القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ وَكِيع التَّنّيسي الكل
المجموع : 84
اِشرَب فَقَد طابَتِ العُقارُ
اِشرَب فَقَد طابَتِ العُقارُ / وَاِبتَسَمَ الوَردُ وَالبَهارُ
مِن قَهوَةٍ ما اِنبَرَت لِهَمٍّ / إِلّا وَوَلّى لَهُ اِنشِمارُ
لَها جُيوشٌ مِنَ المَلاهي / لِلهَمِّ قُدّامَها الفِرارُ
لَألاؤُها في الدُجى نَهارٌ / يُظلِمِ مِن نورِهِ النَهارُ
إِذا اِستَقَرَّت حَشا لَبيبٍ / رَأَيتَهُ ما لَهُ قَرارُ
لَم يَرَها ناظِرٌ حَديدٌ / إِلّا ثَنى لَحظَهُ اِنكِسارُ
حَبابُها جِسمُهُ لُجَينٌ / وَجِسمُها شَخصُهُ نُضارُ
كَأَنَّها تَحتَهُ كُمَيتٌ / عَلَيهِ مِن فِضَّةٍ عِذارُ
لَها لَدى حُزنِ شارِبها / ثَأرٌ وَعِندَ الحُلومِ ثارُ
فَالحُزنُ عَن أَهلِها مُطارُ / وَالحِلمُ في إِثرِهِ مُطارُ
فَلا اِنتِصارٌ لِذا عَلَيها / وَلا عَلَيها لِذا اِنتِصارُ
يَسعى بِها جُؤذَرٌ غَريرٌ / في لَحظِ أَجفانِهِ اِحوِرارُ
يَحسُنُ مِنّي الوَقارُ إِلا / فيهِ فَما يَحسُنُ الوَقارُ
أَغارُ مِنّي عَلَيهِ حَتّى / عَلَيهِ مِن نَفسِهِ أَغارُ
كلُّ جمالٍ ترى فمنهُ / إِذا تأَمَّلتَ مستعارُ
كُأَنَّ صُدغاً لَهُ تَراهُ / وَهوَ عَلى خَدِّهِ مُدارُ
مَيدانُ آسٍ بَدا جَنِيّا / أُلهِبَ في جانِبَيهِ نارُ
بَيتٌ مِنَ الحُسنِ لي إِلَيهِ / حَجٌّ مَدى الدَهرِ وَاِعتِمارُ
زِيارَةُ البَيتِ كُلَّ عامٍ / وَدَهرُ ذا كُلُّهُ يُزارُ
قُلتُ لَهُ إِذ بَدا وَقَلبي / مِن لاعِجِ الشَوقِ مُستَطارُ
يا جامِعَ الحُسنِ كُلِّ حُسنٍ / لِلنّاسِ مِن شَرطِكَ اِختِصارُ
ما فَضَّلَ الغانِياتِ عِندي / عَلَيكَ إِلّا اِمرُؤٌ حِمارُ
أَقبَلَ وَالعُذّالُ يَلحونَني
أَقبَلَ وَالعُذّالُ يَلحونَني / فَكُلُّهُم قالَ مَنِ البَدرُ
فَقُلتُ ذا مَن طالَ في حُبِّهِ / مِنكُم لِيَ التَعنيفُ وَالزَجرُ
قالوا جَهِلنا فَاِغتَفِر جَهلَنا / فَلَيسَ عَن ذا لِاِمرىءٍ صَبرُ
عُذرُكَ في الحُبِّ لَهُ واضِحٌ / وَمالَنا في لَومِنا عُذرُ
وَاحَرَبي مِن جُفونِ ظَبيٍ
وَاحَرَبي مِن جُفونِ ظَبيٍ / أَقامَ عُذري بِهِ عِذارُهْ
أَسقَمَ جِسمي بِسُقمِ طَرفٍ / حَيَّرَني في الهَوى اِحوِرارُهْ
عَجِبتُ مِن جَمرِ وَجنَتَيهِ / يُحرِقُني دونَهُ اِستِعارُهْ
هذا اِختِياري فَأَبصِروهُ / شاهِدُ عَقلِ الفَتى اِختِيارُهْ
طَلعٌ هَتَكَنا عَنهُ أَستارُهُ
طَلعٌ هَتَكَنا عَنهُ أَستارُهُ / مِن بَعدِ ما قَد كانَ مَستورا
كَأَنَّهُ لَمّا بَدا ضاحِكاً / في العَينِ تَشبيهاً وَتَقديرا
دُرجٌ مِنَ الصَندَلِ قَد أَودَعَت / فيهِ يَدُ العَطّارِ كافورا
قُم فَاِسقِني صافِيَةً
قُم فَاِسقِني صافِيَةً / تَسلُبُ قَلبي فِكرَهْ
في رَوضَةٍ كَأَنَّها / خَريدَةٌ في حِبرَهْ
كَأَنَّ آذَريونَها / أَسوَدَه وَأَحمَرُهْ
سَحيقُ مِسكٍ مودَعٍ / في خِرَقٍ مُعصفَرَهْ
ظَفِرتُ بِقُبلَةٍ مِنكَ اِختِلاساً
ظَفِرتُ بِقُبلَةٍ مِنكَ اِختِلاساً / وَكُنتُ مِنَ الرَقيبِ عَلى حِذارِ
أَلَذُّ مِنَ الصَبوحِ عَلى غَمامٍ / وَمِن بَردِ النَسيمِ عَلى خُمارِ
جانَبتُ بَعدَكَ عِفَّتي وَوَقاري
جانَبتُ بَعدَكَ عِفَّتي وَوَقاري / وَخَلَعتُ في طُرُقِ المُجونِ عِذاري
وَرَأَيتُ إيثارَ الصَبابَةِ في الَّذي / تَهوى النُفوسُ مُمَحِّقَ الأَعمارِ
لا تَأمُرَنّي بِالتَسَتُّرِ في الهَوى / فَالعَيشُ أَجمَعُ في رُكوبِ العارِ
إِنَّ التَوَقُّرَ لِلحَياةِ مُكَدِّرٌ / وَالعَيشُ فَهوَ تَهَتُّكُ الأَستارِ
مَن تابَعَت أَمرَ المُروءَةِ نَفسُهُ / فَنِيَت مِنَ الحَسَراتِ وَالأَفكارِ
لا تُكثِرَنَّ عَلَيَّ إِنَّ أَخا الحِجا / بَرِمٌ بِقُربِ الصاحِبِ المِهذارِ
خَوَّفَتني بِالنارِ جُهدَكَ دائِباً / وَلَجَجتَ في الإِرهابِ وَالإِنذارِ
خَوفي كَخَوفِكَ غَيرَ أَنّي واثِقٌ / بِجَميلِ عَفوِ الواحِدِ القَهّارِ
أَقرَرتُ أَنّي مُذنِبٌ وَمُحَرَّمٌ / تَعذيبُ ذي جُرمٍ عَلى الإِقرارِ
اِنظُر إِلى زَهرِ الرَبيعِ وَما جَلَت / فيهِ عَلَيكَ طَرائِفُ الأَنوارِ
أَبدَت لَنا الأَمطارُ فيهِ بَدائِعاً / شَهِدَت بِحِكمَةِ مُنزِلِ الأَمطارِ
ما شِئتَ لِلأَزهارِ في صَحرائِهِ / مِن دِرهَمٍ بَهِجٍ وَمِن دينارِ
وَجَواهِرٍ لَولا تَغَيُّرُ حُسنِها / جَلَّت عَنِ الأَثمانِ وَالأَخطارِ
مِن أَبيَضٍ يُقَقٍ وَأَصفَرَ فاقِعٍ / مِثلِ الشُموسِ قُرِنَّ بِالأَقمارِ
ناحَت لَنا الأَطيارُ فيهِ فَأَرهَجَت / عُرسَ السُرورِ وَمَأتَمَ الأَطيارِ
دارٌ لَو اِتَّصَلَ البَقاءُ لِأَهلِها / لَم يَحفِلوا بِنَعيمِ تِلكَ الدارِ
فَاِنهَض بِنا نَحوَ السُرورِ فَإِنَّهُ / ما زالَ يَسكُنُ حانَةَ الخَمّارِ
فَاِشرَب مُعَتَّقَةً كَأَنَّ نَسيمَها / مِسكٌ تُضَوِّعُهُ يَدُ العَطّارِ
أَخفى دَبيباً في مَفاصِلِ شَربِها / وَأَدَقَّ أَلطافا مِنَ المِقدارِ
أَحكامُها في العَقلِ إِن هِيَ حُكِّمَت / أَحكامُ صَرفِ الدَهرِ في الأَحرارِ
يَرضى عَلى الأَقدارِ شارِبُها الَّذي / ما زالَ ذا سَخَطٍ عَلى الأَقدارِ
وَكَأَنَّها وَالكَأسُ ساطِعَةٌ بِها / ذَوبٌ تَحَلَّلَ في عَقيقٍ جاري
لا سِيِّما مِن كَفِّ أَغيَدَ شادِنٍ / يَسبي العُقولَ بَطرَفِهِ السَحّارِ
فَضَلَ الغُصونَ لِأَنَّها مِن غَرسِنا / عِندَ التَأَمُّلِ وَهوَ غَرسُ الباري
قَد غَيَّبَ الزُنّارَ دِقَّةُ خَصرِهِ / حَتّى ظَنَنّاهُ بِلا زُنّارِ
مُتَنَصِّرٌ قَوِيتَ عَلى إِسلامِنا / بِالحُسنِ مِنهُ حُجَّةُ الكُفّارِ
قالوا أَيَصنَعُ مِثلَ هذا رَبُّكُم / وَيَرى فَسادَ صَنيعِهِ بِالنارِ
مَع مُسمِعٍ حَلَفَت لَهُ أَوتارُهُ / أَن لا تُنافِرَ رَنَّةَ المِزمارِ
فَطِنٍ يُحَرِّكُ كُلَّ عُضوٍ ساكِنٍ / تَحريكَهُ لِسَواكِنِ الأَوتارِ
شَدوٌ إِذا الحُلَماءُ زارَ حُلومَهُم / باعوا بِطيبِ السُخفِ كُلَّ وَقارِ
وَالشَدوُ أَحسَنُهُ الَّذي لَم يُستَمَع / إِلّا أَطارَ العَقلَ كُلَّ مُطارِ
ذا العَيشُ لا نَعتُ المَهامِهِ وَالفَلا / وَسُؤالُ رَسمِ الدارِ وَالأَحجارِ
لا فَرَّجَ الرَحمنُ كُربَةَ جاهِلٍ / يَبكي عَلى الأَطلالِ وَالآثارِ
حَمِلَت كَفُّهُ إِلى شَفَتَيهِ
حَمِلَت كَفُّهُ إِلى شَفَتَيهِ / كَأسَهُ وَالظَلامُ مُرخى الإِزارِ
فَاِلتَقى لُؤلُؤا خَبابٍ وَثَغرٍ / وَعَقيقانِ مِن فَمٍ وَعُقارِ
يَنُمُّ بِسِرِّ مُستَرعيهِ لُؤماً
يَنُمُّ بِسِرِّ مُستَرعيهِ لُؤماً / كَما نَمَّ الظَلامُ بِسِرِّ نارِ
أَنَمُّ مِنَ النُصولِ عَلى مَشيبٍ / وَمِن صافي الزُجاجِ عَلى عُقارِ
خَلَعتُ في حُبِّهِ عِذارى
خَلَعتُ في حُبِّهِ عِذارى / وَطابَ لي العَيشُ بِاِشتِهاري
وَذُقتُ طَعمَ الجُنونِ فيهِ / فَكانَ أَحلى مِنَ العُقارِ
إِن أُبدِ في حُبِّهِ خُضوعاً / فَلَيسَ ذُلُّ الهَوى بِعارِ
لَو كانَ في الحُبِّ لي اِختِيارٌ / لَكانَ تَركي لَهُ اِختِياري
مَن روحُهُ في يَدي سِواهُ / فَهوَ حَقيقٌ بِأَن يُداري
لا تَحمَدوني عَلى اِحتِمالي / هَوانَهُ وَاِحمَدوا اِصطِباري
بِما بِعَينَيكَ مِن فُتونٍ
بِما بِعَينَيكَ مِن فُتونٍ / وَمِن فُتورٍ بِها وَسِحرِ
وَبِالعِذارِ الَّذي تَوَلّى / خَلعَ عِذارى وَبَسطَ عُذرى
وَمَضحَكٍ مِنكَ لُؤلُؤَيٍّ / مُمتَزِجٍ مِسكُهُ بِخَمرِ
جُد لِيَ بِالصَفحِ عَن ذُنوبي / أَو لا فَعاقِب بِغَيرِ هَجرِ
وَخَشخاشٍ كَأَنّا مِنهُ نَفري
وَخَشخاشٍ كَأَنّا مِنهُ نَفري / قَميصَ زَبَرجَدٍ عَن جِسمِ دُرِّ
كَأَقداحٍ مِنَ البَلّورِ صِيغَت / بِأَغشِيَةٍ مِنَ الديباجِ خُضرِ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ / غُصناً مِنَ البَسباسِ مَمطوراً طَرَي
كَأَنَّهُ في عَينِ كُلِّ مُبصِرِ / مِذَبَّةٌ مِنَ الحَريرِ الأَخضَرِ
خَليلَيَّ ما لِلآسِ يَعبَقُ نَشرُهُ
خَليلَيَّ ما لِلآسِ يَعبَقُ نَشرُهُ / إِذا هَبَّ أَنفاسُ الرِياحِ العَواطِرِ
حَكى لَونُهُ أَصداغَ ريمٍ مُعَذَّرٍ / وَصورَتَهُ آذانَ خَيلٍ نَوافِرِ
فُرِشَ الفَضاءُ بِأَحمَرٍ وَبِأَصفَرِ
فُرِشَ الفَضاءُ بِأَحمَرٍ وَبِأَصفَرِ / وَبَدَت لَنا حُلَلُ الرَبيعِ المُزهِرِ
حُلَلٌ تُعَدُّ إِذا اِجتَهَدتَ مُقَصِّرا / في وَصفِها وَتَكونُ غَيرَ مُقَصِّرِ
هذي الرِياضُ كَأَنَّهُنَّ عَرائِسٌ / يَختَلنَ بَينَ تَمايُلٍ وَتَبَختُرُ
في جَوهَرٍ فاقَ الجَواهِرَ قيمَةً / لَو أَنَّهُ يَبقى بَقاءَ الجَوهَرِ
سِرٌّ أَسَرَّ بِهِ السَحائِبُ في الثَرى / فَأَذاعَهُ فَأَذاعَ أَحسَنَ مَنظَرِ
زَمَنٌ أَغَرُّ فَلَو شَرَيتَ بِطيبِهِ / طيبَ الجِنانِ لَكانَ أَربَحَ مَتجَرِ
وَالسَروُ تَثنيهِ الرِياحُ لَواعِباً / مِن فَوقِ جَدوَلِ مائِهِ المُتَفَجِّرِ
كَالجُندِ في خُضرِ المَلابِسِ حاوَلوا / أَمراً فَبَينَ مُقَلِّصٍ وَمُشَمِّرِ
زَمَنٌ مَتى أَبصَرتَهُ وَكَفَفتَ عَن / خَلعِ العِذارِ بِحُسنِهِ لَم تُعذَرُ
وافى عَلى أَثَرِ الشِتاءِ كَأَنَّهُ / إِقبالُ جَدٍّ بَعدَ أَمرٍ مُدبِرِ
فَكَأَنَّ ذلِكَ كانَ وَجهَ مُهَدِّدٍ / وَكَأَنَّ هذا جاءَ وَجهَ مُبَشِّرِ
وَردٌ كَوَجنَةِ كاعِبٍ قَد موزِحَت / فَتَراجَعَت خَجلى بِفَرطِ تَحَيُّرِ
فَكَأَنَّما النارَنجُ في أَغصانِهِ / أُكَرٌ خُرِطنَ مِنَ العَقيقِ الأَحمَرِ
وَكَأَنَّ زَهرَ الباقِلاءِ دَراهِمٌ / قَد ضُمِّخَت أَوساطُها بِالعَنبَرِ
وَكَأَنَّهُ مِن فَوقِ خُضرِ غُصونِهِ / يَرنو بِمُقلَةِ أَقبَلٍ أَو أَحوَرِ
وَكَأَنَّما الأَترُنجُ أَكؤُسُ عَسجَدٍ / وَلَها مَقابِضُ مِن حَريرٍ أَخضَرِ
وَالنَرجِسُ الرَيّانُ بَينَ رِياضِهِ / يَرنو بِعَينِ الباهِتِ المُتَحَيِّرِ
وَالجُلَّنارُ يُريكَ في أَثوابِهِ / نَوعَينِ بَينَ مُزَعفَرٍ وَمُعَصفَرِ
عَلَيكَ بِالنَحوِ لا تَعرِض لِصَنعَتِنا
عَلَيكَ بِالنَحوِ لا تَعرِض لِصَنعَتِنا / فَإِنَّ شِعرَكَ عِندي أَشهَرُ الشُهَرِ
لَو كانَ بِالنَحوِ قولُ الشعرِ مُكتَسَباً / كانَ الخَليلُ بِهِ أَحظى مِنَ البَشَرِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ / وَقَعتَ في ذاكَ عَلى الخَبيرِ
سَأَلتَني أَيُّ الزَمانِ أَحلى / وَأَيُّهُ بِالقَصفِ عِندي أَولى
عِندِيَ في وَصفِ الفُصولِ الأَربَعَهْ / مَقالَةٌ تُغني اللَبيبَ مُقنِعَهْ
أَمّا المَصيفُ فَاِستَمِع ما فيهِ / مِن فَطِنٍ يُفهِمُ سامِعيهِ
فَصلٌ مِنَ الدَهرِ إِذا قيلَ حَضَرْ / أَذكَرَنا بِحَرِّهِ نارَ سَقَرْ
تُبصِرُ فيهِ النَبتَ مُقشَعِرّا / وَالأَرضَ تَشكو حَرَّهُ المُضِرّا
نَهارُهُ مُقَسَّمٌ بَينَ قِسَمْ / جَميعُها يُعابُ عِندي وَيُذَمُّ
أَوَّلُهُ فيهِ نَدىً مُبَغِّضُ / كَأَنَّهُ عَلى القُلوبِ يَقبِضُ
يَلصَقُ مِنهُ الجِسمُ بِالثِيابِ / وَتَعلَقُ الأَذيالُ بِالتُرابِ
حَتّى تَراها مِثلَ مِنديلِ الغَمَرْ / فيهِنَّ تَخطيطٌ كَتَخطيطِ الحِبَرْ
حَتّى إِذا ما طَرَدَتهُ الشَمسُ / وَفَرِحَت بِأَن يَزولَ النَفَسُ
فَتَّحَتِ النارُ لَهُ أَبوابَها / وَشَبَّ فيها مالِكٌ شِهابَها
حَرٌّ يُحيلُ الأَوجُهَ الغُرّانا / حَتّى تَرى الرومُ بِهِ حُبشانا
يَعلو بِهِ الكَربُ وَيَشتَدُّ القَلَقْ / وَتَنضُحُ الأَبدانُ مِنهُ بِالعَرَقْ
تُبصِرُهُ فَوقَ القَميصِ قَد عَلا / حَتّى تَرى مُبيَضَّهُ مُصَندَلا
إِن كانَ رَثّاً زادَ في تَمزيقِهِ / أَو مُستَجَدّاً حَلَّ حَبلَ زيقِهِ
ثُمَّ يُعيدُ الماءَ ناراً حامِيَهْ / يَزيدُ في كَربِ القُلوبِ الصادِيَهْ
شارِبُهُ يَكرَعُ في حَميمِ / كَأَنَّه مِن ساكِني الجَحيمِ
يُنسيهِ ما يَلقى مِنَ التَهابِهِ / أَن يَحمدَ اللَهَ عَلى شَرابِهِ
حَتّى إِذا عَنّا اِنقَضى نَهارُهُ / وَأُرخِيَت مِن لَيلِهِ أَستارُهُ
تَحَرَّكَت في جُنحِهِ دَواهي / سارِيَةٌ وَأَنتَ عَنها ساهي
مِن عَقرَبٍ يَسعى كَسَعيِ اللِصِّ / سِلاحُها في إِبَرٍ كَالشِّصِّ
وَحَيَّةٍ تَنفُثُ سُمّا قاتِلا / تُزَوِّدُ المَلدوغَ حَتفاً عاجِلا
تُبصِرُ ما في جِلدِها مِنَ الرَقَشْ / كَوَجنَةٍ مُصفَرَّةٍ فيها نَمَشْ
لَو نَهَشَت بِالنابِ مِنها الخَضرا / لَبَتَرَت مِنهُ الحَياةَ بَترا
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ في إِبانِهِ / عَلى الَّذي وَصَفتُهُ مِن شانِهِ
أَبشِر بِما شِئتَ مِنَ الصِراعِ / فَضلاً عَنِ التَهويسِ وَالصُداعِ
وَعِلَلٍ تُعجِزُ إِحصاءَ العَدَدْ / مِن جَرَبٍ وَمِن دُوارٍ وَرَمَدْ
وَبَعدُ حُمّى الكِبْدِ لا تَنساهُ / لِأَنَّهُ أَوَّلُ ما تَلقاهُ
وَلا تَقُل إِن جاءَ يَوماً أَهلا / فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ فَصلا
حَتّى إِذا زالَ أَتى الخَريفُ / فَصلٌ بِكُلِّ سَوءَةٍ مَعروفُ
أَهوِيَةٌ تُسرِعُ في كُلِّ الجَسَدْ / وَهُوَ كَطَبعِ المَوتِ يُبساً وَبَرَدْ
يُخشى عَلى الأَجسامِ مِن آفاتِهِ / فَأَرضُهُ قَرعاءُ مِن نَباتِهِ
لا يُمكِنُ الناسَ اِتِّقاءُ شَرِّهِ / مِن اِختِلافِ بَردِهِ وَحَرِّهِ
تُبصِرُهُ مِثلَ الصَبِيِّ الأَرعَنِ / في كَثرَةِ التَغييرِ وَالتَلَوُّنِ
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ لِلعُقارِ / في حينِهِ بِاللَيلِ وَالنَهارِ
فَأَنتَ مِنهُ خائِفٌ عَلى حَذَرْ / لِأَنَّهُ يَمزُجُ بِالصَفوِ الكَدَرْ
أَحسَن ما يُهدي لَكَ النَسيما / يَقلِبُهُ في ساعَةٍ سَموما
وَهُوَ عَلى المَعدودِ مِن ذُنوبِهِ / خَيرٌ مِنَ الصَيفِ عَلى عُيوبِهِ
حَتّى إِذا ما أَقبَلَ الشِتاءُ / جاءَتكَ مِنهُ غُمَّةٌ غَمّاءُ
أَقبَلَ مِنهُ أَسَدٌ مَزيرُ / لَهُ وَعيدٌ وَلَهُ تَحذيرُ
لَو أَنَّهُ روحٌ لَكانَ فَدما / أَو أَنَّهُ شَخصٌ لَكانَ جَهما
يَأتيكَ في إِبّانِهِ رِياحُ / لَيسَ عَلى لاعِنِها جُناحُ
حَراكُها لَيسَ إِلى سُكونِ / تَضُرُّ بِالأَسماعِ وَالعُيونِ
يَحدُثُ مِن أَفعالِها الزُكامُ / هذا إِذا ما فاتَكَ الصِدامُ
ثُمَّ يَليها مَطَرٌ مُداوِمُ / كَأَنَّهُ خَصمٌ لَنا مُلازِمُ
يَقطَعُنا بُغضاً عَنِ الطَريقِ / وَعَن قَضاءِ الحَقِّ لِلصَّديقِ
وَرُبَّما خَرَّ عَلَيكَ السَقفُ / وَإِن عَفا عَنكَ أَتاكَ الوَكفُ
هذا وَكَم فيهِ مِنَ المَغارِمِ / وَكَثرَةُ الإِنفاقِ لِلدَّراهِمِ
في مَلبَسٍ يَدفَعُ شَرَّ بَردِهِ / يَكُفُّ مِنهُ غَربَ حَدِّهِ
مَلابِسٌ تُعيي الجَليدَ حَملا / كَأَنَّما يَحمِلُ مِنها ثِقلا
يَحكي بِها المَنحوفُ أَصحابَ السِمَنْ / لكِن تَراهُ سِمَناً غَيَرَ حَسَنْ
فَإِن أَرَدتَ بِالنَهارِ الشُربا / فيهِ فَقَد قاسَيتَ خَطباً صَعبا
وَاِحتَجتَ أَن توقِدَ فيهِ النارا / تُطيرُ نَحوَ الحَدَقِ الشَرارا
تَترُكُ مُبيَضَّ الثِيابِ أَرقَطا / تَحكي السَعيدِيَّ لَكَ المُنَقَّطا
وَبَعدَ ذا تُسَدِّدُ النِّقابا / مِن خَوفِهِ وَتُغلِقُ الأَبوابا
نَعَم وَتُرخي نَحوَهُ السُتورا / حَتّى تَرى صَباحَهُ دَيجورا
فَحُسنُ لَونِ الراحِ فيهِ لا يُرى / لِأَنَّهُ صارَ سَواءً وَالدُجى
تَشرَبُ فيهِ إِن شَرِبتَ الخَمرا / لَيسَ لِأَن تَلهُوَ أَو تُسَرّا
لكِن لِتَحمي خَصَرَ الأَعضاءِ / فَشُربُها ضَربٌ مِنَ الدَواءِ
وَإِن أَرَدتَ الشُربَ في الظَلامِ / عاقَكَ عَن تَناوُلِ المُدامِ
حَسبُكَ أَن تَندَسَّ في اللِحافِ / مِن خِشيَةِ البَردِ عَلى الأَطرافِ
وَرِعدَةٍ تَشغَلُ عَن كُلِّ عَمَلْ / وَتُؤثِرُ النَومَ وَتَستَحلي الكَسَلْ
حَتّى إِذا مِلتَ إِلى الرُقادِ / نِمتَ عَلى فَرشٍ مِنَ القَتادِ
إِنَّ البَراغيثَ عَذابٌ مُزعِجُ / لِكُلِّ ما قَلبٍ وَجِلدٍ تُنضِجُ
لا يُستَلَذُّ جَنبُهُ المَضاجِعا / كَأَنَّما أَفرَشتَهُ مَباضِعا
قُبِّحَ فَصلا فَوقَ ما ذَمَمتُهُ / لَو أَنَّهُ يَظهَرُ لي قَتَلتُهُ
حَتّى إِذا ما هُوَ عَنّا بانا / وَزالَ عَنّا بَعضُهُ لا كانا
جاءَ إِلَينا زَمَنُ الرَبيعِ / فَجاءَ فَصلٌ حَسَنٌ الجَميعِ
لِبَردِهِ وَحَرِّهِ مِقدارُ / لَم يَكتَنِف حَدَّهُما الإِكثارُ
عُدِّلَ في أَوزانِهِ حَتّى اِعتَدَلْ / وَحُمِدَ التَفصيلُ مِنهُ وَالجُمَلْ
نَهارُهُ مِن أَحسَنِ النَهارِ / في غايَةِ الإِشراقِ وَالإِسفارِ
تَضحَكُ فيهِ الشَمسُ مِن غَيرِ عَجَبْ / كَأَنَّها في الأُفْقِ جامٌ مِن ذَهَبْ
وَلَيلُهُ مُستَلطَفُ النَسيمِ / مُقَوَّمٌ في أَحسَنِ التَقويمِ
لِبَدرِهِ فَضلٌ عَلى البُدورِ / في حُسنِ إِشراقٍ وَفَرطِ نورِ
كَجامَةِ البَلّورِ في صَفائِها / أَو غَرَّةِ الحَسناءِ في نَقائِها
كَأَنَّها إِذا دَنَت مِن نَجرِهِ / جَوزاؤُهُ قَبلَ طُلوعِ فَجرِهِ
رومِيَّةٌ حُلَّتُها زَرقاءُ / في الجيدِ مِنها دُرَّةٌ بَيضاءُ
هذا وَكَم يَجمَعُ مِن أُمورِ / إِسرافُ مُطريها مِنَ التَقصيرِ
فيهِ تَظَلُّ الطَيرُ في تَرَنُّمِ / حاذِقَةً بِاللَحنِ لَم تُعَلَّمِ
غِناؤُها ذو عُجمَةٍ لا يَفهَمُهْ / سامِعُهُ وَهوَ عَلى ذا يُغرَمُهْ
مِن كُلِّ دُبسِيٍّ لَهُ رَنينُ / وَكُلُّ قُمرِيٍّ لَهُ حَنينُ
في قُرطَقٍ أُعجِلُ أَن يُوَرَّدا / خاطَ لَهُ الخِياطُ طَوقاً أَسوَدا
تُبصِرُهُ مِنهُ عَلى الحَيزومِ / كَمِثلِ عِقدِ سَبَجٍ مَنظومِ
هذا وَفيهِ لِلرِّياضِ مَنظَرُ / يُفشي الثَرى مِن سِرَّها ما يُضمِرُ
سِرّ نَباتٍ حُسنُهُ إِعلانُه / إِذا سِواهُ زانَهُ كِتمانُهُ
فيهِ ضُروبٌ لِلنَّباتِ الغَضِّ / يَحكي لِباسَ الجُندِ يَومَ العَرضِ
مِن نَرجَسٍ أَبيَضَ كَالثَغورِ / كَأَنَّهُ مَخانِقُ الكافورِ
وَرَوضَةٍ تُزهِرُ مِن بَنَفسَجِ / كَأَنَّها أَرضٌ مِنَ الفَيروزَجِ
قَد لَبِسَت غِلالَةً زَرقاءَ / فَكايَدَت بِلَونِها السَماءَ
تُبصِرُها كُثاكِلٍ أَولادَها / قَد لَبِسَت مِن حَزَنٍ حِدادَها
يَضحَكُ فيها زَهَرُ الشَقيقِ / كَأَنَّهُ مَداهِنُ العَقيقِ
مُضَمَّناتٍ قِطَعَاً مِنَ السَبَجْ / فَأَشرَقَت بَينَ اِحمِرارٍ وَدَعَجْ
كَأَنَّما المُحَمَرُّ في المُسوَدِّ / مِنهُ إِذا لاحَ عُيونُ الرُمدِ
أَما تَرى أَترُجَّهُ ما أَحسَنَهْ / يَختالُ في غَلائِلٍ مُبَيِّنَهْ
وَاِنظُر إِلى الخَشخاشِ إِن نَظَرتا / يَحكي كُراتٍ ظُوِهرَت كَيمَختا
وَاِرمِ بِعَينَيكَ إِلى البَهارِ / فَإِنَّهُ مِن أَحسَنِ الأَنوارِ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن عَسجَدِ / قَد سُمِّرَت في قُضُبِ الزَبَرجَدِ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلا تَخَلَّفِ / فَلَستَ في ذلِكَ بِالمُعَنَّفِ
وَاِشرَب عُقاراً طالَ فينا كَونُها / يَصفَرُّ مِن خَوفِ المِزاجِ لَونُها
مِن كَفِّ ظَبيٍ مِن بَني النَصارى / أَلبابُنا في حُسنَهِ حَيارى
إِذا بَدا جَمالُهُ لِذي النَظَرْ / قالَ تَعالى اللَهُ ما هذا بَشَرْ
يُبدي جَمالاً جَلَّ عَن أَن يوصَفا / لَو أَنَّهُ رِزقُ حَريصٍ لَاِكتَفى
تَزينُهُ أَحشاءُ كَشحٍ طاوِيَهْ / وَسُرَّةٌ مَحشُوَّةٌ بِالغالِيَهْ
لا سِيَّما مَع مُسمِعٍ وَزامِرِ / قَد سَلِما مِن وَحشَةِ التَنافُرِ
دونَكَ هذي صِفَةُ الزَمانِ / مَشروحَةً في أَحسَنِ التِبيانِ
فَأَصغِ نَحوَ شَرحِها كَي تَسمَعا / وَلا تَكُن لِحَقِّها مُضَيِّعا
وَاِرضَ بِتَقليديَ فيما قُلتُهُ / فَإِنَّني أَدري بِما وَصَفتُهُ
وَلا تُعارِضنِيَ في هذا العَمَلْ / فَإِنَّني شَيخُ المَلاهي وَالغَزَلْ
يا جامِعاً زَهوَ المُلو
يا جامِعاً زَهوَ المُلو / كِ وَلُؤمَ أَخلاقِ التِجارْ
اِرجِع إِلى الفَقرِ القَدي / مِ فَقَد فَسَدتَ عَلى اليَسارْ
وَخَطَرْتَ في سُكرِ الغِنى / وَأَمِنتَ عاقِبَةَ الخُمارْ
أَبدَيتَ وَجهاً لِلعُفا / ةِ مُقَنَّعاً بِقِناعِ عارْ
لَو أَنَّهُ لُقّي الحِجا / رَ الصُمَّ أَثَّرَ في الحِجارْ
أَو كانَ تُرسَ مُحارِبٍ / لَاِرتَدَّ عَنهُ ذو الفَقارْ
وَالجَوُّ صافٍ قَد حَكى
وَالجَوُّ صافٍ قَد حَكى / بِأَنجُمٍ فيهِ غُرَرْ
جامَ زُجاجٍ أَزرَقٍ / قَد نُثِرَت فيهِ دُرَرْ
أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ
أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ / وَاِبتَسَمَ الرَوضُ لَنا عَنِ الزَهَرْ
أَبدى لَنا فَصلُ الرَبيعِ مَنظَراً / بِمِثلِهِ تُفتَنُ أَلبابُ البَشَرْ
وَشياً وَلكِن حاكَهُ صانِعُهُ / لا لِاِبتِذالِ اللُبسِ لكِن لِلنَظَرْ
عايَنَهُ طَرفُ السَماءِ فَاِنثَنى / عِشقاً لَهُ يَبكي بِأَجفانِ المَطَرْ
فَالأَرضُ في زِيِّ عَروسٍ فَوقَها / مِن أَدمُعِ القَطرِ نِثارٌ مِن دُرَرْ
وَشيٌ طَواهُ في الثَرى صِوانُهُ / حَتّى إِذا مَلَّ مِنَ الطَيِّ نَشَرْ
أَما تَرى الوَردَ كَخَدّيْ كاعِبٍ / راوَدَها فَاِمتَنَعَت مِنهُ ذَكَرْ
كَأَنَّما الخَمرُ عَلَيهِ نَفَضَت / صِباغَها أَو هِيَ مِنهُ تُعتَصَرْ
أَخجَلَهُ النَرجِسُ إِذ جادَلَهُ / فَاِحمَرَّ مِن فَرطِ حَياءٍ وَخَفَرْ
قالَ لَهُ العَينُ وَما الخَدُّ لَها / مُوازِناً في عُظمِ قَدرٍ وَخَطَرْ
ماذا الَّذي يُرجى لِخَدٍّ بَهيجٍ / مُستَحسَنٍ صاحِبُهُ أَعمى البَصَرْ
فَاِحمَرَّ مِن حُجَّتِهِ إِذ ظَهَرَت / وَالحَقُّ لا يُدفَعُ يَوماً إِن ظَهَرْ
وَاِنظُرْ إِلى النارَنجِ في بَهجَتِهِ / يَلوحُ في أَفنانِ هاتيكَ الشَجَرْ
مَثَلَ دَنانيرِ نُضارٍ أَحمَرٍ / أَو كَعَقيقٍ خُرِطَتْ مِنهُ أُكَرْ
وَاِنظُرْ إِلى المَنثورِ في مَيدانِهِ / يَرنو إِلى الناظِرِ مِن حَيثُ نَظَرْ
كَجَوهَرٍ مُختَلِفٍ أَلوانُهُ / أَسلَمَهُ سِلكُ نَظامٍ فَاِنتَثَرْ
كَأَنَّ نَورَ الباقِلاءِ إِذ بَدا / لِناظِريهِ أَعيُنٌ فيها حَوَرْ
كَمِثلِ أَلحاظِ اليَعافيرِ إِذا / رَوَّعَها مِن قانِصٍ فَرطُ الحَذَرْ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن فِضَّةٍ / أَوساطُها بِها مِنَ المِسكِ أَثَرْ
كَأَنَّها سَوالِفٌ مِن خُرَّدٍ / قَد زَيَّنَت بَياضَها سودُ الطُرَرْ
وَاِنظُر إِلى الأَطيارِ في أَرجائِهِ / إِذا دَعا الثاكِلُ مِنها وَصَفَرْ
كَأَنَّها تَصفِرُ في رِياضِها / سِربُ قِيانٍ فَوقَ بُسطٍ مِن حِبَرْ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلَذّاتِ الصِبا / لامَكَ مَن يَعذِلُ فيها أَو عَذَرْ
فَقَلَّما يُغنيكَ مَن يَعذِلُ في / ما تَشتَهي حَتّى تُواريكَ الحُفَرْ
فَكَيفَ هِجرانُ اللَذاذاتِ وَلَم / يَبدُ نَهارُ الشَيبِ في لَيلِ الشَعَرْ
وَالنُسكُ في عَصرِ الصِبا كَأَنَّهُ / مِن قُبحِهِ خَلعُ عِذارٍ في الكِبَرْ
يا لائِماً يَعذِلُني في طَرَبي / حَسبُكَ قَد أَكثَرتَ مِن هذا الهَذَرْ
أَعرِفُ فَضلَ العَقلِ إِلّا أَنَّهُ / لِعَيشِ مَن آثَرَهُ عَينُ الكَدَرْ
الجَهلُ يَنبوعُ مَسَرّاتِ الفَتى / وَالعَقلُ يَنبوعُ الهُمومِ وَالفِكرْ
فَاِجسُر عَلى ما تَشتَهي جَهالَةً / ما فازَ بِاللَذاتِ إِلّا مَن جَسَرْ
وَاِشرَب عُقاراً لَو أَصابَت حَجَراً / لَطارَ مِن خِفَّتِهِ ذاكَ الحَجَرْ
عَدُوَّةَ الحُزنِ الَّذي ما ظَفَرَت / قَطُّ بِهِ إِلّا أَساءَت في الظَفَرْ
لَو رامَ أَن يُجيرَهُ مِن كَيدِها / صَرفُ الزَمانِ الحَتمُ يَوماً ما قَدَرْ
أَرَقَّها الدَهرُ إِلى أَن شاكَلَت / مِن رِقَّةٍ شِعرَ جَميلٍ وَعُمَرْ
خَفِيَّةَ الحيلَةِ في جِسمِ الفَتى / تُحدِثُ في الجِسمِ دَبيباً وَخَدَرْ
كَأَنَّما الأَوطارُ فيها جُمِّعَت / فَلَيسَ في العَيشِ لَجافيها وَطَرْ
لا سِيِّما مِن كَفِّ ظَبيٍ لَم يُشَن / بِفَرطِ طولٍ لا وَلا فَرطِ قِصَرْ
لَهُ سِهامٌ مِن لِحاظٍ صُيَّبٍ / كَأَنَّما يَرمينَ عَن قَوسِ القَدَرْ
مُزَنَّرٍ شَكَّكَني في دينِهِ / حَتّى أَحَلتُ الكُفرَ فيمَن قَد كَفَرْ
لِأَنَّهُ كَالحورِ في تَصويرِهِ / وَالحورُ لا يُسكِنُها اللَهُ سَقَرْ
لَو لَم يَكُن زُنّارُهُ في وَسطِهِ / يُمسِكُ ضَعفَ الخَصرِ مِنهُ لَاِنبَتَرْ
وَبانَ مِنهُ نِصفُهُ عَن نِصفِهِ / لكِنَّهُ جاءَ لَهُ عَلى قَدَرْ
إِن قُلتُ يَحكي قَمَراً عَنَّفَني / عَقلٌ لَهُ أَعدَمَهُ عِندَ القَمَرْ
أَنّى يُوازيهِ وَهذا ناطِقٌ / وَذاكَ إِن خوطِبَ لَم يَنطِق حَصَرْ
يا لَكَ مِنهُ مَنظَراً أَشهى إِلى / قَلبِيَ مِن جَنَّةِ عَدنٍ أَو أَسَرّْ
يا طيبَ ذي الدُنيا لَنا مَنزِلَةً / لَو لَم نَكُن نُزعَجُ مِنها بِسَفَرْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025