القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 955
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ / وَلَكِن أين مني ما أريدُ
عَلى أَنَّ البقاء يطيل همي / وَما في ريثه ما أَستَفيد
وَلَيسَ بِنافِعي شَيئاً بَقائي / وَقَد غصت بأصحابي اللحود
وَلكن كَيفَ إقناعي لنفس / تعلُّقُها بدنياها شَديد
أأصبر عن أحبائي الألى قد / ثَوَوا إني إذاً رجل جليد
مشوا للموت من دار أقاموا / معي فيها فأقفرت العهود
تثير ديارهم حزناً بقلبي / وتوحشني التهائم والنجودُ
فان يكُ في الأسى رجل وحيد / فاني ذلك الرجل الوحيد
يسير إلى المقابر كلَّ يوم / أخٌ منها التراب به يزيد
ولو عاد الذي يمضي سلونا / ولكن من ترحَّل لا يعود
وما هي حالة الشهداء فيها / أَأَيقاظٌ هنالك أم رقود
لعمرك لا يردُّ الموت حصن / ولا هذي العساكر والجنود
يبيد نعم يبيد المرء لكن / عناصره تدوم ولا تبيد
يدور الشيء من صفة لأخرى / ولكن منه لا يفنى الوجود
وجسم المرء تبنيه خلايا / زمانُ حياتها فيه زهيد
إذا ما مات منها فيهِ قسم / يجيء مكانه قسم جديد
وينقطع التجدُّد حين يودي / فلا يخضرُّ بعد اليبس عود
ألا إن الحياة أعزّ شيء / نُحب وإنها الخصم اللَّدود
شقاءٌ عم هذا الناسَ حتى / تشكَّى الشيخ منه والوليد
وقالوا بعض من يحيا سعيد / فمن هو ذلك الحيُّ السعيد
أتعكس حالة الشرق الليالي / فتجتمع المعارف والجدود
أثار الجهل في بغدادَ ناساً / تجيش بهم على هضمي الحقود
وما ان لي إلى الجهال ذنب / فيغريهم بنفسي أن يكيدوا
سوى أني مخالفهم وأني / لكل خرافة منهم جَحود
عليَّ كلابهم هرّت فمن لي / بِمخصَرة بها عني أذود
بُليت بثلة ضجوا وعجُّوا / لأقوالي كأنهم القرود
بهائمُ رتّع لكن عليهم / كإنسان تشكلت الجلود
وأشرافٍ لهم بالرغم منهم / طريف المجد والمجد التليد
لعمرك لا يُنيل المجد مالٌ / ولا خيلٌ ولا إبلٌ ترود
ولا ثوبٌ على طرفيه وشيٌ / ولا قصر على تلّ مَشيد
دَعُوا باللَه دعوى المجد مَيناً / فما أورت لكم فيهِ زنود
فإن المجد في أدب غزير / وإن المجد في علم يفيد
وإن المجد ذبٌّ عن ضعيف / تَهضَّمهُ أخو الظلم العنيد
وكم هُضمت ببلدتكم نفوس / فطاب لكم عن النصر القعود
وإن يطلع عليكم قرن والٍ / يَخِرُّ بكم إلى الأرض السجود
وهل علم الذين توعدوني / بأَني لا يخوّفني الوعيد
وأني في مكاني ثابت لا / تزلزلني الصواعق والرعود
ولست بِمَن إذا جلبوا يبالي / بهم فلكل زوبعة ركود
أداري الحاسدين رجاء أن لا / يبالغ في مساءتيَ الحسود
يضرُّ النفس منه أو يَقيها / فتى يلج الحوادث أو يحيد
وأوقاتُ الفتى إما نحوس / تدور على المصائب أو سعود
ليالٍ هن بالأفراح بيض / وأيام من الأحزان سود
كذاك الشعر فهو يكون إما / رديئاً لا يطيب به النشيد
وإما رائق الألفاظ زاهٍ / فتحسب أنه العقد الفريد
وذاك هو الذي إن أنشدوه / تَزَيّنَ منه للآداب جيد
أقول الشعر منقاداً إليه / بطبعٍ لي وأكثره قصيد
فأنظِمه ولا أدري أَأَني / مسيء حين أنظم أم مجيد
إليك عَن المَجَرَّة لا تسلني / وَعن عدد العوالِم كَم يَزيد
وَلا عما وَراء السحب منها / فَذَلِكَ مطلب عنا بَعيد
حدود تَنتَهي الأفكار منا / وَما إِن تَنتَهي تلك الحدود
وَبين الفرقدين عَلى اتصال / تَراهُ عيوننا بُعدٌ مَديد
أَلكني يا ضياء إلى نجوم / بعيدات لها منها وقود
يَراها من له لب شموساً / ويعمه عَن حقائقها البَليد
وَجئْ منها بأَخبار إلينا / فإنك بَينَنا نعم البَريد
سَترقى النفس طائرة إليها / إذا اِنفكت عَن النفس القيود
لقد تعست هنا فإذا تعالت / يكون نصيبَها عيش رغيد
لعمرك قد تَشابهت اللَيالي / فَما في عودها شيء جَديد
نهار بعده يأتي نهار / وَليل كُلما ولى يَعود
ترى عيني بكفِّ الموت قوساً / بها سهم إلى جهتي سديد
فيا موت ارمني إن كنت ترمي / فإني بالردى صبٌّ عميد
وَلَم أَرَ منهلاً كالمَوت عذباً / عَلى طرفيه تزدَحِم الورود
أقول لمن يهاب الموت جبناً / برغمك كائن ما لا تريد
ولكني أخلِّف عند موتي / نساءً حزنها بعدي شديد
فتلدم للجوى منها صدور / وتخمش للأسى منها خدود
مرزَّأَة وأخرى ذات نوح / وأخرى ما لأعينها جمود
إنما الشمس مركز لنظامٍ
إنما الشمس مركز لنظامٍ / سابح في بحر بعيد القرارِ
وَهيَ في عالم المَجَرَّة فاِعلَم / قدر صاغر من الأقدار
نحن في أَرضنا نَعيش جَميعاً / فوقَ جرم محقَّر سيار
طافَ يَسعى عَلى ذكاء كَما طا / فت بليل فراشة حول نار
لماذا تحركت الأنجمُ
لماذا تحركت الأنجمُ / كأَنَّك مِثلي لا تَعلَمُ
وَما هوَ كنه الأثير الَّذي / فَسيح الفَضاء به مفعمُ
وَبينَ الجواهِر جذب فَما / دَواعيه إِنّيَ مستعلم
هَل الدَفع أَقدر في ذاته / من الجذب أَم هَل هما توأم
هما قوتان تخالفتا / فَذَلك يبني وَذا يهدم
لماذا أجبني نحسّ بِما / نُلاقي فنلتذّ أَو نألم
وَقَد نَتَوَهَّم من نفسنا / لذاكَ بواعثَ أَو نزعم
فنذكر أَشياء لكننا / بما نحن نذكر لا نجزم
وَتقدح بالفكر أَلبابنا / زناداً وَلا يَنجَلي المبهم
وَيأبى لسان الطَبيعة أَن / يَبوح بِما نحن نَستَعلِم
فإن جئت أَسأل ما عندها / تقل كلمات لها تعجم
كَعَذراء تحمل في قَلبِها / غَراماً وَلكنها تكتم
يمر بنا الدَّهر في جريه
يمر بنا الدَّهر في جريه / فنهرم وَالدَّهر لا يهرمُ
أَقول لشيخ بدا ضعفه / وَكاد إِذا ما مَشى يجثم
لَقَد حانَ حينك فاِخضَع له / فأَنتَ من المَوت لا تسلم
قَريباً تَنَزَّل في حفرة / من القَبر باطنها مظلم
فَتبلى لحومك في جوفها / وَتبلى جلودك والأعظم
تعرض لريح الصبا إِنَّها / عليك غداة غد تحرم
غَداً أَنتَ في جدث ضيق / تنام طَويلاً وَلا تحلم
لعلك عند رقادك في / ه تنسى الحَياة الَّتي تؤلم
لَقَد غاظَكَ الدهر حَتّى ودد / تَ أنك من أَهله تنقم
ستدرك تحت الثَرى راحة / لغيظك من أَجلها تكظم
إذا الموت زار تساوى الفقي / ر ذو البؤس والملك الأعظم
يصوّب أسهمهُ نحونا / ويرمي فلا تخطئ الأسهم
سأَشرب بالرغم كأس الردى / ولو أنها الصاب والعلقم
قُيدتَ من حوج الحَياة بأدهمِ
قُيدتَ من حوج الحَياة بأدهمِ / وَطرحت في درج القضاء المبرمِ
لا بد من حتف يزورك آخِراً / والأهل حولك قائلون لك اسلَم
سلَّمت أنك بالثراء ممتع / لكن بقاؤك فيهِ غير مسلم
لك من قصورك في اليفاع منازِل / وَالقبر آخر منزل لك فاِعلَم
لك أُسوة بالسابقيك إِلى الرَدى / ما أَنتَ وحدك فيه بالمتهدم
درجوا إلى أجداثهم فاليوم هم / جثث هنالك باليات الأعظم
كانت لهم هذي البقاع منازلا / فيما تصرم من زمان أقدم
ذهبوا وخلفت المنازل بعدهم / وكذا المنازل بعدهم لم تسلم
فاليوم من تلك المنازل لا ترى / إلا طلولاً دراسات الأرسم
لك في الرجاء إذا أردت تشبُّثاً / حبل مَتى تمسك به يتجذَّم
إِنّا مِن الدنيا بمنزل محنة / يَبكي الحكيم به عَلى المتبسم
يا أَيُّها العيش المقدَّر أَنتَ لي / سم وَقَد يَحلو مذاقك في فَمي
صور الحياة بأرضنا معروفة / لكنها ماذا بباقي الأنجم
قالوا الحياة هناك تشبه ما هنا / فأجبت هذا الرأي ليس بمحكم
من أين نعرف أنها في غيرها / ليست بأسعد في المعاش وأنعمِ
ودّ ابن هذى الأرض من حرص به / لَو أَنَّه صعد السَماءَ بسلَّم
ساءَ الفَتى أَن قد أَقام ببقعة / لَيسَ الفَتى يَوماً بها بمكرم
لا تعرض الأم الحزينة لابنها / خدّاً على الأرزاء غير ملطم
ما زالَ منه الكف في صدر العدى / ليذودهم عَن حوضه المتثلم
وأجنَّه والهم ليل أليلٌ / قد شَفَّ عن أزمات يوم أيوم
ما في قوى الإنسان أَو تركيبه / شيء إِلى غير الطَبيعة ينتَمي
كل الَّذي يَرجو المؤمِّلُ ممكنٌ / إلا رجوع شبابه المتصرم
ذهب الصبا فمضى الحبيب ولم يكن / عهد الصبا بأعز منه وأكرم
قيل الحبيب مسائل عنا وذا / قول على جرحى العميق كمرهم
القلب حدثني بهِ ومن المنى / أن لا يكون حديثه بمرجَّم
كذب الفؤاد فما الحبيب بسائلٍ / عنا ولا بحديثنا متكلم
يا قلبُ أنت متيم بمليحة / ما أن يرق فؤادها لمتيم
ملكت مخلفةً قيادك في الهوى / وطلبت مرحمة ولما ترحم
يا قلبُ مالك آسفاً متلهفاً / إن لم تكن يا قلب بالمتندم
أتراه كيف أتى يعاتب قلبه / والقلب ينظر نظرة المسترجم
دعه يناج القلب منه إنه / متأَلم يشكو إلى متألم
مرّت نوار تميس في خطواتها / مع غادة بكر وأخرى أيِّم
ليست نوار كما نظن بخيلة / تقسو إذا مرّت على المتظلم
فقد اعترضتُ نوار عند مرورها / أشكو لها أوصاب قلبي المؤلمِ
سمحت نوارُ كما نروم بوقفةٍ / تصغى بها لشكاية من مغرم
إني عييت كما ترى بحضورها / يا دمع إنك أفصح فتكلم
فجرى أمام نوار دمعي ناطقا / وأطال في الشكوى ولم يتلعثم
كادت نوار ترق عند سماعها / لحديث دمعي عن أسايَ مترجم
لكنها من خوف تربيها أبت / نُطقاً فلم تسعف ولم تتبرَّم
لِلَّه عيشٌ قد تقلص ظله / من بعد مسعدتي به وتنعمي
أيام لا قلب الحبيب بمائل / عني ولا عهد الصبا بمذمم
ما دام ذاك العيش في معانه / إلا كلمح البرق للمتوسِّم
عندي عليه أسى كأن ظلامهُ / وقت الدجى ليل بليل يرتمي
وكأنما أملى المضئ خلاله / برق يلوح بعارض متجهِّم
أنوار أن الصب مات سروره / يوم الفراق فقلبه في مأتم
حسن الطبيعة ظاهر للعين في / روض بأزهار الربيع منمنم
وقساوة الإنسان يظهر قبحها / في حومة للحرب تصبغ بالدم
ما زالَ هَذا الكَون سِراً طاوياً / في نفسه لحقيقة لَم تفهم
وَالعَقل يخبط لاكتشاف سَبيله / في جوف لَيل للعماية مظلم
عُلمت من الأشياء فيه ظواهر / وَبواطِن الأشياء لمّا تعلم
تقف العقول إذا أردن تفهُّما / حيرى هناك أمام أمرٍ مبهم
لست أَدري كخابط في ظَلامِ
لست أَدري كخابط في ظَلامِ / أَوَرائي سَعادَتي أَم أَمامي
حيرة في الحياة قد صدفتني / عَن بُلوغي من الحَياة مَرامي
وَقضت أنني أَطيل وقوفاً / في ممر الشكوك والأوهام
ضجرت نَفسي من توالي الليالي / واستملّت تعاقب الأيام
وَيك نَفسي إن السعادة خودٌ / لا تَزور العشاق غير لمام
كل جرح له التئام مع الده / ر وجرحى باق بغير التئام
إنما المرءُ في صباه سعيد / غير أن الصبا بغير دوام
ذهبت تلكم السَعادة عني / فاِذهَبي يا سَعادَتي بسلام
قل لشيخ قد أتعبته الليالي / لك أن تستريح تحت الرغام
أيها الشيخ لا تذمَّ المنايا / فالمنايا نهاية الآلام
أنا في مثل يقظة من حياتي / فهل الموت بعدها كالمنام
هو نوم نعم نعم هو نوم / هو نوم لكن بلا أحلام
بعد حين يقال عني فلان / غاله الموت غبّ داء عقام
لست أدري وإن تحقق موتي / بعد شهر أموت أم بعد عام
طيران الحمام مهما تعالى / ليس ينجيه من دنوّ الحِمام
المنايا مصيبةٌ كلّ حيّ / والبِلى غاية الوجوه الوسام
إن أمت خائباً فكم حسرات / بقيت في نفوس ناس عظامِ
نحن في غفلة نيام وعنا / نائبات الزمان غير نيامِ
نحن في دولة تداركها اللَ / هُ تبيح المحظور للحكام
وعدها بالإصلاح جم ولكن / لا يجوز الإصلاح حد الكلام
كم وكم في رجالها من جَهولٍ / صدره ساطع بأَبهى وسام
نحن قوم قضت إرادة شخص / واحد أن نعيش كالأنعام
قد لجأنا إلى الكرام بكاةً / وإذا بالكرام غير كرام
أيها الظالم اغتصبت حقوقاً / قد حباها الأنام ربُّ الأنام
وتهضمتني وآلمت قلبي / بتجرِّيك أيما إيلامِ
تبتغي بالذي فعلت صَغارى / ومقام الصغار غير مقامي
فسأشكوك ما حييت وإن م / ت تشكتك في ضريحي عظامي
رب قوم من العدالة محرو / مين فازوا بها بحد الحسام
بزغت والنفوس ترنو إليها / بعيون مملوءة من غرام
وتجلَّت لهم كما يتجلَّى / من وراء السحاب بدر التمام
جعل اللَه كل قوم تحاشوا / أَن يثوروا في آخر الأقوام
أيّ قوم نالوا نجاة من الأس / ر بغير اقتحام أمر جسام
طلبت نَفسي أن أَكون مطيعاً / لِهَواها فقلت هاك زِمامي
إنني إن عصيت نَفسي هواها / خاصمتني نَفسي أَشد الخصام
ثُمَّ لما اتَّبعتُ رغبة نَفسي / حملتني نَفسي عَلى الآثام
ورطتني وبعد ما ورطتني / أَخذت في مذمتي وَملامي
وَلَقَد كانَت الملاوم منها / كَسِهام يصبن إِثر سهام
قَد تحملتها فَلِلَّه صبري / وَبأعباء النائبات قيامي
صالحيني يا نفس فالصلح لو فك / رت في الأمر سيّد الأحكام
أفلا تنظرين أني رهين / بالعنا في حكومة الظلام
لهلاكي يبرى العدو سهاماً / يرتميني وأنني غير رام
ويريني الزمان وجهاً عبوساً / فأدارى عبوسهُ بابتسامي
إن للكائنات ربا كبيراً / منح الكائنات أرقى نظام
وحبا الإنكليز بحراً عليه / تسبح المنشآت كالأعلام
دولة بالعدالة استمسكت وال / عدل في الملك سُلَّم للتسامي
أمم الغرب عمَّموا العلم حتى / وفَّروا قوة مع الأيام
أترى المسلمين يأتون نهضا / أم ترى الذل لازم الإسلام
هل نفوس إلى الدنايا عطاش / كنفوس إلى المَعالي ظوامي
إنما العدل والعذوبة ترجى / منهل حوضه كثير الزحام
أيها المنهل احبني منك قربا / فلعلي أبلُّ منك أُوامي
لموت الفَتى خير له من معيشة
لموت الفَتى خير له من معيشة / يَكون بها عبئاً ثَقيلا عَلى الناس
وأنكد من قد صاحب الناس عالم / يرى جاهلاً في العز وهو حقير
يَعيشُ رخيَّ العيش عِشرٌ من الوَرى / وَتسعة أَعشار الأنام مناكيد
أَما في بَني الأرض العَريضة قادرٌ / يخفف وَيلات الحَياة قَليلا
إذا ما رجال الشرق لم ينهضوا معاً / فأضيع شيء في الرجال حقوقها
إذا نات أوطاناً نشأت بأرضها / خراب ولم تحزن فأنت جماد
بربك قلبي أنت لا نترك الهوى / سواءٌ سلا يا قلب غيرك أم هاما
اتصلح في الشرق الحكومات شأنها / لعل الغنى والعلم يجتمعنان
أَفي الحق أَنَّ البعض يشبع بطنه / وأَن بطون الأكثرين تجوع
تقدم أهل الغرب حتى تحرروا / فما منع الشرقيَّ أن يتحرّرا
أسائلتي عَن غاية الخالق اسكتي / فَما لي عَلى هَذا السؤال جواب
إذا حيي الإنسان صادف منكراً / وإن ماتَ لاقى منكراً وَنَكيرا
ترقب سقوطاً يا ابن آدم قاتلا / فإنك لو تدري على جرف هار
لقد قال كل في الحياة برأيه / تعددت الآراء والحق واحد
إذا قلت حقاً خفت لوم مخاطبي / وإن لَم أَقل حقاً أخاف ضَميري
أَرى الناس إلا من توفر عقله / من الناس أعداءً لكل جَديد
خذ العلم إن الفضل للعلم وحدَه / وإن رجال العلم وحدهمُ الناس
إباؤُك والإدعان شرٌّ كلاهما / على أن بعض الشر أهون من بعض
لقد عاش في الدنيا كما يرتضي امرؤ / يميل مع الأيام حيث تميل
رَأَيت جياعاً يفخرون بجوعهم / فأضحكني ما قد رأَيت وأبكاني
وَما الناس إِلّا خادِع في مَقاله / يريد به الدنيا وآخر مخدوع
تأَخرت بعد الأربعين كأنما / أماميَ في سيري إليهِ ورائي
ألا لَيتَ أَعمالي إذا كنت ميتاً / وَقَد نقدوها لا عليَّ ولا ليا
لقد سار آبائي جميعاً إلى الردى / وإني على آثارهم سأَسير
يعود إلى بدءٍ له كل ذاهب / وليس لأيام الشبيبة من عود
أَتَت صور الماضي تباعاً فمثلت / لعيني لهواً مرَّ ثم اِضمحلت
أتينا إلى الدنيا فرادى وهكذا / سنمضي فرادى واحداً بعد واحد
فحصت بطون الكون فحصاً فَلَم أَجِد / سوى حركات فيه لَم أَدرِ ماهيا
ألا أيها الإنسان فيك معايب / وأكبر عيب فيك أنك فاني
إذا خلَت الدنيا من النفر الألى / أَحب فؤادي فالسَلام عَلى الدنيا
تمرُّ الليالي ليلة بعد ليلة / وحزني عَلَى ما فاتني ذلك الحزن
وكنت أرجى أن أفوز ببغيتي / فأدركني بعد الرجاء قنوط
وما أنا إن أخفقت فيما رجوته / بأوَّل سارٍ عن محجَّته ضلا
إذا كان بعض الناس يملك بلغة / ولم يختلط بالناس فهو سعيد
حياتي وإن كانت إليَّ عزيزة / إذا نالني ضيمٌ عليَّ تهون
إلى اليوم لم أحسد على شيء أمرأً / وقد كان عند الناس ما لم يكن عندي
أخو العقل يرجو نيل ما هو ممكن / وأكثر آمال الجهول محال
بنفسيَ أفدي من إذا قال ما هذي / وإن مرَّ بالعوراء مرَّ كريما
أَنا اليوم أَمري في يَدي غير أَنَّني / أُحاذر من أَن يخرج الأمر من يَدي
إذا كانَ في بيت مَريضاً عَزيزُهُ / فَسكان ذاكَ البيت كلهم مَرضى
يرجي الفَتى أَن الثراء يعينه / عَلى نائبات الدهر حين تَنوب
أَسر مَكانَ لي عَلى الارض ربوة / إلى جانبيها روضة وَغَدير
ألا ايها الناس ارحموا الناس واركنوا / إلى السلم إن السلم خير من الحرب
وأَحسن أَوقات الفَتى وقت نومه / إذا كانَ ذاكَ النوم خلواً من الحلم
وَهَل كبر الجثمان ينفع ربه / إذا كانَ فيه العقل غير كَبير
أخي إن أسرار الطبيعة جمة / وما اكتشفت منها العقول قليل
تمنيت لَو أني وَقد غبرت على / وَفاتي أَحقاب رجعت إلى الدنيا
تؤمل نفس المرء طول بقائها / وليس على نفس تؤمل من بأس
رغبت عَن الدنيا كأَني ميت / قَريباً وَفي الدنيا كأَنّي لا أَفنى
يَقولون إن الملح يصلح فاسِداً / فَما حيلة الإنسان إن فسد الملح
أقول لشيخ ينحني عند مشيه / أتنشد في هذا شبابك إذ ضاعا
وكم قد نجا باغ فما صدق الذي / يقول على الباغي تدور الدوائر
أكل امرئ يا أيها الناس إن رأى / من الصدق ما يخشى يفر إلى الكذب
لقد خاب من يخشى مقالة كاشح / وما فاز باللذات غير جسور
من الناس من إن غبت عنه فإنه / عدوّ وإن لاقيته فصديق
كذاكَ اِختلاف الناس في كل حقبة / محاسن قوم عند قوم قبائِح
أعاذلتي لا تعذليني على البكا / فإن الذي قد نابني لشديد
أحس بجسم العدل شبه حرارة / فأحرز ظنا أنه لم يمت بعد
وأحلَمُ من يمشي مع الناس صافحٌ / إذا سبه الجهال قال سلاما
لمن لاذ بالحكام من شر ظالم / كمن فر من حر الهجير إلى النار
إذا كانَ في الدنيا عدوٌّ يضرني / فَذاكَ لساني ثم ذاكَ لِساني
لا شيء يفسد حكم قا
لا شيء يفسد حكم قا / نون الجَماعَة كالتَغاضي
وإذا اِستَكانَت أُمَّة / فاحكم عليها بانقراض
وَإِذا الشعوب تَحاكَمَت / يوماً فان السيف قاضي
إِنَّ بحث الحَياة وَالمَرء إن ما
إِنَّ بحث الحَياة وَالمَرء إن ما / ت جماد من أغمض الأبحاث
عل ما يحثى من تُراب علينا / بعض أَجدادنا بكف الحاثي
لا سَقى الغَيث بعد مَوتي قَبري / ما لِقَبري نفع من الأغياث
أَحدثتني الأيام عَن غير قصد / فَهي مدفوعة إلى إحداثي
أَحدثتني وبعد ما أَحدثتني / أَلبثتني فَلَم تطل إِلباثي
حلم هذه الحياة قَصير / وَهوَ في نوعه من الأضغاث
ليت نفس الإنسان نالَت مناها / بعد سعي وَراءَها حثحاث
أَترى أن للبطون الَّتي قَد / شبعت علما بالبطون الغراث
اسقني شربة مِن الماء تروي / ني فإني حران أَشكو لهاثي
قَد تزوجتها عَلى الحب دنيا / فَلِماذا طلقتها بالثَلاث
إِنَّما الموت خير ما خلفته / لبنيها الآباءُ من ميراث
أرسلت طَرفي في الفَضاء فَلَم يَقف
أرسلت طَرفي في الفَضاء فَلَم يَقف / فَعَلِمت أن البعد فيه سَحيقُ
يا طرف أَرجو في سراك إلى العلى / أَن لا يَعوقك عنده العيوق
بين النجوم به وأَنفسنا الَّتي / تَنوى الرَحيل من الأثير طَريق
اللَّيل داج وَالطَريق مخوفة / فضللت لَولا اللَّه وَالتَوفيق
الأقوياء بكل أَرض قد قضوا / أن لا تُراعى للضَعيق حقوق
إِنَّ الشعوب لتستحق تساوياً / لَولا اختلاف بينها وَفروق
إني أَخاف من انفجار هائِلٍ / فَعَلى النهى يتكاثر التَضييق
لَو كانَ هَذا الكَون فيه وازِعٌ / ما كانَ يَتَّسِع الجدا وَيَضيق
يودي الفَتى من حيث يسلم غيره / ما لِلسَلامة منهج مطروق
الكَون بحر من لَهيب لاهِب / وَالناس فيه سابح وَغَريق
في كل حَي شعلة من ناره / فَكأَنَّما هذي الحَياة حَريق
خلت الدهور وَمَرَّت الأعصارُ
خلت الدهور وَمَرَّت الأعصارُ / وَاللَيل لَيل وَالنَهار نهارُ
للأَرض أَدوار وَلست بعارف / حَتّى مَتى تَتعاقب الأدوار
ما إِن يحط من الحَقيقة قدرها / أَنَّ الحَقيقة مالها أَنصار
ما كانَ يفلح في شؤون حَياته / عقل عَلى خطأ له إصرار
أَنا لا أَرى أَنَّ الحقيقة مثلما / شعرت به الأسماع والأبصار
إن الطَبيعة لَم تَزَل مجهولة / وَلَقَد أَحاطَ بنا لَها أَسرار
العقل سار تارة وَمؤوّب / وَالشك لَيل وَاليَقين نهار
وَالزعم قد يَصفو فيظهر صائِباً / وَعَلى الحَقيقة قَد يَكون غبار
لا تكثرنَّ من الخضم توغلاً / فأَخاف أَن يجتاحك التيار
كسب الَّذي قد كانَ يؤثر غيره / حَمداً فكانَ لِنفسه الإيثار
إن النفوس إذا اقتنت لعقيدة / مثل الجسوم يُرى لها استمرار
إِنَّا بعصر قد أَبان رقيُّه / وَالناس قَد غاصوا البحار وَطاروا
تِلكَ النجوم عَلى شسوع مكانها / عَنا تمثلها لنا الأنوار
وَالجسم مهما دامَ في اِستقراره / فيه جواهر مالها استقرار
قد عاتَبوني من جهالتهم عَلى / ما قد أَتَيت كأَنَّني مختار
ما جئت أَستَبِق الحَياة مُسارِعاً / لَو كانَ لي قبل المَجيء خيار
إِن عاشَ إنسان تعش أَوطاره / أَو ماتَ يَوماً ماتَت الأوطار
إن أَرضاً كنا عليها نجولُ
إن أَرضاً كنا عليها نجولُ / بعد أَيام دوننا ستحولُ
لَم يفكر فيما يصير إليه / قبل أَن يدفن الخَليل الخَليل
كانَ فيها المقام أَنّى التفتنا / لعباً زالَ حين جد الرَحيل
لك لهو فوق التراب قَصير / ثم نوم تحت التراب طَويل
ليتني عارف لماذا حيينا / وَلماذا من بعد حين نزول
قيل لي لا تقل فكان جوابي / أَنا إِن لَم أَقل فمن ذا يَقول
مللت في وحدة الدّيارِ
مللت في وحدة الدّيارِ / تعاقب اللَّيل وَالنَّهارِ
إلى مضيق الوجود جاءَت / من عدم واسع عواري
ماذا أَرجيه من بَقائي / وَقَد بَدا الشيب في عذاري
تجرُّني إن أَضاءَ شيبي / خيوطه البيض للبوار
توارَت الشَمس عنك لَيلاً / فاِغتنم النور في الدراري
سأَبلغ القصد عَن قَريب / إِن دامَ ركضي بلا عثار
قد خبرت الوجود في كل حال
قد خبرت الوجود في كل حال / فوجدت الزَمان في السَكَناتِ
قَد بدا لي أَن الزَمان سكون / بين ما للأجسام من حَرَكاتِ
وَوجدت اِمتداد كل مكين / حاصِلاً من مَكانه في الجهاتِ
وَوجدت الكهيربات بأَحشا / ء الخَلايا مولدات الحَياة
إِنَّ الحَياة سَعادَة وَشَقاءُ
إِنَّ الحَياة سَعادَة وَشَقاءُ / يَتَعاقَبان وَضحكة وَبكاءُ
في قَلب من يحيا عَلى ضيق به / يأس يخيم تارة وَرَجاء
لليل صبح سوف يسفر بادياً / بعد الظَلام وَللنهار مساء
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه / فَلَيسَ به عيب سوى أنه مر
ومن حاد عَن نهج الطَبيعة لَم يعش / وَمن لَم يدار الدهر ناصبه الدهر
إذا باتَ مَكشوفاً إِلى كل باسط / يداً كان مضياعاً لبيضته الخدر
وَما المَرء إلا روحه فهو وحده / لباب وأما الجسم فهو له قشر
لَقَد وسعت أَرض تقل جسومنا / وأَوسع منها في جماجمنا الفكر
وَقَد سترت لَيلى الحَقيقة وَجهها / وَللعين حظ منه لَو رفع الستر
وَكَم حاول الإنسان كشفاً لسرها / بما حازَ من علم فَما انكشف السر
قَد علمتني اختباراتي الَّتي كثرت
قَد علمتني اختباراتي الَّتي كثرت / أَنَّ الحَقيقَة شيء غير ما فرضوا
وَما الأثير سوى الأم الَّتي ولدت / طيف الشهود وأخت الجوهر العرض
لا يعقب العمل الكَبير حبوطُ
لا يعقب العمل الكَبير حبوطُ / إلا إذا هدم الرجاء قنوطُ
إنا بعصر لا حَياة بأرضه / إلا لمن هو في الكفاح نشيط
وإذا تقدمت الشعوب حضارة / تَزداد فيها للحياة شروط
أَما الألى صعدوا بلا سند لهم / فَلَهم عَلى قدر الصعود هبوط
إن اعتدالك في الأمور لمصلح / ما أَفسد الإفراط وَالتَفريط
لا تَعلَم الألباب ما هُوَ فاعِل / فيهنَّ أَم ماذا بهن يحيط
ما طالَ عهد اليأس في قلب امرىءٍ / إلا اِستَبان عَلى الجَبين خطوط
أمنيتي هي لَو ظفرت بنيلها / عيش ببادية العراق بسيط
قَد كانَ كل الظن أن حبيبتي / وَهيَ الحَقيقة للثام تَميط
مهما طما بحر به أَنا سابح / فله عَلى الجنبات منه شطوط
هَل من يدرى إلا ظناً
هَل من يدرى إلا ظناً / ماذا سيجيء به غدُهُ
في منطقه وَكفايته / شرف الإنسان وَسؤددُهُ
ما يَزرعه الإنسان من ال / أعمال فذلك يحصده
نحت الإنسان له صنماً / وَغَدا من جهل يعبده
الواحد أَنتَ به برمٌ / ماذا يجديك تعدده
لَيسَ الإنسان وإن مارى / حراً فيما يتعمده
نقلوا عَن نشأتنا أَمراً / ما جاءَ العقل يؤيده
يَتَباين عند مزاحمة / عقل الإنسان وَمحتده
إن الطيار سليمان / فوددت لَوَ اَني هدهده
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد / عقل الحَكيم نهاية الأَبعاد
بالعَقل لَيسَ الفَيلَسوف بمدرك / ما يطمئن له من الآباد
لما أَخذت أقيس أَبعاد السهى / طالَت عليَّ مراتب الأعداد
ما إِن أرى إلا فساداً قبله / كون وكوناً جاءَ بعد فَساد
ما الكَهرباء سوى الحَياة إذا اِنتَهَت / حركاتها ذهبَ الحَياة بداد
عَجَبي من الإنسان يهججَ آمِناً / وَالمَوت للإِنسان بالمرصاد
لا تَطمَئِن بكون لَيلك هادِئاً / فَلَسوف يأَتي السيل ملء الوادي
الشَمس قَد غربت فحيّ عَلى السرى / مستهدياً بالكَوكب الوقاد
وَيلي من الأيام إن جديدها / أَخنى عليَّ وَنالَ من اجلادي
لَم يجدني لَهفي عَلى شَعري الَّذي / بان البياض عليه بعد سواد
حسْنٌ وَقبح أَو رضىً وَبغاضةٌ / يا دَهر إنك جامع الأضداد
فتشت من بعد الحَريق مَكانه / فوجدت أَنقاضاً وَبعض رماد
يا أَرض إنك في زَمان واحد / مَرعى الظباء وَمربض الآساد
ما أَنتَ إلا للتَنازع حومة / وإِنِ الحَياة عليك غير جهاد
أَخذت تهذبني الخطوب ملمة / إن الخطوب لَها عليّ أَيادي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025