المجموع : 84
يا قادِماً ما أَسعَد المَقدَما
يا قادِماً ما أَسعَد المَقدَما / سَلامَةُ الأَوطانِ أَن تَسلَما
لا بَأسَ أَن شَبَّت لَظى حَربِها / عَودُك كانَ النَصرَ وَالمَغنَما
لَقَد أَمِنّا شَرَّها بَعدَ ما / سَلِمتَ يا أَثمَنَ مَن في الحِمى
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً / فَرُوَيداً إِلى المَعالي صُعُودا
ما الَّذي تَبتَغي وَأَيسَرُ ما نِل / تَ مِن المَجدِ أَن بَلَغتَ الخُلودا
لَم تَدَع في مَصاعِدِ المَجد مَرقىً / فَاِبتَدع فيهِ إِن أَرَدتَ مَزِيدا
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ / حَيِّ عَنّي الصَديقَ عَبد الحَميدِ
حَيِّ نَفساً كَالزَهرِ طِيباً وَطُهراً / زَفَّها الرَوحُ مِن رِياضِ الخُلودِ
وَفُؤاداً أَصفى مِن الماءِ وِرداً / لَم يَحُل عَن وَفائِهِ المَعهُودِ
تَتَبارى الآمالُ فيهِ سُموّا / كَالدَراري تَنافَسَت في الصُعودِ
وَتَساوَت كُلُّ الأَحباءِ فيهِ / كَالمُصَلِينَ كُلُّهُم في صَعِيدِ
فَجَديدٌ في الرَوضِ مِثلُ قَديمٍ / وَقَديمٌ في الحُبِّ مِثلُ جَديدِ
حَيِّ كَنزاً مِن الحِلى تَرجَح الدُر / رَةُ مِنهُ بِكُلِّ ما في الوُجودِ
وَأَمانِيَّ لَم يَنَلها حِباءً / وَعُلاً بِالجُهودِ لا بِالجُدودِ
أَنتَ لِلثَغرِ قُبلَةٌ تُطفِئُ الوَج / دَ بِقَلبِ المُتَيّمِ المَعمُودِ
بَسَمَ الثَغرُ إِذ وَرَدتَ عَلَيهِ / طِبتَ مِن وَارِدٍ وَمِن مَورُودِ
أَميرَ البَلاغَةِ فيما كَتَب
أَميرَ البَلاغَةِ فيما كَتَب / إِلَيكَ تَناهى بَيانُ العَرَب
فَصِف لي بأَيِّ يَراعٍ كَتَبتَ / فَأَحيا اِفتِنانُكَ زَهوَ الأَدَب
وَقُل لي بَأَيِّ بَنانٍ تُحِيلُ / مِدادَ اليَراعِ سُلافَ العِنَب
لَها الطِرسُ كَأسٌ وَساقي الطِلا / يَراعٌ وَأَلبابُنا المُنقلَب
يَطُوفُ اليَراعُ بِعَذرائِها / إِذا ما دَعَوا بِالمِزاجِ اِضطَرَب
وَفي أَي طِرسٍ خَطَطتَ فَرَصَّع / تَ ماساً عَلى صَفحاتِ الذَهَب
أَوِ الزَهرَ تَنظِمه ناثِراً / فَكانَ مِن الطِرس رَوضٌ عَجَب
وَأَيُّ القَرائِح تِلكَ الَّتي / لَها وَهَبَ الفَنُّ ما قَد وَهَب
تَوَقّد جذوَتُها فَاعجَبُوا / لِغَيثٍ جَرى عَذبُهُ مِن لَهَب
فَهاتِ مِن النَثرِ ما قَد حَلا / نَقُم في الثَناءِ بِما قَد وَجَب
سكِرتُ وَلَيسَ بِدعاً كان سُكري
سكِرتُ وَلَيسَ بِدعاً كان سُكري / بِشِعر البُحتُرِي وَبِنَثر صَبري
وَأَيُّهما تَراهُ أَرَقَّ فَنّاً / وَأَعمَقَ في النُفوسِ جَمالَ سِحرِ
وَمَن في لَفظِهِ أَحلى بَياناً / لعمرُكَ فيها قَد حارَ أَمري
إِذا ما فازَ بِالتَفضيلِ صَبري / رَأَيتُ البُحتريَّ يُميلُ فِكري
وَإِن قُلتُ الوَليدُ أَرَقُّ نَسجاً / أَرى صَبري يَقولُ وَأَينَ نَثري
فَتِلكَ شَوامِخي عَزَّت وَطالَت / عَلى الفُصَحاءِ مِن بَدوٍ وَحَضر
فَيَعنُو البُحتريُّ لَهُ مُقِرّاً / يَقولُ صَدَفتَ نَثرُكَ زانَ شِعري
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا / يَتلو عَلى الأَسماعِ مِنهُ عَجِيبا
ما إِن يَمَلُّ عَلى المَدى تَرديدَهُ / وَيَظَلُّ فيهِ سائِلاً وَمُجيبا
وَيَصوغُ لِلأَجيالِ مِنهُ قَصيدَةً / يَشدُو بِها صَوتُ الزَمانِ طَرُوبا
نَبأٌ سَرى فَالشَرقُ مَزهُوٌّ بِهِ / وَغَدا بِهِ تاريخُ مصر خَصيبا
وَالجامِعاتُ عَلَيهِ تَحسُد أُختَها / في مِصرَ يافِعَةً تَبذُّ الشِيبا
أُمَمُ البَيانِ تَساجَلَت فَرَحاً بِهِ / وَتَناقَلَته في المَمالِكِ طِيبا
إِن لَم يُقيمُوا لِلتَهاني حَشدَهُم / فَالشَرقُ مُحتَشِدٌ لِذاكَ قُلوبا
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا / كُلُّ مجدٍ إِلى الجُمَيِّلِ يُهدى
إِيهِ يا مُسدِياً إِلى الشَمسِ نُوراً / في ضُحاها ماذا إِلى الشَمسِ يُسدى
أَيُّها العَبقَريُّ أُفقُك أَعلى / رُم كَما شئتَ بِالمَواهِبِ مَجدا
كُلُّ مَجدٍ لَهُ مَدى غَيرَ مَجدِ العَب / قَريِّينَ جلَّ عَن أَن يُحَدّا
يا لِصَدرٍ رَحبٍ تَجمَّع فيه / كُلُّ مَعنىً مِن السُموِّ اِستمدّا
شَعَّ مِنهُ نُورُ المَواهبِ حَتّى / راحَ نُورُ الوسامِ يَبذُل جُهدا
فيهِ قَد جاوَرَ الوسامُ وساماً / بَذَّهُ في العُلا سَموّاً وَخُلدا
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ / وَجُزتَ في السَبق ما أَمَّلتَ فَاتَّئِدِ
يا ناثِرَ الزَهرِ غَضّاً في صَحائِفه / أَرِيجُهُ لَم يَدَع في الشَرق مِن بَلَدِ
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ الأَشعارَ حاسِدَةً / فَكانَ تَقطيعُها مِن شِدَّةِ الحَسَدِ
مَعنىً مِن الرُوحِ توحيهِ قَريحتُه / يُزهى بِلَفظٍ قَويِّ النَسجِ مُطَّرِدِ
بِالأَمسِ قَلَّدتَ صَبري مِنهُ لُؤلُؤَةً / كانَت حَياةً لَهُ تَبقى عَلى الأَبَدِ
رَوائِع السحر فيها مَحفِلٌ حَشِدٌ / وَقَفتَ تُرسلُها في مَحفِلٍ حَشِدِ
وَاليَومَ تُهدِي إِلى شَوقي بِجَنَّتِهِ / لَحناً لأَطيارِها في صَوتِها الغَرِدِ
وَشَّيتَ أَشعارَهُ بِالنَثر تُبدِعُهُ / كَما تُوَشّى زُهُورُ الرَوضِ بِالبَرَدِ
جَلَوتَه صُورةً أَغنَت بِدِقَّتِها / عَن التَماثيلِ شادُوها عَلى عَمَدِ
تاللَهِ لَو أَنَّهُ أَهدى قَرِيحَتَه / إِلَيكَ في الشُكرِ ما وَفّى جَميلَ يَدِ
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ / وَمَدَدتَ لِلفُصحى يَدَ الإِحسانِ
أَطلَقتَ مِن أُمِّ اللُغاتِ عِنانَها / فَشَأَت لُغات الغَربِ في المَيدانِ
وَأَرَيتَ عائِبها بِعَجز أَدائِها / أَنَّ الجَهالَةَ آفَةُ الإِنسانِ
جَهِلوا ذَخائِرَها وَقَصَّر عِلمُهم / عَن سرِّها فَرَمَوا بَني عَدنانِ
يا كاتِباً يَكسو المَعاني حُلَّةً / مِن حُسنِ تَصويرٍ وَسِحرِ بَيانِ
فَرِحَت بِمَوطِنِها الجَديدِ كَأَنَّها / لَم تَنأَ أَوطاناً إِلى أَوطانِ
نُقِلَت فَلَم تَفقِد بِنَقلِكَ رُوحَها / نَقلَ الغُروسِ عَلى يَدي بُستاني
كَلِمٌ يُؤَلِّفُ بَينَ مُفتَرِق الهَوى / ما أَبعَدَ السكسُونَ عَن قَحطانِ
إِن حَيَّتِ اللُغَةُ الكَريمَةُ كاتِباً / فَتَحيَّةُ الفُصحى إِلى بَدرانِ
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً / أَم صُغتَ أَوقاتَ الوِصالِ فَرائِدا
أَم تِلكَ أَفوافُ الرَبيعِ نَسَجتها / لَفظاً يَضُوعُ شَذىً وَمَعنىً شارِدا
أَم ذاكَ قَلبُكَ طامِحاً أَودَعتهُ / في شِعركَ العالي مُنىً وَمَقاصِدا
بَل ذاكَ نَبعٌ بِالعَواطِفِ زاخِرٌ / يُزهى بِصَفحَتِه وَيُغري الوارِدا
في كلِّ بَيتٍ مِن قَصائِدِهِ أَرى / نَفساً مُوَلَّهةً وَطَرفاً ساهِدا
وَبِكُلِّ لَفظٍ قِطعَةٌ مِن نَفسِهِ / بَثَّت غَراماً طارِفاً أَو تالِدا
فَكَأَنَّ أَفئِدَةَ الشَبابِ جَمَعتَها / فيما تَجيشُ بِهِ فُؤاداً واحِدا
كَذاكَ فَليَكُنِ التَجديدُ في الأَدَبِ
كَذاكَ فَليَكُنِ التَجديدُ في الأَدَبِ / وَالفَضل يُعرَفُ بِالآثارِ لا الصَخَبِ
هَذي صَحائِفُ كَالمرآةِ صادِقَةٌ / تَجلو لَنا صُوَرَ الماضينَ عَن كَثَبِ
لِلّهِ بَينَ بَنانَي كامِلٍ قَلَمٌ / يَفيضُ بِالسحرِ مِن إِنشائه العَجَبِ
تَمُدُّهُ فكرَةٌ فَيّاضةٌ عَرَفَت / مَواضِعَ الجَدبِ فَاِنهلَّت مَع السُحُبِ
إِذا التَوت سُبُل التَفكيرِ سَدَّدَه / رَأيٌ كَما اِنشَقَّ جُنحُ اللَيلِ بِالشُهُبِ
وَحاطَهُ الخُلُقُ العالي وَبَرّأَهُ / مِن أَن تُدَنِّسَه الأَهواءُ بِالكَذِبِ
وَذُو اليَراعَةِ إِن يَلعَب بِهِ غَرَضٌ / كانَت يَراعَتُه ضَرباً مِن اللَعِبِ
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً / وَبَيانُ أَروَع يَخلبُ الأَلبابا
لَمَحَ الشيوخُ شُعاعَ فَضلِكَ مِثلَما / لمَحُوا بِمُعتَرَكِ الشُكوكِ صَوابا
قُم يا أَديبَ المَجلِسَينِ بِمُسكِرٍ / مِن خَمرِ لَفظِكَ حُثَّها أَكوابا
وَاِسجَع عَلى أَيكِ النِيابَةِ بُلبلاً / جَعَل الرُواةَ لِسحرِهِ الأَحقابا
وَاِنثُر عَلى الأَسماعِ مِن تِلكَ الحُلى / ما يُعجِزُ الأَسلافَ وَالأَعقابا
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ السَوابِقَ ظُلَّعاً / مِن خَلفِهِ لا يَملِكُون خِطابا
فَاِبعَث بِهِ في الشَيبِ ماضِيَ عَزمَةٍ / حَتّى تَرُدَّ شُيوخَها نُوّابا
وَالرَأيُ مَهما جَلَّ لَيسَ بِبالِغٍ / في النَفس إِن لَم يَصحَبِ الآدابا
أَبانَ عَن ظُلمِهِ لِلعلم وَالأَدَبِ
أَبانَ عَن ظُلمِهِ لِلعلم وَالأَدَبِ / مَن أَنكَرَ القَصَص العالي عَلى العَرَبِ
إِنَّ الخَيالَ وَليدُ الشَرقِ فيهِ حَبا / وَفيهِ شَبَّ وَحَتّى الآن لَم يَشِبِ
ما طارَ عَن أُفقِهِ الشَرقِيِّ مُنتَقِلا / لِلغَربِ إِلا شَكا أَشواقَ مُغتَرِبِ
هَذا فَريدٌ وَهَذي عَبقَرِيَّته / تُجلى رَوائِعُها في قِصَّةٍ عَجَبِ
سَمَت خَيالاً وَدَقَّت صُورَةً فَرَأَت / عُصورُنا المَلِكَ الضليل عَن كَثَبِ
حَتّى تَخَيَّلت وَالأَحداثُ غائِبَةٌ / أَنَّ الوقائِعَ رَأي العَينِ لَم تَغِبِ
وَفي اليَراعَةِ لَو أَحكَمتَ صَنعتها / ما يَحقِر الريشَ لَو حَلَّوه بِالذَّهبِ
نَقَلتَ عَصراً إِلى عَصرٍ فَأَيُّ رُقىً / وَأَيُّ سِحرٍ يُعيدُ الدَّهرَ في الكُتُبِ
أَجابَكَ العَصرُ مِن سحرِ دَعوتَ بِهِ / وَلَو دَعَوتَ بِغَيرِ السحرِ لَم يُجِبِ
فَلو رآكَ ابنُ حُجرٍ ما بَكى أَسَفاً / لفَقدِ مُلكٍ وَلَم يَحفِل بِقَتلِ أَبِ
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ / مَلَكٌ في مَظاهِر الإِنس يَبدُو
ما لَهُ في الثَباتِ قَبلٌ فَننميه / إِلَيهِ وَما لَهُ فيهِ بَعدُ
لَو تَزولُ الجِبالُ مازالَ عَمّا / يَرتَئي لَم يَرُعه في الرَأيِ نَقدُ
وَلَو اِختارَ غَيرَهُ لَمَشَت في / إِثرِهِ مِن مَواكِبِ العِزِّ جُندُ
غَيرَ أَنَّ الفَتى رَأى العزَّ في الرَأ / يِ فَأَمسى في مَوكِبٍ وَهوَ فَردُ
قَد تَلَقَّيتُ مِن هَداياكَ سِفراً / فيهِ عَقلٌ فَوقَ العُقولِ وَجُهدُ
وَبَيانٌ تُزهى بِهِ لُغةُ الضا / دِ وَسحرٌ مِن بابِلٍ مُستَمدُّ
هاتِ عَن مُصطَفى أَحاديثَ تُذكي / هِمَماً لِلشَبابِ إِن جَدَّ جِدُّ
ذَكِّرِ القَومَ ما نَسُوا مِن زَعيمٍ / كُلُّ غَرسٍ إِلى يَدَيهِ يُرَدُّ
وَيحَ شَعبِ البِلادِ إِن نَسِيَ العَه / دَ فَما بَعدَ ذاكَ لِلشَعبِ عَهدُ
لَيسَ يُجدي التِمثالُ في الخُلدِ إِن لَم / يَكُ لِلعَبقَرِيِّ في الشَعبِ خُلدُ
إِلى الصَديقِ المُفَدّى
إِلى الصَديقِ المُفَدّى / أَهدَيتُ وُدِّيَ عِقدَا
أَهديتُ سِفراً يَبُذ / ذُ الأَسفارَ هَزلاً وَجِدّا
وَما لَهُ مِن شَبيهٍ / في الكُتبِ جَمعاً وَحَشدا
لراشِدٍ وَغَوِيٍّ / يُجيدُ غَيّا وَرُشدا
وَللمُؤَّرخِ فيهِ / ما شاءَ لِلعُربِ سَردا
مَفاخرُ القَومِ فيه / تُعيِ المُسَطرَ عَدّا
فيهِ البَيانُ المُصَفّى / أَشهى وَأَعذَبُ وِردا
وَكَم لَقِينا إِلى أَن / صَحَّت مَعانيهِ جَهدا
يا رُبَّ لَفظٍ قَضَينا / فيهِ اللَيالي سُهدا
وَرُبَّ بَيتٍ حَشَدنا / لَهُ مِن الصَبرِ جُندا
حَتّى اِستَقامَ وَأَعطى / مِن صابه المُرّ شَهدا
واسمٍ خَفِيّ أَطَلنا / عَلَيهِ في الكُتبِ كَدّا
إِلَيكَ أُهدِيهِ حُبّاً / وَأَنتَ بِالرُوحِ تُهدَى
لأَنَّ فَنَّكَ فَردٌ / بَعَثثُ في الكُتبِ فَردا
لَو ناظِمُ العِقدِ يَوماً / رَآكَ أَصفاكَ وُدّا
وَقالَ يا قَومُ حَسبي / بِنَثر أَنطُونَ عِقدا
عَزاءً فَمِثلُكَ إِن يُمتَحَن
عَزاءً فَمِثلُكَ إِن يُمتَحَن / تَكَشَّفَ عَن جَوهَرٍ مُنتَخَب
لَهُ في عَقِيدَتِهِ مفزَعٌ / وَمِن حُسنِ إِيمانِهِ مُحتَسَب
فَأَيُّ اللَيالي خَلَت مِن عَناءٍ / وَأَيُّ صَفاءٍ بِها لَم يُشَب
وَأَيُّ الظُبا لَم يَنَلهُ الكلالُ / وَأَيُّ بُناةِ العُلا لَم يُصَب
هُوَ الدَّهرُ ما إِن يُرى باكِياً / لِباكٍ وَلا مُعتِباً مِن عَتَب
وَإِن رُمتَ مِنهُ دَوامَ السُرورِ / فَإِنَّكَ مِنهُ تَرُومُ العَجَب
وَأَنتَ العَليمُ أَبا وائِلٍ / بِما سَوفَ يَأتي وَما قَد ذَهَب
وَإنا نُعَزِّيكَ لا ناصِحينَ / وَلَكن قَضاءً لِما قَد وَجَب
بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ
بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ / وَعَمَّ المَشرِقين بِكَ المُصابُ
وَأَخلصَ في بُكائِكَ كُلُّ جَفنٍ / يمدُّ شَؤونَه قَلبٌ مُذابُ
وَطارَ البَرقُ يَحمِلُ رُزءَ مِصرٍ / كَأَنَّ البَرقَ في البَلوى غُرابُ
يَكادُ السِلكُ حِينَ نَعاكَ فينا / يُحَسُّ لَهُ مِن الأَلَم اِنتِحابُ
بُروقٌ إِن جَرَت شَرّاً فَصِدقٌ / وَإِن خَيراً فَآمالٌ كذابُ
نَصيبُ الشَرقِ مِنها كُلُّ رُزءٍ / يَطُولُ بِهِ عَلى الزَمَنِ العَذابُ
فَلَم نَصبِر لِخَطبٍ جَلَّ إِلا / أَتى خَطبٌ تُدَكُّ لَهُ الهِضابُ
مُصابٌ لَم يَدَع لِلشَيبِ حَزماً / وَلا عَزماً يَلوُذُ بِهِ الشَبابُ
تَسيلُ النَفسُ فيهِ لا المَآقي / وَتَنشَقُّ المَرائِرُ لا الثِيابُ
تَساءَلتِ العَواصِمُ ما دَهاها / عَشِيَّةَ سارَ بِالنَبأ الركابُ
وَعَزّى بَعضُها في الرُزءِ بَعضا / فَمَأتَمه المَمالِكُ لا الرحابُ
وَأَقبَلتِ الرَسائلُ عَنه تَتَرى / فَأَعيانا بِمَصرَعِهِ الجَوابُ
وَحَفَّ بِنَعشِهِ مِنهُم قُلوبٌ / وَإِن بَعُدَ المَزارُ بِهم فَغابُوا
فَكَم آسى جِراحَهمُ بِسِحرٍ / مَعانيهِ هِيَ الطِبُّ العُجابُ
وَقَد يُغنى المَريضَ حَنانُ آسٍ / وَتَشفى داءهُ الكَلمُ العِذابُ
تَبَيَّنَ داءهُم فَسَرى إِلَيهِ / كَما يَسري إِلى الظَمإِ الشَّرابُ
وعاشَ بِفِكرِهِ في كُلِّ أَرضٍ / فَلَيسَ لِفكرِهِ عَنها اِغتِرابُ
فَكانَ الشَرقُ مَوطِنه جَميعاً / وَكانَ لِمصرَ ما ضمِنَ الإِهابُ
حُسامٌ لَم يُثَلِّمهُ قِراعٌ / وَلَكن ضَمَّ صَفحتَه القِرابُ
وَلَيثٌ لَم يُحَطِّمهُ جِهادٌ / وَلَم يَخذُله في الهَيجاء نابُ
وَلَكن عاقَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ / وَقَصَّرَ خَطوَهُ داعٍ مُجابُ
فَقصّرَ وَالبَراثِنُ مُشرَعاتٌ / كَأَنَّ القَبرَ حينَ حَواهُ غابُ
جِهادٌ لَم يَدَعهُ ثلثَ قَرنٍ / وَلِلآلامِ في الجسمِ اِنتِيابُ
تُغالطُ في الضَنى جِسماً سَقيماً / وَلِلقرطاسِ في يَدكَ اِضطِرابُ
يُواثِبُكَ السَقامُ فَلا تُبالي / وَلا يُلوي بِهِمَّتِكَ الوثابُ
وَينشُدكَ الطَبيبُ وَأَنتَ ماضٍ / لما تَبغي وَيَنصَحُكَ الصِحابُ
ظَلِلتَ تُجالدُ الأَوصابَ حَتّى / شَكا مِن عَزمِكَ الجسمُ المُصابُ
تَعَقَّدتِ المَشاكِلُ وَاكفَهَرَّت / وُجُوهُ الرَأيِ وَاِربدَّ السَحابُ
وَعادَ الأَمرُ مُلتَويَ النَواحي / لِمُبصِرِهِ كَما التَوتِ الشِعابُ
فَبَينا مِصرُ لِلأَهرام تُصغي / وَلِلشَعبِ اِنتِظارٌ وَاِرتِقابُ
إِذ الأَهرامُ تَبدُو في حِدادٍ / يُجلِّلُها سَوادٌ وَاِكتِئابُ
جَرَت أَنهارُها دَمعاً وَكانَت / مَوارِدَ بِالبَيانِ لَها اِنسِكابُ
لَقَد كُنتَ اليَقينَ لِكُلِّ شَكٍّ / فَمن لِلباحِثينَ إِذا اِستَرابوا
وَكُنتَ لَهُم إِذا ضَلُّوا صَواباً / فَأَعوَزَهُم لِغَيبتكَ الصَوابُ
وَكُنتَ كِتابَ نَهضَتِهم فَلَمّا / طَوَتكَ يَدُ الرَدى طوي الكِتابُ
صَحائفُ لِلقَضيَّةِ حافِظاتٌ / لِكُلِّ دَقيقَةٍ فيهنَّ بابُ
فُصُولٌ بِالعِظاتِ مُفَصَّلاتٌ / ضَوافٍ لَم يَشُبهنَّ اِقتِضابُ
تُطالِعُنا بِها في كُلِّ شَمس / سِماءٌ ما لِكَوكَبِها اِحتِجابُ
يُساجِل طَيرَها في كُلِّ صُبحٍ / غِناءٌ مِن يَراعِكَ مُستَطابُ
وَما مِن كاتِبٍ في الشَرقِ إِلا / إِلى ذاكَ اليَراعِ لَهُ اِنتِسابُ
فَكَم في مَهدِهِ زُعَماءُ شَبُّوا / وَفي أَفيائِهِ زُعَماءُ شابُوا
وَكَم في ضَوئِهِ سارَت شُعوبٌ / فَما ذُمَّ المَسيرُ وَلا الإِيابُ
تَقُودهُم قِيادَةَ أَلمعِيٍّ / يَرى في الأُفقِ ما خَبَأَ الضَبابُ
تُؤاتيهم إِذا حَسُن التَأَتّي / وَتَحفِزُهم إِذا جَدَّ الطِّلابُ
سجلٌّ لَم يَفُتهُ عَن زَعيمٍ / ثَباتٌ في الكِفاحِ وَلا اِنقِلابُ
وَلا مَن كانَ يَقصِدُ وَجه مِصرٍ / وَلا مَن هَمُّهُ جاهٌ يُهابُ
بِهِ مِن عِبرَةِ الماضي كُنوزٌ / وَمِن تاريخِ ساسَتِنا عُبابُ
لَدَيهِ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ قِياسٌ / وَفيهِ لِكُلِّ داجِيَةٍ شهابُ
تَجارِبُ تَجمَعُ الأَجيالَ فينا / فَلَيسَ بِها عَلى آتٍ حِجابُ
مَلأتَ مَسامِعَ الأَيامِ ذِكراً / فَأَلسِنةُ الزَمانِ بِهِ رِطابُ
وَغَيرُكَ تُقفِرُ الأَوقاتُ مِنهُ / خَرابٌ ضَمَّ جُثتَهُ الخَرابُ
نَسيرُ إِلى التُرابِ بِعَبقَريٍّ / فَيا لِلَّهِ ما ضَمَّ التُرابُ
وَقَلبٍ صِيغَ إِخلاصاً وَوُدّا / وَجلُّ الناسِ وُدُّهُم خِضابُ
وَنفسٍ في الحُطامِ تَفيضُ زُهداً / إِذا اِقتَتَلَت عَلى العَرضِ الذِئابُ
وَمَن يَبغِ الخُلودَ سَما بِنَفسٍ / عَلى الدُنيا وَغايتُها الذَهابُ
خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا
خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا / وَأَصابَ مِن حَبل الرَجاءِ المَقطَعا
أَهدى إِلى القَلبِ التَلَهُّفَ وَالجَوى / وَإِلى الجُفونِ سُهادَها وَالأَدمُعا
عَمَّ الأَسى فَالناسُ فيهِ مُفَجَّعٌ / شاكٍ يُساجِلُ في الشكاةِ مُفَجَّعا
كَيفَ العَزاءُ وَلَستُ أُبصرُ بَهجَةً / في الدَهرِ إِلا وَدَّعت مُذ وَدَّعا
وَبَشاشَةُ الدُنيا حَوَتها حُفرَةٌ / في الأَرضِ قَد خُطَّت لِصَبري مَضجَعا
دَفَنُوا شَمائِلَ كَالسُلافَةِ رقَّةً / وَالماءِ رِيّاً وَالرِياضِ تَضَوُّعا
شِيَمٌ هِيَ الإِيناسُ يَجلو وَحشَةً / أَو نِعمَةُ الدُنيا تُصادِفُ مُدقِعا
خُلُقٌ هُوَ الجَنّاتُ لَو يُجزى بِهِ / ذُو طاعَةٍ لَم تُلفِ إِلا طَيِّعا
عَفُّ اللِسانِ عَن الجَليسِ إِذا نَأى / يُرضيكَ حاضِرُهُ وَغائِبُهُ مَعا
وَإِذا تَوَسَّطَ في النَديِّ رَأَيتَهُ / يُرضي الشَمائِلَ سامِعاً أَو مُسمِعا
يَسبي قُلوبَ الزائِرينَ بِبشرِهِ / أَكرِم بِهِ مُستَقبِلاً وَمُشَيِّعا
هَشٌّ لِزائِره أَأَكثَر أَم وَنى / لَم يَلقَه سَئِماً وَلا مُتَمَنِّعا
فَكِهُ الحَديثِ حَكيمُهُ لا مُضجِرٌ / مِنهُ الغَويَّ وَلا التَقِيَّ الأَورَعا
لَم يَعتَذِر بِمزاحِهِ عَن زَلَّة / يَوماً وَلا نَطَق السَفاهَ وَلا وَعى
ثَبتُ الوِدادِ نَأَى المَعاشرُ أَو دَنا / راعٍ لَهُ نَسيَ المَودَّةَ أَو رَعى
لَم تُوهِ مِن أَخلاقِهِ أَسقامُه / وَلَو انَّها في شامِخٍ لتَصدَّعا
يَلقاكَ مُبتَسِماً عَلى عِلّاتِهِ / لا شاكياً أَلَماً وَلا مُتَضَرِّعا
وَإِذا تَغَيَّرتِ اللَيالي غَيَّرت / مَن كانَت الأَخلاقُ فيهِ تَطَبُّعا
يَهفُو إِلى قُربِ الصَديق كَما هَفا / ناءٍ تَذكّر في نَواهُ الأَربُعا
يُصغي إِذا ذُكِرَ الصِّحابُ كَأَنَّما / ذُكِرَ الشَبابُ لَهُ فَحنَّ وَرَجَّعا
خُلُقٌ طَواهُ المَوتُ عَنّا غدوَةً / فَطَوى عَلى الحَسراتِ مِنّا أَضلُعا
أَمُجمِّعَ الأَخلاقِ رُزؤُك لَم يَدَع / حُزناً مِن الأَحزانِ إِلا جَمَّعا
قالوا الربيع فَداوِ همَّك وَاِبتَدِر / أَيّامَه مِن قَبل أَن تَتَقَشَّعا
وَاِهنأ بِهِ عَيشاً وَطِب نَفساً وَرِد / مِنهُ صَفاءَ اللَهوِ وَانعَم مَرتَعا
مَهلاً فَروضُ الشعرِ صَوَّحَ نَبتُه / وَمَرابِعُ الآدابِ أَمسَت بَلقَعا
فَأَرى المَلاهي مَأتَماً وَأَرى السُرو / رَ تَأَلماً وَالماءَ يَجري مَدمَعا
بَكرَ النَعِيُّ بِأَن قَضَيتَ فَلَم يَدَع / أَمَلاً مِن الآمالِ إِلّا ضَيَّعا
يَا أَيُّها الناعي رُوَيدَك إِنَّهُ / رُكنُ القَرِيضِ هَوى وَطودٌ زُعزِعا
يا هاجِعاً مِلءَ الجُفونِ وَقَد حَمى / عَينَ القَوافي بَعدَه أَن تَهجَعا
مَن ذا يُصرِّعُها وَيُحكِمُ نَسجَها / هَيهاتَ لاقى الشعرُ بَعدَكَ مَصرَعا
أَم مَن يَرُوض عَصِيَّها وَلَقَد ثَوى / في التُربِ مَن راضَ العَصِيَّ وَأَخضَعا
أَيَغِيضُ طَبعُكَ في التُرابِ وَطالَما / رَوّى الجَديبَ فَعادَ خِصباً مُمرِعا
فَلَو انَّ شِعرَكَ كانَ سَجعاً لِلقَطا / كادَ الأَراكُ مَع القَطا أَن يَسجَعا
وَلَو اَنَّ مَعمودَ الفُؤادِ بَكى بِه / طَللاً لرقَّ لَهُ أَسىً وَتَوجُّعا
وَلَو انَّ مُبتَئِساً بِصَرفِ زَمانِه / عَتَب الزَمانَ بِهِ لَتابَ وَأَقلَعا
شعرٌ لَو انَّ الدَهرَ أَقفر حُسنُه / نُشِرَت صَحائِفُه فَكانَت مَربَعا
مَلَكَ النُفوسَ بِسِحرِهِ فَتَخالُهُ / نَغَماً عَلى نَبضِ القُلوبِ مُوقَّعا
هُوَ سَلوةُ العاني وَنِعمَةُ بائِسٍ / وَبَشيرُ مُغتَرِب يُحاوِلُ مَرجِعا
الطَّبعُ وَالأَخلاقُ يَنبوعٌ لَهُ / وَالشعرُ يَصفُو حينَ يَصفُو مَنبَعا
طبُّ النُفوسِ يُعيدُ في مَيتِ المُنى / رُوحاً وَيَبعَثُ في القُنوطِ المَطمعا
مُتَلَمِّسٌ من كلِّ نَفسٍ سِرَّها / ومُلامِسٌ من كلِّ قَلبٍ مَوضِعا
جاوَزت فيهِ مُنى النُفوسِ وَصُنتَه / عَن زَهوِ مُفتَتِنٍ تَغالى وَاِدَّعى
لَم تَفتَتِن يَوماً وَشِعرُكَ فِتنَةٌ / يا مُبدِعاً لَم يَزهُهُ ما أَبدَعا
شِعرٌ إِذا يُتلى تَكادُ لِحُسنِه / تَثِبُ القُلوبُ مِن الصُدُورِ تَطَلُّعا
فَكَأَنَّها في كُلِّ بَيتٍ تَبتَغي / نَبَأً عَنِ الأَحبابِ فيهِ أودِعا
لَهفَ القَوافي يَومَ بانَ فَإِنَّها / فَقَدَت بِإِسماعيلَ رُكناً أَمنَعا
فَقَدت صِباً لِمَشيبها وَعَشِيرَةً / لِغَريبِها وَالأَمنَ مِمّا رَوَّعا
عِش ما تَشاءُ بِما تُخلِّدُ مِن عُلاً / في الدَهرِ لَيسَ المَرءُ إِلّا ما سَعى
فَلَربَّ ذِي صَمتٍ أَصَمَّ بِقَبرِهِ / جَعَل الزَمانَ لِسانَهُ وَالمَسمَعا
وَمُشَيَّعٍ في الذاهِبينَ وَفَضلُهُ / مَلأَ العُصورَ فَما نَعاهُ مَن نَعى
يَبلى وَلا يَبلى بِقَلبٍ ذِكرُهُ / فَكَأَنَّهُ في كُلِّ يَومٍ شُيِّعا
وَجُسومُ هَذا الناسِ أَنفاسُ الثَرى / لا بُدَّ يَوماً لِلثَرى أَن تَرجِعا
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ / ما تَنقَضي لَكَ حَتّى يَنقَضي الأَجَلُ
تُعِيدُ لِي مِن زَمانِ الوُدِّ ناضِرَهُ / فِيها الحَديثُ وَفيها المَجلِسُ الحَفِلُ
أَرى فُؤادَكَ في مِرآتِها مَرِحاً / وَأَلمَحُ الوَجهَ فيهِ البشرُ وَالجَذَلُ
فيها حَياتُكَ لا مَوتٌ وَلا هَرَمٌ / فيها زَمانُ الصِبا وَالعُمرُ مُقتَبِلُ
يا لَيتَ خالِقَ هَذا المَوتِ فَرَّقَنا / في البَدءِ ما وَصلُ ما بِالمَوتِ يَنفَصِلُ
وَما اِشتِهاؤُكَ وُدّاً حُزنُ آخِرِه / يُنسيكَ ما أَفرحت أَيامُهُ الأُوَلُ
دَع الهُيامَ بِما تَبلى مَحاسِنُهُ / يَمضي وَتَخلُفُه الأَحزانُ وَالعِلَلُ
عَيبُ الجَمالِ بلاهُ بَعدَ جِدَّتِهِ / يا لَيتَ عُشّاقَه قَبلَ الهَوى عَقَلُوا
فاِملأ فُؤادَكَ مِن يَأسٍ تُرِحهُ بِه / أَشقى نُفوسَ الوَرى شَيءٌ هُوَ الأَمَلُ
في الذِّكرَياتِ وَفاءٌ أَستَعِيضُ بِه / عَمَّن فَقَدتُ وَوُدٌّ لَيسَ يَنتَقِلُ
كَأَنَّكَ اليَومَ بِالحِلمِيَّتَين عَلى / ما قَد تَعَوَّدت لا خُلفٌ وَلا مَلَلُ
تَظَلُّ بَينَ وُفُودِ الزائِرينَ بِها / وَفدٌ يَحِلُّ وَوَفدٌ بَعدُ يَرتَحِلُ
مُستَعذَبَ المَزحِ تَلهُو غَيرَ مُنتَقِصٍ / أَخاً وَإِن بِانَ مِنهُ الغِشُّ وَالدَّخَلُ
تُصفي إِخاءَكَ مَن عَقُّوا وَمَن حَفِظُوا / وَتَمنَحُ الودَّ مَن ضَنُّوا وَمَن بَذَلُوا
وَكَم جَزَوا ودَّكَ الغالي عُقُوقَهُمُ / فَلَم تُبالِ بِما قالُوا وَما فَعَلُوا
وَما نَدِمتَ عَلى غَرسٍ بَدَأتَ بِهِ / بَل زِدتَه الرِيَّ تُحيِيه فَما خَجِلُوا
ما زِلتَ تُكرِمُ فيهم كلَّما لَؤُمُوا / نَفساً وَتَسمُو مَقالاً كلَّما سَفَلُوا
تَجزِي إِساءَتَهُم أَضعافَها صِلَةً / كَأَنَّما نَفَثَت في قَلبِكَ الرُّسُلُ
سَرَت أَفاعِيهمُ بِالسُمِّ فَاِنقَلَبَت / في زَهرِ وُدِّكَ نَحلاً جَنيُها عَسَلُ
إِذا الحقُودُ أَرادَت قَلبَهُ وَطَناً / ضَلَّت سُراها وَسُدَّت نَحوَهُ السُبُلُ
كَم سائِلٍ رَيَّه عَن فَقدِهِ عِوَضاً / لَو أَنصَفُوا وُدَّكَ المفقودَ ما سَأَلُوا
وَكُلُّ ماضٍ لَهُ مِن فَقدِهِ بَدَلٌ / إِلا الوَفاءَ فَما مِن فَقدِهِ بَدَلُ
وَكُلُّ رزءٍ وَإِن جَلَّ المُصابُ بِهِ / إِلّا مُصابَكَ بِالإِخوانِ مُحتَمَلُ
يا دَولَةً بِجَلالِ الخُلقِ حافِلَةً / أَهَكَذا تَنطَوي في أَوجِها الدُّوَلُ
وَراحِلاً وُدُّهُ في القَلبِ مُتَّصِلٌ / حَبلُ البُكاءِ عَلَيكَ الدَهرَ مُتَّصِلُ
قَد كانَ حَظُّكَ وَثاباً فَأَقعَدَهُ / صَراحَةٌ بِكَ فيها يُضرَبُ المَثَلُ
كَأَنَّ قَلبَكَ أُفق الشَمسِ مُنبَعِثٌ / في رَوعَةِ النُورِ مِنهُ القَولُ وَالعَمَلُ
صَراحَةٌ كَم سَقَتكَ المرَّ صُحبَتُها / وَلَم يَنَل مِنكَ فيها عَذلُ مَن عَذَلُوا
آثَرتَها وَظَلِلتَ العُمرَ مُغتَبِطاً / بِنَقصِ حَظِّكَ حِينَ الخُلقُ مُكتَمِلُ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ / فَقُلتُ هَل لِرِثاءِ الفَضلِ مِيعادُ
لا الأَربَعُونَ وَلا الخَمسونَ مَوعِدُه / في كُلِّ عَصر عَلَيهِ الحُزنُ يَزدادُ
مَن أَنفَق العُمرَ في الإِصلاحِ نَظلِمُه / إِن كانَ يُحصى عَلَيهِ الحُزن تَعدادُ
كُلُّ اللَيالي قُلوبٌ في المُصابِ بِه / وَالدَهرُ في الرُزءِ أَجفانٌ وَأَكبادُ
تَمرُّ ذِكراهُ في الأَيّام باكِيَةً / فَكُلُّ يَومٍ لَهُ بِالحُزنِ تَردادُ
فَلا تَحدُّوا مَدى تَأبينِه وَصِلُوا / ذِكراهُ لا تَدَعوا النِسيانَ يَعتادُ
حَياتُهُ لِحَياةِ الجِيلِ وَاصِلَةٌ / ذِكرى النَوابغِ بَعدَ المَوتِ مِيلادُ
ما خَصَّ رُزؤُكَ يا جِبريلُ مِصرَ وَلا / لُبنانَ بَل فُجِعَت في مَجدِها الضادُ
وَلا المُروءةُ وَالمَعروفُ وَحدَهُما / غاضا بَل الخُلق المَوموقُ وَالعادُ
وَلَم يَرُع خَطبُكَ الأَحبابَ وَحدَهُمُ / بَل ريعَ بِالخَطبِ أَحبابٌ وَحُسّادُ
حُسّادُ مَجدِكَ لا أَضدادَ أَعرِفُهُم / فَلَيسَ لِلجُهدِ وَالإِخلاصِ أَضدادُ
أَوحيتَ جبريلُ لِلأَقلامِ نَهضَتَها / مَن يَجحَدِ الجُهدَ فَالأَعمالُ أَشهادُ
تجري عَلى اسمِكَ بِالأَهرامِ مُطلَقَةً / لَها بِذكرِكَ إِصدارٌ وَإيرادُ
تَفَنَّنت مَلَكات الكاتِبينَ بِها / فَساسَةٌ وَذَوُو فَنٍّ وَنُقّادُ
وَمُصلِحُونَ رَأَوا مِن دُونِ غايَتِهم / هَولَ الجِهادِ فَما كَلُّوا وَما حادوا
وَمُنبِئُونَ سَمَوا بِالصِّدقِ ما نَقَصوا / عَمّا رَوَوا وَرَأوا شَيئاً وَلا زادوا
لَم يُعيِهم نَبَأٌ حَتّى كَأَنَّهُمُ / جِنٌّ لَهُم بِنَواحي الأَرضِ أَرصادُ
وَالشِّعرُ في أَيكِها الفَينانِ مُنطَلِقٌ / لَهُ بِأَفنانِها لَحنٌ وَإِنشادُ
لِلخُلقِ وَالعَقلِ نُورٌ في صَحائِفها / فَما يَحُومُ بِها غِلٌّ وَأَحقادُ
مِصريَّةٌ لِبَني مِصرٍ يُسَدِّدُها / إِلى السَدادِ حَكيمُ الرَأي مُرتادُ
صارَت حَذامِ لِصُحفِ الشَرقِ ما نَطَقَت / إِلّا وَمِن نُطقِها لِلصُحفِ إِمدادُ
تَبدو مَع الشَمسِ في كِلتَيهما أَمَلٌ / لِلشَرقِ نُورٌ وَإِحياءٌ وَإِسعادُ
أَبقَيت ذِكراكَ يا جِبريلُ ما بَقِيَت / تزري فَخاراً وَنَفعاً بِالَّذي شادُوا