القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 591
ساِئلْ بِيَثربَ هَل ثَوى الرَّكبُ
ساِئلْ بِيَثربَ هَل ثَوى الرَّكبُ / أَم دونَ مَثواهم بهِ السَّهْبُ
وَلَقَد كَتمتُهمُ هَوايَ بِهم / وَالحبُّ داءٌ كَظمهُ صَعْبُ
يا صاحِبيَّ ومِنْ سعادَةٍ مَنْ / حملَ الصبابةَ أنْ له صَحْبُ
لا تَأخُذا بِدَمي مَتى أُخِذَت / نَفسي سوايَ فَما له ذَنبُ
مِن عندِ طرفي يومَ زرتُكُمُ / نَفذَ الغَرامُ وَزارَني الحبُّ
وَإِذا رَأيتُ الحُسنَ عندَكُمُ / دونَ الخَلائقِ كيفَ لا أَصبو
يَجني عَليّ وَلا أُعاتبُه / مَن لَيسَ يَنفَعُ عندهُ العَتْبُ
وَيَصدُّ عَنّي غَيرَ مُحتَشِمٍ / مُتَيقّنٌ أَنّي بهِ صَبُّ
وَوَشى إِلَيهِ بِسَلوَتي مَذِقٌ / نَغِلُ المَودَّةِ صِدقُهُ كِذْبُ
وَشَجاهُمُ أنّي فَضَلتُهُمُ / وَعلى الفَضائِلِ يُحسَدُ النَّدْبُ
أَتَرَوْن أَنّي مِنكُمُ كثِبٌ / هَيهاتَ ما إِنْ بَينَنا قُربُ
الغابُ يُضمِرُني مَكامِنهُ / ما لَيسَ يُضمر مِثلَه الزِّرْبُ
كَلّا وَلا الأَعضاءُ واحدةٌ / وَالرأسُ لَيسَ يُعَدّ والعَجْبُ
وَإِلى فَخارِ المُلكِ أُصدِرُها / كَلِماً تَسيرُ بِذِكرِها الكُتْبُ
وَبِها عَلى أَكوارِ ناجيةٍ / نصَّ المنازل عنّيَ الرّكبُ
وَالكأسُ لولا أَنّها جذبَت / سُمّارَها ما ذاقها الشَّرْبُ
شَبّوا سَناها مُفسدينَ لَها / فَكأَنَّ مِسكَ لَطيمَةٍ شبَّوا
ملكٌ إِذا بصرَ الرجال بهِ / عَنَتِ الوجوهُ وقُبّلَ التّربُ
وَإِذا اِحتبى في رَجعِ مَظْلَمَةٍ / فَوَقارُهُ لَم يُعطَه الهَضْبُ
مَن ذا الّذي نالَ السماءَ كَما / نالَت يَداكَ فَفاتهُ العُجْبُ
وَمن الّذي ما حلّ مَوضِعَه / عُجمٌ بِذي الدُنيا ولا عُربُ
وَمن الّذي لَمّا عَلا قِمَمَ ال / تَدبير دانَ الشّرقُ والغربُ
يا مَن تُعزّ بِهزِّ راحَتِهِ / سُمْرُ الرّماحِ وتَفخرُ الحربُ
وَيُضيءُ في إِظلامِ داجِيَةٍ / ما لا تُضيءُ لَنا بهِ الشُّهبُ
وَإِذا ذَكرناهُ فَلا وَجَلٌ / يُخشى وَلا همٌّ ولا نَصبُ
وَتُذاد أَدواء الزّمانِ بهِ / عَنّا وَيُطرد بِاِسمهِ الجَدْبُ
وَلَقد بَلوك خِلالَ مُعضلةٍ / دَهَمَتْ يُقضُّ بِمِثلها الجَنْبُ
حَيثُ اِسترَثّتْ كُلُّ مُحكَمةٍ / مِن عَقده وَتزايَل الشَّعْبُ
فَفرجتها وَعَلى يَديك بِلا / بَشَرٍ يُعينك نُفّس الكربُ
قَد كانَ قَبلك من له سِيَرٌ / عوجُ المُتونِ ظُهورها حُدْبُ
دَرَستْ فَلا خبَرٌ ولا أثرٌ / مِثلَ الهشيمِ هَفَتْ به النُّكْبُ
فَالآنَ قَد ساسَ الأمورَ فتىً / بِمِراسِها وَعلاجها طَبُّ
أَلقَتْ عَصاها فهيَ آمنةٌ / وَلِغَيرِها التخويفُ والرُّعبُ
وَنَأَتْ فَقَرَّبها عَلى عَجَلٍ / مِن راحتيك الطَعن والضّربُ
قَد عَبَّ فيها الشارِبونَ على / ظَمإٍ وَلَولا أَنتَ ما عبُّوا
وَتَلاعَبوا فيما أَبَرْتَ لهم / والجِدُّ يوجَدُ بعدهُ اللِّعْبُ
وَتَراهُمُ يَتَمعّكون بها / أَشَراً كَما يَتَمعّك الجُربُ
أَنتَ الّذي أَوليت مبتدئاً / نِعَماً يَطيشُ بِبعضها اللبُّ
وَأَتيتَ مُعتذراً إِلى زَمنٍ / فَكَأنّها لكَ عِنده الذّنبُ
ما أنسَ لا أنسَ اِهتزازَك لي / وَاليوم تُرفعُ دونهُ الحُجْبُ
في مَجلِسٍ لي فيهِ دونهُمُ / سَعَةُ المَحلّة منكَ والرُّحْبُ
وَعَلى الأَسرَّةِ منكَ بدْرُ دُجَىً / لي منهُ عِندَ وسادِه القُربُ
فَاِسعَدْ بِهذا المِهْرَجانِ ودُمْ / أَبداً تنيرُ لَنا ولا تَخبو
وَتهنّأ الأيام آنفةً / فَاليومَ فيك لأمّه القربُ
وَأَطالَ عُمرَ الأشرَفين لَنا / وَكَفاهُما وَوقاهُما الرَّبُّ
حَتّى تَرى لَهُما الّذي نَظَرتْ / عَيناكَ مِنكَ فَإِنّه حَسْبُ
نَصيبِيَ منكِ اليومَ هجرٌ وبغضَةٌ
نَصيبِيَ منكِ اليومَ هجرٌ وبغضَةٌ / وما لكِ إِلّا في الودادِ نَصيبُ
وَقَلبُكِ مِن حُبّي صَحيح مسلَّمٌ / وَقَلبيَ فيهِ مِن هواكِ ندوبُ
وَرابَكِ مِنّي قبل أَن تَتبيّني / بِأَنْ لَيسَ لي أَمرٌ عليهِ مَشيبُ
وَعاقَبني ظلماً وَكَم من مُعَاقَبٍ / وَلَيسَ لَهُ عندَ الحسان ذنوبُ
وَلَيسَ عَجيباً شيبُ رَأسي وَإِنّما / صدودُك عَن ذاكَ المشيب عجيبُ
هَبيهِ نَهاراً بَعد ليلٍ وروضةً / تضاحك فيها النّور وهيَ قَطوبُ
وَلا تَطلُبي شَرخَ الشّبابِ وَقَد مَضى / فذلكَ شَيءٌ ما أَراه يثوبُ
عَلى مثلِ هَذا اليومِ تُحنى الرّواجب
عَلى مثلِ هَذا اليومِ تُحنى الرّواجب / وَتُطوى بفضلٍ حِيز فيه الحقائبُ
حُبينا وأُمّرْنا بهِ فَبُيوتُنا / لدُنْ قيلَ ما قد قيلَ فيهِ الأهاضبُ
وَطارَت بِما نِلناهُ أَجنِحَةُ الوَرى / وَسارَت بهِ في الخافِقين الرّكائبُ
وَقالَ أُناسٌ هالَهم ما رَأوا لنا / أَلا هَكَذا تَأتي الرّجالَ المواهبُ
ظَفرتُمْ بِما لَم نَحظَ مِنهُ بنَهْلةٍ / وَلَذَّت لَكُم دونَ الأَنامِ المَشاربُ
وَبوّاكُمُ الشِّعبَ الّذي هو ساكنٌ / رسولٌ لهُ أمرٌ عَلى الخلق واجبُ
فَلمّا مَضى مَن كان أمَّرنا لَكمْ / أَتَتْنا كَما شاء العقوقُ العجائبُ
فَقُل لأُناسٍ فاخَرونا ضلالةً / وَهُم غُرباءٌ مِن فخارٍ أجانبُ
مَتى كُنتُمُ أَمثالَنا وَمَتى اِستَوتْ / بِنا وَبِكم في يَومِ فَخرٍ مَراتبُ
فَلا تَذكُروا قربى الرّسول لِتدفعوا / مُنازعكم يوماً فنحن الأقاربُ
وَمِن بعدِ يومِ الطفّ لا رحمٌ لَنا / تَئِطّ ولا شَعبٌ يرجّيه شاعبُ
وَكُنّا جَميعاً فَاِفتَرَقنا بِما جَرى / وَكَم مِن لَصيقٍ باعَدته المَذاهبُ
وَنَحنُ الرؤوسُ وَالشوى أَنتُمُ لَنا / وَمِن دونِنا أَتباعُنا وَالأصاحِبُ
لَنا دونَكم عَبّاسُنا وَعَليّنا / وَمَن هوَ نجمٌ في الدُجُنَّةِ ثاقبُ
وَلَو أَنّنا لَم نُنه عَنكم أتَتكُمُ / سِراعاً بنا مقانبٌ وكتائبُ
وَقَومٌ يَخوضونَ الرّدى وأكفّهم / تُناط بِبِيضٍ لم تخنها المضاربُ
إِذا طُلِبوا لَم يرهبوا مِن بسالةٍ / وَمن طَلبوا ضاقَت عليهِ المَذاهبُ
فَما بَيننا سِلمٌ ومَن كانَ دَهره / يُكتّم ضِغناً في حَشاهُ محاربُ
وَقيلَ لَنا لِلحقّ وَقتٌ معيّنٌ / يَفوز بهِ باغٍ وينجحُ طالبُ
فَلا تَطلُبوا ما لَم يَحِنْ بَعدُ حينُهُ / فَطالبُ ما لم يَقضِهِ اللّهُ خائبُ
فَإِنْ دُوَلٌ مِنكم مَشينَ تَبختُراً / زَماناً فقد تمشى الطِّلاحُ اللواغِبُ
وَإِن تَركَبوا أَثباجَ كلِّ منيفةٍ / فَكَم حُطّ مِن فَوقِ العَليّةِ راكبُ
فَلا تَأمَنوا مَن نامَ عنكم ضرورةً / فمُقْعٍ إلى أن يُمكن الوثبَ واثبُ
كَأنّي بِهنّ كالدَّبا هبَّتْ الصَّبا / به في الفلا طوراً وأُخرى الجنائبُ
يَحكّونَ أَطرافَ القَنا بِنُحورِهم / كما حكّت الجِذلَ القِلاصُ الأجاربُ
أَبِيّون ما حلّوا الوهادَ عن الرُّبا / وَما لهمُ إلّا الذُّرا والغواربُ
وَكَم مِنهمُ في غَمرةِ الحرب سالبٌ / وكم فيهمُ في حومة الجدب واهبُ
وَإِنّي لأرجو أَن أعيش إلى الّتي / تحدّثنا عنها الظّنونُ الصّوائبُ
فَتُقضى دُيونٌ قَد مُطِلْنَ وتنجلِي / دياجِرُ عن أبصارنا وغياهبُ
وتجري مياهٌ كنّ بالأمس نُضَّباً / وَتَهمي كَما شِئنا علينا السحائبُ
وتُدرك ثارات وتُقضى لُبانةٌ / وَتُنجح آمالٌ وتُؤتى مآربُ
أَتَنسيْن يا لَمياءُ شملكِ جامعاً
أَتَنسيْن يا لَمياءُ شملكِ جامعاً / وَإِذْ أَنا في صبغ الدُّجى منك أقربُ
وَقد لفّنا ضيقُ العناقِ وَبيننا / عِتابٌ كعرفِ المسكِ أو هو أطيبُ
وَإِذ علّنِي مِن ريقهِ ثم علّنِي / عَلى ظمإٍ مُستعذَبُ الرّيق أشنبُ
كَأنّ عليهِ آخرَ اللّيلِ قهوةً / مُعتّقةً ناجودُها يَتصوّبُ
أُحبّكِ يا لَمياءُ مِن غَيرِ رِيبةٍ / وَلا خَيرَ فيما جاءَهُ المتريِّبُ
وَيُطرِبُني إِنْ عنَّ ذكرُك مرّةً / وَلَستُ لِشيءٍ غير ذكراك أطربُ
وَفي المَعشَرِ الغادينَ بَدرُ دُجُنّةٍ / عَلوقٌ بِأَلبابِ الرّجالِ مُحبّبُ
يَدِلُّ فَلا تَأبى القلوبُ دلاله / ويُلقِي بأسبابِ الرِّضا حين يغَضَبُ
حَرامٌ عَلى قَلبي السلوُّ وَقَد بَدا
حَرامٌ عَلى قَلبي السلوُّ وَقَد بَدا / لِعَينِيَ عندَ الرّقمتينِ قَضيبُ
قَضيبٌ قَضى اللَّه المقدّر أنَّهُ / إِلى كلِّ أَلبابِ الرّجال حبيبُ
وَما كانَ عِندي أَنّ قَلبي يقودهُ / إِلَيه ويُدعى نحوه فيجيبُ
وفي النّفرِ الغادين وجهٌ أُحبّه
وفي النّفرِ الغادين وجهٌ أُحبّه / وما كلّ وَجهٍ في الرِّفاق حبيبُ
يَنوبُ مَنابَ البدرِ ليلةَ تمّهِ / وَيُغني غناءَ الشّمسِ حين تغيبُ
وَلمّا دَعاني للغرامِ أَجبتُه / وَما كانَ قَلبي للغرامِ يجيبُ
وَما كنتُ إِلّا فيهِ للحُبِّ طائِعاً / وَما لِسواهُ في الفؤادِ نَصيبُ
شعرٌ ناصعٌ ووجهٌ كئيبُ
شعرٌ ناصعٌ ووجهٌ كئيبُ / إنّ هذا من الزّمان عجيبُ
يا بياضَ المشيب لونُك إنْ أنْ / صفَ رائيكَ حالِكٌ غرِبيبُ
صدّ من غير أن يُمَلّ وما أنْ / كر شيئاً سواك عنّي الحبيبُ
يا مُضيئاً في العينِ تَسوَدُّ منهُ / كلَّ يومٍ جوانحٌ وقلوبُ
لَيس لي مُذْ حَللتَ يا شَيبُ في رَأ / سِيَ كرهاً عند الغواني نصيبُ
وَلَخَيرٌ مِن لَونك اليقِقِ المُشْ / رِقِ عندي وعندهنّ الشُّحوبُ
رُحنَ يَدعونَني معيباً وَيَنبذ / نَ عُهودي وَأَنت تلك العيوبُ
كَيفَ أَخشى الرّقيب والشّيب في وَج / هي عَلى الغانياتِ منِّي رقيبُ
حَلّ ذاكَ الكِناس ظبْيٌ ربيبُ
حَلّ ذاكَ الكِناس ظبْيٌ ربيبُ / عاصتِ الصَّبْرَ في هواه القلوبُ
غاضَ فيهِ حلمُ الوَقور وأكْدَتْ / قُلُبُ الرَّأْي واستُزلّ اللّبيبُ
يا محلّاً أَبْلَتْه هوجُ اللّيالي / وَغَرامي بِساكنيهِ قَشيبُ
وَاِطمَأنَّتْ بِك المَحاسنُ حتَّى / شرَّدتْها عنّي وعنك الخطوبُ
طالَما روّضت رُباك الغَواني / وتنّورت والزّمان جديبُ
وَتَمشّتْ بك السّحائب يجرُرْ / نَ بُروداً تخيّرتْها الجَنوبُ
جادَ جَفْني ثَراك وَهوَ جَهامٌ / وَأَلَنْتَ الفُؤادَ وَهوَ صَليبُ
ساءَ عَهدي لِقاطنيك مَتى أَذْ / رَيتُ دمعاً من مُقلتي لا يصوبُ
لستَ فرداً فيما دَهَتْه الليالي / كلّ شَيءٍ في كَرِّهنّ سليبُ
أَيّها القادمُ الَّذي أَقْدَمَ الثّأْ / رَ لِقَلبٍ جَنى عليه المغيبُ
إِن يَكُن شَخصُك اِستمرّ بهِ النأ / يُ في الفؤاد قريبُ
لو لِعَنْسٍ رحّلتُها ما بقلبي / عاقَها عَن مدى القِلاصِ اللّغوبُ
لا تَقِلني إِنْ بعتُ غيركَ ودّاً / وَقَفَته عَليك نفسٌ عَروبُ
خُلُقٌ مرهفُ الحواشي وعِرْضٌ / شامخٌ ما دنت إليه العيوبُ
روّقته الأيّامُ والخُلُقٌ الأخْ / لَقُ فينا مُمَنَّعٌ محجوبُ
مدّ ضَبْعي إليك مجدٌ وَساعٌ / وثرىً طيّبٌ وسِنْخٌ نجيبُ
ومعالٍ تكنَّفتْ حومةَ العز / زِ طويلُ الكِرام عنها رعيبُ
إِنَّ وَجدي كَما عَهِدتَ صَريحٌ / ما بِخَلْق سواك فيه نصيبُ
ثَقّفته الدّهورُ وَهوَ رَطيبٌ / وَجَلاهُ الزّمانُ وَهوَ قَشيبُ
جادَ تِلكَ العُهودَ صَوبُ عهادٍ / مِن وِدادِي هامي الجفون سكوبُ
نُلنِيَ القربَ قد أَملّنِي البُعْ / دُ وصلْ ذا الطلوعَ طال الغُروبُ
إِنْ تَجدنِي سَمْحَ القِيادِ ففي قْل / بِ زَماني مِن حرِّ نارِي وجيبُ
كَيفَ أُعطي الزّمانَ صَبْوَة قَلبي / وَاِعتِزامي عَلى هَوايَ رقيبُ
هانَ في مُقلَتي الّذي راقَ فيهِ / فَكَأنَّ الشّباب فيه مشيبُ
سَدَلَتْ خبرتي سُجوفَ اِبتِسامي / قَلّما يُعجب العَجيبَ عجيبُ
وكَفَتْني تَجارِبي نائِباتٍ / ما أُبالي في أيّ حينٍ تنوبُ
وَبَلوتُ الزّمانَ حتّى لو اِرتَبْ / تُ لكشّفتُ ما تُجنّ الغيوبُ
لَيسَ يَدري الوَرى بِماذا غَرامي / ما تمارَوا فيهِ إليَّ حبيبُ
لَيسَ لِلقلبِ في السّلوّ نصيبُ
لَيسَ لِلقلبِ في السّلوّ نصيبُ / يَومَ رُحنا والبين منّا رقيبُ
ودّعتني وزادُها طربُ الله / و وزادي تلهّفٌ ونحيبُ
وَرَأَتني أذري الدموعَ فقالت / أبكاءٌ أراه أم شُؤْبوبُ
إِنَّما البينُ لِلبدورِ المُنيرا / تِ كسوفٌ وللشّموس غروبُ
وَالنّوى كَالرّدى وَفَقدٌ كَفَقدٍ / غَير أن غائبُ الرّدى لا يؤوبُ
وَلقد قلت لِلمليحةِ والرأ / سُ بِصبغ المَشيب ظلماً خضيبُ
لا تَرَيْهِ مجانباً للتصابِي / ليس بِدْعاً صبابةٌ ومشيبُ
قلْ لمن حلّ في الفؤاد وهل يسْ / كنُ حبَّ الفُؤاد إلّا الحبيبُ
أَينَ أَيّامُنا اللّواتي تقضّي / نَ وَفي القلب بعدهُنّ نُدوبُ
وَاِجتماعٌ نَمحو بهِ أَثرَ الهم / مِ وَيَحلو مذاقُه ويطيبُ
تَشَمِئزُّ الأحزانُ منه وتَزوَر / رُ إِذا قارَبته عنهُ الكُروبُ
قُمْ بِنا نَشكر الزّمانَ فَلَم يَب / قَ لنا في الزّمان إلّا العجيبُ
ظُلماتٌ مسودّةٌ وأُمورٌ / مشكلاتٌ يَحارُ فيها اللّبيبُ
وَشُؤونٌ تَبيضّ مِنها شؤونٌ / وَاِنقِلابٌ تَسودُّ منهُ قُلوبُ
وَأراها بِالظّنِّ كالجمرة الحم / راء أذكى لها الأُوارَ مذيبُ
ووشيكاً يكون ذاك فما بَعْ / دَ شَرارِ الزّناد إلّا اللهيبُ
وَكَأنّي بها مُعرَّقة الأوْ / صال قد شَفّها السُّرى والدُّؤوبُ
وعليهنّ كلُّ أرْوَعَ لا يَرْ / ويهِ إلّا التّخييمُ والتّطنيبُ
إنْ عَنَتْ أزْمةٌ فكفٌّ وَهوبٌ / أو عَرَتْ خَشيةٌ فنصلٌ ضَروبُ
وَرِجالٌ شُمُّ العَرانين وثّا / بون نحو الرَّدى شبابٌ وشيبُ
أَينَما ضارَبوا فَهامٌ فَليقٌ / وَنَجيعٌ مِنَ الكُماةِ صَبيبُ
لَيسَ مِنهم إِلّا الغَلوب وَما في / هم مدَى الدّهر كلِّه مغلوبُ
أَنتَ عِزٌّ لَنا فَإِن قيلَ في غي / رِكَ هَذا فَالقَولُ قَولٌ كَذوبُ
وَإِذا مُيّزت سَجايا أناسٍ / بانَ عودٌ رخْوٌ وَعودٌ صَليبُ
ولَبَيتٌ حَلَلْتَ لم يُرَ فيهِ / قَطُّ إلّا نَجابةٌ ونجيبُ
وَوَلوعٌ بِطيّب الذّكرِ لا ير / ضيهِ إلّا التّجهيرُ والتّأويبُ
إِنّ آلَ الأجلّ آلِي وشَعبي / منهُمُ اليومَ تستبين الشّعوبُ
وهُمُ أُسرَتي ومِن سِرَّ موسى / بالمودّاتِ والصديقُ نسيبُ
وَإِذا حُصّلَ الوِدادُ تَدانى / ذو بِعادٍ وَبانَ عَنكَ القَريبُ
قارَعوا عَنِّيَ الخُطوبَ وَقَدْ هَم / مت وكادتْ تجنِي عليَّ الخطوبُ
وتلافَوْا جرائرَ الدّهر حتّى / ما لدهرٍ بهم إليَّ ذنوبُ
كم لهم دون نُصرتي نَهَضاتٌ / ومقامٌ ضَنْك ويومٌ عَصيبُ
وعَصوفٌ يُكِنّنِي وركودٌ / ومَجيءٌ يجيئني وذهوبُ
ودفاعٌ عنّي العدا ونزاعٌ / أرتضيهِ وهدنةٌ وحروبُ
لَستُ أَنسى حُقوقَكم عندِيَ البي / ضَ إذا كان في الزّمان الشّحُوبُ
وَاِعتِصامي بِكُم وَأَنتم لرَحْلي / حَرَمٌ آمنٌ ووادٍ خصيبُ
كَم فَرَجتم من ضَيْقَةٍ وكشفتُمْ / كُرَباً لا يُطيقها المكروبُ
وتخلّصتُمُ ثراءَ رجالٍ / مِن يَدِ الفَقرِ وَالبلاءِ يصوبُ
لا مَشَتْ في دِيارِكُم نُوَبُ الدّه / رِ ولا اِرتَبتُمُ بشيءٍ يُريبُ
وَإِذا خِيفَتِ الغيوبُ فلا خِي / فتْ عليكم مدى الزّمان الغيوبُ
وَفِداكم مِنَ الأَذاة رجالٌ / دَنِساتٌ ذيولهم والجيوبُ
كُلَّما أَخفتِ السّعودُ عيوباً / مِنهُمُ اِستَيقظتْ ولاحت عيوبُ
ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ
ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ / الحُزن أقهر والمصيبة أغلبُ
لكِ يا رزّيةُ في فؤادِيَ زفرةٌ / لا تُستطاع ومن جفونيَ صَيِّبُ
قد كان عيباً أن جرى لِيَ مدمعٌ / فاليوم إن لم يجرِ دمعٌ أعيبُ
وَلَطَالَما كان الحزين مؤنّبا / فالآن مُدّرع العَزاء مؤنَّبُ
طَرَقتْ أَميرَ المؤمنين رزيّةٌ / والرُّزْءُ فينا طارقٌ لا يُحْجَبُ
لَم يَنجُ منها شامخٌ مترفِّعٌ / أو مدخلٌ مُتَمَنّعٌ مُتَصَعَّبُ
لو كان يُدفع مثلُها ببسالةٍ / لحمى عواليها الكماةُ الغُلَّبُ
الضّاربون الهامَ في رَهَج الوغى / والسُّمْرُ تُلطخ بالنّجيع وتُخضَبُ
وَالهاجِمونَ على المنيَّة دارَها / وَقُلوبُهم كالصَّخرِ لا تتهيَّبُ
قَومٌ إِذا حَملوا القنا وَتَنمّروا / رَكِبوا مِنَ العَزّاء ما لا يُركبُ
أَو أَقدموا في معركٍ لم ينكصوا / أو غالبوا في مَبْرَكٍ لم يُغلبوا
رُزءٌ بمُفتَقَدٍ أَرانا فقدُه / أنَّ العُلا والمجدَ قَفْرٌ سَبْسَبُ
وَالأرضُ بعدَ نضارةٍ ما إن لها / إِلّا الأَديمُ المقشعرُّ المُجدِبُ
والنّاس إمّا واجمٌ متخشِّعٌ / أو ذاهلٌ خلع الحِجى مُتَسَلّبُ
إِن يَمضِ مقتبِل الشّباب فإنّه / نالَ الفَضائلَ لَم يَنلْها الأَشيبُ
ورعٌ نبا عنهُ الرّجال وعفّةٌ / لم يَستطعها النّاسك المتجنِّبُ
قُلنا وَقَد عالوهُ فَوق سريرِه / يَطفو عَلى قُلل الرّجال ويرسُبُ
وَوَراءَه الشُمُّ الكرامُ فناشِجٌ / يُذرِي مدامعه وآخرُ يندُبُ
مَن ذا لَوى هَذا الهمام إِلى الرّدى / فأطاعه أم كيف قيد المُصْعَبُ
صَبراً أَميرَ المؤمنينَ فَلَم نَزلْ / بالصّبر من آدابكم نتأدّبُ
أَنتُم أَمَرتم بِالسُّلوّ عن الرّدى / وَأَريتمُ في الخطبِ أَين المذهبُ
وَرَكِبتمُ أَثباجَ كلّ عَظيمةٍ / إذ قلّ ركّابٌ وعزّ المركبُ
ووردتُمُ الغَمراتِ في ظلّ القنا / والطّعن في حافاتها يتلهّبُ
حوشيتُم أن تُنقصوا أنوارَكم / أو تُبخسوا من حظّكم أو تُنكبوا
وَإِذا بَقيتم سالِمينَ منَ الأذى / فَدَعوا الأذى في غَيركم يتقلّبُ
شاطَرتَ دَهرك واجداً عن واجدٍ / فَغَلبتهُ والدّهرُ غيرَك يغلبُ
ما ضَرّنا وَسُيوفنا مَشحوذةٌ / مَصقولةٌ إِن فلَّ منها المِضربُ
وَالشَمسُ أَنتَ مُقيمةً في أُفقها / وَهُدىً لَنا مِن كُلّ شَمسٍ كَوكَبُ
وَإِذا البحورُ بَقينَ فينا مِنكُمُ / مَملوءةً فدعِ المذانبَ تنضُبُ
وَلَئِن وَهى بِالرُّزءِ منّا منكبٌ / فَلَقد نَجا مِن ذاكَ فينا منكِبُ
نَجمانِ هَذا طالِعٌ إِيماضه / مَلأ العيونَ وذاك عنّا يغرُبُ
أَو نِعمتانِ فَهذهِ مَتروكةٌ / مذخورة أبداً وأُخرى تُسلبُ
أَصلٌ لهُ غُصنانِ هذا ذابِلٌ / ذاوٍ وهذا ناضرٌ متشعّبُ
أَو صَعْدةٌ فُجِعَتْ ببعض كُعوبها / ولها كعوبٌ بعد ذاك وأكعُبُ
أَو أَجدَلٌ ما سُلّ منه مِخْلَبٌ / فَاِجتُثَّ إلّا ناب عنه مِخلَبُ
ماذا التنافسُ في البقاءِ وَإِنّما / هُوَ عارِضٌ ماضٍ وبرقٌ خُلَّبُ
ذاقَ الحِمامَ مبذّرٌ ومُقتّرٌ / وَأَتى إليه مبغضٌ ومحبّبُ
فَمُعجّلٌ لحمامهِ ومؤجّلٌ / وَمُشرّقٌ بِطلوعهِ ومغرّبُ
وَنُعاتبُ الأيّامَ في فُرُطاتها / لكنْ نُعاتب سادراً لا يُعتبُ
لا نافعٌ إلّا وَمنهُ ضائرٌ / أَو مرغبٌ إلّا وَفيه مُرهِبُ
وَمَتى صَفا خلل الحوادِث مشربٌ / عَذبٌ تكدّر عن قليلٍ مشربُ
فَخراً بَني عمّ الرّسول فأنتُمُ / أَزكى المَغارس في الأنام وأطيبُ
إِرثُ النبيِّ لَكم ودار مُقامِهِ / والوحْيُ يُتلى بينكم أو يُكتبُ
والبُرْدُ فيكم وَالقضيبُ وَأَنتمُ الْ / أَدنَوْن من أغصانه والأقربُ
وأبوكُمُ سقّى الأنامَ بسجْلَهِ / وَأَحلّه والعام عامٌ مُجدبُ
خُتمت خِلافته بكمْ وعليكُمُ / إشرافُها أبدَ الزَّمان مطنَّبُ
هِي هَضْبةٌ لَولاكمُ لا تُرتَقى / أَو صَعبةٌ بِسواكمُ لا تُركبُ
حَكمَ الإِلهُ بِأنّها خِلَعٌ لكمْ / لا تُنْتضى وبَنيَّةٌ لا تُخربُ
كَم طامِعٍ مِن غَيرِكمْ في نيلها / فَرَقتْ مفارِقَه السّيوف الوُثَّبُ
وَمُؤمّلين وُلوجَ بَعضِ شِعابها / لَم يَبلُغوا ذاكَ الرّجاءَ وخُيّبوا
جِئناك نَمتاحُ العَزاء فَهَب لنا / مِنكَ العَزاءَ فَمِثلُ ذَلكَ يوهبُ
وَاِرفُقْ بِقَلبٍ حاملٍ ثِقلَ الورى / وَالكَلْمُ يؤْسى والمضايقُ تَرحُبُ
وَاِسلُكْ بِنا سُبُلَ السلُوّ فإنّنا / بِكَ نَقتَدي وَإِلى طريقك نذهبُ
أذمّ إليك كَلْماً لَيس يؤْسى
أذمّ إليك كَلْماً لَيس يؤْسى / وداءً لَيسَ يَعرفهُ الطَبيبُ
وَدَهراً لا يُصيخُ إِلى نَصيحٍ / وَعَيشاً لا يَلَذُّ ولا يطيبُ
وَكَم لِي مِن أَخٍ أُوليهِ نُصحِي / وَما لي في نَصيحَتِهِ نصيبُ
له منّي البشاشةُ في التَّلاقِي / ولِي منه البَسارةُ والقُطوبُ
يَعيب تَجَنِّياً والعيب فيه / وقد نادت فأَسمعتِ العيوبُ
أَلا هَرباً مِنَ الإِخوانِ جَمعاً / فَما لكَ مِنهُمُ إِلّا النُّدُوبُ
وَلَولاهمْ لَما قَذِيتْ جفوني / وَلا سَقيتْ إِلى قلبي الكُروبُ
وَلا طُويتْ عَلى أَوَدٍ قناتي / وَغلّس في مفارِقيَ المشيبُ
وَلا خرقت مِنَ الأيّامِ جِلدي / أَظافرُ لا تقلَّمُ أو ينوبُ
وَلا عرفتْ مساكِنيَ الرّزايا / وَلا اِجتازَتْ عَلى رَبْعي الخُطوبُ
وَلمّا أَن أَبى حُكمي وَأَلْوى / وَشَبّتْ بَيننا منهُ الحروبُ
وَأَخرَسَني عَنِ الشّكوى ومنه / لِسانٌ لا يُفارقه كذوبُ
غَفَرتُ ذنوبهُ حتّى كأنّي / عَلِقتُ به وليس له ذنوبُ
وَلِي صاحِبٌ لا يَصحب الضّيمَ ربُّهُ
وَلِي صاحِبٌ لا يَصحب الضّيمَ ربُّهُ / لَهُ في دِماءِ الدّارعين قِرابُ
وَأَسمرُ عَسّالُ الكعوبِ سنانُهُ / رَسولُ المَنايا في يَديهِ كتابُ
إِذا ما وَجا أو داجَ قَرْن مُصمّمٍ / أعاد مشيبَ الوجهِ وهو شبابُ
ملانِيَ فخراً أنّكَ اليومَ والدي / وأنَّكَ طَوْدي والأنام شِعابُ
أَلَستَ منَ القومِ الذينَ إذا دنَوْا / لِحَربٍ تَدانتْ أرْؤُسٌ ورقابُ
سيوفُهُمُ أَلحاظُهم وقناتهُمْ / سواعدُهمْ مهما اِستَحرَّ ضِرابُ
عَجِبتُ منَ الأيّام كيفَ تَروعنِي
عَجِبتُ منَ الأيّام كيفَ تَروعنِي / وَمن عَزَماتِي تسمتدّ النوائبُ
وَكَيفَ اِرتَجتْ عِندي بلوغَ إرادةٍ / وَما مالَ منّي في الغِوايةِ جانبُ
لَقد هَوّنتْ صَرفُ اللّيالي بَصيرَتي / وَآنَسُ شَيءٍ بِالفؤادِ المَصائبُ
إِذا كُنتُ أَستعلي بِنَفسٍ عزيزةٍ / فَلا قامَ أَنصارٌ ولا هبَّ صاحبُ
وَربّ حَسودٍ يَزدَريني بِقَلبهِ / إِذا رامَ نُطقاً أَخرَسَتْهُ المَناقبُ
تَسَربَل سِربالَ اللّيالي وَما دَرى / بِأَنّ مَكاني ما مشى فيه عائبُ
وَفارَقتُ أَخلاقَ الزّمانِ وأهلهِ / فَقد عَجبتْ أنْ لم تَنَلْنِي المعايبُ
وَمارَستُ مِن أَحوالهمْ ما بطرِفهِ / أشاهد ما تُفضِي إليه العواقبُ
إِذا لَم يَكُن بِالسّيف سعيُك للعُلا / فَلا دانَ مَطلوبٌ ولا ثار طالبُ
وَكُنتُ إِذا حاولت قَوماً تسفّهتْ / حلومُهُمُ حتّى جَفَتْنِي السّحائبُ
كَأَنّ الرّدى ما حُمّ إلّا لِصَلْوتي / وَلا خُلقتْ إلّا لِأَجلي العجائبُ
عَشِقتُ العُلا لا أَبتغي بَدَلاً لها
عَشِقتُ العُلا لا أَبتغي بَدَلاً لها / ولا عوضاً والعاشقون ضروبُ
فَما لي بِغَيرِ المأثُرَات صَبابةٌ / وما لِيَ إلّا المَأثراتُ حبيبُ
وَأَخطأتُ لمّا أن جَعلتكَ صاحِبي / وَذو الحَزمِ يُخطِي مرّةً ويصيبُ
وَأَنتَ بَعيدٌ مِن مَكانِ مَودّتي / وَإِنَّ مَزاراً بَينَنا لَقَريبُ
وَما هيَ إلّا زَلّةٌ أنَا بَعدها / أَعوجُ عَلَيها نادِماً فَأَتوبُ
فَيا مَنْ لِعَينِي كلَّ يومٍ وليلةٍ / قَذاةٌ بِها أَو لِلفُؤادِ كروبُ
وَلَولاهُ ما كانَت لِدَهري جِنايَةٌ / عَليَّ وَلا منه إليّ ذنوبُ
وَلا مَزّقتْ جلدي الغداة أظافرٌ / وَلا خَرَقْتهُ للزّمان نيوبُ
أَجبْتُك لَمّا أَن دَعوتَ اِغترارةً / وهيهات أُدعى بعدها فأُجيبُ
تُطالِبُنِي نَفسي بِما غَيرُهُ الرّضا
تُطالِبُنِي نَفسي بِما غَيرُهُ الرّضا / وَأَيُّ الرّجالِ نَفسُهُ لا تطالبُهْ
وَما زلتُ مغلوبَ الهوى وسفاهةٌ / على عاقلٍ أَنّ الهوى منه غالبُهْ
وَلم تكُ إِلّا في جَميلٍ مآربي / ومن ذا الذي لا تُستَزلُّ مآربُهْ
وَأَعلَم أَنّ المرءَ يَطويه لَحْدُهُ / ومنشورةٌ سقْطاتُه ومعايبُه
وَلَيسَ بِمَيْتٍ من مضى لسبيلهِ / ولمّا تَمُتْ آثاره ومناقبُه
وَمَن لَم تُهذّبْه تَجاريب دهرهِ / فَما ضرَّه أَلّا تَكون تجاربُهْ
وَأَقنعُ مِن خِلّي بِظاهرِ وُدّه / وَلَيسَ بِحْليٍ ما تضمّ ترائبُهْ
وَإنِّيَ مِمَّنْ إِنْ نَبا عَنهُ مَنزلٌ / نَبا وَنَجتْ عَنهُ عِجالاً ركائبُهْ
وَلَستُ بِمُستَبِق صديقاً تجهّمتْ / نواحي مُحيّاهُ أَوِ اِزوَرَّ جانبُهْ
وَلا عاتِبٌ يَوماً عليهِ فَإنّما / صَديقُك مَنْ صاحَبتَه لا تُعاتِبُهْ
وَلا خَيرَ في مولىً يُعاطيكَ بِشْرَه / وَفي صَدرهِ غِلٌّ تدبّ عقاربُهْ
وَلا صاحبٌ لي إنْ كشفتُ ضميرَه / ودِدْتُ وِداداً أنّنِي لا أُصاحبُهْ
وَفَضلُ الفَتى ما كان منه وفضلةٌ / عَلى مَجدهِ آباؤه ومناسبُهْ
خَلصتُ خلوصَ التِّبرِ ضوعفَ سبكُهُ / وَطاحَتْ بهِ أَقذاؤُه وشوائبُهْ
لِيَ الشاهِقاتُ الباسقاتُ من الذُّرا / وَفي مَحتِدِي هاماتُه وغواربُهْ
وَكَم طالِبٍ لِي فُتُّه وَسَبقتُهُ / وَلَم يَنجُ منّي هاربٌ أنَا طالِبُهْ
وَراقبني كُلُّ الرّجالِ بسالةً / وما فيهمُ مَنْ بتُّ يوماً أُراقبُهْ
وَقَد علم الأقوام لمّا عراهُمُ / مِنَ الدّهر خطبٌ لا تُرَدُّ مخالبُهْ
وَضَلّتْ وُجوه الرّأي عنه فلم تَبِنْ / لِراكبه بالرّغم أين مذاهبُهْ
بِأنّي فيهِ الرّمحُ بل كسنانِهِ / أو السّيفُ لا تنبو عليه مضاربُهْ
وكم مَوقفٍ في نَصرهم قمتُ وسْطَه / وما زال مسدوداً عليَّ مهاربُهْ
وَسَيلٍ منَ الموتِ الزُّؤامِ حميتُهمْ / شَذاه وَقَد سالَتْ عَليهم مذانبُهْ
شُدَّ غُروضَ المطيّ مُغترِبا
شُدَّ غُروضَ المطيّ مُغترِبا / فلم يَفُزْ طالبٌ وما دَأَبا
لا درَّ في النّاس دَرُّ مقتصدٍ / يَأخذ مِن رزقهِ الّذي اِقتربا
يَترك أَن يحمِيَ الذِّمارَ إِذا / ضِيمَ وَيَحمِي اللُّجَيْنَ والذَّهبا
للّهِ دَرُّ الإِباء أعوزه / في جانِبِ الذُّلِّ عزّه فنبا
وَما مُقامُ الكَريمِ في بلدٍ / يُنفق فيه الحياءَ والأَدبا
ما لِي أَرى المَكرُماتِ عاطلةً / وَالفَضلَ خِلْوَ الفناءِ مُجتَنَبا
تفرّقٌ دائمٌ فإنْ عرضتْ / دَنيّةٌ طير نَحوها عُصبا
هَل لِيَ في الدّهرِ مِن أَخي ثِقَةٍ / يَحتَقِرُ الحادثاتِ والنُّوبا
مُمتَعِضِ الأَنفِ إِنْ أهَبْتَ بهِ / شَنَنْتَ في صَحنِ وَجهِهِ الغَضَبا
ربّ مقامٍ دَحْضٍ ثبتُّ بهِ / وَلَو خَطاه غَيرُ الجواد كَبا
وَساعَةٍ لِلعيوبِ كاسيةٍ / نَفَضتُ فيها مِن بُرْدِيَ الرِّيبَا
وَحالِك الجانِبين مُلتبسٍ / أطلعتُ فيه كواكباً شُهُبا
وَأَزْمَةٍ لِلّحومِ عارقةٍ / عَقرتُ في عُقرِ دارِها السَّغبَا
وَمُقْتِرٍ بَرّحَ الزّمانُ بِهِ / سَبَقتُ فيهِ إِلى اللُّها الطّلبَا
وَصاحِبٍ يَمتَرِي النّوافلَ في / ودّي وَلَم يَقتضِني الّذي وجبا
يَرضى بِسُخطِي على الزّمان فإنْ / رضيتُ يوماً عن صرفه غَضِبا
كَأنَّما الضِّغنُ بَينَ أَضلُعِهِ / يُضرّمُ ناراً إِذا أَقولُ خَبا
لايَنْتُهُ كَي يرى الجميلَ ولَمْ / أَنْحَتْ بكفّي من عودِه النَّجَبا
وَكنتُ إمَّا مثقِّفاً خَطلاً / منهُ وَإمّا مُداوياً جَرَبا
وَكَم سَقاني الطَّرْقَ الأُجاج فجا / زيتُ زُلالاً تخاله ضَرَبا
لا تعطنِي بالزّمان معرفةً / قد ضاق بِي مرّةً وقد رَحُبا
أيُّ خطوبٍ لم تشفِنِي عِظَةً / وأَيُّ دهرٍ لم أفنِهِ عَجَبا
ساعاتُ لهوٍ تمرّ مسرعةً / عنّا وتُبقي العناءَ والتَّعبَا
لا تطمعُ النّفسُ أنْ تمتَّعَ بال / آتي ولا تستردَّ ما ذهبا
وَكلّ حَيٍّ منّا يجاذب حَبْ / ل العمرِ أيّامَه لوِ اِنجَذبا
وَكَيفَ يَرجو الحياةَ مقتنصٌ / يُغرم منها ضِعفَ الذي كسبا
إنِّيَ من معشرٍ إذا نُسِبوا / طابوا فروعاً وأَنجبوا حَسَبا
لا يجد الذّمّ في حريمهمُ / مسعىً ولا العائبون مُضطَرَبا
إذا رضوا أوسعوا الورى نعماً / أو سَخِطوا أوْسعوهُمُ نُوَبا
أَو رَكِبوا الهولَ قالَ قائِلهم / أَكرمُنا مَن حياتَه وَهبا
كُلّ جَريءِ الجَنان إنْ هتفتْ / يَوماً بهِ حَومةُ الوغى وثبا
وَمَدّ فيها ذِراعَ قَسْوَرَةً / تَردّ صدرَ القناةِ مُختَضَبا
إِلى مَتى أَحمِلُ الهُمومَ وَلا / أُلفى مَدَى الدّهر بالغاً أَرَبا
تَزْوَرُّ عنّي الحقوقُ مُعرِضةً / مَتى أرُمْهُنَّ فُتْنني هَرَبا
نَهضاً إِلَيها إِمّا علوتُ لها / دَفّىْ ركوبٍ أو مركبا حَدِبا
إنْ لم أثِرْها مثل القطا الكُدْريّ لا / تَعرف إِلّا الرّسيمَ والخَببا
تَنصاعُ مثلَ النّعام جافلةً / تَترك أَقصى مُرادها كَثِبا
فَلا دَعوت الحسينَ يُحرز لِي / حُرَّ المَعالي يَومَ الفخارِ أَبا
قِرْمٌ إِذا حفّت الخطوبُ بهِ / نَزَعْن عن آخذٍ لها أُهبَا
مُجتَمع الرّأيِ بَينَهُنَّ وكَمْ / شعبنَ آراءَ غيره شُعَبا
يَأْبى وَتَأبى له حَفيظتُهُ / يَركَبُ أَمراً إِلّا إذا صَعُبا
أَو يَبتَغي في نَجاحِ حاجَتِهِ / إِلّا ظُبا البيضِ وَالقَنا سَببَا
وَكَم لَهُ مِن غَريب مَأثُرَةٍ / تُعجب من ليسَ يألفُ العَجبا
يَكونُ قَولُ الّذي تأمَّلها / لَيسَ المَعالي ونيلُها لَعِبا
مَكارِمٌ لا تَزالُ غالِبةً / عَلى مَحلّ الفَخارِ من غَلَبا
لا يَرهبُ الواصفُ البَليغ وإنْ / أَفرَط فيها عَيباً ولا كَذِبا
وَأَنتَ في كلّ يومِ معركةٍ / تُمطِر من سُحب نقعها العَطَبا
إِمّا جبيناً بالتُّرب منعفراً / أو وَدَجاً بالنَّجيع مُنسكبا
أَو لِمَّةً نشَّرَتْ غدائرُها / على نواحِي قناتها عَذَبا
لَولاك كانت جدّاءَ حائلةً / تُمسحُ أخلافُها ولا حَلَبا
وَمِن عَجيبِ الزّمان أَن يدّعي / شَأْوَك فَسْلٌ لم يعدُ أن كَذِبا
لَم يَدرِ وَالجهلُ من سجيّتِهِ / أَنَّكَ أَحرزتَ قبله القَصَبا
وَأَنَّهُ لا يَكون رَأساً على ال / أَقوامِ مَن كانَ فيهمُ ذَنَبا
وَوصمةٌ في الرّجال أن يطأوا / عَقْبَ اِمرِئٍ كان بينهم عَقِبا
أَو يَتبعوا ساعةً مِنَ الدّهرِ مَن / كانَ لِمَن شئتَ تابعاً حَقِبا
وَإِنْ جرَوْا كنتَ أَنت غُرّتَهم / سَبْقاً وَكان الحِزام واللّبَبَا
وَقَد دَرى كلُّ مَن لَهُ بصَرٌ / أَنّك سُدتَ العجيم والعَرَبا
وَقُدتهمْ ناشئاً ومنتهياً / ونُبْتَ عنهم تكهّلاً وصِبا
وإنْ دَجَوْا كنت فيهمُ قبساً / أَو خَمدوا كنتَ فيهمُ لَهَبا
وَإِن عَلا بَينهم تَشاجُرهمْ / سَللتَ لِلقولِ مِقْوَلاً ذَرِبا
يَأتي بِفَصلٍ مِنَ الخِطابِ لَهمْ / يَقطعُ ذاكَ اللّجاجَ والللّجَبا
كَلَهْذَمِ الرّمحِ عِندَ طَعنَتِهِ / وَالسّهم أصْمى والسّيف إن ضربا
وَكُنت فيهم ممّن يحاوِلهمْ / حِصناً حصيناً ومَعْقِلاً أَشِبا
أُحِبُّ ثَرى نجدٍ ونجدٌ بعيدةٌ
أُحِبُّ ثَرى نجدٍ ونجدٌ بعيدةٌ / أَلا حبّذا نجدٌ إن لم تُفِدْ قُربا
يَقولونَ نَجدٌ لستَ من شعبِ أَهلها / وَقد صَدقوا لكنّني منهُمُ حُبّا
كَأنّي وقَد فارَقت نجداً شقاوةً / فتىً ضلَّ عنهُ قلبُه يَبتغي قلبا
أَما آنَ لِلسّلوانِ أَن يَردَعَ الصَّبّا
أَما آنَ لِلسّلوانِ أَن يَردَعَ الصَّبّا / وَلا لِدنوّ الهَجرِ أن يُبعد الحبّا
لَقد أنكرَ الدّهر العَثور صَبابتي / وَقَد كانَ أَلقى مُهجَتي للهوى خربا
وَلَمّا وَقَفنا لِلوَداعِ اِنتَضَتْ لَنا / يَدُ البَينِ بَدراً مزّقت دونَهُ السُّحْبا
فَأَبصرتُ عرساً بَينَ بُردَيهِ مأْتمٌ / وَأَوليت بِرّاً عادَ عِندَ النّوى ذنبا
وَقُد كنتُ أَخشى وَثبَةَ الدّهرِ بَينَنا / وَنَحنُ مِنَ الإِشفاقِ نَستَوعرُ العَتْبا
فَكَيفَ وَقَد خاضَ الوشاةُ حَديثنا / وَأَضحَوْا لَنا مِن دونِ أَترابِنا صَحبا
سَقى اللَّه أَكنافَ اللّوى مُرْجَحِنَّةً / سَحاباً يَظلّ الهَضبُ مِن جودِهِ خَضْبا
وَأَطلقَ أَنفاسَ النّسيم بجوّهِ / فَكَم كَبِدٍ حَرّى تَهَشُّ إذا هبّا
فَعَهدي بهِ لا يهتدِي البين طُرْقَه / وَلا تَطرق الأحزانُ مِن أَهلهِ قلبا
حَمَتْهُ اللّيالي عَن مُطالَبةِ الرّدى / وَلَم أَدرِ أَنَّ الدّهرَ يَجعلهُ نَهبْا
وَمن ذا الّذي لا يَفتق الدّهر رَتْقَه / وَلا تُنزل الدنيا بِساحتهِ خَطبا
بِرَبِّك ما مَزجي المَطيّة هل رَعتْ / رِكابُك في سفح الحِمى ذلك الرّطْبا
وَهَل كَرِعتْ مِن ذلك الحيّ كرعةً / فَقَد طالما شرّدت عنّي به كَرْبا
وَهَل لَعِبت أَيدي السيول بِحَزْنه / وَهَل سَفَت الأَرواح مِن سهلهِ التُّربا
غَرامي بِأَهلِ الجِزْع منك بنجوةٍ / وَلَو جُزته أَعيا الرّكائب والرّكْبا
وَكَم لائِمٍ في المَجدِ لا نُصحَ عِندَهُ / جَعلتُ جَوابي عَن مَلامَتِه تبّا
يَلوم عَلى أنّي أحِنّ إلى النّدى / وَلَيسَ لِمَن عابَ النّدى عندِيَ العُتبى
وَما المالُ إلّا ما سَبقت به ردىً / فَأَعطيته أَو ما شفيت به صبّا
وَعِندي لِمَنْ رامَ اِبتِلائِيَ همَّةٌ / تُرى بعْدَ طُرْقِ المَكْرُماتِ هو القربا
مُهذِّمَةٌ لا يخطب الهزلَ جِدُّها / ولا تملأُ الرّوعاتُ ساحتها رُعبا
لَها شَفرة لا يَكْهَمُ الدّهرُ غربها / وَلَن تَترك الأيامُ في شفرةٍ غَرْبا
وَلَيلٍ كَأنَّ البدرَ في جنَبَاتهِ / أَخو خَفَرٍ يُدْنِي إِلى وَجهِهِ سِبّا
خَرقتُ حَواشيهِ بِخَرقاءَ جَسْرةٍ / تَرى الصّدقَ في عَينيك ما وجدتْ كِذْبا
مُسهّدَةٌ لا يطعمُ النومَ جَفنُها / وَلا تَبلغ الغايات مِن صَبرها العُقبى
إِذا ما اِستَمرّتْ في الشّكيم تَلوكه / كَسا مِشفراها عارِيات الرُّبا عُطْبا
أَقول إِذا أَفنى الدُّؤوب تجلّدي / أَلا ربّ تصديعٍ ملكت به الشّعبا
وَلا بدَّ لي مِن نَهضةٍ في لُبانةٍ / أُميتُ القنا فيها وأُحْيي به النّحْبا
فَإِن أَبلغِ القُصوى فشيمةُ ماجدٍ / وَإِن تَنبُ أَسيافِي فَلَن أَدع الضّربا
يا سَقى اللَّه لَيلتي لَيلة السّبْ
يا سَقى اللَّه لَيلتي لَيلة السّبْ / تِ زُلالاً لا بل سقاها شرابا
لَيلةٌ قرّبت بعيداً وأعطتْ / مُتَمَنّىً وأقدمتْ غُيّابا
وَاِرتَجَعنا زَمانَنا وكأنّا / بَعد شَيبٍ منّا اِرتَجَعنا الشّبابا
إِياباً أَيّها المَولى إيابا
إِياباً أَيّها المَولى إيابا / فعبدٌ إنْ أَساء فَقد أَنابا
أَطاعكَ وَالشّبابُ له رداءٌ / فَكيفَ تَراه إِذ خلَع الشّبابا
وَكانَ على الهُدى حَدَثاً فإنّي / تظنّ بِه الضّلالة حينَ شابا
أبَعْدَ نَصيحَةٍ في الغَيب غِشّ / أَحَوْراً بعد كَوْرٍ وَاِنقلابا
أَلا قُل للأُلى زمّوا المَطايا / وَعالوها الهَوادجَ والقِبابا
وَقادوا الخيلَ عارِية الهَوادِي / وما أوْكوْا منَ العَجَلِ العِيابا
خُذوا مِنّا التحيّة وَاِقرَؤوها / وَإِن لَم تَسمَعوا عَنها جَوابا
عَلى ملكٍ تنَزّه أَن يحابِي / وَأَغنَتْه المَحامِدُ أَن يُحابى
وَلَمّا أَن تَحَجَّب بِالمَعالي / عَلى أَعدائِهِ رفع الحِجابا
وَقولوا لِلَّذينَ رَضوا زماناً / فَردَّهمُ الوشاةُ بِنا غِضابا
عَدَتنا عَن دِياركم العَوادي / وَرابَ مِنَ الزّيارَةِ ما أَرابا
فَلا جَوٌّ نَشيم بهِ بروقاً / وَلا أَرضٌ نشمّ لَها تُرابا
وَما كُنّا نَخافُ وَإِن جَنَينا / بِأَنَّ الهَجرَ كانَ لَنا عِقابا
أَقيلونا الذّنوبَ فَإِنَّ فيكُمْ / وَعِندَكُمُ لِمُجرِمِكُمْ متابا
وَلا تَستَبدِعوا خَطأَ المَوالي / فَإِنَّ العَبدَ يُبدع إِنْ أَصابا
بَعُدنا عَنكُمُ وَلَنا أعادٍ / يَزيدُهُمُ تَباعُدنا اِقتِرابا
فَرَوْنا بِالشِّفارِ فَما أكلّوا / لَهُم في فَرْينا ظُفْراً ونابا
وَكُنّا إِذ أَمِنّاهُمْ عَلَينا / رُعاةَ البهْمِ إِذْ أَمِنوا الذّئابا
أَيا ملكَ المُلوكِ أَصِخْ لقولٍ / أُجِلّكَ أَن يَكونَ لَكُمْ عِتابا
تُسَكّنُنِي المَهابَةُ عَنهُ طَوراً / وَيُؤمِنني وَفاؤُك أَن أَهابا
وَلَولا أَنَّ حِلمَك عِدْلُ رَضْوى / فَرَقْتُكَ أَن أُراجِعكَ الخِطابا
خَدمتك حينَ أَسلمكَ الأَداني / وَخلّى الجارُ نُصرَتنا وَهابا
وَكُنتُ أَخوضُ فيما تَرتَضيهِ / عَلى الأَعداءِ أَيّاماً صِعابا
أَخافُ الموتَ قدّاماً وخلفاً / وَأَرقُبُه مَجيئاً أَو ذَهابا
وَأَكرع مِن عدوّكَ كلَّ يومٍ / وَما اِستَسقيتُه صَبراً وصابا
وَكَم جَذب السُّعاة عَلَيكَ ضَبْعِي / فَما أَوسَعتُهم إلّا جِذابا
أَلا لا تَغبُننّ الحلمَ رأياً / صَواباً في اِمرِئٍ غبِنَ الصّوابا
وَقُلْ لِلمُجلِبينَ علَيَّ مهْلاً / فَقَد أَدركتُمُ فيهِ الطِّلابا
أَسُخطاً بَعدَ سُخطٍ وَاِزوِراراً / وَنأياً بَعد نأيٍ وَاِجتِنابا
وَأَنتَ أَرَيتَنا في كلِّ باغٍ / غَفرتَ ذنوبَهُ العَجَبَ العُجابا
فَما لِي لا تُسوّيني بِقَومٍ / رَقَوْا في كيدِ دَولَتك الهِضابا
وَدَرّوا بَعد ما رشحوا فَأَضحَوا / وَقَد مَلأوا مِنَ الشرّ الجِرابا
هَنيئاً يا مُلوكَ بَني بُويهٍ / بِأنّ بهاءَكُمْ ملك الرّقابا
وَحازَ المُلكَ لا إِرثاً وَلَكِنْ / بِحَدّ السيفِ قَسْراً وَاِغتِصابا
وَلَمّا أَن عَوى بِالسيفِ كَلبٌ / وَجَرَّ إِلى ضَلالَتهِ كِلابا
وَظنّكَ لاهياً عَنه ويُرمى / قَديماً بِالغَباوةِ مَن تَغابى
رَأى لِيناً عَليهِ فَظَنَّ خَيراً / وَيَلقَى اللّينَ من لَمس الحُبابا
دَلَفتَ إِلَيهِ في عُصَبِ المَنايا / إِذا أَمّوا طِعاناً أَو ضِرابا
وجوهاً مِن ندىً تُلفى رِقاقاً / وَعِندَ ردىً تُلاقيها صِلابا
وَأبصرها عَلى الأهوازِ شُعثاً / تَخال بِهنَّ مِن كَلَبٍ ذآبا
عَلَيها كُلّ أَروعَ شمّريٍّ / يهاب من الحميَّة أن يَهابا
فولّى في رهيطٍ كان دهراً / يُمنِّيهم فَأَورَدَهم شَرابا
وَتَحسَبُهم وَقَد زَحفوا لُيوثاً / فَلَمّا أَجفَلوا حسِبوا ذِئابا
أَعدّهُم لهُ صحباً فَكانوا / هُنالكَ في مَنيّتهِ صِحابا
فَأَصبَح لا يرى إِلّا اِبتِساماً / وَأَمسى لا يَرى إِلّا اِنتِحابا
وَباتَ معلّقاً في رَأسِ جذعٍ / إِهاباً لَو تركتَ لهُ إِهابا
وَحَلَّق شاحب الأَوصالِ حتّى / عُقابُ الجوّ تحسبهُ عُقابا
تعافُ الطّير جيفتَه وَتَأبى / عراقَتَه وإن كانت سِغابا
وَما تَرَكَ اِنتِقامُك فيه لمّا / سَطوتَ بِهِ طَعاماً أو شرابا
فَدُم يا تاجَ مُلكِ بَني بُويهٍ / تَخَطّاك المقادِرُ أن تُصابا
وَلا ملك الأَنامَ سِواك مولَى / وَلا قَصدوا سِوى نُعماكَ بابا
وَضلّتْ نائِبات الدّهر جَمْعاً / شِعابكَ أَن تلمّ بها شعابا
وَطابَت لي حَياتُكَ ثُمَّ طالَتْ / فَخَيرُ العَيشِ ما إِن طالَ طابا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025