المجموع : 347
كل امرئٍ يسعى بما في وسعِهِ
كل امرئٍ يسعى بما في وسعِهِ / إما إلى السرَّا أو الضرَّاءِ
وأرى الحظوظَ ألفنَ كل مرفَّهٍ / ونأت بجانبها عن البؤساءِ
سبحانك اللهمَّ تعطي ذا الغنى / وتقترُ الأرزاقَ للفقراءِ
أرى الدنيا تؤول إلى زوالِ
أرى الدنيا تؤول إلى زوالِ / وينضمُ الأميرُ إلى الحقيرِ
فإن كان الغنى كالفقرِ يفنى / فما شرفُ الغني على الفقيرِ
إذا ما استشارك ذو كربةٍ
إذا ما استشارك ذو كربةٍ / فضيق عليه طريق الأمل
فإنَّ النُّفوسَ يؤملنَ حتَّى / ليدَخُلنَ سُمَّ الخياطِ الجَملْ
يا ويح دهريَ لم يب
يا ويح دهريَ لم يب / قى في بنيهِ نصيحُ
فلا فؤادَ سليمٌ / ولا ودادَ صحيحُ
وكلُّ ما يخبأ القلبُ / في العيونِ يلوحُ
وكلنا في عناءِ / فمن إذنْ يَسترِيحُ
إذا ما دعاكَ الحقُّ للظلمِ مرّةً
إذا ما دعاكَ الحقُّ للظلمِ مرّةً / وقد كنتَ ذا حلمٍ فلا تَكُ ذا حلمِ
فإن من الإشفاقِ إن زَاغَتِ النّهى / عن الحقِّ ميلُ المشفقينَ من الظلمِ
إن ضقتَ بالعُسرِ فلا تَبْتَئِسْ
إن ضقتَ بالعُسرِ فلا تَبْتَئِسْ / فربَّما دلَّ على ضِدَّهِ
كالبرقِ يحكي في سناهُ اللَّظى / وقد يكونُ الغيثُ من بَعْدِهِ
فكلْ إلى اللهِ وبتْ راضِياً / فكلُّ ما مَسَّكَ من عِنْدِهِ
فديتكَ زائراً في كلِّ عامٍ
فديتكَ زائراً في كلِّ عامٍ / تحيِّ بالسلامةِ والسلامِ
وتُقبِلُ كالغمامِ يفيضُ حيناً / ويبقَ بعدَهُ أثرُ الغَمامِ
وكم في الناسِ من دَنِفٍ مَشوقٍ / إليكَ وكمْ شجيِّ مُستهامِ
رمزتُ لهُ بألحاظِ الليالي / وقد عيَّ الزمانُ عنِ الكلامِ
فظلَّ يعدُّ يوماً بعدَ يومٍ / كما اعتادوا لأيَّامِ السِّقامِ
ومدَّ لهُ رواقُ الليلِ ظِلاً / ترفُّ عليهِ أجنحَةُ الظلامِ
فباتَ وملءَ عينيهِ منامٌ / لتنْفُضَ عنهُما كَسَلَ المَنامِ
ولم أرَ قبلَ حبَّكِ من حبيبٍ / كفى العُشاقَ لوعاتِ الغرامِ
فلو تدرِ العوالمُ ما درينا / لحنتْ للصلاةِ وللصيامِ
بني الإسلامَ هذا خيرُ ضيفٍ / إذا غَشَيَ الكرِيمُ ذرى الكِرامِ
يلُمكمْ على خيرِ السجايا / ويجمعكُم على الهِمَمِ العِظامِ
فشُدُّوا فيهِ أيديكُم بعزمٍ / كما شدَّ الكَمِيُّ على الحُسامِ
وقوموا في لياليهِ الغوالي / فما عاجتْ عليكُم للمُقامِ
وكم نفرٍ تغرهمُ الليالي / وما خُلقوا ولا هيَ للدَوامِ
وخلوا عادةَ السفهاءِ عنْكم / فتِلكَ عوائدُ القَومِ اللئامِ
يُحلُّونَ الحَرَامَ إذا ما أرَادوا / وقد بَانَ الحلالُ منَ الحرامِ
وما كلُّ الأنامِ ذوي عُقولٍ / إذا عدَّوا البَهائِمَ في الأَنامِ
ومن روتْهُ مرضَعةُ المعاصي / فقد جاءَتهُ أيَّامُ الفِطامِ
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها / فمَالتْ بأعطافِ الغُصونِ خُمُورًها
وحنَّت إلى سَجَعِ الحَمامِ كأنَّه / رنينُ الحُلى إذ لاعبتْها صُدورها
عذيْرِيَّ من تَلكَ الحبيبةِ ما لها / تقولُ عُذيري والمًحِبُّ عذيرها
يقلِّبُ عينيه إليها ضَميرهُ / ويلفِتُ عينيها إليهِ ضَميرُها
وما كلُّ ما يخشاه منها يضيرُهُ / ولا كلُّ ما تخشاهُ منهُ يُضيرها
وقام إليَّ العاذلاتُ يلمْنَنِي / فقلنَ ألا تَنْفكَّ قُلتُ أسيرُها
لئِن لم يكُن للظبيِ سِحرُ عيونها / فما شيمةُ الغزلانِ إلا نُفورها
وما شفني إلا النَّسيم وتيهُهُ / عليَّ إذا ما لاعبتُه خُدُوروها
ألا فاعذلوا قد مرَّ ما كنتُ حاذراً / وعادتْ ليالي الدَّهرِ يحلو مرورُها
وأصبحتِ الدنيا تضاحكُ أهلها / ويُبْسُمُ فيهم بِشْرُها وبَشيرُها
وتتيهُ بأعيادِ الملوكِ وكيفَ لا / وعيدُ أميرِ المُؤمنينَ أميرُها
أعادَ بهِ روحَ الخلافةِ ربُّها / وجاءتْ لها بالنَصْرِ فيه نصيرها
فراعتْ صناديدُ الملوكِ وما سوى / مليكِ البرايا قد أقلَّ سريرها
وجارَ عليها الدهر شعثاً خُطوبُه / فهبَّ لها عبد الحميدِ يُجيرُها
بَصيرٌ بنورِ اللهِ في كلِّ أزمةِ / تردُّ عيونَ الصَّيدِ حسرى ستورها
وطارَ بها لا يَرتَضي النَّجمَ غايةً / تمدُّ جناحَيهَا عليهِ طُيورُها
يظنُّ عِداهُ أنَّ في النَّاس مثلهُ / فيا وَيْحَهُم شمسُ الضُّحى ما نَظيرها
وغرَّ فرنسا أن ترى الليثَ باسمِاً / فلم تدرِ حتّى لجَّ فيها سفيرها
أيجلوكَ يا عضبَ الشبا ما هذت بهِ / وقبلكَ ما ضرَِّ النبيُّ هريرها
وكم دولةٍ جالت أمامكَ جولةً / وسيقَت كما ساقَ الشياهُ غرورها
ملأتَ عليها الأرض أُسْداً عوابِساً / يردِّدُ بينَ الخَافِقَينِ زئيرها
فمالتْ بهم إن شئتَ يوماً قِفارُها / وماجتْ بهم إن شئتَ يوماً بُحورها
وقد صفتِ الآجالُ في حومةِ الوغى / وحامتْ على القومِ العُداةِ نُسورُها
إذا انتضلتْ رُسلُ المنيَّاتِ أحجمتْ / جيوشُهم فاستعجلتْها قبورُها
وما لسيوفِ التُركِ يجهَلُها العِدى / وقد عَرَفتها قبلَ ذاك نُحورُها
يهزُّ إليكَ المسلمينَ صليلُها / وإنْ ضمَّ منهمْ جانِبُ الصِينِ سُورُها
ليهنَ أمير المؤمنين جلوسه / على العرش وليهنَ البرايا سرورها
فقد طارح البوسفورُ مصر تحيةً / أضاءتْ لها في جانبَيها قصورها
وشاهدَ أهلها من الأفقِ نورهُ / ولاحَ لأهليهِ منَ الأفقِ نُورها
وقامَ فتاها ينطقُ الورقَ سَجْعهُ / وقد هزَّ عِطفيهِ إليها هَديرُها
بصادحةِ لا يُطربُ القومَ غيرُها / وهل أنا للأشعارِ إلا جَريرُها
ترفُّ قوافيها إذا هيَ أقبَلتْ / تزفُّ معانِيها إليكَ سُطورُها
وما قدمَ الماضينَ أن زمانهم / تقدَّم إنْ بذَّ الجيادَ أخيرها
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ / وقد غَلَبَ الأمرانِ فيها على أمري
وبتُّ ولا من حيلةٍ غيرَ أنني / أرى الذكرَ يصيبني فأصبو إلى الذِكرِ
مهاةٌ لعينيها تغزلتُ في المَهى / وما غَزَلي في سِحرِهِنَّ سِوى السِّحرِ
وأعشقُ فيها الشمسَ والبدرَ والذي / يشبهُ العشَّاق بالشمسِ والبدرِ
وما مضَّني إلا جفاها ولحظُها / فإنَّ كلا السيفين أُغمِدَ في صدري
تراءَتْ لنا بالقِصَرِ يوماً فلمْ تَزَلْ / تُرَفْرِفُ نفسي بعدَ ذاكَ على القَصرِ
وراحت وقد صدت ْ وبينَ قلوبنا / مسافةُ ما بين الوصالِ إلى الهجرِ
فقاسمتُها قلبي وقلتُ لعاذلي / لها شطرها مما قسمتَ ولي شطري
وأنفقتُ أيامي كما أسرفتْ يدي / جواداً بمالي في هواها وبالعمرِ
ولما تلاقينا ومالتْ تجافياً / كما تحذرُ الورقاءُ جارحة الصقرِ
شددت على قلبي يديَ ويد الهوى / تقلبهُ بينَ الضلوعِ على جمرِ
وقلت لها أبقي على الودِّ ساعة / لعلَّ لنا في الغيب يوماً ولا ندري
فقالت أغير العيد يومٌ لشاعرٍ / بحسبكَ يومَ العيدِ يا قمرَ الشعرِ
فقمتُ وقد ابصرتُ قصدي ولم أزل / بفكري حتى أشرق الفجر من فكري
وعنديَ من أشتاتِ ما في كنوزهِ / قلائد شتَّى من نظيمٍ ومن نثرِ
أعباس إن لم يبتدرْ مدحك الورى / فلا نطقت لسنٌ بمدحك لا تجري
على أنك استغنيت عن كلِّ مادحٍ / بأثاركَ الغرا وأيامكَ الغرِ
وأسديتَ لي ذا الشعرَ حتى كأنما / لقطتُ نفيسَ الدرِّ من ساحل البحرِ
ولم يكُ مدحي غيرَ أوصافكَ التي / هي الزهر إن يعبق مديحي كالعطر
وإنَّ رخيصاً كل قولٍ وإن غلا / لملكِ بلادٍ تربهنَ من التبرِ
جرى النيلُ فيها حاكياً نيل كفهِ / وهل في الورى من يعدل البحرَ بالنهرِ
فأغروا به الخزان حتى لخلتهُ / وصياً يريهِ كيف ينفقُ بالقدرِ
وما النيلُ في مصرٍ سوى دم قلبها / إذا حفظوهُ دامت الروح في مصرِ
يفيض بهِ في عصرِ عباسِ ما ترى / من العلمِ ما كانَ من نبإ الخدرِ
فتى الملكِ لا عسرٌ بعصركَ يشتكى / وقد كان هذا اليوم فاتحة اليسرِ
تضيءُ بك الأيامُ حتى كأنها / دياجي الليالي قابلتْ غرةَ الفجرِ
ويومَ تبواتَ الأريكةَ سطروا / معاليَ هذا الشعبِ في صحفِ الفخرِ
رأوكَ فتىً فوقَ الملوك عزيمةً / وشتانَ بينَ العصافير والنسرِ
على حلمِ عثمانٍ وهيبةِ حيدرٍ / وعدلِ أبي حفصٍ وحزمِ أبي بكرِ
فدمتَ مرجى في نبيكَ مهنئاً / دوامَ جلالِ البدرِ في الأنجمِ الزُهرِ
مرتْ لياليها ولما ترجعِ
مرتْ لياليها ولما ترجعِ / فالعينُ إن هجعَ السُّها لم تهجعِ
أيامَ تهتفُ بي المهى ويغرنَ إن / ذكروا حنيني للغزال الأتلع
وأرى تحيتهنَّ في جيب الصِّبا / وسلامهنَّ مع البروق اللمَّعِ
زمنٌ به كان الزمانُ يهابني / وحوادثُ الأيامِ ترهبُ موضعي
ينظرن مني قيصراً في قصره / ويخفنَ من همي عزيمةَ تبَّعِ
في حين لا العبرات تكلُم أعيني / حزناً ولا النيرانَ تكوي أضلعي
يجري الهوى طرباً على آثارها / مشيَ الجآذرِ للغدير المترعِ
ظمآن لا ترويه إلا عبرةٌ / أو مهجة هطلت بجنبي مولعِ
حسبوهُ غصناً في الثيابِ وزهرةً / تحت القميصِ ووردةً في البرقعِ
أمسيت من آماله في ليلةٍ / ضلَّ الصباحُ بها طريقَ المطلعِ
تشكو نجوم الليلِ أني رعتُها / ومتى تروعُ أنة المتوجعِ
وكأنها إذ أحدقتْ في جانبي / حسبتْ هلال سمائِها في مضجعي
غرٌ كمحمود السريرةِ إن دعا / زهراً كغرتهِ المضيئةِ إن دعِي
لو أنصفوها لاستبانوا أنها / حباتُ ذياكَ القريضِ المبدعِ
عرفوا بهِ شعرَ الفحولِ وأهلهُ / وسجيةُ المطبوعِ والمتطبعِ
فلو أن عَمْراً أسمعوهُ حماسةً / لحما بهِ الصمصامُ إن لم يقطعِ
أو أنشدوا المجنون بعضَ نسيبهِ / لنسي بهِ ليلى فلمْ يتفجعِ
لم أتلُ يوماً آيةً من آية / إلا حسبتُ الكون يتلوها معي
وأراهُ أحيا للبلاغةِ دولةً / مات ابن بردٍ دونها والأصمعي
وأبيكَ لولا مكرمات بيانهِ / ما كانَ في إحيائها من مطمعِ
لكَ أن تشا وعليَّ أن لا أجزعا
لكَ أن تشا وعليَّ أن لا أجزعا / وليَ الهوى وعليكَ أن تتمنعا
ما الحبُّ إلا أن تكونَ مملكاً / ونذلُ يا ملكَ القلوبِ ونخضعا
زعم الوشاةُ بأني لك صارمٌ / أوما رأيتَ لكل واشٍ مصرعا
ولو أن حبلَ هوايَ كان مقطعاً / ما باتَ قلبي في هواكَ مقطعا
غادرت عيني لو يفرقُ سهدُها / في الناسِ ما باتَ العواذلُ هُجَّعا
وأمنت أن هوى سواك فرعتني / حتى أمنت عليكَ أن تتوجعا
لا تمضِ في هذا الدلالِ فانما / أهوى دلالك أن يكونَ تصنعا
إني ليقتلني الصدودُ فكيفَ بي / وأرى صدودكَ والنوى اجتمعا معا
فسل الدجى عنيَ تنبئكَ الدجى / واسأل عن العينين هذي الأدمعا
وأصخ لشعري إن رحمتَ فلم يزلْ / شعري يحنُّ إليكَ حتى تسمعا
أمسى بحسنكَ مولعاً وخُلقتَ لا / تهوى الذي يمسي بحسنك مولعا
لو لم أزنهُ بمدحِ عبدِ المحسن / المولى لما باهى الدراري لمعا
ملكَ البيانَ ومن غدا في أهلهِ / فذُّ المشارقِ والمغاربِ أجمعا
نثروا على تاجِ الزمانِ قريضهُ / فغدا به تاجُ الزمانِ مرصَّعا
ولو أنَّ للعربِ الكرامِ عقودَهُ / ما عطلوا في البيتِ منها موضعا
يا كوكب الفلكِ الذي آياتهُ / تأبى على كل امرئ أن يطمعا
عدوا أكاسرة القريضِ ثلاثةً / ولقد أراهم أصبحوا بك أربعا
سلْ ذلكَ الغطريفَ ماذا يدعي / لو أدركتهُ مروِّعاتُكَ ما ادعى
أو ما تركتَ السابقينَ إذا جروا / ومشيتَ هوناً دونَ شأوكَ ظُلَّعا
ولقد أطاعتكَ الكواكبُ مثلما / كانت ذكاءُ وقد أطاعتْ يوشعا
وسطا على الشعرِ الزمانُ وغالهُ / فحفظتَ ما غالَ الزمانُ وضيعا
وأريتنا من سحرِ بابلَ أعيناً / تجري علينا البابلي مشعشعا
تركتُ فؤادَ الدهرِ يخفقُ صبوةً / وحنينُ أهلِ الخافقينِ مرجَّعا
فإذا تلوها أصغتِ الدنيا لها / حتى كأن لكل شيءٍ مسمعا
وسجعتَ في مصرٍ وملكُ الشعرِ في / مصرٍ إذا اشتقت العراقَ لتسجعا
ما زلتَ تذكرها الفراتَ ودجلةً / حتى بكى النيلُ السعيدُ وما وعى
فاجعلْ لمدحي من قبولكَ موضعاً / واجعل لشعري في بيانكَ منزعا
إني إذا أرهفتُ حدَّ يراعتي / لم تلقَ في الشعراءِ غيريَ مبدعا
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ / فأنتَ بها برٌوأنت لها أبُ
وما وجدتْ مثلي لها اليومَ شاعراً / أياديكَ تمليها عليَّ فأكتبُ
وهل كلساني إن مدحتُكَ مبدعٌ / وهل كبياني ساحراً حين أنسبُ
دع الشعرَ تقذفهُ من البحرِ لجةٌ / إليكَ ويلقيهِ من البر سبسبُ
فإن يممَ الغرُّ الميامين مكةً / حجيجاً فهذي كعبة الشعرِ يثربُ
طلعتْ عليها طلعة البدرِ بعد ما / تجللها من ظلمةِ الظلمِ غيهَبُ
بوجهٍ لو أن الشمس تنظرُ مرةً / إليه لكانت ضحوةُ الصبحِ تغربُ
فجليتَ عنها ما أدلهمَّ وأبرقتْ / أسارير كانتْ قبلَ ذلكَ تقطبُ
وهل كنتَ إلا ابن الذي فاضَ برُهُ / عليها كما انهلَّ الغمام وأعذبُ
فكنْ مثلُهُ عدلاً وكُن مثلهُ تقىً / وصن لبنيهِ ما يد الدهرِ تنهبُ
سما بكَ أصلٌ طبقَ الأفقَ ذكرهُ / وسارتْ بهِ الأمثالُ في الأرضِ تضربُ
وقومٌ همُ الغرُّ الكواكب كلما / تغيبَ منهم كوكبٌ لاح كوكبُ
وهم معشر الفاروقِ من كل أغلبٍ / نماهُ إلى ليث العرينةِ أغلبُ
حفظتَ لهم مجداً وكانَ مضيعاً / وأبقيتَ فخراً كانَ لولاكَ يذهبُ
ونالكَ فضلُ الله والملكِ الذي / أرى كل ملكٍ دونهُ يتهيبُ
إذا ذكروهُ كبرَ الشرقُ بهجةً / وإن لقبوهُ أكبرَ الشرقِ مغربُ
يصدعُ قلبَ الحاسدينَ وإنهُ / إلى كل قلبٍ في الورى لمحببُ
ويرضي رعاياهُ فيردي عدوهُ / وما زالَ في الحالينِ يُرجى ويُرهبُ
حباكَ بها غراءَ يفترُ ثغرها / وكنتَ لها بعلاً وغيركَ يخطبُ
وكم أمَّلتها أنفسٌ فتحجبتْ / وبنتُ العلا إلى عن الكفءِ تحجبُ
سموتَ إليها وما ونيتَ وقد أرى / ذوائبَ قومٍ دونها تتذبذبُ
فطر فوقها ما العزّ عنكَ بمبعدٍ / وفضلُ أمير المؤمنينَ مقربُ
كأني بربِّ الروضةِ اليومَ باسماً / وصدِّيقهُ يزهى وجدكَ يعجبُ
ويثربُ مما أدركتْ من رجائها / بمقدمكَ الميمون باتتْ ترحبُ
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي / ترقرقُ بينَ أجفانِ الربيعِ
مصفقةً كصافيةٍ جلالها / باكؤسِهِ الخليلُ على الخليعِ
وهُنَّ من الأزاهرِ في شفاه / كما تحلو اللمى بعدَ الهجوعِ
وثديُ الروض درَّ على جناهُ / درورَ المرضعاتِ على الرضيعِ
ومدَّ الليلُ أنفاساً عِذاباً / كأنفاسِ المليحةِ للضجيعِ
ولاحَ الصبحُ يسفرُ عن جبينٍ / عليهِ الشمسُ حالية السطوعِ
وقد بكرتْ لتملأ جرتيها / فتاةُ الريفِ كالرشاء المروعِ
فورَّدتِ الطبيعة وجنتيها / ونضَّرَ وجهَها الحسن الطبيعي
تروحُ وتغتدي والزهرُ يرنو / إليها في الذهاب وفي الرجوعِ
وثغرُ النهرِ يبسِمُ عن لُماها / وإن لم تشفِ ريقتهُ ولوعي
وتخبرنا النسائمُ عن شذاها / كما تروي الهواجرُ عن ضلوعي
مكحلةٌ ولا كحلٌ ولكن / سلِ الظبيَّاتِِ عن ذاك الصنيعِ
وقد مدَّت حواجبها شراكاً / وطيرُ الروحِ دانيةُ الوقوعِ
أراها أن تكنفها حسانٌ / كنورِ الكهرباءةِ في الشموعِ
وتحجبُ حينَ تُخفى الشمس لكنْ / تسابق أختها عند الطلوعِ
فيا قلبُ اعصِ كلَّ هوىً سواها / ويا نفسي سواها لا تطيعي
فذاكَ الحسنُ لا ما تشتريهِ / ضرائرها من الحسنِ المبيعِ
وما تحوي المدائنُ غيرَ بدعٍ / وإن حسبوا التبدعَ كالبديعِ
فقد حسِنتْ هناكَ كلُّ أنثى / كأنَّ الحسنَ قُسِّمَ في الجميعِ
يُدَمِّمنَ الخدودَ وأيُّ عينٍ / تُحِبُ الخدَّ يصبغُ بالنجيعِ
وكم شفعن ذاكَ الحسنَ لكنْ / متى احتاجَ الغواني للشفيعِ
وهل تقفُ القلوبُ على قوامٍ / كأنَّ ذيولهُ قِطَعُ القلوعِ
فما لي والمدائنُ ما تراها / مدافنُ ما بهنَّ سوى صريعِ
وهل كان التمدنُ في بنيهِ / سوى ما يفعلونَ من الفظيعِ
وهل أبصرتَ بينَ القومِ طرّاً / سوى رجلٍ مضاعٍ أو مُضيعِ
فهذا باتَ في شبعٍ وريٍّ / وذلكَ مات من ظمإٍ وجوعِ
وأحلى من أولئكَ في عيوني / بأرياف القرى نظرُ القطيعِ
وإنَّ الأمرَ تمضيهِ فتاةٌ / لخيرٌ من فتىً غيرُ جزوعِ
وما شظفُ المعيشةِ في هناءٍ / تقرُّ بهِ سوى العيش المريعِ
فلو مزجوا ببعض الهمِّ ماءً / لصارَ الماءُ كالسمِّ النقيعِ
ولو أن الرواسيَ كنَّ تبراً / لما كان الغنى غيرُ القنوعِ
أرى ذا الليلَ قدْ خفقت حشاهُ / وبيَّضَ عينهُ نزفُ الدموعِ
أكبَ يرى لهُ كبداً تنزى / زجاجتها منوعةُ الصدوعِ
وأبصرَ بعدَ ذلكَ من قريبٍ / جيوشَ الصبحِ تمرحُ في الربوعِ
فخلَّى ما تملَّكَهُ وولَّى / كما فرقَ الجبانُ من الجموعِ
وكنتُ مخبأً في جانبيهِ / فيا شمسسُ اكتميني أو أذيعي
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ / وكأنها لبستْ قميص زبرجدِ
والشمسُ عاصبةُ الجبينِ مريضةٌ / تصفرُ في منديلها المتورَّدِ
حسدتْ نظيرتها فأسقمها الأسى / إن السقامَ علامةٌ في الحسَّدِ
ورأت غبارَ الليلِ ينفضِ فوقها / في الأفقِ فانطبقتْ كعينِ الأرمدِ
ومضى النهارُ يشقُّ في أثوابهِ / حزناً وأقبلَ في رداءٍ أسودِ
فتهللتْ غررُ النجومِ كأنما / كانت لضاحيةِ السماءِ بمرصدِ
وكأنها عقدٌ تناثرَ درُّهُ / من جيدِ غانيةٍ ولم تتعمدِ
أو حلي رباتِ الدلالِ أذلنهُ / شتَّى يروحُ على النهودِ ويغتدي
والأفق بينَ مفضضٍ ومذهبٍ / كالجيدِ بينَ معطَّلٍ ومقلَّدِ
وكأن صفحةَ بدرهِ إذ أشرفتْ / مصقولةَ الخدينِ صفحةَ أمردِ
وكأنَّ ضوءَ الفجرِ رونقُ صارمٍ / نضيتْ صفيحتهُ ولما تغمدِ
والأرضُ في حللِ كُستْ أطرافها / إلا معاصمَ نهرها المتجردِ
حفتْ جوانبهُ الرياضُ كأنها / وشيُ الفرندِ على غرارِ مهندِ
وكأنهُ صدرُ المليحةِ عارياً / ما بينَ لبتها وبينَ المعقدِ
وكأنَّ أثواب الرياض من الصبا / عبقتْ بأنفاس الحسانِ الخُرَّدِ
يمشي النسيمُ خلالها مترنحاً / بينَ الغديرِ وبينَ ظلٍّ أبردِ
والطيرُ مائلةٌ على أوكارها / منها مغردةٌ وغيرُ مغرِّدِ
باتتْ تناغي لا تحاذرُ فاجعاً / مما نكابدُ في الزمانِ الأنكدِ
يا طيرُ ما في العيشِ إلا حسرةً / إن خلتها نقصتْ قليلاً تزددِ
لم يمنعِ القصرُ المشيدُ ملوكهُ / منها فكيفَ وفاكها الغصنُ الندي
تأبى على الأحرارِ إلا ذلَّةً / ولو أنهم صعدوا ومدارَ الفرقَدِ
فانعم بوكركَ إنه لكَ جنةٌ / كالخلدِ لولا أنت غيرُ مخلدِ
كم واجدٍ منها تقاذفَ قلبهُ / ذاتُ الدلالِ فإن دنا هو تبعدِ
فتاكةُ الألحاظِ أنى يممتْ / سمعتَ زفيرَ متيَّمٍ متنهدِ
كالبدرِ لولا أنها أنسيةٌ / والشمسِ لولا أنها لم تعبدِ
قالتْ عشقتَ وما قضيتَ كمن قضوا / هذا الطريقُ إلى الردى فتزودِ
دعْ عنكَ أمرَ غدٍ إذا ما خفتهُ / يوماً لعلكَ لا تعيش إلى غدِ
فلقد أراك اليومَ من أثرِ الهوى / كالشمسِ إن لم تحتجبْ فكأنّ قدِ
أما حدثوكَ بأخبارها
أما حدثوكَ بأخبارها / وقد نزلَ البينُ في دارِها
ليالي امرؤِ القبسِ بينَ الخيامِ / يباهي السماء بأقمارِها
فما لكَ تذكرُ تلكَ الديارْ / ومالكَ تبكي لتذكارِها
وبينَ الضلوعِ قلوبٌ عفت / وضنَّ الغرامُ بآثارِها
قلوبٌ فزعنا بها للدموعِ / فما أطفأ الدمع من نارِها
تهزُّ لها الغانياتُ القدودَ / إذا ما تناجت بأسرارها
ألا فرعى الله تلكَ القصور / وحلى السماءَ بأنوارها
يبيتُ يحنُّ لها جارها / وإن لم تحنَّ إلى جارها
قصورٌ تدلُّ بأيامها / دلال الرياضِ بآذارها
إذا طلع الصبحُ حيتْ ذكاءُ / شموساً توارتْ بأستارها
تكادُ لرقةِ سكانها / تردُّ السلام لزوَّارِها
همُ علموها اجتذابَ القلوبِ / وشقَّ مرائرِ نظَّارها
وقد سامحتها خطوبُ الزمانِ / وضنتْ عليها بأكدارها
ودارتْ بمعصمها كالسوار / رياضُ تسامتْ بأسوارها
تحاكي المجرةُ أنهارها / وتحكي النجومُ بأزهارها
كساها الشتاءُ ثيابَ الربيعِ / وزرت عليها بأزرارها
إذا اعتلَ فيها نسيمُ الصباح / ناحتْ بألسنِ أطيارها
وإن طلبَ الظلُّ فيها الهجيرَ / تأبتْ عليهِ بأشجارها
وإن حلَّ الندامى فيها رأوا / لياليها مثل أسحارها
ودبَّ النسيمُ لعيدانهم / فباتت تنوحُ بأوتارها
وأنستهمُ معبداً والغريضَ / وشدو القيانِ بأشعارها
وأهل البضيعِ وذكرى حبيبٍ / وشد المطيِّ بأكوارها
سقتها السماءُ بما تشتهي / وجادتْ عليها بأمطارها
مل بي عن الوردِ واسقني القدحا
مل بي عن الوردِ واسقني القدحا / فوردُها من خدودكَ افتضحا
وقد شكى للنسيمِ خجلتهُ / فحينَ مرَّ النسيمُ بي نفحا
وقم بنا نصطبحُ معتقةً / واسمح بها فالزمانُ قد سمحا
كأنها فرحةً على كبدٍ / تنقضُ عنها الهمومَ والترحا
فاجلُ بها لنفسَ إنها صدأتْ / وآس بها القلب إنهُ قرِحا
وقل لمن لامني على سفهٍ / ما ضرَّنا أنْ نابحاً نبحا
أما ترى الدَّنَّ قد جرى دَمُهُ / كأنه من لحاظكَ انجرحا
يمجُّ راحاً كأنَّ شعلتها / تحت الدياجي شعاعُ شمسِ ضحى
أخفُّ عندي ممن ضنيتُ به / روحاً وأخفى من الضَّنا شبحا
وإن ترَ الهمَّ قاتلاً فرحي / فانظر كيف تبعثُ الفرحا
الفجرُ ما كان ينزوي حزناً / في الأفقِ حتى رآكَ فانشرحا
والطيرُ قد كانَ فوقَ منبرِهِ / عياً فلما سكبتها صَدَحا
والفلُّ والياسمين من حسدٍ / كلاهما فوقَ غصنِهِ انطرحا
تنافسا في الجمالِ آونةً / فحينَما لاحَ وجهكَ اصطلحا
زفتْ ولمّا يفترعها المزاج
زفتْ ولمّا يفترعها المزاج / كما تُزَفُّ البكرُ عندَ الزواجْ
فهللُ الشرب سروراً بها / وكبرَ الديكُ وصاحَ الدجاجْ
كأنهم رهبانُ في بيعةٍ / قد أوقدوا في كل كأسٍ سراجْ
كأن حاسبها المريضَ ارتمى / على سريرٍ يتعاطى العلاجْ
كأننا إذ نحنُ صرعى بها / فرسانُ حربٍ صرعوا في العجاجْ
من كفِ حوراءَ غلاميةٍ / مفعمةِ الحجلينِ خودٍ رجاجْ
شكَ فؤادي لحظها وانثنى / فلم يزل في لحظها في انزعاجْ
يبصِرها من خلفِ أضلاعهِ / كأنما يبصِرها من زجاجْ
هاتِ اسقنيها والدجى ساحبُ
هاتِ اسقنيها والدجى ساحبُ / ذيلَ الصبا كالملكِ الأشوسِ
واقبس لنا من نارها جذوةً / تثورُ بالنخوةِ في الأرؤسِ
قد شبها الليلُ لمن بهتدي / فصبها الفجرُ لمن يحتسي
كالخدِ والدمعِ ولكنها / ليست من الوردِ ولا النرجسِ
وعاطني والروضُ من حسنهِ / يرقصُ في الأطلسِ والسندسِ
يا غلامُ ارقبِ الفجرَ حتى
يا غلامُ ارقبِ الفجرَ حتى / يتجلى فنادي للمدامِ
بينَ شمسٍ تدورُ في كفِّ بدرٍ / وعيونٍ من الزهورِ نيامِ
تترامى بها الصَّبا عن يميني / ويساري وتنثني من أمامي
وإذا ما شربتَ خديهِ فاملأ / واسقنيها كخدِهِ يا غلامي
وأدرها تروني فلو أني / غيرُ مضنىً سكبتها في عظامي
واطرح الهمّ للعواذلِ حتى / يَقضيَ اللهُ بيننا بسلامِ
تجنى الخبيبُ فقالوا غضبْ
تجنى الخبيبُ فقالوا غضبْ / وتاهَ دلالاً فقالوا اجتنبْ
الا دعهمُ ذاكَ بدرُ السما / إذا ما أضاءَ السماءَ احتجبْ
وهذي عروسُ الصبا أقبلتْ / تزفُّ إلينا عجوزُ الحقبْ
فقم فاجلها إن بنتَ الضحى / تخافُ أشعةَ بنتَ العنبْ
ولا تأمنِ الماءَ يخلو بها / فيولدها من بناتِ الحببْ
وكم غشني حينَ عاملتهُ / فمزْ بينَ فضتهِ والذهبْ
وإما دعاني داعي الصبا / ومالت بعطفيَ أمُّ الطربْ
فقلْ لخطيبِ الرياضِ ارتجلْ / فإنَّ خطيبَ الهوى قد خطبْ
وللصبحِ يبدي تباشيرَهُ / ويروي الهنا عن إمامِ الأدبْ