المجموع : 163
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ / لولاه مَا خَطَّتِ الأفلامُ بالكَلِمِ
قَدْ طار ذو العلمِ فَوْقَ النجم مرتفِعاً / وانحطّ ذو الجهلِ بالقاعاتِ والتُّخَمِ
لا يمتطي المجدَ بُطّال ولا ضَجِر / فالمجدُ بالجِدِّ لَيْسَ المجدُ فِي السَّأم
من طال بالعلم يوماً طلب مَسْكَنُه / يَا مُزنةَ العلمِ هَلاّ رَشْفَةً بفمي
يا ضيعةَ العُمر يَا للعُرب من ضَعةٍ / قَدْ هَدَّموا مَا بنى الآباء من هِمم
شادت حصونَ العُلى قِدْماً أوائلُهم / واليومَ من بعدِهم تبكي لبُعدهم
لم يبق بالأرض قاعٌ والسما حُبك / إِلاَّ بِهِ عَلَم من طودِ عِلْمِهِم
كم أيةٍ لهم فِي الفضلِ قَدْ كُتبت / فِي جبهةِ الدهرِ مثلَ النار فِي عَلَم
للهِ من سُورةٍ فِي المجد قَدْ قُرئت / للعُرب قَدْ كُتبت بالسيف والقلم
حَتَّى رأَوا فِي المَعالي لا تظيرَ لَهُم / ظنوا الأعاجمَ لا تعلو عَلَى القِمم
ناموا بعِزتهم فِي اللهو وانتبهتْ / قومٌ عزائمهُم فِي المجد لَمْ تنَم
أبدَياً لنا من غريبِ الصُّنْع مَا عَجَزتْ / عن صنعه حكمةُ اليونان من قِدَم
كم حكمةٍ من بني الإفرنج قَدْ خرجتْ / كَانَتْ عَلَى القلب لَمْ تَخْطر وَلَمْ تَرُم
قَدْ وُلدت من عوالي الفكرِ فانْتَشَأت / أبكارُ مَا طُمِثتْ فِي غابر الأمم
يَا حَسْرَتي لضياع العمر وأاسفي / كم صحتُ من غَمْرة فِي الجهل واندمي
أصبحتُ منتبِهاً والعيشُ فِي قلَقٍ / والنفسُ فِي فَرَق والقلب فِي ضَرَم
والصبحُ أَسْفر من فَوْديَّ منبثِقاً / بمحو بطُرَّته ليلاً عَلَى لِمَعي
فالمرءُ ينظر مَهْمَا عاش فِي زمنٍ / عَجائباً تترك الأفكارَ كالرِّمَمِ
ما ظنّ ذو بصرٍ أن الجماد لَهُ / نطقٌ بِهِ تَصْدَح الحِيطان بالنَّغم
حَتَّى تَرفَّع ذَاكَ التِّيلفونُ عَلَى / عرشِ الخلافةِ يشدو ناطقاً بفمِ
من عهدِ آدَم لَمْ نسمع بِهِ أبداً / كلا ولا سمعتْ أَدْناي من إِرَم
أَجزاءُ قَدْ رُكِّبت أَجْرامُ قَدْ حُمِّلت / رُوحاً من البرقِ لَمْ تنفخ بذي رَحِم
أَسلاكُه سَلَكت طُرْق الهُدى ورَقَتْ / أعلى المراتبِ بيتَ المجدِ والكرمِ
قَدْ حَلَّ مرتقِباً بالعز فِي حَرَمٍ / فامتد من حرمٍ سعياً إِلَى حرم
من مركزٍ بالعلى شِيدَتْ دَعائِمه / كم حَلَّه من عظيمِ القدر محترم
حَتَّى سما قصرَ تيمورٍ فحلَّ بِهِ / يُبدي لَهُ من بديع النُّطق مُنسجِم
قَدْ مدّ أسبابَه فِي كل مَسْطبةٍ / للسمع مسترِقاً من كل مُكتتَم
يحتا بالقصرِ مثل الصِّلِّ تحسبه / حَرْساً من الجِن وحَرْساً من الخَدم
يمشي بلا قدمٍ مشيَ العناكبِ فِي / عِيدانَ قَدْ نُصبت فِي القاع والأَكَمِ
يَرْنُو ويسمع لا عينٌ بِهَا بَصَر / كلا ولا أُذن تخشى من الصَّمم
إن كَانَ بالشرق أَوْ بالغرب من خبرٍ / يأتي بِهِ كوميض البرقِ فِي الظُّلَم
إني لأَحسُد هَذَا التَّيلفون عَلَى / مَا فاز من حضرة السلطان بالكرم
قَدْ صار من أقرب النُّدمان منزلةً / إذ حلَّ والملِكُ الميمون فِي حَرَم
يَا قائلاً ولسانُ الحالِ يُسْمِعُنِي / يَكفيك مدحُك هَذَا الشيم فاستقِمِ
امدحْ إماماً لقد عزّ الوجودُ بأنْ / يأتي مثيلاً لَهُ فِي العُرْب والعجم
قلت اقترحتَ عظيماً وانتدبتَ أخا / عجزٍ كذاك قَدْ استسمنتَ ذا ورم
لا يُحصَر المدحُ فيمن فِيهِ قَدْ حُصِرت / آياتُ مجدٍ وفضلٍ غير منقسِم
إِن جئت ممتدحاً قالت مكارمُه / أتيتَ نفسَك لَيْسَ الحصرُ من شِيمي
مدحِي لَهُ ببديع الغول مُحتقَر / كالبحرِ بالماء مستغنٍ عن الدِّيَمِ
قَدْ قَصَّرت هممُ المُدّاح عنه وَقَدْ / ضاقتْ لدى الفضل إحصائها هممي
قَدْ أُحكمت بالقضا آياتُ نشأتِه / إِذ قيل يَا فيصلٌ مَا شئتَ فاحتِكم
أَفضالُه والسَّجايا الغُرّ مشرِقة / كالشمس مسفِرةً والبدرُ فِي الظلم
ذو هيبةٍ بِنصلِ السَّعْد قَدْ قُرِنت / لو حارب الفَلك الدَّوّار منه رُمِي
عَزَّ الجِوارُ كما ذل النُّضَارُ لَهُ / فالمال مبتذَلٌ والجار فِي حَشَم
آباؤه فَخَرت كلُّ الملوك بِهِم / أَعْظِمْ بمفتخِرٍ بسمو بفَخْرِهم
هَذَا الَّذِي من عظيم الفَضل حَمَّلني / أطْوادَ لو أنها بالطُّور لَمْ يَفُم
لا زلتُ أَرسف فِي قيدِ الولا أبداً / لا فكَّ عنيَ ذَاكَ القيد من قدمي
فِي صَبْوتي بسُلوك الرِّقِّ منتظِمٌ / أستغفر الله كَيْفَ العِتقُ فِي هَرَمي
نفسُ الحياةِ حياةُ النفسِ مَشْهَدُه / والبعدُ عنديَ عنه أعظمُ النِّقَم
لا يسمح اللهُ أن أَرْمَى بسهمِ قِلىً / أقسمتُ بالله أن الرق من قِسَمي
إني تعوذت بالرحمنِ من زمن / قَدْ حَكَّم البينَ مَا بيني وبينهمِ
إن تَمَّ لي كل مَا أرجوه من أملٍ / فالشملُ بالمَلك السلطان من لَزَمي
فالفضلُ مبتدِئ فِيهِ ومختتِم / يَا حُسْنَ مبتدأِ فِيهِ ومختتم
خِيام العز تُقْرِيك السَّلامَا
خِيام العز تُقْرِيك السَّلامَا / سقاكِ الغيثَ سَحّاً وانْسِجاما
رحلْنا عنك لا نبغِي بَديلاً / ولا مِثْلاً وَلَمْ نُرِد انْصِراما
ولكنْ منك كي نزداد حباً / فزُرْ غِبّاً تَجِدْ حُباً مُداما
سَقانا الدهرُ كاساتِ التصابي / فعُمْنا البحرَ ننتشِق النُّعامى
بغلمانٍ يجرون المواشي / كَأَنَّ الليل يكسوهم ظلاما
طَفِقنا نقطع الدَّوّاء بحراً / وساقي الأُنس يُهدينا مُداما
كَأَنَّ الجوَّ شوبٌ زِبْرِجي / وظهرَ البحرِ من روض الخُزامَى
ظللنا نَصْطَبحْ كاساتِ أنس / تخالُ الدهرَ صَبّاً مُستَهاما
تطوف بِنَا المواشي قاطعاتٍ / أَديم البحرِ من رهْوٍ تَرامَى
تُجلِّلنا المهابةُ من مليكٍ / كَأَنَّ عَلَيْهِ من فرح ضِراما
فضَضْنا مجلسَ الإيناسِ بِكْراً / كَأَنَّ الدهر نَحْمِله غلاما
اليومَ حَقَّ ليَ الهَنا
اليومَ حَقَّ ليَ الهَنا / بَنتِ العُلى لي مَسْكنا
أصبحتُ بالخَلَوات أع / تنقُ المكارمَ دَيْدَنا
وأَمَجُّ ثغرَ الأنسِ من / شخصِ الوِصال إِذَا دنا
وأُغازل الآياتِ مر / تاضاً بِهَا متأبِّنا
حَسْبِي بِهَا شرفاً وحَسْ / بك أن تقول أنا أنا
يا مسكَنَ العَلياءِ طِبْ / تَ وطاب فيك من اعتنى
إن دمتَ لي سَكَناً فما / أَحْلى وأَطْيَب ذا الجَنَى
ما لي سوى نفسي فإنْ / حصل المُنَى زال العَنا
ما العيشُ إِلاَّ أن ترى / طيفَ الأحبة مَوْهِنا
أَوْ أن يزورَك شخصُه / فترى الجمال مُبرْهَنا
فلئِنْ ظفِرتَ بزورةٍ / بُشراك قَدْ نِلتَ المُنْى
فَارْبَعْ ليَهْنِك مَرْبعٌ / رحبُ الجوانبِ والفِنا
ما أَطْيبَ الساعاتِ إن / زار الحبيبُ وأحسنا
فالْهَجْ بذكرِ الحِبِّ إن / تَكُ بالصبابة مُعلِنا
واشربُ أُجاجَ الصبر واكْ / حَل بالسُّهادِ الأَعْيُنا
فبِذاك تَقْتنِص العُلى / ويطيب عيشُك بالهَنا
وترى الأملاكَ فِي / مَلَكوتها مُتيمِّنا
كقِران بدرِ التِّمِّ تي / مور المَليك إذ ابْتَنى
بُشْراك يَا زمن القِرا / نِ لقد علوتَ الأَزْمُنا
زمن تودُّ بِهِ النفو / س بأن يكون هو الدُّنا
فهناك يَا زمنٌ هنا / ك لقد شفيت من الضَّنَى
أطربتَ سمعي ناطقاً / سَجْعاً بديعاً بَيِّنا
وشجوتَني طرباً وَلَيْ / سَ يُمِيلني شَدْوُ الغِنا
لكن عجبتُ بأن شدو / تَ وكنت أخرسَ أَلْكَنا
وغدوتَ مَيّاداً كما / ماد النسيمُ الأَغْصُنا
ما كنت أعهد بالجما / د يكون ناطق أَلْسُنا
بُهِت الورى لما رأو / ك تهزُّ عِطْفاً لينا
لم يحسبوا أن السرو / ر يَروض طَرْفاً أحزنا
فانعمْ بمن شاد العُلى / لَكَ والمكارم قَدْ بنى
ملك تُطأْطِئ فِي عُلا / ه ذو الصَّوامل والقَنا
ما مُدّ طرفٌ فِي علا / ه شاخِصاً إِلاَّ انْثَنى
فَطِن يرى مَا فِي النفو / س من الظنون مُبَرْهَنا
سَبّاق غاياتٍ إِذَا / مَا قيل مَكْرُمةٌ رَنا
ذو همةٍ صعبُ الأمو / رِ يراه أمراً هينا
ذو عَزْمة لو قاطعتْ / شمَّ الجبالِ لأَوْهَنا
خَطَب المَعالي كي يحْل / لَ بِهَا فصارت موطنا
عَجَباً لَهُ طفلٌ بدَسْ / ت المُلك أضحى مُحْصِنا
رسختْ بوَطْأَته المما / لك واستقرتْ مَعْدِنا
ما حلَّ ساحتَه فتى / ذو حاجة إِلاَّ اغتنى
أخَذ المكارم عن أبي / ه فجَرَّ عنه مُعَنْعَنا
كم من يدٍ فِي العالمي / ن لَهُ حَبَتْهم بالغنى
فتَطَوَّقت أعناقُهم / من فضله حَتَّى أنا
فيهم سموْتُ وبهم علو / تُ وبه رَسَخْتَ تَمكُّنا
وبهم قررتُ بمَسْقَطٍ / وبهم سلوت المُنْحَنى
وبهم تركت من الزما / ن أحبَّني والموْطِنا
وبهم حَلا مُرُّ الزما / ن وزال مَا قَدْ أَحزنا
حَتَّى غدوتُ بفضلهم / عَلماً كأسْمَى أَمْكُنا
فهمُ شموسُ الدهرِ إِنْ / بالعُسرِ جَنَّ وأَدْجَنا
قطعوا بسيف الجود من / شُحّ الزمان الأَلسنا
وتَوَطَّنوا بدلَ القِبا / ب من المعالي مَسْكنا
هل ضَمَّت الأرضُ مليكاً مثل مَنْ
هل ضَمَّت الأرضُ مليكاً مثل مَنْ / قَدْ ضمت اليومَ بأَحْقابِ الزمَنْ
قد كَانَتْ الأرضُ رَهيناً تَحْتَه / واليوم أضحى فِي ثَراها مُرْتَهَنْ
خَلِّياني واتركاني أُبْكِهِ / جُمع الفضلُ بذَيَّاك الكَفَنْ
وابكيا عيناي مَهْمَا عشّما / واسْقيا أرضَ الفَيافي والدِّمنْ
ذهب السلوانُ عني وانبرتْ / أشجانُ خطبٍ قَدْ تَجلَّت بالحَزَن
يَا لَخَطْبٍ بالمعالي قَدْ دَهَى / لدَهاه لَمْ تذق عيني الوَسَن
قال أَرِّخ قلت أَضحى ثاوِياً / فيصلٌ تَحْتَ اللُّحود قَدْ سكن
مَا عسَى النفسُ أن تَنِي مَا عساها
مَا عسَى النفسُ أن تَنِي مَا عساها / لَيْسَ للنفس رادعٌ عن هَواها
تُورد المرءَ فِي المهالك عَسْفاً / عِيسُها الجهلُ والغُرور مُناها
بُسطتْ نعمةُ الإله عَلَيْهَا / فاستُفوتْ مدهوشةً فِي عُلاها
راقَها رونقُ الغرورِ فظنتْ / ملكَها الأرضَ والسماءَ سماها
هَذِهِ النفسُ دأبُها الظلم شَرْعاً / يَا لَنفسٍ مَا نَهاها نُهاها
هَذِهِ النفس إن تكن ذات وُسْعٍ / جَهِلت أن يكون ربٌّ سواها
هَذِهِ النفس فِي المهالك تلقى / مَا دَهاها سوى عظيم دَهاها
ما ثناها زجرُ الحوادثِ دهراً / مَا ثناها عن غَيِّها مَا ثناها
ويكِ يَا نفسُ فالليالي عِشار / كم عجيبٍ تَدُسُّه فِي خِباها
ويك يَا نفس والمنايا سِهام / فِي يد الدهر للنفوس خِباها
ويك يَا نفسُ لا يغرنّك زهوٌ / مثل مَا غَرَّ حِمْيراً فِي ذُراها
إن يكن بالعُلى رِيامٌ تعدَّت / فقَديماً فَخارُها لا يباهَى
حميرٌ ذِروة السَّنام من المج / د وأعلى الأَنام قَدْراً وجاها
شَيَّدت ركنَ مجدِها واطمأنتْ / فِي حِماها المنيعِ يَا لَحِماها
قِممٌ للعُلى بناها رِام / زادها حِمْيرٌ فأَعْلى بِناها
أَسَّس المجدُ ساسَها فاستقلتْ / بسَنا العزِّ والعُلى قدماها
فتوالتْ من الليالي عَلَيْهَا / حِقَبٌ تنقضي فعَزَّ بَقاها
حين عاثتْ بنو ريام فظلتْ / تخضب الأرضَ بالدماء يداها
لم تول تقطع المَسالك بَغْياً / كم نفوسٍ تسعى أراقت دماها
كم لُجينٍ وعَسْجَدٍ نهبتْه / حَلَّلت كل مَا يَحُلّ فِناها
كم نساءٍ حرائر الجيب بِيعتْ / كم يتيمٍ حُرٍّ يُباع شَقاها
ظل يدعو ويستغيث وكم قَدْ / بات من ظلمه يَعَضّ شِقاها
مُلئَ الصاع يَا ريام فهل فِي / وُسعِك اليوم مَا يرد قَضاها
هَذِهِ نُصرةُ الإله بكف ال / مَلك القَرْم قَدْ أُديرت رَحاها
حكّمته يدُ المقادير فيما / شاء يقضِي من الأمور قَضاها
ملكٌ لو يشاء للكون قَهْراً / مَلَّكته الملا جميعَ قُواها
سالمتْه يدُ الليالي وألقت / أبدعُ الكائناتِ طوعاً عَصاها
هو سِرُّ الإله فِي الخلق حتماً / هو عينُ الوجود نور سَناها
أخذتْه حَميةُ الدين لما / أَن طغت حميرٌ بشحم كُلاها
فأتتْهم عصائبُ الله تَتْرَى / بأمير يشَب حسَّ لَظاها
تنهبُ الأرض تهتِك العِرض / من أديم الجِبال صُمَّ حَصاها
فاستعدتْ بنو ريام وظنت / أنما الدهرُ لا يَفُلُّ قَناها
من لكِ اليومَ يَا ريام فهذِي / عُصبة الله والنفوسُ غِذاها
عصبةٌ سيفُ نقمةِ الله فِيهَا / رَكْبُها النصر والسيوف حِذاها
وعَد الله نصرَ كلَّ من قَدْ / نصر اللهَ نصرةً لا تضاهَى
فدَنا الرَّكْب ودَجا الخطْب وودتْ / كلُّ نفس تدنو لقهرِ عِداها
واستدارتْ رحى الحروب وولتْ / هرباً حمير تَدوس رِداها
وأَسود الشَّراةِ تزأر فِيهَا / مثلَما تزأر الليوثُ جِداها
والأميرُ المُطاع فِيهَا سليما / نُ بِهِ تَعقِد المعالي لِواها
ذلَّلت صعبَ كلِّ أَرْعَن منه / همةٌ ينطح النجومَ سَناها
فرأت منه مَا رأتْه نزار / لَمْ تُطِق دفعَ بأسِه عن قُراها
قَدْ غدتْ بعد بأسِها ذاتَ ذل / تطلب السِّلْم لا يَردُّ صَداها
كم تراها بالرغم تطلب عفواً / كم تنادِي فلا يُحاب نِداها
وأتته بنو سليم بذلٍ / تطلب العفوَ مذ رأت مَا غَشاها
كلُّ نفسٍ بِنَا تُقدِّم دهراً / سوف تُجزَى بما جنتْه يداها
ولَنِعْم الأمير حمدان لولا / إنما الظلم للنفوس بَلاها
غَصَب المالَ مالكيه وأضحى / يمنع المسلمين قهراً عَطاها
فأدارت رحى الخطوب عَلَيْهِ / كي تريه الخطوبُ مَا قَدْ أراها
نزعتْ ملكَه الحوادث قَسْراً / وسقته بالذل كأسَ طِلاها
وأتاه البِلى ببيت سليط / كَانَ فِي عزة فَحَلَّ عُراها
سَلَّم البيت عنوةً ثُمَّ ولَّى / يَعثر الذيل من أمور أتاها
هكذا الدهرُ يُمهل المرءَ عُذراً / ثُمَّ يُبدى عجائباً قَدْ طَواها
فجديرٌ بطاعة الله من قَدْ / وَليَ الفصل في أمور نَواها
أصبح الدهرُ فِي يديه زِماماً / لو أراد السماءَ سَكْناً رَقاها
فانعمِ البالَ مَا بقيت ودُم فِي / عزة أنت شمسُها وضُحاها
ما حَدا الركبُ فِي الفيافي وحَنَّت / رازماتُ الحُدا لنيل سناها
أو تنفست حمائم الجود منوقا / فيصل أنت للوفود غناها
عِهادُ سَقى ربعَ الأحبةِ هادِياً
عِهادُ سَقى ربعَ الأحبةِ هادِياً / مُلِثٌّ ألا يشفي القلوبَ الصَّواديا
سقيت وخليت القلوب شجيةً / فما لَكَ يَا غيثَ العِباد وَمَا ليا
أَيُتركُ وَلْهاناً يئنّ من الجوى / أخا شَغَفٍ عاري الأَشاجع باليا
فرُحماك يَا مُحْيي الرُّفات بشَرْبَةٍ / يعودُ بِهَا ماءُ المحبة جاريا
فأنت مُعيني يَا عِهاد عَلَى الهوى / فصِف حالتي أنت الخبير بحاليا
وإن أنت قاربتَ المَعاهد قل لَهَا / مَشوقٌ عَلَى عهد المحبة ثاوِيا
وقف عندها واسقِ العِطاش هنيئةً / وبَلِّغ شِفاها يَا عهاد سلاميا
عُريباً لهم فِي مُهْجتي وحُشاشَتي / ربوعٌ وقلبي لو كشفتَ فؤاديا
همُ غرسوا بَيْنَ الأَضالع والحَشَا / هواهم وفيهم لو علمت هوائيا
دعاني هواهم فاستجبتُ مُلبِّياً / وأصبحتُ فيهم قَدْ خلعت عِذاريا
حَنانيك يَا عهدَ الأحبة بالنوى / قتيلٌ فهبْ لي من لدنك التَّدانيا
أتنسى عهوداً فِي المحبة بَيْنَنا / وشرعُ الهوى لا يستبيح التناسيا
تنام وعيني بالسُّهاد قَريحةٌ / وليلي بعيد الجانبين تَنائيا
أنادي بيا وَيْلاه ظلماً هجرتني / لكيما يقولَ الناس صبٌّ مُناديا
بكاءٌ كنَوْح المُشكلاتِ وأَنَّةٌ / بكى منهما ليلي وأجرى المآقيا
أُسامر ليلِي بالأنين وبالبُكا / فيبكي سَميري رحمةً لبكائيا
ألا يَا سميري كن ليَ الدهرُ مُسعِداً / لعلك تُدني لي حبيباً جَفانيا
أأغراه واشٍ أم حظوظٌ تقاصَرتْ / فما كَانَ قِدْماً يستطيع المُواشيا
أَأَجني ذنوباً فِي هواه وأبتغي / رِضاه فما عذري إِذَا كنت جانيا
أظلُّ نهارِي ثُمَّ ليلِي مفكِّراً / ونُوّامُ ليلي لَيْسَ يدرون مَا بيا
أُناجي نجومَ الأَفْق والليل مُسبَل / وَقَدْ عشت دهراً للحبيب مُناجيا
أَخِلاّيَ إن كنتم تُداجون خُلّتي / فما كنتُ فيكم بالخليل المُداجيا
فبالله قولوا ثُمَّ قولوا لعله / برقّ لشكواكم حبيبٌ سَلانيا
فإن صَدَّ عني أَوْ تمادى فإنني / إِلَيْهِ محبٌّ لا أحب التَّماديا
فإما سَراحاً كي أَزُمَّ ركائبي / وإما وفاءٌ فالكريمُ الموافيا
شكوتُ ولو أني شكوت إِلَى الصَّفا / لَرَقَّ وأبدى للحبيب التشاكيا
فيا ليتهم لما تداعَوا إِلَى الجَفا / لكانوا قديماً يُظهرون التَّجافيا
ألا أَيُّها الأَخْدان تدرون حالتي / تضعالَوا فما شأنُ الحبيب وشانيا
أناديكمُ والنفسُ مني كليلة / أما منكمُ حيٌّ يُجيب ندائيا
تحيّرت فِي أمري فلم أر ملجأ / وَقَدْ عَزَّ صبري ثُمَّ ضاق خِناقيا
ففتشتُ من فِي الأرض طُراً فلم أجد / لأهوالِ دهري من يزيل عَنائيا
فأسرعت بالبيداءِ تهوِي قلائصي / إِلَى ملك فاق الملوك مَعاليا
إِلَى ملك أضحى الزمانُ بكفه / فيا لَكَ دهراً للمليك مُواليا
إِلَى من لَهُ تُحدى الركائب زُمَّلاً / سَواماً بجَدْواه تَؤُمُّ المَراعيا
إِلَى مَن يلوذ المُرْمِلون ببابه / إِذَا مَا دَهَتْهم بالزمان الدواهيا
إِلَى مَن بَنى فَوْقَ السِّماكَيْن منزلاً / وزاد بأعلى الفَرْقَدين مَبانيا
إِلَى سيدٍ ساد الورى بجلاله / فأضحى بنو الدنيا إِلَيْهِ مَواليا
إِلَى بهجةِ الدنيا وظِل أمانِها / ومن هو من جَور الزمان أمانيا
إِلَى فيصلٍ كهفِ الأنام كَفيلِهم / أشدِّهمُ بأساً وأعظم ناديا
أمنتُ بِهِ من كل بأسٍ وشدة / وأصبحتُ لا أخشى عدواً مُعاديا
كفيلٌ لأهل الأرضِ من كل حادثٍ / كفى اللهُ من أمسى كفيلاً وكافيا
نشأتُ بنُعماه حَميداً منعَّماً / فأُوقن بالنَّعماء مَا دمتُ نائيا
تجردتُ عن زيد وعمرو وخالد / وأصبحتُ فِي يُمناه أَلوِي عِنانيا
أمولايَ مَا لي غيرَ بابك ملجأٌ / فإنك بعدَ الله ذخراً مَلاذِيا
بلوتَ اصطبارِي واختبرتُ عزيمتي / فلم تلقَ إِلاَّ فِي رضاك ابتلائيا
أراني زماني من صدودِك حالةً / فما كنت أرجو منك مَا قَدْ أَرانيا
فقَيِّد ولائي مَا حييت وإن تُرِد / سراحِي فأطلِقْ بالجميل سَراحيا
بدائعُ دهرٍ قَدْ يروق لناظر / وأنت بذي الدنيا بديعُ زمانيا
هَذَا الحِمى فانزلْ عَلَى أرجائه
هَذَا الحِمى فانزلْ عَلَى أرجائه / فلَطالما صَدع الصَّفا ببكائِهِ
قَدْ شَفَّه ألمُ النَّوى فلَطالما / نَثَر الدموعَ بأرضه وسمائه
رَبْعٌ كَأَنَّ الساقياتِ بكفِّها / مسحتْه كي تُبرِيه من ضَرّائه
فغدا يحنُّ وذو الصبابة إن رأى / أثرَ الجفا يبكي لطول حَفائه
وكذا المنازلُ قَدْ تُساء بجارِها / من ضُرِّه وتُسَرّ من سَرّائه
والدهرُ يمرَض كالجسومِ ويشتفي / إن ساسَه بالعدل من أَكْفائه
يا منزلَ العظماءِ إن تك للنوى / تبكي فهجرُ الصَّب أعظمُ دائه
فلقد يُساء أخو الحِجَى بنعيمه / والعِزّ يَنْعَم فِي عظيم شفائه
فانعمْ بوصلٍ لا جفاءَ يَشُوبه / عَذُبت مَذاقَتُه بحسن صفائه
إن الكريم وإن تَطاوَل جَفْوُه / جادتْ مَكارمُه بقُرب وَفائه
وأخو الجَفاوة إن تخلَّق بالوفا / فالطبعُ يجذبه إِلَى بَلْوائِهِ
فامرحْ فذا غُصن الشَّبيبة قَدْ زَها / نَضِراً وعاد بِحسنه وبهائه
وارتدَّ عصرُ المجدِ فِي فلك العُلى / يعشو الضَّرير ببدره وذكائه
وانشقّ من أفق الخلافة فجرُها / فغدا الورى يعشو بنور ضيائه
طفح السرورُ وضاء نبراسُ الهدى / لما تجلّى البدر بعد خفائه
فلَرُبَّ يومٍ قَدْ نُساء بصُبحه / وغدا نُسَرّ بصُبحه ومَسائه
يتَعاقبان بِنَا صباحٌ مُسفِر / ودُجىً يظلُّ الركب فِي ظَلْمائه
وإِذا الزمانُ قَضى بشٌقةِ بينِه / ضمنتْ ثِقاتُ القربِ ردَّ قضائه
ما أبهجَ الأيامَ وهْيَ أَوانِسٌ / بمَليكها والدهرُ تَحْتَ لِوائه
والأرضُ تضحك والممالك سُجَّدٌ / تبكي سروراً فَرْحةً بلقائه
يومٌ بِهِ كمل السرورُ وأشرقتْ / شمسُ الممالك من ضياءِ سَنائه
يومُ بِهِ عاد المليك منعَّماً / بسريره وبملكه وعَلائه
فليَهْنَ عرشُ الملك فقد عادت بِهِ / روحُ الحياة وعاد فِي نَعْمائه
فارْبَعْ بِنَا يَا دهرُ إن زمانَنا / لَهُو الربيعُ وقفْ عَلَى أفنائه
فالمُلك أَسْفر عن أَسِرَّةِ وجهِه / لما غدا تيمور من قُرنائه
واستبشرتْ كلُّ البقاعِ وَقَدْ شَدا / طيرُ الهَنا طرباً بلحن هَنائِه
واخضرَّ وادي الفضل وانفجر الندى / ها فاسْتَقوا أهلَ الظما من مائه
قَدْ عادتِ الدنيا بعودةِ مالكٍ / عَقَد المكارمَ مثلَ عَقْدِ لوائه
إن شَفَّنا ألمُ البعاد فإنما / يحلو دواءُ الجرحِ بعد شفائه
فاخلعْ بُرودَ الهَمِّ من ألم النوى / واسْحَبْ بصحنِ البِشْر فضلَ رَوائِهِ
واعصُرْ غصونَ الأُنسِ من شَجر الهنا / وانشَقْ روائحَ مِسْكِه وكبائه
فاليومَ قَرَّت بالمليك دياره / وَقَدْ استراح الدهرُ بعد عَنائه
وبه اطمأن العصرُ وانتشر الندى / وبه استقر الملك فِي أَكفائه
فالْقِ العَصا واربَعْ فَثَمَّ مَرابعٌ / يَعتزُّ فِيهَا المرءُ عن أعدائه
وأَنِخْ ركابَك فالرِّحابُ بسيطة / وابسط يديك تنالُ فيضَ نَدائه
نعمتْ بقاعُ الأرض وابتهج المَلا / والوُرْقُ يَشْجَى من رخيم غنائه
فرحاً بمن بَهَر العقولَ بعقلِه / وبحلمه وذكائه وسخائه
يَا أَيُّها الملك الَّذِي مَلك العلى / واستخدم الأيام قهرَ وَلائه
إن الخلافة لا تزال مُنيرة / مَا ذَرَّ منكم كوكبٌ بسنائه
والملكُ لَمْ يبرحْ مَنيعاً بَيْنَكم / مَا شَقّ بدرٌ منكمُ بسمائه
إِرْثاً تَداوله بنو سلطان من / عهدِ الإمام إِلَى بني أبنائه
يتناوبون عَلَى الخلافة إِنْ خَفِي / بدرٌ تبدَّل منهمُ بسِوائه
وإليك يَا ابن الأَكْرَمين قَد انتهى / كَرَمٌ يَكَلُّ الدهرُ عن إحصائه
قَدْ أُيِّد الإسلامُ منك بسلطةٍ / فَلأَنت يَا مولاي من نصرائه
فاضربْ بسيفِ العدل هلمَ عِداته / فالدينُ موكول إِلَى أمرائه
وأعلنْ شعائر أحمدٍ بمُهنَّد / يَذَر الكنودَ مضرَّجاً بدمائه
إن الخلافة لا يقوم بشأنها / إِلاَّ عريقُ المجدِ من آبائه
من مَعْشرٍ ضُرِبت لهم قُبَب العُلى / فَوْقَ السُّهَا فهمُ لِمَن جُلسائه
لا تخلعُ الأيامُ حُلَّةَ مجدِهم / مَا اللهُ أَوْلَج صبحه بمسائه
فانعمْ كما نَعِم الزمانُ بمَقْدَمٍ / أضحى قرينُ السعدِ من نُدمائه
وإِليك يَا فخرَ الملوكِ خَريدةً / جاءتْ يُعثِّرها الحَيا بقَبائه
تمشي وتسحب بالقصور رداءها / قَدْ آدَها المعروفُ من أعبائه
قَدْ عَزَّ مَا أهدى تجاه تحيتي / خجلاً بنظمٍ لَمْ أُجد لبنائه
فجلوتُ بِكراً والسرور منها يزفها / والفخرُ يسترها بذيل حَيائه
لولا دليلُ المكرماتِ يقودُها / لَمْ تستطع تقبيلَ تُربِ ثرائه
فابسطْ رداء العذر يَا ملك الورى / واقبلْ من المحصور قدرَ غِنائه
أرسلتُها يومَ القُدوم مهنِّئاً / والبشرُ يجذب دَلْوَه برِشائه
في رابعِ العشرين قَدْ رَبَع الهنا / بحَيا الربيعِ جنيتُ زهرَ رُبائه
فأقول فِي يوم القدوم مؤرِّخاً / بُشْرايَ أَمَّ السعدُ بيتَ رَجائهِ
إِنْ تُرِد أَهْنا شراباً
إِنْ تُرِد أَهْنا شراباً / قَرْقَفاً فاشربْ كِرابا
ذا شَرابٌ من لُجينٍ / فاق شهداً ورُضابا
خُذه من كَفَّي غَرِيرٍ / غَنِجٍ رَخْصٍ شبابا
خَنِث الأعطافِ يُكْسَى / من سَنا البدرِ ثيابا
أَهْيَفٍ يسعى برِدْفٍ / يُخجل البحرَ عُبابا
يَتدانَى منك شوقاً / يمش بالدَّلِّ اضطرابا
هاكَ فاشربْ من يديه / نارَجِيلاً مستطابا
أبيضَ اللون رَحيقاً / سَلْسلاً شَهْداً مُذابا
من سُلافٍ خَمَّرتْه / جامةٌ دارت حجابا
لستُ أنسى منه عهداً / فِي ظفارٍ يَا صِحابا
في رياض قَدْ سناها / مُنشِئ الكونِ سحابا
ونسيمِ البُرءِ يشفي / بالهوى قلباً مُصابا
وظباءِ الوحشِ حولي / رائعاتٌ لن تَهابا
في مروجِ مُعشباتٍ / تُعجز الساعي طلابا
يا رَعَى اللهُ ليالٍ / نَرْتَجي منها إيابا
في ديارٍ شَبَّ فِيهَا / رائقُ الأُنْس وشابا
مَزَج القلبُ هُياماً / بهواها واستطابا
يا ليالٍ هل تُعودِي / تُسرعي الخطوَ اقترابا
تَجمعينا بمليكٍ / أَرفعِ الخَلْقِ جَنابا
أَبْعَد الأَمْلاكِ صِيتاً / أقرب العلياءِ قابا
طَلِقِ الوجهِ سخيٍّ / مَلَّك الجودَ الرقابا
باسم الثَّغرِ بَشوشٍ / أَحسنِ الناس خِطابا
كلُّ نادٍ كَانَ فِيهِ / لَمْ تجد فِيهِ سِبابا
ليت عيشي كَانَ منه / يجمع السَّير إيابا
كي أَفزْ منه ببِشْرٍ / يُذهب الحزن ذَهابا
لَمْ يُغَلِّق دوني عنه / بافتراقٍ قطُّ بابا
فحياتِي بيديه / كنتُ كهلاً أَوْ شبابا
يَا سَقَى الله زماناً / جاد بالجَمْع وطابا
هَطَل المُزْنُ عَلَيْهِ / هَطَلاناً وانْسِكابا
يا مَليك العصرِ يَا من / فاق فِي الجود انتسابا
دُمْ بعزِّ فِي زمانٍ / بنُحوسٍ لن يُشابا
تهنأ بالملك سعيداً / دائمَ الدهر مُهابا
وبفهرٍ فِي ظَفارٍ / لَمْ يزل فِيهَا مُجابا
سَفرُ الإِنْس قصيراً / يُورِثُ القلبَ التهابا
وفراق الخِلِّ صعبٌ / يورث الصبَّ عذابا
وابتعادُ الدارِ يَسْقِي / بكؤوس الشوقِ صابا
قال أَرِّخْ قلت مَلْك / لَمَّ بالفضلِ الرقابا
أَلا يَا أُباةَ الضَّيمِ أهلَ المَناصبِ
أَلا يَا أُباةَ الضَّيمِ أهلَ المَناصبِ / لأَنتم أخصُّ الناسِ بَيْنَ الأقاربِ
إِذَا أنتمُ زرتم حِمانا بَقَفْرةٍ / أَقمناكُمُ ضيفاً بأعلى المَراتب
بأرضٍ فِراشُ النبتِ فِيهَا كسُنْدُسٍ / وعَرُفُ الحَزائي من بَخورِ الجَنائب
وريحُ الصَّبا تُهدى إلينا شَميمها / يُخالطه مَزْجاً رَذاذُ السَّحائب
وكَفُّ نسيمِ الأُنسِ يَقطِف بَيْنَنا / زهورَ الهَنا فِي مرتع ومَلاعب
نَظلُّ نهاراً كالسَّراجين فِي الفَلا / نُدالِس أسرابَ الظِّبا والرَّبارِب
فنرجع وَفْراً والقَنيص من الظِّبا / تَضيق بِهِ ذَرْعاً رِحالُ الرَّكائب
فنُطعمكم لحمَ الظباء مهضَّباً / رمتْه أيادينا بظَهر السَّباسِب
فنُمسي وَقَدْ مدَّ الظلامُ رِواقَه / وَنَفْحُ أَريجِ الزَّهْر من كل جانب
ليالٍ بِهَا طاب الزمانُ بقُربكم / وأصبح فِيهَا الدهرُ مُرْخَى الذَّوائب
يحن لذِكراها الفؤادُ وإنما / يَحقُّ لَهَا سفحُ الدموعِ السَّواكبِ
سَقاها الحَيا تِلْكَ الليالي الَّتِي خلتْ / وعادتْ لَنَا يوماً بحُسن المَطالب
بها العُمر أَضحى باسِقاتٍ فروعُه / بروض الأماني واجتناء الأطايِب
فيا حَبَّذا بِشْرٌ فَضَضْنا خِتامه / بيومٍ لَهُ بالوِصالِ أَشْهى المَشارب
يغنى بِهِ طيرُ التَّهاني مغرِّداً / وترقص منه زاهراتُ الكواكب
لا تَحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطءِ
لا تَحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطءِ / إنها من موارثِ الأمواتِ
هَذِهِ خطتي وتلك صِفاتي / فاسمعوها وإقرأوها صَفَحاتِي
أنا والناسُ فِي المَذَاهب شَتّى / فِرَقاً تنتحِي جميعَ الجِهاتِ
أنا أَنْحُو لكلِّ عذراءَ بِكْرٍ / وفلان ينحو إِلَى الثَّيِّبات
وسِوانا لمُهْرةٍ وحِصان / ولهذا رُكوبه اليَعْملات
ولذاك الفتى مَحبَّةُ هِرٍّ / وسواه مَحبَّةُ النابِحات
وتراه إِلَى الملاعب يلهو / وأخوه يسعى إِلَى الطَّيِّبات
أنا فِي السَّتر للحصينةِ حُبي / لست أهوى تبرج المُحْصَنات
طمحَ العقلُ بالزهاويِّ حَتَّى / كبَّه فِي مهامه المُهلكات
كلُّ ساعٍ فللطبِيعةِ يَقْفو / مِحْوراً فِي تطور المُنشَئات
فلعكس الطباعِ فِي الكون سرٌّ / ترك الخلقَ عقلُهم فِي شَتاتِ
حكمةٌ تترك العقولَ حَيارَى / صَبَّرنا بَهائماً سائمات
مركزُ الطبعِ فِي النفوس عَريقٌ / كجبالٍ كثيفةٍ راسياتِ
خلقٌ فِي الطباع قَدْ صار خَلْقاً / لَيْسَ تمحوه قوةُ المُعصِرات
لا تحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطء / إنها من مَوارثِ الأمواتِ
فما أَحْلاه من أُنسٍ بدارٍ
فما أَحْلاه من أُنسٍ بدارٍ / صَبوحُك فِيهِ من رِيمِ الفَلاةِ
نُواصل ليلَنا بالصبحِ أُنساً / ونَطْهَى اللحمَ فِي وقت الغَداةِ
ونَقرِي الضيفَ من لحم غريضٍ / رمتْه أَكفُّنا بالبُنْدُقات
تَظلُّ طُهاتنا ترمى بشحمٍ / رمتْه لَهَا صَناديد الرُّماةِ
وَلَمْ نبرحْ تسير بِنَا المَذاكِي / بفتيانٍ كسَيْرِ الذّارياتِ
فهم صَحْبى نجومٌ فِي الدَّياجي / لهم علمٌ بكَشْفِ المُعضلاتِ
فما أَهْنَى وأَحسنَه زماناً / ألم شُذّاذَنا بعد الشَّتاتِ
بدارٍ لا تَضيق النفسُ فِيهَا / لَهَا فِي القلبِ حسنُ الخاتمات
فقَرِّي يَا ظفارُ لَنَا عيوناً / فقد يأتي زمانُ الطيبات
قُمْ بالغُدُوِّ وأترِع الأَقْداحا
قُمْ بالغُدُوِّ وأترِع الأَقْداحا / واشربْ عَلَى نَغَم الهَناءِ الرَّاحا
والثِمْ بنفسجَ ثغرِها مَشْمولةً / أَرج الهنا فلم يزل نَفّاحا
وانعشْ بكأس الراح روحَ حياتنا / أَوْ مَا ترى ساقي الهَنا مرتاحا
نشوانَ من طربِ السُّرور وهكذا / كأسُ المَسرَّة لَمْ يزل رَنّاحا
قم فاسقِنيها إِنْ تِشأْ ممزوجةً / ماءَ الحياة وإِنْ تشأ فقُراحا
نسجَ الزمانُ من السرور أَديمها / فلذاك صَفق بالهناءِ وباحا
رقصتْ لياليه فبِتْنا نَجتَلِي / وجهَ البشائر غُدوةً ورَواحا
قطفتْ يدُ الأَفراحِ زهرةَ أُنسِها / فغدتْ تفوح بنفسجاً وأَقاحا
رقَّ الزمانُ لَطافةً فكأنما / نثر السرور بصحنه أفراحا
وزهتْ عروسُ البِشْر تَحْتَ بهائها / فتُخال من فَرْطِ الدَّلالِ رَداحا
خلعتْ ليالي الدهرِ حُلةَ نَسْجِها / وتلبَّست سعدَ السعود وِشاحا
وتَرنَّمت وُرْقُ التَّهاني سُجَّعاً / ببديع نظم يسلبُ الأرواحا
وسَختْ أيادي السُّحبِ تُمطر بالحيا / فرحاً وكُنَّ بوَبْلِهِنَّ شِحاحا
واخضرَّ وجهُ الأرضِ وابتسم الحَيا / وتَرنَّح الزمنُ الطَّروف جِماحا
أنسٌ بِهِ رقَص الزمانُ ومن بِهِ / وبنَشْرِه أَرجُ البشائر ماحا
فهُرزت من طرب كَأَنَّ جوانحي / سيف الأمير إذَا أراد كفاحا
ملك سمتْ فَوْقَ السما عَزماتُه / ولَطار فِيهَا لَوْ أُعيرَ جَناحا
جاد الزمانُ وَمَا أجاد بمثله / أَتُراه يدرك بعد ذَاكَ سَماحا
قَدْ كانتِ الدنيا وَلَيْسَ بجِيدها / حُلْيٌ مقلَّدها الثنا أَوْضاحا
دِرعٌ حمى روحَ الخلافةِ وانتضى / سيفاً تقلَّده الزمانُ سلاحا
لا ضيرَ إِنْ شَحَّ السحابُ بمائه / فيداه تُمطر عَسْجداً سَحّاحا
عَلَم بنتْه المَكْرُمات وأَوقدتْ / فِي رأسه لمن اهتدى مصباحا
زانتْ بك الأيام فهْيَ عرائسٌ / مَرِض الزمانُ فعُدن منك صِحاحا
زُفَّت وَقَدْ مُلئت سروراً مذ رأت / طيرَ الهناءِ بفضلكم صَنّاحا
جاءتْ تقبِّل راحَتَيْك وهكذا / من شَفَّه مرضُ الصبابة باحا
تختال فِي مرح السرورِ كَأَنَّها / يوم الخِتان تتوَّخت أفراحا
يومٌ عَلَى فَلك السِّماكِ تطايرتْ / أَفراحُه فأزالتِ الأَتْراحا
عَمَّ البسيطة ناشِراً أعلامَه / بِشْراً فَطَمَّ مَهامِهاً وبِطاحا
يومٌ تَضَمَّخ بالفَخارِ أَديمُه / فغدا بسطح الفرقدين وراحا
فانْعَمْ نَعِمْت أبا سعيد إنما / بختانِ نجلِك قَدْ نعمتَ صباحا
رَبَّته قابلةُ الخلافةِ فانْتَشا / بَعْلاً لَهَا فلَيهنأنَّ نِكاحا
بسعيدَ قَدْ سعد الزمانُ وأهلُه / وبسعدِه نال الأنامُ فَلاحا
فَلْيَهْنَ عرشُ الملكِ بالسِّبط الَّذِي / لا زال يرجو الملكُ منه نجاحا
غضنٌ نَشا من دَوْحَةِ الشرفِ الَّتِي / أضحى الزمانُ بزَهْرها نّفّاحا
مَا أُغلِقت طُرق المكارمِ مذ غدا / مفتاحُ مجدهمُ لَهَا مفتاحا
قوم تَزاحمتْ الفضائلُ فيهمُ / حَتَّى اجتمعْنَ فلم يجدنَ سَراحا
والدهرُ أَفصحَ عن بدائعِ مجدهم / عَلَناً يُحدِّث عنهمُ إِفصاحا
حُقِنت دماءُ المجدِ لما أن غدا / سيفُ العلى بيمينهم سَفّاحا
ي أَيُّهَا الملك الَّذِي إنعامُه / أضحى بِهَا كفُّ الندى مَنّاحا
أَحْجرتَ عرشَ الملكِ حين قهرتَه / والمالُ فِي كفيك صار مُباحا
فَلأَنتَ روحُ الكونِ أنت حياتُه / لولاك كَانَ أُولو النُّهى أشباحا
كتبتْ دواوينُ المكارمِ منكمُ / صُحُفاً طُبِعن فأَعْيتِ الشُّرّاحا
فغدا لسانُ الكونِ ينطق جَهرةً / فمديحُكم قَدْ أَفْحمَ المُدّاحا
كم ذا أُشمِّر ساعِديّ فأَنثني / عجزاً فأُرهِق بالرجوع جِراحا
فأُرَدّ والأوهامُ تَعتِب فكرتي / فأرى الفتور عن المديح جُناحا
فأَتيتُ أَظلَع والمعارك ضلَّع / مَاذَا البِراز وَلَمْ أكن رَمّاحا
لكنما عجزي وذَريعَتي الَّتِي / قَدَّمتها بيد المليك صُراحا
فمشيتُ فِي حُلل الحَيا متعثراً / ويدُ الرجاءِ تُلحُّنى إِلحاحا
ثقتي بأن مدائحي مقصورةٌ / فِيهِ وَلَمْ تر فِي سواه مُراحا
فجثوتُ والركبانُ حولي جُثَّماً / وعليهِمُ مطر السَّخا نَضّاحا
فطفقتُ من جَذلٍ أَمجُّ مَدامعي / عجباً من السَّرّا أَكُنْ نَوّاحا
نَشر الزمانُ من السرورِ جَناحاً
نَشر الزمانُ من السرورِ جَناحاً / وغدا الهناءُ بِبِشْره صَدّاحا
وارتجَّتِ الأكوانُ من فرحٍ وَقَدْ / لبس الزمان من السرور وِشاحا
وافْتَرَّ ثغرُ الدهرِ يَبْسِم بالهَنا / والأرضُ من فرحٍ تَمُجّ الراحا
والطيرُ تهتف بالهَديل تَرنُّماً / طرباً وتَصْدَح غُدوةً ورواحا
والدَّوح صَفّق بالغصونِ وَقَدْ زَها / زهرُ الرياضِ بنفسجاً وأَقاحا
فرحاً بمن سَنَح الزمانُ بوصلِه / وسَخا فأَنْعَم بالوصول صباحا
ملكٌ بِهِ تزهو الحياةُ فأَنعِموا / أَهلَ الزمان وقَدِّموا الأَرواحا
ما إِن لَنَا يومٌ تَطيب نفوسُنا / فِيهِ كيوم بالمُملك لاحا
يومٌ بِهِ سَفَر الزمانُ وَضاءةً / وبنَشْرِه أَرَجُ البشَائِر فاحا
وتَرنّحت أعطافُ كلِّ أريكةٍ / شوقاً لمن ملأ الزمان سماحا
فَلْيهنَ عرشُ الملك وَلْيهنَ الدَّنا / ولْيهنَ كلُّ مهنّدٍ سَفّاحا
ولْتطمئنَّ نفوسُ أشباحِ العُلا / ولْنهتدِي بضيائِه مصباحا
بأبي سعيد قَدْ سَعِدنا فَلْيعشْ / سلكانُنا بحلاله مرتاحا
مَسارِحُ دارٍ قَيدتْني وعودُها
مَسارِحُ دارٍ قَيدتْني وعودُها / سَقاها الحيا دهراً وأُورقَ عودُها
وحَيّا رُباها كلَّ آنٍ سحابةٌ / وأنفاسُ ريحٍ كلَّ أن تَعودُها
منازلُ كَانَتْ بالخَليط أَنِيسةً / وشأنُ الليالي لا تدوم عُهودها
أٌفارقها والنفسُ مني شَحيحةٌ / ومن أَدمُعي دهراً سماءٌ تَجودُها
ولا زال عهدِي بالمَعاهد والحِمى / وثيقاً وقلبي للرُّبوعِ شَهيدُها
قريبُ التَّداني لو تأنْ بي يدُ النَّوى / فحبي لَهَا عما قليلٍ يُعيدها
رعَى اللهُ داراً بالفؤاد رُبُوعها / ورسمُ خيالي سَهْلُها ونُجودُها
إِذَا طال مُكْثي فِي حِماها تَوارَداً / بطيّات قلبي حُبُّها وخُلودُها
بِهَا علقتْ نفسي ولَذَّ ليَ الهوى / وطرب لنفسي رَوضُها وصَعيدُها
فلِي زَفَراتٌ بالفؤادِ أُطيلها / وأنَّةُ مهمومٍ حنيني يَزيدها
وعينٌ بتَهمالِ الدموعِ سخيةٌ / ونارٌ بأحشائي يَزيد وقودُها
عسى عَطَفاتٌ من خليلٍ مُساعدٍ / تذكِّرني داري ويدنو بعيدها
عَلَى رغم أنفي دارُ أُنسٍ تركتُها / أَلا تسمحي لي نظرةً أَستفيدها
أُمرِّن نفسي عكسَ مَا قَدْ تَمرَّنت / وأحمل أثقالاً ولستُ أُريدُها
عَلَى النفس صعبٌ أن تفارقَ أرضَها / وأصعبُ شيءٍ أن ترى مَا يَكيدها
كما حَمَّلتني شُقَّةَ البين بلدتي / ظَفارٌ وَقَدْ يأنى الأمورَ مُحيدها
سأذكر يوماً وقفةً فِي مُروجِها / وحولي بِهَا رِيمُ الفَلا وعَتودها
تهبّ علينا بالأباطح سَجْسَج / فينفَحُ منها رَنْدها ووُرودها
وكم لي بهانيك المَرابِع والحِمى / مواقفُ أُنسٍ لَيْسَ يَبْلَى جديدها
معاهدَ أَشجاني نَعاهَدك الحيا / وحَيّاك من سُحبِ اشتياقي عُهودها
أَهيم اشتياقاً والفؤادُ مُولَّه / وَقَدْ أَوثقتْ رِجلَ الغرام قيودُها
فما لي وشوقي والصبابة والنوى / وراحِلتي حادِي المشيبِ يقودها
وَقَدْ خُولطت نفسي بذكرى مَعاهِدي / وأيامِ صَفْوٍ كنتُ دهراً أَسودها
مآض زماني فابتدرتُ مؤمِّلاً / رجوعَ ليالٍ هان عني جَليدُها
فأصبحتُ لا أدري أَبوءُ بحسرةٍ / أم اليوم يأتي بعد حينٍ سَديدُها
فها أنا لَمْ أبرحْ بتدبيرِ مهنتي / مُعنّىً بحالٍ لا يلين حَديدها
فأدهشني يومٌ يشتِّت فكرتي / فراقٌ يهمُّ النفسَ ثُمَّ يُبيدها
ولكنَّ بالآمالِ نفسي مَنوظةٌ / بعودةِ يومٍ فِي ظفارٍ أُعيدها
يعود بِهَا عود الشبيبةِ مورِقاً / ويرجع فِي تِلْكَ الديار رَشيدها
مليكٌ بِهِ تزهو الممالكُ والدُّنا / وإِن عُدَّت العَلْياء فهو عَميدها
تُفتَّح أكمامُ الزهورِ بخُلْقه / ويَنْفَح من عطرِ البشاشةِ عودها
ويبسم ثغرُ الكونِ بِشْراً بمجده / وتَخْفِق أعلى المكرماتِ بُنودُها
ولولا سليلُ المجد تيمورُ لَمْ يزل / يُكدِّر من عيش الحياة وُرودها
فلا زال موصولَ الخلافةِ حبلُه / وَلَمْ تبرح الأيامُ تبدو سُعودها
مَعالمُ من أهوى تُناديك يَا سعدُ
مَعالمُ من أهوى تُناديك يَا سعدُ / هَلُمَّ فحَدِّث مَا تُعيد وَمَا تَبْدُو
وخَبِّر فَدتْك النفسُ سعدُ أَحبَّتي / فأنت خبيرٌ بالأحاديثِ يَا سعد
فلي بهم نفسٌ تتوقُ لقربهم / أما علموا يَا سعد أن النوى صَدّ
بقاءٌ لذاك العهدِ أم غَيَّر النوى / عَلَيْهِم خلوصَ الحبِّ بُدِّل العهد
فما لي ومن أهوى وَمَا لي وللنوى / فعند تنائي الحبِّ هل يُقدِم الود
تَطاولتِ الأيامُ لا دَرَّ دَرُّها / أما عَلم الأيامُ مَا يفعل البعد
فيا أَيُّها الّلاحون فِي حبِّ بلدةٍ / لَهَا بشِغاف القلبِ مَا لا لَهُ حَدُّ
لقد ظفرتْ مني ظفار وأَوثتتْ / بأسبابِها وداً بقلبي لَهُ شَدّ
فنارُ الغَضَى تَخْبو ونارُ صبابتي / بحب ظفارٍ لا يُصادفها برد
فكيف وفيها حَبّةُ الملك أَنبتت / بفهرٍ وأرجو أن يطول لَهُ مَدّ
فخبِّر بيَ الأحبابَ يَا سعدُ إنني / أسيرٌ وإني فِي الهوى لهمُ عبدُ
وبَشِّرهمُ عني بأني متيمٌ / فأنت بشير للأحبة يَا سعد
هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ
هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ / وقوفَ صَبٍّ رماهُ الشوقُ بالكَمَدِ
هذي المعاهد دارُ الأُنس قَدْ وَلِعت / نفسي بِهَا ووَهَى فِي حبها جَلَدي
هذي المعاهد قَدْ هام الفؤادُ بِهَا / وشوقُها لَفَحتْ نيرانُه كبِدي
هذي المعاهد هذي بُغْيتي وبها / أُنسي وغاية آمالي ومُعتَمدي
هذي المعاهد آثارُ الملوكِ بِهَا / فاسجدْ لَهَا واخلعِ النَّعلين لا تَجِد
فكم مسارحُ غزلانٍ لَهَا رتَعَت / وكم بِهَا كَانَتْ الأيامُ فِي رَغَد
وكم سَفَحْنَ عيونُ البيضِ من عَلَق / فرقَ العواتقِ والأعناق والبُنْد
وكم سبَحن جيادُ الخيل فِي رَهَجٍ / يومَ الجِلاد وأفنى السيفُ من عَدد
وكم رقَصن الخِفاف اليَعْمَلات بِهَا / وكم نَصَبن خيامَ المجد بالعُمُد
وكم هززنَ قُدود السُّمرِ يوم وغىً / يَمْرُقن بَيْنَ ضلوعِ البُهْم والسُّدُد
تِلْكَ المآثرُ تُنبِي عن مَفاخِرها / وأنها مَا بِهَا وُفِّقتَ من أَوَدِ
فقُم وانظر الآثارَ إن لَهَا / شأناً لقد يترك الأوهامَ فِي بَدَدِ
وإنها جنةٌ تَحْيَى الرُّفات بِهَا / مَا فات عنها سوى الوِلدان والخُلُد
كَأَنَّ يوسفَ حينَ القبضِ أَطْلَقه / عِزريلُ من قبضة فِي بِيضها الخُرُد
كَأَنَّما من وجوه البيض قَدْ طَلعت / شمسُ الضُّحى والدُّجى من فَرْعها الجَعِد
كَأَنَّ أبطالها أُسْد الشَّرَى زَأَرت / فِي الرَّوْعِ بَيْنَ قِلالِ الغَيل والوُهُد
كَأَنَّ حُمرَ المنايا فِي سيوفهمِ / يَفْرِقن بَيْنَ الطلا والهام والجسد
كَأَنَّهم حية رَقْطاء إن حَضروا / وإن خَلَوا فهمُ يَسْطون كالأُسد
لهم مساكنْ تخشى الجِنُّ وَطْأَتها / هم يألفون بِهَا فِي الحِضْن والمُهُدِ
لهم جبال كمثل الشُّحْب شامخةٌ / مَطْروزةٌ بنبات الشِّيحِ والمسَد
لهم جَداولُ تجري من مَنابعِها / كَأَنَّها البحرُ لا تنفكُّ من مَدد
لهم بِهَا من نباتِ الأرضَ مأْكَلةٌ / وقتَ الخريفِ لهم أَشْهَى من البَرد
لهم بِهَا مطرٌ يمتد والمهُ / تسعين يوماً يُروِّي الأرضَ بالشُّهُد
يَا نِعْمَ من بلدٍ لو كنت أسكنُها / بلغتُ منها بِهَا أُمنيَّتي بيدي
لكنما سوءُ حظي سوف أَقعدني / والحظُّ إن أقعد الإنسانَ لَمْ يَسُد
محجوبةٌ مذ رأَتْها حقَّ رؤيتِها / عينُ الخليفةِ مَدَّ الكف بالعَضُد
شوقاً لَهَا واجتهاداً فِي تَمدُّنِها / فلا تزال ولا تنفكُّ فِي صَدد
حَتَّى تكونَ عروسَ الأرضِ قاطبةً / فالملك يَزْدان بالتمهيد والعُدَد
والأرض لا بدَّ أن تأتي لَهَا حِقَبٌ / تردُّ ما كَانَ أيام الصِّبا يَجِدِ
تموت حيناً ويأتي الآخرون كما / كَانَ الأُولى كنظيرِ الأُم والوَلَد
كم من ملوكٍ ببطن الأرض قَدْ هَجَدوا / كانوا عَلَيْهَا ملوكَ الدهرِ والأَبد
نمشي عَلَيْهِم فلا يَذْرون بِعْثَتَهم / لجنةِ الخُلد أم للنارِ ذي الوَقَد
نُمسي ونُصبح والأطوارُ تنقلنا / من نُطفةٍ من دم الأَصلابِ والغُدَدِ
لحكمةٍ نُودَعُ الأرحامَ إن لَنَا / فِيهَا التطور نُغْذَى من دم الكبد
فلا نزال بأطوارِ التقلب فِي / أرحام ضِيقٍ فلا نُبدي وَلَمْ نُعِد
من بعدِ مَا تمّ أحوالُ التطورِ فِي / كنِّ البطونِ طلبنا الدار ذي الكَمَد
تأتي إليها نَجوس البطنَ فِي تعبٍ / كما يجوس خلالَ الدار ذو رَمد
نُفضِي إِلَيْهَا بكُرهِ النفسِ تَدفعُنا / ريحٌ تهبُّ من الأَحشاءِ والوُرُد
إِلَى فسيح بظهرِ الأرض نَمْلؤه / وَقَدْ ملأنا الحَشَا بالغِلِّ والحَسَدِ
نُكابد العيشَ فِي همٍّ وَفِي حَزَن / كذاك قَدْ خُلق الإنسانُ فِي كبَد
فلا نزال نُعاني الدهرَ فِي كدرٍ / فهكذا الحالُ تطويراً إِلَى اللَّحَد
فهذه حالةُ الإنسان مَا فُطرتْ / أيامُه قَدْ يُعاني حالة النَّكَد
فنشأةُ السكونِ تطوير وتَوْطئة / كذاك من سَبَد قَدْ كَانَ أَوْ لَبَد
كَانَتْ ظفار عروساً بالملا مُلئت / يرتادُها خطباءُ الملك بالعدد
فطافَها طائفُ التغيير فارْتَجعتْ / محجوبةً لا تراها العينُ من بُعْد
تطوَّرت دُول طوراً بِهِ اتَّضَعتْ / حَتَّى إذا ارتفعت طالتْ وَلَمْ تَعُدِ
بنظرةٍ من مليكٍ لا نظيرَ لَهُ / يظَلُّ منه الدجى والصبحُ فِي سَهَد
تَبيت ترقُب عينَ النجم ساهرةً / من بأسِ همتِه والأفقُ فِي رَصَد
يُقدِّر الأمرَ فِي التدبير لو نظرتْ / فِيهِ المَشيمةُ لَمْ تنقصْ وَلَمْ تَزِد
يَظلُّ مفتضحاً مرُّ النسيمِ بِهِ / كَأَنَّ أخلاقَه نَسْماءٌ من بَرَدِ
يكاد من لُطفها تَنْدو مَباسِمُه / كَأَنَّما نُطْقه قَدْ شُجَّ من شُهُد
لم تصطحِبْ من وَقود النارِ رِفْقتُه / تَكفِي مَلامحُه عن شُعلة الوَقَد
لو كَانَ فِي مَلأ كالرمل تعرفُه / كالبدرِ بَيْنَ نجومِ الأفق فِي حَشَد
لو حلّ مَا فِي السما والأرضِ راحتَه / أَفناه فِي يومه والشمسُ لَمْ تَكَد
أَوْ لو رأى درهماً فِي كَفِّ خازِنه / مَا قَرَّ فِي كفه من يومه لغد
كَأَنَّما كفُّه قالتْ لساعِدِهِ / حكمتَ فاحكمْ بما قَدْ شئتَ فِي النَّقَدِ
هو الخِضَمُّ الْتَقِطْ من صَفْوِه دُرراً / وإن يُهَج فاحذرِ الأمواجَ لا تَرِد
فصَفْوهُ ونسيمُ الروض مبتكر / وكَدْره ذَلِكَ الْنّفّاثُ فِي العُقَد
بحرٌ مَواهِبُه غُرٌّ مَناقبُه / إِذَا سَجى أَوْ طَمى فالسُّمُّ فِي الزَّبَد
لا يأمنُ المكرَ مَكّارٌ بِهِ ومتى / رأى من البحر مَهْمَا جاء لَمْ يَجد
فَلْتَهنَ بالمَلكِ الميمونِ ظافرةً / ظفارُ فَخْرها تختال بالبُرُد
وَلَمْ تزل فِي حِماه الدهرَ آمنةً / من طالعِ النحسِ تَرْقَى طالعَ السَّعد
في كل آنٍ لَهَا فِي الطَّور مرتبةٌ / فلم تزل ترتقي طَوْراً مدى الأَبد
وَلْيهنأ القطر مَا عينُ السُّها سَهِدت / ونام شخصُ الدُّجى والأفقُ فِي رَصَدِ
وامتد باعُ الندى بالجسود متصلاً / بكف تيمورَ ربِّ الفضل والمَدد
ودام فِي فَلك الإقبال طالعُه / وحلَّ بدرُ العُلى فِي دارةِ الأَسد
وَلْيهنأ العيدُ مَا طالتْ يداك بِهِ / بنَحْرك البُدْنَ والتعظيمِ للأحد
وبَسْطِك الجودَ حَتَّى قال قائلُه / مادي السماحةُ والأخلاقُ من أَحد
واسلمْ ودُمْ مَا هَمَت عينُ السماءِ عَلَى / خَدِّ البسيطةِ حَتَّى سال بالكُدُر
أرَّختُ لما سألتُ الله محتسِباً / إياك أرجو وأنت الآن مُعتَمدي
أَنعِمْ صباحاً أيُّ هَذَا المَعْهَدُ
أَنعِمْ صباحاً أيُّ هَذَا المَعْهَدُ / أصبحتَ يكْسوك العُلى والسُّؤْدُدُ
أضحى بك الدهرُ ربيعاً مُمرِعاً / أَنعِم وحَيّاك مُلِثٌّ مُرْعِد
أنعِمْ بِهِ من معهدٍ خَرَّتْ لَهُ / شمسُ السما وثَورُها والأَسد
أمستْ لَهُ طوعاً وكرْهاً بالثَّرَى / جِباهُ كلِّ العالمين تَسْجُد
كعبةُ مجدٍ وعُلا تَحُجُّها / من الملا أشرافُها وتُوفِد
يأوِي بِهَا كلُّ العُلى وتنتهي ال / آمالُ من كلِّ الورى وتَقْصِدُ
قد رَكَن اللهُ عَلَى أَكتافِها / أوتادَ مجدٍ فخرُها مُسَرْمد
يَطوف من حولِ حِماماً صادرٌ / يُثقِله حملُ الجَدَا ويقعِدُ
فحولَها كم سائلٍ ومُجْتَدٍ / عن مَدَدٍ أَوْ واردٍ مُسترفِد
وكيف لا ينْعَم ربعٌ آهِلٌ / بمن لَهُ فِي كلِّ مجدٍ مَشْهَد
تاهت ظفارٌ بالمَعالي وارتدتْ / بدولةٍ مَليكُها مُؤَيَّد
أَيده اللهُ بآياتٍ لَهُ / من نورِها نارُ المَعالي تُوقَد
قد طلعتْ أنوارُها وأشرفت / كالشمسِ للناظرين لَيْسَ تُجْحَد
أنعِمْ بِهَا داراً حَماها سيدٌ / تيمورُ من بِهِ البَرايا تَرْشُد
لا زال فِيهَا حامياً مُسدِّداً / لأمرها وللعُلى يُشَيِّد
صبحُ الجبينِ بليل طُرّتِه سَفَرْ
صبحُ الجبينِ بليل طُرّتِه سَفَرْ / أم فِي الدُّجُنَّةِ مَوْهِناً بَزَغ القمَرْ
أم شمسُ خِدْرٍ بارزتْ شمسَ الضحى / فتشابَها لولا التَّغَنُّجُ والخَفَر
برزتْ فكلّمت القلوب بصارمٍ / أبداً يُسَلُّ من اللواحظِ والحَور
وبدتْ فأَسبلتِ الشّقيقَ فما رأتْ / عيناي بدراً قَدْ تجلّل بالشّعر
وبوردِ وَجْنَتها لقد صَبغ الحَيا / سودَ الذّوائبِ إِذ تألّق وانتشر
من قوس حاجِبِها رَمتْ فأصابني / سهمٌ تُصاب بِهِ القلوبُ إذَا وُتِر
طلعتْ محجَّبةَ الجمالِ فلو بدتْ / للناظرين بحُسْنِها بَرِق البصر
وتلفتتْ فرأيتُ خِشْفاً راعَه / قَدْحُ الزِّنادِ فصَدَّ عنه وَقَدْ نفَر
أَوْ بانةً لعب النسيمُ بغُصنها / فتأوَّدت والريحُ تَعْبَث بالشجر
فطفقت أَرتَعُ فِي مَحاسنٍ وجهِها / فرأيتُ حُسناً لا يُكيَّف بالنظر
فبوجهِها روضٌ تَفتَّح زهرُه / عُجْباً لشمسٍ قَدْ تُفتَّح بالزَّهَرا
والأُقحوانُ عَلَى الغديرِ تألَّقتْ / أنوارُه والكأسُ رُصِّع بالدرر
فطمعت قَطْفاً من حَنيِّ ثمارِها / فإذا بلالٌ صاح فالحَذَر الحَذَرْ
فوقفت دون وصالِها مُتدلِّهاً / حيرانَ أَرتكب الرجوعَ أَوِ الخَطر
قالتْ وَقَدْ لعب الدَّلالُ بقَدِّها / مَا لي أراك تَهيمُ فِي وادي الفِكَرْ
تعجبتُ من ضمٍ بهيكلٍ شادنٍ / نَظَم الكلامَ وأَيَّ ذر قَدْ نَثَر
فشددتُ عزمي للدنوِّ وقالت يَا / ملكَ الجمالِ أأنت أنت من البشر
فاستضحكتْ عُجْباً وقالت مَا ترى / شعري بصِبْغِ الأرجوانِ قَدْ انتشر
صبغتْه شُقْرة عارِضيَّ من الحيا / لما رأيتك عارِضاً تَقْفُو الأثر
إن أنت لَمْ تخشَ الرقيبَ وَلَمْ يكن / بيني وبينكَ من يُشيِّع بالخبر
فانظرْ إذَا ذهب النهارُ وأَدبرتْ / شُهبُ الكواكبِ والظلامُ قَدْ اعتْكَر
فالليلُ أَكْتمُ مَا يكونُ عَلَى الفتى / والسرُّ أقبحُ مَا يكون إذَا اشتهر
قامتْ تودِّعني وقلت بلهفةٍ / لله مَا أَدْهَى الفراقَ وَمَا أَمَرّ
شَيعتُها نظراً وقلت لَهَا قِفي / كيما أزوِّدَك الفؤادَ عَلَى السفر
قالت وَقَدْ جرتِ الدموعُ بخدها / رِفْقاً بسائلِ مَدْمَعي لا تَنْتَهِر
أمستْ تُطارِحني الكلامَ أَظنُّها / رجلاً تَدَرَّع بالملابسِ واعْتَجَر
فأدرتُ طَرْفي فِي محاسنِ وجهها / فإذا بِهَا أنثى تَشبَّهُ بالذَّكر
أَأُليسُ مهلاً زَوِّديني نظرةً / إن الفؤاد عَلَى هواكِ قَدْ انْفَطَر
فسمعتُ صوتاً مازجتْه حسرةٌ / لله مَا حَكَم الإلهُ وَمَا أَمَر
إن الزمانَ أخو التفرقِ والقِلى / أبداً عَلَى حُكم الفراق قَدْ استمر
إن شئت صَرْمي يَا أليسُ فَمَفْزَعي / بوليِّ عهدِ المَلْك تيمور استقر
ملك نفيُّ الجانبينِ متوَّجٌ / بمَحاسنِ الأخلاقِ طُراً والخَطر
جُمعت إِلَيْهِ من الإلهِ مكارمٌ / فِيهَا تعمَّم والصِّبا وبها اتَّزَرْ
عَبِقتْ مكارمُه فعَطَّرت الصَّبا / فسَرتْ عَلَى أهل البداوة والحَضر
خُلقٌ أرقُّ من النسيمِ لطافةً / فاعجبْ بخُلق سال من قلبِ الحجر
يُمضي الأمور بفكرتين كلاهما / وَفّاتين إذَا نهى وإذا أَمَرْ
حكمٌ عَلَى وَمْقِ الفضيةِ شَرعُه / فكأنه يَمضي عَلَى حكم القَدر
لا يُستفَزُّ من العَظائم إِن دَهَتَ / إن العظيمَ مع العظيم لمُحتقَر
طَلْقُ المُحَيّا إن بدا متهللاً / كالزَّهْر باكرَه النديُّ من المطر
جاءتْ بِهِ الدنيا لرجمةِ أهلها / وغياثِهم من كل بأسٍ أَوْ ضرر
ما جاء مُنتصِراً بِهِ ذو فاقةٍ / من دهرهِ أَوْ حاجةٍ إِلاَّ انتصر
كرمٌ تَسلسل من كرام قُلِّدوا / بالمجدِ دهراً والرجالُ من البَذَر
تَهْنا الخلافةُ ولْتَشُدَّ بِهِ يداً / ملكٌ بِهِ الدهرُ السعيدُ قَدْ انتحر
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً / كتب الدمعُ فِي الخدود سطورا
هاج بالقلبِ واستطار فلما / زُمَّت العِيسُ كَانَ يوماً خَطيرا
خَلتِ الهوسُ بوتُ من كل ريمٍ / كاعباتٍ يُخجلن بدراً مُنيرا
يَسْتلبن العقولَ من غَمْز لحظٍ / صار منه الشجاعُ قَهْراً أسيرا
كلُّ أرضٍ بالقلب سوف تُنَسَّى / غيرَ قلبٍ إذَا رأى كشميرا
قيدتْ فكرتي فصرتُ لديها / دونَ قومي متيَّماً مأمورا
هل تُرَى يَا عزيزةَ النفسِ يأتي / نا زمانٌ ننال فِيهِ سرورا
إِن عندي لمُقبِل الدهرِ خيراً / إن يكن قلبُك العجولُ صَبورا
قَدْ سقتْني عيناك كأسَ غرامٍ / صَبَّرتْني مُعربِداً سِكِّيرا
رِشتِ قلبي بسهمِ عينيك لما / كنتُ ضيفاً بدارِكم مَحبورا
أتُحسين مَا أحسّ بقلبي / أشعلَ الشوقُ فِي حَشاي سَعيرا
فدَع العاذلين تَهلِك غيظاً / لَمْ أجد فِي الحَشا سواك سَميرا
نلتُ من دهريَ امتيازَ رِضاك / دون خلقٍ وَلَمْ أكن مغرورا
ليت أني أُطلق الأعنة ممن / عَذلوني عَلَى هواك غرورا
فثِقي بالعهود فِي الحب مني / إنني لَمْ أزل وفياً قديرا
لستُ أَنساكِ والبواخرُ تجري / حين أزمعتِ للرحيل مَسيرا
ذَاكَ يوماً يكاد ينطِق جَهْراً / إن يومَ الفراق كَانَ عسيرا
فعسى الدهرُ أن يَمُنَّ بجَمْع / يملأ الكونَ بهجة وسرورا
تضحك الأرضُ منه شوقاً وتبكي / مطراً أَعيُنُ السماءِ سرورا
وتهبُّ الرياح بِشْراً ويُضحى / كلُّ روضٍ من السرورِ مَطيرا
ويعود الزمانُ غُصْناً رَطيباً / ننشَق الوصلَ من شَذاه عَبيرا
ليت شعري متى يعود التَّداني / نَقْطف الأُنسَ منه غَضّاً نَضيرا
نَجْتَني البِشْر من وجوه الأماني / ونسوغ الوصالَ عذباً نَميرا
يا رعَى اللهُ ذَاكَ يومَ التَّهاني / إذ غدَا الطَّرفُ بالوصال قَريرا
طاب ذاك اللقا وطبنا نفوسنا / جعل الله ذا الفراق قصيرا
ذَاكَ يومٌ سينطق الدهرُ فِيهِ / بُدِّلوا اليومَ جَنَّةً وحريرا
للهِ أيُّ مَسرةٍ جُمعتْ لنا
للهِ أيُّ مَسرةٍ جُمعتْ لنا / بالرَّفْمتين بِهَا الكؤُوسُ تُدارُ
من كَفِّ أَغْيدَ بالشمائلِ قَدْ غدا / مُنعطِّفاً فِي كفه أوتار
في فتيةٍ حَسد الصباحُ وجوهَهم / فكأنهم وسْطَ الدُّجَى أقمار
تُجلَى عروسُ الكونِ فيما بَيْنَنا / فالوقتُ كأسٌ والحديث عُقار
لَطُفتْ شمائلُهم كما لطف الهوى / فلهم عَلَى وجه الصَّبا آثار
مثلَ الأهلةِ حولَ بدرِ تمامِها / حَفَّت عَلَيْهِ كَأَنَّها أَسْتار
راقتْ مجالسُنا ورقَّ هواؤُنا / بأبي سعيدٍ زانه إِسْفار
نختال زَهْواً فِي الصبابةِ مثلَما / يختال من نَشْوِ الهوى سَكّار
يا ليلةَ السَّرّاءِ دُومي واسْفِري / فَلأنتِ فِي فَلك الهنا أقمار
طاب الزمانُ بأُنسنا وتَعطَّرت / بمليكنا الأَكوانُ والأَقطار
يَا ليلةً رقص الزمانُ بزَهوِها / وبأُنسها قَدْ غَنَّتِ الأَطيارُ
بِتْنا بِهَا والأُنسُ يعتنق الهوى / وبكفها تنتاشُنا الأَسحارُ
حَتَّى إذَا هجم الصبَاحُ برمحه / والليل ظلَّ كَأَنَّهُ أَطْمَار
والنجمُ يَرْمُق من وراءِ غمامةٍ / والصبحُ كَرَّ وللظلامِ فرار
والطيرُ يهتف بالهَديلِ تَرنُّماً / فكأنما نَغمَاتُها مِزْمارُ
والروضُ أَزْهَرَ والغصونُ تفتَّحت / أكمامُها بنفسجٍ وعَرار
والطيرُ ينثر بالأزاهرِ لؤلؤاً / والوردُ فِي كف النسيم يُدار
طَفح السرورُ وهبَّ بردُ نسيمِه / والصبحُ أَسْفَر مَا عَلَيْهِ غُبار
وغدا الدُّجى بيد الصباحِ مُمزَّقاً / لما بدا وتفرق السُّمَّار
فَلْتَنْعمِ الأيامُ مثلَ نعيمِنا / بأبي سعيدٍ والدُّنا والدارُ
ملكٌ بِهِ طاب الزمانُ وأهله / وتَبسَّمت بسروره الأَعْصار
لبست بِهِ الأيامُ ثوبَ غَضارةٍ / وَتضمّخت بعَبيره الأقطار
مَا مدَّ كفاً للجَدايةِ وافِدٌ / إلا وصاح بوَبْلِه الدينار
لا زال فِي أفق الخلافة نَيِّراً / قمراً تُضيء بنوره الأقمار
فَلْتفخر الأكوانُ مَا فخَرتْ بِهِ / وَلْتَهْنَ طوعَ يمينِها الأَقدار