المجموع : 132
مِن هُدى المُصطَفى اِستَفادَ الهُداةُ
مِن هُدى المُصطَفى اِستَفادَ الهُداةُ / وَاِستَنارَت بِنورِهِ النَيّراتُ
فاعِلاتُن مُستَفعِ لن فاعِلاتُ / بِخَفيفٍ أَمداحُهُ راجِحاتُ
عُلا طَهَ شامِخاتُ
عُلا طَهَ شامِخاتُ / عَلى الزُهرِ عالِياتُ
مَفاعيلُن فاعِلاتُ / بِنُورٍ مُضارِعاتُ
شَرعُ طَهَ مُكتَمِلُ
شَرعُ طَهَ مُكتَمِلُ / وَهوَ عَدلٌ مُعتَدِلُ
فاعِلاتُن مُفتَعِلُ / لا اِقتِضابٌ لا عِلَلُ
أَئِمَّةُ الشِركِ ماتوا
أَئِمَّةُ الشِركِ ماتوا / بِسَيفِ طَهَ وَفاتوا
مُستَفعِلن فاعِلاتُ / جُثَّت بِهِ النائِباتُ
سَما فَوقَ هامِ السَماءِ الرَسولُ
سَما فَوقَ هامِ السَماءِ الرَسولُ / دَنا فَتَدَلّى فَتَمَّ الوصولُ
فَعولَن فَعولُن فَعولُن فَعولُ / تَقارَبَ حَيثُ نَأى جِبرئيلُ
الفَضلُ تَقاسَمَهُ الرُسلُ
الفَضلُ تَقاسَمَهُ الرُسلُ / وَالكُلُّ بِأَحمَدَ مُكتَمِلُ
فَعلُن فَعلُن فَعلُن فَعلُ / وَلَهُ خَبَباً تَعدو الإِبِلُ
الحَمدُ للَّه على آلائهِ
الحَمدُ للَّه على آلائهِ / حمدَ اِمرئٍ أخلصَ في آدائهِ
أَحمدهُ والحمدُ من نعمائهِ / أَن خصّنا بخيرِ أنبيائهِ
محمّدٍ سيّد كلّ عبدِ /
أَشهدُ أنّ اللَّه فردٌ يعبدُ / وأنَّ خيرَ خلقهِ محمّدُ
رَسولهُ المُتمّمُ المجدّدُ / وَكُلُّ مَن صدَّقهُ مُخلّدُ
بِغيرِ شكٍّ في جنانِ الخلدِ /
صلَّى عليهِ ربُّهُ وسلَّما / وآلهِ ومَن إِليهمُ اِنتمى
وَصحبهِ الهداةِ أنجمِ السَما / وَتابِعيهم وَجَميعِ العُلما
وكلِّ هادٍ في الوَرى ومهدي /
وَبعدُ فاِسمَع أيّها السعيدُ / وَمَن أنارَ قلبَه التوحيدُ
عقدَ بيانٍ درّه نضيدُ / أُسلوبهُ في نظمه فريدُ
بذكرِ طهَ جاءَ خير عقدِ /
نظّمتهُ بأنملِ الأفكارِ / مِن درِّ بحرِ المُصطفى المختارِ
خيرِ البَرايا صفوة الأخيارِ / وسيّدِ العبيدِ والأحرارِ
وَكلِّ جمعٍ في الوَرى وفردِ /
لخّصتُ فيهِ مولدَ الدرديرِ / وَزدتُ من مواهب البشيرِ
أَرجو بهِ الزلفى من الغفورِ / وَأَن يكونَ المُصطفى نصيري
وَدعوةً صالحةً مِن بعدي /
وَاِعلم بِأنّ مَن أحبَّ أَحمدا / لا بدَّ أَن يهوى اِسمه مردّدا
لذاكَ أهلُ العلمِ سنّوا المولدا / مِن بعدهِ فكانَ أمراً رشدا
أَرضى الوَرى إلّا غواة نجدِ /
وَلَم يَزل في أمّةِ المختارِ / مِن نحوِ خمسةٍ أعصارِ
مُستَحسناً في سائرِ الأمصارِ / يَجمعُ كلّ عالمٍ وقاري
وكلَّ سالكٍ سبيلَ رُشدِ /
كَم جمّعوا في حبّهِ الجموعا / وفرّقوا في حبّهِ المَجموعا
وَزيَّنوا الديارَ وَالربوعا / وَأَكثروا الأضواءَ والشُموعا
وَطيّبوا الكلّ بعرفِ الندِّ /
وفَرِحوا بذكرهِ وطرِبوا / وَأَكلوا على اِسمهِ وشرِبوا
وَاِبتَهلوا لربِّهم وطلبوا / وَاِستَشفعوا لهُ بهِ واِنتَسبوا
مُعتَقدينَ نيلَ كلِّ قصدِ /
كَم عمَّر اللَه به الدِيارا / وَيسَّرَ السرورَ واليسارا
إِذ بَذلوا الدرهمَ وَالدينارا / وَذَكروا الرَحمن والمُختارا
بينَ صلاةٍ ودعا وحمدِ /
يا هَل تُرى هذا يسوءُ أَحمدا / أَم هَل تراهُ ليسَ يُرضي الصَمَدا
فَدتكَ نَفسي اِعمل وَلا تخشَ الرَدى / وَكرِّر المولِدَ ثمَّ المولدا
تَعِش سَعيداً وتمُت في سعدِ /
لكنّما الأعمالُ بالنيّاتِ / وَيشرطُ الإخلاصُ للنجاةِ
إنّ الرِيا يُحوّل الحالاتِ / وَيقلبُ الطاعات سيّئاتِ
وَيجعلُ التقريبَ عينَ البعدِ /
وَلينفِقِ الأموالَ من حلال / فَذاك شرطُ صالحِ الأعمالِ
إِن لَم يكُن إلّا حرامُ المالِ / فَأجرهُ يَكون للأهالي
وَهو لهُ في النارِ شرُّ قيدِ /
وَخِلطةُ النساءِ بالرجالِ / في شَرعِنا مِن أقبح الخصالِ
وَسمةُ الفسّاقِ والجهّالِ / في كلِّ وَقتٍ وبكلِّ حالِ
وَمِن أجلِّ موجِبات الطردِ /
فاِحذَر جميعَ ما مَضى في المولدِ / وَكلَّ إيذاءٍ بفمٍّ أو يدِ
وَاِرفض سَماع كلّ غرٍّ منشد / بوصفِ حسناءَ ووصف أمردِ
واِهرُب تَفز مِن صوتِ هذا الوغدِ /
وَمَن أرادَ هَهنا الإنشادا / فَليخترِ الرَشادَ لا الفسادا
كَذِكرهِ الخلّاقَ والمَعادا / وَمدحهِ النبيَّ والأولادا
وَصحبَه الأسدَ وأيّ أسدِ /
أَكثِر منَ الصلاةِ والسلامِ / عَلى النبيّ المُصطفى التهامي
خيرِ البَرايا سيّد الأنامِ / مشرِّع الحلالِ والحرامِ
وَأصلِ كلِّ سؤددٍ ومجدِ /
فَكلُّ مَن صلّى عليه مرّةً / صلّى بِها اللَه عليه عشرةً
قَد صحَّ في الحديثِ هذا جهرةً / رَواه مسلمٌ فنالَ شهرةً
وَكانَ حقّاً سالماً من نقدِ /
وَلَو يصلِّي اللَّه ربّي واحده / لَعَدلت آلافَ ألفٍ زائده
فَاِنظر إذاً كم ذا بِها مِن فائده / وَكَم بها أنوارُ أجرٍ صاعِده
فَاِحرص عليها إِن تَكُن ذا رشدِ /
أوّلُ خلقِ اللَّه نورُ أحمد / أَصل الوَرى سيّدِ كلِّ سيّدِ
قِدماً تنبّا قبل طينِ الجسدِ / فهوَ أبٌ لوالدٍ وولدِ
مِن قبلِ خلقِ آدمٍ وبعدِ /
أوّلَ خلقِ اللّهِ كان نورهُ / منهُ الوَرى بطونهُ ظهورهُ
فكانَ قبل عرشهِ بحورهُ / وقلمٌ من بعده مسطورهُ
مِن كلّ موجودٍ بدون حدِّ /
قَد كانَ مِن نورِ النبيِّ الكلُّ / العلوُ منه خلقه والسفلُ
فالكونُ فرعٌ والنبيُّ أصل / ليسَ لهُ في العالمين مثلُ
لَولاهُ ما اِنفكَّ الوَرى في قيدِ /
ثمَّ بَرا الخلّاقُ خلقَ آدم / مِن طينةٍ من بعدِ خلقِ العالمِ
وخصَّه بِالنورِ نورِ الهاشمي / محمّدِ الهادي أبي العوالمِ
فَاِعجب لهُ من والدٍ للجدِّ /
وَخلقَ اللَّه له حوّاءَ / فَمالَ شوقاً نحوها وشاءِ
فَأَظهرت مِن قربهِ الإباءَ / فَقيلَ أدّ مَهرها سواءَ
صلِّ عَلى محمّدٍ ذي الحمدِ /
وَسَكنا في جنّة الرحمنِ / قَد نَعِما بالحسنِ والإحسانِ
حتّى أَتى إبليسُ بالبهتانِ / فَأَكلا فأُهبطَ الإثنانِ
فَوَقعا في الأرضِ أرض الهندِ /
فَوَلدت لآدمٍ بَنينا / وكانَ شيثٌ خيرَهم يَقينا
لِذا حَباهُ نورَه المَصونا / قالَ لهُ كُن حافِظاً أمينا
وَأَوصِ مِن بعدُ وبعدَ البعدِ /
وَشيثُ قَد أَوصى به الأبناءَ / أَن يَصطفوا لأجلهِ النساءَ
وَينكحوا الكرائمَ الأكفاءَ / مِن كلِّ ذاتِ نسبةٍ علياءَ
شَريفة الجدّين ذات مجدِ /
وَهَكذا أبناءُ شيثٍ بعدهُ / أَوصوا بَنيهم لازمينَ حدّهُ
مِن بَعدهم جاؤوا فَأجروا قصدهُ / كلُّ اِمرئٍ يَمضي فيوصي ولدهُ
قَد حَفِظوا النورَ منَ التعدّي /
تَزوَّجوا بِخالصِ النكاحِ / بِكلِّ ذاتِ نسبٍ وضّاحِ
ما اِجتَمَعوا قطّ عَلى سفاحِ / وَكانَ مِنهم سادةُ البطاحِ
أُسدُ الوَغا أكرِم بِهم من أسدِ /
وَكلُّ فردٍ منهمُ في فخرهِ / مُنفردٌ قَد سادَ أهل عصرهِ
ما مثلهُ في مجدهِ وبرّهِ / موحّدٌ لربّهِ بسرّهِ
فَالكلُّ مِنهم في جنانِ الخلدِ /
حتَّى أَتى خيرُ الورى مُهذّباً / أَصفى الأنام نَسَباً وَحَسبا
مِن خيرِ كلّ شُعبةٍ تشعّبا / أَعلاهمُ جَدّاً وأمّاً وأبا
يجلُّ مجدُ ذاتهِ عن حدِّ /
وَلَم يَزل نورُ النبيِّ الأكملُ / مِن سيّدٍ لسيّدٍ ينتقلُ
كأنَّهُ فوقَ الجبينِ مشعل / يَراهُ مَن يعقلُ من لا يعقلُ
ككوكبٍ قَد حلَّ برجَ سعدِ /
حتَّى اِستَقلَّ في جبينِ الماجدِ / مَن كانَ لِلمُختارِ خيرَ والدِ
مَولايَ عبدَ اللَّه ذي المحامدِ / لَم يُروَ عنهُ قطّ وصفُ جاحدِ
وَأُمُّهُ تنزَّهت عَن جحدِ /
أَليسَ إِيمانُهما بِلازمِ / وَمِنهُما قَد جاءَ هديُ العالمِ
كيفَ يكونُ رحمة العوالمِ / لِوالديهِ هوَ غير راحمِ
فَاِقطع لسانَ قائلٍ بالضدِّ /
رَوى لِساني ودَرى جَناني / أَنَّهُما في الخلدِ خالدانِ
قَد حَييا بِقدرَةِ الرحمنِ / وَآمَنا باِبنِهِما العدناني
فَخرِ مَعدٍّ وبني معدِّ /
يا حَسرَتا قَد قَضيا في يُتمهِ / والدهُ قَد ماتَ قبلَ أمِّهِ
وَاِغتمَّ أَملاكُ السما لغمِّهِ / واِبتَهلوا لربِّهم في حكمهِ
قالَ دَعوا لي صَفوتي وَعبدي /
كِلاهُما ما جاوزَ العِشرينا / وَلَم يُخلّف غيرهُ بَنينا
لَو بَقِيا قرّا بهِ عُيونا / وَرضيا دُنيا بهِ وَدينا
وَأَحرَزا كلَّ صنوف السعدِ /
لَكن أَراد ربّه اِنفرادهُ / بِحبِّه فَلم يَدَع أولادهُ
لَم يُعطهِ مِن أبويه زادهُ / وَقَد تَولّى وحدهُ إرشادهُ
كَي لا يَكون منّةٌ لعبدِ /
وَسخَّرَ الخلقَ لهُ جَميعا / كلُّهمُ كانَ لهُ مُطيعا
فَلَم يَكُن لعبدهِ مُضيعا / لا مُعطشاً يوماً ولا مُجيعا
روحي فداهُ وأَبي وجدّي /
سَيّدُنا محمَّدٌ خيرُ نَبي / فاقَ الوَرى في حَسبٍ ونسبِ
هو اِبنُ عبدِ اللَّه نجلِ النجبِ / جاءَ لهُ مِن قبلهِ في العربِ
عِشرونَ جَدّاً بصحيح العدِّ /
هُم سادةُ البطحاءِ عبد المطّلِب / وهاشمٌ عبد منافٍ الأرِب
قُصَيّهم كِلابُ مرّةٌ كَعِب / لؤيُّ غالبٌ قريشٌ تَنتَسِب
لِفهر بن مالكٍ ذي المجدِ /
نضرٌ كنانةٌ خزيمةُ السري / مدركةٌ إلياسُ بنُ مضرِ
نِزارُهم معدٌّ الليثُ الجري / أَبوه عدنان أَتى في الخبرِ
وَقفُ النبيِّ عندَ هذا الجدِّ /
أَكرِم بِهذا النسبِ المعظَّمِ / أَكرِم بِهذا الحسب المسلّمِ
أَكرِم بِهذا الجوهَرِ المنظّمِ / أَكرِم بِهذا الشمسِ هذي الأنجمِ
شَمسُ سعادةٍ نجومُ سعدِ /
أَجدادهُ كلٌّ لديه شَرف / ما مثلهُ في عصره مشرّفُ
وَكلُّهم بنورهِ قَد شرفوا / فإنَّه الدرُّ وكلٌّ صدفُ
وَالكلُّ نَحلٌ وهوَ عينُ الشهدِ /
لَمّا أَتى النورُ إلى أبيهِ / خيرِ الكرامِ الماجدِ النبيهِ
بِالبدرِ أمسى كاملَ التشبيهِ / وَشمسُ نورِ المصطفى تعطيهِ
فهوَ لهُ مِنها أجلُّ مدِّ /
رَغبه الناسُ فكلٌّ طلبا / لمّا رَأوه الكاملَ المهذّبا
أَعلى قريشٍ حَسباً ونَسبا / وَأجملَ الناس بهاءً ونبا
وَالنورُ في جَبينهِ ذو وقدِ /
زوّجهُ أبوهُ خيرَ حرّةٍ / آمنةَ الحصان أَبهى درّةٍ
لعينِ وهبٍ هيَ خيرُ قرّةٍ / عبدُ منافٍ جدّها ابن زهرةٍ
يَجمعُها كلابُ جدُّ الجدِّ /
أَكرِم بِها عَقيلةً ومجّدِ / أكرِم بذاكَ الفحلِ زاكي المحتدِ
ما مثلهُ ما مثلها من أحدٍ / حازا جميعَ المجدِ كلَّ السؤددِ
بِخيرِ مَن سادَ الورى في المهدِ /
تَزَيّنا بِزينة المناقبِ / وَظَهرا ببهجةِ الكواكبِ
وَاِصطَحبا بِصحبةِ الحبائبِ / وَاِقتَرنا بالشِعبِ شعبِ طالبِ
أَكرِم بِهذا مِن قرانِ سعدِ /
فَحَمَلت آمنةُ الأمينه / بِالدرّةِ الفَريدةِ المَكنونه
أَعلى اللآلي قيمةً وَزينه / وهيَ بِها ما بَرِحت ضَنينه
تَحفَظُها مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
فَحَمَلت بِالمُصطَفى فخرِ الورى / خيرِ البَرايا خَبراً ومَخبرا
مَن ذِكرهُ يفوحُ مِسكاً أذفرا / وَطيبُ ريّاه يفوقُ العَنبرا
وَيُخجلُ الوردَ وَعطرَ الوردِ /
فَحَملت بخيرِ خلق اللَّه / حبيبهِ خليلهِ الأوّاهِ
مَن خَصَّهُ اللَّه بأعلى جاهِ / فَاِمتازَ بِالفضلِ على الأشباهِ
وَكانَ بعدَ الفردِ خير فردِ /
فَحَملت بِالكاملِ المُكمّلِ / خيرِ النبيّين الختامِ الأوّلِ
شمسِ الهُدى أفضلِ كلّ أفضلِ / مِن جندهِ كلُّ نبيٍّ مرسلِ
وَهُم لعمر اللَّه خيرُ جندِ /
فَحَملت بِمن بهِ توسّلوا / لربّهم فَبَلغوا ما أمّلوا
وَأَخذ العهدَ عليهم أوّلُ / أَن يُؤمنوا وينصروا فقَبِلوا
وَلَم يُخلّوا بِشروطِ العهدِ /
لَو كانَ موسى منهمُ وعيسى / في وقتهِ كانَ لَهُم رئيسا
وَكسّروا الأبواقَ وَالناقوسا / وَقدَّسوا أذانهُ تَقديسا
فَهو نبيّهم بغيرِ ردِّ /
فَحَملت بصاحبِ الآياتِ / أَكثرِ رسلِ اللَّه معجزاتِ
أَفضلهم في سائرِ الحالاتِ / وكلِّ خيرٍ سالفٍ وآتي
وكلُّهم تحتَ لواءِ الحمدِ /
فَحَمَلت بالشافعِ المشفّعِ / يومَ الجَزا في هولِ ذاك المجمعِ
إِذ أَغرقَ الناسَ بحارُ الأدمعِ / وَاِستَشفَعوا الرسلَ فلمّا تشفعِ
فَقالَ للخلقِ رِضاكم عندي /
وَراحَ تحتَ العرشِ خيرَ ساجدِ / وَحامِداً بأكملِ المحامدِ
يَشفَع لِلقُربى وللأباعدِ / شأنُ الفَتى الحرِّ الكريم الماجدِ
فَقالَ مَولاهُ له اِشفع عبدي /
فَحَملت بالسيّدِ المسعودِ / الحامدِ المحمّدِ المحمودِ
أَحمدِ خلقِ اللَّه للحميدِ / وَخيرِهم طرّاً بلا تقييدِ
في عهدهِ السامي وكلِّ عهدِ /
اِسمَع صفاتِ حَملها بالنورِ
اِسمَع صفاتِ حَملها بالنورِ / نورِ النبيِّ المُصطفى البشيرِ
زينِ البَرايا شرفِ العصورِ / هادي الوَرى لدينهِ المبرورِ
وَشرعهُ ما زالَ فيهم يَهدي /
قَد أَظهرَ اللَّه لهُ بفضلهِ / عَجائِباً لأمّه في حملهِ
تَدلُّها عَلى عظيمِ نبلهِ / وَأنَّه للَّه خيرُ رسلهِ
وَصفوةُ الصفوةِ من معدِّ /
في ليلةِ الحملِ سَرى النداءُ / وَسَمعتهُ الأرضُ والسماءُ
صارَ لنورِ المُصطفى ثواءُ / في بَطنِها وهيَ له وعاءُ
طُوبى لَها طوبى لها من خودِ /
وَلَطفَ اللَه بهِ في الرحمِ / إِذ نورهُ في وسطِ تلك الظلَمِ
وَأمُّه لم تَشكُ أَدنى ألمِ / وَلَم تَجد بهِ أقلَّ وحمِ
مَع حتمهِ لكلِّ ذاتِ نهدِ /
وَخفَّ مَعنىً حَملُهُ إِذ حُملا / وَلَم تَجِد كالناسِ فيه ثِقَلا
وَأَنكَرت عادةَ حيضٍ بُدّلا / فَشكّكت ثمّ مَضى لن يحصلا
فَاِستَيقَنت حَملاً بغير جهدِ /
أَتى لَها آتٍ بأوفى النعمِ / بَشّرها مِن عندِ باري النسَمِ
بِحملِ سيّدٍ لخيرِ الأممِ / سيّد كلّ عَرَبٍ وعجمِ
مِن هذهِ الأمّة ذات الرُشدِ /
ثمَّ أَتاها بعدُ آتٍ آخرُ / وَطرفُها لا نائمٌ لا ساهرُ
قالَ شَعرتِ واللبيبُ شاعرُ / أَن قد حَملتِ ولك البشائرُ
بِسيّدِ الأنام خيرِ عبدِ /
ثمَّ أَتى لَها أبرّ عائدِ / قالَ مَتى جئتِ بذاك الماجدِ
قولي لهُ أعيذهُ بالواحدِ / مِن شرِّ كلِّ طارقٍ وحاسدِ
سمّي محمّداً يَفُز بالحمدِ /
كانَت قريشٌ قبل حملِ أحمد / في شِدِّةٍ مِن ضيقِ عيشٍ أنكدِ
إِن زَرَعت في أرضِها لم تحصدِ / أَو بَذَلت أَموالها لم تجدِ
قَد أيسَت مِن رَحمةٍ ورفدِ /
فَنَزَلت بحملهِ الأمطارُ / وَاِخضرّت الزروعُ والأشجارُ
وَكثُر الحبوبُ والثمارُ / وَجاءَهم مِن بعدها التجّارُ
فَاِنحطّ سعرُ صاعِهم والمدِّ /
سَمّوهُ عامَ الإِبتهاجِ والفَرح / إِذ فَرِحوا وَزال عنهمُ الترَح
وَسمحَ اللَّه لهُم بما سَمح / بِيُمنِ مَن بِحملهِ الكون اِنشَرح
وَزالَ شؤمُ نحسهِ بالسعدِ /
أصبَحَ كلّ صَنمٍ مَنكوسا / كلُّ سَريرِ ملكٍ مَعكوسا
فَسرّ ذاكَ الملكَ القدّوسا / وساءَ شيخَ كُفرهم إِبليسا
أَعني بهِ الشيخَ اللعينَ النجدي /
وَبشّرت دوابُّهم بحملهِ / وَنَطقَت ليلتهُ بفضلهِ
إِمامُ دُنيانا عديم مثلهِ / وَهو سِراجُ أهلِها وأهلهِ
أَنطَقها اللّه المُعيد المُبدي /
وَالوحشُ في الشرقِ هو الخبيرُ / فهوَ لوحشِ المغرب البشيرُ
هَذي البراري وكَذا البحورُ / حيتانُها لِبَعضها بشيرُ
لأنّه رحمةُ كلّ فردِ /
في الأرضِ بالشهرِ له نداءُ / مُستَمعٌ ومثلُها السماءُ
أَن أَبشِروا فقَد دنا الهناءُ / يَأتي الكريمُ القاسمُ المعطاءُ
مُباركاً لكلّ خيرٍ يسدي /
وَجادَ ربّي للنسا سُرورا / أَن حَمَلَت في عامهِ ذُكورا
كَرامةً لِمَن أَتى بشيراً / لِلمُهتدي والمُعتدي نذيرا
فَكانَ عامَ فرحٍ ممتدِّ /
لَم يبقَ في ليلةِ حملٍ دارُ / ما أَشرَقت وعمَّها الأنوارُ
وَهَكذا الشمسُ لَها إِسفارُ / مَتى دَنت واِقترب المزارُ
وَلم تؤثّر في العيونِ الرمدُ /
قالوا وحَملُها بفخرِ العربِ / ليلةَ جُمعةٍ بشهرِ رجبِ
وَقيل يا رضوانُ أَسرع أجبِ / قُم واِفتحِ الفردوسَ حبّاً بالنبي
قد اِستقرّ الآنَ نورُ عبدي /
وَوقتُ حملهِ زمانٌ فاضلُ / وَهو شهورٌ تسعةٌ كواملُ
فَنعمَ مَحمولاً ونعم الحاملُ / ما وَجَدت ما وجدَ الحواملُ
مِن مَغَصٍ ووجَعٍ ووجدِ /
وَكانَ مِن آياتهِ في حملهِ / عصيانُ فيلٍ وهلاكُ أهلهِ
أَبرهةٍ بخيلهِ ورجلهِ / طيرٌ أبابيلٌ أتت لقتلهِ
وَقتلهم تردُّهم وتُردي /
صِف ليلةَ المَولدِ وَصفاً حسنا / ما ليلةُ القدرِ سِواها عندنا
قَد أَشرَقَت فاِبتَهجت مِنها الدُنا / وَاِعتَدَلت فَلَم يكُن فيها عَنا
ما بينَ حرّ وصفُها وبردِ /
مِن ليلةِ القدرِ نَراها أَحسنا / قَد جَمَعت أَفراحَنا وأُنسنا
وَأَوسَعَتنا نِعماً وَمننا / وَبلّغَتنا كلّ قَصدٍ ومنى
وَكلَّ مَطلوبٍ بغيرِ عدِّ /
اللَّه قد سرّ بِها الإيمانا / أَغاضَ ماءَ الفُرسِ والنيرانا
أَخمدَها وشقّق الإِيوانا / وَقَد رَأى موبذُ موبِذانا
رُؤيا أَرَتهم مُلكهم في فقدِ /
وَالجنُّ كانوا يَقعُدونَ مَقعدا / للسمعِ فاِنذادوا وكلٌّ طردا
مَن يَستَمِع يَجِد شِهاباً رصدا / كَالسهمِ يَأتي نحوهُ مسدّدا
لَهُ بهِ في النارِ شرّ وقدِ /
وَكَم أَتت مِن هاتفٍ أخبارُ / صَدَّقها الكهّانُ والأحبارُ
كلٌّ يُنادي قد دَنا المختارُ / وَاِقتربَ التوحيدُ والأنوارُ
فَالشركُ بعدَ اليوم ليسَ يُجدي /
وَحَضَرت ولادةُ المختارِ / فَأَشرقَ العالمُ بالأنوارِ
وَنَزَلت مِن أُفقِها الدراري / مثلَ المصابيحِ لدى النظَّارِ
قَد عُلِّقت لزينةٍ عن عمدِ /
وَفتحَت ملائكُ الرحمنِ / بِأمرهِ الأبوابَ للجنانِ
وَغَلّقوا الأبوابَ للنيرانِ / وَفَرحوا كالحورِ والولدانِ
إِذ أَصلُهم مِن نورهِ الممدِّ /
وَعمَّ فيهِم سائرَ الأرجاءِ / سُرورهم بخيرِ الأنبياءِ
وَفَتحوا الأبوابَ للسماءِ / وَاِكتَستِ الشمسُ من البهاءِ
أَحسنَ حلّةٍ وأبهى بردِ /
وَأَخبَرت آمنةُ السعيده / وهيَ بكلِّ أَمرها رَشيده
قالَت أَتاني طلقهُ وحيده / عَن كلِّ مَن يُؤنِسني بَعيده
في مَنزِلي أَجلسُ فيه وحدي /
وَما دَرى بي أحدٌ فيقترب / مِن كلِّ جارٍ لي وكلِّ مُنتسب
وكانَ في الطوافِ عبدُ المطّلب / فَحرتُ في أَمري وقلبي قد رُعِب
لَكن وعيتُ لم أغِب عَن رُشدي /
فَبَينما أَنا كذا في مَنزلي / سَمعتُ وَجبةً وأمراً مُذهلي
ثمَّ كأنَّ طائراً يمسحُ لي / عَلى فُؤادي بجناحٍ مسبلِ
فَزالَ رُعبي وَجعي ووجدي /
ثمَّ رأيتُ شربةً لا تجهلُ / بيضاءَ فيها لبنٌ وعسلُ
شَربتُها فجاءَ نورٌ من عل / يُؤنِسني في وَحشتي إذ يحصلُ
خيرُ شرابٍ لبنٍ وشهدِ /
ثمَّ رأيتُ نِسوةً عوائدي / كَالنخلِ في طولِ القوام المائدِ
كَأنَّهنَّ مِن بناتِ الماجدِ / عبدِ منافٍ والد الأماجدِ
أَكرِم بهم من والدٍ ووُلدِ /
فَجِئنَ نَحو مَجلسي أحدقنَ بي / فَنالَني منهنّ كلّ العجبِ
وَقلتُ مِن أينَ تُرى علمنَ بي / عالَجنَني وقلنَ لي لا تَعجبي
آسيةٌ مريمُ حور الخلدِ /
وَمُدَّ بينَ الأرضِ والسماءِ / أَبيضُ ديباجٍ من البهاءِ
وَقائلاً أعلنَ بالنداءِ / خُذوهُ عَن أعين كلّ رائي
سَمعتهُ فَلم أَفُه بردِّ /
وَقَد رأيتُ في الهوا رجالاً / قَد وَقفوا لَم يَتركوا مَجالا
رَأيتُ في أيديهمُ أَشكالا / هيَ الأباريقُ بَدت تلَالا
مِن فضّةٍ صيغت بلا تعدّي /
وَأَقبلَت قطعةُ طيرٍ غطّتِ / كلَّ مَكاني وجميعَ حُجرتي
مِنقارُها زمرُّدٌ ذو بهجة / وَقد بدا الياقوتُ بالأجنحةِ
يجلُّ حسنُ ذاتها عن حدِّ /
عَن بَصَري ربّي أزالَ الحُجبا / فَأبصَرت عينايَ شيئاً عَجَبا
وَقد رأيتُ مَشرقاً ومَغربا / وَلَم أجِد ممّا ألمّ تَعَبا
وَزادَ قُربي حينَ زالَ بُعدي /
عَيني رَأت ثلاثةً أَعلاما / اِثنين في شرقٍ وغربٍ قاما
كأنَّما قَد بشّرا الأناما / وَالفَردُ فوقَ الكَعبةِ اِستَقاما
عَلّامةً لِنصرهِ والمجدِ /
وَبعدَ أَن كنتُ كَذا على هُدى / أَخَذني المخاضُ والنورُ بدا
وَلَم يَزَل مُخفّفاً مُشدّدا / حتّى وضعتُ وَلدي محمّدا
أَسعدَ مَولودٍ فتمّ سَعدي /
قَد وَلَدتهُ أمّه فَأسفرا / مُنظّفاً مطيّباً معطّرا
لَم ترَ فيه وَسخاً وقذرا / مُكمّلاً مختتناً مطهّرا
مَقطوعَ سرّةٍ بغير حدِّ /
وَقَد رَأت نوراً بهِ مُصطحباً / مِنها بَدا ولَم يَزل مُلتَهِبا
حتّى أضاءَ مَشرقاً ومَغرباً / رَأت قصورَ الشامِ منه والرُبا
رَأت بِعينَي رأسِها من بعدِ /
قالَت وكانَ ساجِداً إذ نزلا / وَخاضِعاً لربّه مُبتهلا
ثمّ منَ السماءِ نَحوي أقبلا / سحابةٌ فغيّبت خيرَ الملا
وَقائلاً طوفوا بخيرِ عبدِ /
طوفوا بهِ كي يعلَموا الأخبارا / مَشارقاً مَغارباً بِحارا
لِيَعرفوهُ السيّدَ المُختارا / باِسمٍ وصورةٍ ونعتٍ سارا
يُمحى بهِ الشركُ وكلّ جحدِ /
وَاِنكَشَفت عنهُ سَريعاً فبدا / وَعادَ لي كَما مَضى مؤيّدا
عَلى يديهِ حينَ وَضعي اِعتَمدا / ثمَّ مَلا بتربةِ الأرضِ اليدا
إِشارةً لِمُلكِها من بعدِ /
وَرَفَع الرأسَ إِلى السماءِ / مُلتَفتاً لعالم البهاءِ
إِذ خلقهُ مِن نورِ هذا الرائي / أَصل الأصولُ وأبي الآباءِ
والكلُّ عندهُ بحكمِ الولدِ /
في ليلةِ الإثنينِ لاِثني عَشرا / قُبيلَ فَجرٍ من ربيعٍ ظهرا
فَأَشرقَ الكونُ بهِ إِذ أسفرا / وَأَخجلَ الشمسَ وفاقَ القَمرا
وَالبدرُ قَد كلّمه في المهدِ /
وَأَرضَعته ذاتُ حظٍّ وافر / حَليمةٌ مِن غُررِ العشائرِ
كانَ لَديها القوتُ غير ياسر / فأصبَحت أيسرَ أَهلِ الحاضرِ
سَعيدةٌ قد سَعدت من سعدِ /
يا رَبّنا بجاههِ لديكا / إِنّا توسّلنا بهِ إليكا
مُعتَمدين ربّنا عليكا / وَطالبينَ الخيرَ مِن يَديكا
فَألهمِ الكلَّ سبيل الرشدِ /
يا ربّنا بِجاههِ اِستجب لنا / وَأَعطِنا ومَن نحبُّ سُؤلنا
وَاِقبل إِلهي قَولنا وفِعلَنا / وَأصلِحن نُفوسَنا وأهلنا
وَاِحفظهمُ مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
يا ربَّنا واِغفِر لَنا الذنوبا / يا رَبَّنا واِستُر لَنا العُيوبا
يا ربَّنا ويسّر المَرغوبا / يا رَبَّنا وَعسّرِ المَرهوبا
وَأبعدِ المَكروهَ كلَّ البعدِ /
يا ربَّنا واِغفِر لِوالدينا / أَشياخِنا إخوانِنا بَنينا
أَصلِح لهُم دُنياهمُ والدينا / وَأَسكنِ الجميعَ علّيينا
وَنحنُ فيهم في جنانِ الخلدِ /
يا ربَّنا واِحفَظ لنا السُلطانا / ضاعِف لنا ضاعِف لهُ الإِحسانا
وَاِنصُره يا ربِّ على أَعدانا / وَاِحفَظ إِلهي ديننا دنيانا
بهِ وَعمّالٍ له وجندِ /
أَصلِح لهُ يا ربَّنا عمّاله / أَصلِح رَعاياهُ وجمّل حالَهُ
بلّغهُ ممّا تَرتضي آمالهُ / وَاِجعَل لَنا أقواله أفعالهُ
مَحمودةً تُنطِقنا بالحمدِ /
يا ربِّ واِرحَم أمّة المختارِ / في كلّ عصرٍ وبكلِّ دارِ
وَاِحرسهمُ مِن سلطةِ الأغيارِ / في سائرِ البلادِ والأقطارِ
في كلِّ غورٍ وبكلِّ نجدِ /
بهِ اِستَجب يا ربّنا دَعواتنا / آمِن بهِ يا ربّنا روعاتنا
حَسّن بهِ يا ربّنا حالاتنا / وَبدّلن بالحسنِ سيّئاتنا
وَنجّنا مِن حَسدٍ وحقدِ /
صلّ عليهِ يا إِلهي عددا / لَيسَ يحدّ أَزلاً وأبدا
وَالآلِ والصحبِ نجومِ الاهتدا / لمَن بِهم من أمّة الهادي اِقتَدى
وَعكسُ هَذا هُم لأهلِ الطردِ /
وَاِرضَ عَن الخليفةِ المُقدّمِ / صاحبهِ صديقهِ المعظّمِ
أَعطاهُ مالهُ وخير الحُرَمِ / ثمَّ غَزا الرومَ وأرضَ العجمِ
وَردَّ كلَّ جاهلٍ مرتدِّ /
وَاِرضَ عنِ الفاروقِ أفضل الورى / بعدَ أَبي بكر الإمامِ عُمرا
كاسرِ كِسرى ومبيدِ قَيصرا / ليثِ الوغا قائدِ آسادِ الشرى
أَعني أبا حفصٍ شقيق زيدِ /
واِرضَ عنِ الصهرِ الكريم الأفضلِ / زوجِ اِبنتَي خير نبيٍ مرسلِ
عُثمان ذي النورينِ والفضلِ الجلي / مجهّزِ الجيشِ لخير الرسلِ
جهّزهُ بإبلٍ ونقدِ /
واِرضَ عنِ المولى الإمام حيدر / زوجِ البتولِ أصلِ خيرِ عُنصرِ
بابِ النبي حاملِ باب خيبرِ / فاتِحها مِن بعدِ عجزِ العسكرِ
قاتلِ مرحبٍ وعمرِو ودِّ /
واِرضَ إِلهي عن تمامِ العشرَه / وَكلِّ بدريٍّ وَأَهل الشجَرَه
وَأُحدٍ وكلّ مَن قَد نظَرَه / فَكلّهم قومٍ عدولٌ بَرَرَه
وَاِختم لَنا بِجاههم بالرشدِ /
وَالحمدُ للَّه فقد تمّ الخبَر / عَن مولدِ المُختارِ سيّد البَشَر
أَلفٌ ثلاثمائةٍ واِثنا عشَر / تاريخُ نظمِ عقدِ هذهِ الدرَر
في شهرهِ قَد تمّ خير عقدِ /
فضّلَ اللّه سيّد الخلقِ قدماً
فضّلَ اللّه سيّد الخلقِ قدماً / وَأَتاه مِن فضلهِ الإصطفاءُ
وَلَقد خصّه بِأعلى المَزايا ال / غرّ مِنها المعراج والإسراءُ
إِذ لهُ بِالبراقِ أرسل جِبري / لَ سَفيراً ما مثله سفراءُ
فَأَتاهُ فقالَ مولاكَ يَدعو / كَ إِليهِ وَحبّهذا الدعاءُ
قالَ فاِركب فجاءَ يركبُ لكن / قَد تَبدّى منَ البراق إباءُ
قالَ جبريلُ مَع محمّدٍ المخ / تارِ تَأبى أَما لديك حياءُ
إنّه أكرمُ البريّة لَم يَر / كبكَ مِن قبلُ مثلهُ كرماءُ
فَأطاعَ البراقُ واِرفضّ منهُ / عَرقٌ حين عمّه اِستحياءُ
فَعَلاه البدرُ التمامُ أبو القا / سمِ لَيلاً فضاء منه الفضاءُ
راحَ يَهوي بهِ وحدُّ اِنتهاءِ الط / طرفِ منهُ إِلى خُطاه اِنتهاءُ
مرّ في طَيبةٍ وَموسى وعيسى / وَلَقد شُرِّفت به إيلياءُ
ثمّ صلّى بِالأنبياءِ إِماماً / وَبهِ شرّفَ الجميعَ اِقتداءُ
وَمَضى سارِياً إلى الأفقِ الأع / لى وَحيثُ العلا وحيث العلاءُ
سَبَقته إِلى السمواتِ كَيما / ثمَّ تُجري اِستقباله الأنبياءُ
فَعَلى فوقَها كشمسِ نهارٍ / أَطلَعته بعدَ السماء سماءُ
رَحّبَ الرسلُ بالحبيبِ وكلّ / فيهِ إمّا أبوّةٌ أو إخاءُ
وَجميعُ الأفلاكِ مَع ما حوتهُ / قَد تَباهت وزادَ فيها البهاءُ
وَالسفيرُ الأمينُ خيرُ رفيقٍ / لَم يُفارِق وَهكذا الرفقاءُ
قالَ لمّا طابَ الوصول لِطوبى / لَو تقدّمتُ حلّ فيّ الفناءُ
سِر هَنيئاً واِذكر هناكَ اِحتياجي / يا شَفيعاً تحتاجهُ الشفَعاءُ
وَبهِ زُجَّ في البهاءِ وفي النو / رِ إِلى حيثُ كلّ خلقٍ وراءُ
وَرَأى اللَّهَ لا بكمٍّ وكيفٍ / لا مكانٌ له ولا آناءُ
فَلديهِ فوقَ السماءِ وتحتَ ال / أرضِ وَالعرشُ الحضيض سواءُ
وعليهِ صبَّ المكارمِ صبّاً / وَلهُ منه جلّتِ الآلاءُ
وَسَقاهُ مِن بحرهِ العذبِ أسرا / رَ علومٍ بها يدوم اِرتواءُ
لا نَبيٌّ ولا رسولٌ ولا الأم / لاكُ تَدري العطاءَ جلّ العطاءُ
أَنعمَ اللَّه بِالصلاةِ وبالخم / سينَ خَمساً فتمّت النعماءُ
ثمّ عادَ الضيفُ الكريمُ إلى الأَه / لِ وَقَد زادَ برّه والحباءُ
عادَ قبلَ الصباحِ فاِرتابَ في مك / كَة قَومٌ من قومه بلداءُ
أَعظَموا الأمرَ وهوَ فعلُ عظيمٍ / لَم تشابهِ صفاته العظماءُ
جلَّ قَدراً فالكائناتُ لديهِ / حُكمُها ذرّةٌ حواها الفضاءُ
جادَ ما جادَ للنبيِّ بليلٍ / بَعدهُ صبحهُ وقبلُ المساءُ
لَو أرادَ القديرُ كانَ بِلحظٍ / كلُّ هَذا ولم يكن إسراءُ
نورُكَ الكُلُّ وَالوَرى أَجزاءُ
نورُكَ الكُلُّ وَالوَرى أَجزاءُ / يا نَبِيّاً مِن جُندِهِ الأَنبِياءُ
رَحمَةَ الكَونِ كُنتَ أَنتَ وَلَولا / كَ لَدامَت في غَيبِها الأَشياءُ
مُنتَهى الفَضلِ في العَوالِمِ جَمعاً / فَوقَهُ مِن كَمالِكَ الإِبتِداءُ
لَم تَزَل فَوقَ كُلِّ فَوقٍ مُجِدّاً / بِالتَرَقّي ما لِلتَّرَقّي اِنتِهاءُ
جُزتَ قَدراً فَما أَمامَكَ خَلقٌ / فَوقَكَ اللَهُ وَالبَرايا وَراءُ
خَير أَرضٍ ثَوَيتَ فَهيَ سَماءٌ / بِكَ طالَت ما طاوَلَتها سَماءُ
يا رَعى اللَهُ طَيبَةً مِن رِياضٍ / طابَ فيها الهَوى وَطابَ الهَواءُ
شاقَني في رُبوعِها خَيرُ حَيٍّ / حَلَّ لا زَينَبٌ وَلا أَسماءُ
وَعَدَتني نَفسي الدُنُوَّ وَلَكِن / أَينَ مِنّي وَأَينَ مِنها الوَفاءُ
غادَرَتها الذُنوبُ عَرجاء وَالقَف / رُ بَعيدٌ ما تَصنَعُ العَرجاءُ
وَبِحارٌ ما بَينَنا وَقِفارٌ / ثُمَّ صَحراء بَعدَها صَحراءُ
فَمَتى أَقطَعُ البِحارَ بِفُلكٍ / ذي بُخارٍ كَأَنَّهُ هَوجاءُ
وَمَتى أَقطَعُ القِفارَ بِبَحرٍ / مِن سَرابٍ تَخوضُ بي وَجناءُ
في رِفاقٍ مِنَ المُحِبّينَ كُلٌّ / فَوقَهُ مِن غَرامِهِ سيماءُ
جَسَدٌ ناحِلٌ وَطَرفٌ قَريح / ظَلَّ يَهمي وَهامَةٌ شَعثاءُ
أَضرَمَ الوَجدُ نارَهُ بِحَشاهُم / وَلِثِقلِ الغَرامِ ناحوا وَناؤُوا
شَرِبوا دَمعَهُم فَزادوا أُواماً / ما بِدَمعٍ لِعاشِقِ إِرواءُ
لا تَسَل وَصفَ حُبِّهِم فَهوَ سِرٌّ / بِسوى الذَوقِ ما لَهُ إِفشاءُ
ساقَهُم لِلحِجازِ أَيُّ حنينٍ / ضَمَّهُ مِن ضُلوعِهِم أَحناءُ
أُحُدٌ شاقَهُم وَأَكنافُ سَلعٍ / لا رَوابي نَجدٍ وَلا الدَهناءُ
نَسَمات القَبول هَبَّت عَلَيهِم / رَنَّحَتهُم كَأَنَّها صَهباءُ
هِيَ كانَت أَرواحُهُم وَبِها كا / نَ لَهُم بَعدَ مَوتِهِم إِحياءُ
قُبضَ القَبضُ مِنهُم بُسِطَ البَس / طُ لَهُم حينَ بادَتِ البَيداءُ
بِاِنتِشاقِ النَسيمِ كُلٌّ عَراهُ / حينَ جازَت أَرضَ الحَبيبِ اِنتِشاءُ
لا بِبِنتِ الكُرومِ هاموا وَلَم يَع / بَث بِهِم أَهيَفٌ وَلا هَيفاءُ
إِنَّما اللَّهُ وَالنَبِيّ هَواهُم / وَجَميعُ الأَكوانِ بَعدُ هَباءُ
شاهَدوا النورَ مِن بَعيدٍ قَريباً / ساطِعاً أَشرَقَت بِهِ الخَضراءُ
مِنهُ بَرقٌ لَهُم أَضاءَ وَمِنهُم / كُلُّ عَينٍ سَحابَةٌ سَحّاءُ
لَيتَني مِنهُم وَماذا بِليتٍ / ما بِلَيتٍ سِوى العَناءِ غَناءُ
قَرَّبَتهُم أَحِبَّةٌ أَبعَدوني / بِذُنوبٍ تَنأى بِها الأَقرِباءُ
عَينيَ اِبكي مَهما اِستَطَعتِ وَماذا / لَو أَدَمتُ البُكاءَ يُغني البُكاءُ
لَو بَكَيتُ العَقيقَ بِالسَفحِ ما كا / نَ لِوَجدي غَيرَ اللِقاءِ شِفاءُ
لَو أَرادوا لَواصَلوني وَلَكِن / أَحسَنوا في قَطيعَتي ما أَساؤوا
لَستُ أَهلاً لِوَصلِهِم فَظَلامي / حائِلٌ أَن يَحُلَّ مِنهُم ضِياءُ
هَجَروني وَلَستُ أُنكِرُ أَنّي / لَم أَزَل مُذنِباً وَكُلّي خَطاءُ
غَيرَ أَنّي اِلتَجَأتُ قِدماً إِلَيهِم / وَعَزيزٌ عَلى الكِرامِ اِلتِجاءُ
وَرَجَوتُ النَوالَ مِنهُم وَظَنّي / بَل يَقيني أَن لا يَخيبَ الرَجاءُ
إِن أَكُن مُذنِباً فَهُم أَهلُ عَفوٍ / وَعَلى الكَونِ إِن رَضوني العَفاءُ
أَو أَكُن أَكدَرَ المُحِبّينَ قَلباً / فَلِمِثلي مِنهُم يَكونُ الصَفاءُ
أَو يَكُن في الفُؤادِ داءٌ قَديمٌ / فَلَدَيهِم لِكُلِّ داءٍ دَواءُ
أَو أَكُن فاقِداً فِعالَ مُحِبٍّ / فَلِقَلبي عَلى الوِدادِ اِحتِواءُ
أَو يَرَوني أَفلَستُ مِن عَمَلِ البر / رِ فَمِنهُم نالَ الغِنى الأَغنِياءُ
أَو أَكُن مُثرِياً وَلَستُ بِهَذا / فَمَعَ الهَجرِ ما يُفيدُ الثَراءُ
أَو أَكُن نازِحَ الدِيارِ فَمِنهُم / لَحَظاتٌ تَدنو بِها البُعَداءُ
لَيتَ شِعري كَيفَ الوُصولُ إِلى طي / بَةَ وَهيَ الحَبيبَةُ العَذراءُ
فَتُداوي سَوداءَ قَلبٍ مُحِبٍّ / أَثَّرت فيهِ عَينُها الزَرقاءُ
حَبَّذا العيدُ يَومَ يَبدو المُصَلّى / وَالنَقا وَالمَناخَةُ الفَيحاءُ
يَنحَني المُنحَنى هُناكَ عَلى الصَب / بِ حُنُوّاً وَتَعطِفُ الزَوراءُ
وَلَهُ تَضحَكُ الثَنايا إِذا ما / ثارَ مِن شِدَّةِ السُرورِ البُكاءُ
حَيِّ يا بَرقُ بِالحِجازِ عُرَيباً / مِن نَداهُم لِكُلِّ روحٍ غِذاءُ
حَيِّ يا بَرقُ بِالمَدينَةِ حَيّاً / لِعُلاهُم قَد دانَتِ الأَحياءُ
مِنهُمُ الغادِياتُ نالَت حَياها / وَاِستَمَدَّت حَياتَها الأَحياءُ
حَيِّ عَنّي عُرباً بِطَيبَةَ طابوا / طابَ فيهِم شِعري وَطابَ الثَناءُ
حَيِّ عُرباً هُم سادَةُ الخَلقِ طُرّاً / لَهُمُ الناسُ أَعبُدٌ وَإِماءُ
خَيَّموا ثمَّ في رِياضِ جِنانٍ / حَسَدَتها الخَضراءُ وَالغَبراءُ
حَيِّ عَنّي سَلعاً وَحَيِّ العَوالي / حَبَّذا حَبَّذا هُناكَ العَلاءُ
حَيِّ عَنّي العَقيقَ حَيِّ قُباء / أَينَ مِنّي العَقيقُ أَينَ قُباءُ
حَيِّ عَنّي البَقيعَ وَالسَفحَ وَالمَس / جِدَ حَيثُ الأَنوارُ حَيثُ البَهاءُ
حَيثُ روحُ الأَرواحِ حَيثُ جِنانُ ال / خُلدِ حَيثُ النَعيمُ وَالنَعماءُ
حَيثُ بَحرُ اللَهِ المُحيطُ بِكُلِّ ال / فضلِ كُلُّ الوُرّادِ مِنهُ رِواءُ
حَيثُ رَبعُ الحَبيبِ يَعلوهُ مِن نو / رٍ قِبابٌ أَقَلُّها الخَضراءُ
حَيثُ يَثوي مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الخَل / قِ وَفي بابِهِ الوَرى فُقَراءُ
يَقسِمُ الجودَ بَينَهُم وَمِنَ اللَ / هِ أَتاهُم عَلى يَدَيهِ العَطاءُ
وَهوَ سارٍ بَينَ العَوالِمِ لَم تَح / صُرهُ مِن رَوضِ قَبرِهِ أَرجاءُ
فَلَدَيهِ فَوقَ السَماءِ وَتَحتَ ال / أَرضِ وَالعَرشُ وَالحَضيضُ سَواءُ
هُوَ حَيٌّ في قَبرِهِ بِحَياةٍ / كُلُّ حَيٍّ مِنها لَهُ اِستِملاءُ
مَلَأَ الكَونَ روحُهُ وَهوَ نورٌ / وَبِهِ لِلجِنانِ بَعدُ اِمتِلاءُ
هُوَ أَصلٌ لِلمُرسَلينَ أَصيلٌ / هُم فُروعٌ لَه وَهُم وُكَلاءُ
يَدَّعي هَذِهِ الرِسالَةَ حَقّاً / وَعَلَيها جَميعُهُم شُهَداءُ
قُدوَةُ العالَمينَ في كُلِّ هَديٍ / لِهُداةِ الوَرى بِهِ التَأساءُ
شَرعُهُ البَحرُ والشَرائِعُ تَجري / مِنهُ إِمّا جَداوِلٌ أَو قِناءُ
بَهَرَ الناسَ مِنهُ خَلقٌ فَما الشَم / سُ وَخُلقٌ ما الرَوضَةُ الغَنّاءُ
بَحرُ حِلمٍ لَو قَطرَةٌ مِنهُ فَوقَ الن / نارِ سالَت لَزالَ مِنها الصلاءُ
وَلَو الرُحمُ حينَ يَغضَبُ لِلَ / هِ عَداهُ لَذابَتِ الأَشياءُ
أَعقَلُ العاقِلينَ في كُلِّ عَصرٍ / عُقِلَت عَن لحاقِهِ العُقَلاءُ
عَقلُهُ الشَمسُ وَالعُقولُ جَميعاً / كَخُيوطٍ مِنها حَواها الفَضاءُ
أَعلَمُ العالَمينَ أَعذَبُ بَحرٍ / لِسِوى اللَّهِ مِن نَداهُ اِستِقاءُ
فَلِأَهلِ العُلومِ مِنهُ اِرتِشافا / تٌ وَلِلأَنبِياءِ مِنهُ اِرتِواءُ
أَعدَلُ الخَلقِ ما لَهُ في اِتِّباعِ ال / حَقِّ في كُلِّ أُمَّةٍ عُدَلاءُ
أَعرَفُ الكُلِّ بِالحُقوقِ وَلا تَث / نيهِ عنها الأَهوالُ وَالأَهواءُ
مَصدَرُ المَكرُماتِ مَورِدَها العَذ / بُ كِرامُ الوَرى بِهِ كُرَماءُ
أَفرَغَ اللَهُ فيهِ كُلَّ العَطايا / وَالبَرايا مِنهُ لَها اِستِعطاءُ
صَفوَةُ الخَلقِ أَصلُ كُلِّ صَفاءٍ / نالَهُ الأَتقِياءُ وَالأَصفِياءُ
كَم لَهُ في أَماثِلِ الدَهرِ شِبهٌ / إِن تَكُن تُشبِهُ البِحارَ الإِضاءُ
أَفضَلُ الفاضِلينَ مِن كُلِّ جِنسٍ / وَاِترُك اِلّا فَما هُنا اِستِثناءُ
إِنَّما ما حَوى الزَمانُ مِنَ الفَض / لِ وَما حازَهُ بِهِ الفُضَلاءُ
كُلُّهُ عَنهُ فاضَ مِن غَيرِ نَقصٍ / مِثلَما فاضَ عَن ذكاءَ الضِياءُ
كُلُّ فَضلٍ في الناسِ فَردُ أُلوفٍ / نالَها مِن هِباتِهِ الأَولِياءُ
وَنِهاياتُهُم قُبَيلَ بِدايا / تٍ عَلاها فَوقَ الوَرى الأَنبِياءُ
وَلَدى الأَنبِياء مِن فَضلِهِ الجُز / ءُ وَلَكِن لا تُحصَرُ الأَجزاءُ
وَهوَ وَالرُسلُ وَالمَلائِكُ وَالخَل / قُ جَميعاً لِرَبِّهِم فُقَراءُ
هُوَ بَعدَ اللَهِ العَظيمِ عَظيمٌ / دونَ أَدنى مَقامِهِ العُظَماءُ
هُوَ أَدنى عَبيدِ مَولاهُ مِنهُ / ما لِعَبدٍ لَم يُدنِهِ إِدناءُ
مَن أَرادَ الدُخولَ لِلَّهِ مِن با / بٍ سِواهُ جَزاؤُهُ الإِقصاءُ
يَرجِعُ الحُبُّ مِنهُ فيهِ إِلى اللَ / هِ تَعالى وَمِنهُ فيهِ القَلاءُ
مَن يُحِبُّ الحَبيبَ فَهوَ حَبيبٌ / وَعُداةُ الحَبيبِ هُم أَعداءُ
قُل لِمَن يَسأَلُ الحَقيقَةَ لا يَن / فَكّ مِنهُ عَن أَحمَدَ اِستِفتاءُ
هِيَ سِرٌّ بِعِلمِهِ اِستَأثَرَ اللَ / هُ وَحارَت في شَأنِها العُقَلاءُ
قَد عَلِمناهُ عَبدَ مَولاهُ حَقّاً / لَيسَ لِلَّهِ وَحدَهُ شُرَكاءُ
ثُمَّ لَسنا نَدري حَقيقَةَ هَذا ال / عَبدِ لَكِن مِن نورِهِ الأَشياءُ
صِفهُ وَاِمدَح وَزَكِّ وَاِشرَح وَبالِغ / وَليُعنكَ المَصاقعُ البُلَغاءُ
فَمُحالٌ بُلوغُكَ الحَدَّ مَهما / قُلتَ أَو شِئتَ مِن غُلُوٍّ وَشاؤوا
لَو رَقى العالمونَ كُلَّ ثَناءٍ / فيهِ مَهما عَلا وَعالَ الثَناءُ
لَدَعاهُم إِلى الأَمامِ مَعانٍ / عَرَّفَتهُم أَنَّ الجَميعَ وَراءُ
قَد تَساوى بِمَدحِهِ الغايَة القُص / وى قُصوراً وَالبَدءُ وَالأَثناءُ
أَيُّ لَفظٍ يَكونُ كُفؤاً لِمَعنا / هُ وَفي الخَلقِ ما لَهُ أَكفاءُ
هو واللَه فوق كلّ مديحٍ / أَنشَدتهُ الرواةُ والشعراءُ
كلُّ مَدحٍ له وللناس طرّاً / كان فيه من مادحٍ إطراءُ
هوَ منهُ مثل الندى سيقَ لِلبح / ر وأينَ البحارُ والأنداءُ
ليس يدري قدر الحبيب سوى اللَ / هِ فَماذا تقولهُ الفصحاءُ
غالِ مَهما اِستطعتَ في النظمِ والنث / رِ وأينَ الغلوُّ والغلواءُ
ما بِتطويلِ مدحهِ ينتهي الفض / لُ فَقصّر أو قل بهِ ما تشاءُ
عظَّم اللَّه فضلهُ عظّمَ الخل / قَ ومنهُ بعَمرهِ إيلاءُ
فَمديحُ الأنامِ مِن بعدِ هذا / خَبرٌ صحّ مُنتهاه اِبتداءُ
خَيرُ وَصفٍ له العبودة للَ / هِ فَما فوقها بمدحٍ علاءُ
وَتأمّل سُبحان مَن منه فضلاً / كانَ ليلاً بعبدهِ الإسراءُ
هوَ نورُ الأنوارِ أصلُ البرايا / حينَ لا آدمٌ ولا حوّاءُ
هوَ فردٌ باللَّه والكلّ منه / ليس ثانٍ هنا وليس ثناءُ
منهُ عرشٌ ومنه فرشٌ ومنه / قلمٌ كاتبٌ ولوحٌ وماءُ
منهُ كلّ الأفلاكِ كانت وما دا / رَت بهِ والذواتُ والأسماءُ
منهُ نورُ النجومِ والشمسِ والبد / رِ وَمثلُ البصائرِ البُصراءُ
فَهو للكلِّ والِدٌ وَأبو الخَل / قِ جَميعاً وهم له أبناءُ
رَحمةُ العالمينَ كلٌّ نصيباً / نالَ لَكن تفاوتَ الأنصباءُ
فازَ مِنها الروحُ الأمين بسهمٍ / قَد أصابَ الأمانَ وهو الثناءُ
وَبهِ آدمٌ جنى العفوَ حلواً / فهو جانٍ قد جاءه الإجتباءِ
وبهِ النارُ للخليلِ جِناناً / قَد أُحيلت وعكسهُ الأعداءُ
خيرةُ اللَّه مُنتقى كلّ خلق / وَلكلٍّ منَ الأصولِ اِنتقاءُ
خارهُ واِصطفاهُ فهو خيارٌ / مِن خيارٍ ومن صفاءٍ صفاءُ
حلَّ نوراً بآدَمٍ فاِستَنارَ الص / صلبُ منه والجبهة الغرّاءُ
وَسَرى في الجدودِ كالروح سرّاً / صانهُ الأمّهات والآباءُ
هو كنزُ الرحمنِ في كلّ عصرٍ / هُم جميعاً أرصادهُ الأمناءُ
كنزُ درّ قد فاقَ فهو يتيمٌ / وعليهِ جميعهُم أوصياءُ
قَد تحرّى كَرائماً وكراماً / ما اِبتغى قطّ في حماهُم بغاءُ
بِصحيحِ النكاحِ دون سفاحٍ / فهوَ نعم النكاحُ نعمَ الرفاءُ
حلَّ شَيثاً إدريس نوحاً وإبرا / هيمَ نوراً ومَن أَتاهُ الفداءُ
ثمَّ عدنان ناله ومعدٌّ / وَنزارٌ وهكذا نجباءُ
مُضَرُ الخيرِ واِبنه اِلياسُ والمُد / ركُ مِن كلّ رفعةٍ ما يشاءُ
وخزيمٌ كنانةُ النضرُ والما / لكُ فهرٌ وغالبٌ واللواءُ
ثمَّ كعبٌ ومرّةٌ وكلابٌ / وقصيٌّ وكلُّهم كرماءُ
ثمَّ بدرُ البطحاءِ عبدُ منافٍ / هاشمٌ شيبةُ الفتى المعطاءُ
وَأَبو المُصطفى الحلاحلُ عبد ال / لَهِ والكلّ سادةٌ نبلاءُ
هَكَذا المجدُ وَالمفاخرُ وَالأن / سابُ تَعلو وَهكذا النسباءُ
هَكَذا المجدُ والجدودُ فنادِ ال / خلقَ أينَ الأشباه والأكفاءُ
كلُّ فَردٍ منهم فريدٌ ولم يُن / ظَر لهُ في زمانه نظراءُ
وَلهُ الأمّهات كلُّ حَصانٍ / تَتباهى بِمجدِها الأحماءُ
حبَّذا أمّهاتُ خير نبيٍّ / شرّفَ الكون حبّذا الآباءُ
لَم يَزل سارياً سُرى الشمسِ والده / رُ منَ الشركِ ليلةٌ ليلاءُ
مِن سَماءٍ إلى سماءٍ وأعني / كلَّ أصلٍ له بقولي سماءُ
لَم يَزَل سارياً إلى أَن تجلّت / شمسُ أنوارهِ وفاض الضياءُ
وَهبَ اللَّه بنتَ وهبٍ به كل / لَ هناءٍ وزالَ عَنها العناءُ
كَم رَأت آيةً له وهيَ حُبلى / وَبمَولى كلِّ الورى نفساءُ
جاءَها الطلقُ وهيَ في الدارِ من دو / نِ أنيسٍ وقَد نأى الأقرباءُ
فَأتَتها قوابلٌ من جنانِ ال / خلدِ منها العذراء والحوراءُ
وَتَدلّت زهرُ النجومِ إليها / كَالمصابيحِ ضاءَ منها الفضاءُ
حَمَلته هَوناً وقد وضعتهُ / أَنظفَ الناسِ ما به أقذاءُ
وَلَدتهُ كالشمسِ أشرقَ مسرو / راً وتمّت بختنه السرّاءُ
أَبصَرَت نورهُ أنارَ بِبُصرى / فَرَأتها كأنّها البطحاءُ
وَلَقد هزّت الملائكُ مَهداً / كانَ مِن فوقهِ له اِستلقاءُ
حادثَ البدرَ وهو كان له في ال / مهدِ كالظئرِ طابَ منها الغناءُ
خَدَمتهُ عوالمُ الملأ الأع / لى وهل بعد ذا لعبدٍ علاءُ
وَاِستَفاضت أخبارهُ في البرايا / فَحَكاها الملّاح والحدّاءُ
غيرَ أنّ القلوبَ فيها عيونٌ / بَعضها عن رشدِها عمياءُ
ليسَ لي حيلةٌ بتعريفِ أعمى / كنهَ شيءٍ خصّت به البصراءُ
وَإِذا ما هَدى الإلهُ بَهيماً / كانَ مِن دونِ فهمه الأذكياءُ
أَحجمَ الفيلُ عَن حِمى اللّه لمّا / قَصَدَت هدمَ بيته الأشقياءُ
وَبطيرٍ جاءت لنصرةِ طهَ / وَهو حملٌ بادوا وبالخسرِ باؤوا
وَبميلادهِ لقد فاض نورٌ / ضاقَ عَن وسعهِ الملا والخلاءُ
فاضَ طوفانهُ فغاضَت مياهُ ال / فرسِ وَالنارُ عمّها الإطفاءُ
شُرفات الإيوانِ إيوان كسرى / منهُ خرّت واِنشقّ هذا البناءُ
وَرَأى الموبَذانُ رُؤيا حكاها / هيَ حقٌّ وليس فيها اِمتراءُ
هَجَمَ العُربُ بالعرابِ ولم يم / نَع هُجوماً من نهرِ دجلة ماءُ
وبميلادهِ تنكّستِ الأص / نامُ جُنّت أم مسّها إغماءُ
حلّ فيها داءُ الرَدى فأساءَ الش / شركَ داءٌ أودَت به الشركاءُ
جاءَ كالدرّةِ اليتيمةِ فرداً / تيّمَ الكونَ حسنهُ الوضّاءُ
فَأَبتهُ كلُّ المراضعِ لليتمِ وقد / ذلَّ في الوَرى اليتماءُ
أَرضَعته فتاةُ سعدٍ فَفازت / برضيعٍ ما مثله رضعاءُ
أَرضَعته وَالعيشُ أغبر فاِخضر / رَ وَبئس المعيشة الغبراءُ
رَكِبت في المجيء شرَّ أتانٍ / سَبَقتها لضعفها الرفقاءُ
ثمَّ عادَت تعدو علَيها فلم تد / رِ أتانٌ أم سابقٌ عدّاءُ
وَشياهٌ لَها بمحلٍ شديدٍ / مصَّ ماء الثرى أتاه الثراءُ
أَقبَلت لُبّناً شباعاً وأهل ال / حيِّ مَع شائِهم جياعٌ ظماءُ
بَركاتٌ أرخَت عليها رخاءً / في زمانٍ غالَ الجميع الغلاءُ
شقَّ منهُ جبريلُ أفديهِ صدراً / قَد وَعى العالمينَ منه وعاءُ
وَحَشاه بِحكمةٍ وبإيما / نٍ وتمَّ الختام تمّ الوكاءُ
هوَ بحرٌ ولستُ أدري وقد شق / قَ لِماذا لَم تغرقِ الأرجاءُ
هوُ بحرُ التوحيدِ فاضَ وكلّ ال / أرض بالشرك بقعةٌ جدباءُ
فَأَتاها مِن فيضهِ الخصب حتّى / حَيِيَت بعد مَوتها الأحياءُ
ماتَت أمُّ النبيِّ وهو ابن ستٍّ / وَأبوه وبيتهُ الأحشاءُ
ثمَّ أَحياهُما القديرُ فحازا / شرفَ الدين حبّذا الإحياءُ
وَهُما ناجيانِ من غير شكٍّ / فَترةٌ أو حياةٌ أو حنفاءُ
رضيَ اللَّه عنهُما وكرام الن / ناس منّا ولتسخطِ اللؤماءُ
لَيسَ يرتابُ في نَجاتهما إل / لا رَقيعٌ في الدين أو رقعاءُ
كيفَ تُرجى النجاةُ للناس ممّن / ما أتى والديه منه النجاءُ
كَم أَتانا بأمرِ بِرٍّ ونهيٍ / عَن عقوقٍ وهو الفتى المئتاءُ
وَمحالٌ تكليفهُ الناس خيراً / هوَ منهُ حاشا وحاشا براءُ
أَيَرون الدعاءَ ما كان منهُ / لَهُما أو دعا وخاب الدعاءُ
بَل دَعا اللَّه واِستجاب له اللَ / هُ فحيّا تلكَ القبور الحياءُ
خصّهُ اللَّه بالنبوّة قدماً / وَسِوى نورهِ الكريم فناءُ
كلُّ خلقِ الرحمنِ أمّتهُ النا / سُ رَعايا والأنبيا وزراءُ
هوَ سُلطانهم وكلٌّ أميرٌ / غيرُ بدعٍ أن تسبق الأمراءُ
بَشَّروا أَحسنوا البشائرَ لكن / جاءَ قومٌ من بعدهم فأساؤوا
بعضُهم صرّح الكلامَ كعيسى / وَكلامُ الكليم فيه اِكتفاءُ
وَبسفرِ الزبورِ أقوى دليلٍ / وَأشاعَ البُشرى به شعياءُ
وَأَتت عَن سواهم كلّ بشرى / عطّر الكونَ من شَذاها الذكاءُ
أَظهَروه وبيّنوهُ ولكن / كَتمتهُ معاشرٌ سخفاءُ
سَتروا الحقّ حرّفوا اللفظَ والمع / نى وَكم ذا بدت لهم عوراءُ
جَعلوه ما بينَهم أيّ سرٍّ / وإِلى الحشرِ ما له إفشاءُ
وَبرغمٍ مِنهم فشا وبأهل ال / علمِ مِن قَومنا لهم إبداءُ
وَبِكلِّ الأعصارِ أظهره اللَ / ه بِقومٍ منهم هم النبهاءُ
نِعمَ بحرُ العلومِ منهم بَحيراً / وَنصيرُ الإيمانِ نسطوراءُ
نعمَ حَبرٌ قد أسلمَ اِبن سلامٍ / حينَ جاءَت ببهتهِ السفهاءُ
وَلَنِعم الحبرُ الكريم مخيري / قٌ شهيدُ المعارك المعطاءُ
وَعنِ الجنِّ كم بشائر للإن / سِ رَواها الكهّان والعلماءُ
وَبشهبٍ حمراء أشرقتِ الغب / راءُ لمّا رمتهمُ الخضراءُ
وَبإلهامِ يقظةٍ ومنامٍ / دَرتِ الأرضُ ما درته السماءُ
قبلهُ عمّتِ البرايا جَهالا / تٌ وضلّ المَرؤوسُ والرؤساءُ
لا حرامٌ ولا حلالٌ ولا دي / نٌ صحيحٌ ولا هدىً واِهتداءُ
كانَ في الناسِ ملّتان وكلٌّ / مِنهُما مثل أختها عوجاءُ
أَهلُ أصنامِهم وأهل كتابٍ / شَيخُهم في دروسهِ الغوّاءُ
بَدّلوهُ وحرّفوه وزادوا / فيهِ ما شاء من ضلالٍ وشاؤوا
فَهُم يَخبطونَ فيه وهل تب / صرُ رُشداً بخبطها العشواءُ
بَينَما الكفرُ هكذا أحرقَ الخل / قَ لظاهُ واِشتدّت الظلماءُ
وَاِشتَكت كعبةُ الإله أذاهم / وَاِستَغاثَت مِن شركهم إيلياءُ
أَطلعَ اللَّه شمسَ أحمدَ في الأر / ضِ فَعمّت أقطارها الأضواءُ
قَد أَتى المُصطفى نبيّاً رسولاً / طِبقَ ما بشّرت به الأنبياءُ
لِجميعِ الأنامِ أرسله اللَ / هُ خِتاماً للرسل وهو اِبتداءُ
أَطلعَ اللَّهُ شمسه فاِستنارَت / قبلَ كلِّ الأماكنِ البطحاءُ
مَلأ العالمينَ نوراً ولولا / نورهُ لاِستحالَ فيها الضياءُ
وَقلوبُ العتاةِ فيها عيونٌ / طَمَستها مِن شركهم أقذاءُ
إِنّما هَذه القلوبُ مرايا / فَوقَها مِن ظلالٍ لكلِّ مرأى مراءُ
كلَّما جاءَهم بآيةِ صدقٍ / كَذّبوه فيها وبالإفك جاؤوا
جاءَهم هادِياً بأفصحِ قولٍ / عَجزت عن أقلّهِ الفصحاءُ
طالَ تَقريعُهم بهِ والتحدّي / أَينَ أينَ المصاقعُ البلغاءُ
وَهمُ القومُ أفصحُ الناس طبعاً / شُعراءٌ بينَ الورى خطباءُ
عَدَلوا عنهُ للشتائمِ والحر / بِ اِفتراقٌ جوابهم واِفتراءُ
أَتُراهم لو اِستطاعوا نَظيراً / راقَهم عنهُ أن تراق دماءُ
فيهِ إعجازُهم وفيه هداهُم / فَهو سُقمٌ لهم وفيه شفاءُ
فيهِ إِخبارُهم وفيهِ هُداهم / فَهو سُقمٌ لهم وفيه شفاءُ
فيهِ إخبارُهم بِما كان في الده / رِ وَيأتي تساوَتِ الآناءُ
وَالنبيُّ الأمّيُّ قد علموهُ / ما لهُ في كمالِه قرناءُ
أَصدقُ الناسِ لهجةً ما أتاه / قطّ من قومه بكذبٍ هجاءُ
لقّبوهُ الأمينَ من قبل هذا / وقليلٌ بين الورى الأمناءُ
لا كِتابٌ ولا حسابٌ ولا غر / بَةَ طالت ولا له اِستخفاءُ
بِكتابٍ منَ المليكِ أَتاهم / كلُّ لفظٍ بصدقه طغراءُ
حجّةُ اللَّهِ فوقَ كلّ البرايا / فيهِ عن كلّ حجّةٍ إغناءُ
كلُّ علمٍ في العالمين فمنهُ / عنهُ فيه لهُ عليهِ اِرتقاءُ
غَلبَ الكلّ بالبراهينِ لكن / بَعضُهم غالبٌ عليه الشقاءُ
حارَبَ العُرب وَالأعاجمَ منه / بِسلاحٍ له السلاح فداءُ
كلُّ حرفٍ سيفٌ ورمحٌ وسهمٌ / وَمِجنٌّ ونثرةٌ حصداءُ
لَيسَ يهدي القرآنُ مِنهم قلوباً / ما أَتاها مِن ربّها الإهتداءُ
لا يُطيقُ الإفصاحَ بالحقِّ عبدٌ / روحهُ مِن ضلالهِ خرساءُ
إِنّ قُرآنه الكريم لكلّ ال / كتبِ مِن فيضِ فضله اِستجداءُ
كلُّ فردٍ قَد حازَ أقسام فضلٍ / دونَ فشلٍ وقد يكون وطاءُ
جمعَ الكلَّ وحدهُ فلديهِ / لِجميعِ الفضائل اِستيفاءُ
زادَ عَنها أَضعافها فهو فردٌ / ضِمنهُ العالمون والعلماءُ
وَاِنقَضت مُعجزات كلِّ نبيٍّ / باِنقِضاه وما لِهذا اِنقضاءُ
واِهتَدى سادةٌ فصارَ لهم بالس / سبقِ وَالصدقِ رتبةٌ علياءُ
سَبَقتهم خديجةٌ وأبو بك / رٍ عليٌّ زيدٌ بلالٌ وِلاءُ
وَتَلاهم قومٌ كرامٌ كَذي النو / رَين عُثمان سادةٌ نبلاءُ
عامرٌ طلحة الزبير وسعدٌ / واِبنُ عوفٍ مع صاحب الغارِ جاؤوا
وَسَعيدٌ عُبيدةٌ حمزة المر / غمُ أنفَ الضلال منه اِهتداءُ
أَسدُ اللَّهِ والرسول الّذي دا / نَت لهُ بِالسيادة الشهداءُ
وَالإمامُ الفاروقُ بعدُ منَ المخ / تارِ في حقّة اِستجيب الدعاءُ
كانَ إِسلامهُ عَلى الشركِ خفضاً / وَبهِ صارَ للهدى اِستعلاءُ
عُمَرُ القرمُ ذو الفتوح الّذي عز / رَ بهِ الدين حينَ عزّ العزاءُ
وَنِساءٌ أمّ الجميلِ وأمّ ال / فضل أمٌّ لأيمنٍ أسماءُ
وَسِواهُم من سادةٍ وعبيدٍ / سابقَتهم حرائرٌ وإماءُ
ثمّ لمّا تَظاهروا لقريشٍ / حينَ زالَ الخفاء زاد الجفاءُ
نوَّعوا فيهمُ العذابَ وكانت / مِن لَظاهم بالأبطح الرمضاءُ
لَهفَ قَلبي على بلالٍ فقد صُب / بَ عليهِ وفاض عنه البلاءُ
لَهف قلبي على الوليِّ أَبي اليق / ظان إذا آل ياسرٍ أسراءُ
لهفَ قَلبي على الجميعِ وما ين / فعُ لَهفي وما يفيد البكاءُ
رَحمةُ اللَّه صاحَبَت خير صحبٍ / حينَ عزّت في مكّة الرحماءُ
أَحسنَ اللَّه صَبرهم فاِستلذّوا / بِالبَلايا وخفّت اللأواءُ
وَلهَذا تحمّلوا ما الجبال الش / شمُّ عَن حملِ بعضه ضعفاءُ
هاجَروا للحُبوش خوفاً على الدي / نِ فَهُم مثل دينهم غرباءُ
وَالنبيّ الأمّيُّ كالليثِ يُردي الش / شركَ منهُ تقدّمٌ واِجتراءُ
لَم تَرُعه الأهوالُ في نشر دينٍ / هوَ وَحيٌ وما به أهواءُ
كَم أساؤوهُ كَي يكفَّ فما كف / فتهُ عَن أمرِ ربّه الأسواءُ
وَاِستَوى منهمُ لديه جفاءٌ / وَوفاءٌ والضرّ والسرّاءُ
ربّ يومٍ أتاهُ عقبةُ أشقى ال / قوم يَسعى وفي يديه سلاءُ
بِخبيثٍ أتى خبيثٌ وهل يأ / تي بِغير الخبائثِ الخبثاءُ
قَد رماهُ حينَ السجودِ عليه / وَاِنثنى منه تضحكُ الأشقياءُ
فَأطالَ السجودَ حتّى أتتهُ / فَأزالتهُ بنته الزهراءُ
ليتَ شِعري إِذ ذاكَ ما منع الأر / ضَ منَ الخسف أو تخرّ السماءُ
قَومُ نوحٍ لم يَفعلوا مثل هذا / وَلَقد أغرقَ البريّة ماءُ
غيرَ أنّ الغَريمَ كانَ كريماً / وَحليماً فأُخّرَ الإقتضاءُ
راحَ شمسُ الوجودِ يَدعو عليهم / وببدرٍ قد اِستُجيب الدعاءُ
صُرِعوا كلّهم هناكَ ومنهم / في قليبٍ قد أُلقيت أشلاءُ
كلَّفوهُ بشقِّه القمر الزا / هرَ ليلاً تكليفَ ما لا يشاءُ
فَدعا فاِستبانَ شقّين في الحا / ل ِوبينَ الشقّين بان حراءُ
فاِستَرابوا بأنّه السحرُ حتّى / جاءَ مِن كلّ واردٍ أنباءُ
أَخبَروهم بصدقهِ فاِستَمرّوا / وَالعَمى لا تفيدهُ الأضواءُ
هالَهم أمرهُ فَخافوا وما هم / بعدَ حينٍ من فتكه أمناءُ
عرَضوا أن يكونَ فيهم مليكاً / وَإِليه الأموالُ والآراءُ
ثمَّ يَدنو ولا يسفِّه أحلا / ماً فما هم بزعمهم سفهاءُ
فَأبى مُلكَهم ولَو لهوى النف / سِ دَعاهم لما تأتّى الإباءُ
ثمّ ناداهُم فقالَ وهل يس / مِعُ أهلَ القبور منه النداءُ
لَو وَضَعتم بدرَ السما في شمالي / وَبِيُمنايَ كانَ منكم ذكاءُ
ما تَركتُ الدعاءَ للّه حتّى / يحكمُ اللَّه بينَنا ما يشاءُ
فَأَساؤوهُ بالمقالِ وبالأف / عالِ واِشتدّ منهم الإعتداءُ
فَرَأوهُ مثلَ الهزبرِ وهل صَد / دَ هزبراً من الكلابِ عواءُ
قَد دَعا قومهُ لتسليمهِ لل / قتلِ بَغياً فخابَ هذا الدعاءُ
هَجروهُم في الشِعبِ لا قرب لا حب / بَ وَلا بيعَ منهمُ لا شراءُ
وَمَضت هكذا سنون ثلاثٌ / جارَ فيها العِدا وراج العداءُ
وَأرادَ الرحمنُ تفريجَ هذا ال / كربِ عَنهم فاِنشقّت الأعداءُ
خالفَ البعضُ مِنهم البعضَ والقو / مُ جَميعاً في شركهم شركاءُ
وَاِستَمرّوا على الخلافِ إلى أن / فرّ ذاكَ الجفا وقرّ الوفاءُ
ينصرُ اللَّه مَن يشاءُ بما شا / وَمنَ السمّ قد يكون الشفاءُ
وَأَتى عمّهُ الحميمَ حمامٌ / ما لِحيٍّ من الحمام اِحتماءُ
كانَ تُرساً يقيهِ عادية الأع / داءِ رأساً تهابهُ الرؤساءُ
مُستقيماً على الولاءِ وللأض / لاعِ منهُ على الحنُوِّ اِنحناءُ
قَد رَأى صدقَهُ بِمرآة قلبٍ / صَقَلَتها رويّةٌ واِرتِياءُ
غيرَ أنَّ الخفاءَ كانَ مُفيداً / ربَّما يجلبُ الظهورَ الخفاءُ
مدحَ المُصطفى بنظمٍ ونثرٍ / كَم لهُ فيه مدحةٌ غرّاءُ
وَلَدى الإحتِضارِ أصفى قريشاً / خيرَ نُصحٍ فلم يكن إِصغاءُ
أَوضحَ الحقّ في كلامٍ طويلٍ / كانَ في قلبهِ عليه اِنطواءُ
وَمَضى راشِداً وقد أسمع العب / باسَ قَولاً به يكون النجاءُ
فَاِستمرّت على العناد قريشٌ / ما لديها رعايةٌ واِرعواءُ
وَبموتِ الشيخِ المهيبِ اِستطالت / بِأذاهُ وزادَ منها البذاءُ
وَهوَ في صدعِها بما أمرَ الجب / بارُ ماضٍ كالسيفِ فيه مضاءُ
ليلهُ مثلُ يومهِ باِجتهادٍ / في هُداها وكالصباحِ المساءُ
ثمَّ ماتَت خَديجةٌ فأتاهُ / أيُّ رُزءٍ جلَّت به الأرزاءُ
كَم رَأت سيّد الورى في عناءٍ / وَبِها زالَ عنه ذاك العناءُ
كُلَّما جاءَها بعبءٍ ثقيلٍ / هوّنتهُ فخفّت الأعباءُ
ما أتاهُ مِن قومهِ السخطُ إلّا / كانَ مِنها لقلبه إرضاءُ
كلُّ أَوصافِها البديعة جلّت / عَن شبيهٍ وكلّها حسناءُ
فهيَ هارونهُ بِها اللَّه شدّ ال / أزرَ منه وما بها إزراءُ
وَهيَ كانت وزيرهُ الناصحَ الصا / ئبَ رَأياً وهكذا الوزراءُ
وازَرته على النبوّة لمّا / جاءَهُ الوحي كان منها الوحاءُ
إِذ أَتاه الأمينُ جبريلُ في غا / ر حراءٍ فزاد فخراً حراءُ
غطّهُ مرّةً وأُخرى وأُخرى / قائل اِقرأ ولم يكن إقراءُ
فَاِبتدا وحيهُ بسورةِ إقرأ / ثمّ فاضَ القرآنُ والقرّاءُ
فَاِنثنى ترجفُ البوادرَ منه / لِخديجٍ وحبّذا الإنثناءُ
فَرَأته فاِستَفهمته فلمّا / علمَت أمرهُ أتاها الهناءُ
عَلِمت أنّه النبيّ الّذي في الن / ناسِ عنهُ قد شاعت الأنباءُ
آمَنت أسلَمَت أعانَت وقد زا / دَ لَديها في شأنه الإعتناءُ
خصّها اللَّه بِالسلامِ وجِبري / لُ المؤدّي ونعم هذا الأداءُ
كلُّ أولادِ صلبهِ غيرَ إبرا / هيم منها وما لها ضرّاءُ
رضيَ اللَّه والنبيُّ وهذا الد / دين عنها فليسَ يكفي الثناءُ
لَو رأيتَ النبيّ من بعدُ في الطا / ئفِ سالت بالحصبِ منه الدماءُ
وَسمِعت التخييرَ فيهم من اللَ / هِ فكانَ اِختياره الإبقاءُ
كنتَ شاهدتَ أعظمَ الخلقِ حلماً / وَتمنّيت أن يعمّ الفناءُ
كانَ يَلقى عنهُ الحجارةَ زيدٌ / إنّ روحي لنعلِ زيدٍ فداءُ
قرّب اللَّه سيّد الخلقِ حتّى / غَبَطَ العرش قُربه والعماءُ
لا جِهاتٌ تَحوي الإله تعالى / ليسَ شَخصاً لذاته أنحاءُ
فَلَديهِ كلُّ الجِهات وقبلَ الد / دهرِ والدهرُ والمعاد سواءُ
أَينَما كانَ خلقهُ فهوَ مَعهم / لا مَكانٌ له ولا آناءُ
وعَلى عرشهِ اِستوى ليس يدري / غيرهُ كيفَ ذلِك الإِستواءُ
لا كشيءٍ في العالمينَ ولا تش / بههُ جلّ قدرهُ الأشياءُ
لا غنيّاً من الخلائقِ عنه / وهوَ عن كلّهم له اِستغناءُ
كلُّ آتٍ في البالِ فهو سوى اللَ / هِ تَعالى وأين أين السواءُ
كلُّ نقصٍ عنه تنزّه قدماً / وَكمالُ السنا له والسناءُ
وَلهُ الخلقُ وحدَهُ ولهُ الأم / رُ وَيَجري في ملكهِ ما يشاءُ
خالقٌ كلّ ما عداه ولا بد / ءَ لهُ في وجودهِ لا اِنتهاءُ
واجبٌ كالوجودِ كلُّ الكمالا / ت محالٌ أضدادها والفناءُ
واحدُ الذاتِ وَالصفاتِ والأفعا / لِ وفي الكلّ ما له شركاءُ
عالمٌ قادرٌ مريدٌ سميعٌ / وبصيرٌ حيٌّ له الأسماءُ
ذو كلامٍ بقول كُن منهُ كان ال / خلقُ سيّان عرشهُ والهباءُ
كلُّ عِلمٍ يكونُ أَو كان مع ما / أَنتَجتهُ الأفكار والآراءُ
هوَ مِن علمهِ كقطرةِ بحرٍ / لَو عدا البحرَ غايةٌ واِبتداءُ
مالكُ الملكِ ذو الجلال له ال / كلُّ اِستحالَ الشريك والوزراءُ
حارَ في كنههِ الملائكُ عجزاً / عنهُ والأنبياءُ والأولياءُ
بَهَرتهُم أنوارهُ حيّرتهم / حبّذا حَيرةٌ هي الإهتداءُ
ليسَ يدريهِ غيرهُ فجميع ال / خلقِ في كنهِ ربّهم جهلاءُ
مَن رَأى بانياً دراه بناءٌ / أينَ هَذا البناء والبنّاءُ
مَن رَأى الشمسَ في النهارِ دَرتها / وهيَ عَنها الظلالُ والأفياءُ
أَثرٌ ما دَرى المؤثِّر فيهِ / وَلهذينِ بالحدوثِ اِستواءُ
أَتُرى الحادثات تَدري قديماً / كيفَ تَدري خلّاقها الأشياءُ
قَد رَقى العارِفون باللَّه مرقى / ما لخلقٍ إلى عُلاه اِرتقاءُ
فَأقرّوا مِن بعدِ كلّ تعلٍّ / وَتَجلٍّ أنّ الخفاء خفاءُ
وَلَقد ضلّ معشرٌ حَكموا العق / لَ وما هُم بحكمهم حكماءُ
حينَما سافَروا على غير هديٍ / عُقِلَ العقلُ منهم والذكاءُ
كيفَ تَدري العقولُ كنهَ إلهٍ / كانَ مِن بعضِ خلقهِ العقلاءُ
ما لهُ ما عليهِ نفعٌ وضرٌّ / مِن براياهُ أحسَنوا أَو أَساؤوا
كلُّ شَيءٍ منَ الخلائق فانٍ / وَلهُ وحدهُ تعالى البقاءُ
أَرسلَ الرسلَ للأنام ليمتا / زَ لَديهم سعادةٌ وشقاءُ
صِدقُهم واجبٌ وفهمٌ وتبلي / غُ هداهُ وكلُّهم أمناءُ
وَمُحالٌ أضدادها ومعاصي / هِ وَغيرَ العيوبِ جازَ السواءُ
رُسُلُ اللَّه هُم هداةُ البرايا / وَلكلٍّ محجّةٍ بيضاءُ
خصَّ مِنهم محمّداً بالمزايا ال / غرّ منها المِعراجُ والإسراءُ
أَرسلَ الروحَ بالبراقِ كما تف / علهُ لِلكرامة الكرماءُ
فَعلاهُ البدرُ التمام أبو القا / سمِ لَيلاً فضاء منه الفضاءُ
راحَ يَهوي بهِ وحدُّ اِنتهاءِ الط / طرفِ منهُ إلى خطاهُ اِنتهاءُ
مرّ في طيبةٍ وموسى وعيسى / ولَقد شَرُفت به إيلياءُ
ثمّ صلّى بالأَنبِياءِ إماماً / وبهِ شَرّفَ الجميعَ اِقتداءُ
وَمَضى سارياً إِلى العالمِ العل / وِيّ حيثُ العلا وحيث العلاءُ
سَبَقته إلِى السمواتِ كيما / ثمَّ تُجري اِستقباله الأنبياءُ
فَعلا فَوقَها كشمسِ نهارٍ / أَطلَعته بعدَ السماء سماءُ
رحّب الرسلُ بالحبيبِ وكلٌّ / فيهِ إمّا أبوّةٌ أو إخاءُ
وَجَميعُ الأفلاكِ مع ما حوتهُ / قَد تَباهَت وزاد فيها البهاءُ
وَالسفيرُ الأمينُ خير رفيقٍ / لَم يُفارِق ما مثله سفراءُ
وَلَدى السدرةِ الجوازُ عليهِ / صارَ حظراً فكان ثمّ اِنتهاءُ
فَدَعاه النبيّ حين عَلا السد / رةَ نورٌ منهُ عليها غشاءُ
هَهُنا يتركُ الخليلُ خليلاً / أَينَ ذاكَ الصفاءُ أين الوفاءُ
قالَ عُذراً فلَن أُجاوزَ حدّي / لَو تقدّمت حلّ فيَّ الفناءُ
وَبهِ زُجّ في البهاءِ وفي النو / ر إِلى حيثُ كلّ خلقٍ وراءُ
وَرَأى اللَّه لا بِكيفٍ وحصرٍ / لا مَكانٌ يحويه لا آناءُ
فَوقُ فوقٍ وتَحتُ تحتٍ لديه / قبلُ قبلٍ وبعدُ بعدٍ سواءُ
إنّما خصّصَ الحبيبَ بسرٍّ / لِسِواه ما زالَ عنه الخفاءُ
وَعليهِ صبَّ الكمالَ وزالَ ال / كيفُ والكمّ حين زاد الحباءُ
وَسَقاهُ بُحورَ علمٍ فَعِلمُ ال / خَلق منها كالرشح وهو الإناءُ
وَحباهُ أنواعَ كلِّ صفاءٍ / نَفحةٌ منه ما حوى الأصفياءُ
لا نبيٌّ ولا رسولٌ ولا جب / ريلُ يَدري العطاءَ جلّ العطاءُ
ثمَّ عادَ الضيفُ الكريمُ إلى الأه / لِ وَتمّت من ربّه النعماءُ
عادَ قَبل الصباحِ فاِرتابَ في مك / كَةَ قومٌ من قومه بلداءُ
أَعظَموا الأمرَ وهو فعلُ عظيمٍ / لَم تُشابه صفاته العظماءُ
جلَّ قَدراً فالكائناتُ لديهِ / حُكمُها ذرّةٌ حواها الفضاءُ
لَو أَرادَ القديرُ كانَ بلحظٍ / كلّ هَذا ولم يكن إسراءُ
وَلَكم طافَ في القبائلِ يستن / صِرُها حين عزّت النصراءُ
أيُّ قَومٍ أَبناءُ قيلةَ لا الأق / يالُ تَحكيهم ولا الأذواءُ
بايَعوا المُصطفى فَفازوا وباعوا ال / لَهَ أَرواحَهم وتمّ الشراءُ
أَسعدٌ رافعٌ عبادةُ عبد ال / لَه سَعدٌ ومنذرٌ والبراءُ
وَأُسيدٌ سعدٌ رفاعة عبد ال / لَه سعدٌ يا حبّذا النقباءُ
وَلِكلٍّ بالمكرُمات اِئتزار / ولِكلٍّ بالمكرماتِ اِرتداءُ
زادَ أهلُ الضلالِ فيه لجاجاً / حينَما قَد أُتيح هذا اللجاءُ
وَعَلى صحبهِ الأذى ضاقَ عنه ال / وسعُ مِنهم واِستحكم الإعتداءُ
كانَ عندَ الأنصارِ إذ أقحط الأم / نُ عَليهم في طيبةٍ أكلاءُ
وَهوَ في قومهِ ينادي وقل / بُ الشركِ أَعمى وأذنهُ صمّاءُ
ثمَّ لمّا رَأوه يزدادُ صحباً / كلّ يومٍ مِنهم إِليه اِنتماءُ
وَإِذا أسلمَ الفَتى فأبوهُ / مِنهمُ عندهُ وكلبٌ سواءُ
راعَهم ما رَأوهُ منهُ فراموا / قتلهُ كيفَ تقتلُ القتلاءُ
وَأَتاهُ بِمَكرهم جبرئيلٌ / فَبدا كيدُهم وخابَ الدهاءُ
فَفداهُ بنفسهِ ذلك اللي / ثُ عليٌّ ونعم هذا الفداءُ
حَصَروهُ فمرّ عَنهم ولم يخ / لُص لِذاك الوليِّ منهم عناءُ
نَثَرَ التربَ بالروسِ فكلٌّ / عَينه مثل قلبه عمياءُ
وَمَضى نحوَ طيبةٍ أطيبُ الخل / قِ فَطابَت بطيبهِ الأرجاءُ
كانَ صدّيقهُ الكبيرُ أبو بك / رٍ رفيقاً إذ عزّت الرفقاءُ
وَاِقتفاهُ فِتيانهم وَذوو النج / دةِ منهم وقُبّح الإقتفاءُ
وَاِستكنَّ البدرُ المنيرُ بثورٍ / لَم يضرهُ مِن العدا عوّاءُ
شَرّفَ اللَّهُ غارَ ثورٍ فَغارَ ال / كهفُ منهُ واِستشرفت سيناءُ
وَبِمرِّ السنينَ يَزدادُ مَجداً / حَسَدتهُ لأجلهِ زيتاءُ
ما لِزيتاءَ ما لسيناءَ ما لل / كهفِ كالغارِ بالحبيبِ اِلتقاءُ
وَأَتاهُ الكفّارُ مِن كلِّ نحوٍ / واِستمرّ التحذيرُ والإغراءُ
وَالرفيقُ الرفيقُ مِن عينهِ الوط / فاء سالَت سَحابةٌ وطفاءُ
وَالنبيُّ الأمينُ أَغفى لبعد ال / خوفِ منه واِزدادَ فيه الرجاءُ
نَسجَ العنكبوتُ دِرعاً حَصيناً / ضاعَفَتهُ ببيضها الورقاءُ
تاهَ بِالتيهِ قَبلهم قومُ موسى / وَهوَ أَرضٌ فسيحةٌ فيحاءُ
وَقُريشٌ من أجلهِ في فناءِ ال / غارِ تاهَت وما يكون الفناءُ
ثمَّ سارَت شمسُ الوجودِ بليلٍ / معَها البدرُ أفقها البيداءُ
وَاِقتَفاها سُراقةٌ لاِستراقِ الن / نورِ مِنها كأنّه الحرباءُ
وَعَد النفسَ بالثراءِ ولكن / ربَّ فقرٍ أَشرّ منه الثراءُ
صَيَّرَ الخسف تحتهُ الأرضَ بحراً / غَرِقت فيه سابحٌ جرداءُ
فَفَدى نفسهُ ببذلِ خضوعٍ / حينَ مِنها لم يبق إلّا الذماءُ
وَحباهُ وَعداً بإِسوارِ كسرى / فَأتاهُ مِن بعدِ حينٍ وفاءُ
وَأَتتهُ مِن أمّ مَعبدٍ إذ أع / وَزَها القوتُ حائلٌ عجفاءُ
حلبَ الضرعَ أشبعَ الركب منها / بإِناءٍ وزادَ عنهم إناءُ
وَلهُ اِشتاقَت المدينةُ فالأن / صارُ فيها مِن شَوقهم أنضاءُ
وَهُناكَ المهاجرونَ لَديهم / مُهجٌ برّحت بها البُرَحاءُ
بَينَما هُم بالإنتظارِ وَمِنهم / كلُّ وقتٍ لشأنه اِستِقراءُ
فَاجَأتهم أَنوارهُ فَأزالت / كلَّ حزنٍ وعمّتِ السرّاءُ
حيِّ أنصارَهُ فَلا حيّ في العُر / بِ سِوى حيِّه لهم أكفاءُ
عاهدوهُ فَما رَأَينا وَلَم نَس / مَع بِقومٍ هم مثلهم أوفياءُ
أَحسَنوا أحسَنوا بغيرِ حسابٍ / مِثلَما قومهُ أساؤوا أساؤوا
مِنهمُ سيّدٌ لهُ اِهتزّ عرشَ ال / لَهِ شَوقاً ومنهم النقباءُ
وَكفاكَ المُهاجرونَ كفاةً / أيّ مَدحٍ لما أتوه كفاءُ
آمَنوا النبيِّ حينَ جزاءُ ال / مرءِ قتلٌ أو ردّةٌ أو جلاءُ
فارَقوا الدارَ والأحبّة في اللَ / هِ وللَّه هجرهم واللقاءُ
مِنهمُ السابقونَ للدينِ وَالعش / رَةُ مِنهم ومنهمُ النجباءُ
كلُّ أصحابهِ هُداةٌ فما أخ / سَرَ قوماً بهم لهم إغواءُ
بَينما هُم في الجهلِ غرقى إذا هم / لِلبَرايا أئمّةٌ علماءُ
لَحَظاتٌ أحالَتِ الجهلَ علماً / مِنهم فهيَ الإكسيرُ والكيمياءُ
كلُّ علمٍ في الناسِ قَد فاضَ منهم / هُم بحورُ العلوم والأنواءُ
شُهبٌ أحرَقوا شياطينَ قومٍ / وَلِقَومٍ نورٌ بهم يستضاءُ
هَكذا الوردُ للأطايبِ طيبٌ / وَشفاءٌ وللخبائثِ داءُ
حبُّهم وَالشقاءُ ضدّان لن يج / تَمِعا وَالنجاة والبغضاءُ
حبُّهم جنّةُ المحبّ وبغض ال / بَعضِ نارٌ والمبغض الحلفاءُ
كُلُّهم سادةٌ عدولٌ ثقاتٌ / صلحاءٌ أئمّةٌ أتقياءُ
أَفضلُ الناسِ غير كلِّ نبيٍّ / بِسواهم لا يحسن اِستثناءُ
كلُّ هديٍ منَ النبيّ فَعَنهم / ما لَنا غيرهُم طريقٌ سواءُ
شاهَدوا صِدقهُ فَكانوا شهوداً / هُم لَدى كلِّ مسلمٍ أزكياءُ
أَتَقولُ الضلّالُ ما هم عدولٌ / مَن تُرى ثابتٌ به الإدّعاءُ
هُم نجومٌ في أفقِ شَرع أبي القا / سمِ بانوا للمُؤمنين أضاؤوا
بَعضُهم كالنجومِ أضوأُ مِن بع / ضٍ وَبعضٌ مثل السها أخفياءُ
هُم سُيوفٌ للمُصطفى ورماحٌ / وَهوَ رَأسٌ وهم له أعضاءُ
أيّدوهُ وبلّغوا الدين عنهُ / فهمُ الناصِحون والنصراءُ
وَبِهم حاربَ البريّة ما قا / لَ هلمّوا إلّا أَجابوا وجاؤوا
قادَ مِنهُم نحوَ العداةِ أسوداً / رَجَفت مِن زئيرها الأنحاءُ
كلُّ لَيثٍ لا يرهبُ الموتَ لا تن / فَكّ منهُ إلى الوغى رغباءُ
عَجِلٌ إِن دُعي وإن فرّ قرنٌ / فبهِ عَن لحوقه إبطاءُ
وَإِذا ما اِدلهمّ ليلُ حروبٍ / أَسفَرت مِنه طلعةٌ غرّاءُ
هُم سُيوفٌ للَّه جلّ تعالى / وَلَها في يدِ النبيِّ اِنتضاءُ
قَطعوا المُشركينَ والشركَ لم تث / لم ظُباهم وما عراها اِنثناءُ
فَبروحي أَفدي الجميعَ وإن جل / لَ المُفدّى وقلّ منّي الفداءُ
رَضيَ اللَّه والنبيّ وأهل ال / حقّ عَنهم وإِن أبى البُغَضَاءُ
قَوِيَ المُصطفى بصحبٍ بلِ الصح / بُ بهِ بل بربّه أقوياءُ
أَذنَ اللَّه بِالقتالِ ومنهُ الن / نصرُ قلّت أَو جلّت الأعداءُ
بَعضُهم للنبيّ أَصغى وبعضٌ / لِسوى السيفِ ما له إصغاءُ
كلُّ قومٍ يأتيهمُ كلّ يومٍ / منهُ شرعٌ أو غارةٌ شعواءُ
قَد دَعا الناسَ بِالكتابِ وبعضُ ال / حقّ يَخفى إن ضلّت الآراءُ
شَرَحت فوقَ أحمرِ المتنِ سمرُ ال / خطّ حتّى بَدا وزال الخفاءُ
فَسّرته لَهُم خطوطُ العوالي / فَأقرّوا أَن ليسَ فيه خطاءُ
أَوضَحَته لطاعنٍ ضاقَ فهماً / طَعنةٌ في فؤاده نجلاءُ
صَدِئَت منهُم القلوبُ فصدّت / وَلَها من ظُبا السيوف جلاءُ
ربَّ سيفٍ مُذ قام يشرح شرحاً / عَلِمَت دينَ أحمد الجهلاءُ
كَم قلوبٍ لهم قسَت رقّقتها / مِن سيوفٍ لصحبهِ خُطَباءُ
طَلَعوا في سماءِ بدرٍ نُجوماً / بَينَهم سيّدُ الأنامِ ذكاءُ
أَحرَقت شُهبُهم عتاةَ قريشٍ / وَلهيبُ الحريقِ تلك الدماءُ
كلُّ قِرنٍ منهم بغير قرينٍ / وَلَنِعمَ الثلاثةُ القرناءُ
حَمزةٌ مع عبيدةٍ وعليٍّ / طَحَنوا الشركَ والرحا الهيجاءُ
هُم أَساساً للنصرِ كانوا وهل يث / بُتُ إلّا عَلى الأساس البناءُ
وَأَتاهُ عوناً ملائكة اللَ / هِ وَعنهم بنصره اِستغناءُ
وَرَماهم خيرُ الورى بسهامٍ / راشَها ربُّه هي الحصباءُ
فَأَصابت بكفّه الجيشَ طرّاً / إِذ منَ اللَّه ليسَ منه الرماءُ
كَعَصاةِ الكليمِ كلّ حصاةٍ / كانَ مِن دونِ رَميها الإلقاءُ
يَدُ خيرِ الوَرى رَمتهم ففرّوا / إنّ هذي هيَ اليدُ البيضاءُ
هُزِمَ الجمعُ مِثلَما أخبر اللَ / ه وفرّت حياتهم والحياءُ
صَفَعَتهم سيوفهُ أيّ صفعٍ / حينَ ولّوا وبانتِ الأقفاءُ
وَعَليهم قَست صدورُ العوالي / وهيَ لَولا عقوقهم رحماءُ
أَفَلا يَذكرونَ أيّام يؤذي / سيّدَ الخلقِ منهمُ اِستهزاءُ
قال إنّي بُعثتُ بالذبحِ يا قو / مُ إِليكم هل صحّت الأنباءُ
عيّنَ المُصطفى مصارع قومٍ / فَجَرى بالّذي قضاه القضاءُ
وَمَشى صحبهُ عليهِم فَمن ها / مِ الأعادي لكلّ رجلٍ حذاءُ
حينَما اِنقضّ جندهُ كنسورٍ / نُبِذَت بِالعراءِ تلك الحداءُ
عُوِّضوا في القِفار بعدَ الحشايا / فُرُشَ التربِ وَالقتامُ غطاءُ
وَشَكَت مِنهمُ البلاقعُ إِذ خي / فَ جوىً مِن جسومهم واِجتواءُ
فَرُموا في القليبِ شرِّ وعاءٍ / بِئسَما قَد حَواه ذاك الوعاءُ
أَودعوهُ أَشلاءَهم أتُراهم / ذَكَروا كيفَ تطرحُ الأسلاءُ
شَحنوهُ منهُم بشرّ ظروفٍ / حَشوُها الشركُ حشوُها الشحناءُ
وَنَحا طيبةَ النبيُّ بجيشٍ / ضاعَفته الأسلاب والأسراءُ
غَزوةٌ آذَنَت بفتحٍ مبينٍ / رافعاً للهُدى بها الإبتداءُ
هيَ بَدرٌ والفتحُ شمسٌ وباقي ال / غَزَوات النجوم والأضواءُ
غَيرَ أنَّ الضلالَ مِنهم أَحاطت / بقريشٍ سَحابةٌ دكناءُ
سَترت عن عُيونها نورَ بدرٍ / قَد رآهُ مُشيرها الغوّاءُ
ثمَّ جاؤوا مُحاربينَ له في / أُحدٍ حيثُ هاجت الهيجاءُ
صَدّهم أيّ صَدمةٍ آلمَتهم / سالَ مِنها دُموعهم والدماءُ
أَلحَق اللَّه بالقليبِ وأهلي / هِ عتاةً منهم عناها اللواءُ
فَعَراهُم كَسرٌ بهِ حصلَ الجب / رُ وخفضٌ بهِ لنا اِستعلاءُ
ثمَّ لمّا أَرادَ ربُّك أن يأ / تيه مِن جنوده شهداءُ
خالَفوا المُصطَفى بتركِ مكانٍ / منهُ جاءَت خيلُ العدا من وراءُ
فقضى من قضى شهيداً ولا حي / لَة تُنجي ممّا يسوق القضاءُ
وَحَلا الصبرُ النبيَّ وقَد شد / دَ عليه بِساعديه البلاءُ
كَسَرَ القومُ منهُ إِحدى الثنايا / فَزكا حُسنها وزاد الثناءُ
هَشَموا فيه بيضةَ الدرعِ حتّى / دَمِيت منهُ جبّةٌ بيضاءُ
وَمَضى حَمزة شَهيداً فجلّ ال / خَطب فينا وأُخرسَ الخطباءُ
عَينيَ اِبكي على الشهيدِ أبي يع / لى دماءً وقلّ منّي البكاءُ
عَينيَ اِبكي وأسعديني فَقد عي / لَ اِصطباري وعزّ منّي العزاءُ
عَينيَ اِبكي عليهِ فحلَ قريش / جلّ قَدراً فجلّ فيه الرثاءُ
قَتلوهُ بقَومهم يومَ بدرٍ / وَبشِسعٍ مِن نعلهِ هم بواءُ
بَطلٌ صالَ فيهم كَهزبرٍ / ضرَّ سِربَ الوحوشِ منه الضراءُ
قَتلتهُ بالغدرِ حربةُ عبدٍ / قَتلتهُ مِن بعد ذاك الطلاءُ
لستُ أَدري ماذا أَقولُ ولكن / ما لِذاكَ لوحشيّ عندي رعاءُ
إنَّ هَذا منَ الإلهِ اِبتلاءٌ / وَمنَ اللَّه يحسنُ الإبتلاءُ
كلُّ قتلاهم بنارٍ وقتلا / نا لَديه في جنّةٍ أحياءُ
كَم عُيونٍ بَكت عليهم وكَم ذا / ضَحِكت مِن لقائهم عيناءُ
عَجَباً تضحكُ الجِنانُ لشيءٍ / طَرفُ طَه مِن أجلهِ بكّاءُ
قَد بَكى حَمزةً بكاءً قضتهُ / رِقّةٌ في فُؤاده وصفاءُ
لَم يَرُعهُ مِن قبله قطّ شيءٌ / مثلهُ إِذ أحيل منه الرواءُ
طَلَبَت صحبهُ الدعاءَ عَليهم / وَبغفرِ الذنوبِ كان الدعاءُ
ذلكَ الحِلمُ لا يقاسُ به حل / مٌ وإِن جلّ في الورى الحلماءُ
خَشِيَ القومُ أَن تهبَّ بنكبا / تِ الرزايا عليهمُ النكباءُ
عَلِموا الحربَ شرّ نارٍ فخافوا ال / حَرقَ إِن دامَ منهم الإصطلاءُ
وَدَروهُ الليثَ الجريءَ فإن أُح / رِجَ زادَ الإقدام والإجتراءُ
وَرَأوا صحبهُ أُسوداً وأَقوى ال / أسدِ بَأساً ما ناله إزراءُ
فَتَداعَوا إِلى الفرارِ وفرّوا / وَلهُم خشيةَ الأسودِ عواءُ
وَاِقتَفَتهم تلكَ الصقورُ فَطاروا / وَلَهُم كالبغاثِ يَعلو زقاءُ
ثمَّ هاجَت خزاعةٌ بالمريسي / عِ فَأخزَت جُموعَها الهيجاءُ
قَتَل اللَّه عشرةً ورئيسُ ال / قومِ والقومُ كلّهم أسراءُ
وَاِصطفى بنتهُ النبيُّ عَروساً / هُم جَميعاً لأجلها عتقاءُ
وَبيومِ الأحزابِ جاءت جيوشٌ / خَلَطوها وقد بَغى الخلطاءُ
هُم يهودٌ هوازنٌ والأحابي / شُ قريشٌ وبئست الحلفاءُ
وَالنبيِّ الأمّيُّ لو جاءَ أهلَ ال / أرضِ حَرباً ما اِختلّ فيهِ الرجاءُ
وَعَدَ اللَّه أَن يُمكّن هَذا الد / دينَ حتّى يُستخلفَ الخلفاءُ
وَوَفى اللَّه وعدهُ وله الحم / دُ وَحتّى المعاد هذا الوفاءُ
غَيرَ أنّ الأصحابَ زادوا اِضطراباً / إِذ بَدا النِفاقُ داءٌ عياءُ
خَندَقوا حولَهم وكم معجزاتٍ / شاهَدوها فكانَ فيها عزاءُ
وَأَتوهم مِن فوقُ من تحتُ فالأب / صارُ زاغت وحارتِ الحوباءُ
وَدَعا للبرازِ عمرٌو وهل يب / رُزُ إلّا من الشقيّ الشقاءُ
فَبراهُ بذي الفقارِ أبو السب / طينِ ليث المعاركِ العدّاءُ
سَيفُ خيرِ الورى بكفِّ عليٍّ / ليسَ شَيئاً تَقوى له الأشياءُ
وَأَتى النصرُ بالصبا وجنودٍ / لَم يرَوها سيئت بها الأعداءُ
زَلزلوهم وَالريحُ هاجت فكلٌّ / كُفِئَت قدرهُ وخرّ الخباءُ
شتَّت اللَّه شَملهم فتولّوا / مِثلَما سارَ في السيوف الغُثاءُ
ثمّ صدّوه سائِراً لاِعتمارٍ / حيثُ ضمّت جموعَهُ الحدباءُ
بايَعتهُ الأصحابُ فيها فنالوا الر / رِبحَ لَكن بالصلحِ تمّ القضاءُ
عاهدَ القومَ صابِراً لشروطٍ / هيَ صَبرٌ والصبرُ فيه الشفاءُ
وَتَأمّل نزولَ إنّا فَتَحنا / لكَ فَتحاً يزولُ عنك الخفاءُ
وَأَتى عمرةَ القضاءِ بجيشٍ / أيُّ جَيشٍ للفتح لولا الوفاءُ
دَخلوا مكّة ففرّت أسودٌ / مِن قُريشٍ كأنّما هم ظباءُ
وَأقاموا بِها ثلاثاً وطافوا / حلّقوا قصّروا وَسيقت دماءُ
ثمَّ عادَ النبيُّ يتبعهُ السع / دُ وَتَمشي أمامه السرّاءُ
خانتِ المُصطفى اليهودُ ومنهم / ليسَ بدعاً خيانةٌ وخناءُ
فَغَزَاهم وسطَ الحصون وفيهم / كثرةٌ نجدةٌ سلاحٌ ثراءُ
حلَّ فيهم جيشانِ رعبٌ وصحبٌ / واحدٌ منهما به الإكتفاءُ
أَسلَمتهم حُصونُهم لِرسول ال / لهِ يُجري في شأنِهم ما يشاءُ
لِنضيرٍ ضيرٌ قريضة قرضٌ / خَرِبَت خيبرٌ وعمّ البلاءُ
وَجَلا قبلهم بنو قينقاعٍ / وَبِوادي القرى أُريقت دماءُ
ما شَفى النفسَ بعدَ هذا وهذا / غيرُ فتحٍ به اِستمرّ الشفاءُ
فَتحُ أمِّ القرى وسيّدة الكل / لِ سِوى طيبةٍ فكلٌّ إماءُ
أيُّ فَتحٍ للمُصطفى كان فيه / فوقَ عرشِ البيتِ الحرامِ اِستواءُ
أيّ فتحٍ للمصطفى كان عرساً / ولأمّ القرى عليه جلاءُ
أيّ فتحٍ للمصطفى كان ديناً / فَوفتهُ الغرامة الغرماءُ
أيّ فَتحٍ لوقعهِ اِهتزّت الأر / ضُ سروراً وشاركتها السماءُ
أيّ فَتحٍ منه أتى كلّ فتحٍ / مُنِحَته الغزاةُ والأولياءُ
أيُّ فَتحٍ بهِ على كلّ خلق ال / لَهِ للمُصطفى اليد البيضاءُ
أَشرَقَت شمسهُ ببرجِ كداءٍ / فاِستنارَت على البطاح كداءُ
حَسَدتها كُدىً فلمّا اِستشاطت / هاجَ فيها الغواة والغوغاءُ
ثارَ فيها أوباشُهم كوحوشٍ / بانَ مِنها للقانصِ الأخفياءُ
فَلَهُم بالحرابِ كانَ اِص?
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ
هوايَ طيبةُ لا بيضاءُ عطبولُ / وَمُنيَتي عينُها الزرقاءُ لا النيلُ
عَذراءُ جلّت عنِ التشبيبِ إذ جُليت / هامَت بِها الخلق جيلاً بعده جيلُ
كلُّ المحاسِن جزءٌ من محاسنها / إِجمالُها بجمالِ الكون تفصيلُ
فَما سعادُ إِذا قيسَت ببَهجتها / وكلُّ أَمثالها إلّا تماثيلُ
ما كنتُ أسألُ لولاها الركائبَ عن / سلعٍ وَلا كانَ لي بالجزع مسؤولُ
مَتى أَراها بطرفٍ ظلَّ يكحلهُ / مِن تربةِ البيدِ ميلٌ بعده ميلُ
حتّى إِذا ظهَرت آيُ البشير له / رَوى أحاديثهُ للناس مكحولُ
تقولُ نفَسي غداً أو لا فبعد غدٍ / يا نفسُ يكفيك هذا القال والقيلُ
إِن قرّبوا فبلا قولٍ ولا عملٍ / أَو أبعدوكِ فما للقولِ محصولُ
إِذا دخلتِ حِماهم فاِدخُليه مَتى / شاؤوا وَإلّا فمنكِ الحبُّ مدخولُ
سيلي جَوىً واِسألي تقريبهم كرماً / فربَّ سائلةٍ يرجى لها السولُ
وَحمّلي البرقَ حاجاتٍ يبلّغُها / عربَ النقا حيثُ ربع الأنس مأهولُ
يا برقُ واِسر إلى سلعٍ بجاريةٍ / مِنها على الرأسِ حلوُ القطرِ محمولُ
وَاِسق الحِمى نهَلاً من بعده عللٌ / قد كنتُ أَسقيهِ لولا الدمع معلولُ
الحمدُ للَّه عَيني في غنىً ولها / كنزانِ مِن دمعها الياقوت واللولو
يا برقُ أشبهتَ ثغرَ الحبّ مُبتسماً / هَل منكَ يا برقُ للأعتاب تقبيلُ
يا برقُ واِشرح لِسادتي وإِن علموا / مَعنى المُعنّى وما بالشرحِ تطويلُ
قُل نازحٌ في بلاد الشامِ حاجتهُ / مِنكم قبولٌ فَقولا أنت مقبولُ
صَبٌّ سَرى الحبّ في أجزاءِ طينته / مُذ كانَ وهو عليه الدهر مجبولُ
يهمُّ بالسيرِ والأقدارُ تقعدهُ / كأنّما هي كبلٌ وهو مكبولُ
في قلبهِ جمرةٌ لولا العيون بها / جَفّت لَكان جرى في شأنها النيلُ
حليفُ فقرٍ لعربِ المُنحنى وله / دينٌ على أغنياء الجزع ممطولُ
يَهوى الحجازَ وتُصبيه معالِمهُ / شَوقاً لأهليهِ والبيد المجاهيلُ
تُرضيه رَضوى ويَحلو بالعذيبِ له / نحوَ المدينة إرقالٌ وترسيلُ
إِن يَجعلوا شخصَها بالبعد محتجباً / عنهُ فتَمثالها في القلب مجعولُ
أَستغفرُ اللَّه مِن قولٍ أُخيّلهُ / صِدقاً ومعناه بالتحقيق تخييلُ
كأنّه النحوُ أقوالٌ مجرّدةٌ / قامَت بأنفُسها تلك الأقاويلُ
لا تجحدِ الحقَّ يا هذا فأنت فتىً / كسلانُ عندك تسويفٌ وتسويلُ
هذي البحارُ وهَذي البيدُ ما برِحَت / تَجري بها السفنُ والنوقُ المراسيلُ
لَو كنتَ تَقوى بتَقوى اللَّه طرت ولم / يُحوِجك فُلكٌ ولم تعوزك شمليلُ
لَكن بركتَ بأثقالِ الذنوبِ وهل / بِمِثلها لجناحِ المرءِ تثقيلُ
عَليكَ بالصدقِ في حبِّ الحبيبِ فما / بِغيرهِ لكَ تحصيلٌ وتوصيلُ
محمَّدٌ خيرُ خلق اللَّه أفضلهم / لديهِ سيّان مفضالٌ ومفضولُ
أَصلُ النبيّين قِدماً وهو خاتمُهم / فمنهُ للكلّ إجمالٌ وتجميلُ
حَقيقةُ الفضلِ عنه لا مجازَ لها / أمّا سواهُ فَتشبيهٌ وتمثيلُ
كلُّ الفضائلِ منه فُصّلت فلهُ / على البريّةِ بالتفصيل تفضيلُ
وَدينهُ الحقُّ مفتاحُ الفلاح فما / بِدونهِ بابهُ المقفول مدخولُ
لا جرحَ يلحقُ مَخلوقاً يعدّله / وَما لِمجروحهِ في الخلق تعديلُ
لَم يجحدِ اللَّهَ لم يجحد نبوّته / إلّا عمٍ عن طريقِ الرشد ضلّيلُ
فَكلُّ ذرّاتِ كلّ الخلق شاهدةٌ / أَن لا إله سوى الرحمن مقبولُ
وَأَنّ أحمدَ خيرُ الرسلِ رحمتهُ / لِلعالمينَ ففيها الكلُّ مشمولُ
مِن نورهِ خلقَ اللَّه الورى فسرى / لآدمٍ وبعبدِ اللَّه موصولُ
نعمَ الظهورُ البطونُ الحاملاتُ له / يا حبّذا حاملٌ منهم ومحمولُ
كَم مِن دلائلَ جاءَت في نبوّتهِ / إنَّ النهارَ لِشمسِ الأفق مدلولُ
الإنسُ والجنّ والأملاك شاهدةٌ / بِها وتَوراةُ موسى والأناجيلُ
كَم معجزاتٍ له جاءَ البعيرُ بها / وَالظبيُ والضبّ والسرحان والفيلُ
وَكالعناكبِ قد فازت بنصرتهِ / وُرقُ الحمائمِ والطير الأبابيلُ
وَالشمسُ رُدّت وشقّ البدر حين بدا / بدرٌ له بظلال الغيمِ تظليلُ
وَالجذعُ حنّ وجاءت نحوه شجرٌ / تسعى وَسيفُ جريدِ النخل مصقولُ
وَعِلمُه الغيبَ من مولاهُ مطّردٌ / مثل الدعاءِ ومهما شاء مفعولُ
لَم تخرجِ السحبُ يوماً عن إشارتهِ / غيثٌ وصحوٌ وتكثيرٌ وتقليلُ
بِالبرءِ سقمٌ وبالموتِ الحياة بهِ / وَالعكسُ بالعكس تنكيرٌ وتكميلُ
كَفى المئينَ كَفى الآلاف من يدهِ / مدٌّ من القوت مشروبٌ ومأكولُ
كفُّ الحَصى في حنينٍ منه كان به / كيوم بدرٍ لجيش الكفر تنكيلُ
أَبو دُجانة نالَ السيفَ في أحدٍ / وكم بهِ كان مجروحٌ ومقتولُ
في الخندقِ الصخرُ مثل الرملِ صار لهُ / مِن بعدِ أن عجزت عنه المعاويلُ
شَفى بتفلتهِ عينَي أبي حسنٍ / في خيبرٍ فكأنّ التفل تكحيلُ
أَشارَ في الفتحِ للأصنامِ فاِنتَكَست / بِالحقّ قد بطلت تلك الأباطيلُ
وَفي تبوكَ عيونُ الرومِ منه جرَت / جَريَ المذاكي وجيشُ الشرك مخذولُ
كِتابهُ مُعجزٌ للخلق قد خَضَعت / لهُ الأقاويلُ منهم والمقاويلُ
قُرآنُ أحمدَ في التقصيرِ عنهُ حكى / زبورَ داودَ توراةٌ وإنجيلُ
فَكَم تضمّن مِن آلاف مُعجزةٍ / تَفسيرُها ما له في الناس تأويلُ
كلُّ العلومِ له فيه به اِجتَمعت / وَمنهُ للناسِ منقولٌ ومعقولُ
بهِ الشرائعُ والأديانُ قد نُسخت / فَما على غيره للناس تعويلُ
لَو كانَ مِن عندِ غير اللَّهِ لاِختلفوا / فيهِ وَوافاه تبديدٌ وتبديلُ
بِالحقِّ مُنزلهُ المولى وحافظه / مِن أينَ مِن أينَ تأتيه الأباطيلُ
هوَ الكريمُ الّذي للكتبِ قاطبةً / مِن نورِ جَدواه تنويرٌ وتأويلُ
هوَ القديمُ بمعناهُ الحديثُ أتى / وَمِنهما الشرعُ تفريعٌ وتأصيلُ
لكنَّه بِالتحدّي مُعجزٌ وله / دونَ الأحاديث ترثيبٌ وترتيلُ
لا ينزلُ الريبُ يوماً حول ساحتهِ / لأنّه مِن لَدُن مولاه تنزيلُ
وَكَم له آيةٌ غرّاء واضحةٌ / لدينهِ غررٌ منها وتحجيلُ
سَرى إلى العرشِ بعد القدسِ ثمّ أتى / إِلى البطاحِ وسترُ الليل مسدولُ
أَكرِم بها رِحلةً كان الدليل بها / عَلى الطريقِ أمينُ اللَّه جبريلُ
حتّى أَتى السدرةَ العلياءَ قال هنا / عَن غيركَ البابُ يا مقبول مقفولُ
وَزجّ بالمُصطفى في النورِ مُنفرداً / حتّى رَأى ربّه والكيف مجهولُ
وَنال مِن قسمةِ التقريبِ سهمَ رضىً / بقابِ قوسَين هذا السهم موصولُ
مَرقىً رَقاه على متنِ البراقِ علا / كلَّ الأنامِ به في شرحه طولُ
وَمنصبٌ ليلةَ المعراجِ خصّ به / كلُّ الورى عنه معدولٌ ومعزولُ
لا يعلمُ الناسُ في الدنيا حقيقتهُ / فَالعقلُ عنها بحبلِ العجز معقولُ
وَفي القيامةِ تَبدو شمسُ رُتبته / كأنّها فوقَ هامِ الخلق إكليلُ
يجرُّ في الحشرِ ذَيلاً من سيادتهِ / بِفضلهِ كلُّ خلق اللَّه مشمولُ
حيثُ الشفاعةُ لا تَرضى سواهُ ولا / يَقوى لِخطبَتها الغرّ البهاليلُ
قَد أحجَم الرسلُ حتّى قال قائلهُم / في ظلِّ أحمدَ يا كلّ الورى قيلوا
يُرى هنالكَ مَشغولاً بأمّتهِ / وَالكلُّ بالنفسِ عن كلّ مشاغيلُ
مَقامهُ ثمَّ مَحمودٌ وفي يدهِ / فوقَ الجميعِ لواءُ الحمد محمولُ
هذا هوَ الجودُ ضيفُ اللَّه خصّ بهِ / محمّدٌ ولكلِّ الخلق تطفيلُ
اللَّه أرسلهُ والشركُ مُشتركٌ / فيهِ الأنامُ وللتوحيد توحيلُ
فأصبحَ الشركُ في أشراكِ حكمتهِ / كالوحشِ وهو بحبلِ الذلّ محبولُ
وَحلّ في الأرضِ دينُ اللَّه محترماً / وَعمّها منه تحريمٌ وتحليلُ
قَد خاصمَ الناسَ حيناً ثمّ حاكَمهم / إِلى السيوفِ وحكم السيف مقبولُ
فَفازَ بالحقِّ حُكماً غير منتقضٍ / لَهُ بِصفحةِ هذا الدهر تسجيلُ
في سادةٍ هاجَروا للَّه شارَكهم / بِالنصرِ أنصارهُ الشمُّ الرآبيلُ
كِلا الفريقينِ أبطالٌ ضراغمةٌ / لا يعصِمُ الأسدَ من غاراتهم غيلُ
في السلمِ خدُامه في الحربِ أسهمهُ / سُيوفهُ وقناهُ والسرابيلُ
نِعمَ السلاحُ الّذي رأسُ الضلالِ به / وَسيفهُ العضبُ مفلوقٌ ومفلولُ
قَد أجفلَ الناسُ مِن عربٍ ومن عجمٍ / مِنهم وما فيهمُ في الحرب إجفيلُ
نِعالُهم أينَما حلّوا أوِ اِرتَحلوا / عَلى رؤوسِ أَعاديهم أكاليلُ
في كلِّ يومٍ يُرى مِنهم هنا وهنا / لِلدّينِ والشرك تجديدٌ وتجديلُ
همُ الهداةُ فإِن ضلّت بهم فئةٌ / فقَد يغصُّ بعذبِ الماء مغلولُ
بئسَ الشقيُّ شقيٌّ كان قمستهُ / مِن معدنِ الرشدِ إغواءٌ وتضليلُ
كلٌّ عُدولٌ وكلٌّ عادلونَ وما / فيهِم فتىً عن طريقِ الحقّ معدولُ
لكنّهم دَرجاتٌ بعضُها عليَت / وَالبعضُ أَعلى وما فيهنّ تسفيلُ
أَعلاهمُ الخلفاءُ الراشدون على / ترتيبهم وَسواهم فيه تفصيلُ
كالشمسِ في الأفقِ الأعلى أبو حسنٍ / ومِن معاويةٍ في الأرض قنديلُ
أكرِم بأصحابهِ أكرم بعترتهِ / نورانِ منهُ فَموصولٌ ومفضولُ
مِنهم شموسُ ضياً منهم بدور علاً / منهم نجوم هدىً منهم قناديلُ
عدوُّ قومٍ عدوُّ الآخرين فلا / يخدعكَ مَن عندهُ للبعض تبجيلُ
فَأحببِ الكلَّ تُجعل يا فتى معهُم / إنّ المحبَّ معَ الأحباب مجعولُ
يا سيّدَ الرسلِ يا مَن لا يزال بهِ / لكلّ صعبٍ بإذن اللَّه تسهيلُ
أَشكو إليكَ زَماني شاكراً نعماً / ما عندَ مثلي لها لولاك تأهيلُ
فَقَد بُليتُ بعصرٍ كلّه فتنٌ / فيهِ أخو الحقّ مغلوبٌ ومغلولُ
عَصرٌ على الخيرِ صالَ الشرّ فيه ولا / تهوينَ إلّا علاه فيه تهويلُ
هذا الزمانُ الّذي بيّنت شدّتهُ / فكلُّ ما قلتَ فيه اليوم مفعولُ
الدّينُ فيه بحكمِ الجمرِ قابضهُ / بنارِ دنياه بين الناس مشعولُ
لولا نجومُ هدىً من شمسكَ اِقتبسوا / أنوارَهم عمّت الدنيا الأضاليلُ
بِوعدكَ الصدق لا تنفكُّ طائفةٌ / منّا على الحقّ مهما كان تبديلُ
أَنتَ الحبيبُ إليكَ الأمرُ أجمعهُ / مِنَ المُهيمن في الدارين موكولُ
فاِنظُر لأمّتك الغرّاء قَد لَعِبت / بِها عراقيلُ تتلوها عراقيلُ
كَم قابَلتها بِما تَخشى فراعنةٌ / وكَم لَها مِن شرارِ الناس قابيلُ
مَهما أساءَت فَلن ترضى إساءتها / حسبُ المُسيء من الإحسان تقليلُ
عَجّل بقهرِ أَعاديها فليس لها / في الخلقِ غيركَ يا مأمون مأمولُ
وَكُن لَها وزراً ممّا ألمّ بها / فَقَد كَفاها على الأوزار تنكيلُ
وَاِعطِف عليّ فإنّي مُذنبٌ وجلٌ / في الخيرِ لا عاملٌ منّي ومعمولُ
وَاِخلَع عليّ وأَهلي للرضا حللاً / أَجملتُ قولي ولا تخفى التفاصيلُ
لا تَنسني يومَ نزعِ الروح من جسَدي / وَيومَ أُسألُ إنّي عنك مسؤولُ
سهّل شَدائدَ أيّام القيامة لي / فإنَّ عقدَ اِصطباري ثمّ محلولُ
ما لي سواكَ كَفيلٌ يوم يطلُبني / أَهلُ الديونِ فقل لي أنت مكفولُ
وحاصِلُ الأمرِ أنّي طامعٌ برضى / ربّي وإن قلّ بي للخيرِ تحصيلُ
إنّي اِلتجأتُ إِلى مقبولِ حضرتهِ / وكلُّ مَن عاذَ بالمقبول مقبولُ
كَم خائِفٍ حصلَ التأمين منك له / وَآمنٍ كانَ منه فيك تأميلُ
أَتاكَ كَعبٌ وقد جلّت جنايتهُ / وَكادَ يَغتالهُ من ذنبه غولُ
وَقامَ ينشدُ لَم تملل مدائحهُ / غيرُ الكريم لديه المدح مملولُ
فآبَ بالبُردةِ الحسناءِ مُشتملاً / وَعادَ وهو ببردِ العفو مشمولُ
وَلستُ مِثلاً لهُ لكنّ حالتهُ / لَها بحالةِ هذا العبد تمثيلُ
إِن كانَ متبولَ قلبٍ يوم أنشدكم / بانَت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ
ورُبّ سُبّاقِ فضلٍ عارَضوه بها / أَنا الأخير بهم غرٌّ ذهاليلُ
خاضوا بمدحكَ هذا البحرَ ما بلغوا / كَعباً فَعادوا لهم بالعجز تخجيلُ
إِن وَازَنتها وما وازَت قصائدُهم / فربَّما وازنَ الدرّ المثاقيلُ
وَللقريضِ تَفاعيلٌ توازنهُ / هيَ القريضُ وهاتيك التفاعيلُ
أَستغفرُ اللَّه كلٌّ قد أجادَ وهم / كلٌّ رؤوسٌ لهم بالفوز تكليلُ
لَكن لكعبكَ يا خيرَ الأنام على / رُؤوسِنا ثابتٌ فضلٌ وتفضيلُ
عليكَ أزكى صلاةِ اللَّه وهيَ لنا / مِسكُ الختامِ بها للخير تكميلُ
لِمَن رَبعٌ بأكناف المصلّى
لِمَن رَبعٌ بأكناف المصلّى / عَلا السبعَ العُلا شرفاً وفضلا
رَعاهُ اللَّه منيةَ كلّ نفسٍ / وَحيّا اللَّه تربته وأعلى
وَبلّغ مِن غَوادي السحبِ عنّي / قبابَ قُبا بسيلِ القطرِ سؤلا
وَدامَ على العقيقِ عهاد غيثٍ / تُروّى دوحهُ سَلماً وأثلا
وَلا برحَ النسيمُ على العوالي / يجرُّ هناكَ فوقَ النجمِ ذيلا
وَحيّا اللَّهُ من أُحدٍ محبّاً / حَبيباً لن يملَّ ولن يُملّا
قَريرَ العينِ ضحّاك الثنايا / قَريباً لا يزالُ الدهرَ جذلا
فَيا ركبَ الحجازِ فدتكَ نفسي / تَحمّل ما يخفُّ عليكَ حَملا
مَتى جُزتَ النَقا وَربوعَ سَلعٍ / وَجئتَ أعزّ أرضِ اللَّه أَهلا
فَبادِر بِالسجودِ عَلى ثَراها / وَأدّ بلثمهِ فَرضاً وَنَفلا
وَخُذ علمَ الهَوى لا عن كتابٍ / وَلا تَختَر منَ الأبوابِ فصلا
وَبلّغ طيبةً وَالساكنيها / رسائلَ مِن مليءُ الشوقِ تُملى
يَظلُّ فؤادهُ للجزعِ يصبو / وَيهوى بِاللِوى ماءً وظلّا
وَحيِّ بِها الحرارَ فإنّ ذوقي / يَراها مِن رياضِ الشامِ أحلى
أُحبّ لأجلِ ذاتِ النخلِ نخلاً / بِها وحِجارةً فيها ورملا
وَأَهواها وأَهوى لابَتَيها / وَأَهوى أرضَها حَزناً وسَهلا
وَأَهوى كلّ مَنسوبٍ إليها / وَإِن لم تَرضني للوصلِ أهلا
أَراها مُنيتي وهوى فؤادي / إِذا هويَ السِوى هنداً وليلى
هيَ العذراءُ يَهديني هَواها / إِذا ما الغيرُ بالعذراء ضلّا
لَقد شَغلَت فؤادي عَن سواها / وَلَم تَترك له بالغيرِ شُغلا
وَكنتُ هويتُ قبلَ اليوم جملاً / فَأَنستني هوى جُملٍ وجُملا
وَلا عجبٌ إذا حلّت بقلبي / فإنّ بِها رسولَ اللَّه حلّا
محمّدٌ المُصفّى مِن قريشٍ / خيار العربِ خير الناسِ أصلا
تنقّلَ نورهُ في خيرِ قومٍ / وَأَشرف مَعشرٍ أُنثى وَبعلا
تفرّعَ عَن أصولٍ ثابتاتٍ / علَت كلّ الورى أصلاً وفصلا
إِلى أَن حلّ أنجبَ كلِّ أُنثى / وَخيرَ عقائلِ الأنجابِ فَحلا
وَكَم ظَهرت لهُ آياتُ صدقٍ / تدلُّ عَلى الهُدى مُذ كانَ حَملا
فَلَولاه لَما نُصرت طيورٌ / أَبابيلٌ وجيشُ الفيلِ فُلّا
وَلَمّا أَن أتى بَشراً سَويّاً / وَأجملَ كلّ خلقِ اللَّه شَكلا
بَدا مِن أمِّه نورٌ أراها / قصورَ الشامِ ظاهرةً تجلّى
بَراهُ اللَّه أَوفى الناسِ نيلاً / وَأفضلَ خلقهِ ذاتاً ونُبلا
وَلَم يوجِد لهُ في العلمِ مِثلاً / وَلَم يخلُق له في العدل عدلا
وَأَعطاهُ علومَ الغيبِ حتّى / كأنّ الدهرَ بين يديه يُجلى
وَحليةُ ذاتهِ أبهى حليٍّ / بِها الرحمنُ جمّله وحلّى
وَمِن كلِّ المناقبِ قد حباهُ / خِصالاً أحرزت للسبقِ خصلا
بِها سادَ الورى شَيخاً وكهلاً / وَأروعَ يافعاً وأغرّ طفلا
فَضائلُ لَو قُسمنَ على البرايا / لَما أبقينَ بينَ الخلقِ نذلا
أَجلُّ الناسِ أَفراداً وجمعاً / وَخيرُ الخلقِ أَبعاضاً وكُلّا
حُلاهُ في الزبورِ وسفرِ شعيا / وَفي التوراةِ والإنجيلِ تُتلى
تَنبّأ قبلَ آدمَ وهو ختمٌ / فَيا للَّه ختمٌ جاء قبلا
وَسادَ جميعَ رسلِ اللَّه قدماً / فَكانَ السيّد السندَ الأجلّا
وَصلّى ليلةَ الإسراءِ فيهم / فَجلّى في الرسالةِ حينَ صلّى
أَنافَ بليلةِ المِعراجِ قَدراً / عَلى كلِّ الوَرى علواً وسفلا
عَلا السبعَ العلا والرسلُ فيها / وَجاوَزها إِلى أعلى فأعلى
رَأى المولى بلا شبهٍ ومثلٍ / وَلا كيفٍ تعالى اللَّه جلّا
وَلمّا كان منه كقاب قوسٍ / بحقٍّ أحرزَ القِدحَ المعلّى
تأمّل كونهُ كالقاب قرباً / وَأدنى إذ دنا لمّا تدلّى
وَجبريلُ الأمينُ يقول حدّي / هُنا لا أستطيعُ القربَ أصلا
تَجِده قَد علا العالينَ قدراً / وَلا يعلوهُ إلّا اللَّه فضلا
وَفي يومِ القيامةِ سوف يبدو / لهُ شرفُ الشفاعةِ قد تجلّى
يُحيلُ المُرسلونَ عليه فيها / فَيظهرُ أنّه بالفضلِ أولى
وَكَم مِن مُعجزاتٍ باهراتٍ / كَثيراتٍ بها الهادي اِستقلّا
تَوالَت آيُها فالبعضُ يتلو / سواهُ كثرةً والبعض يُتلى
كَلامُ اللَّه أبهرُها وأبهى / وَأعلاها وَأغلاها وأحلى
إِذا مرّ المكرّرُ من سواهُ / فِبالتكرارِ قَد يَحلو ويَحلى
جَديداً لم يَزل في الناسِ مهما / مَضى يَبلى الزمانُ ولَيس يبلى
دَعا المولى فشقَّ البدرَ وَحياً / وردَّ الشمسَ للمولى فصلّى
وَكَم شهدَ الجمادُ له بحقٍّ / كأنَّ اللَّه قَد أعطاه عقلا
سَعت شجَرٌ إليهِ شاهداتٍ / وعادَت فاِستوت سَرحاً ونخلا
وَسلّمتِ الحجارة مُفصحاتٍ / وَجذع النخلِ حنّ حنينَ ثَكلى
وَظلّله الغمام ومالَ فيءٌ / وَأعجبُ منه عرجونٌ تدلّى
وَليسَ لِشخصهِ في الأرض ظلٌّ / وهل أَحدٌ رأى للنورِ ظلّا
دَعتهُ غزالةٌ فيها وثاقٌ / فحلّاها بنعمتهِ وحلّا
وَأفصحَ بالشهادةِ فيه ضبٌّ / وذلّ الفحلُ والسرحان دلّا
ونسجُ العنكبوتِ بغار ثورٍ / غَدا لعزائمِ الكفّار فصلا
بِرأسِ الغارِ بيضةُ ذاتِ طوقٍ / وَقتهُ منَ العدا بيضاً ونبلا
وَطرفُ سُراقةٍ بالخسفِ صارَت / لهُ الغبراءُ حتّى تابَ كَبلا
وَمسّ الضرعَ مِن شاةٍ عناقٍ / وأُخرى حائلٍ فحلبنَ سَجلا
وَما باِسمٍ دعا الرحمن إلّا / أَجاب دعاءهُ بالحال فعلا
وَما قطّ اِستهلّ لحبس غيثٍ / بِأيسرِ دعوةٍ إلّا اِستهلّا
وَربّ قليلِ مالٍ أو طعامٍ / بهِ الجيشُ اِكتفى شُرباً وأكلا
وَكَم ذا مِن مَريضٍ قد شفاهُ / وَلو شلّت جوارحهُ وسلّا
إِذا ما بلّ ذا داءٍ بريقٍ / يُرى في حال بلّته أبلّا
أَلَم يبلغكَ ما فعلَت رقاهُ / بِطرفِ قتادةٍ إذ سالَ سيلا
شَفى برضابهِ عَينَي عليٍّ / فَيا عَجباً لريقٍ صارَ كحلا
عَسيبُ النخلِ صارَ له حُساماً / وَسيفُ عكاشةٍ قد كانَ جذلا
وَكان لصحبهِ الأبطال حصناً / حَصيناً في الوغا والسلم ظلّا
شَديدُ البطشِ ذو عزمٍ قويٍّ / وَقلبٍ لا يَخالُ الهولَ هولا
فَكَم جمعَ العِدا جَمعاً صحيحاً / فَكسّر جَمعهم أسراً وقتلا
وَصارعهُ رُكنانة وهو ليثٌ / فَعادَ بصرعهِ في الحال وعلا
وَفي بدرٍ بقبضتهِ رَماهم / فَشتّت بالحَصى للقومِ شَملا
وَأَودى بعدُ في أُحدٍ أُبَيٌّ / بِحربتهِ كَما أنباه قبلا
وَلَو وَقَعَت عَلى رضوى محَتهُ / وَلَو وَقعت على ثهلانَ هلّا
إِشارتُه بيومِ الفتح خرّت / بِها الأصنامُ كالأعداءِ قَتلى
بِبغلتهِ غَزا غطفانَ يوماً / فَلَم يترُك لَهم إِبلاً وخيلا
فَكَم مِن هامةٍ بالسيفِ طُرّت / وَكَم ذا من دمٍ بالترب طُلّا
أَبادَ الجاهليّة والأعادي / فَلَم يترُك أبا جهلٍ وجهلا
وَأوقعَ باليهودِ وَفي تبوكٍ / أذلَّ الرومَ حينَ غَزا هِرَقلا
وَلَم ينفكَّ يَغزو الناسَ حتّى / تَولّاهم وأمرُ الكفرِ ولّى
أَتاهُ وهوَ مثلُ السيفِ حدّاً / فَلَم يَعبأ بهِ حاشا وكلّا
رَماهُ بالردى طَوراً وطوراً / عَلاهُ بالهدى حتّى اِضمحلّا
شَريعتهُ هَدت برّاً وبحراً / وَعمّ ضياؤها حزناً وسهلا
هيَ الشمسُ المُينرةُ في البرايا / ومِن عجبٍ غدَت للناس ظلّا
عَلت في كلِّ أرضٍ كلّ دينٍ / وَدينُ اللَّه يعلو ليس يعلى
أَيا خيرَ الأنام بكلّ خيرٍ / وَخيرَ خيارهم نَسباً ونسلا
إِذا جارَ الزمانُ على أناسٍ / أَتَوك فعادَ ذاك الجور عَدلا
وَإِن بخلَ الغمامُ بطلّ غيثٍ / هَمَت يُمناك للعافين وبلا
لَقَد فقتَ الورى في كلِّ وصفٍ / جَميلٍ واِنفردتَ علاً وعقلا
فَلَم يخلُق لكَ الرحمن شبهاً / وَلَم يخلُق لك الرحمنُ مثلا
وَنوعُ الإنسِ أشرفُ كلّ نوعٍ / لأنّك منهمُ يا نور شكلا
وَرُسلُ اللَّه سادوا الخلق طرّاً / وَفاقوا العالمينَ هدىً وفضلا
وَإنّك خيرُهم نَفساً وديناً / وَأَتباعاً وأصحاباً وأهلا
وَأَكثرُهم هُدىً وأعزّ جاهاً / وَأَطولهم علاً وأجلُّ طولا
فَقَد سُدتَ الورى علواً وسفلا / مَلائكةً وأنباءً ورسلا
أَيا مَن قد تمنّى كلّ تاجٍ / يكونُ برجلهِ للنعلِ نَعلا
وَخير الناسِ يَرضى أن تراهُ / للثمِ ترابِ تلك النعلِ أهلا
لَقَد شرّفتني في النوم فضلاً / بِتَقبيلي يداً منكُم وَرِجلا
َلَولا أن يُقال لقلت ما لي / مثيلٌ لا أرى لي اليوم مثلا
وَما قَصدي اِفتخارٌ غير أنّي / لِشُكرك أَنتقي معنىً وقولا
وَمَهما كانَ شُكراني جليلاً / فقَد جاءَت مواهبُكم أجلّا
وَلستُ بِحاجةٍ للمدحِ لكن / لَنا حاجٌ وليسَ سواكَ مولى
وَلَم تنفكّ للرحمنِ سيفاً / وَقَد يُستحسنُ السيفُ المحلّى
وَمَهما كنتَ أنت فأنت عبدٌ / وَعزَّ اللَّه مَولانا وجلّا
أَنا عبدٌ لسيّد الأنبياءِ
أَنا عبدٌ لسيّد الأنبياءِ / وَولائي لهُ القديم ولائي
أَنا عبدٌ لعبدهِ ولعبد ال / عَبد عبدٌ كذا بغير اِنتهاءِ
أَنا لا أَنتهي عنِ القرب من با / بِ رضاه في جملةِ الدخلاءِ
أَنشرُ العلمَ في معاليه للنا / سِ وَأَشدوا به مع الشعراءِ
فَعَساهُ يقولُ لي أنتَ سلما / نُ وَلائي حسّان حُسن ثنائي
وَبروحي أَفدي ترابَ حماهُ / وَله الفضلُ في قَبول فدائي
فازَ مَن يَنتمي إليهِ ولا حا / جةَ فيه لذلك الإنتماءِ
هوَ في غنيةٍ عن الخلقِ طرّاً / وَهمُ الكلُّ عنه دون غناءِ
وَهوَ للَّه وحدهُ عبدهُ الخا / لِصُ مَجلى الصفات والأسماءِ
كلُّ فضلٍ في الخلق فهو من اللَ / هِ إِليهِ ومنه للأشياءُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ / لَكن لمكّة منّا ترحلُ النجُبُ
أمُّ القرى لستُ أَنسى إذ تقرّبني / وَالدمعُ من فرَحي في حجرها صببُ
منّت عليّ بِوصلٍ كالخيال مَضى / يهزُّني كلّما اِستحضرته الطربُ
ما العمرُ إلّا أُويقاتٌ ذهبنَ بها / صُفرٌ سِواها وهنّ الخالص الذهبُ
لَو لَم يَكن غير بعثِ المُصطفى سببٌ / لِمَجدها لكفاها ذلك السببُ
فاقَت جميعَ بلاد اللَّه تكرمةً / بهِ وَفاقت به سكّانَها العربُ
شمسُ الهُدى كلّ نورٍ منه مقتبسٌ / لكنّهُ للمعالي كلّها قطبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فاِستجرتُ به / إلّا أَتى النصرُ واِنزاحت به الكربُ
لا ترجُ خُلقاً سواه للندى أبداً / فعندَ هذا المرجّى يَنتهي الطلبُ
طالَ شَوقي لطيبةِ الطيبّاتِ
طالَ شَوقي لطيبةِ الطيبّاتِ / موطنِ المكرُمات والبركاتِ
ليتَ شِعري يا سعدُ بعدَ نزوحي / هَل أَراها بأعيني النازحاتِ
يا نُزولاً بِها هنيئاً فقد فز / تُم بِها في حياتِكم والمماتِ
مِن جنانٍ إلى جنانٍ فأنتم / في كِلا الحالتين في جنّاتِ
حبّذا العيشُ عَيشكم عندَ مثوى / أكرمِ الخلقِ سيّد الساداتِ
أَحمدَ المُصطفى محمّدٍ المح / مود شمسِ الوجودِ هادي الهداةِ
عِشتم في جِواره في أمانٍ / مِن صروفِ الردى وخوف العداةِ
وَدَخلُتم مِن نوره في حصونٍ / فَسلمتُم مِن هذه الظلماتِ
ظُلماتٌ لولا سواطعُ أنوا / رِ هداهُ عمّت جميع الجهاتِ
ما غَبطنا الملوكَ لكن غَبطنا / كُم على نيل أحسن الحالاتِ
وَصلَ السراةُ وأنتَ ماكِث
وَصلَ السراةُ وأنتَ ماكِث / أَأمنتَ أَحداث الحوادِث
سَحَرتك دُنيا لَم تزل / أَنفاسُ زَهرتها نوافِث
بِزخارفٍ مَلَكت هوا / كَ فأنتَ فيها الدهرَ رافِث
لِم لا تسيرُ لخيرِ خل / قِ اللَّه أفضل كلّ حادِث
المُصطفى مِن آل سا / مٍ مِن بَني حامٍ ويافِث
سرّ البريّة صفوةِ ال / خلّاق مِن كلّ الحوادِث
هوَ أوّلٌ والشمس ثا / ني نورهِ والبدرُ ثالِث
فَهُناكَ تأمنُ مِن صرو / فِ الدهرِ والكرب الكوارِث
وَتعيشُ مُرتاحَ الضما / ئرِ غير تعبانٍ ولاهِث
وَإِذا حَلَفتَ بأنّ مَث / واكَ الجِنان فلستَ حانِث
الفلكُ تمخرُ والمهاري تنهجُ
الفلكُ تمخرُ والمهاري تنهجُ / فَدَعوا المقامَ ونحوَ طيبة عرِّجوا
بَلدٌ به حلَّ النبيُّ محمّدٌ / شمسُ البريّة نورها المتوهّجُ
يا حبّذا وَجهٌ له بهرَ الورى / حُسناً بأنواع الجمال مدبّجُ
وَجهٌ مَحا الظلماءَ ساطعُ نوره / وَجبينهُ الوضّاح أبلج أبهجُ
في عينهِ حوَرٌ وفيها شكلةٌ / كالسيفِ أضحى بالدماء يضرّجُ
سوداءُ بالزرقاءِ أَزرت مقلةً / وَالجفنُ مثلُ السهم أهدب أدعجُ
وَبثغرهِ شنَبٌ يروقكَ حُسنهُ / مُتبسّمٌ عن بارقٍ متفلّجُ
للَّه مولىً بالجمال مكلّلٌ / وَبكلِّ أنواعِ الكمال متوّجِ
سبّاقُ غايات الفضائلِ في الورى / طرّاً وسابقُهم لديه أعرجُ
أَغنى الأنامِ عن الأنام وإنّهم / أَغناهمُ عنهم إليه أحوجُ
مَيتُ أُنسي يأتيهِ بالوصل روحُ
مَيتُ أُنسي يأتيهِ بالوصل روحُ / طيبةٌ طبّةٌ وطهَ المسيحُ
طالَ شَوقي إِلى الحبيبِ وقد بر / رَحَ بي مِن بعادهِ التبريحُ
كَم تجلّى في النومِ لي ليسَ عن حق / قي وَلكنّه الكريم السموحُ
وَمَضت مدّةٌ عميتُ فلم أن / ظُر سَناه ومنه في الكون يوحُ
سيّد الرسلِ أنتَ أكرم خل / قِ اللَّه أنتَ المحمّد الممدوحُ
أَنا أَدري بأنّي لستُ أهلاً / غيرَ أنّي على نداكم طريحُ
طارَ أُنسي وطالَ تَعسي وما لل / قلبِ إلّا بقربكم تفريحُ
كَم أُمورٍ قد أحزَنتنيَ لا تخ / فاكَ ما لي لِمتنهنّ شروحُ
أنتَ أَدرى بها وَبي مِن ضميري / أنتَ روحي بل أنتَ للروح روحُ
أَنا لا أَشتكي لِغيركَ أمري / وَبسرّي إِلى السِوى لا أبوحُ
كَم دونَ طيبةَ مِن فراسِخ
كَم دونَ طيبةَ مِن فراسِخ / وَشَوامخٍ تتلو شوامِخ
فاِرحَل بِعيسٍ لا يرى / فيها لَدى الفلواتِ رابِخ
حتّى تزورَ محمّداً / حيثُ العلى والمجدُ باذِخ
خيرُ الخلائقِ صفوة ال / خلّاق عالي القدر شامِخ
بينَ العبادِ وربّهم / سُبحانهُ خير البرازِخ
شمسُ الوجودِ لظلمةِ الط / طغيانِ وَالأديان ناسِخ
أَوَ بعدَ أن عمّ العوا / لمَ نوره يطفيه نافِخ
أَحيا الهُدى وبهِ على ال / غاوين كم صرَخت صوارِخ
وَجُدودُه إمّا فتى ال / فتيانِ أَو شيخُ المشايِخ
شَرفٌ عَلا السبعَ العُلا / وَأساسهُ في الأرض راسِخ
لكِ يا طيبةٌ علَينا عهودُ
لكِ يا طيبةٌ علَينا عهودُ / ذِكرُها في القلوب غضٌّ جديدُ
ما رَأيناكِ بالعيونِ ولَكن / بقلوبٍ فيها الهوى لا يبيدُ
أَخذَ البيعةَ الغرامُ علينا / لكِ أنّ الجمالَ فيك فريدُ
مَن يكُن شاهداً بفضلٍ فإنّي / لكِ بالفضلِ والكمالِ شهيدُ
سُدتِ كلَّ البلادِ أَهلاً وفضلاً / وَبِسكّانها الديارُ تسودُ
حلَّ خيرُ الأنامِ فيك وجاءَ الن / نَصر لِلدين منك والتأييدُ
ليتَ شِعري هل تَقبليني بشعري / فيكِ أُبديهِ مُنشداً وأعيدُ
أَمدحُ المُصطفى هناكَ وأَتلو / هُ كِفاحاً يجود لي فأجيدُ
سيّد العالمينَ طرّاً تساوى / تحتَ علياهُ سيّدٌ ومسودُ
سادَه اللَّه وحدهُ فهوَ عب / دُ اللَّه حقّاً له الأنام عبيدُ