القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ أبي حَصِينة الكل
المجموع : 133
لَجَّ بَرقُ الأَحَصِّ في لَمَعانِهِ
لَجَّ بَرقُ الأَحَصِّ في لَمَعانِهِ / فَتَذكَّرتُ مَن وَراءَ رِعانِهُ
فَسَقى الغَيثُ حَيثُ يَنقَطِعُ الأَو / عَسُ مِن رَندِهِ وَمَنبَتِ بانِه
أَو تَرى النَورَ مِثلَ ما يُنشَر البُر / دُ حَوالي هِضابِهِ وَقُنانِهُ
تَجلِبُ الرِيحُ فيهِ أَذكى مِنَ المِس / ك إِذا مَرَّتِ الصَبا بِمَكانِه
صاحِ هَل شاقَكَ العَشِيَّةَ بِالوَعساءِ / بَرقٌ يَشِبُّ في لَمَعانِهِ
لاحَ في حِندِسِ الظَلامِ كَما لا / حَ سَنا الوَقدِ بارِزاً مِن دُخانِهِ
مُستَطيراً كَأَنَّهُ الأَسمَرُ الما / رِنُ في لِينِهِ وَفي عَسَلانِهِ
أَو كَما يَشهَدُ الوَغا أَسوَدُ الخَيلِ / فَتَدمى كُلومُهُ في لَبانِه
يا خَليلّي عَرّجا نَسألِ المَسكَنَ / عَمَّن نُحِبُّ مِن سُكّانِه
أَنحَلَته حَوادِثُ الدَهرِ حَتّى / صارَ يَخفى نُحولُهُ عَن عِيانِه
أَذكَرَتنا رَيّاهُ رَيّا خُزاما / هُ وَرَيّا النَسيمِ مِن حَوذانِه
كُلَّما هَبَّتِ الصَبا نَثَرَت فيهِ / شَبيهاً بِالوَردِ مِن ايهَقانِه
مَنزِلٌ كُلَّما نَزَلنا بِمَغنا / هُ نَعِمنا بِحُورِهِ في جِنابِه
حَبَّذا العَيشُ فيهِ لَو دامَ ذاكَ العَيشُ / فيهِ وَالعُمرُ في عُنفُوانِه
قَبلَ أَن يَنهَجَ الشَبابُ الَّذي وَلّى / وَيَذوي الرَطيبُ مِن أَغصانِه
عَيَّرتَني المَشيبَ أَسماءُ وَالخَطّيُّ / ما شانَهُ بَياضُ سِنانِه
وَالدُجى حُسنُه النُجومُ وَحُسنُ الر / روض حُسنُ البَياضِ في أُقحُوانِه
وَرِكابٌ تَجفُو المَبارِكَ في البَيْ / داء وَاللَيلُ بارِكٌ بِجِرانِه
كُلَّما داسَتِ الحَصا خَضَبَتهُ / فَتَساوى عَقيقُهُ بِجُمانِه
حامِلاتٍ غَرائِبَ الأَدَبِ المَرغُو / بِ فيهِ إِلى غَريبِ زَمانِه
عَلَمِ الدَولَةِ الَّذي غَرَّق العا / لَم في فَضلِهِ وَفي إِحسانِه
مَلِكٌ ضاقَ وُسعُ ما تَقطَعُ العِي / سُ إِلَيهِ عَن وُسعِ ما في جَنانِه
مُدرِكيُّ النِجارِ يَنفَحُ نَشرُ ال / مِسك مِن عِرضِهِ وَمِن أَردانِه
خَيرُ أَثوابِهِ العَفافُ وَأَسنى الذِك / ر أَسنى ما صِيغَ مِن تيجانِه
يَخزِنُ المالَ في صَنائِعه الغُر / ر وَيُفني ما في حُوى خُزّانِهُ
وَإِذا كانَ طَبعُهُ كَرَمُ النَفيِ / س فَمَن ذا يُحيلُهُ عَن كِيانِه
لَو وَزنّاهُ بِالَّذي تَحمِلُ الأَر / ضُ عَلَيها لَمالَ في ميزانِه
يَدَّعي الناسُ فَضلَهُ وَيَبينُ ال / حقُّ عِندَ اِمتِحانِهِم وَامتِحانِه
بَحرُ جُودٍ إِذا طَما جُودُ كَفَّيهِ / رَأَينا البِحارَ مِن خُلجانِه
لَو جرى ما يُنيلُه لاحتَقَرنا / عَصرَ نُوحٍ وَالفَيضَ مِن طُوفانِه
طالَ حَتّى رَأَيتَ كَيوانَ مِنهُ / مِثلَه بِالقِياسِ مَع كِيوانِهُ
وَعَلا قَدرُهُ فَكُلُّ مَكانٍ / دُونَ باريهِ دُونَهُ في مَكانِهِ
لَمَسَت كَفُّهُ العِنانَ فَكادَ العُشبُ / يُلفى مِن لَمسِهِ في عِنانِه
وَمَشى تَحتَه الجَوادُ فَكانَ الماءُ / يَجري مِن تَحتِ وَطءِ حِصانِه
دائِمُ النَصرِ لا يُريدُ عَلى الأَعداءِ / عَوناً وَاللَهُ مِن أَعوانِه
وَرِثَ الفَخرَ عَن أَبيهِ وَمَيراثَ / العُلى عَن ضِرابِهِ وَطِعانِه
وَبَنى القَصرَ بَعدَ ما عَجِبَ العا / جِبُ مِن هَدمِهِ وَمِن بُنيانِه
وَرَأَيناهُ في الإِوانِ فَخِلنا / أَنَّ كِسرى ممثَّلاً في إِوانِه
أَمِنَ الدَهرُ عَدلَهُ فَغَدا الدَهرُ / وَمَن فيهِ آمِناً في أَمانِه
شَرَفاً يَزحَمُ النُجومَ وَعِزّاً / أَمَّنَ اللَهُ أَهَلُه مِن هَوانِه
قَد شَكَرنا زَمانَنا وَأَمِنّا / بِالفَتى المُدرِكيّ مِن حَدَثانِه
زادَ قَدري بَقَدرِهِ وَعَلا عِندَ / مُلوكِ البِلادِ شاني بِشانِه
تَحسَبُ الطَودَ ذَرَّةً مِن حِجاهُ / وَتَرى البَحرَ قَطرَةً مِن بَنانِه
أَيُّها العادِلُ الَّذي أَمِنَ الأُسدُ / مِن جَورِهِ وَمِن عُدوانِه
صُنعتُ صِدقَ الكَلامِ فيكَ فَما / أَخجَلُ مِن زُورِهِ وَمِن بُهتانِه
إِنَّما أَنتَ غايَةُ الكَرَمِ المَن / عوتِ في قَيسِهِ وَفي قَحطانِه
لَيسَ في ناظِرِ المَكارِمِ إِنسا / نٌ يَراهُ كَأنتَ في إِنسانِه
يا ابنَ أَعلى المُلوكِ ذِكراً وَيا أَك / رَمَ مَن في زَمانِهِ وَأَوانِه
دُونَكَ الحَمدَ خالِداً مِن مُحِبٍّ / لَكَ في سِرِّهِ وَفي إِعلانِه
أَنتَ طَوَّلتَ قَدرَهُ وَتَطوَّل / تَ عَلَيهِ فَطالَ شُكرُ زَمانِه
يا تَقِيّاً في فِعلِهِ وَنَقِيَّ ال / فِعلِ في فِطرِهِ وَفي رَمَضانِه
ضَمِنَ الدَهرُ أَن يَمُدَّ لَكَ العُم / رَ فَلا زالَ وافياً بِضَمانِه
فَلَقَد حَسَّنَت مِناقِبُكَ الدَه / رَ فَأَغنَت سِخابُهُ عَن جُمانِه
جَزِعتَ وَما بانُوا فَكَيفَ وَقَد بانُوا
جَزِعتَ وَما بانُوا فَكَيفَ وَقَد بانُوا / فَيالَيتَهُم كانُوا قَريباً كَما كانُوا
حَرِصنا عَلى أَن لا تَشِطَّ نَواهُمُ / فَشَطَّت وَبَعضُ الحِرصِ غَيٌّ وَحِرمانُ
وَقَد سَأَلوا عَن شانِنا بَعدَ نَأيِهِم / فَقُلنا لَهُم لَم يَرقَ بَعدَكُمُ شانُ
حُرمنا التَداني مِن مُحَرَّمِ عامِكُم / وَشَعَّبَكُم بَعدَ المُحَرَّمِ شَعبانُ
وَبُحنا بِأَسرارِ الهَوى بَعدَ نَأيِكُم / أَلا كُلُّ سِرٍّ يَومَ نَأيِكِ إِعلانُ
وَبِالغَورِ مِن جَنبي خُفافٍ جَآذِرٌ / مِنَ الإِنسِ يبكِرنَ الأَنيسَ وَغِزلانُ
إِذا ما سَحَبنَ الرَيطَ ضَوَّعنَ لِلصَبا / نَسيماً كَما ضاعَ الخُزامِيُّ وَالبانُ
نَكَرنَ مَشيبي وَالغَواني فَوارِكٌ / إِذا لَم يَكُن فِينا شَبابٌ وَإِمكانُ
زِيادةُ ضَعفٍ بِالمَشيبِ وَحَسرَةٌ / فَمَوتُكَ إِكمالٌ حَياتُكَ نُقصانُ
وَقَد أَغتَدي وَاللَيلُ مُرخٍ رِدائَهُ / وَنَجمُ الثُرَيّا في المَغارِبِ وَسنانُ
بِجائِلَةِ الأَنساعِ مالَت مِن السُرى / كَما مالَ مِن رَشفِ الزُجاجَةِ نَشوانُ
تَدُوسُ الحَصا أَخفافُها وَهُوَ لُؤلُؤٌ / وَتَرفَعُها مِن فَوقِهِ وَهوَ مَرجانُ
تُناهِبُني مَرتاً كَأَنّ نَعامَهُ / قُسُوسٌ أَكَبَّت في مُسُوحٍ وَرُهبانُ
إِذا قَطَعَت غِيطانَ أَرضٍ تَقابَلَت / عَلَيها سَبارِيتٌ سِواها وَغيطان
إِلى خَيرِ مَن يُستَمطَرُ الخَيرُ عِندَهُ / وَيَأتَمُّ مَغناهُ رِكابٌ وَرُكبانُ
فَتىً جَلّ عَمَّن جَلّ في الناسِ قَدرُهُ / وَباتَ لَهُ سَفٌّ عَليهِ وَرُجحانُ
فَصُغِّرَ بِهرامٌ وَبُخِّلَ حاتَمٌ / وَجُبِّنَ بِسطامٌ وَغُلِّطَ لُقمانُ
كَريمٌ غَرِقنا في نَداهُ كَأَنّنا / بِغَير أَذىً في لُجَّةِ البَحرِ حِيتانُ
هُوَ اللَيثُ أَردى اللَيثَ وَاللَيثُ مُخدِرٌ / هُوَ الغَيثُ فاقَ الغَيثَ وَالغَيثُ هتّانُ
هُوَ البَحرُ أَهدى السُحب شَرقاً وَمَغرِباً / فَرَوّى فِجاجَ الأَرضِ وَالبَحرُ مَلآنُ
حَليمٌ كَأَنّ العَضبَ يُلقي نِجادَهُ / عَلى يَذبُلٍ أَن يَلبَسُ البُردَ ثَهلانُ
عَلا قَدرُهُ حَتّى كَأَنّ نَديمَهُ / لِبَعض مَصابيحِ الدُجُنَّة نَدمانُ
إِذا قُلتُ شِعراً فيهِ خِفتُ اِنتِقادَهُ / عَليَّ كَأَنِّي باقِلٌ وَهوَ سَحبانُ
شَكَرتُ لَهُ النُعمى فلا أَنا جاحِدٌ / وَلا واهِبُ النُعمى بِنُعماه منّانُ
وَما زادَهُ فَخراً مَديحي لِأَنَّه / صَباحٌ لَهُ مِنهُ دَليلٌ وَبُرهانُ
أَدِينُ بِنُصحي للأَمينِ وَمَحضِه / أَلا إِنَّما بَذلُ النَصائِحِ أَديانُ
كَريمٌ مِنَ القَومِ الَّذين سَأَلتُهُم / فَأَعطوا وَما مَنَّوا وَقالوا وَما مانُوا
مَدَحتُهُمُ طِفلاً وَكَهلاً فَأَفضَلُوا / عَلَيَّ وَهُم وَشِيبٌ وَشُبّانُ
أَبا صالِحٍ طُلتَ المُلوكَ وَطَأطَأَت / لِأَخمَصِكَ الحَيّانِ قيسٌ وَقحطانُ
فَأُقسِمُ لَولا أَنتَ لَم يُخلَقِ النَدى / وَلَولاك لَم يَفخَر مَعَدُّ وَعَدنانُ
ذَخَرتَ اللُهى عِندَ العُفاة كَأَنَّما / عُفاتُك حُفّاظُ عَلَيك وَخُزّانُ
قَهَرتَ مُلوكَ الأَرضِ حَتّى كَأَنَّما / عَلى كُلّ سُلطانٍ لِسَيفِكَ سُلطانُ
وَأَهوَنتَ بِالأَعداءِ لَمّا تَأَلَّبوا / فَهانُوا وَلَولا عِظمُ شانِكَ ما هانُوا
فَإِن تَعفُ عَمَّن يَطلُبُ العَفوَ مِنهُمُ / فَعِندَكَ لِلجاني عِقابٌ وَغُفرانُ
وَأَنتَ الحُسامُ العَضبُ يَخشُنُ لِلعِدى / وَفيكَ مَعَ الإِحسانِ لينٌ إِذا لانُوا
فَعِش عُمرَ ما حَبَّرتُ فيكَ فَإِنَّه / سَيَبقى إِذا لَم يَبقَ إِنسٌ وَلا جانُ
وَكُلُّ غَمامٍ غَيرِ كَفِّكَ مُخلِفٌ / وَكُلُّ مَديحٍ غَيرِ مَدحِكَ بُهتانُ
لِمَن دِمنَةٌ مِثلُ خَطِّ الزَبورِ
لِمَن دِمنَةٌ مِثلُ خَطِّ الزَبورِ / عَفَتها الدَبورُ وَرِيحُ الصَبا
وَكُلُّ مُلِثٍّ مِنَ المُعصِراتِ / لَهُ هَيدَبٌ مِثلُ هُدبِ الرِدا
تَرى البرقَ يَضحَكُ في جَوِّهِ / وَحَتّى تَراهُ كَثيرَ البُكا
يَحُطُّ مِنَ النِيقِ ما في الوُكُورِ / وَيُخفي مِنَ الأَرضِ ما في الكُوى
وَتُضحي المَكاكيُّ مِن وَبلِهِ / كَوامِنَ في جَنَباتِ الصُوى
خَلَت مِن مَها الإِنس تِلكَ الرُسومُ / وَأَضحَت مُعَوَّضَةً بالمَها
وَعَهدي بِها وَهِيَ مَأوى الحِسانِ / فَقَد أَصبَحَت وَهيَ مَأوى الجَوا
سَأَلنا رُباها عَنِ الظاعِنينَ / فَكانَ الجَوابُ جَوابَ الصَدا
وَمَرتٍ خَبَطناهُ بِالناجِياتِ / وَقَد كَمَن الصُبحُ تَحتَ الدُجى
سَقَيتُ بِهِ الرَكبَ كَأسَ النُعاسِ / وَغَنّاهُمُ الذِئبُ لَما عَوى
أَقولُ لَهُم وَرُؤُوسُ المَطيِّ / كَأَنَّ عَلَيها بُصاقَ الدَبى
وَنَحنُ وَهُنَّ كَحُدبِ القِسِيِّ / مِن طُولِ ما جَنَفَتنا السُرى
أَريحُوا قَليلاً فَدُون المُعِزّ / تَنائِفُ يُرهَبُ فيها التَوى
فلَمّا نَزَلنا بِبَعضِ الهُجولِ / شَكَونا إلى البرِّ طُولَ القَوى
وَقُمنا نَدِبُّ دَبيبَ الصِلالِ / بَينَ القُلال وَبَين الجُوى
فلاحَت لَنا عِندَ وَجه الصَباحِ / حِقباءُ مِن تَحت عَبلِ الشَوى
مُكِبٌّ عَلَيها بِمَلمُومَةٍ / لَها شُعلَتان كجَمر الغَضا
وَفيها نَواجِمُ بيضُ المُتونِ / مُذَرّبة مِثلُ رُوسِ المُدى
لَهُ لِبَدٌ كَجَناحِ الظَليم / بِيضُ الأَسافِلِ حُمرُ الذُرى
فَلَمّا رَآنا رَأَى مِثلَهُ / خِماصَ البُطونِ لِفَرط الطَوى
فَزَمجَر حَتّى رَأَيتَ الوِهادَ / يُزَلزِلُها صَوتُه وَالرُبى
وَأَقبَلَ يَمشي إِلى فِتيةٍ / يُريعُون مِنهُ وَمِنها العِدى
فَشَدّوا عَلى كَهمَسٍ شَدَّةً / فَبَعضٌ وَجاهُ وَبَعضٌ رَمى
واُبنا بِزادَين نَحوَ الرِكابِ / عَيرِ الفَلاةِ وَلَيثِ الشَرى
وَظَلنا نُلَهوِجُ ذاكَ القَنيصَ / وَنَأكُلُ مِن عَجَلٍ ما اِنشَوى
فَلَمّا اِكتَفَينا قرَينا الوُحُوشَ / مِن مِثلِها فَضَلاتِ الشَوى
وَرُحنا نَخوضُ بِها في السَرابِ / طِوالَ الرِقابِ طِوالَ الخُطا
إِلى مَلِكٍ جازَ قَدرَ المُلوكِ / فَكانَ الثُريا وَكانوا الثَرى
بَنى وَبَنوا دَرَجَ المَكرُماتِ / فَطالَ عَلى ما بَنَوا ما بَنى
فَلمّا وَصَلنا أَبا صالِحٍ / وَصَلنا أَجَلّ مُلُوكِ الوَرى
فَتىً سَبَقَ الناسَ بِالمَكرُماتِ / إِلى أَمَدٍ لَم يَحُزهُ مَدى
كَريمُ النَجابَةِ عَفُّ الإِزارِ / بَصيرٌ بِغَيرِ طَريقِ الخَنا
يَليقُ بِهِ المَجدُ وَالمَكرُماتُ / وَتَصدُق ألقابُهُ وَالكَنى
فَما يَفعَلُ الناسُ مِن صالِحٍ / فَإِنَّ المُعِزَّ بِذاكَ اِبتَدا
يَوَدّ وَحاشاه لَو قُدِّمَت / إِلى الضَيفِ مُهجَتُه في القِرى
وَكَم عُدِمَ الخِصبُ في بَلدَةٍ / فَقامَ نَداهُ مَقامَ الحَيا
شَرى الزادَ بِالماِلِ مِن جالبِيهِ / وَباتُوا فَأَطعَمَهُم ما شَرى
فَسَل عَنهُ كَم فَرَّقَت كَفُّهُ / مِنَ المالِ في جَمعِ هَذا البِنا
إِذا شِئتَ تُحصي جَميلَ المُعِزِّ / فَعُدَّ النُجومَ وَعُدَّ الحَصا
فَإِن تُحصِها تَلقَ مَعروقَهُ / يَزيدُ المِثالُ عَلى ذِي وَذا
بَداني بِنُعماهُ قَبلَ المُلوك / وَما الفَضلُ إِلّا لِمَن قَد بَدا
زَكاني مَعروفُهُ وَالجَميلُ / إِذا كانَ عِندَ زَكِيٍّ زَكا
أَبا صالِحٍ إِن أَغِب عَن عُلاكَ / فَقَلبُكَ لي شاهِدٌ بِالوَلا
وَإِنَّ حَياتي إِذا لا أَراكَ / حَياةٌ وَمَوتي أَراها سِوا
جَميلُكَ وَسَّعَ لي في المَعاشِ / وَرَغَّبَني في ابتِناءِ القُرى
وَأَنتَ بِفَضلِكَ صَيَّرتَني / أَغيبُ فَأجمَعُ مِنها اللُهى
وَأَيَّةُ أَرضٍ تَيَمَّمتُها / تَيَمَّمَني مِنكَ فِيها الغِنى
فَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُناكَ / وَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُنا
جُزيتَ عَنِ المَدحِ وَالمادِحينَ / وَعَن أَهلِ دُنياكَ خَيرَ الجَزا
فَإِنَّكَ أَنتَ حَرَستَ الثُغورَ / وَذُدتَ بِسَيفِكَ عَنها العِدى
وَإِنَّكَ عَلّمتَ أَهلَ السَماحِ / كَيفَ السَماحُ وَكَيفَ السَخا
تَهَنَّ بِعيدِكَ وَلَيتَهَنَّ / لِهَذى البَرِيّة هَذا الهَنا
وَعِش ما اِشتَهَيتَ حَليفَ السُرورِ / حَليفَ السُعودِ حَليفَ البَقا
عِش مِن صُروفِ الدَهرِ في أَمانِ
عِش مِن صُروفِ الدَهرِ في أَمانِ / وَابقَ لَنا يا مَلِكَ الزَمانِ
وَاسلَم رَفيعَ القَدرِ وَالمَكانِ / في نِعمَةٍ ثابِتَةٍ الأَركانِ
كَأَنَّها حُبُّكَ في جَناني / يا مَلِكَ الدُنيا العَظيمَ الشانِ
وَيا كَريمَ اليَدِ وَاللِسانِ / لَو قيلَ لِلبَأسِ وَلِلإِحسانِ
هَل يُجمَعُ الجِنسانِ في إِنسان / قالا جُمِعنا في أَبي العُلوانِ
أَفرَسِ مَن عُدّ منَ الفُرسانِ / وَأَغزَرِ الناسِ نَدى بَنانِ
فَاعجَب لِطَعامٍ بِها طَعّانِ / فَلِلقَرى طَوراً وَلِلأَقرانِ
فَردٌ فَهَل تَأَتي لَهُ بِثاني / لا وَإِلهِ الشُحُبِ الأَبدانِ
المُشبِهاتِ كُتَبَ الشِنانِ / الواشِحاتِ أَوجُهَ الغِيطانِ
وَالكاسِياتِ قُللَ الرِعانِ / ضَرائِبَ العَطبِ مِنَ الارسانِ
تَهوي بِشُعثٍ نُزّحِ الأَوطانِ / مالُوا عَلى مَقادِم الكِيرانِ
كَأَنَّهُم ضَربُ الجَريدِ الفاني / حَتّى إِذا رَأَوا فَتى الفِتيانِ
أَنقَذَهُم مِن رِبقَةِ الهَوانِ / فَأصبَحُوا في أَكرِمِ المَغاني
كَأَنَّهُم في نُضرَة الجِنانِ / عِندَ الفَتى المَنّانِ لا المنّانِ
مُعِزِّ قَيسٍ وَفَتى قَحطانِ / لا لِحَزِ الكَفِّ وَلا هِدّانِ
أَبيَضُ مِثلُ الصارم اليَماني / كَالبَدر ذي سِتٍ وَذي ثَمانِ
يا مُنتَهى الآمال وَالأَماني / وَياغِنى القاصي وَرِيفَ الداني
أَنتَ الَّذي ذَلَّلتَ لي زَماني / وَأَنتَ أَرهَفتَ شَبا سِناني
وَفَضلُكَ الغامِرُ قَد أَغناني / فَما أَرى الفَقرَ وَلا يَراني
فَما الَّذي يَطلُبُ مِنّي الشاني / عِلمُكَ بِالحاسِدِ قَد كَفاني
فَسَوفَ أَبني لَكَ مِن لِساني / غَرائِباً لَم يَبِنهِنّ باني
فَاستَغنِ بي تُغنِكَ ذي المَعاني / مِن حَسَنٍ عَن حَسَنٍ بنِ هاني
سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ
سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ / دِيارَ الحَيِّ بِالغَمرِ
دِياراً بِلّوى النَبرِ / رَعى اللَهُ لِوى النَبرِ
إِلى المَشهَدِ فَالمَعه / دِ فَالأَلويَةِ العُفرِ
إِلى ما قابَلَ الرَحب / ةَ مِن ناظِرَةِ البِشرِ
إِلى الدَيرِ الَّذي يُشرِ / فُ مِن عالِيَةِ النَهرِ
إِلى السَجلِ الَّذي تَدفَ / عُ مِن قِيعانِها الغُبرِ
إِلى كندِيَّةِ المَرجِ / إِلى الأَودِيَةِ الصُعرِ
إِلى الزَبّاءِ وَالمُشرِ / فِ مِن أَلواذِها البُجرِ
إِلى ما أَنبَتَ الحِزّا / نُ مِن طَلحٍ وَمِن سِدرِ
إِلى الرَقَّةِ وَالمَرجَي / نِ وَالبُرجَينِ وَالعِبرِ
إِلى شَرقِيِّ صِفّينٍ / وَمَجرى العَسكَرِ المَجرِ
إِلى القُطِع وَما وَلا / ها مِن سَهلٍ وَمِن وَعرِ
إِلى القارَةِ وَالدَيرَي / نِ وَالعِبرَين وَالظَهرِ
إِلى المَعلَمِ وَالدَرهَ / مِ وَالدَيمُومَةِ الصُفرِ
إِلى الصَبحَةِ وَالنُقرَ / ةِ وَالعَينِ الَّتي تَجري
إِلى الحَيِّ الَّذي حَلَّ / مَحَلَّ العِزِّ والنَصرِ
إِلى القَلعَةِ وَالقَصرِ / الَّذي بُورِكَ مِن قَصرِ
مَحَلِّ السادَةِ الغُرِّ / ذَوي السُؤدُدِ وَالفَخرِ
تَراهُم في سَما العِزَّ / ةِ مِثلَ الأَنجُمِ الزُهرِ
حَوالي أَبلَجِ السن / ةِ مِثلَ الشَمسِ وَالبَدرِ
إِذا يَمَّمَهُ الساري / هَدى الساري الَّذي يَسري
أَبي العُلوانِ رَبِّ الجُو / دِ ذِي النائِلِ وَالوَفرِ
فَتىً عَطّرَهُ الحَمدُ / فَأَغناهُ عَنِ العِطرِ
إِذا كُنتَ لَهُ جاراً / فَلا تَخشَ مِنَ الفَقرِ
تَمَسُّ الصَخرَ أَيدِيهِ / فَيَجري الماءُ في الصَخرِ
رَأَيناهُ فَريدَ الجُو / دِ في بَدوٍ وَفي حَضرِ
وَطُفنا الأَرضَ مِن أَقصى / خَراسانَ إِلى مِصرِ
وَأَبصَرنا الَّذي يُعطي / وَشاهَدنا الَّذي يَقري
وَقِسنا الجُودَ بِالجُودِ / وَحُسنَ الذِكرِ بِالذِكرِ
فَوافَينا ابنَ فَخرِ المُل / كِ أَفتى أَهلِ ذا العَصرِ
وَما نَخجَلُ إِن قُلنا / وَمَن في سالِف الدَهرِ
إِذا شِمنا نَدى كَفَّي / هِ أَغنانا عَنِ القَطرِ
كَريمٌ وَلَدَتهُ أُمُّ / هُ في لَيلَةِ القَدرِ
فَوافى زاكِيَ النَبعَ / ةِ مَحضَ الفَرعِ وَالنَحرِ
قَليلَ العَيبِ وَالرَيبِ / كَثيرَ السَيبِ وَالوَفرِ
نَقِيَّ العِرضِ لا يُدنَ / سُ بِالفَحشاءِ وَالنُكرِ
فَسَلني إِنَّني أَصبَح / تُ بِالمِفضالِ ذا خُبر
هُوَ الكاسي مِنَ السُؤدُ / دِ وَالعاري مِنَ الكِبرِ
هُوَ العادِلُ وَالعادِ / لُ عَن فِعلِ الخَنا المُزري
هُوَ النَجمُ الَّذي يَسري / بِهِ في الأَرض مَن يَسري
هُوَ البَحرُ وَما أَجهَ / لَ مَن قَد قاسَ بِالبَحرِ
فَهَذا طَيِّبٌ عَذبٌ / سَليمُ الوِردِ وَالصَدرِ
تَرى الناسَ يَحُجُّونَ / إِلى تَيّارِهِ الغَمرِ
كَما حَجَّت إِلى المَنهَ / لِ أَسرابُ القَطا الكُدري
عَلا في القَدرِ وَالرِفعَ / ةِ عَن قَدرِ ذَوي القَدرِ
وَأَغنَتهُ مَعالِيهِ / عَنِ الشاعِرِ وِالشِعرِ
فَما يَنفَعُهُ حَمدي / وَلا يَرفَعُهُ شُكري
وَضَوءُ الصُبحِ لا يَحتا / جُ بُرهاناً عَلى الفَجرِ
فَتىً مَعرُوفُهُ أَكثَ / رُ مِن نَظمي وَمِن نَثري
فَإِن قَصَّرتُ أَو أَقصَ / رَ بي فَهمي فَمِن عُذري
كَلا الرَحمنُ مَن يَكلا / أَخا الغَيبِ وَلا يَدري
وَمَن وَفَّرَ لي جاهي / وَمَن يَسَّرَ لي أَمري
وَمَن أَمطَرَني حَتّى / ثَناني مُونِقاً زَهري
وَمَن أُثني عَلى نُعما / هُ في سِرِّي وَفي جَهري
كَما يُثني عَلى الغَيثِ / مُروجُ البَلَدِ القَفرِ
أَمَولايَ الَّذي يَعدِ / لُ في النَهي وَفي الأَمرِ
هَناكَ العامُ مِن عامٍ / وَهَذا الشَهرُ مِن شَهرِ
فَلا زِلتَ مِنَ الأَقدا / رِ في حِرزٍ وَفي سِترِ
فَأَنتَ المُحسِنُ المُجمِ / لُ في عُسرٍ وَفي يُسرِ
وَأَنتَ الدافِعُ المانِعُ / عَن سُكّانِ ذا الثَغرِ
كَلاكَ اللَهُ ما أَحلا / كَ في عَيني وَفي صَدري
تَطَوَّلتَ وَخَوَّلتَ / عَلى قَدرِكَ لا قَدري
وَأَدنَيتَ وَأَغنيتَ / وَأَقنيتَ إِلى الحَشرِ
وَآمَنتَ مِنَ البَأسا / ءِ مَن يُولَد مِن ظَهري
وَأَثرَيتُ بِنُعماكَ / وَما أَمَّلتُ أَن أُثري
وَقَد زِدتَ فَزادَ اللَ / هُ في عُمرِكَ مِن عُمري
سَأَجزيكَ وَما يَجزي / ك لا طِرسي وَلا حِبري
وَأَقنِيكَ ثَناً يَبقى / عَلى غابِرَةِ الدَهرِ
وَأَوصافاً لَها نَشرٌ / ذَكِيُّ الطَيِّ وَالنَشرِ
وَما يَبقى عَلى الدُنيا / وَما فيها سِوى الذِكرِ
أَبَلّ خَيرُ المُلوكِ مِن أَلَمِه
أَبَلّ خَيرُ المُلوكِ مِن أَلَمِه / وَصَحَّ جِسمُ الزَمانِ مِن سَقَمِه
لا العِزُّ أَمسى قَفرَ الجَنابِ وَلا المُل / كُ غَدا مائِلاً عَلى دَعَمِه
إِن غابَ في قَصرِه فَلا عَجَبٌ / مَغيبُ لَيثِ العَرينِ في أَجَمِه
قَد تَكمُنُ الشَمسُ في الغَمامِ وَقَد / يَحتَجِبُ الصُبحُ في دُجى ضلَمِه
ثالِمٌ ما زَرى الأَميرَ وَفَخرُ السَي / فِ ما في ظُباهُ مِن ثُلَمِه
صَحَّ فَصَحَّ النَدى وَقامَ بِهِ / رُكنُ العُلا بَعدَ رَجفِ مُدَّعَمِه
كَأَنَّما المَجدُ باتَ مُمتَزِجاً / بلَحمِه طِيبُ لَحمِهِ وَدَمِه
وَتَحتَ مُلقى نجادِه مَلِكٌ / أَمسَت مُلوكُ الزَمانِ مِن خَدَمِه
إِن تَلقَه تَلقَ مِنهُ كَنفَ نَدىً / يُبري نَداهُ العَديمَ مِن عَدَمِه
يَملا يَدَي جارِهِ وَيَمنَعُهُ / كَأَنَّما جارُهُ أَخو حُرَمِه
أَمَّنَ أَهلَ البِلادِ قاطِبَة / كَأَنَّ أَهلَ البِلادِ في حَرَمِه
كُلُّ جَوادٍ تَجُودُ راحَتُهُ / يَجودُ مِن جُودِهِ وَمِن كَرَمِه
لا تَحمَدِ العُشبَ في مَنابِتِهِ / وَاحمَد غَماماً سَقاه مِن دِيَمِه
شَيَّد بِالمُرهَفَين مُنذَ نَشا / مَجدَينِ مِن سَيفِهِ وَمِن قَلَمِه
يَحتَقِرُ النائِلَ الجَسيمَ وَيَس / تَصغِرُ قَدرَ العَظيمِ مِن عِظَمِه
كَالجَبَلِ الشاهِقِ الهِضاب إِذا / أَشرَفتَ مِن رُعنِهِ عَلى أَكَمِه
لا يُفسِدُ الوَعدَ بِالمِطالِ وَلا / يُخِلُّ عَقدَ الوَفاءِ مِن ذِمَمِه
يُقسِمُ مَن قالَ لا شَبيهَ لَهُ / يَمينَ بَرِّ اليَمينِ مِن قَسَمِه
أَكرَمُ مَن في زَمانِهِ وَأَعفُّ ال / خَلقِ مِن عُربِهِ وَمِن عَجَمِه
يُنهِلُ مِن فَضلِهِ وَنائِلِهِ / ثَناءَ نَبتِ الحَيا عَلى رِهَمِه
وَيُصدِرُ العِيسَ غَيرَ ظامِئَةٍ / عَن مَورِدٍ بارِدِ النَدى شَبِمِه
مُعطَّراتِ الرِحالِ قَد عَبِقَت / بِالمِسكِ مَما يُفَتّ في خِيَمِه
يَأرِجُ في الحَزنِ مِن حَقائِبها / ما فاحَ مِن رَندِهِ وَمِن نَشَمِه
يَقولُ صَحبي وَقَد كُسِيَت بِالن / نورِ غُبرُ الفِجاجِ مِن أُمَمِه
هَذا جَنابُ المُعِزِّ لاحَ لَنا / قَد رُفِعَت نارُه عَلى عَلَمِه
فَقُلتُ سِيروا فَإِنَّه مَلِكٌ / يَضيقُ وُسعُ الزَمانِ عَن هممِه
كَأَنَّ ريحَ الصَبا إِذا نَفَحَت / تَنفَحُ مِن خُلقِهِ وَمِن شِيَمِه
كَأَنَّما ماتَ أَحمَدٌ وَغَدا / مُخلِفَهُ بِالجَميلِ في أُمَمِه
وَأَبلَجٌ مِثلُ الصَباحِ رُؤيَتُهُ / تَشفي حَليفَ السَقامِ مِن سَقَمِه
مُلتَزِمٌ بِالجَميلِ يَفعَلُهُ / وَغَيرُهُ باتَ غَيرَ مُلتَزِمِه
يُفديهِ في الدَهرِ كُلُّ ذي صَعَرٍ / مَن لا يُساوي الشِراكِ في قَدَمِه
تَراهُ لا يَطلُبُ العَلاءَ وَلا / يَبرَحُ عَبداً لِفَرجِهِ وَفَمِه
يُعرِضُ عَن ضَيفِهِ وَيُعجِبُهُ / ما زادَ في ذَودِهِ وَفي غَنَمِه
ما شافَ شَوفَ المُعِزِّ ناظِرُهُ / وَلا اِهتَدى أَن يَسِيرَ في لَقَمِه
مُتَوّجٌ مِن بَني المُلوكِ لَهُ / كَفٌّ تَكُفُّ الظُنونَ عَن تُهَمِه
وَهِمّةٌ في الزَمانِ ما اِشتَغَلَت / إِلّا بِصَوتِ الرئبالِ مِن قُحَمِه
يا مَلِكاً كُلُّ حِكمَةٍ نَطَقَت / بِها البَرايا تُعدُّ مِن حِكَمِه
كَم لَيلَةٍ بِتُّ لا أَذُوقُ كَرىً / حَتّى أَبَلَّ الأَليمُ مِن أَلمِه
حُبّاً قَسَمناهُ في القُلوبَ فَأَع / طَتني لُهاكَ الجَزيلَ مِن قِسَمِه
ما كُلُّ حُبٍّ يَموتُ صاحِبُهُ / وَهوَ مُبَقّىً عَلَيكَ في رِمَمِه
فَاسلم وَلا زِلتَ خالِداً أَبَداً / خُلودَ ما صاغَ فيكَ مِن كَلِمِه
يا خَليلَيَّ هَل تَجيبُ الطُلولُ
يا خَليلَيَّ هَل تَجيبُ الطُلولُ / إِن سَأَلنا أَينَ الخَليطُ نُزولُ
دِمَنٌ مِثلُنا يُقَلقِلُها الشُو / قُ وَيَعتادُها الجَوى وَالغَليل
قَد بَراها كَما بَرانا التَنائِي / وَعَراها كَما عَرانا النُحولُ
باكِياتٍ وَما لَهُنَّ دُموعٌ / مُغرَماتٍ وَما لَهُنَّ عُقولُ
دَرَسَتها الجنوبُ وَالشَمأَلُ الزَع / زَعُ وَاستَأصَلَت قُواها القَبولُ
أَسعَدَتنا فيها المَطايا عَلى الوَخ / دِ فَظَلّت مِثلَ المَطايا الخُيولُ
فَلَنا في النَوى زَفيرٌ وَلِلعِي / سِ حَنينٌ وَلِلجِيادِ صَهيلُ
يا خَليلَيَّ ساعِداني عَلى الوَج / دِ كَما يُسعِدُ الخَليلَ الخَليلُ
وَاِنظُرا البَرقَ كَيفَ تَنزِلُهُ الجِن / نُ كَما تَنزِلُ السُلافُ الشَمولُ
مُستَطيراً لَهُ عَلى جانِبِ الغَو / رِ طُلوعٌ مُرَدَّدٌ وَأُفُولُ
فيهِ ما في المُتيَّمينَ مِنَ العِشقِ / خُفوقٌ وَصُفرَةٌ وَنُحولُ
لاحَ مِن خَلفِنا وَسِرنا وَأَعنا / قُ المَطايا إِلَيهِ في الجَوِّ مِيلُ
في ظَلامٍ تَساوَت الهَضَباتُ الشمُ / مُ فيهِ وَالغامِضاتُ الهُجولُ
خَبَطَتهُ مَناسِمُ العِيسِ حَتّى / طارَ فيها عَنِ الخِدامِ النَقيلُ
بِشُخوصٍ كَأَنَّها صُرَدُ اللَي / لِ كَما ضَمَّتِ الأَسيرَ الكُبولُ
أَشحَبَتهُم غُبرُ الفَيافي وَأَزرَت / شُقَّةُ البِيدِ عِيسَهُم وَالذَميلُ
أَو أَناخُوا بِخَيرِ مَن باتَ لِلوَف / دِ لَدَيهِ إِناخَةٌ وَرَحيلُ
مَلِكٌ مِن بَني المُلوكِ وَقَيلٌ / رَهِبَتهُ في الخافِقينِ القُيولُ
وَرِثَ الفَخرَ عَن أَبيهِ وَأَعطَتهُ / المَعالي رِماحُهُ وَالنُصولُ
نَزلَ النَجمُ عَن مَعاليهِ فَالعَيّوقُ / في الجَوِّ نازِلٌ لا يَزولُ
شَبَّ مِن نَبعَةِ المَكارِمِ وَالمَجدِ / وَطابَت فُروعُهُ وَالأُصولُ
إِنَّما آلُ صالِحٍ غُرَرُ الدَه / رِ وَما في الوَرى الشَوى وَالحُجولُ
سَبَقُوا الناسَ بِالمَكارِمِ وَالفَخ / رِ كَما يَسبِقُ الصِحابَ الدَليلُ
وَاستَعادَ المُعِزّ عِزّهُمُ الذا / هِبَ مِن بَعدِ ما اِعتَراهُ الخُمولُ
بَعدَ أَن حَطَّمَ الرِماحَ وَرَدَّ ال / بِيضَ قَد خَرَّبَت ظُباها الفُلولُ
ولُهامٌ يَسُدُّ عِثيَرُهُ الجَوَّ / وَيَخفى عَنِ الرَعيلِ الرَعيلُ
صَحَّ فيهِ القَنا وَظَلَّ عَلى ها / مِ الأَعادي لِلمُرهَفاتِ صَليلُ
أَيُّها الماجِدُ الَّذي ضاقَ بِالمَج / دِ إِلى غَيرِهِ الهُدى وَالسَبيلُ
إِنَّما أَنتَ نِعمَةٌ نَشكُرُ اللَ / هَ عَلَيها وَعِصمَةٌ لا تَزولُ
لا خَلا مِنكَ مَعشَرٌ أَنتَ بالخَي / رِ لَهُم ما حَيِيتَ بَرٌّ وَصُولُ
بِنتُ بِالأَمسِ عَن فَتىً طالَما با / تَ بِخَيرٍ وَالغائِبونَ قَليلُ
حامِلٌ مِنكُمُ الجَميلَ وَما ضا / عَ لَكُم في أَبي المَنيعِ جَميلُ
إِن تَحَمَّلتَ ثِقَلهُ فَكَذا أَن / تَ لِأَثقالِنا صَبورٌ حَمولُ
أَنتُمُ إِخوَةُ الصَفاءِ كَما كا / نَ عَلِيٌّ وَجَعفَرٌ وَعَقيلُ
لا عَدِمناكُمُ فَما نَعدَمُ الخَي / رَ وَلا غالَكُم مِنَ الدَهرِ غُولُ
لازالَ سَعيُكَ مُقبِلاً مَقبولا
لازالَ سَعيُكَ مُقبِلاً مَقبولا / وَمَحَلُّ عِزِّكَ عامِراً مَأهولا
أَمَّلتُ فيكَ بِأَن يَكونَ كَما أَرى / فَبَلَغتُ فيكَ السُؤلَ وَالمَأمُولا
أَغنَيتَني مِمّا بَذَلتَ فَلَم تَدَع / وَجهي إِلى وَجهِ امرِئٍ مَبذولا
وَعَتَبتَ لي صَرفَ الزَمانِ فَأَعتَبَت / أَخلاقُهُ وَتَبَدَّلَت تَبديلا
المَنعُ بَذلاً وَالقَساوَةَ رَأفَةً / وَالعُسرَ يُسراً وَالقَبيحَ جَميلا
لا أَشتَكي بُؤسَ الحَياةِ وَلا تَرى / نُوَبُ الزَمانِ لَها إلَيَّ سَبيلا
وَقَد اِنتَجَعتُ لِفاقَتي هَذا الحَيا / وَهَزَزتُ هَذا الصارِمَ المَصقولا
أَمِنَ الإِمامُ عَلى الثُغورِ وَأَهلِها / مُذ حَلَّ هَذا اللَيثُ هَذا الغيلا
مُتَبَهنِساً بَعدَ القَتامِ نَعُدُّهُ / في الجَيشِ جَيشاً وَالرَعيلِ رَعيلا
مَن لِلخَليفَةِ أَن يَراكَ فَلا يَرى / لَكَ في مُلوكِ بَني الزَمانِ عَديلا
مُستَحقِراً لَكَ شُهبَةً وَلَو أَنَّها / شُهبُ النُجومِ مَراكِباً وَخُيولا
وَلَو اِستَطاعوا مِن عُلاكَ لَصَيَّروا / نُورَ الغَزالَةِ ثَوبَكَ المَعمولا
ولَأَكبَروكَ عَنِ العِمامَةِ وَاِرتَضَوا / أَن يُلبِسوكَ التاجَ وَالإِكلِيلا
أَمّا العَلامَةُ فَهِيَ خَيرُ عَلامَةٍ / لَكَ أَنَّ قَدرَكَ لَم يَكُن مَجهولا
بَعَثوا بِها وَكَأَنَّ ما في صَدرِها / قَوسُ الغَمامِ مُلَوَّناً مَفتولا
بَيضاءُ باتَ بَياضُ عِرضِكَ مِثلَها / لَوناً وَباعُكَ في المَكارِمِ طُولا
وَمِن الحَريرِ الجَونِ عَمّارِيَّةً / يَفري العَواصِفَ ذَيلُها مَسبولا
مُخَضَرّةَ الجَنَباتِ تُحسَبُ رَوضَةً / باتَت تُعانِقُ شامِلاً وَقُبولا
كادَ الحَمامُ الورق في شَجراتِها / يُبدي عَلى تِلكَ الغُصونِ هَديلا
وَالسَيفُ مَشحُوذُ الغِرارِ كَأَنَّهُ / جِسمُ المُحِبّ نَحافَةً وَنُحولا
ما عَوَّلَت شَفراتُهُ في مَعركٍ / إِلّا وَأَحدَثَ رَنّةً وَعَويلا
هُوَ أَبيَضٌ مِثلُ القِرابِ يَظُنّه / ظَنّ الحَقيقة مُغمَدا مَسلولا
قَد طالَما فَل الجُيوشُ وَغادَرَت / تِلكَ الفُلولُ بِمضرِبَيهِ فُلولا
جادَ الإِمامُ بِها لِرَبِّ فضائِلٍ / لَم يُلفِهِ بفَضيلَةٍ مَفضولا
مَلِكٌ إِذا وَقَفَ المُلوكُ أَمامَهُ / وَسَمَت شِفاهُهُمُ الثَرى تَقبيلا
إِن تَلقَهُ تَلقَ الجَنابَ مُوَسَّعا / وَالوَجهَ طَلقاً وَالعَطاءَ جَزيلا
أَعلى مِنَ الشُهبِ المُنيرةِ مَنزِلا / وَأَعَزَّ مِن مَأوى اللُيوثِ نَزيلا
يا عاشِقَ الرُمحِ الأَصَمِّ كُعوبُهُ / يَومَ الوَغى لا الكاعِبَ العُطبولا
في كُلِّ يَومٍ أَنتَ باعِثُ تُحفَةٍ / تُفني اللُها وَتُحَيِّر المَعقولا
خَيلٌ تُقادُ وَجُنَّفٌ قَد أَوقِرَت / زِنَةَ الجِبالِ سُرادِقاً مَحمولا
بَهَرَ العُيونَ وَحَيَّرَت حَجَواتُهُ / أَهلَ البِلادِ خَلائِقاً وَقُيولا
حَسبُ الإِمامِ فَضيلَةً مِن شَدِّها / ظِلاً عَلى رَأسِ الإِمامِ ظَليلا
بُنِيَت إِزا تِلكَ القُصورِ وَأَكثَروا / مِن حَولِها التَكبيرَ وَالتَهليلا
هِيَ جُنَّةٌ نُصِبَت هُناكَ وَذُلِّلَت / حَولَ الإِمامِ قُطوفُها تَذليلا
وافَت وَقَد وُلِدَ السَليلُ فَبَشَّروا / بِمَسَرَّتَينِ هَدِيّةً وَسَليلا
كانَت مُبارَكَةَ الحُلول وَأَعقَبَت / شَرَفاً أَحِلَّ مِنَ النُجومِ حُلولا
إِن جَل ما أَهدى الأَميرُ فَإِنَّهُ / أَهدى جَليلاً وَاستَعادَ جَليلا
واصَلتَهُم بِحُباكَ حَتّى إِنَّهُم / حَقَروا بِهَذا النَيلِ ذاكَ النِبلا
وَرَأَوكَ أَوفى أَهلِ دَهرِكَ ذِمَّةً / وَأَصَحَّ مِيثاقاً وَأَصدَقَ قِيلا
لَو أَنَّهُم جَعَلوكَ في أَبصارِهم / شُحاً عَلَيكَ لَكانَ فيكَ قَليلا
لِلّهِ دَرُّكَ أَيُّ سَيِّد مَعشَرٍ / سُعدوا بِسَعدِكَ صِبيَةً وَكُهولا
أَلبَستَهُم مِما صَنَعتَ جَلائِباً / سَحَبوا لَها فَوقَ النُجومِ ذُيولا
فَاسلَم لَهُم فَلَقَد بَنيتَ عَروشَهُم / لا باتَ عَرشُكَ فِيهِمُ مَثلولا
لا زالَ سَعيُكَ مَقروناً بِهِ الرَشَدُ
لا زالَ سَعيُكَ مَقروناً بِهِ الرَشَدُ / وَطُولُ عُمرِكَ مَعموراً بِهِ الأَبَدُ
يا بَحرَ جُودٍ إِذا جادَت غَوارِبُهُ / فَكُلُّ بَحرٍ سِواهُ في النَدى ثَمَدُ
كَم مِن يَدلَكَ عِندَ المَجدِ قَد غَرَسَت / مَكارِماً ما لِمَخلوقٍ بِهِنَّ يَدُ
يَنتابُكَ الناسُ أَفواجاً فَتُصدِرُهُم / عَن مَورِدٍ غَيرِ مَذمومٍ إِذا وَرَدُوا
وَيُصبحُ القَومُ يَهدِي مِن حَدِيثِهمُ / إِلَيكَ حَمداً بَعيداً كُلَّما بَعُدُوا
أَمُّوا نَداكَ ففازُوا بِالَّذي طَلَبوا / وَفُزتَ مِنهُم بِما أَثنَوا وَما حَمَدوا
مِن كُلِّ مُجتَهدٍ يُثني وَأَنتَ لَهُ / فيما بَذَلتَ مِنَ الإِحسانِ مُجتَهِدُ
مَنَّت عَلَيكَ بِهِ البَيداءُ وَاِبتَدَأَت / فِعلاً جَميلاً إِلَيهِ العِرمِسُ الأُجُدُ
وَفِتيَةٍ أنجَدَت في المُقفِراتِ بِهِم / عَرامِسٌ طالَ مِن إِنجادِها النُجُدُ
أَسرَت يُغَمِّضُ طُولُ السَيرِ أَعيُنها / وَطالَما كَفَّ عَن أَبصارِها الرَمَدُ
تَلقى السِياطَ بِأَقرابٍ مُلَحَّبَةٍ / مِثلَ السِياطِ مِنَ الوَخدِ الَّذي تَخِدُ
مَجهولَةُ البِيدِ لَم يُمدَد بِها طُنُبٌ / مِنَ الغَريبِ وَلَم يُضرَب بِها وَتِدُ
كَأَنَّما الآلُ فيها حينَ تَنظُرُهُ / يَمٌّ وَمَوّارُها مِن فَوقِهِ زَبَدُ
ضَلُّوا بِها فَهَداهُم في الدُجى مَلِكٌ / جَبِينُهُ مِثلَ نُورِ الشَمسِ يَتَّقِدُ
أَغَرُّ لا يَقصِدُ القُصّادُ نائِلَهُ / إِلّا وَيَغمرُهُم مَعرُوفُ مَن قَصَدُوا
مِن آل مِرداسَ خَيرِ الناسِ إِن رَحَلَوا / وَإِن أَقامُوا وَإِن غابُوا وَإِن شَهِدُوا
تَلقى النَدى وَالرَدى فيهم فَقَد عُرِفُوا / بِالصِدقِ إِن أَوعدُ وَاشَرّاً وَإِن وَعَدُوا
شُمُّ العَرانينِ في آنافِهِم أَنَفٌ / عَنِ القَبيحِ وَفي أَعناقِهم صَيَدُ
إِن تَلقَهُم تَلقَ مِنهُم في مَجالِسِهِم / قَوماً إِذا سُئِلُوا جادُوا بِما وَجَدُوا
نالُوا السَماءَ وَحَطّوا مِن نُفوسِهِم / إِنَّ الكِرامَ إِذا اِنحَطُّوا فَقَد صَعَدُوا
مُحَسَّدُونَ وَلَو لَم يَعلُ قَدرُهُم / عَن قَدرِ كُلِّ جَليلِ القَدرِ ما حُسِدُوا
بَنى المُعِزُّ لَهُم غَيطاءَ مُشرِفَةً / في العِزِّ لَم يَبنِها مِن قَبلِهِ أَحَدُ
يا عُدَّةَ الدَولَةِ القِرمُ الَّذي فَعَلَت / أَفعالَهُ الغُرُّ مالا تَفعَلُ العُدَدُ
جُزِيتَ مِن والِدٍ خَيراً عَلى نِعَمٍ / حَصَّلتَها فَتَلَقّى دَرَّها الوَلَدُ
وافى لِيَنعَمَ فيما قَد كَسِبتَ لَهُ / وَالشِبلُ يَأكُلُ مِمّا يَفرِسُ الأَسَدُ
فَاسلَم لَهُ وَلِثَغرٍ بِتَّ تَكَلأُهُ / مِنَ العَدُوِّ كَلاكَ الواحِدُ الأَحَدُ
وَلا خَلا مِنكَ لا سَمعٌ ولا بَصَرٌ / وَلا سَريرٌ وَلا قَصرٌ وَلا بَلَدُ
لَو شِئتِ أَقصَرتِ مِن لَومي وَمِن عَذَلي
لَو شِئتِ أَقصَرتِ مِن لَومي وَمِن عَذَلي / فَالدَهرُ قَسَّمَ يَومَيهِ عَلَيَّ وَلي
لا تَحسَبِيني أَغُضُّ الطَرفَ مِن جَزَعٍ / فَالحُزنُ لِلخَودِ لَيسَ الحُزنُ لِلرَّجُلِ
كَم قَد عَرَتني مِنَ الأَيّامِ نائِبَةٌ / فَما اكتَرَثتُ لِرَيبِ الحادِثِ الجَلَلِ
إِنّا لَقَومٌ إِذا اِشتَدَّ الزَمانُ بِنا / كُنّا أَشَدَّ أَنابيباً مِن الأَسَلِ
يُبكى عَلَينا وَلا نَبكي عَلى أَحَدٍ / لَنَحنُ أَغلَظُ أَكباداً مِنَ الإِبِلِ
مِن مَعشَرٍ تَعصِفُ الأَهوالُ حَولَهُمُ / فَما يُراعُونَ عَصفَ الريحِ بِالجَبَلِ
خَيرُ الوَرى آلُ مِرداسٍ وَأَطهَرُهُم / مِنَ العُيوبِ وَأَبراهُم مِنَ الزَلَلِ
إِن تَلقَهُم تَلقَ مِنهُم في مَجالِسِهِم / شُمَّ العَرانين ضَرّابينَ لِلقُلَلِ
بِيضُ الوُجُوهِ إِذا لاحَت وَجُهوهُهُمُ / في حِندِسِ اللَيلِ جَلَّوا ظُلمَةَ الطَفَلِ
لا يَقلَقُونَ لِخَطبٍ مِن زَمانِهُم / ولا يَبيتُونَ سُهّاداً مِنَ الوَجَلِ
وَلا تَراهُم وَنارُ الخَطبِ مُوقَدَةٌ / صُمّاً إِذا ما دَعى الداعي مِنَ الفَشَلِ
رُوحي فِدىً لَهُمُ قَوماً إِذا وُزِنُوا / مالوا عَلى الناسِ مَيلَ الحَلي بِالعَطَلِ
يا أَكرَمَ الناسِ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمٍ / وَأَشجَعَ الناسِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلٍ
أَنتَ الغَمامُ الَّذي يَهمي بِلا ضَجَرٍ / أَنتَ الجَوادُ الَّذي يُعطي بِلا بُخُلِ
أَنتَ الَّذي ما جَلَبتَ الخَيلَ ساهِمَةً / إِلّا وَزَلزَلتَ أَهلَ السَهلِ وَالجَبَلِ
لَو كانَ يُمكِنُ أَن نَخباكَ مِن أَلَمٍ / يُخشى خَبَيناكَ في الأَحداقِ وَالمُقَلِ
يَفدي المُعِزَّ رِجالٌ قَلَّ خَيرُهُمُ / كَما يَقِلُّ نَباتُ الماءِ في الوَشَلِ
لَيتَ المُلوكَ لَهُ مِمّا عَرا بَدلٌ / وَإِن هُمُ لَم يُساوُوا قِيمَةَ البَدَلِ
جَميلُكَ لا يَجزيهِ شُكري وَلا حَمدي
جَميلُكَ لا يَجزيهِ شُكري وَلا حَمدي / وَرِفدُكَ أَغنى قَبلَ رِفدِ ذَوي الرِفدِ
وَتُسدي إِلَيَّ الفَضلَ مِن كُلِّ وجهَةٍ / وَجاهُكَ بَينَ الخافِقَينِ هُوَ المُسدي
كَرُمتَ فَأَكسَبتَ العَبيدَ كَرامَةً / فَمِن شَرَفِ المَولى أَتى شَرَفُ العَبدِ
وَلَولاكَ لَم يُعرَف مَكاني وَلَم يَطُل / لِساني وَلَمَ تُخصِب يَفاعي وَلا وُهدي
وَقَد كُنتُ مَقبوضَ اليَدَينِ عَنِ الغِنى / فَطَوَّلتَ باعي بِالجَميلِ الَّذي تُسدي
وَكَثَّرت حُسّادي وَثَمَّرتَ نِعمَتي / وَذَلَّلتِ لِي دَهرِي وَأَوضَحتَ لي رُشدي
وَأَغنَيتَني حَتّى كَأَنَّكَ ضامِنٌ / لِنَسليَ أَلّا يَعدَمُوا ثَروَةً بَعدي
وَقَد كُنتُ في ضَنكٍ مِنَ العَيشِ بُرهَةً / فَأَصبَحتُ مِن نُعماكَ في عِيشَةٍ رَغدٍ
وَرى بِكَ زندي بَعدَما كانَ مُصلِداً / وَأَورَقَ غُصني بَعدَما كادَ أَن يُكدي
وَقَد مَلَأَ الآفاقَ حَمدي وَكُلَّما / حَمَدتُكَ زادَت مكرُماتُكَ عَن حَمدي
سَأُجهِدُ نَفسي في الثَناءِ وَلَيتَني / جَزَيتُ يَسيراً مِن جَميلِكِ في جُهدي
أَبا صالِحٍ أَصبَحتَ فَرداً وَأَصبَحَت / مَعاليكَ أَفراداً مِنَ الصَمَدِ الفردِ
ضَميرُكَ لِلتَقوى وَسَعيُكَ لِلعُلى / وَمالُكَ لِلنُعمى وَعُمرُكَ لِلمَجدِ
إِذا ما زَحَمتَ الجَيشَ بِالجَيشِ مُيِّلَت / مُتُونُ الأَعادي عَن مُتُونِ القَنا المُلدِ
شَكَتكَ الوَغا مِما تَشِبُّ سَعِيرَها / وَمِمّا تَلُفُّ الضُمَّرَ الجُردَ بِالجُردِ
وَمِمّا تَسُدُّ الجَوَّ في كُلِّ مَعرَكٍ / وَتُردي العِدى وَالخَيلُ شازِبَةً تُردي
حَوَيتَ العُلى مُذ كُنتَ طِفلاً وَمُهِّدَت / بِكَ الأَرضُ مُذ لُفَّت ثِيابُكَ في المَهدِ
فِداكَ جَميعُ العالَمينَ مِنَ الرَدى / فَإِنَّ الَّذي يُفدى نَظيرُ الَّذي يَفدي
وَقَفتُ فَأَبدَيتُ الثَناءَ وَإِنَّني / أُسِرُّ مِنَ الإِخلاصِ أَضعافَ ما أُبدي
فَلا حُبَّ إِلّا دُونَ حُبِّي وَصُحبَتي / وَلا وُدَّ إِلّا دُونَ ما صَحَّ مِن وُدِّي
حَياتُكَ أَشهى في فُؤادي مِنَ التُقى / وَشُكرُكَ أَحلى في لِساني مِنَ الشَهدِ
فَعِش لا خَلا مِنكَ الزَمانُ وَلا خَلَت / قَصُورُكَ مِن عزٍّ مُقيمِ وَمِن سَعدِ
بِصِحَّةِ العَزمِ يَعلُو كُلُّ مُعتَزِمِ
بِصِحَّةِ العَزمِ يَعلُو كُلُّ مُعتَزِمِ / وَما جَلا غَمَراتِ الهَمِّ كَالهِمَمِ
وَالعِزُّ يُوجَدُ في شَيئَينِ مَوطِنُهُ / إِمّا شَباةُ حُسامٍ أَو شَبا قَلَمِ
وَأَعرَفُ الناسِ بِالدُنيا أَخُوفِطَنٍ / لا يَنظُرُ اليُسرَ إِلّا مَنظَرَ العَدَمِ
غِنى اللَئيمِ الَّذي يَشقى بِهِ عَنَتٌ / وَفاقَةُ الحُرِّ مَنجاةٌ مِنَ السَقَمِ
يَزدادُ ذُو المالِ هَمّاً بِالغِنى وَأَذىً / كَالنَبتِ زادَت أَذاهُ كَثرَةُ الرِهَمِ
كُن مَن تَشاءُ وَنَل حَظاً تَعيشُ بِهِ / فَالخِصبُ في الوُهدِ مِثلُ الخِصب في الأَكَمِ
لَيسَ الحُظُوظُ وَإِن كانَت مُقَسَّمَةً / بِناظِراتٍ إِلى جَهلِ وَلا فَهَمِ
لا يُنقِصُ الحُرَّ ما يَعدُوهُ مِن جِدَةٍ / وَلا تَحُطُّ كَريماً قِلَّةُ القِسَمِ
فَخرُ الفَتى كَثرَةُ الأَرزاءِ تَطرُقُهُ / وَالسَيفُ يَفخَرُ في حَدَّيهِ بِالثُلَمِ
مَن ذَمَّ عَيشاً فَإِنّي شاكِرٌ زَمَني / وَالشُكرُ ما زالَ قَوّاماً عَلى النِعَمِ
طَلَبتُ مِنهُ كَريماً أَستَجِنُّ بِهِ / فَخَصَّني بِنَبيِّ الجُودِ وَالكَرَمِ
بِماجِدٍ مِن بَني الشَدادِ شَدَّ بِهِ / أَزري وَأَحيا بِهِ ما ماتَ مِن حِكَمي
وَصانَ وَجهي فَلَم يُبذَل إِلى أَحَدٍ / وَصَونُهُ ماءَ وَجهي مِثلُ صَونِ دَمي
مَولىً بَداني بِنُعماهُ وَأَلبَسَني / ثَوبَ الصَنيعَةِ قَبلَ الناسِ كُلِّهِمِ
وَكُنتُ مَيتاً فَما زالَت مَواهِبُهُ / تَرُدُّ حَو بايَ حَتّى أَنشَرَت رَمَمي
فَتَى يَكرُّ عَلى الإِقتارِ نائِلُهُ / وَالكَرُّ في الجُودِ مِثلُ الكَرِّ في البُهَمِ
مُجَرِّدٌ لِلهَوادي مُرهَفاً خَذِماً / وَبَينَ جَنبَيهِ مِثلُ المُرهَفِ الخَذِمِ
حَيثُ الذوابِلُ مُحمَرٌّ أَسِنَّتُها / كَأَنَّما صَبَغُوا الخُرصانَ بِالعَنَمِ
يَعلو السَريرَ فَيَعلُو ظَهرَهُ مَلِكٌ / يَداهُ أَنفَعُ في الدُنيا مِنَ الدِيَمِ
شِم كَفُّهُ فَهِيَ كَفٌّ كَفَّ نائِلُها / بَوائِقَ السَنواتِ الغُبرِ وَالقُحَمِ
إِنَّ اللِثامَ الَّذي مِن تَحتِهِ قَمَرٌ / عَلى فَتىً خَيرِ مُعتَمٍّ وَمُلتَثِمِ
مُبارَكُ الوَجهِ يُستَسقى بِرُؤيَتِهِ / وَيَهتَدي بِسَناهُ الرَكبُ في الظُلَمِ
حَمى العَواصِمَ بِالخَطِّيِّ فَامتَنَعَت / وَالأُسدُ تَمنَعُ ما تَأوي مِنَ الأَجَمِ
وَأَمَّنَ الشامَ حَتّى الناسُ في دَعَةٍ / كَأَنَّهُم مِن صُروفِ الدَهرِ في حَرَمِ
مُرَدَّدُ الحَمدِ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ / كَما تَرَدَّدَتِ الأَسماءُ في الأُمَمِ
مِن مَعشَرٍ خَلُصَت أَعراضُهُم وَزَكَت / أُصُولُهُم مِن قَبيحِ الظَنِّ وَالتُهَمِ
شُمِّ العَرانينِ وَهّابينَ ما كَسَبُوا / مِنَ الصَوارِمِ ضَرّابينَ لِلقِمَمِ
بَنى الأَميرُ لَهُم عِزّاً إِذا اِنهَدَمَت / قَواعِدُ الدَهرِ أَمسى غَيرَ مُنهَدِمِ
نامَ المُلوكُ عَنِ العَلياءِ وَهوَ فَتىً / مُذ هَمَّهُ طَلَبُ العَلياءِ لَم يَنَمِ
لَو كُنتُ أَنصَفتُ لَمّا جِئتُ مادِحَهُ / لَكانَ خَدّي مَشى بِالطِرسِ لاقَدَمي
جَهِلتُ حَقَّ المَعالي أَن أَقُومَ بِها / لَدى الأَمِيرِ وَلَيسَ الجَهلُ مِن شِيَمي
سَلامٌ يُثقِلُ البُزلَ النَواجي
سَلامٌ يُثقِلُ البُزلَ النَواجي / وَتُمرِعُ مِنهُ مُمحِلَةُ الفِجاجِ
عَلى مَلِكٍ يُفاجِئُ كُلَّ خَطبٍ / فَيَقهَرُ بِالعَزيمَةِ مَن يُفاجي
أَعَفُّ الناسِ مُعتَجِراً بِبُردٍ / وَأَبهى الناسِ مُعتَصِباً بِتاجِ
يَفيضُ بَنانُهُ وَالغَيثُ مُكدٍ / وَيُشرِقُ وَجهُهُ وَاللَيلُ داجي
غَنِيٌّ بِالعُلى عَن كُلِّ وَصفٍ / كَما اِستَغنى النَهارُ عَنِ السِراجِ
يَجِلُّ عَن المَديحِ وَأَيُّ مَدحٍ / مَدَحتَ بِهِ المُعِزَّ فَأَنتَ هاجي
فَلا يَغرُركَ مِنهُ لَيانُ خُلقٍ / فَكَم ماءٍ يُغرِّقُ وَهوَ ساجي
كَريمُ الوالِدَينِ تَجاذَبَتهُ / عُروقٌ غَيرُ فاسِدَةِ المِزاجِ
أَبا العُلوانِ يا مَن لا أُحابِي / بِحَقٍّ في هَواهُ وَلا أُداجي
أَتاني مِنكَ غِبَّ العِيدِ عَتبٌ / صَدَعتَ بِهِ الحَشا صَدعَ الزُجاجِ
وَأَزعَجَني فَأَزعَجتُ القَوافي / إِلَيكَ لِفَرطِ ذاكَ الإِنزِعاجِ
وَضاقَ بيَ الفَضاءُ وُرُبَّ ضِيقٍ / يَؤُولُ إِلى اتِّساعٍ وَانفِراجِ
أَتَحسَبُني شُغِلتُ وَأَيُّ شُغلٍ / سِوى شُغلِي بِمَدحِكَ وَابتِهاجي
وَنَظمُ غَرائِبِ الكَلِمِ اللَواتي / يَبينُ بِهِنَّ عُذري وَاِحتِجاجي
فَكُن بِي مُحسِناً ظَنّاً فَقَلبِي / لِوُدّكَ غَيرُ مُنغَلِقِ الرِتاجِ
وَدُونَكَ فَاِستَمِع نَجوى مُحِبٍّ / يُناجي مِنكَ أَكرَمَ مَن يُناجي
لِيُوضِحَ عُذرَهُ إِيضاحَ صُبحٍ / جَلَت أَنوارُهُ ظُلَمَ الدَياجي
فَأُقسِمُ لَو حَجَجتُ إِلَيكَ عاماً / لَما اِستَكثَرتُ ذاكَ عَلى حَجاجي
إِلى مَلِكٍ يَغيبُ سُرُورُ قَلبي / لِغَيبَتِهِ وَيَنقَطِعُ اِبتِهاجي
وَتَعتَلِجُ الصَبابَةُ في فُؤادي / لِفِرقَتِهِ أَشَدَّ الاعتِلاجِ
مَتى اِختَلَجَت بِقُربٍ مِنهُ عَيني / فَقَد قَرَّت بِذاكَ الاختِلاجِ
كَلاهُ اللَهُ مِن نُوَبِ اللَيالي / وَبَلَّغني الَّذي أَنا مِنهُ راجي
هُمُو ضَمِنُوا الوَفاءَ فَحينَ بانُوا
هُمُو ضَمِنُوا الوَفاءَ فَحينَ بانُوا / يَئِسنا أَن يَصِحَّ لَهُم ضَمانُ
وَهُم سَنُّوا خِيانَةَ كُلِّ حِبٍّ / فَكَيفَ عَجِبتَ مِنهُم حينَ خانُوا
طَلَبنا مِنهُمُ نَيلاً وَفَضلاً / وَغَيرُ النَيلِ يُحسِنُهُ الحِسانُ
فَما ضَرَّ الأَحِبَّةَ لَو أَعانُوا / مُحِبَّهُمُ وَمَنزِلُهُم معانُ
ذَكَرنا الشِعبَ فَاِنشَعَبُوا فَلَمّا / تَفاءَلنا بِذِكرِ البانِ بانُوا
لَقَد ظَفِرُوا فَما أَبقَوا عَلَينا / وَهَل يُبقي إِذا ظَفِرَ الجَبانُ
هُوِيناهُم فَقَد هُنّا عَلَيهِم / وَمُذ خُلِقَ الهَوى خُلِقَ الهَوانُ
رَعى اللَهُ الأَحِبَّةَ كَيفَ كُنّا / عَلى ما يَفعَلونَ وَكَيفَ كانُوا
إِذا نَزَلُوا رِعانَ البِشرِ قُلنا / سُقيتِ الغَيثَ أَيَّتُها الرِعانُ
وَجادَ ثَراكِ مُنهَمِرُ العَزَالي / كَأَنَّ البَرقَ في طَرَفَيهِ جانُ
تَكَشَّفَتِ الغَمامَةُ عَن سَناهُ / كَما كَشَفَت عَنِ الراحِ الدِنانُ
وَرُدَّ الجَوُّ مَصبوغَ النَواحي / كَما صَبَغَ الإِهابَ الزَعفَرانُ
يَقومُ لَهُ وَجُنحُ اللَيلِ داجٍ / خَطيبٌ ما لِمَنطِقِهِ بَيانُ
يُهَدهِدُ وَالنُجومُ مُغَوِّراتٌ / كَما ضَرَبَت مَزاهِرَها القِيانُ
إِذا ما ضَجَّ ثَجَّ الماءُ حَتّى / تَدَبَّجَ بِالرِياضِ الصَحصَحانُ
كَأَنَّ الحَيّ فارَقَه فَشابَت / لِفُرقَتِهُ مِنَ النورِ القُنانُ
وَأَصبَحَ كُلَّما بَكتِ الغَوادي / تَبَسَّمَ في رُباه الأُقحَوانُ
تَرى النُوّارُ يَرشَحُ ما سَقاهُ / كَما رَشَحَت وَدائِعَها الشِنانُ
إِذا هَبَّت بِمَنبِتِهِ النَعامى / تَأَرَّجَتِ الأَباطِحُ وَالمِتانُ
تَظَلُّ الحُقبُ عاكِفَةً عَلَيهِ / إِذا أَلوى لَهُنَّ الصِلِيانُ
وَطارَ مَعَ الصِفارِ بِكُلِّ فَجٍّ / بَقِيَّةُ ما اِكتَساهُ الأَيهَقانُ
وَمَرتٍ تَكذِبُ الأَبصارُ فيهِ / وَيَصدقُ ما يُحَدِّثُكَ الجَنانُ
تَبيتُ بِهِ الصِلالُ مُلفّفاتٍ / كَأَنَّ مُتونَهُنَّ الخَيزُرانُ
إِذا الحِرباءُ تَركَبُ مِنبَرَيهِ / كَما رَكِبَ اليَفاعَ الدَيدَبان
قَطَعتُ وَمِثلُ بَطنِ العَودِ فيهِ / مِنَ السِبتِ النَسائعُ وَالبِطانُ
بِعَودٍ لا يَزالُ يُهانُ حَتّى / يُناخَ بِمُدرِكِيٍّ لا يُهانُ
تَدينُ لَهُ المُلوكُ بِكُلِّ أَرضٍ / وَيَأبى أَن يَدينَ فَلا يُدانُ
سَقَت يَدُهُ العَنانَ فَكادَ يُجنى / وَيَحيي مِن نَدى يَدِهِ العِنانُ
تُنَحَّرُ في وَقائِعِهِ الأَعادي / وَتُنحَرُ في مَكارِمِهِ الهِجانُ
فَسَفكُ دَمٍ يَثورُ لَهُ عَجاجٌ / وَسَفكُ دَمٍ يَثورُ لَهُ دُخانُ
نَرى مِنهُ وَنَسمَعُ عَن سِواهُ / فَيُغنِينا عَنِ الخَبَرِ العِيانُ
ثَقيلُ الحِلم يَحمِلُ كُلَّ ثِقلٍ / فَنَعجَبُ كَيفَ يَحملُهُ الحِصانُ
يَكادُ الطِرفُ يَشكو ما عَلَيهِ / إِلَيهِ لَو يُطاوِعُهُ اللِسانُ
إِذا شَهِدَ الطِعانَ بِهِ ثَناهُ / وَقَد أَدمى ضَلِيَعيهِ الطِعانُ
بِحَيثُ تَرى الرِماحَ مُحَكَّماتٍ / كَأَنَّ خِطامَهُنَّ الأُرجُوانُ
إِذا طَعَنَ المُدَجَّجُ في قِراه / قرا ما في ضَمائِرِهِ السِنانُ
كَأَنَّ الرُمحَ حينَ يُسَلُّ مِنهُ / وِجارٌ سُلّ مِنهُ الأُفعُوانُ
لَقَد أَنسَيتَنا كِسرى وَأَنسى / حَديثَ إِوانِهِ هَذا الإِوانُ
إِذا ما حَلَّ شَخصُكَ في مَكامٍ / تَهَلَّلَ مِن تَهَلُّلكَ المَكانُ
وَلَمّا زادَ شَأَنُكَ في المَعالي / غَدا لِلشِعرِ وَالشُعَراءِ شانُ
لَئِن رُفِعوا لَقَد نَفَعوا وَلَولا / سُلوكُ العِقدِ ما اِنتَظَمَ الجُمانُ
إِذا صاغُوا مَديحاً فيكَ بَرّوا / وَإِن مالوا بِمَدحٍ عَنكَ مالوا
لَقَد لَيَّنتَ لي عودَ اللَيالي / فَأَبكَتني مِن العَيشِ الليانُ
وَأَغناني نَداكَ عَنِ البَرايا / فَوَجهي عَن سُؤالِهِمُ يُصانُ
إِذا ما جَلّ قَدرُكَ جَلَّ قَدري / وَلَولا الكَفُّ ما شَرُفَ البَنانُ
يَرُدُّ القائِلونَ إِلَيكَ قَولِي / كَما رَدَّ الكَلامَ التُرجُمانُ
وَلَو أَنّي شَكَرتُكَ كُلَّ شُكرٍ / لَما اِستَقصَيتُ ما ضَمِن الجَنانُ
وَلَو حَمّلتَني رُكنَي أَبانٍ / لَأَثقَلَني جَميلُكَ لا أَبانُ
هَناكَ العيدُ يا مَن كُلُّ عِيدٍ / بِهِ وَبِحُسنِ دَولَتِهِ يُزانُ
وَعِشتَ مِنَ الحَوادِثِ في أَمانٍ / فَأَنتَ منَ الحَوادِثِ لي أَمانُ
لَقَد حَسُنَ الزَمانُ وَأَنتَ فيهِ / وَلَولا أَنتَ ما حَسُنَ الزَمانُ
لَو أَنَّ مَن سَأَلَ الطُلولَ يُجابُ
لَو أَنَّ مَن سَأَلَ الطُلولَ يُجابُ / لَسَأَلتُ رَسمَ الدارِ وَهوَ يَبابُ
عَن مُزنَةٍ وَعَنِ الرَبابِ سَقاهُما / وَسَقى المَنازِلَ مُزنَةٌ وَرَبابُ
سُلَمِيَّتَين سَمِيَّتينِ نَماهُما / فَرعٌ لآلِ مُطَرِّفٍ وَنِصابُ
عَلِقَ الفُؤادُ هَواهُما وَزَواهُما / عَنهُ الفِراقُ وَشاحجٌ نَعّابُ
أَمَنازِلَ الأَحبابِ ما صَنَعَ البِلى / بِكِ مِثلَ ما صَنَعَت بِنا الأَحبابُ
نجلُ العُيونِ وَعُودُهُنَّ كَواذِبٌ / وَفِعالُهُنَّ خَديعَةٌ وَخِلاب
مِن كُلّ واضِحَة الجَبينِ كَأَنَّها / قَمَرٌ تَكَشَّفَ عَن سَناهُ حِجابُ
مُتَقابِلاتٌ لِلزِيارَةِ في الدُجى / خَفَراً كَما تَتَقابَلُ الأَسرابُ
وَلَهُنَّ عَتبٌ بَينَهُنَّ كَأَنَّهُ / عَسَلٌ يُقَطِّرُهُ السُقاةُ مُذابُ
يا صاحَبيَّ ذَرا العِتابَ فَذَوُ الهَوى / صَعبٌ عَلَيهِ قَطيعَةٌ وَعِتابُ
صَرَمَت أُمامَةُ حَبلَهُ وَانتابَهُ / بَعدَ الرُقادِ خَيالُها المُنتابُ
زارَت وَلَم تَكُنِ الزِيارَةُ عادَةً / إِنّي بِزَورَةِ طَيفِها مُرتابُ
يا طَيفُ كَيفَ سَخَت بِكَ ابنَةُ مالِكٍ / وَالصُبحُ نَصلٌ وَالظَلامُ قِرابُ
وَالجَوُّ مُشتَبِكُ النُجومِ كَأَنَّهُ / كَأسٌ عَلاهُ مِنَ المِزاجِ حَبابُ
مِن حَولِ بَدرٍ في السَماءِ كَأَنَّهُ / وَجهُ المُعِزِّ وَحَولَهُ الأَصحابُ
مَلِكٌ عَلَيهِ مِنَ المَحامِدِ حُلَّةٌ / وَمِنَ التُقى دُونَ الثِيابِ ثِيابُ
حُلوُ الشَمائِلِ عَذبَةٌ أَخلاقُهُ / وَكَذاكَ أَخلاقُ الكِرامِ عِذابُ
لا عَيبَ فيهِ سِوى السَخاءِ فَلَيتَهُ / يَبقى وَيَبقى بِالسَخاءِ يُعابُ
وَتَراهُ سَهلاً وَهوَ إِن خاشَنتَهُ / خَشِنُ العَريكَةِ يُتَّقى وَيُهابُ
لا تُغرَرَنَّ بِهِ فَتَحتَ قَميصِهِ / لِلكَيدِ أَرقَمُ ضالَةٍ مُنسابُ
لِلّهِ دَرُّ المُدرِكِيِّ فَإِنَّهُ / لِلحَمدِ مُنذُ عَرَفتُهُ كَسّابُ
لا حامِلاً حِقداً وَلا مُتَطَلِّباً / عَتباً لِصاحِبِهِ وَلا مُغتابُ
يا واهِبَ الدُنيا لِأَيسَرِ طالِبٍ / ما خابَ مِنكَ وَلا يَخيِبُ طِلابُ
دارُ المَعُونَةِ دِمنَةٌ مَدروسَةٌ / لِلناسِ فيها جِيئَةٌ وَذَهابُ
أَنعِم عَلَيَّ بِها لِعَشرَةِ صِبيَةٍ / هِبَةً فَأَنتَ المُنعِمُ الوَهّابُ
فهُم عَبيدُكَ لا أَخافُ عَلَيهِمُ / ظَمَأً وَبَحرُكَ زاخِرٌ عَبّابُ
وَاِفعَل كَما فَعَلَ الخَليفَةُ جَعفَرٌ / بِالبُحتُرِيِّ وَرَهطُهُ الأَنجابُ
أَقناهُمُ مالا يَبيدُ وَقابَلوا / ذاكَ الفَعالَ بِمِثلِهِ فَأَصابُوا
وَنَداكَ أَوسَعُ وَالَّذي أَنا قائِلٌ / أَبقى وَمالُكَ لِلعُفاةِ نِهابُ
وَلَقَد سَأَلتَكَ واثِقاً بِكَ إِنَّني / أَدعُوكَ عِندَ مَطالِبي فَأُجابُ
يابنَ الكِرامِ وَلَو سَأَلتُكَ عامِراً / لَوَهَبتَنيهِ فَكَيفَ وَهوَ خَرابُ
وَبِكُلِّ فَضلٍ مِن يَمينكَ طالِبٌ / وَلَرُبَّما تَتَفاضَلُ الطُلّابُ
وَأَنا الحَقيقُ وَلَو سَأَلتُ مَشَقَّةً / وَالخَيرُ عِندَ الخيِّرينَ يُصابُ
أَغنى عَلَيّاً صالِحٌ بِنَوالِهِ / قِدماً وَأَغنى قاسِماً وَثّابُ
وَمُفَضَّلٌ سَبَغَت عَلَيهِ لِفاتِكٍ / دُونَ المُلوكِ مَواهِبٌ وَرِغابُ
لَم يَترُكُوا لَهُمُ كَما أَنا تارِكٌ / لَكَ بَعدَ ما تَتَطاوَلُ الأَحقابُ
حَمداً كَحاشِيَةِ الرِداءِ مُحبَّراً / لا الحَضرُ تُحسِنُهُ وَلا الأَعرابُ
ما كُلُّ مَن صاغَ الكَلامَ بِماهِرٍ / فيهِ وَلا كُلُّ الجِيادِ عِرابُ
وَمِن النَباتِ ذَوابِلٌ وَمَعابِلٌ / وَمِنَ الحَديدِ أَخِلَّةٌ وَحِرابُ
تَفديكَ رُوحُ فَتىً تَبَسَّمَ رَوضُهُ / مِمّا سَقاهُ غَمامُكَ السَكّابُ
مِن بَعدِ ما قاسى الخُمولَ وَداسَهُ / دَوسَ الهَشيمِ زَمانُهُ اللعّابُ
كَم شاعِرٍ طَلَبَ العُلى فَتَقَطّعَت / مِن دُون مَطلَبِهِ بِهِ الأَسبابُ
غَيري فَإِني مُذ أَتَيتُكَ قاصِداً / ما اِستَدّ دُوني لِلفَوائِدِ بابُ
لي مِنكَ في خِصبِ الزَمانِ وَجَدبِهِ / مَرعىً أَغَنُّ وَرَوضَةٌ مِعشابُ
فَلأَشكُرَنَّكَ ما حَيِيتُ وَإِن أَمُت / شَكَرَتكَ بَعدَ بَنيّها الآدابُ
وَإَلَيكَ مُحكَمَةً إِذا هِيَ أُبرِزَت / خَطَبَت إِلى أَخَواتِها الخُطّابُ
تَسري كَما تَسري النُجومُ وَيَهتَدي / رَكبٌ بِساطِعِ نُورِها وَرِكابُ
وَلَها إِذا هَرِمَ الزَمانُ وَأَهلُهُ / عُمرٌ كَعُمرِكَ دائِمٌ وَشَبابُ
فَثَوابُها ما قَد عَلِمتَ وَرُبَّما / يَأتيكَ مِن دونِ الثَوابِ ثَوابُ
طَرَقَت بَعدَ مَوهنٍ أَسماءُ
طَرَقَت بَعدَ مَوهنٍ أَسماءُ / حينَ أَرخَت سُدولَها الظلماءُ
طَرَقَتنا وَاللَيلُ أَبهَمُ وَالبَي / داءُ مِن دونِ أَهلِها يَهماءُ
كَيفَ جابَت مَخاوِفَ البيد أَم كَي / فَ اطمَأَنَّت في سَيرِها البَيداءُ
وَفَيافي النَبِيِّ مِن دونِها الغُب / رُ وَمَوماةُ أَرضِها التَيهاءُ
وَجِبالُ السراةِ مِن دُونِ مَأتا / ها فَرَيّا فَرَدَّةٌ فالجِواءُ
فَاللِوى فَالأَحِزة العُقدُ مِن خَب / تَي زَرُودٍ فَالصَمدُ فَالخَلصاءُ
فَصُوى حَرَّةٍ وَأَرعَنُ في الجَوْ / و مُنيفٌ وَقُبَّةٌ عَنقاءُ
كَيفَ كانَ الوَفاءُ وَهِيَ مَدى الأَي / يامِ لا يُرتَجى لَدَيها وَفاءُ
قَد غَشِينا دِيارَها بِلِوى النَب / ر عَلَيها بَعدَ العَفاءِ عَفاءُ
وَبَكَينا دِيارَها وَهِيَ أَطلا / لٌ بَوالٍ لَو كانَ يُغني البُكاءُ
ثُمَّ مالَت بِنا المَطايا فَعاجَت / حينَ عاجَت بِرَكبِها الأَهواءُ
مُرزِماتٍ يَحنِنَّ وَالرَكبُ باكو / نَ فَهُم في الهَوى وَهُنَّ سَواءُ
زَعَمَ الخائِنُ المَوَدَّةِ أَنَّ ال / حُبَّ داءٌ لَهُ التَنائِي دَواءُ
وَهُوَ عارٌ عَلى الفَتى وَلَهُ عَن / ه إِذا أَزمَعَ الفِراقَ اِنتِهاءُ
إِنَّما العارُ أَن يُخلّى الهَوى / المَحضُ مُضاعاً وَأَن يُخانَ الإِخاءُ
وَلَقَد أشهَدُ الكَريهَةَ وَالجَو / وُ عَلَيهِ غَيابَةٌ طَخياءُ
لا غَذِيٌّ بِها وَلَكن جيادُ الخَي / ل تُهوى كما تُؤاخَى الظِباءُ
في مَكَرٍّ تَلقى بِهِ الشِبَعَ البِي / ض فَتُروى فيهِ الرِماحُ الظِماءُ
فَتكُهُم في العِدى وَرُبَّةَ يَومٍ / أَشرَفَت قَومَنا بِهِ النَعماءُ
ثُمَّ قُمنا إِلى اللّذاذَةِ وَالصَي / دِ وَما لِلنَهارِ بَعدُ اِعتِلاءُ
حَشوُ سَرجي إِذا تَبارَت بِنا ال / خَيلُ كُمَيتٌ رِفَلَّةٌ شَوهاءُ
ذاتُ لَونٍ حَيٍّ كَما اِمتَزجَ ال / صِرفُ بِهِ وَالمُدامَةَ الصَهباءُ
جانِباً لِلقَنيصِ أَشدَقَ غِربي / بابِفيهِ مَناصِلٌ أَسواءُ
قَصُرَ الظَهرُ مِنهُ فَانحَطَّ وَاِستَع / لى عَلَيهِ قُدّامُهُ وَالوَراءُ
وَتَعالت بِهِ الشَوامِتُ لَولا / الساقُ فيها تَجَنُّبٌ وَاِنحِناءُ
طالَ هادِيهِ كَالقَناةِ وَمالَت / أُذُنٌ فَوقَ رَأسِهِ غَضفاءُ
فاضِلُ الذَيلِ يَلحَقُ الأَرضَ لَولا / عُقَفٌ في كَحالِهِ وَالتِواءُ
وَيَميني تُقِلُّ أَشغى لَهُ صَد / رٌ رَحيبٌ وَمُقلَةٌ نَجلاءُ
يَنظُرُ الكامِنَ الخَفِيَّ وَما طا / رَ إِلى الجَوِّ فَاحتَساهُ الهَواءُ
ذُو جَناحَينِ طائِحَينِ مِنَ النِي / ق كَما طاحَ في القَليبِ الرِشاءُ
بَينَما نَحنُ بِالمِتانِ وَقَرنُ / الشَمسِ فيهِ عَنِ اليَمينِ إِياءُ
عَنَّ سِربٌ لَنا يَفيضُ بِهِ الفج / ج وَيَرمي بِنا إِلَيهِ الفَضاءُ
فَشَنَنّا المُضَرَّياتِ كَما شُن / نت عَلى الحَيِّ غارَةٌ شَعواءُ
فَاِنبَرَت تَكتُبُ الدِهاسَ بِأَيديها / كَما تَكتُبُ السِجِلَّ الإِباءُ
في قِتامٍ أَتُونَهُ يَحجُبُ السِر / ب كَما يَحجُبُ الفَتاةَ الخِباءُ
وَتَلاحَمنَ فَاعتَرَكنَ كَما تَف / عَلُ يَومَ الكَريهَةِ الأَعداءُ
ساعَةً أَو جَعَلنَ رَضراضَةَ الحَز / ن عَقيقاً مِمّا عَلَتهُ الدِماءُ
كُلُّ ضارٍ عَلى نَوازٍ مِنَ السِر / ب نَجَت لَو يَكونُ أَغنى النَجاءُ
وَإِذا الحَينُ حانَ لَم يَنفَعِ المُح / تالَ حَولٌ وَلا الجريَّ جِراءُ
وَفَلاةٍ كَأَنَّها لُجّةُ اليم / م عَلَيها مِنَ السَرابِ أَياءُ
تَغرقُ الشَمسُ في أَواذِيّها الغُر / ر وَتَرمي شَرارَها الرَمضاءُ
ذاتُ جِنٍّ إِذا اِعتَكَرَ اللَي / لَ أَلِيلٌ مُرَجَّعٌ وَغِناءُ
جُبتُها وَالظَلامُ قَد كَفَرَ الصُب / ح كَما يَكفُرُ الضَريبَ السِقاءُ
بِرِكابٍ عَلى رَكائِبِها رَك / ب خِفاقٌ كَأَنَّهُم أَفياءُ
قَد بَرَتهُم كَما بَرَتها الفَيافي / وَالسُرى وَالصَباحُ وَالإِمساءُ
طَلَبوا الفَضلَ حَيثُ يُلتَمسُ الفَض / ل وَراموا السَخاءَ حَيثُ السَخاءُ
إِنَّما الجودُ وَالمُعِزُّ حَليفا / ن فَما فيهِما لِخَلقٍ مِراءُ
مَلِكٌ كُلُّ مالِكٍ خَلَقَ الخَل / لاق أَرضٌ تُداسُ وَهوَ سَماءُ
مِن صَميمِ الفَخارِ وَالكَرَمِ المَح / ض الَّذي هُجِّنَت بِهِ الكُرَماءُ
قَصَّرَ الآخِرونَ عَن بُعدِ مَسعا / هُ وَضَلّت عَن سُبلِهِ القُدَماءُ
لا اليَمانيُّ تُبَّعٌ كانَ شَروا / هُ وَلا قَيصَرٌ وَلا السَبّاءُ
يُدلِجُ الرَكبُ في الظَلامِ فَيَهدي / هم سَناً مِن جَبينِهِ وَضِياءُ
طاهِرُ الذَيلِ وَالخَلائِقِ لا يُز / رى عَلَيهِ الخَنا وَلا الكِبرِياءُ
مِثلُ صَفوِ الغَمامِ طَهَّرَهُ الل / ه فَلَم تَختَلِط بِهِ الأَقذاءُ
رُتَبٌ تَزحَمُ الكَواكِبَ العَي / يوقُ لا نِدٌّ لَها وَلا العَوّاءُ
يا ابنَ أَعلى المُلوكِ قَدراً وَيا أَك / رَمَ مَن ضَمَّ مَنكِبَيهِ الرِداءُ
كُلَّما اِستَوزَرَ الإِمامُ وَزيراً / حَمَدتَ حُسنَ رَأيُكَ الوُزَراءُ
ثُمَّ ماتُوا وَأَنتَ باقٍ عَلى الأَي / يام لا تَهتَدِي لَكَ الأَرزاءُ
فَتَمَلَّ الحَياةَ وَاخلُد فَلَولا / أَنتَ لَم يَجرِ في النَباتِ لماءُ
سَرَينا وَهَضبٌ مِن سَنِيرٍ أَمامَنا
سَرَينا وَهَضبٌ مِن سَنِيرٍ أَمامَنا / وَمِن خَلفِنا غُبرُ القِنانِ التَنائِمِ
فَلَمّا تَوسَّطنا اليَفاعَ وَأَشرَقَت / مَذانِبُ مِن لُبنانَ بيضُ العَمائِمِ
وَلاحَ لَنا مِيماسُ حِمصٍ وَأَعرَضَت / قُرونُ حَماة بِالحِرارِ الأَساحِمِ
وَجازَت كَفرَ طابَ بِلَيلٍ فَأَصبَحَت / بِسَرمينَ أَمثالَ الشِنانِ الهَزائِمِ
كَأَنّ تُرابَ الجَرزِ مِمّا تُثِيرُهُ / خَلوقٌ عَلى لَبّاتِها وَالقَوائِمِ
فلَمّا وَصَلنا المُدرِكيَّ ابنَ صالِحٍ / وَصَلنا إِلى باني عُروشِ المَكارِمِ
إِلى مَلِكٍ سَمحِ اليَمينَينِ سالِمٍ / مِنَ الذَمِّ لَكِن مالُهُ غَيرُ سالِمِ
لَهُ بَأسُ بِسطام وَنَخوَةُ حاجِبٍ / وَحِكمَةُ لُقمانٍ وَهباتُ حاتِمِ
مَناقِبُ شَتّى في كَريمٍ حَديثُهُ / عَلى الدَهرِ باقٍ بَعدَ ذِكرِ الأَكارِمِ
بَينَ اللَوى وَحَزِيزِ الأَجرَعِ العَقِدِ
بَينَ اللَوى وَحَزِيزِ الأَجرَعِ العَقِدِ / مَنازِلٌ أَخلَقَتها جِدّةُ الأَبَدِ
كَأَنَّها بَعدَ ما مُحّت مَعالِمُها / مامُحَّ لِلبَينِ مِن صَبري وَمِن جَلَدي
مَنازِلٌ طالَما طَلَّت عَقائِلها / دَماً جُباراً بِلا عَقلٍ وَلا قَوَدِ
مِن كُلِّ مَكحولَةِ العَينَينِ ما اكتَحَلَت / بِإِثمِدِ الحَضرِ بَل عُلَّت مِن الثَمَدِ
تَأَوَّدَت فَاِكتَسَت حُسناً وَأَحسَنُ ما / تَأَوَّدَ الفَنَنُ العالي مِنَ الأَوَدِ
ظَبيٌ تَعَوَّدَ قَتلَ الإِنسِ وَاعَجَباً / أَن يَقتُلَ الإِنسَ ظَبيٌ مِن بَني أَسَدِ
يا صاحِبيَّ سَقى رَبعاً بِكاظِمَةٍ / مَثَجِّجٌ مِن حَيِيِّ العارِضِ البَرِدِ
أَو يَكتَسي كُلُّ قُردُودٍ بِجَلهَتِه / ثَوباً مِنَ النَورِ لا ثَوباً مِنَ القَرَدِ
فَرُبَّ ساحِبَةِ الأَذيالِ خاطِرَةٍ / قَبلَ السَحابِ بِذاكَ السَفحِ وَالسَنَدِ
عُجنا عَلَيهِ المَطايا عَوجَةً قَدَحَت / نارَ الصَبابَةِ في قَلبٍ وَفي كَبِدِ
وَبَلدَةٍ كَسَراةِ الظَبي عارِيَةٍ / ذَعَرتُ غِيلانَها بِالعِرمِسِ الأُجُدِ
وَقُلتُ لِلرَّكبِ وَالأَنضاءُ لاغِيَةٌ / قَد بَلَّ أَكوارَها الإِنجادُ بِالنَجَدِ
خَلُّوا الثِمادَ فَإِنّي وارِدٌ بِكُمُ / بَحراً مِنَ الجُودِ طامي المَوجِ بِالزَبَدِ
وَقاصِدٌ خَيرَ مَقصودٍ وَمُنتَجِعٌ / ريفَ العَزيزَينِ مِن قَيسٍ وَمِن أُدَدِ
مُعِزَّ دَولَةِ عَدنانٍ وَأَيَّ فَتىً / فيهِ غَرائِبُ فَضلٍ لَيسَ في أَحَدِ
حامي الحَقيقَةِ في عِرنِينِهِ شَمَمٌ / وَنَخوَةُ اللَيثِ لا تَخلُو مِنَ العَنَدِ
مِن مَعشَرٍ أَصبَحَت غُراً مَناقِبُهُم / مِثلَ الكَواكِبِ لا يُدرَكنَ بِالعَدَدِ
بَنَوا لَنا بَيتَ عِزٍّ صَيَّروا عَمَداً / لَهُ الرِماحَ فَأَغنَوهُ عَنِ العَمَدِ
أَبناءُ مِرداسِ خَيرُ الناسِ ما وَعَدُوا / وَعداً فَأَبطاكَ وَعدَ اليَومِ خُلفُ غَدِ
تَوارَثُوا الفَخرَ فَالماضي إِذا مُنِيَت / لَهُ المَنِيَّةُ خَلىَّ الفَخرَ لِلوَلَدِ
لا خَلقَ أَكرَمُ مِنهُم حينَ تَقصِدُهُم / وَلا أَشَدُّ مِراساً بِالقَنا القُصُدِ
أَحلاسُ حَربٍ فَما يُربى صَغيرِهُمُ / إِلّا عَلى نَوفِ الضامِرِ العَنِدِ
إِنّي سُرِرتُ وَمِمّا سَرَّني لَكُمُ / مَوتُ الحَسُودِ بِما يَلقى مِن الكَمَدِ
عادُوا إلى خَير ما اِعتادُوا فَإِن سُئِلُوا / جادُوا وَذادُوا عَنِ الأَعراضِ بِالصَّفَدِ
تَمَلَّكُوا الرَقَّةَ البَيضاءَ وَاِنتَقَلوا / بِالعِزِّ مِن بَلَدٍ رَغدٍ إِلى بَلَدِ
مِثلُ السَحائِبِ ساقَ اللَهُ رَيِّقَها / إِلى ثَرىً لَم تَبِت مِنهُ عَلى خَلَدِ
إِن كُنتُ حُرّاً فَحَمدي دائِمٌ لَهُمُ / فَرضٌ عَلَيَّ كَحَمدِ الواحِدِ الصَمَدِ
صَبا قَلبي إِلى زَمَنِ التَصابي
صَبا قَلبي إِلى زَمَنِ التَصابي / وَأَبكاني المَشيبُ عَلى الشَبابِ
وَفي قَلبي شِهابُ أَسىً وَوَجدٍ / زَكيٌّ مِن فَتاةِ بَني شِهابِ
تُعَذِّبُني وَتَعلَمُ أَنَّ قَلبي / يَهيمُ إِلى مَراشِفِها العِذابِ
سَقَت دِيَمُ الرَبابِ إِذا اِستَهَلَّت / دِياراً مِن سُلَيمى وَالرَبابِ
وَلازالَت جَنوبُ الرِيحِ تُهدي / سَلاماً نَحوَ حَيِّ بَني جَنابِ
أَعاتِبَتي عَلى كَسبِ المَعالي / رُوَيدَكِ لا أَبالَكِ مِن عِتابي
فَإِنّي قَد كَسَبتُ جَميلَ ذِكرٍ / وَهَبتُ لَهُ مِنَ المالِ اِكتِسابي
وَعَلَّمَني المُرُوَّةَ مِن نَداهُ / أَبو العُلوانِ تاجُ بَني كِلابِ
كَريمٌ ما نَظَرتُ إِلَيهِ إِلّا / نَظَرتُ إِلى الغِنى مِن كُلِّ بابِ
أَمَولايَ الَّذي يُغني وَأُثني / فَذَلِكَ دابُهُ وَالشُكرُ دابي
أُطِيلُ لَكَ الثَناءَ فَما أُحاشي / وَأَمنَحُكَ الوِدادَ فَما أُحابي
كَثيرٌ حاسِدي سَهلٌ مَرامي / مَنيعٌ جانِبي خَضِلٌ جَنابي
زارَتكَ بَعدَ الكَرى زُوراً وَتَمويها
زارَتكَ بَعدَ الكَرى زُوراً وَتَمويها / ما كانَ أَقرَبَها لَولا تَنائيها
زارَت وَجُنحُ الدُجى يَحكي ذَوائِبَها / وَوَدَّعَت وَضِياءُ الصُبحِ يَحكيها
كَيفَ اِهتَدَت وَظَلامُ اللَيلِ معتكر / لَولا سَنا وَجهِها في اللَيلِ يَهديها
تَبَرقَعَت في الدُجى تُخفي مَحاسِنَها / فَلَم تَكَد سُدَفُ الظَلماءِ تُخفيها
رُوحي فِدىً لَكَ مِن طَيفٍ نَعِمتُ بِهِ / وَلَيلَةٍ بَلَّغَت نَفسي أَمانيها
ما كانَ أَطيبَها لَولا تَصَرُّمُها / عَنّا وَأَعجَبَها لَولا تَقَضِّيها
دَع ذا وَرُبّ شَطُونِ البِيدِ نازِحةٍ / غُبرٍ مَعالِمُها طُمسٍ مَوامِيها
كَأَنَّها وَالسَرابُ الضَحلُ يَرفَعُها / بَحرٌ مِنَ الآلِ طامٍ مَوجُهُ فِيها
قَطَعتُ أَجوازَها في ظَهرِ سَلهَبَةٍ / حُمٍّ شَوامِتُها صُمٍّ خَوافِيها
طالَت سَبائِلُها وَامتَدَّ حالِبُها / وَنافَ غارِبُها وَاِنقادَ هاديها
مِثلُ العُقابِ رَأَت صيداً بِشاهِقَةٍ / مِنَ الذُرى فَتَدَلَّت مِن أَعاليها
إِلى ثِمالٍ فَتى الدُنيا الَّذي يَدُهُ / مِثلُ السَحابِ إِذا اِنهلّت عَزالِيها
المُدركيِّ الحُميديِّ الَّذي شَهِدَت / لَهُ البَرِيَّةُ قاصِيها وَدانِيها
إِذا رَأَيتُم لَنا في المَجدِ شاهِقَةً / مَبنِيَّةً فَأَبو العُلوانِ بانِيها
رُوحي وَما مَلَكَت كَفِّي فِدى مَلِكٍ / يَختالُ شِعري بِهِ في مَنطِقي تيها
فَتىً يَهُونُ عَلَيهِ حينَ يَسأَلُهُ / عافيهِ أَن يَهَبَ الدُنيا بِما فيها
لا يَكنِزُ المالَ إِلّا بِالعَطاءِ لَهُ / وَخَيرُ مَن كَنَزَ الأَموال مُعطِيها
سَقى الحَيا الرَحبَةَ الفَيحاءَ مَسكَنَهُ / فَقَصرَها فَمُصَلّاها فَضاحِيها
إِلى السُرى حَيثُ تَنقادُ الجِبالُ لَهُ / مِن دَيرِها فَالأَعالي مِن رَوابيها
إِلى المُلَيحَةَ حَيثُ العَينُ جارِيَةٌ / مِنَ الصَباحِ إِلى جَلهَاتِ وادِيها
ذادَ العِدى بَأسُهُ عَنها وَشَرَّدَهُم / حَتّى الأُسودَ العَوادي مِن نَواحيها
يا من تَبِيتُ الرَعايا وَهِيَ شارِعَةٌ / مِن فَضلِهِ بَعدَ فَضلِ اللَهِ بارِيها
تَزيدُ فَخراً بِكَ الدُنيا إِذا نَظَرَت / إِلَيكَ أَنَّكَ فيها بَعضُ أَهليها
وَما دَرَت أَنَّها وَالخَلقَ واحِدَةٌ / وَأَنتَ يا كُلَّ خَلقِ اللَهِ ثانيها
كَم مِنَّةٍ لَكَ عِندي لَستُ أَكفُرُها / وَنِعمَةٍ أَنتَ بَعدَ اللَهِ مُولِيها
وَكَم نَظَمتُ لَكَ الأَوصافَ مُحكَمَةً / كَأَنَّها الدُرُّ تَمثيلاً وَتَشبيها
تَسيرُ شَرقاً وَغَرباً وَهِيَ ثابِتَةٌ / يَفنى الزَمانُ وَتَبقى لَيسَ يُفنيها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025