المجموع : 318
ما أَغدرَ الدنيا وليس لغَدْرِها
ما أَغدرَ الدنيا وليس لغَدْرِها / أَثَرٌ يُقصِّر من لَجاجِة طالبِ
شَمْطاءُ تقتل بَعْلَها وفِعالها / مما يَزيد بها غَرامَ الخاطِب
الفَضْلُ فَضْلانِ فضلُ المرءِ بالأَدَبِ
الفَضْلُ فَضْلانِ فضلُ المرءِ بالأَدَبِ / مُقدَّما وَيليه الفضلُ بالنَّسبِ
ففَضْلُ ذي أدَبٍ يُغْنيه عن نسبٍ / وليس ذو نَسَبٍ غانٍ عن الأدب
كنِ ابنَ مَنْ شِئْتَ وَاكسَبْ فضلَ معرفةٍ / يُغْنِيك عن فَضْلِ أُمٍّ كَسْبُه وأَبِ
ولا يَغُرُّك إنْ بارتْ بَضائُعه / فالعلمُ في سائرِ الأَحْوابِ لم يَخِب
فالعزُّ بالجهلِ يَجْنِى سوءَ عاقبةٍ / والذلُّ بالعلمِ يَجْنِى حُسْنَ مُنْقَلَب
شُرْبُك حبَّ الفهمِ صعبٌ فلا
شُرْبُك حبَّ الفهمِ صعبٌ فلا / يَغرُّك ألأمرُ بأنْ تَشْرَبَهْ
لكنَّ للنسيانِ حُبّا وقد / صح لبعض الناس بالتجربْه
وشَرْحُه عند أبي عامر / فلا يَفوتَنَّك أنْ تكتبه
ففَهْمُهُ يُنْبِيك عن صِدْقه / بشاهدٍ كَذَّب مَنْ كَذَّبه
لو كان بالنسيانِ يُحْوَى العُلا / صَحَّ له أَرفعُها مَرْتبه
احفَظْ ولا تَنْسَ فإنْ لم تَكُنْ
احفَظْ ولا تَنْسَ فإنْ لم تَكُنْ / تَحفظُ فازْدَدْ رغبةً في الطَّلَبْ
فالطالبُ الأَبْلهُ مَعْ ما به / أفضلُ من ذي فِطْنٍة م طَلَب
كم ناظر ضَلَّ بلا دُرْبَةٍ / فدَلَّه الأعمى الذي قد دَرِب
وذي ذكاءٍ غرَّه فهمُه / فقَصَّرت همتُه في الدَّأَب
مُتَّكِلا أنَّ له فِطْنةً / تُنِيله العلمَ متى ما طَلَب
وغَرَّه التَّسْوِيفُ حتى غَدا / ما فيه من فَضْلٍ لنقصٍ سَبَب
هل لي إلى الثَّغْرِ من عَوْدٍ ومُنْقَلَبِ
هل لي إلى الثَّغْرِ من عَوْدٍ ومُنْقَلَبِ / فالعيشُ منذ رحيلي عنه لم يَطِبِ
تُرَى أزور القصور البيضَ ثانيةً / بالرملِ بين غصونِ التّين والعنب
وفوقَنا شاهِقاتُ الكَرْم أَخْبِيةٌ / من حولها قُضُب الأغصان كالطُّنُب
وللنسيمِ العَليل الرَّطْبِ وَسْوَسةٌ / فيهن كالسِّرِّبين الرِّفْق والصَّخَب
والوُرْقُ في خَلل الأَوْراقِ مُسْمِعةٌ / طَوْرا غِناءٍ وطورا نَوْحَ مُنتحِب
والروضُ ينشُر مِنْ نُوّاره حُلَلا / مما تَحُوك يدُ الأَنْواءِ والسُّحب
والأُقْحوانُة تحِكى ثغرَ غانيةٍ / تَبسَّمت فيه من عُجْب ومن عَجَبِ
في القَدِّ والثغرِ والريقِ الشَّهِيِّ وطِي / ب الرِّيحِ واللون والتَّفْلِيج والشَّنَبِ
كشَمْسةٍ من لُجَينٍ في زَبَرْ جَدةٍ / قد أَشْرَقَتْ تحتَ مسمارٍ من الذهبِ
وللشَّقائقِ جَمْرٌ في جَوانِبها / بقيةُ الفحمِ لم تَسْتُره باللهب
وللبَهار دَنانيرٌ منمّقةٌ / سْبكُ الغُيوثِ بنارِ الشمسِ في العُشُب
والماءُ تَكْسوه أنفاسُ الصَّبا زَرَدا / ينفك مسروده من لمسِ مُسْتلِب
في فتيةٍ كلما دارتْ مذاكرةٌ / ما بيننا فُضَّ عقد الفَضْل والأدب
يا بَلْدَتي إنْ يَغِب مَغْناك عن نظري / فإنه في سَوادِ القلب لم يَغِب
واهاً على ذلك العيشِ الذي ذهبَتْ / أيامه فيك بين اللهو والطرَب
وللشَّبيبةِ شيطانٌ يُساعِدني / على الهوى ويُواتِيني على أَرَبى
فإنْ دَعاني الهوى لَبيَّتُ دعْوتَه / وإن دعاني لسانُ العَتْب لم أُجِب
أجرُّ ذيلَ غرامي غيرَ مكترِثٍ / بالحادثاتِ ولا باكٍ على النُّوَب
أَمِسى وأُصبِح طَوْرا في بُلَهْنِية / حولَ المَسَّراتِ فيها جُلُّ مُكْتَسَبي
لعبتُ بالزمنِ الماضي فخَلَّفني / من بعده في زمانٍ ظلَّ يلعب بي
هذا بذاك فطبعُ الدهرِ مختلف / لا بد من راحةٍ فيه ومن تعب
لكنْ تَعوَّضتُ بالشيخ الأجلِّ أبى / محمدٍ خيرَ أَوْطانٍ وخيرَ أَبِ
فرعٌ مُنيفٌ أُسامِيُّ له ثَمَر / من جودِه تَجْتنيه الكفُّ من كَثَب
إنْ كن للفضلِ عينٌ فهْو ناظِرُها / أو نسبةٌ فإليه أقربُ النَّسَب
أعطَى الجزيلَ بلا مَنٍّ ولا عِدَةٍ / ولا سؤالٍ فأَغْنَى الناسَ عن طَلَبِ
وجادَ بالجاهِ حتى إنّ سائَله / لو رام ردَّ شَتاتٍ فات لم يَخِبِ
تهزّه أَرْيَحيَّاتُ النَّدَى كرما / هزَّ الفوارِس أطرافِ القَنا السَّلَب
يُبْدي حَياءٍ مُحَيَّاهُ وراحتهُ / حَياً موافِد سيلٍ جاء من صَبَب
خِرْقٌ إذا قِسْتَه بالناس في كرم / وهمةٍ قِسْتَ لُجَّ البحر بالقُلُب
إن شئت أن تبصر الناس الأُلى جمعوا / من الفضائل من عُجْم ومن عَرَب
فالكلُّ في بعضِ جزءٍ من محاسنه / بغير عيبٍ فقد شابوا ولم يَشِبِ
ما زال جامعَ أوصافِ الكمال فلو / لم يَحوِها ما حوَتْها كفُّ مكتسِبِ
أَقْصاهُ جَوْرُ البَيْنِ عن أحبابِهِ
أَقْصاهُ جَوْرُ البَيْنِ عن أحبابِهِ / وزَمانِه وبلادِه وشَبابِه
فبكى وما يغنى البكاء وإنما / هي روحه تَنْهلُّ في تسْكابِه
إن كان دمعُ العينِ راحةَ غيرِه / فدموعُه سببٌ لفَرْط غذابِه
دمعٌ كَواه لأن نارَ جَنانِه / سَبكتْه والعَبراتُ بعضُ مُذابه
يا هل إلى الأِسكندريةِ أَوْبَةٌ / فيُسَرّ قبلَ مَماتِه بإيابه
فَيرى مكان شَبابِه ونِصابه / وحُبَابه وصِحابه وعُبابه
حيثُ النسيمُ الساحليُّ يَزوره / ونَدى رياضِ الرمل عِطْرُ ثيابِه
وَشَفت ثَنايا الثَّغر أفواه الصَّبا / أُصُلا وَبرَّدها الندى برضابه
حتى يَشُقَّ شَقيقه أكمامَه / والأُقْحوانُ يَحُطُّ ثِنْى نِقابه
ويُجمِّش الرَّيحانَ راحُ رياحِه / فيَشُوقُ منه ما يُحدِّثُنا به
نِعْمَ المَحلُّ ونعم مُرْتَبَعٌ به / يَجْلُو جَنانَ الصَّبِّ من أَوْصابه
أَسَفي على ذاك الزمانِ لَوَ أَنّه / بالصَّخرِ فَتَّتَ منه صُمَّ صِلابه
يا ليتَني أَحْظى بشَمِّ نسيمِه / وبديعِ منظره وَلَثْم تُرابه
ويُعِلُّني ذاك الخليجُ بشَرْبةٍ / سِيما إذا انْتَسَجتْ دُروعُ حَبابه
وصَفا وراق وعاد مَدُّ زُلالِه / كالسيف جُرِّد من خِلال قِرابه
فكأنَّه والريحُ تَنْقُش مَتْنَه / حِرْزٌ عليه يُدَقُّ خَطُّ كِتابه
كالمِبْرد المنقوش نَقْشاً خَفَّفت / آثارَ مَوْقِعه يَدا ضُرَّابه
كضَفيرة الْخَوّاص أَمْكَنه لها / سَعَفٌ ضَفا فأرَقَّ ضَفْرَ لُبابه
حيثُ الغصونُ روَاقِصٌ وَيَمامُها / يَشْدوُ لطيبِ الزَّمْرِ من دُولابه
نَعرت نَواعيرُ المياهِ وأُتْرِعت / تلك التِّراعُ وفُضّ فَيْض عُبابه
حتى تُجرِّد سَيْفَه أَسيافُها / بجداولٍ جُدِّلْن في أعشابه
عَسى يُدْنيكَ يا بلدي إيابُ
عَسى يُدْنيكَ يا بلدي إيابُ / وهَبْ ذا تَمَّ لي أين الشبابُ
لَحَا اللهُ النَّوَى فأخفُّ شيءٍ / يُكابِده الفتى منها عَذاب
أُحادِثُ فيك أحداثَ الليالي / حديثاً طالَ أكثُره عِتاب
وقد كانتْ إذا اعتذرتْ أَجابتْ / فزال العذرُ وانقطع الجواب
وبي أسفٌ له في كل عضوٍ / وأَخْفَى شَعْرةٍ مني شِهاب
عَدِمتُك والشبابَ فلو دَهَتْني / مُصيبةُ واحدٍ سَهُل المُصاب
فمالي منكما أبدا بَديلٌ / ولا بلدٌ يَنوبُ ولا خِضاب
ولكنْ بالشّباب الغضِّ شَيْبٌ / أُكابِدُه وبالوطنِ اغْتِراب
ومن صَحِب الليالي ذاقَ منها / ضُروبا ضِمنْها ضَرَبٌ وصاب
وشَرْقيَّ المَحجَّةِ لي غَزالٌ / تُحجِّبه الصَّوارمُ والحِراب
بذلتُ له دمي من بعد مالي / وقَصْدي منه في العِوض الرُّضاب
وحولَ القُبَّة العَلْياء قومي / جُذامُ وحَسْبُك الأُسْد الغِضاب
بَراثُنها الأَسِنَّةُ والمَواضِي / ولكنْ حولَها للسُّمْرِ غَاب
إذا طَلبتْ دمي لم تَرْضَ فيه / إذا اخْتصرَتْ بمن حَمَل التراب
فلو فَزِع الحمامُ لَهوْلِ شيءٍ / لأَفْزَعه لها ظُفُر وناب
وحسبك بالنَّوَى مني بعادا / فهَلاّ في الكَرَى منكِ اقْتراب
وهَبْكِ فررتِ خوفَ العَيْبِ يَقْظَى / فهل في زَوْرةٍ للطيفِ عاب
وفي الإسكندرية لي فُؤادٌ / له في مِصْرَ جُثْمانٌ خراب
يَدِيُنك طاعةً سرا وجهرا / وليس له على عملٍ ثَواب
بذاك الثغرِ أَضْحَكني زمانٌ / بُكاىَ عليه نَوْحٌ وانْتِحاب
سَقى تلك المعاهدَ كلُّ عهدٍ / تَفيض على الهِضاب له هِضاب
مَضتْ لي في جَزيرتها لَيالٍ / لآَلٍ هنّ لو قِيل الصَّواب
فلو نُظِمت قَلائدَ للغواني / لَماَ رَضِيتْ عن الدُّرِّ الرقاب
كأنّ البدرَ فيها عينُ ماءٍ / لها من فائض النورِ انْسِكاب
تُضىء بها المساجدُ فهي تَزْهُو / بياضا مثل ما تزهو الكَعاب
تُجاورها مَنارتُها وفيها / وفي فانوسِها عَجَبَ عُجاب
فتاةٌ غادةٌ بإزاءِ شيخٍ / قصيرٍ طالَ بينهما العتاب
سَقى اللهُ السَّوارىَ بالسَّوارى / ودَرَّت في مَذاهِبِها الذِّهاب
فكم عيدٍ بها أَهْدَى وأَدْنَى / حبيباً كانَ أَبْعَده اجْتِناب
وفي البابِ القديمِ قديمُ عهدٍ / يُذَكِّرنيِه للنُّزَهِ الذّهاب
وسيفُ خليجِها كالسيفِ حَدّاً / وفي أَرجِ الرياحِ له اضطراب
يَمُدُ مُدىً تُلَّقب بالمجَارِي / وليس لمُدْيَةٍ منْها قِراب
وإيقاعُ الضفادعِ فيه عالٍ / وللدولاب زَمْرٌ وَاصْطِخاب
وَتكسوه الرّياحُ دروعَ حرْبٍ / ولا طعنٌ هناك ولا ضِراب
وترقُص في جوانِبه غصونٌ / كرقصٍ الغِيد مادَ بها الشّراب
وتشدو بينَها الأطيارُ شَدْوا / رَخيما للقلوبِ به انْجِذاب
وكم لي بالكنيسة من كِناسٍ / به رَشَأُ جَلَتْه لنا القِباب
وكم لي بالمجاَلسِ من جلوسٍ / تحفُّ به الأَحبةُ والصِّحاب
وبحرُ المِلحْ مثل الفحلِ يَرْغُو / ويُزْبِد حين يُقْلِقه الهِباب
وتحسب سفنه صفةً ولونا / فُيولا حينَ يرفعُها العُباب
وأذكُر قصرَ فارسَ والمعلَّى / ففيِه لكلِّ موعظةٍ مَناب
وَهي من بعد قوته فأضْحَى / كما بَركتْ على الغبراءِ نابُ
وأفَنتْ مُلْكَ ساكِنه الليالي / وكم فاضتْ بعسكرِه الشِّعاب
فأصبحَ دِمْنةً تَغْدُو السَّوافى / عليه وقَصْرُه قَفرٌ يَباب
تَنوح الهاتفاتُ على ذُراه / وتُعْشِبُ في أسافِله الرِّحاب
ففي تلك الشَّقائقِ منه شاقتْ / شَقائقُ شُقِّقَتْ منها الثياب
تراءتْ من كَمائِمِه فكانتْ / كحُمْر اللاّذِ أَبْدَتْها العِياب
تُحَرّكها الصَّبا فتَخالُ فيها / بحارَ دمٍ يُموِّجها انْصِبابُ
كأنّ الْخَمْرةَ الحَمْراء رَاقتْ / وأوراقُ الشَّقيقِ لها قِعاب
وتحسَب فحمةً في كل ساقٍ / أحاط سِوَى اليسيرِ بها الْتهاب
كأنَّ الأقحوانَ به ثغور / مُفلَّجةٌ مُؤشَّرةٌ عِذاب
وقد بَهَرتْ دنانيرٌ دَعَوْها / بَهارا كَنْزُها ذاكَ الحَباب
فظهْرُ الظاهِريِة لي مُقام / تَخُبُّ بنا إلى دَدِه الرِّكاب
ولا سِيَمَا إذا كُسِيت رُباها / ملابسَ كان يَرْقُمها السحاب
وكم يومٍ لنا بالرملِ فيه / حديثٌ مثل ما نثُر السحاب
حديثٌ كاسمِه فينا حديثٌ / كما يَسْقِى أَخا ظمأٍ ثِغاب
جلسْنا والرمالُ لنا َحشايا / وأوراقُ الكُرومِ لنا حِجاب
على الكُثْبان أضكْثِبة سِمانٌ / وفي الأغْصان أغصانٌ رِطاب
به القَصْران كالرِّجْلين لاحا / على بُعْدٍ يُقِلُّهما السَّراب
أقاما صاحبَين مع الليالي / ولم يَنْعَب ببيْنِهما الغراب
ولكنْ سوف يفترقان قسْرا / وهل يبقَى مع الدهرِ اصطحاب
أَإخواني بذاك الثَّغْرِ عندي / لكم وُدٌّ يَروق فلا يُشاب
رسَا تحتَ الثَّرَى وعلى الثُّرَيّا / فدُونَ ثَباتِه الشُّمُّ الصِّلاب
أُؤمِّلُ أن تُقرِّبنا الليالي / وآيَسُ حين يُعجِزني الطِّلاب
وكم سببٍ تَوجَّه ثم تأتِي / عوائقُ ما ألمَّ بها الحساب
وكم سلمتُ للأٌقدارِ لكنْ / جِبِلَّةُ كلِّ مَنْ نُكِب اكتئاب
سأَدعو الله معْ سَرَف المَعاصِي / فقد تدعو العُصاة وقد تُجاب
على تلك الدِّيارِ ومَنْ حَوَتّها / سلامٌ كالسلامةِ يُسْتَطاب
يُكرِّره لساني بل كتابي / بلِ الأيامُ إنْ دَرَس الكتاب
يا ساحلَ الثَّغرِ كم لي فيكَ من أَربِ
يا ساحلَ الثَّغرِ كم لي فيكَ من أَربِ / ومن سرورٍ ومن عَهْدٍ ومن طَرَبِ
ومن حبيبٍ أَرانِي فيكَ مَنظرُه / رَوْضا من الْحُسْنِ في روضٍ من الأدبِ
ومن أصيلٍ كأنّ الماءَ فيكَ به / ذَوْبُ اللُّجَين عَلاهُ ذائبُ الذهبِ
ومن حديثٍ يَسُرُّ النفسَ مَوْقعُه / كأنما اشْتُقَّ من صِرفِ ابْنِة العِنَب
قد كان في رَدِّ ماضِي العيشِ فيك لنا / بعضُ الرجاءِ لوَ أنيِّ كنتُ لم أَشِب
ولو أعادتْ ليَ الأيامُ ما أَخذتْ / مع المشيبِ الذي أَبقَتْه لم يَطِب
فالشيبُ أولُ موتِ المرءِ منه إذا / بَدا به كدَبيبِ النارِ في الحَطَب
يا ثغرَ لَهْوِى وثَغراً كنتُ أَرشفُه / بُكاىَ من كلِّ ثَغرٍ ظلَّ يلعبُ بي
بَعدْتما ودَنا مني فهلْ سببٌ / يُدنيكما وهْو مني غيرُ مُقْترِب
قد كنتُ أعجِزُ عن حَمْلِى طَليعتَه / فكيف حالي بَحْملِ الْجَحْفلِ اللَّجِب
يا ساحلَ الثَّغْرِ كم أَنْأَى وأغْترِبُ
يا ساحلَ الثَّغْرِ كم أَنْأَى وأغْترِبُ / أما إليكَ مَدى الأيامِ مُنقَلَبُ
ويا أوائلَ أيامِ الشبابِ به / هل لي إليكنّ فيه ساعةً سَبَبُ
واللهِ ما اخترتُ مِصْرا عنكَ عن مِقَةٍ / وإنْ غَدا العيشُ لِي فيها كما يَجِبُ
ولو جَرى نيلُها لي فضةً وغَدا / سفحُ المُقطَّم منها وهو لي ذهَب
ما اخْترتُها عِوضَا ممن نشأتُ بها / ولا شفَى ليَ منها غُلَّةً أَرَبُ
جار الزمانُ على شَمْلي ولا عجبٌ / من ذلك الْجَوْرِ بل إنْصافه عَجَب
لكنْ إذا أكَّدَ المِقدارُ عُقْدتَه / فكلُّ حلٍّ إذا حاولَته تعب
لا تَفْرَحنَّ إذا أعطاكَ من عُرُضٍ / فإن بعض عَطاياهُ له سَبَب
سَلِّمْ إذا كان ما لابُدَّ منه فما / يُنجِيك من كونه حِرْصٌ ولا هَرَب
ياثالثَ القَمريْن حَسْبُك أنني
ياثالثَ القَمريْن حَسْبُك أنني / أصبحتُ ثالث عاذلٍ ورقيبِ
إن كان قد حَجَبوك دونَ زيارتي / فامتُن بطيفٍ ليس بالمحجوب
واللهِ ما آسَى لأعْظمِ فائتٍ / إنْ كنتَ من قِبَلِ الزمان نصيبي
مالي بخِلتُ بكم كبُخلِ زمانِنا / للأَفْضَلِ المُحْيِي الوَرَى بضَريبِ
وسمحتمُ بي معْ صحيحِ مودتي / كسَماحِه للناسِ بالموهوب
أَلاَ هلْ إلى بَرْدِ الأَصائلِ بالحِمىَ
أَلاَ هلْ إلى بَرْدِ الأَصائلِ بالحِمىَ / على الرملِ في ظِلِّ الأَراكِ إِيابُ
ليالِيَ يُزْهِينِي لذيذُ حديثكم / وألفاظُه مهمَا استعدتُ عِذاب
ولا مرسل إلا لساني إِليكُم / ولا في سوى دمعي يُرَدّ جواب
ولا تَستثير الشوقَ مني حمامةٌ / ويُذْكِرني يومَ الفراق غراب
ودار وإخوان وأهل وجيرة / وأمن وأمر نافِذ وشباب
لقد خِلتُ فضلَ الأفضلَ اختصني به / كعادته لو لم يُزله ذهاب
ماذا يقول المادحو
ماذا يقول المادحو / نَ وأنت مُخترع الغَرائبْ
أعْجزتَ كلَّ فضيلةٍ / حتى تَعجَّبتِ العَجائب
ووهبتَ أهلَ الأرضِ حَ / تى لم تجدْ في الخلقِ طالب
وفَضَحتَ فضلَ السابِقي / ن فصار مَدْحهمُ مَثالب
فُقْتَ الكواكبَ ضِعْف ما / فاقت على الأرضِ الكواكب
فنِهاية العَلْياءِ أنْ / زلُ ما علوتَ منَ المَراتب
وإذا أَشرتَ بعَزْمةٍ / ضاقتْ على الدهرِ المذَاهب
وإذا دَنوتَ من الوَغَى / فالموتُ أَجْزعُ من تُحارب
وإذا الملوكُ تَفاخرَتْ / برفيع أَقْدارِ المَناصب
فلِعَبْدِ عبدِكَ فيهمُ / فَخْرُ الأسودِ على الثعالب
الحبُّ مُذْ كان معنىً يَصْحَب الأَدَبا
الحبُّ مُذْ كان معنىً يَصْحَب الأَدَبا / فإنْ تغزلتَ في مدحٍ فلا عَجَبا
وأحسنُ الشعرِ ما أَضْحَى تَغزُّلُه / إلى المَدائحِ في إنشادِه سَببَا
والفهم كالنارِ والتَّشْبيبُ إنْ خَمَدتْ / يَشُبُّها بلَطِيفَىْ فكرةٍ وصَبَا
كم فكرةٍ أَنْتَجَتْ معنىً لمُلتهِب / بالشوق لو رامَه في غيرِه عَزَبا
وحكمةُ العَربِ الماضِين كامِنةٌ / في الشعرِ فليَقْفُ من يُعْنَى به العربا
فهل تَعاطاهُ فَحْلٌ في فَصاحتِه / إلا بكى سَكَنا أو ناح أو نَدَبا
والشعرُ تَلْقينُ شيطانِ الغَرام فلا / يُمْلِي غَرائبَه إلا لمن نَسَبا
إلا مَائحَ شاهِنْشاهَ لا بَرِحتْ / تُشرِّف اللفظَ والمعنى إذا اصطحبا
جَلَّت مَحاسِنُها عما تُضافُ له / مُستغنِيات عن المُثْنِى وإنْ دَرِبا
لو لم تجد شاعرا في الأرض يَنْظِمها / عجزا لأَنْشَد فيها الحقُّ واخْتَطبا
حَكتْ لنا العيشَ في أيامِ دولِته / لِطيبِه كلما كَرَّرْتَه عَذُبا
تَصَرَّفتْ في لُهاهُ الْخَلْقُ جائلةً / في الأرض تملأ قُطْرَيْها بما رَحُبا
كم قَدْرُ ما قيل فيها وهْي في شرفٍ / وكثرةٍ وارتفاع فاقتِ الشُّهبُا
فنَفْسُه حيثُ حَلَّتْ في تَفرُّدِها / يَحْوىٍ بها كلُّ قطرٍ عَسْكراً لجِبَا
وكلُّ شيءٍ نَفيسٍ من مَواهِبه / والأرضُ والْخَلْق طُرًّا بعضُ ما كَسبا
أَعْطَى المَدائنَ والْجَمَّ الهَجائنَ وال / جُرْدَ الصَّواهلَ لما استَنْفَذ الذَّهبا
فليس يتركُ صوتُ المُسْتَميحِ له / ما لا على عُظْمِ ما يَحْوِي ولا نَشَبا
صِفْ عنه ما شئتَ مِن مدحٍ ومن كرمٍ / وهيبةٍ وافتخارٍ تَأمَنِ الكذبا
ذو همةٍ لو يُلَقَّى بعضَ ما حَمَلت / طَوْدٌ من الشْمِّ أَدْنَى ساعةٍ نُكِبا
ذو همةٍ لو تَلاها البرقُ وانيةً / لاستعجزَتْه على إسراعِه وكبا
ما دتْ بنا الأرضُ لا / أدري هل اضطربَت
من عَدْلِه طَرَبا أو خَوْفِه رَهَبا /
سارتْ له سيرةٌ أَدْنَى مَناقِبها / قد عَطَّر الأرضَ والأفواهَ والكُتبا
تَضَمَّنتْ غَزواتٍ كلما ضحك ال / إسلامُ عنهنّ ناحَ الكفرُ وانْتَحَبا
أرضَى المَساجَد والزُّهّادَ عنه ألا / للهِ ما أَسْخطَ الرُّهبانَ والصُّلُبا
وللأَذانِ سرورٌ في مَواطِنِه / تُبدِي النَّواقْيسُ منه الوَيْلَ والْحَرَبا
ضَمِّرْ خيولكَ للنصرِ التي وُعِدتْ / وَثَقِّفِ السُّمْرَ حَزْما وارْهَف القُضُبا
أَبشِرْ فعاداتُ وفدِ النصرِ قادمةٌ / كالِهيمِ من بعدِ خَمْسٍ وافتِ القَرَبا
واسْفِكْ دما في طُلَى الأَعداءِ منتظِرا / فلو أشارتْ له أَسيافُك وانْسَكبا
يا أَفضلَ الناسِ أَفْعالا وتسميةً / وأعدلَ الخَلْق نفساً حُرّة وأَبا
لم يَعْدَم الملكُ نَصْرا من سيوفكما / فيما نأَى من قديم الدهرِ أو قَرُبا
أما أبوك الذي رَدَّت عَزائُمه / للملك فيما مضى الحقَّ الذي اغتُصِبا
وأَمَّن الأرضَ بالخوفِ الذي نَهَبتْ / أَدْنَى سَراياهُ فيها أَمْنَ مَنْ نَهَبا
وبعدَها لو نَهَيْتَ الحُوتَ في لُجَجٍ / عن شُرْبِه دام ظَمْآنا ولو شَرِبا
والريحَ في الجو لا تجرِي ولو عَصَفتْ / إلا بما تبتغِيه شَمْأَلا وصَبَا
والليثَ في البِيدِ يُغْضي عن فَريسته / خوفاً ولو نازعَتْه قوة اجتَنَبَا
لولاك ما غَمّضتْ عينُ امرىءٍ فَرَقا / ولا لَقِى هُدُبٌ من جَفْنِها هُدُبا
لا قَلَّصَ الله ظِلاّ أنتَ باسطُه / ولا سحابَ نَوالٍ منك مُنسحِبا
فالناسُ في بركاتٍ أنتَ مَوْرِدُها / كادت لها كلُّ نفسٍ تَأْمنُ السُّحُبا
دليلُ يُمْنِكَ أنّ النيلَ في نَسَقٍ / وافٍ به مُذْ كَفانا سَعْدُك النُّوَبا
ما دولةٌ سَلَفتْ إلا وكان بها / نقصٌ من النيلِ يُفنى أهلَها سَغَبا
حتى وَليتَ فما في الأرضِ مرتفعٌ / حتى ارْتَوَى وهْو في الطُّوفانِ ما شَرِبا
وهذه في مَعانٍ قد سبقتَ لها / من كان قبلَك أو فاسْتَخْبِرِ الحِقَبا
كم رام قبلَك في الماضين من ملك / هذا فلم تَقْضِ منه نفسُه أَرَبا
تَهَنَّ ذاك وهذا الشهرَ مبتدِئا / فما يخصُّ هَنائي وحدَه رَجَبا
ما ثَلثَ نِيلَك نَيْلا ثم شهرَك ذا / فضلاً وكلٌّ يُوافِى خائراً تَعبا
لكل شهرٍ ونهرٍ بعضُ منزلةٍ / مما حويتَ من الفَضْلَيْن إنْ نُسِبا
يا أوْحدَ الفضلِ قد كَثَّرتَ منفرِدا / ويا غَريبَ العُلَى عَرَّفْتَ مغترِبا
وهبتَني فوهبتُ الناسَ عن سعةٍ / يا واهبا يَهَب الموهوبَ أن يَهبَا
كم قَدْرُ شكرِي وإن سارتَ مواكبُه / حتى يُخفِّفَ عني بعضَ ما يجبا
فلو أَعانَ لساني كلُّ ذي كَلِمٍ / في شُكْرِ أَيْسَرِ ما أَوْليتَني غُلبا
لكنَّني سوفَ أُبدي جهدَ مقدرتي / إنْ لم تَطِر بجوادٍ أَربعٌ وكَبا
يا ما نعَ الناس لما جُدْتَ عن كرمٍ / صَعَّبتَ ما هانَ إذ هَوَّنتَ ما صَعُبا
لقد تَطوَّلتَ حتى طُلْتَ عن شَبَهٍ / مَهْلا فجودُك مُعْطٍ مثلَ ما سلبا
لا زال عُمْرُك كالأفلاكِ دائرةً / يكررُ الدهرُ منه كلَّ ما ذهبا
يا خَليليَّ الهوى بَرَّحَ بي
يا خَليليَّ الهوى بَرَّحَ بي / فاغْنما الفرصةَ في مُكتِئبِ
فإذا نوَّر حادِيهمْ غدا / عَرِّضا بأسمى لذاك الرَّبْربِ
واقْصِدا منه غزالا باسماً / عن شَتيتٍ كالأَقاحِي شَنِبِ
وهلالا في قَضيبٍ ناعم / يَتثنَّى في نَقاً مضطرِب
يُخجِلُ الشمسَ أضاءَتْ في الضُّحَى / ذاك ما زال وذِي لم تَغِب
فعَسَى وَحْىُ سلامٍ خلْسةً / ببَنانٍ من دمي مُختضِب
آهِ من لوعةِ وجدٍ دائم / يَتلظَّى في حَشًى ملتهب
هي أَسْيافٌ وتُدْعَى حَدَقا / يالقَومي من عيونِ العَرب
فاتقِ الأَضْفَ منها فلقد / نَقَضت عاداتِها في الحَسَب
واحْذَر الأضعف من أَجْفانها / فالمَنايا بين تلك الهُدُب
أينَ ما كنا تنا جَيْنا به / وغَرابيبُ النَّوَى لم تَنْعب
من حديثٍ عَذُبتْ ألفاظُه / كضَريبٍ كامنٍ في ضَرَب
رقَّ حتى لو سَرَى في يَذْبُلٍ / رقصتْ أكنافه من طرب
وتَرشَّفتُ رُضابا كُلّما عَلَّنِي / عُدتُ كأنْ لم أشربِ
خمرة لكنّها بنتُ الَّلمَى / حَسَدتْها بنتُ ماءِ العِنَب
هي من كأسٍ عَلاها حَبَبٌ / وأُحاشِي مثلَه عن حَبَبِ
عَجَبي منه وإنْ أكْثَرْتُ في / كلِّ ما أبصرتُ منه عَجَبي
لؤلؤٌ اَصْغرُه أَفْخَرُه / جلَّ في السِّلكِ وإنْ لم يُثْقَب
ليتَ شِعْري والأماني راحةٌ / للمحبِّ النّازِح المُغْترِب
هل تُغنِّينا حَماماتُ الحِمَى / في ظِلال الأَيْكِ بين الكُثُب
بغناءٍ أعجميٍّ لفظُه / يُفْهِم السّمْعَ وإنْ لم يُعْرِب
يُطرِب السامعَ حتى أنه / يَقْتدى فيه بمُلْد القُضُب
وكأنَّ الروضَ فيه غادةٌ / تَتهادَى في الثياب القُشُب
والأَقاحِي كَلآلٍ نُظِمت / في حَواشِي كوكبٍ من ذَهَب
وبَهارٌ باهر هيئته / مثل جِرْمِ الشمس عند المغرب
كالدنانير بَدَتْ ألوانه / تُعدِم الإعدامَ كفَّ التَّرِب
وشقيق شُقِّقت أَطْمارُه / كدموعِ العارضِ المُنتحِب
أَسْودٌ في أحمرٍ تَحسَبُه / فَحَما في جَمْرِها الملتهِب
أو كخالٍ لاح في وَجْنة ذي / خجلٍ فَرَّط أو ذي غضب
وتخال السَّوْسَن الغَضَّ على / عَذبات الرَّملِ بِيض العَذَب
ونسيمَ الريحِ يسعى ظالعا / واهيَ الْخَطْوِ كَليلَ المَنْكِب
فإذا صافحَ أَرْدانَ الرُّبا / أَرِجتْ من ذيله المُنسحِب
وكأن الجدولَ الجاري بها / صارمٌ في راحتَيْ مضطرِب
حيث لا واشٍ ولا لاحٍ ولا / خِيفةٌ من كاشحٍ مُرْتَقِب
ذاك عيشٌ لو تَمادَى خِلْته / شاملَ العدلِ الرَّحيبِ الأطْيَب
في زمانِ الأفْضلِ المُحيْى الوَرَى / سِيّما فيه فنونُ الأدب
عاش فيه من عَفا حتى لقد / كاد يُحْيى أعْظُما من يَعْرُب
وأضاء العدلُ حتى لم تَجد / ظُلَمُ الظُّلْمِ له من سَبَب
فلَياليه حَكَتْ أيامَه / فكأنّ الشمسَ لم تَحْتجب
وبغاثُ الطيرِ في أفنانها / آمنات من ذَوات المِخْلَب
وتَوخَّى الليثُ إكرامَ الظِّبا / واتّقى السِّرْحانُ ظلمَ الثعلب
وأدالَ الحقَّ حتى أَخَذَتْ / آلُ بَكْرٍ ثَأْرَها من تَغْلِب
هذه مِصرٌ وهذا يوسفٌ / خُلْقُه في خُلُق لم يذهب
لو رأى فرعونُها وجهَك ما / عَلق الدعوى بقولِ الكذب
ورأى الأَوْلَى به أنْ يَدَّعِى / أنه عبدُك أعلى الرُّتَب
ورأى النِّيلَ الذي اسْتَعْظَمه / قطرةً من نَيْلِك المُنْتهَب
ورأى أضعافه من ذهبٍ / فاض من كَفَّيْك للمسْتَوهِب
أين ماءُ النيلِ من كفِّك إذ / أخجل البحرَ ووَدْقَ السُّحب
ولهذا كان في العام له / وقفة من خجل أو رَهَب
ثم حاكَى من أياديك نَدىً / فانْتَحَى الأرضَ بَجْرى مُغرِب
فهْو لولا خِيفة تَزْجُره / منك أَوْدَى فَيْضُه بالسُّحب
بَركات منك لا نَعْدَمُها / قَصَّرت فيها صِفاتُ المُطْنِب
سائلٌ لا يَنْقِضى طولَ المَدى / ونَوال سائل لم ينضُب
يا بْنَ مُحْيى الملك من بعد التَّوَى / وهوى كل من يابي سحب
ومُجيرِ الدولةِ الغَرَّاءِ من / جورِ باغٍ رامَها بالسَّلَب
ومُنيرِ الأرضِ بالأمنْ وقد / أصبحتْ من خوفِها في غَيْهَب
والذي لبَّى مجيبا صوتها / بعد أن نادتْ بمن لم يُجِب
ثم شامَتْ منه برقا صادقا / لم يكن منذ خَفَا بالْخُلَّب
فأَتاها سَيْلُه محتِملا / كلَّ ذي لُبٍّ على ذي لَبَب
من إذا رام السُّها مقتصِدا / طاعنا أو راشِقا لم يُعْزِب
يسبق البرقَ وينأى وادِعا / عنه بالتقريب أو بالْخَبَب
شبَّ نار الحزمِ فيها فإذا / كلُّ باغٍ عندها كالْخَطَب
ما حَوَيْتُم ملككم ظُلْما ولا / دُفِعت منكم لمن لم يَجب
بل بحقٍ ظاهرٍ بُرهانُه / مُذْ أضاءتْ شمسُه لم تَغْرُب
كلُّ من أَحْيا مكانا مَيِّتا / حازَه مِلْكا بفَتْوَى المَذْهَب
ولقد أبقَى لها منك الذي / سَعِدتْ منه بأَوْفَى سَبَب
بمُوَفِّى العدلِ فيها حَقَّه / كان بالأَسْهلَ أو بالأصعب
أنت بِكْرُ الفضلِ لم يأتِ له / بأخٍ مذ كان عَدُّ الحِقَب
راع بالْخَطِّىِّ والخط العِدَا / فالكَتيبات له كالكُتب
مادتِ الأرضُ به زَهْوا على / أنها من حلمه في نَصَب
ناب عنه الرعبُ حتى أنه / يقتل القِرن وإن لم يَضْرِب
وإذا عَنَّ فأقْصَى نظرةٍ / منه تُودِى بالْخَميس باللَّجب
أمُغيثَ الدين نَصْرا حين لم / يبقَ منه منكبٌ لم يُنْكَب
وملوكُ الأرضِ كلٌّ غافلٌ / عنه في التقصيرِ أو في اللعب
قمتَ لله احْتِسابا صادقا / ناهِضا فيه بعِبْءٍ مُتْعِب
مستمرَّ الجِدِّ في اسْتِصْلاحه / آخذا منه بجمعٍ أرْحَب
ليس يُلْهيكَ مَرامٌ دونَه / لا ولا يَثْنيك طولُ الدَّأَب
جاهدا تُقْدم حتى رَدَّه / حَزْمُك الثَّبْتُ لأَعْلَى مَنْصِب
فجَزاك اللهُ عن إسلامه / خيرَ ما جازَى به مَن يَجْتَبي
فاهْنَ بالعيدِ الذي أَوْفَدَه / طالع أَبْدَى مُحَيّا رجب
جاء يَسْتَجْديك فَضلا مثل ما / عَمَّنا من جُودِك المُسْتعذَب
فهْو أولَى أن يُهنَّى بك إذ / نال ما شَرَّفْتَه من كَثَب
هو مع تِلْوَيْهِ في العامِ كما / أنت ما بين ابنِ أُمٍّ وَأَب
أَشْهُرٌ خُصَّتْ بفضلٍ ظاهر / هو من فضْلِك مثل القُضُب
ولها فخرٌ على أمثالها / وهو لا شكَّ لفَضْلٍ موجب
من دَنا منك فمعذورٌ إذا / أدركتْه عزةُ المُعْتَجِب
فابْقَ مسرورا مُهنًّى كاسبا / لأيادي البيض أسْنَى مكسب
أَبَدَا تَسْمُو وذكراك حُلَى / زِنِة الشعرِ وَسَجْعِ الْخُطَب
بَدا شَيْبُه قبلَ ابتداءِ شَبابِه
بَدا شَيْبُه قبلَ ابتداءِ شَبابِه / وولَّى الصِّبا عنه عَقيبَ اغْترابِهِ
وما حان وقتُ الشيبِ منه وإنما / له عِلَّةٌ من وَجْدِه واكْتئابه
فدَام طبيعيُّ السوادِ بشعرِه / دوامَ مَشيبٍ تحت زُور خِضابه
ومن خامرَتْ خمر الهوى كأس لُبِّه / فإنّ نجومَ الشيبِ بعضُ حَبابه
ولما طَمَى بحرُ الغرامِ بقلبه / طَفا زَبَدٌ في فَرْقِه من عُبابه
حَذِرتُ الهوى مذْ كنتُ حتى استفَزَّني / بوجهٍ كأنَّ الشمس تحت نقابه
وقد كتب الحسنُ اسَمه فوقَ خَدَّه / ولم يَبْد إلا نُونُه من كتابه
وقد أَطلعَتْ أزْرارُه الشمسَ في الدُّجَى / وماد النَّقا بالغُصنِ تحتَ ثيابه
وما عَجَبي من روضةٍ طَلَّها النَّدَى / على خَدِّه لم تَحتْرِق بالْتِهابه
ومن بَرَدٍ يَفْتَرُّ عنه وكيف لم / يَذُب وهْو مغمورٌ بشَهد رُضابِه
أحِنُّ إلى الفُسطاط ما لم أكن به / حنينَ طَليحِ الرَّكْبِ بعدَ ذهابه
وتَهْفُو بقلبي زَفْرةٌ لو تَلبَّسَتْ / بصُمِّ الصَّفا لانتْ مُتونُ صِلابه
وأسمو لرَوضىِّ النسيمِ لعلّني / أُصادف منه نَفْحةً من تُرابه
واستقبلُ الرُّكْبانَ من كلِّ وِجْهةٍ / لعلَّ بمصرٍ ذاكرا في خِطابه
وأهجرُ عَذْبَ الماءِ معْ طول غُلَّةٍ / إذا لم يُنِلنِي النِّيلُ بردَ شَرابه
وتَسْودُّ في عينِي البلادُ تذكُّراً / لخضرةِ شَطَّيْهِ وبيضِ قِبابه
وكم لي على سفحِ المقطَّم وَقْفةٌ / لها أثرٌ في وَهْدِه وهِضابه
فَضَضْنا بها سِلْك الحديثِ فخِلْتُه / يَميد بنا زَهْوا لطيبِ عِتابه
وفي البركةِ الغَنَّاءِ للطَّرْفِ مَسْرَحٌ / نَهَى ما انْطَوَى من جَفْنه عن مآبه
يُبلِّغُنا عن زَهْرِها وافدُ الصَّبا / سَلاما تَولَّى المسكُ رَدَّ جوابهِ
إذا جَمَّش الغُدرانَ واهِى نَسيمِها / حَكَتْ زَرَدا فُضَّت أَعالِي عُبابه
وَينْسلُّ في ساحاتِها كلُّ جَدْولٍ / كما سُلَّ مَطْرورُ الشَّبا من قِرابه
ولما حَباني الدهرُ منه بعودةٍ / وراجَعَ حظى بعدَ طولِ اجْتِنابه
وهبتُ لقُرْبٍ سَرَّني بنعيمه / جنايَة بُعْدٍ ساءني بعِقابه
فإن كنتُ في مصرٍ غَريبا فجُلُّ ما / يَنالُ الغَريبُ العِزُّ عند اغْتِرابه
وردتُ بها بحرَ النَّوال مُشرِّقا / وغرَّب غيري آمِلا لسَرابه
فأصبحتُ فيهاَ خادمَ الأَفْضلِ الذي / زَحَمتُ ملوكَ الأرضِ تحتَ رِكابه
جَلوتُ عليه كلَّ عذراءَ ما ارْتَضَتْ / ببعلٍ إلى أن هَرْولتْ بحجِابه
جَهدت فما غاليْتُ في مدحِه بها / ولكنني غاليتُ في مَدْحِها به
إذا نَوَتِ الآمالُ للجودِ حجَّةً / فما تَجْتَرِى إلا الوقوفُ ببابه
وتَسْتلم الركنَ اليَمانِى بداره / وتُكْمِل سَعيا في طوافِ جَنابه
زَرَتْ كُّفه اليمنى على الغيثِ فانثنتْ / به خَجْلةٌ عن مصرَ بعد انْسِكابه
وما النيلُ إلا مُشْبِهٌ بعضَ نَيْلِه / إذا غَمَر الدنيا بفَيْضِ انْصِبابه
إذا ادخر المالَ الملوك فإنما / جزيلُ الثَّنا والحمدِ جُلُّ اكْتِسابه
على أنَّ ما حازُوه من صَدقاتِه / عليهم لما يحظى به من ثوابه
ويُحِيى رِضاهُ النفسَ بعدَ فَنائِها / ويُفْنِى سُطاه الليثَ داخلَ غابه
إذا ما عَتا شيطانُ أرض وإنْ نَأَتْ / فأقربُ شيءٍ منه نارُ شِهابِه
أَجار من الأيام فالحُرُّ آمِنٌ / على نفسه من صَرْفِها وانْقِلابه
ومَدَّ بِساطَ العدلِ حتى تَوقَّرت / أسودُ الشَّرَى في القَفْرِ قبلَ ذئابه
فما الحَرَمُ المشهور بالأمنِ في الوَرَى / بآمَنَ من صحرائهِ وَيبابِه
له سيفُ نصرٍ كلَّما هزَّ نصلَه / تَتَبَّع نابُ الموتِ أمرَ ذُبابه
وجيشُ اعْتزامٍ تَظْلَعُ الريحُ خَلْفَه / وتَقْفُوا أَوالِى البرقِ أُخْرَى عِرابه
يُقاتلُ عنه الرُّعبُ قبلَ قِتاله / ويضرِب عنه النصرُ قبلَ ضِرابه
يُضايقُ وجهَ الأرضِ طَوْرا بجيشِه / فأَعْوَزُ شيءٍ جَلْسَةٌ في رِحابه
وثارَ به في ساحةِ الخوفِ قَسْطَلٌ / فضاقتْ على عِقْبانِه وسَحابه
وأَطْرَفَ طَرْف الشمسِ حتى كأنّها / وقد خَفِيتْ وَسْنَى لفَرْطِ ضَبابه
وبثَّ على البحر الأساطيل جَحْفَلا / بأكثرَ من نِينانِه ودَوابه
فضَمَّ مُتون اللٌّجِّ منتِظم القَنا / كما يَتراءَى شِبْهُهم في إهابه
إذا عَن شاهِنْشاهُ ذِكْرا تزعزعتْ / قوى كلِّ جبارٍ لفَرْط ارْتِعابه
كَسا الفَضْلُ فضْلا حين أضْحَى سَمِيَّه / ومَتَّ إلى أَفْعالِه بانتسابه
له قلمٌ يستخدِم السيفَ والقَنا / وتُغْنى وتُفْنى قطرةٌ من لُعابه
تَوَدّ سُوَيْدا قلبِ كلِّ أخِى نُهىً / إذا مدَّ نفْسا لو جرَتْ في مُذابه
فمهما توالتْ نعمةٌ فبشَهْدِه / ومهما تناهتْ نقمةٌ فبصَابِه
جمعتَ فنونَ الفضل فاخترتَ كل ما انْ / فرَدْتَ به من لُبِّه ولُبابه
فيا عيدَ عيدَ الخَلْقِ يَهْنِيه أنه / يُقيم ثلاثاً في ذَراكَ كدابِه
ويُبصر فيها كلَّ مَلْكٍ مُقبِّلا / لَدَيْك الثَّرَى معْ كبره واعْتِجابه
ويعلم أن العيد وجهُك دائما / بمصرٍ ولكن نابَ بعضَ مَنابه
وأنّ له من عُظْمِ قَدْرِك في الوَرَى / ومن نَحْرِك الأعداءَ بعضَ مَشابه
بقيتَ تُهَنَّا كلَّ يومٍ بنعمةٍ / مَدَى الدهرِ من تَوْديعِه لإيابِه
فإنك معنىً والخليفةُ كلُّها / كلامُ زمان لو عَداكَ هَذَى به
هلالٌ في قضيبٍ في كَثيبِ
هلالٌ في قضيبٍ في كَثيبِ / لواحِظُ طَرْفِه شَرَكُ القلوبِ
أعفُّ عن الكبائر فيه جُهدي / وأسمح بالصغير من الذنوب
وأرشُفُ منه ثَغْرا كالأَقاحِي / وأَلزَم منه قَدّا كالقَضيب
وأُبصر شمس غُرَّته إذا ما / تَراءتْ بين أَفْلاكِ الجُيوب
فآمَنُ باللقاءِ من التَّنائي / وأظفرَ بالحديث بلا رقيب
كما أمِن الأَنامُ بأرض مصرٍ / بشاهِنْشاهَ من أَلمِ الخُطوب
هو الملكُ الذي لولا نَداهُ / لَمَا رَقَّ الزمانُ على أديب
لقد جُدْتَ حتى ما دَنا منك وافدُ
لقد جُدْتَ حتى ما دَنا منك وافدُ / وخَوَّفتَ حتى ما نَأَى عنك عازبُ
وقد اثْنَتِ الدنيا عليك وأهلُها / فأَنْسَيْتَ من أَثنتْ عليه الحَقائب
قالوا مَحَا الجُدريُّ بهجتَه
قالوا مَحَا الجُدريُّ بهجتَه / قَسَما بربِّ مِنىً لقد كَذَبوا
لكنْ صفَتْ صهباءُ وَجْنتِه / لونا فجَمَّلَ صَفْوَها الحبب
رحلوا فلولا أنني
رحلوا فلولا أنني / أرجو الإيابَ قَضَيتُ نَحْبِي
واللهِ ما فارقتُهم / لكنني فارقتُ قلبي
جاء الرسولُ لعَبْدِه بكِتابِه
جاء الرسولُ لعَبْدِه بكِتابِه / فيه لطائفُ لَوْمِه وعِتابِهِ
فقرأتُ مُودَعه ففَتَّح لفظُه / معنىً كزَهْرِ الروضِ غِبَّ سَحابه
أقسمتُ لو أخفَى الرسولُ مكانَه / لَسَرىَ النسيمُ بعَرْفِه فوَشَى به
الروض في قِرْطاسه والمِسْك في / أنفاسه والسِّحْر في آدابه
كالأمنِ للملهوف من أعدائه / والوَصْلِ للمهجور من أحبابه
كالنوم بين جفون من فقد الكرى / سَهَرا لما يلقاه من أَوْصابه
لَفْظٌ لو اجتمع الخَليقةُ كلُّها / في واحدٍ أَعْياه ردُّ جَوابه
لو مَرَّ بالكِنْدِىِّ أَيْسَرُ لفظةٍ / من شِعْره لَثم التراب ببابه
مَنْ ذا يُجارِى البحرَ في تياره / مَن ذا يزور اللَّيْثَ داخلَ غابه
جُرمْى أقلُّ وإنْ تَعاظَمَ كَثْرةً / من أن يُغيِّر سيدي عن دابِه