المجموع : 92
يا صاحِ هذا العَجَبُ
يا صاحِ هذا العَجَبُ / لِكُلِّ أَمرٍ سَبَبُ
أَهلُ سُلَيمى غَضِبُوا / فِيمَ تَراهُم عَتَبُوا
لَم نَأتِ سُخطاً لَهُمُ / وَلا لَدَينا قُصِبُوا
قَد بَعَثُوا رَسُولُهم / فَنَقَّبُوا وَطَلَبُوا
كَي يَجِدُوا ذَنباً لَنا / وَكُلَّ أَرضٍ ضَرَبُوا
ما تَسكُنُ العُجمُ وَما / تَسكُنُ فيهِ العَرَبُ
وَإِنَّما صرمي لِغَي / ظِي وَبُعادِي قَرَّبُوا
إِذ رَكِبُوا فيما أُرى / مِن حالِهِم ما رَكِبُوا
ما زالَ واشٍ مَعَهُم / يَكذِبُ حَتّى اِنشَعَبُوا
عُلَيُّ قَد يَشعَبُ ذا / الوَجدِ المُحِبِّ الكَذِبُ
يا لَيتَ أَهلِينا طَرِي / قاً لَم يَكُونوا اِصطَحَبُوا
إِذ وَرَّثُوني كَمَداً / فَالقَلبُ مِنّي يَضرِبُ
بَل لَيتَ شِعري وَالفَتى / لِحينِهِ مُجتَلَبُ
هَل يَقتُلُ المَرءَ رَخِي / مٌ دَلُّهُ مُختَضِبُ
رَحصٌ غَضِيضُ الطَرفِ لا / تُكشَفُ عَنهُ الحُجُبُ
كَالغُصنِ أَعلاهُ وَرا / بٍ ما تُوارى النُقُبُ
يُديرُ عَيني جُؤذَرٍ / يَحنُو عَلَيهِ رَبرَبُ
جِيدُ غَزالٍ جِيدُهُ / وَالثَغرُ مِنهُ أَشنَبُ
كَأَنَّما رِيقَتُهُ / مِسكٌ عَلَيهِ ضَرَبُ
شِيبَ بِهِ مِن قُنَّةٍ / ماءٌ زلالٌ قَعِبُ
أَسجَرُ قَد باتَ عَلَي / هِ مِن سَحابٍ ضَرِبُ
لَم تَرَهُ الشَمسُ وَلَم / يَعتِك عَلَيهِ الطُحلَبُ
لَهُ مَعَ النَعتِ الَّذي / أَنعَتُ لَونٌ مُشرَبُ
كَوَرَقِ المَصحَفِ قَد / أُجرى عَلَيهِ الذَهَبُ
إِنّي زائِرٌ ظَبياً
إِنّي زائِرٌ ظَبياً / بِخَوعي فَمُحَيِّيهِ
غَزالاً شَفَّهُ هَمٌّ / لِأَنّي لَستُ آتِيهِ
وَقَد خِفتُ بِأَن أَحمِ / لَ ذَنباً مُوبِقاً فيهِ
لِأَني كُلَّما أَرسَ / لَ أَن إِيتِ أُمَنِّيهِ
وَلا وَاللَهِ ما بِي بُغ / ضُهُ يا صاحِ أُخفِيهِ
وَالايَكُ يَعنِيني الَّ / ذي مِن ذاكَ يَعنيهِ
وَلَكنّي صَبَرتُ النَف / سَ عَنهُ كَي أُبَرِّيهِ
مِنَ القَولِ الَّذي قَد قا / لَ واشٍ ظالِمٌ فيهِ
أَحَبُّ الناسِ إِنساناً / إِلَينا هُوَ يُرضِيهِ
عَلى ما كانَ مِن بَأوٍ / وَمِن زَهوٍ وَمِن تِيهِ
لَهُ مِن فاضِلِ الحُسنِ الَّ / ذي ما النَعتُ مُحصِيهِ
وَخُلقٌ تَمَّ لَم يَجفُ / وَشَرُّ الخُلقِ جافِيهِ
كَمِثل الغُصنِ إِن قامَ / مِنَ البابِ تُكَفِّيهِ
جُنُوبٌ مِثلَ ما حَرَّ / كَ فَرعَ الغُصنِ جانِيهِ
كَأَنَّ المِسكَ وَالعَنبَ / رَ وَالكافُورَ في فيهِ
وَذَوبَ الشُهد وَالراحِ / يُصَفِّيهِ مُصَفِّيهِ
بِصَوبِ البارِقِ الأَسحَ / مِ أَدنَتهُ سَواقِيهِ
إِلى قَلتٍ بِشاهِقَةٍ / مِنَ الوُرّادِ يَحوِيهِ
إِذا ما هُوَ قَفّى أَوَّ / لَ النَجمِ تَواليهِ
وَلَم يَخشَ مِنَ الحَيِّ الَّ / ذي يَطرُقُ كالِيهِ
أَعاذِلَيَّ أَما لِلَومِ تَغِييرُ
أَعاذِلَيَّ أَما لِلَومِ تَغِييرُ / لا تَعذَلاني فَإِنّي اليَومَ مَعذُورُ
إِذ غابَ عَقلي وَلَم يُترَك لِجُثَّتِهِ / رُوحٌ فَهَل رُوحُ مَن قَد ماتَ مَنشُورُ
أَلقَلبُ رَهنٌ لَدى أَسماءَ مَأسُورُ / قَد أَوثَقَتهُ فَلُبُّ القَلبِ مَقمُورُ
مِن نَظرَةٍ غَشِيَتني إِذ رَفَعتُ لَها / طَرفي وَما شَعَرَت جِدّاً سَمادِيرُ
إِلّا التِماحاً وَبَعضُ الوَجهِ مُنكَشِفٌ / وَالبُردُ دُوني عَلى أَسماءَ مَستُورُ
أَبصَرتُ وَجهاً لَها في جِيدِهِ تَلَعٌ / تَحتَ العُقُودِ وَفي القُرطَينِ تَشمِيرُ
وَجهٌ تَحَيَّرَ مِنهُ الماءُ في بَشَرٍ / صافٍ لَهُ حِينَ أَبدَتهُ لَنا نُورُ
مُبَطَّنٌ بِبَياضٍ كادَ يَقهَرُهُ / قَهرَ الدُجى مِن صَديعِ الفَجرِ مَشهُورُ
وَما تَراءَت لَنا عَمداً وَما شَعَرَت / لَكِن جَلَتها لَنا تِلكَ الأَخادِيرُ
مِن حَيثُما عَلِمَت أَسماءُ أُبصِرُها / إِنَّ العُيونَ تَرى مَن دُونَهُ السُورُ
كَأَنَّما فَوقَهُ وَالحَليُ مُبتَهِجٌ / جَمرٌ بِظَلماءَ فَوقَ الحَبيبِ مَنشُورُ
تَرُودُ فيهِ قُطوفٌ مَشيُها أُصُلاً / كَما يَرُودُ قَطُوفُ المَشي مَحسُورُ
غَرثى الوِشاحِ وَرابٍ ما أَحاطَ بِهِ / مِنها الأَزارُ وَما في الحِجلِ مَمكُورُ
يَصيحُ في صَفحِ مَتنَيها لَهُ قَرَشٌ / كَما تَصَيَّحُ في العَذقِ العَصافِيرُ
بِهنانَةٌ خُلِقَت أُنثى مُؤَنَّثَةً / إِذ في الكَثيرِ مِنَ النِسوانِ تَذكيرُ
كَأَنَّها إِذ تَكَفّى في تَأَوُّدِها / غُصنٌ يُراحُ عَلى عَلياءِ مَمَطُورُ
مِن بانَةٍ طُلَّ أَعلاهُ فَمالَ بِهِ / كَأَنَّهُ لانحِدارِ الماءِ مَهصُورُ
لا القَولُ مِنها إِذا راجَعتها هَذِرٌ / وَلا عَيِيٌّ بِرَجعِ القَولِ مَنزُورُ
نِعمَ اللِحافُ بَلَيلٍ بارِدٍ شَبِمٍ / يَأوي إِلى كِنِّهِ بِاللَيلِ مَقرُورُ
في طِيبِ رَيّا وَرِيقٍ حِينَ تَطرُقُها / وَقَد دَنا مِن نُجُومِ اللَيلِ تَغويرُ
وَما خَبَرتُ الَّذي فيها فَأذكره / لَكِن أَتَتني بِما فيهِ الأَخابيرُ
فَجِئتُ قَسراً وَما نَفسِي بِناجِيَةٍ / إِذا دَعاها إِلى حينٍ مقاديرُ
لَقَد أَرسَلَت في السِرِّ لَيلى تَلُومُني
لَقَد أَرسَلَت في السِرِّ لَيلى تَلُومُني / وَتَزعُمُني ذامَلَّةٍ طَرِفاً جَلدا
تَقُولُ لَقَد أَخلَفتَنا ما وَعَدتَنا / وَوَاللَهِ ما أَخلَفتُها طائِعاً وَعدا
فَقُلتُ مَرُوعاً لِلرَسُولِ الَّذي أَتى / تُراهُ لَكَ الوَيلاتُ مِن نَفسِها جِدّا
إِذا جِئتَها فَاقرى السَلام وَقُل لَها / دَعي الجَورَ لَيلى وَاِنهِجي مِنهجاً قَصدا
تعُدّينَ ذَنباً أَنتِ قَبلي جَنَيتِهِ / عَلَيَّ وَلا أُحصِي ذُنُوبَكُمُ عَدّا
أَفي غَيبَتي عَنكُم لَيالي مَرَضتُها / تَزِيدينَني لَيلى عَلى مَرَضي جَهدا
تَجاهَلُ ما قَد كانَ لَيلى كَأَنَّما / أُقاسي بِهِ مِن حَرَّةٍ حَجَراً صَلدا
غَداً يَكثُرُ الباكُونَ مِنّا وَمِنكُمُ / وَتَزدادُ داري مِن دِيارِكُمُ بُعدا
فَإِن شِئتِ أَحرَمتُ النِساءَ سِواكُمُ / وَإِن شِئتِ لَم أَطعَم نُقاخاً وَلا بَردا
وَإِن تَغفِري مازَلَّ مِنّي وَتَصفَحي / فَقَد هَدَّ عَظمي قَبلَها حُبُّكُم هَدّا
وَإِن تَصرِمِيني لا أَرَ الدَهرَ لَذَّةً / لِشَيءٍ وَلَن أَلقى سُروراً وَلا سَعدا
وَإِنشِئتِ غُرنا مَعكُمُ حَيثُ غُرتُمُ / بِمَكَّةَ حَتّى تَجلِسُوا قابِلاً نَجدا
لِكَي تَعلَمي أَنّي أَشَدُّ صَبابَةً / وَأَحسَنُ عِندَ البَينِ مِن غَيرِنا عَهدا
تَقَطَّعَ إِلّا بِالكِتابِ عِتابُكُم / سِوى ذِكرٍ لا أَستَطيعُ لَها رَدّا
فَقالَت وَأَذرَت دَمعَها لا بَعِدتُمُ / فَعَزَّ عَلَينا أَن نَرى لَكُمُ بُعدا
أَقُولُ غَداةَ استَقَلَّ الجَمِي
أَقُولُ غَداةَ استَقَلَّ الجَمِي / عُ وَالعَينُ مِن بَينِهِم تَسفَحُ
كَدَفعِ دَوالِجَ مِن أُكرَةٍ / مَواهِبَ جَمٌّ لَها المَنضَحُ
أُكَفكِفُها جاهِداً عَنهُمُ / وَتَغلِبُ صَبري فَما تَنشَحُ
إِذا نَقَصَ الحَزنُ مِن مائِها / غَطا مَدُّ جَيّاشِهِ يَطفَحُ
لِقَلبٍ بِهِ قَرحَةٌ مِنهُمُ / أَلا إِنَّهُم رُبَّما أَقرَحُوا
أَتَصبِرُ لِلبَينِ أَم تَنتَحي / لِسَلمى فَذاكَ إِذَن أَروَحُ
عَلَيكَ فَإِن يُصبِحُوا أَفسَدُوا / مِنَ امرِكَ ما قَبلَهُ أَصلَحُوا
فَلَلصَّبرُ عِندَ اِنفِتالِ الزَما / نِ بِالمَرءِ فيما رَجا أَنجَحُ
مِنَ الآن فَاترُك طِلاب الَّذي / تَوَلّى مِنَ الأَمرِ إِذ أَصبَحُوا
أَطاعُوا بِهِجرانِكَ الكاشِحينَ / وَقِدماً أُطِيعَ بِكَ الكُشَّحُ
وَلا تَبتَئِس بِهِمُ أَن جَرى / عَدُوٌّ بِأَمرٍ فَلَم يَسجَحُوا
فَسَوفَ إِذا فَكَّروا يَعلَمُونَ / أَجَيبُكَ أَم جَيبُهُ أَنصَحُ
وَمَن هُوَ في قَولِهِ صادِقٌ / وَمَن أَمرُهُ مُبرَمٌ مُوجَحُ
فَكادَ لِمَوعِظَتي يَرعوى / عَنِ الجَهلِ وَالمُرعِوي المُفلِحُ
فَأَدركَهُ مِن هَوى تُكتَمٍ / عَقابِيلُ أَهوَنُها يَجرَحُ
فَأَودى بِهِ وَثَوَت جُثَّةٌ / وَعَينٌ بِطَرفٍ لَها تَطرَحُ
حِذارَ نَوى وَليِهم أَن نَأوا / وَمَن سَكَنُوا وَليَهُم أَنزَحُ
كَأَنَّ حُمُولَهُمُ إِذ غَدَوا / نَخيلٌ عَلى نُهُرٍ دُلَّحُ
مِنَ الوُقرِ في وَطَنٍ ما بِهِ / قِفافُ سِباخٍ وَلا أَبطَحُ
تَسِيخُ العُرُوقُ بِها وَالفُرُو / عُ في الجَوِّ رانِيَةٌ تَطمَحُ
إِذا ذَكرَ النَخلَ أَربابُها / وَقالوا مُبَكِّرُها المُبلِحُ
تَعَجَّلَ عَن جَريةِ الماذِيانِ / فَنَوَّرَ أَو بَعضُهُ المُشقِحُ
يَرى السائِمُونَ إِذا ما اِشتَرى / جَناها امرُؤٌ أَنَّهُ يَربَحُ
تِلكَ عِرسِي تَلُومُني في التَصابي
تِلكَ عِرسِي تَلُومُني في التَصابي / مَلَّ سَمعي وَما تَمَلُّ عِتابي
أَهجَرَت في المَلامِ تَزعمُ أَنّي / لاحَ شَيبي وَقَد تَوَلّى شَبابي
أَن رَأَت رَوعَةً مِنَ الشَيبِ صارَت / في قذالي مُبِينَةً كِالشِهابِ
تَحتَ لَيلٍ بِكَفٍّ قابِسِ نارٍ / إِعتَشاها بِعارِضٍ مِن سَحابِ
قُلتُ مَهلاً فَقَد عَلِمتِ إِبائِي / مِنكِ هَذا وَقَد عَلِمت جَوابي
لَيسَ ناهِيَّ عَن طِلابِ الغَواني / وَخطُ شَيبٍ بَدا وَدِرسُ خِضابِ
وَرُكُوبٌ إِذا الجَبانُ تَطَوّى / فَرَقاً عِندَ عِرسِهِ في الثِيابِ
أَحمِلُ السَيفَ فَوقَ أَقرَح وَردٍ / ذي حُجُولٍ كَأَنَّهُ سِيدُ غابِ
أَجشَمُ الهَولَ في الكَعابِ وَقِدماً / جَشِمَ الهَولَ ذُو الهَوى في الكَعابِ
أَيُّها القَصرُ ذُو الأَواسِيِّ وَالبُس / تانِ بَينَ القُصُورِ فَوقَ الظِرابِ
خَصَّكَ اللَهُ بِالعِمارَةِ مِنهُ / وَوَقاكَ المَليكُ وَشكَ الخَرابِ
إِنَّني وَالمُجَمِّرِينَ بِجَمعٍ / وَالمُنيخِينَ خَلفَهُم بِالحِصابِ
لَم أَحُل عَنكَ ما حَيِيتُ بِوُدّي / أَبَداً أَو يَحُولَ لَونُ الغُرابِ
دَونَها الحارِسُ الشَفِيقُ عَلَيها / قَد تَولّى مَفاتِحَ الأَبوابِ
بِمُنيفٍ كَأَنَّهُ رُكنُ طَودٍ / ذي أَواسٍ مُطَمَّرِ المِحرابِ
وَتَرَقَّيتُ بِالحِبالِ إِلَيها / بَعدَ هَدءٍ وَغَفلَةِ البَوّابِ
فَجَزَتني بِما عَمِلتُ ثَواباً / حَسَناً كُنتُ أَهلَ ذاكَ الثَوابِ
إِعتِناقاً عَلى مَخافَةِ عَينٍ / قَد رُمِقنا بِها وَقَومٍ غِضابِ
أَلم يُنسِ لَيلى عَهدُكَ المُتَباعِدُ
أَلم يُنسِ لَيلى عَهدُكَ المُتَباعِدُ / وَدَهرٌ أَتى بَعدَ الَّذي زَلَّ فاسِدُ
فُؤادَكَ أَن يَهتاجَ لَما بَدَت لَهُ / رُسُومُ المَغاني وَالأَثافي الرَواكِدُ
وَمَربَطُ أَفراسٍ وَخَيمٌ مُصَرَّعٌ / وَهابٍ كَجُثمانِ الحَمامَةِ هامِدُ
وَمَربَعُ حَيٍّ صالِحينَ نأَت بِهِم / نَوىً بَعدَ إِسعافٍ وَسَكنٌ مَعاهدُ
فَعِشتُ بِعَيشٍ صالِحٍ إِذ هُمُ بِهِ / فَبادُوا وَعَيشُ المَرءِ لا بُدَّ بائِدُ
فَلِلهِ عَيناً مِن رَأى مِثلَ مَجلِسٍ / بِكَرسانَ أَسقاهُ الغَمامُ الرَواعِدُ
لَقِيتُ بِهِ سِرباً تَنَظَّرنَ مَوعِدي / وَقِدماً وَفَت مِنّي لَهُنَّ المَواعِدُ
فَبُغتُ بِسَأوي الزَعفَرانَ فَلَم أَرِم / مَعَ القَومِ حَتّى لَم تُخِفني المَراصِدُ
وَحَتّى بَدَت أُخرى النُجوم وَباشَرَت / خُدُودَ الرِجالِ لِلرُقادِ الوَسائِدُ
فَلَمّا بَدا جَرسٌ مِنَ ليلِ وَاِحتَوَت / كِلابَ الرِعاءِ المُوسَداتِ المَواقِدُ
فَقُمتُ إِلى طِرفٍ مِنَ الخَيلِ لَم يَبِت / مُذالاً وَلَم تُقفِر عَلَيهِ المَذاوِدُ
بِوَردٍ كَسِيدٍ الغِيلِ ذي مَيعَةٍ لَهُ / إِذا ما جَرى في الخَيلِ عَقبٌ وَشاهِدُ
فَلَأمَ شَملي بَعدَ ما شُتَّ حِقبَةً / بِهِنَّ وَذُو الأَضغانِ عَنهُنَّ هاجِدُ
بِحُورٍ كَأَمثالِ الدُمى قُطُفِ الخُطا / لَهَونَ وَهُنَّ المُحصَناتُ الخَرائِدُ
أَمِنَّ العُيُونَ الرامِقاتِ وَلَم يَكُن / لَهُنَّ بِهِ عَينٌ سِوى الصُبحِ ذائِدُ
فَبِتُّ صَريعاً يَبنَهُنَّ كَأَنَّني / أَخُو سَقَمٍ تَحنُو عَلَيهِ العَوائِدُ
أَطَفنَ بِمَعسُولِ الدُعابَةِ سادِرٍ / كَخُوطِ الأَبالم يَهصِرِ العُودَ عاضِدُ
كَما طافَ أَبكارٌ هِجانٌ بِمُصعَبٍ / طَرِبنَ لِأَعلى هَدرِهِ وَهوَ سامِدُ
يُسِّدنَني جُمَّ المُرافِقِ زانَها / جَبائِرُها غَصَّت بِهِنَّ المَعاضِدُ
يُفَدِّينَني طَوراً وَيَضمُمنَ تارَةً / كَما ضَمَّ مَولُوداً إِلى النَحرِ وَالِدُ
يَقُلنَ أَلا تُبدى الهَوى سَتَزِدَنني / وَقَد يُستَزادُ ذُو الهَوى وَهوَ جاهِدُ
لَعَمري لَئِن أَبدينَ لي الوَجد إِنَّني / بِهِنَّ وَإِن أَخفَيتُ وَجدي لِواجِدُ
كَأَنَّ نِعاجَ الرَملِ أَهدَت عُيُونَها / إِذا مجمَجَت أَشفارَهُنَّ المَراوِد
لَهُنَّ وَأَعناقَ الظِباءِ اِستَعَرنَها / إِذا ما كَسَت لَباتِهِنَّ القَلائِدُ
تَعِلُّ قُرُوناً في الوَفاءِ كَأَنَّها / إِذا سُدِلَت فَوقَ المُتُونِ الأَساوِدُ
مَجاسِدُها نُفحٌ مِلاءٌ كَأَنَّها / نَواعِمُ حُورٌ تَحتَهُ الماءُ راكِدُ
جُنَّ قَلبي بِذِكرِ أُمِّ الغُلامِ
جُنَّ قَلبي بِذِكرِ أُمِّ الغُلامِ / يَومَ قالَت لَنا لِجُوا بِسَلامِ
زَيَّنَت لي شَواكِلي كُلَّ لَهوٍ / ذاتُ لَوثٍ مِنَ الصَباحِ الوِسام
رُبَّما مِثلَها تَسَدَّيتُ وَهناً / بَعدَ فَترٍ وَتَحتَ داجي الظَلامِ
ثُمَّ نَبَّهتُها فَهَبَّت كَسُولاً / فاهَةً ما تُبِينُ رَجعَ الكَلامِ
ساعَةً ثُمَّ إِنَّها بَعدُ قالَت / وَيلَتا قَد عَجلتَ يا بنَ الكِرامِ
أَعلى غَيرِ مَوعِدٍ جِئتَ تَسري / تَتَخطّى إِلى رؤوسِ النِيام
عَذَلتِني فَقُلتُ لا تَعذُليني / وَدَعي اللَومَ وَاقصِدي في المَلامِ
قَد تَجَشَّمتُ ما تَرَينَ مِنَ الهَو / لِ وَما جِئتُ هَهُنا لِخِصامِ
فَارعَوَت بَعدَ نَفرَةٍ نَفَرَتها / بِسُكُونٍ وَهَمزَةٍ وَاِبتِسامِ
وَعَلى الباب ذي الشَفِيقَةِ سُعدى / لا أَرى مِثلَها مِنَ الخُدّامِ
كُلَّما صَفَّقَت وَثَبنَ إِلَيها / كَقِيامِ الشُرطِيِّ عِندَ الإِمامِ
يَتَسَوَّكنَ قَبلَ كُلِّ طَعامٍ / وَاسِعاتُ الجُيوبِ وَالأَكمامِ
حَبَّذا هُنَّ حَيثُ كُنَّ مِنَ الأَر / ضِ وَلَو بَينَ زَمزَمٍ وَالمَقامِ
حَمَلَ القَلبُ مِن حُمَيدَةَ ثِقلا
حَمَلَ القَلبُ مِن حُمَيدَةَ ثِقلا / إِنَّ في ذاكَ لِلفُؤادِ لَشُغلا
عَن سِواها فَلا تَظُنَّنَّ أُنثى / أَنَّ في القَلبِ عَن حُمَيدَةَ فَضلا
قَد حَوَتهُ وَأَغلَقتُ دُونَ وُدِّي / فَهوَ في سِجنِها عَنِ الناسِ قُفلا
إِذا فَعَلتِ الَّذي فَعَلتِ فَقُولي / حَمدَ خَيراً وَأَتبَعي القَولَ فِعلا
وَصِلِيني فَأُشهِدُ اللَه أَن لا / أَبتَغي مِن سِواكِ ما عِشتُ وَصلا
ما دَعا نائِحُ الحَمامِ بِوادٍ / ذي أَراكٍ وَهَزَّتِ الرِيحُ أَثلا
جَعَلَ اللَهُ وَجهَ كُلِّ حَسُودٍ / لا أَراه لَها مِنَ الناس أَهلا
أَو حَسُودٍ بَغاكِ يَوماً بِسُوءٍ / كاشِحٍ مُبغِضٍ لِرِجلِكِ نَعلا
قَلتُ إِذا أَقبَلَت تَهادى وَزُهرٌ / كَنِعاجِ المَلا تَعَسَّفنَ رَملا
وَتَنَقَّبنَ بِالبُرُودِ وَأَبدَي / نَ عُيُوناً حُورَ المَدامِعِ نُجلا
مَرحَباً مَرحَباً بِأُمِّ جُبَيرٍ / وَبِأَترابِها وَأَهلاً وَسَهلا
لَم أُرَحِّبُ بِأَن سَخَطتِ وَلَكِن / مَرحَباً إِن رَضِيتِ عَنّا وَأَهلا
أَحسَنُ الناسِ مَجلِساً وَحَديثاً / وَقَواماً وَأَكمَلُ الناسِ عَقلا
أَقُولُ اِشتِكاءَ بِالحَرامِ لِصاحِبي
أَقُولُ اِشتِكاءَ بِالحَرامِ لِصاحِبي / وَذُو البَثِّ شَكُوهُ وَإِن كانَ مُقصَدا
فَلَم أَرَ مَطرُوقاً كَلَيلي لِحاجَةٍ / أَضَنَّ بِها مِن غَيرِ فَقرٍ وَأَبعَدا
نَوالاً لِمُحتاجٍ يُريدُ نَوالَها / وَأَجدَرُ إِن حَدَّت بِهِ أَن تُصَرِّدا
تَوَدَّدتُها قَبلاً فَما لانَ قَلبُها / وَأَقسى خَليلاً خِلتَهُ مُتَوَدِّدا
فَلَو كُنتُ أُرقى بِالَّذي قَد رَقَيتُها / بِهِ يابِساً صَلداً مِنَ الصَخرِ جَلمَدا
اللانَ لِقَولي أَو لَعادَو وَما اِعتَصى / عَلَيَّ بِعاداً غِلظَةً وَتَشَدُّدا
فَلَما بَدا لي أَنَّها مُستَفِزَّةٌ / قَد اضرَمَها الواشي عَلَيَّ وَأَوقَدا
أَقُولُ لَها وَالعَينُ قَد فاضَ دَمعُها / وَقَد كانَ فيها دَمعُها قَد تَرَدَّدا
أَسَلّاكِ عَنّي النَأيُ أَم عاقَكِ العِدى / بِما اِقتَرَفوا أَم جِئتِ صَرمى تَعَمُّدا
أَلم أَكُ أَعصي فيكِ أَهل قَرابَتي / وَأُرغِمُ فيكِ الكاشِحَ المُتَهَدِّدا
وَأَمتَهِنُ الوَردَ الأَغَرَّ إِلَيكُم / مِن أَجلِكِ حَتّى لَحمُهُ قَد تَخَدَّدا
فَقالَت مَنَنتَ الوَصلِ مِنكَ وَلَلَّذي / أَتَيتَ إِلَينا كانَ أَدنى وَأَزهَدا
مِنَ أَشياءَ قَد لاقَيتُها فيكَ لَم يَكُن / لِيُحصيها مَن مَنَّ وَصلاً وَعَدَّدا
وَلا تَحسَبَن صَرمَ الصَدِيقِ مُرُوءَةً / وَلا نائِلاً ما عِشتَ بِالصَرمِ سُؤدَدا
وَإِنَّكَ قَد أَلفَيتَ عِندي مَوَدَّةً / مِنَ الحُبِّ ما تَزدادُ إِلّا تَجَدُّدا
فَلِن لِلَّذي يَهواكَ وَاغلُظ عَلى الَّذي / قَلاكَ وَعَوِّدهُ الَّذي قَد تَعَوَّدا
وَمِلآنَ فاضرِب لي وَلا تَخلُفَّنني / لَدى شُعبَةِ الأصغاءِ إِن شِئتَ مَوعِدا
فَقُلتُ لَها في أَربَعٍ سَوفَ نَلتَقي / هُدُوءاً إِذا ما سامِرُ الحَيِّ رَقَّدا
فَلَمَّا تَقَضَّت أَربَعٌ قُلتُ هاتِيا / جَوادي وَقَلِّدهُ لِجاماً وَمِقوَدا
فَجاءَ بِهِ العَبدانِ لَيلاً كَأَنَّما / يَقُودانِ قَرماً ضارِياً حِينَ أُلبِدا
فَشَدّا عَلَيهِ السَرحَ ثُمَّ عَلَوتُهُ / كُمَيتاً إِذا ما مَسَّهُ السَوطُ أَهمَدا
خَبُوبَ الخَبارِ يَركَبُ الوَعثَ كُلَّما / تَسَلَّمَ مِن وَعثٍ إِلى غَيرِهِ عَدا
يَزيدُ إِذا قاسَ اللِجامُ شَجاً بِهِ / وَعَضَّ بِنابَيهِ الشَكيمَ فَأَزبَدا
فَقَرَّبَني مِن بَعدِ بُعدٍ كَأَنَّما / يَرى الجَبَلَ الوَعرَ المُمَنَّعَ فَدفَدا
فَلَمّا بَلَغنا جانِبَ المَوعِدِ الَّذي / وُعِدتُ بِهِ أَقَللتُ أَن أَتَلَدَّدا
مَكَثتُ قَلِيلاً ثُمَّ أَوشَكتُ أَن أَرى / وَما أَطوَلَ المُكثَ الغُلامَ المُوَلَّدا
فَأَزجا فَأَنبا بِالَّذي كُنتُ أَهلَهُ / سُرِرتُ بِهِ مِنهُ وَلاقَيتُ أَسعُدا
وَمِن خَلفِهِ صَفراءُ غَرثٌ وِشاحُها / تَأَوَّدُ في المَمشى القَريبِ تَأَوُّدا
تَمُورُ كَما مارَت مَهاةٌ بِذي الغُضا / تُزَجّى بِبَطحاءِ القَسِيَّةِ فَرقَدا
فَلَمّا التَقَينا رَحبَّت وَتَهَلَّلَت / كِلانا إِلى ذي وُدِّهِ كانَ أَقوَدا
كِلانا يُمَنّى في الخَلاءِ جَليسَهُ / صَفاءً وَوُدّاً ما بَقينا مُخَلَّدا
وَباتَ جَوادِي غُلُّهُ ساقُ طَلحَةٍ / بِأَبهَرَ مَولِيِّ الرُبا ساقِطِ النَدى
يَتُوقُ فَيَثنيهِ عَلِيٌّ مُقَوَّمٌ / نَما فَرعُهُ وَاخضَلَّ حَتّى تَخَضَّدا
وَساخَت عُروق الأَرض مِنهُ فَصادَفَت / بِجانِبِ خَوّارٍ مِن التُربِ رَغَّدا
وَيَمنَعُهُ أَن يَطمَئِنَّ بِأَنَّهُ / تَذَكَرَ جُلّاً فَازدهاهُ وَمِقوَدا
وَبَيتاً يَقِيهِ الحَرَّ في كُلِّ صَيفَةٍ / وَمَصعَ ضَرِيبِ القَرِّ إِن هُوَ أَبرَدا
فَلَم يَستَفِق مِن سَكرَةِ الحُبِّ بَينَنا / لَهُ سَكرَةٌ كانَت قَدِيماً تَعَدُّدا
بِضَوءِ عَمُودِ الصُبحِ حَتّى كَأَنَّما / تَجَلّى عَمُودُ الصُبحِ يَوماً مُوَرَّدا
يا عَينُ مَهلاً أَلَم تُنهى عَنِ النَظَرِ
يا عَينُ مَهلاً أَلَم تُنهى عَنِ النَظَرِ / غُضّى مِنَ الطَرفِ غُضّى لامِحَ البَصَرِ
لا تَطرَحِي القَلبَ عَيني في مُهَوَّلَةٍ / فَتُوردِيهِ وَتَعيى بَعدُ بِالصَدرَ
قَد قُدتِهِ نَحوَ لَيلى قَبلَ ذا زَمَناً / فَما سَلَمتِ وَما هُنِّيتِ بالظَفَرِ
ما جَفَّ دَمعُكِ حَتّى اليَومِ مِن حَزَنٍ / مِن ذِكرِها وَاِستَخَفَّ القَلبُ لِلذِكَرِ
ظَلَّت وَظَلَّ حُصَينٌ يَهتِفانِ لَها / بِجُؤذَرٍ حَولُهُ عِينٌ مِنَ البَقَرِ
مُخَضَّباً يَتَلالا تَحتَ كِلَّتِهِ / كَما تَلالا وَميضُ البَرقِ في الصُبُرِ
أَقبَلتُ أَبغي أُرِيدُ الأَجرَ مُعتَمِراً / وَلَم يَذَر مِثلُها خُلقاً لِمُعتَمِرِ
قَبلي فَلَمَّا بَلَغتُ الرَدمَ أَبصَرَني / رِيمٌ رَماني فَلَم يَشوى مِنَ القَتَرِ
بَلِّغ قُرَيبَةَ أَنَّ البَينَ قَد أَفِدا
بَلِّغ قُرَيبَةَ أَنَّ البَينَ قَد أَفِدا / وَأَنَّنا إِن سَلِمنا رائِحُونَ غَدا
كَم بِالحَرامِ وَلَو كُنّا نُجامِلُهُ / مِن كاشِحٍ وَدَّ أَنّا لا نُرى أَبَدا
حُمِّلَ مِن بُغضِنا غِلّا يُعالِجُهُ / وَقَد تَمّلا عَلَينا فِيكُمُ حَسَدا
وَذاتِ وَجدٍ عَلَينا تَبُوحُ بِهِ / تُحصى اللَيالي إِذا غِبنا لَها عَدَدا
حَرِيصَةٍ أَن تَكُفَّ الدَمعَ جاهِدَةً / وَما رَقا دَمعُ عَينَيها وَلا جَمَدا
يا لَيلَةَ السَبتِ قَد زَوَّدتِني سَقَماً / حَتّى المَماتِ وَحُزناً صَدَّعَ الكَبِدا
قامَت تَهادى عَلى خَوفٍ تُشَيِّعُني / مَشى الحَسِيرِ المُزَجّى أُحشِمَ الصَعَدا
لَم تَبلُغِ البابَ حَتّى قالَ نِسوَتُها / مِن شِدَّةِ البُهرِ هَذا الجَهدُ فاتَّئِدا
أَقعَدنَها وَنَثا ما قُلنَ ذُو حَسَدٍ / صَبٌّ بِلَيلى إِذا ما أُقعِدَت قَعَدا
أَرادَ اليَومَ جِيرَتُكَ الغِيارا
أَرادَ اليَومَ جِيرَتُكَ الغِيارا / رَواحاً أَم أرادُوهُ اِبتِكارا
قَرِيبٌ كُلُّ ذاكَ وَإِن يَبِينُوا / يَزيدُ وَالقَلبَ صَدعاً مُستَطارا
بِقَلبي وَالنَوى أَعدى عَدُوٍّ / لَئِن لَم تُبقِ لي بِالجَلسِ جارا
بَلى أَبقَت مِنَ الجِيرانِ حَولي / أُناساً ما أُلائِمُهُم كِثارا
وَماذا كَثرَةُ الجِيرانِ مُغنٍ / إِذا ما بانَ مَن تَهوى فَسارا
أَذُودُ النَفسَ وَهِيَ تَتُوقُ شَوقاً / وَأَمنَعُها حَياءً وَاِستِتارا
كَما ذادَ المُنَهنِهُ عَن حِياضٍ / عِذابِ الماءِ صادِيَةً حِرارا
فَلَمّا أَن رَأَيتُ المُكثَ عَجزاً / وَأَنَّ عُلَيَّ في سَفَرٍ مَسارا
وَأَنَّ الحَيَّ ما عَجِلُوا بِبَينٍ / وَتَركِ بِلادِنا إِلّا ضِرارا
ثَوى جَسَدي وَشيَّعهُم فُؤادي / وَعَيني ما تَجِفُّ لَهُم غِزارا
أَكُفُّ الدَمعَ عَن خَديَّ مِنها / وَيَأبى دَمعُها إِلّا اِنحِدارا
فَكَم مِن كاعِبٍ حَوراءَ رُودٍ
فَكَم مِن كاعِبٍ حَوراءَ رُودٍ / أَلُوفِ السِترِ وَاضِحَةِ التَراقي
بَكَت جَزَعاً وَقَد سُمِرَت كُبُولي / وَجامِعَةٌ يُشَدُّ بِها خِناقي
عَلى سَوداءَ مُشرِفَةٍ بِسُوقٍ / بَناها القَمحُ مُزلَقَةِ المَراقي
عَلَيَّ عَباءَةٌ بَرقاءُ لَيسَت / مِن البَلوى تُغَطّى نِصفَ ساقي
كَأَنَّ عَلى الخُدُودِ وَهُنَّ شُعثٌ / سِجالَ الماءِ يُبعَثُ في السَواقي
فَقُلتُ تَجَلُّداً وَحَلَفتُ صَبراً / أُبالي اليَومَ لَو دَمَعَت مَآقي
سَيَنصُرُني الخَلِيفَةُ بَعدَ رَبّي / وَيُخبَرُ حَيثُ يُمسي عَن مَساقي
فَتَغضَبُ لي بِأَجمَعِها قُصَيٌّ / قَطِينُ البَيتِ وَالدُمثِ الرِقاقِ
بِمُعتَلَجِ السُيُولِ إِذا تَبَنّى / لِئامُ الناسِ في الشُعَبِ العِماقِ
لِأَقرَبِها إِذا نُسِبُوا لِخَيرٍ / وَأَوراها إِذا اِنتُقى المُناقي
يا لَيتَ لَيلى رَأَتنا غَيرَ جازِعَةٍ
يا لَيتَ لَيلى رَأَتنا غَيرَ جازِعَةٍ / لَمّا هَبَطنا جَمِيعاً أَبطَحَ السُوقِ
وَكَشَرنا وَكُبُولُ القَينِ تَنكِبُنا / كَالأُسدِ تَكشِرُ عَن أَنيابِها الرُوقِ
نَمشي يَفُوتُ مُخِفُّ القَومِ مَثقَلَهُم / مَشى الجِمالِ المَصاعِيبِ المَطارِيقِ
وَالناسُ شَطرانِ مِن ذي بُغضَةٍ حَنِقٍ / وَمِن مَغيظٍ بِدَمعِ العَينِ مَخنُوقِ
هُوَّوا لَنا زُمَراً مِن كُلِّ ناحِيَةٍ / كَأَنَّما فَزَعُوا مِن نَفخَةِ البُوقِ
وَفي السُطُوحِ كَأَمثالِ الدُمى خُرُدٌ / يَبكِينَ عَولَةَ وَجدٍ غَيرِ مَمذُوقِ
مِن كُلِّ ناشِرَةٍ فَرعاً لِرُؤيَتِنا / وَمَفرَقاً ذا نَباتٍ غَيرِ مَفرُوقِ
يَضرِبنَ حُرَّ وُجُوهٍ لا يُلَوِّحُها / لَفحُ السُمُومِ وَلا شَمسُ المَشارِيق
كَأَنَّ أَعناقَهُنَّ التُلعَ مُشرِفَةً / مِمّا يُحَلَّقُ مِن تِلكَ الأَبارِيقِ
حَتّى اِنتَهَت إِلى دَعجاءَ جالِسَةٍ / قَد تَرَكَت أَهلَ بَيتِ اللَهِ في ضِيقِ
تُنَضِّحُ الرِيقَ مِن فِيها إِذا نَطَقَت / كَأَنَّما مَضَغَت عِلكَ الذَعاليقِ
أَلا هَل هاجَكَ الأَظعا
أَلا هَل هاجَكَ الأَظعا / نُ إِذ جاوَزنَ مُطَّلَحا
نَعَم وَلِوَشكِ بَينِهِمِ / جَرى لَكَ طائِرٌ سَنَحا
سَلَكنَ الخَبتَ مِن رَكَكٍ / وَضَوءُ الفَجرِ قَد وَضَحا
فَمَن يَفرَحُ بِبينِهِمِ / فَغَيري إِذ غَدَوا فَرِحا
فَهَزَّت رَأسَها عَجَباً / وَقالَت مازِحٌ مَزَحا
فَيا عَجَباً لِموقِفِنا / وَغَيَّبَ ثَمَّ مَن كَشَحا
تَبِعتُهُمُ بِطَرفِ العَي / نِ حَتّى قِيلَ لي اِفتُضِحا
فَوَدَّعَ بَعضُنا بَعضاً / وَكُلٌّ بِالهَوى صَرَحا
هاجَ الفُؤادُ وَأَمسى الحِلمُ قَد عَزَبا
هاجَ الفُؤادُ وَأَمسى الحِلمُ قَد عَزَبا / بَعدَ العَزاءِ وَبَعدَ الصَبرِ قَد غُلِبا
وَهاجَهُ ذِكرُ قُربى بَعد سَلوَتِهِ / وَراجَعَ القَلبَ ما يَلقى فَقَد نَصَبا
وَجَشَّمَتهُ السُرى قُربى وَما جَشِمَت / قُربى سُرى لَيلَةٍ فيهِ وَلا تَعَبا
أَقُولُ لَمّا اِلتَقَينا وَهيَ مُعرِضَةٌ / لِقيلِ واشٍ عَلَينا يَقرِضُ الكَذِبا
فَقُلتُ لا تُعرِضِي نَفسي الفِداءُ لَكُم / في غَير شَيءٍ وَما نَأتي لَكُم غَضَبا
اللَهُ يَعلَمُ ما أَحبَبتُ حُبَّكُمُ / يا قُربَ مِن خَلقِهِ عُجماً وَلا عَرَبا
قَد كُنت أَحسَب وَجدي يا قَريب لَكُم / حَتّى أَتَحتِ لَنا بِالخَيفِ قَد ذَهَبا
لَمّا مَدَدتُ بِحَبل القَلبِ نَحوَكُمُ / خَفَّ الفُؤادُ لِما تَهوَينَ فَانجَذَبا
وَاللَهِ ما قَرُبَت قُربى وَلا نَزَحَت / إِلّا اِستَخَفَّ إِلَيها قَلبُهُ طَرَبا
وَلا دَعَت شَجوَها يَوماً مُطَوَّقَةٌ / إِلّا تَرَقرَقَ ماءُ العَينِ فَاِنسَكَبا
فَإِن كَلِفتَ بِقُربى أَو كَمِدتَ فَقَد / عَنَّتكَ قُربى وَأَترابٌ حِقبا
خَلِيلَيَّ عُوجا حَيِّيا اليَومَ زَينَبا
خَلِيلَيَّ عُوجا حَيِّيا اليَومَ زَينَبا / وَلا تَترُكاني صاحِبَيَّ وَتَذهَبا
إِذا ما قَضَينا ذاتَ نَفسٍ مَريضَةٍ / إِلَيها وَقَرَّت بشالهَوى العَينُ فَاِركَبا
فَإِنَّكُما إِن تَدعُواني لِمثلِها / إِلى حاجَةٍ فَاستَيقِنا لا تُؤَنَّبا
أَقُولُ لِواشٍ سالَني وَهوَ شامِتٌ / سَعى بَينَنّا بِالصَرمِ حيناً وَأَجلَبا
سُؤال امرئٍ يُبدى لَنا النُصحَ ظاهِراً / يَجُنُّ خِلالَ النُصحِ غِشّاً مُغَيَّبا
عَلى العَهد لَيلى كَالبَريِّ وَقَد بَدا / لَنا لاهَداهُ اللَهُ ما كانَ سَبَّبا
بَغاني لَدَيها بَعدَ ما خِلتُ أَنَّهُ / لَهُ الوَيلُ عَن بَغيٍ عَلَينا قَد اَضرَبا
فَإِن تَكُ لَيلى قَد جَفَتني وَطاوَعَت / بِعاقِبَةٍ بِيَ مَن وَشى وَتَكَذَّبا
فَقَد باعَدَت نَفساً عَلَيها شَفِيقَةً / وَقَلباً عَصى فيها الحَبيبَ المُقَرَّبا
فَلَستُ وَإِن لَيلى تَوَلَّت بِوُدِّها / وَأَصبَحَ باقي الوَصلِ مِنها تَقَضَّبا
بِمُثنٍ سِوى عُرفٍ عَلَيها وَمُشمِتٍ / وَشاةً بِها حَولي شُهُوداً وَغُيَّبا
عَلى أَنَّني لا بُدَّ أَنّي لَقائِلٌ / وَذُو البَثِّ قَوّالٌ إِذا ما تَعَتَّبا
فَلا مَرحَباً بِالشامِتينَ بِهَجرِها / وَلا زَمَنٍ أَمسى بِها قَد تَقَلَّبا
فَما زالَ بي ما ضَمَّنتِني مِنَ الجَوى / وَسُقمٍ بِهِ أَعيا عَلى مَن تَطَبَّبا
وَكَثرَةِ دَمعِ العَينِ حَتّى لَو أَنَّني / يَراني عَدُوٌّ كاشِحٌ لَتَحَوَّبا
فَذا العَرش أَنس القَلب ما عشت ذِكرها / فَفَد طالَما أَمسي إِلَيها تَحَبَّبا
فَكَم مِن مُشِتٍّ قَد جَمَعتَ بِقُدرَةٍ / وَمُجتَمِعٍ شَعَّبَتهُ فَتَشَعَّبا
تَأَوَّبني طَيفٌ بَعِيدُ التَأَوُّبِ
تَأَوَّبني طَيفٌ بَعِيدُ التَأَوُّبِ / هُدُوّاً وَلَم يَشعُر بِذَلِكَ صاحِبي
تَذَكُّرُ لَيلى إِنَّني خِلتُ ذِكرَها / يَؤُوبُ فُؤادي اللَيلَ مِن كُلِّ جانِبِ
فَقُلتُ أَقعُدَا قَد عِيلَ صَبرُ أَخيكُما / وَكَفكَفتُ دَمعَ العَينِ وَالدَمعُ غالِبي
وَقَد كُنتُ أَرجُو أَن أَييتَ بِراحَةٍ / وَلَم أَدرِ أَنَّ الطَيفَ إِن بِتُّ طالِبي
وَوَاللَهِ لا يُنكا مُحِبُّ بِمثلِها / وَإِن كانَ مَكرُوهاً فِراقُ الحَبائِبِ
وَأُشِربَ جِلدي حُبُّها وَمَشى بِهِ / تَمَشّي حُمَيّا الكَأسِ في جِلدِ شارِبِ
يَدِبُّ هَواها في عِظامي وَحُبُّها / كَما دَبَّ في المَلدُوغِ سَمُّ العَقارِبِ
تَبَدَّت لَنا يَومَ الرَحيلِ كَأَنَّها / أَحَمُّ المَآقي في نِعاجٍ الرَبائِبِ
تَكَفّا وَيَمشينَ الهُوَينا تَأَوُّداً / كَما أَنآدَ غُصنٌ بَلَّهُ ضَربُ هاضِبِ
يا لَقَومي لِطُولِ هَذا العِتاب
يا لَقَومي لِطُولِ هَذا العِتاب / وَلِصَبري عَلى الهَوى وَاِجتِنابي
مَن لَو انَّ الفُؤادَ خُيِّرَ يَوماً / بَينَهُ صادِياً وَبَينَ الشَرابِ
في سُمُومٍ يَهِمُّ مِن حَرِّها الثَو / بُ عُلى جِلدِ رَبِّهِ بِالتِهابِ
كانَ أَهوى إِلى الفُؤادِ وَأَشهى / مِن جَني النَحلِ شِيبَ صَوبَ السَحابِ
نَسَجَتهُ صَباً وَصَوبُ شَمالٍ / لَيسَ فيهِ قَذىً بِرُوسِ اللِصابِ
حالَ مِن دُونِ مُلتَقاهُ مُنِيفٌ / عارِمُ المُلتَقى أَزَلُّ الحِجابِ
وَلَقَد قُلتُ إِذ وَقَفتُ حَزِيناً / وَدُمُوعي حَثيثَةُ الإِنسِكابِ
أَيُّها القَصرُ ذُو الأَواسي وَذُو البُس / تانِ أَعلى القُصُورِ بَينَ الظِرابِ
زانَكَ اللَهُ بِالعِمارَةِ مِنهُ / وَوَقاكَ المَليكُ وَشَكَ الخَرابِ
أَعلى العَهدِ أَنتَ أَم حُلتَ بَعدي / كُلُّ شَيءٍ مَصِيرُهُ لِذَهابِ
قَد نَراهُ وَأَهلَهُ لَم يَحُلُّوا / آهِلاً مِنهُمُ خَصِيبَ الجَنابِ
لا وَرَبِّ المُكَبِّرينَ بِجَمعٍ / وَالمُنيخينَ بَعدَهُم بِالحِصابِ
لا يَحُولُ الفُؤادُ عَنكَ بِوُدٍّ / أَبَداً أَو يَحُولَ لَونُ الغُرابِ
ما ثَوى الصالِفُ الجَمُوحُ وَكانَت / بِنِطافِ العَرجَينِ حُمرُ القُبابِ