَذلِ
وَلَو ذَكَرتُ مُلوكاً مِن أُبُوَّتِكُم / مَضَوا تَرَكتُ مُلوكَ الأَرضِ في خَجَلِ
لَكِن رَأَيتُ اِمتِداحيكُم بِسالفِكُم / في الجاهِلِيَّةِ نَفسُ العيِّ وَالخَطَلِ
لِأَنَّ مَن قَد رَأَينا مِن أَماجِدِكُم / بِبَعضِهِم يَكتَفي السامي عَلى الأُوَلِ
وَأَنتَ يابا سِنانٍ مِنهُمُ خَلَفٌ / وَذَلِكَ النُبلُ مِن آبائِكَ النّبلِ
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَغَدَت / أُمُّ العِدى بِكَ أُمّ الوَيلِ وَالهَبَلِ
وَعاشَ أَبناؤُكَ الغُرُّ الَّذينَ هُمُ / في الجُودِ وَالبَأسِ فينا غايَةُ الأَمَلِ
فَفي حَياتِكُمُ صَفوُ الحَياةِ لَنا / بِغَيرِ شَكٍّ وَطيبُ اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيامِ حاسِدُكُم / وَإِن يَعِش فَبِذُلٍّ غَيرِ مُنتَقِلِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ / بَدرٌ وَبَحرٌ وَثُعبانٌ وَرئبالُ
لا تَحلِفَنَّ بِقَولِ المُرجِفينَ وَما / قَد زَخرَفُوا فَعَلى ذا الوَضعِ ما زالُوا
فَقَد عَهِدتُكَ طَوداً ما تُزَعزِعُهُ / نَكباءُ عادٍ فكَيفَ القِيلُ وَالقالُ
مَن ذا يَهُمُّ بِغابٍ أَنتَ ضيغمُهُ / وَحَولَكَ الأُسدُ في الماذِيِّ تَختالُ
قَد كُنتَ وَحدَكَ لا جُندٌ وَلا عَدَدٌ / وَقَد أَتَوكَ فَقُل لي ما الَّذي نالُوا
هَل غَيرُ إحراقِ غَلّاتٍ وَقَد شَقِيَت / بِهِم عَجائِزُ هِمّاتٌ وَأَطفالُ
وَكُلُّ ذا لَيسَ يُشفى غَيظَ ذي حَنَقٍ / وَكَيفَ يَشفي غَليلَ الحائِمِ الآلُ
وَأَنتَ لَو شِئتَ أَضحَت كُلُّ ناحِيَةٍ / مِن أَرضِهِم وَبِها نَوحٌ وَإِعوالُ
لَكِن أَبى لَكَ حِلمٌ راسِخٌ وَتُقىً / ما لا تَوَهَّمهُ غَوغاءُ جُهّالُ
وَأَنتَ تَعلَمُ لازِلتَ المَنيعَ حِمىً / أَنَّ الشَدائِدَ لِلساداتِ غِربالُ
قَد أَحسَنَ المُتَنَبّي إِذ يَقولُ وَما / زالَت لَهُ حِكَمٌ تُروى وَأَمثالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيّدٌ فَطِنٌ / لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
وَأَنتَ ذاكَ الَّذي نَعني فَلا اِنقَطَعَت / إِلى القِيامَةِ لِلراجيكَ آمالُ
وَسُرَّ وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَمِّ فَقَد / وَافاكَ يَصحَبُهُ نَصرٌ وَإِقبالُ
وَاِسلَم وَدُم في نَعيمٍ شامِلٍ وَعُلاً / ما دامَ لِلعَيشِ بِالوَعساءِ إِرقالُ