المجموع : 105
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت / لي مِن جُفونِكَ أَقداح وَأَقداحُ
يا مَن إِذا تُثنى قدهِ خَطَفَت / لِلجِنِّ وَالإِنسِ أَرواحٌ وَأَرواحُ
زِدني ابتِساماً وَقُل لليل دَم أَبَداً / فَأَنتَ وَالكأسُ مُصباحٌ وَمُصباحُ
وَما عِشقي لَهُ وَحشاً لِأَنّي
وَما عِشقي لَهُ وَحشاً لِأَنّي / تَرَكتُ الحُسنَ واختَرتَ القَبيحا
وَلَكِن غِرتُ أَن أَهوى مَليحاً / وَكُلُّ الناسِ يَهوونَ المَليحا
بَدا البَرق مِن نَجد فَحَنَّ إِلى نَجدِ
بَدا البَرق مِن نَجد فَحَنَّ إِلى نَجدِ / أَيا بارِقاً ماذا نَشَرت مِنَ الوَجدِ
وَما حَنَّ مِن وَجدٍ بِنَجدٍ وَإِنَّما / يَحِن إِلى نَجد لِمَن حَلَّ في نَجدِ
سَقى العَهدَ مِن هِند عِهادٌ مِنَ الحَيا / ضَحوك ثَنايا البَرق مُنتَحِبَ الرَعدِ
يَحِلُّ عُقود القطر بَينَ مُعاهِدٍ / يَحِلُّ بِها مِن قَبل دُرِيَّةِ العقدِ
فَتاة أَرى الدُنيا بِما في نِقابِها / وَأَلقى بِما في مرطِها جِنَّة الخُلُدِ
هيَ الشَمسُ تَخفي الشَمس عَنها إِذا انتَمَت / فَضاعية الأَخوال فهرية الجَدِّ
دُجوجيَّة الفَرعين شَمسِيَّة الرؤا / كَثيبية الأَردافِ خوطِيَّة القَدِّ
وَناظِرَةٍ مِنَ ناظِري أَم جؤذَرٍ / خَذولٍ بِهِ أَو مُقلَتي رشإٍ فَردِ
مِنَ الوَردِ خَداها مِنَ الدُرِّ ثَغرُها / عَلى أَنَّ رَيّاها مِنَ العَنبَرِ الوَردِ
تَظَلُّ تعاطيك المنى مِن مُقبَّلٍ / بِأَعذَبِ مِن خَمرٍ وَأَطيَب مِن شَهدِ
أَلا قاتِل اللَهَ الحمام فَإِنَّها / بَكَت فَشَجَت قَلباً طَروباً إِلى هِندِ
وَما ذِكرُهُ هِنداً وَقَد حالَ دونَها / قَنا الخُطِّ أَو بيضٍ رِقاق مِنَ الهِندِ
وَأَسدٍ عَلى جُردٍ مِنَ الخَيلِ ضُمَّرٍ / وَهَيهات مَن يَحميكَ أَسداً عَلى جردِ
وَيَهماء يَهوي بَينَ أَورادها القطا / وَيوهي السُرى فيها قوى الضَيغَم الجَلدِ
مطوّحة لَولا الدراريُّ ما دَرى / دَليل بِها كَيفَ السَبيلِ إِلى القَصدِ
سباريتُ ما فيهن زاء لركب / سَنوي ما حَوَت فيها الأَداحي مِنَ الرَبدِ
عَلى أَنَّهُ لَو جارَت الريحُ رَبدِها / لِكُلِّ النَعامي عَن نَعام بِها رُبدِ
كَيهماء كَلَّفتُ المَطي اعتِسافِها / إِلى الشَرفِ العالي إِلى الكَرَمِ العِدِّ
إِلى القمر الهادي إِلى ابن مُفَرِجٍ / إِلى الحَسَبِ الزاكي إِلى الكَوكَبِ السَعدِ
إِلى السَيفِ سَيفِ الدَولَةِ الملكِ الَّذي / تَبيتُ ذرى أَبياتِهِ مألَف الحَمدِ
إِلى الأَسدِ الضِرغام في حومة الوَغى / إِذا احمَرَّ في غاب القَنا حَدَقُ الأَسَدِ
مِنَ الأجأيين الَّذينَ جِيادهم / بِأَحياءِ من عاداهم أَبَداً تَردي
نُجوم بَني قَحطان في طَخية الدُجى / إِلى عَدد عَدٍ وَأَلسِنَةٍ لُدِّ
وَجأواءَ جَرّاحيَّةٍ أَجابِيَّةٌ / حبتها يَداً داود بِالحلق السَردِ
لَها مِن حَديد الهِند كُلَّ مُهَلِلٍ / بِماء الرَدى ماضي الغَرارين وَالحَدِّ
وَمِن أَسلاتِ الخُطِّ كُلَّ لَذيذَةٍ / تَروقك بِالنِبراسِ ذاتَ شَباً عَردِ
وَمِن نَسلِ زادَ الركب كل مطهَّمٍ / حَباهُ سُلَيمان بن داود لِلأُزدِ
لقفت بأُخرى كَلَّف الصَبر ربها / بسمر القَنا وَالبيضَ قرع صَفاً صَلدِ
فَلَمّا تَداعَت بَينَها وَشعارها / فَكانَ لَدَيها المَوتُ أَحلى مِنَ القِندِ
دَعَوتُ لَها مِن سِرِّ مَعنٍ فَوارِساً / تَلذَّ المَنايا لذّة العيشَةِ الرَغدِ
فنكر بِذي نَكرٍ إِذا اشتَجر القَنا / وعرف لآمالِ امرىء لَكَ مستجدي
أَمَحمود قَد أَحسَنت أَحسَنَت منعماً / وَما أَنا للإِحسانِ مُستَحسَن وَحدي
فَعِش لِلعُلى لا العز مُستَضعَف القُوى / وَما بحرك الفَيّاض مُستَنزر الرَفدِ
وَلَكِنَّني أَشكو أُموراً تركنني / بِتَيماء مِن أَكناف عِزّي عَلى بُعدِ
أَخا الهَمِّ لا أَدري مِنَ الهَمِّ والأَسى / أَأَكتُم ما بَينَ أَكناف عِزّي عَلى بُعدِ
وَإِنّي إِلى الفَهمِ الَّذي لَكَ أَشتَكي / هُموميَ مِن طولِ اغتِرابي وَمِن كَدّي
فَذو العلم مِن ذي الفَهمِ في كُلِّ راحَةٍ / وَلَكِنَّهُ مِن ذي الغَباوَة في جُهدِ
وَمَن يَجمَع الفهم الَّذي لَكَ في النَدى / فَذاكَ الَّذي لَم يَكب في مَدحِهِ زِندي
عَقيل النَدى وَالحادِثات كَثيرَة / وَمثلك مَدعوٌ لِحادِثَة إِدِّ
أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ سَخطكم الَّذي / أُريدُ بِهِ غَيري أَريق بِهِ رَفدي
وَأَعجَب مَن هَذاك أَن أَبا النَدى / بَدا عَنهُ إِقصاري وَما ذاكَ عَن قَصدِ
وَأَعجَبُ مِنهُ أَنَّ دَرّيَ عِندَهُ / وَلَيسَ الَّذي أَبغيهِ مِن دُرِّهِ عِندي
فَوا عَجَباً هَلّا تَفَرَّدَ مَجدُكُم / بِغَرّاء يَبقى ذكرها سمراً بَعدي
بمكرمَةٍ إِن قلت فيها قَصيدة / نظمت بِنَظميها قَلائِد لِلمَجدِ
فَإِن قُلتَ ردوني إِلى الشَرق لَم يَكُن / عَلَيكُم مِنَ الأَشياءِ أَيسَر مِن رِدّي
وَإِن قُلتَ سدوا خلتي وَخصاصَتي / فَأَمثالكم سَدوا الخَصاصات بِالرَفدِ
أَما مِنكُم أَوس أَما حاتِم لَكُم / وَما لَهُما نَدٌ وَمالك مِن نِدِّ
أما بِكُم الأَمثال تَضرِب في النَدى / أَما أَركُبُ الآمالَ نَحوَكُم تَحدي
أَما عَمَّ أَهل الحَزنِ وَالسَهل جودكم / أَما مالُكُم يَغدو عَلى الجودِ يَستَعدي
أَما ركزت أَرماحكم حيث شئتموا / أَما كل مَن شِئتم سُيوفكم تَردي
أَما مِذحِجٌ فيكم أَما الأزد أَزدكم / أَما لَكُم كَلب وَأسد بَني فَهَد
أَما تبع سارَت إِلى الصين خيله / أَما حمير شادَت حصون سَمَرقَندِ
أَما قادَ قابوساً أَسيراً لتبَّعٍ / أَما شَدَّ كَبلاً كعبه أَيُّما شَدِّ
أَما لَكُم أَنصار دين مُحَمَدٍ / سراة بَني قَيس وَرَهط بَني سَعدِ
أَلَستُم بِجُندٍ لِلنَّبيِّ وَرَهطِهِ / فَبوركَ مِن رَهطِ وَبورك مِن جُندِ
بَني دَعفَل مَن ذا يَعُدُّ مِنَ الوَرى / مآثركم أَو مكرماتكمُ عَدّي
وَلَمّا خزمتم ما حوته أَكُفُّنا / عَثرتم بِنا مِن غَيرِ علم وَلا عَمدِ
وَكُنتُم كذي لج وَذو اللج إِن طَما / أَبادَ بِلا بَغضٍ وَنَجّا بِلا وُدِّ
أَلَمَّت وَدوني مِن تِهامَةَ بَيدُها
أَلَمَّت وَدوني مِن تِهامَةَ بَيدُها / وَعَهدي بِها عَنّي كَثير صُدودُها
يَمانِيَّةَ لِلبَدرِ شُبِّهَ وَجهُها / وَلِلظَّبي مِنها مُقلَتاها وَجيدُها
سِرتَ تَستَزيدَ الوَشي بَيني وَبَينَها / وَهَل لي وُد غَيرُها فَأَزيدُها
أَلَمَّت وَرحلي بَينَ شَعب رَمَت بِهِم / وَلي هِمَمٌ في رِفعَة أَستَزيدُها
وَقَد علقوا أَنضاءَنا بِرُؤوسِهِم / وَلَو خَلِيَت كانَ الكَلالُ قُيودُها
وَساعَدَها في النَومِ بيض أَوانِس / قِصار الخُطى بيضُ السَوالِف غَيدُها
تَضَوَّعَ مِنهُنَّ العَبير كَأَنَّما / أَتَتكَ بِغارِ المِسكِ غِباً برودُها
أَغَضَّ مِن الوَردِ الجَنيِّ خُدودها / وَأَرشَق مِن شَرقِ الرِياضِ قُدودُها
فَكَم مِن يَدٍ أَولَيتَني فَجَحدتُها / وَشُكر أَيادي الغانِيات جُحودُها
وَلَيسَ سفاحاً جئنَ لكن مُهورها / صَحيحُ وِدادٍ وَالغَرام يَقودُها
سَل اللَهَ تَهويم الكَرى لَيسَ غَيره / لَعَلَّ الكَرى يَوماً إِلَيكَ يُعيدُها
أَيا حَبَّذا أَرض السَراةِ وَحَبَّذا / تَهائِمها مِن أَجلِها وَنجودُها
عَلى أَنَّهُم بانوا وَبَينَ جَوانِحي / هَوى مِثلَ لَذعِ النارِ شَبَّ وَقودُها
وَلَم أَنسَها يَومَ النَوى وَقَد التَقى / جمانان جاري دَمعها وَعُقودُها
لَها مَبسَم يَحكي المَساويك إِنَّهُ / بَعيد الكَرى عَذب الثَنايا بُرودُها
وَهَل منصف مِنها فَيَلزم قَومها / حمالة ما قَد أَتلَفَت أَو يَقيدُها
فَدَع ذكر سَعدى إِن فيكَ بَقيَّةَ / إِلّا إِنَّما يَبغي المَها مِن يَصيدُها
أَتَرضى بِعَيش المقتَرين وَهَذِهِ / أَنامِل نور الدَولَة إِنهَلَّ جودُها
دَعى جودَ ذي العزَين عيسى وَلَم يَزَل / مِن اليمن الأَقصى نَداهُ يَقودُها
فَجاءَتهُ مَكتوباً عَلى حَرِّ وَجهها / حَرامٌ إِلى غَيرِ الأَمير وَخيدُها
سَليل مُلوك مِن ذؤابَة عامِرٍ / تُرَجّى عَطاياها وَيُخشى وَعيدُها
مهذَّبها قَمقامها تاج فَخرِها / موفَّقها في كُلِّ رأي سَديدها
مقدمها في كُلِّ حَرب شجاعها / مُدَبِّرُها في كُلِّ خَطبٍ حَميدها
مكرَّمها مفضالها لَو ذعيُّها / وَمَلجأؤها في النائِباتِ عَميدها
مُسوَّدُها مقدامها كَنز عِزَّها / سنميدعها مصداقها وَرَشيدها
تَخُرُّ لَهُ الأَملاك في الأَرضِ سُجَّدا / وَقَلَّ لَهُ تَعفيرَها وَسُجودَها
إِذا ما ابتَدى يَوماً بِنعمي أَعادَها / وَيا رَبَّ مبدي نِعمَةٍ لا يُعيدُها
يَحن إِلى أَسمائِهِ كُلَّ مِنبَرٍ / فَلَو يَستَطيع اهتَزَّ واخضَرَّ عودُها
يَسودُ عُقيلاً وَهيَ لِلناسِ سادَةً / وَلا بُدَّ لِلساداتِ مِمَّن يَسودها
يُدافِعُ عَن أَحسابِها بِنَوالِهِ / وَيَحمِل عَن أَشياخِها ما يوؤدُها
وَيَردي أَعاديها بِكُلِّ كَتيبَةٍ / يَرُدُّ عُيونَ الناظِرينَ حَديدُها
ثَقيلٌ مَلاقيها خَفيف رُكوبها / كَثيرٌ سَباياها قَليل عَديدُها
إِذا وَقَعوا في وَقعَةٍ أَوقَعوا بِها / وَبالاً فَهُم أَشبالِها وَأسودُها
وَخاضوا إِلى المَوتِ الصَفائِح وَالقَنا / وَهانَ عَلَيهِم صَعبُها وَشَديدُها
هوَ البَحرُ إِلّا أَنَّهُ طابَ وَردُهُ / وَكَم مِن بِحارٍ لا يَطيب ورودُها
وَما البَرقُ إِلّا دوحَة هوَ ماؤُها / وَلا غاضَ مِنها الماء ما اخضَرَّ عودُها
رَأَيتُ الوَرى أَتباع آل مُسَيَّبٍ / وَلَولا كَلامُ الناسِ قلت عَبيدُها
وَلَو أُمَّ عاف طفل آل مُسَيَّبٍ / لِقاسِمِهِ در الرَضاع وَليدُها
تُقِرُّ عَقيلٌ بَل نزار بِفَضلِهِم / وَلَو أَنكَرت يَوماً أَقَرَّت جُلودُها
مُلوكَ أَضافَت ما احتَبَت بِسُيوفِها / وَزادَت عَلى ما أَورَثَتها جُدودُها
يَلوحُ ضِياء المُلكِ فَوقَ جِباهِها / إِذا أَخفَقَت راياتها وَبنودُها
مُلوكٌ شَرَت حُسنَ الثَناءِ بِمالِها / فَأَضحى حَميداً حَيُّها وَفَقيدُها
فَلو كانَ جودَ المَرءِ يَخلِدُ ربه / لَدامَ عَلى رَغمِ العَدوِّ خُلودُها
غَيوثٌ وَلَكِن قَطرِها المال وَالنَدى / ليوثٌ وَلَكِن المُلوكَ صُيودُها
بكم بَلَغَت كَعبٌ مَناها وَرَبُّها / يَتِمُّ لَها نُعماؤُها وَيَزيدَها
وَدانَ لَها شَرق البِلادِ وَغَربِها / وَذَلَّ لَها شُمسُ المُلوكِ وَصَيدُها
فَكَم صَعِدَت خُطّابِها كل مِنبَرٍ / وَلَولاكُم واللَهُ قَلَّ صُعودُها
أَتى العيدُ فاسعَدَ أَلفَ عامٍ بِمِثلِهِ / فَأَنتَ لأَبناء المَظالِم عيدُها
إِذا ما حَلَلتَ الأَرض وَلَّت نُحوسها / وَأَقبَلَ مِن كُلِّ الجِهاتِ سُعودُها
وَكَيفَ يَحِلُّ الجَدب أَرضاً تَحلها / وَكَفُّكَ غَيث لا يَزال يَجودُها
فَكَم لَيلَةٍ سِرنا إِلَيكَ شَوازِياً / سُواء عَلَيها مَيلُها وَبَريدُها
وَمالَت رِقاب القَوم بِالنَومِ فالتَقَت / مَناكِب أَبناء السُرى وَخُدودُها
وَغَنّى مُغَنِّيَنا بِمَدحك مِثلَما / عَوى بشرورى آخر اللَيلِ سيدُها
وَقَد وَعدتني النَفس عِندَكَ بِالغِنى / فأجدر بِها ألا تَخيب وُعودُها
وَلَولاكَ ما جِبنا الفَلاةَ وَلا اِنطَوى / لأنضائِنا طَي الرِداءِ بَعيدُها
سَأكسوكَ مِن مَدحي عَلى النأي حلة / يَدوم عَلى مَرِّ الجَديد جَديدُها
وَأَشكُر نُعماءً بِمَدحِكَ نِلتُها / وَمِمَّن حَباها دائِماً أَستَزيدُها
إِن كُنتَ تَصدُقُ في اِدِّعاء وِدادِهِ
إِن كُنتَ تَصدُقُ في اِدِّعاء وِدادِهِ / فافكِكهُ مِن أَسرِ الهَوى أَو فادِهِ
لا تَمحِ بِالهُجران نور وَصالَه / فَصَميم حبّك في صَميم فُؤادِهِ
أَأَمَتَّهُ بِالهجرِ قَبلَ مَماتِهِ / فاعِده في الأَسعافِ قَبلَ مَعادِهِ
رِفقاً بِهِ فَهوَ الجموح إِذا أَبى / شَيئاً فَلا يغررك لين قِيادِهِ
زَوِّدهُ مِن نظرٍ فأقنَع من تَرى / مَن كانَ لحظ العين أَكبَر زادِهِ
لا أَنتَ عِندَ اليُسرِ مِن زُوّارِهِ / يَوماً وَلا في العُسرِ مِن عُوّادِهِ
أَرَأَيت سَيفاً غَيرَ لَحظِكَ صارِماً / يَفري رِقاب القَومِ في أَغمادِهِ
أَمضى اللحاظ أَكلهُنَّ وَكُلَّما / أَكللت لحظك زدت في إِحدادِهِ
إِنَّ الهَوى ضِدَ العقول لأَنَّهُ / ضربت جآذِرَهُ عَلى آسادِهِ
وَآفى إِليَّ كِتابه عَن نُبوَةٍ / كانَت بِعاداً مردفاً لِبعادِهِ
أَفدي الكِتابَ بِناظِري فَبَياضِهِ / بِبَياضِهِ وَسَوادِهِ بِسَوادِهِ
يا عاذِلَ المُشتاقِ دَعهُ بَغيّهِ / إِن أَنتَ لَم تقدر عَلى إِسعادِهِ
أَرواكَ فقدان الهَوى وَبِقَلبِهِ / ضَمأ إِلى عذب الرِضابِ بَرادِهِ
وَأَظُن عين سعاد قَد قلبت لَهُ / هاء فَكُل سهادِهِ بِسعادِهِ
يَخفي ضِراماً من هَواها مِثلَما / يَخفي ضرام النار عود زِنادِهِ
فَتُهاجِرُ الأَجفان آخِر عَهدِهِ / يَوم الفِراق بِظَعنهم وَرِقادِهِ
تَسعى صروف الدَهر في إِصلاحِهِ / يَوماً وَطول الدَهر في إِفسادِهِ
أَبَداً يَجيل الطَرف في أَمثالِهِ / صُوراً وَفي الأَفعال مِن أَضدادِهِ
وَإِذا جَفاكَ الدَهر وَهوَ أَبو الوَرى / طراً فَلا تَعتَب عَلى أَولادِهِ
فَلأَنهَضَنَّ بِجَحفَل فُرسانِهِ / مِن سمرة وَنَحافَة كَصعادِهِ
وَلأَقضينَّ الدَهرَ غيرُ مُقَصِّرٍ / ما كانَ أَسلَفَنيه مِن أَحقادِهِ
بَل كَيفَ تخطيني العلى وَأَنا امرؤ / أَرتادُ عاريهن مِن مِرتادِهِ
يا صاح إِنَّ الدَهرَ قَدَّم بِالغِنى / وَعداً فَها أنذاكَ مِن ميعادِهِ
هَذي طَرابلس وَما دونَ الغِنى / إِلّا نِداؤُكَ بِالحُسَينِ فَنادِهِ
شفع ابن حيدرة عَلى ثانيه في / هَذا الزَمان وَكانَ مِن أَفرادِهِ
بِأَبي مُحَمَدٍ الَّذي يأوي العُلى / ما بَينَ قائِم سَيفِهِ وَنَجادِهِ
بِمُهَذَّبٍ صَعب الآباء حرونه / في حَقِّهِ سلس النَدى منقادِهِ
متجلِلاً ثَوب الرِئاسَة معلماً / بِبَهائِهِ وَوَفائِهِ وَسَدادِهِ
سالَمَهُ ما كانَت حَياتك مغنماً / فَإِذا مللت مِنَ الحَياة فَعادِهِ
حازَ العَلاءَ بِجَدِّهِ وَبِجِدِّهِ / فاختال بَينَ طَريفِهِ وَتِلادِهِ
لَم يَجعَل الآباء مُتَّكلاً وَلا / آباؤُهُ اتَّكَلوا عَلى أَجدادِهِ
خرق يعد الجودَ بيت قَصيدَة / وَالمطل مِثلَ زِحافِهِ وَسِنادِهِ
يَثني النَوال إِذا أَتاهُ بِمِثلِهِ / إِنَّ النَوال يَلذ في تِردادِهِ
ما العُرفُ إِلّا جَوهَرٌ فجمعته / في العقد مَعنىً لَيسَ في أَفرادِهِ
ما إِن حسبت الخيل تألف ضَيغماً / حَتّى تبدى فَوقَ ظَهرِ جَوادِهِ
يَكسو المُدَجَّجُ مجسداً بِدمائِهِ / فَيَعودَ بَعدَ النقع لون حِدادِهِ
وَالبيض مِن تَحتِ الغُبارِ كَأَنَّها / جَمرٌ تَأَلَّق في خِلالِ رَمادِهِ
وَالمَجدِ تَحتَ ظَبي السُيوف يَجوزه / مَن كانَ وقع جِلادِهِ كَجِلادِهِ
كَم جَحفَل غادَرَت فيهِ وَدائِعاً / قَضباً مِن الخَطيِّ في أَجسادِهِ
صدرت صدور قناك تَشكُر رِيّها / مِنهُ وَكانَ الوَرد في إِيرادِهِ
أَمّا الإِمام فَشاكِر لَكَ أَنعُماً / عَمَّت جَميعَ عِبادِهِ وَبِلادِهِ
وَأَنَرتَ ما سدت أَكفَّ جِيادِهِ / وَهتكت ما نسجَت يَدا زِرادِهِ
كَم طرزت أَرض العَدوِّ دَماً إِذا / طرزَت طرسك نَحوَهُم بِمدادِهِ
خَفَّقَت بِالأَقلامِ عَن أَرماحِهِ / وَبمحكم الآراءِ عَن أَجنادِهِ
يا ذا الَّذي يُعدي اليَراعَ بِفعلِهِ / وَبِفَضلِهِ وَبِبأسِهِ وَبآدِهِ
كذب المَبخَل لِلزَّمانِ وَأَنتَ مِن / جَدوى أَنامِلُهُ وَمِن أَرفادِهِ
أَبداك فَرداً وابتَغى لَكَ في الوَرى / مَثلاً فَلَم يَقدِر عَلى إِيجادِهِ
لَمّا علوت الناس جدت عَلَيهم / وَالطود يَقذِف ماءه لوهادِهِ
تَبغي صِيانة ما حويت بِبَذلِهِ / في خُفيَةٍ وَبَقاؤُهُ بِنَفادِهِ
تَخفي نَداكَ وَلَيسَ يَخفى وَالنَدى / كَالمِسكِ يَهتِفُ ريحُهُ بِزِيادِهِ
حَيّاك مِن ذي سؤدد وَرَعاكَ مَن / أَحياكَ وَاستَرعاكَ أَمر عِبادِهِ
أَتَرومُ تَغطِيَة الهَوى بِجُحودِهِ
أَتَرومُ تَغطِيَة الهَوى بِجُحودِهِ / وَنحول جِسمِكَ مِن أَدَلِّ شُهودِهِ
هَيهاتَ تَستُر مِنهُ فَجراً واضِحاً / مِن بَعدَما صدع الدُجى بِعَمودِهِ
قَد قُلتَ إِيّاكَ الحِجازَ فَإِنَّهُ / ضريت جآذره بِصَيد أُسودِهِ
وَأَرَدتُ صَيد مَها الحِجاز وَلَم يُسا / عِدُكَ القَضاء فَصِرتَ بَعض صيودِهِ
يا سائِلي عَمَّن هَوَيتَ وَحالَتي / ما حال مَفقود الفُؤاد عَميدِهِ
قَد كانَ يَرجِفُ في لَيالي وَصلِهِ / قَلبي فَكَيفَ يَكونُ عِندَ صُدودِهِ
قَلب يَزيد بِماء جِفني نارِهِ / وَهجاً فَكَيفَ الرَأي في تَبريدِهِ
لَم تَرضَ في قَتلي سِهام لِحاظِهِ / عَدواً فَأتبَعها رِماح نُهودِهِ
لَمّا رأى لحظات طَرفي رُتَّعاً / تَجنى شَقيقاً مِن رِياض خُدودِهِ
قفل اللِثامَ وَصَدَّ عَنّي شارِداً / وَنأى فاسهَر مُقلَتي بِشُرودِهِ
لا حَظَّ لي في قُربِهِ وَبِعادِهِ / عدم البَخيل وَفَقدِهِ كَوجودِهِ
قطع التنفس عِقدَهُ مِن غصةٍ / ظَلَّت تردَّدُ في سوارِ وَريدِهِ
وَبَكى لِفرقَتِنا فَواقاً فالتقى / دران در دُموعِهِ وَعُقودِهِ
وَجَلا كَمِثلِ البَدرِ في تَدويرِهِ / وَضِيائِهِ وَالفَجر في تَوريدِهِ
يا لَيتَهُ جَعَلَ القَطيعَة مَوعِداً / مِنهُ فَيُخلِفُها كَخُلفِ عُهودِهِ
أَخفي هَواهُ وَهوَ نارٌ مِثلَما / يَخفي الزِناد ضِرامه في عودِهِ
أَبصَرته في ربرب مِن جَيشِهِ / مِن كل مضطمر الحَشا املودِهِ
يَلتَف نوَرَ الأَقحوان بِمِثلِهِ / في ريحِهِ وَبَياضِهِ وَقدودِهِ
فَصَنَعنَ عِندي مِنَّة فَجَحدتها / نيل الغَواني شكره كَجُحودِهِ
يَحفِفنَ أَغيد يَغتَدي داءَ الهَوى / وَيَروح بَينَ مَروطهِ وَبُرودِهِ
حَسَنُ الشَمائِلِ أَوحداً في حُسنِهِ / كَمُحَمَدٍ بِن سَلامَة في جودِهِ
البَحرُ بَعضُ حُدودِهِ وَالفَضل بع / ضُ شهوده وَالنَصرُ بعض جُنودِهِ
تَبدو أمارات الكَريم بِوَجهِهِ / مِن بِشرِهِ وَحَيائِهِ وَسُجودِهِ
أَضحى قَريب الجود مُنبَعِث الجَدا / نَفسي فِداء قَريبِهِ وَبَعيدِهِ
وَمُكَرِّماً لِلوافِدينَ وَمالِهِ / وَفدٌ وَلَيسَ مكرمً كَوفودِهِ
وَإِذا أَرادَ أَثابَ في طَلَبِ العُلى / وَالحال عِندَ مَضيِّهِ وَعَتيدِهِ
مِن حاتِمٌ جوداً إِذا ذكر النَدى / حَتّى أَشبَهه بِبَعض عَبيدِهِ
يربي عَلى جهد الكرام كثيره / وَيَزيد فَوقَ كثيرهم بِزَهيدِهِ
أَبواعهم في المَجدِ مِثلَ ذِراعِهِ / وَقيامِهِم في الفَضلِ مِثلَ قُعودِهِ
وَعَلى مَقادير الرِجالِ فِعالِهِم / قَطع المُهَنَّدِ تابِعٌ لِحَديدِهِ
وَإِذا ارتأى في كُلِّ أَمر حلة / وَلَو أَنَّ أَهل الأَرضِ في تَحقيدِهِ
وَإِذا رأى إِبرام أَمر لَم يُطِق / أَحَد يَحِلُّ الأَمر مِن تَوكيدِهِ
وَإِذا أَفات أَفاد في طَلَبِ العُلى / فَالفَضلُ بَينَ يَقينِهِ وَمفيده
قَد هَذَّبَت إِقليمه أَقلامِهِ / وانقاد سيده انقياد مسودِهِ
قِطُّ العِدى في قَطِّهِ وَمِدادِها / مد الحَياة لخلِّهِ وَوديدِهِ
نبل إِذا ما راشها بِبَنانِهِ / وَرَمى أَصابَ صَميم قَلب حُسودِهِ
بيضُ الأَماني في بَياضِ كِتابِهِ / وَكَذا المَنايا سُودُها في سِودِهِ
فَإِذا استَمَدَّ فَقَد أَمَدَّ بِعَسكَرٍ / لَجِبٍ يَسيرُ النَصر تَحتَ بُنودِهِ
وَعجِبتُ مِن قَلَمٍ بِيُمناهُ أَلَم / يُغرِقه بَحرُ بَنانه بِمُدودِهِ
لَم يَقتَنِع بِالمَجدِ عَن آبائِهِ / وَهُمُ فَما اقتَنَعوا بِمَجدِ جُدودِهِ
حَسُنَت بيَ الأَيامُ بِالحَسَنِ الَّذي / أَروى النَدى بِطَريفِهِ وَتليدِهِ
أَعطى وَجادَ وَزادَ في طَلَبِ العُلى / حَتّى نَما في الجودِ فَوقَ مَديدِهِ
أَولى البَريَّةِ أَن يُسَمّى ماجِداً / مَن كانَ طارِف مَجدِهِ كتليدِهِ
حَيّاكَ من أَحيا العُلى بِكَ مِثلَما / نَشرَ النَدى بِكَ وَهوَ بَينَ لُحودِهِ
لَو كانَ هَذا الدَهر شَخصاً ناطِقاً / أَشنى عَلَيكَ بِنَثرِهِ وَقَصيدِهِ
أَو كُنت لَيلاً كُنتَ لَيلَةَ قَدرِهِ / أَو كُنتَ يَوماً كُنتَ يَومي عيدِهِ
يُنبي سَلامك وابتسامك عَن نَدىً / وَكَذا الغِمامُ بِبَرقِهِ وَرعودِهِ
ما زالَ هَذا الذهر بَينَ مَناحِس / حَتّى طلعت فَكنت سعد سعودِهِ
ثِق بالإِلَه فَكُلُّ أَمرٍ أَنتَ في / تأسيسِهِ فَاللَهُ في تَشييدِهِ
قَد كانَ فضلك موهِماً لِعَطائِهِ / فالان بِشرُكَ موقِن بِمَزيدِهِ
فأسلم وَدم في غِبطَةٍ مكلوةٍ / مِن رَيبِ دهرك ذا وَمِن تَنكيدِهِ
ما أَسفر الأَصباح واعتكر الدُجى / وَشَجى حَمامُ الأيكِ في تَغريدِهِ
طرقت خَيالاً بَعد طول صدودها
طرقت خَيالاً بَعد طول صدودها / وفرت إِلَيكَ السِجنَ لَيلَةَ عيدِها
أَنّى اهتَدَت لا التيه منشؤها وَلا / سفح المُقَطَّمِ مِن مَجرِّ بُرودِها
في لَيلَة لَيلاء أَلزم فضلها / بيض اللَيالي أَن تدين لِسودِها
حَقُ اللَيالي البيض قسم سوادِها / خالاً وَخالاً زينة لُخدودِها
أَسرَت إِلَيهِ مِن وَراءِ تِهامَةٍ / وَجَفاهُ داني الدار غَير بَعيدِها
فأَتَته ما ارتاحَت لِحُسنِ ظِبائِها / وَهناً ولا ارتاعَت لِزأر أُسودِها
مُستَوطِناً دار البنود وَقلبه / للرعب يَخفِق مِثلَ خَفق بنودِها
دار تحطُّ بِها المنون شِباكِها / فَتَروح وَالمهجات جل صيودِها
فَتَعَثَّرَت بِعُرى الأَداهِمِ فالتَقى / جرسان جرس حَليِّها وَحَديدِها
قيد وَسلسلة وَأَدهَم مصمت / محن الكرام عَظيمَةُ كقصودِها
وَقِلادَةٌ في جيدِهِ إِن حُرِّكَت / تَهتَزُّ مِنها الأَرضَ في تَمييدِها
وَتأوَّهَت عَن زَفرة لَو صادَفَت / حَجَراً جَرى ماء لِفَرطِ وقودِها
وَأَصاب دُرُّ الدَمعِ لؤلؤ ثَغرِها / ثُمَّ استَفاضَ فَبَلَّ دُرَّ عُقودِها
فَعَفَفتُ ثَمَّ وَلَو هَمَمت بِضَمِّها / منعت مِن استقصائِهِ بنهودِها
ما ضَجَّ مِن تلف الحَياة ضَجيعها / لَكِن الاح وَضَجَّ مِن تَنكيدِها
بَثَّ الفَضائِل خلفه وَأَمامه / فَفَناء مُهجَتِهِ كَمِثلِ خُلودِها
كالشَمسِ تُوَدِع في الكَواكِب نورها / فَتَنوب للسارين عَن مَفقودِها
مَحنٌ قَد احتَشَدَت وَقَلبٌ واثِقٌ / باللَهِ وَالزَيديُّ في تَبديدِها
بِفُؤاد أُسرَتِها ودرَّة تاجِها / وَسواد ناظِرها وَبيت قَصيدها
بِأَغَرَّ يَحسِدُهُ أَفاضِل عَصرِهِ / قدر الفَضيلة مِثلَ قدر حُسودِها
حاشا من اعتَمَدت عَليهِ دولَة / مِن أَن يَضيقَ بِفَكِّ بَعضِ عَبيدِها
واللَهُ أَكرَم حينَ أَنزَلَ حاجَتي / بمسودِ الكُرَماءِ دونَ مسودِها
وَلَرُبَّ مصطنع يَداً تقليده / صدر الحُسامِ أَخف مِن تَقليدِها
وَأَراهُ لا يَرضى بِفعلِ صَنيعَةٍ / حَتّى يُتابِعها كَفاء حُدودِها
صِلَةُ اللَهيفِ هيَ الصَلاةُ بِعَينِها / وَتَمامِها بِركوعها وَسُجودِها
واللَهِ لَو ضمن الرُقادِ حَميته / عيني فَما اكتحلت بطيب هجودها
ونظمت أَجفاني العلى لجبنها / نظماً وأَسفلها إِذاً بِخدودِها
وَصفدت نَفسي بِالوَفاء وَضيقِهِ / إِنَّ الوَفاء لمن أَشَدِّ قيودِها
وَلَقيتُ نِعمَتِهِ بِأَحسَن خُلَةٍ / تَلقى بِها النعماء عِند ورودِها
حزت العَلاءَ إِفادَة وَولادة / فأعنت طارِفَ رتبة بتليدِها
إِنَّ المآثِرَ كالخِضابِ نصولها / عَجِلٌ إِذا لَم تَسعَ في تَجديدِها
نَفس الشَريف كَحُلَّةِ موشية / فَإِذا تَناهَت طُرِّزَت بِجدودِها
وَإِذا اعتَبَرَت فروعه بأصولِهِ / أَيقَنَت أَنَّ دُخانِهِ مِن عودِها
وَمَحاسِن الأَشياء في تَركيبها / طوق الحَمامَةِ خِلقَةٌ في جيدِها
وَفَضائِل الإِنسان تَتبَع أَصلِهِ / قطع الصَوارِمِ تابع لحديدِها
أَدنى بَنيها مِن ولادة خامِلٍ / لا ينسل الأَشبال غَير أُسودِها
تَفديكَ طائِفة إِذا ما فوخرت / فَزَعَت إِلى أَجداثِها وَلحودِها
لَغو كَحَرف زيدَ لا مَعنى لَهُ / أَو واوُ عَمروٍ فقدها كَوجودِها
وَأعدت ما أَبدَت جدودك مِن عُلىً / سُبحانَ مُبديها بِكُم وَمعيدها
يا ابن الأثمة مِن قُرَيش دعوة / نظمت دَعاويها بِسِلكِ شُهودِها
دَلَّت عَلَيكَ فأجزأت عَن غَيرِها / يغني اشتَهار الحال عَن تَحديدها
إِن كانَ أَولاد الوَصيِّ كَواكِباً / فاعلَم بِأَنَّكَ أَنتَ سَعدَ سعودِها
نَقَلوا فَضائلهم إِلَيكَ كَأَنَّها / زُر جونَةٍ نُقِلَت إِلى عَنقودِها
أَتَضيع نَفساً أَنتَ مِن تامورها / وَصَميمِها كالجُزءِ مِن تَوحيدِها
جعلتك واسطةً إِلى مَنجاتِها / وَأَباكَ واسطةً إِلى معبودِها
لا أَنحل الأَيام نَحلاً بَعدَ ذا / حَسبي بِأَنَّكَ نَفحة مِن جودِها
أَلَمَّت بِنا بَعدَ الهَدوِّ سُعاد
أَلَمَّت بِنا بَعدَ الهَدوِّ سُعاد / بِليل لباس الجو مِنهُ حِدادُ
أَلَمَّت وَفي جَفني وَجفن مُهنَّدي / غِرارانِ ذا سَيف وَذاكَ رِقادُ
فَما برحت حَتّى تَجَلّى ليَ الدُجى / كَما فارَقَ العضب الحُسام غمادُ
وَأَحدَق باللَيلِ الصَباحِ كَأَنَّهُ / بَياض بعين وَالظَلامُ سوادُ
أَناة كَمِثلِ الشَمسِ نوراً وَعادَة / فَفيها دُنوٌ مطمعٌ وَبعادُ
فأن ترني أَخفي هَواها تجملاً / فَيا رُبَّما أَخفى الضِرام زِنادُ
وَلَم أَنسَها وَالبَينُ يُجري دموعها / عَلى مشرق لِلعَين فيهِ مُرادُ
يَروق بِدَمعِ اللَهوِ وَالحزن خَدّها / فَما عَنه طرف إِن راهُ يحادُ
وَإِن سَفَحَت بِالكُحلِ دَمعاً فَخدّها / مِن النور طرسٌ وَالدموعُ مِدادُ
بِها مَرَضٌ في لَحظِها وَهوَ صِحَّةٌ / وَلَكِن مَريض اللَحظِ لَيسَ يُعادُ
أَلَيسَ عَجيباً أَن تَصيدَ قلوبنا / مَهاةٌ وَعَهدي بِالمَهاةِ تُصادُ
سَقاها إِذا ما المزن أَخلف أَرضها / بنان عليِّ إِنَّها لَعِهادُ
غَيوث وَلَكِن قطرة الغيث بدرة / مكملة أَو نبرة وَجوادُ
أَغيث جداه الماء لا شيء غيره / كَغيث جداه طارِف وتلادُ
بِنانٌ عَلى بَذلِ المَواهِبِ سبطة / وَلَكِن عَلى قَبض الرِماحِ جعادُ
يَجولُ بِهِ في الحَربِ نَهدٌ كَأَنَّهُ / عِقابٌ وَلَكِن الجَناحَ بدادُ
وَقَد خُضِّبَت أَسيافَه فَكَأَنَّها / مِنَ الدم جَمرٌ وَالغُبارُ رَمادُ
لَهُ كرم كالبَحر يَزداد كُلَّما / يُرجّى فَما يَخشى عَلَيهِ نَفادُ
عصيبت إِلَيهِ النَفسُ حَتّى أَتَيته / فَفزتُ وَعِصيان النفوس رَشادُ
وَأَعلقت أَسبابي لمختص دولَة / غراس الأَماني في ذَراهُ حَصادُ
بِأَبلَج سوق الحَمدِ يَنفق عِندَهُ / وَفي سوقِهِ الألدية كَسادُ
تَهُزُّ يَمين الملك مِنهُ مثقَّفاً / يَقيهِ لِسان كالسِنان حِدادُ
لَهُ حملات في المَكارِم مقدماً / إِلى جودِهِ والمَكرُماتِ طرادُ
لَقَد أَنشر الطَيموم أَموات طيىء / بِعَليائِهِ وَالمَجدُ حينَ يُشادُ
فَإِن لَم يَعُد مَن ماتَ مِنهُمُ فَذِكرُهُ / وَذِكرُ الفَتى قَبلَ المَعادِ مُعادُ
رَأيتُ عَليّاً في الفَضائِلِ كاسمِهِ / عَليّاً لَهُ شُمُّ الجِبالِ وَهادُ
فَإِن شارَكوهُ في اسمِهِ فَلَرُبَّما / يُشارِكُ في إِسم ناطِق وَجَمادُ
بَصيرٌ بِتَركِ الجودِ في مُستَحِقِّهِ / وَما كُلُّ مَن يُعطي الجَزيل جَوادُ
لَقَد زدتَ هَذا الدَهر حُسناً وَهيبَةً / كَأَنَّكَ في صَدرِ الزَمانِ نِجادُ
فَلَو صَوَّرَ اللَهُ البَريَّةَ واحِداً / لصوَّرَهُم جِسماً وَأَنتَ فُؤادُ
حملت العُلى بِالجودِ حَتّى اقتَنصتَها / وَلِلمَجدِ وَحش بِالنوالِ يُصادُ
فَقَد سُدَّت طياً وَهيَ لِلناسِ سادَة / وكل جَواد سَيِّد سَيُسادُ
وَطيىءٌ عماد الناس في كُلِّ مَوطنٍ / وَأَنتَ لَها يا ابن الكِرامِ عِمادُ
تَقودُ ذُرى قَحطان آل مفرجٍ / وَلَو لَم يَكُن آل المُفَرِّج قادوا
إِذا أَسَّسوا شادوا وَإِن وَعَدوا وَفوا / وَإِن بَدأوا في المكرمات أَعادوا
أَفادوا مَديحي واستَفدت ثَوابهم / وَكل مُفيدٍ إِن رَأَيتَ مُفادُ
رَأيت العُلى شَخصاً وَقَحطان وَجهِهِ / وطيىءُ لَهُ عين وَأَنتَ سَوادُ
إِلَيكَ فرت بي كل قَفرٍ وَمَهمَهٍ / مُضبَّرة مِثلَ العَلاة سِنادُ
ثَنى القَفر مِن أَخفافِها فَكَأَنَّما / عَلَيهُنَّ مِن ماءِ الدِماء جِسادُ
وَعاذِلَةٍ قالَت تأنَّ فَرُبَّما / يَروقك بَعضُ النَبتِ وَهوَ كِبادُ
فَقُلتُ لَها كُفّي فآل مُفرجٍ / بِحارُ نَدىً وَالعالَمون ثمادُ
أَيَخلف ظَنّي مِن أَبوه مُفرِجٌ / أَلا إِنَّ أَولادَ الجِيادِ جِيادُ
أَلا هَل لِعَهدِ العامِريَّةِ جاحِدُ
أَلا هَل لِعَهدِ العامِريَّةِ جاحِدُ / وَعِندي مِن صدق المَوَدَّةِ شاهِدُ
حُكي لَكِ عَنّي أَنَّني لَكِ مُبغِضٌ / فَلا تَسمَعي ما قالَ فيَّ حَواسِدي
فَواللَهِ ما الأَعراض عَنكِ مَلالة / أَأَسطيعُ إِعراضاً وَشوقيَ زائِدُ
وَلَكِن حِذاراً مِن وُشاةٍ عيونهم / عَلَينا وَإِن أَبدَت هُجوداً رَواصِدُ
أَناديكِ مِن شَوقٍ إِلَيكَ وَصبوة / وَما بَينَ دارينا مَدىً مُتباعِدُ
وَكَم سرت في طُرقِ السلو فَلَم أَجِد / سَبيلاً وَضاقَت في هَواكِ المَقاصِدِ
وَكَم طلبت عَينايَ في الناس ماجِداً / كَريماً فَناداني النَدى لَيسَ ماجِدُ
سِوى من عَليه الحمد وَقفٌ وَعِندَهُ / بلوغ المُنى إِن جاءَ يَرجوهُ قاصِدُ
أَبا الفَضل عَبدُ اللَهِ بن مُحَمَدٍ / عَلى وَجهِهِ للمكرمات شَواهِدُ
لَهُ مِن سَماءِ الفَخرِ مِن طيب أَصلِهِ / وَإِحسانِهِ في المعتفين مُشاهِدُ
كَريم عَلى أَبوابِهِ النُجح ثابِت / إِذا مَرَّ عَنها وافد جاءَ وافِدُ
وَما خَيَّبَ الدهر الخؤون لِطالِبٍ / وَلاذَ بِها إِلّا أَتَتهُ الفَوائِدُ
عَلَيها ازدِحام لِلعفاة وَحَولها / عَلى كُلِّ فِترٍ للعُفاةِ مَوارِدُ
لَئِن نامَ عَن جَدوى أَبي الفَضلِ طالِب / فَما جودِهِ عَن ما يُحاوِلُ راقِدُ
أَعادَ عَلى حَمدِ الأَنامِ فَخاره / فَظَلَّ لَهُ مِن سائِرِ الناس حاسِدُ
مَواهِبه في الناس لَم يَبقَ غيرها / لعودَةِ ممتاحٍ طَريفٌ وَتالِدُ
تَكادُ تُناجيهِ بِأَعذَبِ مَنطِقٍ / عَلى الخَلقِ مِن حُسنِ الفِعالِ المَحامِدُ
وَمن لَم يَكُن يُعطي الخُلود فَإِنَّهُ / بِحَمدِ الوَرى في الدَهرِ لَو ماتَ خالِدُ
عَوائِدُهُ أَلّا يُخَيِّبَ سائِلاً / فَيا حَبَّذا في الناس هَذي العَوائِدُ
أَبا الفَضل إِنَّ الشِعرَ عِندَكَ نافِقٌ / وَعِندَ الَّذي سامى عُلوك كاسِدُ
إِذا ضَلَّتِ القُصّاد عَن حَوض ماجِدٍ / يَكونُ لَها مِن مكرماتك راشِدُ
وَإِن عَدَلَ المَحرومُ عَنكَ فَإِنَّهُ / إِذا خافَ الإِقبال نَحوَكَ عائِدُ
أَرى الغيث مَفقوداً مِنَ الدَهرِ بُرهَةً / وجودك باقٍ ماله الدَهر فاقِدُ
يَزيدُ عَلى فَيضِ البِحارِ انسِكابِهِ / وَعِدَّتُها سَبعٌ وَأَنتَ فَواحِدُ
وَلَولاكَ ماتَ الجود يا بن مُحَمَّدٍ / فَأَنتَ لَهُ دونَ البَريَّةِ والِدُ
ترفعت عَن مَدح الأَنامِ جَلالَةً / فَسادَ بِنَشرِ الحَمدِ عَنكَ القَصائِدُ
فَنجمك في بُرجِ السَعادَةِ بالِغٍ / وَمَجدك في أَعلى المَنازِلِ صاعِدُ
نُفوس العِدى تَهواكَ يا ابن مُحَمَدٍ / فَما لَكَ في إِحسانَ كَفِّكَ حاسِدُ
إِذا رُمتُ أَن أَثني عَلَيكَ بِصالِحٍ / فَماليَ في خَلقِ الإِلَهِ مُعانِدُ
وَإِن رمت أَن أَثني عَلَيكَ بِغَيرِهِ / فَماليَ في كُلِّ الأَنامِ مُساعِدُ
فَدَم سالِماً يا ابن المَنيع مُجدداً / فَلا طرقتك الحادِثات الشَدائِدُ
لَقَد كُنتَ نَبّالاً بِلَحظِكَ صائِداً
لَقَد كُنتَ نَبّالاً بِلَحظِكَ صائِداً / فَأردَفتُ رُمحاً حينَ أَصبَحت ناهِدا
سِلاحٌ وَلَكِن لا يَضيرُ مُدانياً / وَيَنفُذُ فيهِ حده مُتَباعِدا
يُبَرِّزُ وَرد الخَدِّ ثمَّ يُعيدُهُ / وَلَم أَرَ وَرداً في الكَمائِمِ عائِدا
لَها مُقلَةٌ بِالسُقمِ تُعدي وَما بِها / سِقام وَهَل تَردي السموم الأَساوِدا
لَها بَردٌ مِن دونِها الريق دونَه / فَطابَ وَلَولا ذاكَ لَم يَكُ بارِدا
وأَقسِمُ أَنّي ما هَمَمتُ بِريبَةٍ / لِغانِيَةٍ إِلّا إِذا كُنتُ راقِدا
وَلَكِنَّني لَمّا رَأَيتُ جُفونَها / مُمَرَّضَةٌ أَرسَلَت طرفي عائِدا
وَلَو لَم تَكُن أَجفانُها صدفاً لَما / نثرن غداة البين دراً فَرائِدا
كلفت بِحُبِّ البيض وَالقَلبَ مولَعٌ / بِحُبِّ المَواضي ما هجرت الخَرائِدا
تُوَسدني العيس الطَليح ذِراعها / إِذا لَم توسدني الخَريدة ساعِدا
وَيُسعدني سَيفي عَلى كُلِّ بُغيةٍ / إِذا لَم أَجِد في العالَمينَ مُساعِدا
وَكُنتُ إِذا ما رُمتُ رَعيَ قَرارَةٍ / مِنَ المَجدِ أَرسَلتُ الرُدَينيَّ رائِدا
وَكَم رَجُلٍ أَثوابُهُ دونَ قَدرِهِ / وَقَد يَلبِس السلك الجمان الفَرائِدا
فَلا يُعجِبَن ذا البُخلِ كَثرَة مالِهِ / فَإِنَّ الشَغا نَقص وَإِن كانَ زائِدا
فَوا أَسَفا حَتّام أَمدَح جاهِلاً / وَأَنظَم فيمَن لا يُساوي القَصائِدَ
وَأَمدَح قَوماً لَيسَ يَدرونَ أَنَّني / مُقاوِد قَد قَلَّدتَهُم أَو قَلائَدا
أَرى دَهري تَفَضَّلَ واستِفادا
أَرى دَهري تَفَضَّلَ واستِفادا / بِنابِغَة نَسيَت بِهِ زِيادا
وَلما أَن مَضى عَنّا زِياد / لَنظم الشعر عَوَّضَنا زِنادا
وَحينَ أَتاكَ ذاكَ أَفادَ هَذا / فَأَنسى مَن أَتاكَ لمن أَفادا
وَما أَعني سِواكَ أَبا عَليِّ / فَكُن حَيثُ اشتُهيتَ تَكُن مُرادا
لَقَد حَلَّت قَصائِدُكَ المَعالي / صنوف الفَخرِ مَثنى أَو فُرادى
فَإِن أَغزلت كُنتَ لَها وِشاحاً / وَإِن أَجزَلت كُنتَ لَها نجادا
بهرن فَلو تَبَين عَلى حُسودٍ / لَقالَ بِغَيرِ شَهوَتِهِ أَجادا
سمت بِكَ هِمَّة لَم تَرضَ حَتّى / غَدا فَلكَ النُجومُ لَها جَوادا
يَكون لَها الهِلال اليوم نَعلاً / وَفي عَشرٍ يَكون لَها بِدادا
أَتاني عَنك ذكر لَو تَمادى / إِلى الأَمواتِ كانَ لَها معادا
ثَناءٌ أَم ثَنايا أَقحوانٍ / تَبَسَّم غِبَّ أَدمعها فَزادا
حَظيت بِهِ فكنت هُناك قُسّاً / وَكانَ الناس كلهم إِيادا
بَعَثتُ إِلَيكَ في ميدان طِرسي / مِنَ الأَلفاظِ مضمرة جِيادا
وَلَو اسطيع كانَ بَياض عيني / لَها طَرساً وأسودها مِدادا
وَقَد أَسَّستَ مكرمة فَشيد / فَمثلك من إِذا أَبدى أَعادا
شَقيت بِما جَمعت فَلَيتَ شِعري
شَقيت بِما جَمعت فَلَيتَ شِعري / وَرائي مَن يَكون بِهِ سَعيدا
أَعاين حَسرَةً أَهلي وَمالي / إِذا ما النَفس جاوَزَت الوَريدا
أُعِدُّ الزادَ مِن تَقوىً فَإِنّي / رَأَيتُ المَنِيَّة السفر البَعيدا
تَبَرّأَ صاحِبيَ في اللَحدِ مِنّي / وَهالَ عَلى مَناكِبي الصَعيدا
وَوَدَّعَني وَعَزَّ عَلَيهِ أَنّي / أُوَدِعَهُ وَداعاً لَن أَعودا
فَلَو أَبصَرتَني مِن بَعدِ عَشرٍ / رَأَيت مَحاسِني قَد صُرنَ دودا
وَحيداً مفرداً يا رَب عَفواً / لِعَبدِكَ حينَ تَترُكَهُ وَحيدا
سَأَطَّلب العلاء بِكُلِّ لَيثٍ
سَأَطَّلب العلاء بِكُلِّ لَيثٍ / لَهُ رأس بِذِكرِ اللَهِ وَحدَهُ
لَهُ مِن ما تَصوغُ الهند ناب / وَمن ما حاكَهُ داود لبده
يَردُّ الرُمحَ أَزرَق في إِحمِرارٍ / كَمُقلَةٍ أَزرَقٍ كُحلت برقده
تَرى النازِلينَ بِأَرضِ العِراقِ
تَرى النازِلينَ بِأَرضِ العِراقِ / قَد عَلِموا أَنَّ وَجدي كَذا
فَلا حَبَّذا بَلَدٌ بَعدَهُم / وَإِن واصَلوهُ فَيا حَبَّذا
دَنا طَرَبٌ وَالهَوى نازِح / فَيا بُعدَ ذاكَ وَيا قُربَ ذا
هَوىً ما أَطَعت بِهِ العاذِلينَ / وَما طاعَة الحُبِّ إِلّا أَذى
وَكُنتُ أَفدّي بِهِ ناظِرَيَ / فَمذُ غابَ صارَ لِعَيني قَذى
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري / ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً / حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها / صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها / مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما / تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ / وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت / مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما / أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا / إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن / هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
لَيسَ الزَمانَ وَإِن حرصت مُسالِماً / خُلُق الزَمانِ عَداوَة الأَحرارِ
إِنّي وُتِرتُ بِصارِمٍ ذي رَونَقٍ / أَعدَدتَهُ لِطِلابَةِ الأَوتارِ
أَثني عَلَيهِ بِأثرِهِ وَلَو أَنَّهُ / لَم يَغتَبِط أَثنَيتُ بِالآثارِ
لَو كنت تُمنَعُ خاض نحوكَ فَتية / مِنّا بحار عَوامِل وَشفارِ
وَدَحوا فُوَيقَ الأَرض أَرضاً مِن دَمٍ / ثُمَّ اِنثَنوا فَبَنوا سَماءَ غبارِ
قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُروعَ حَسِبتَها / سُحُباً مزرَّرَة عَلى الأَقمارِ
وَتَرى سيوفَ الدارِعينَ كَأَنَّها / خَلج تَمُدُّ بِها أَكُفَّ بِحارِ
لَو أَشرَعوا أَيمانِهِم مِن طولِها / طَعَنوا بِها عوض القَنا الخَطَّارِ
شَوسٌ إِذا عدموا الوَغى انتَجَعوا لَها / في كُلِّ أَوبٍ نَجعَة الأَمطّارِ
جنبوا الجِيادَ إِلى المُطيِّ وَراوجوا / بَينَ السُروجِ هُناكَ وَالأَكوارِ
فَكَأَنَّما مَلأوا عِياب دروعهم / وَغمود أَنصلهم سَراب قِفارِ
وَكَأَنَّما صَنع السَوابِغ عَزَّهُ / ماء الحَديد فَصاعَ ماءَ قِرارِ
زَرَداً فَأحكم كل موصل حَلقَةٍ / بِجُبابَة في مَوضع المُسمارِ
فَتَدَرَّعوا بمتون ماء جامِدٍ / وَتَقنَّعوا بِحَباب ماء جاري
أسد ولكن يؤثرونَ بِزادِهِم / وَالأسد لَيسَ تدين بالإِيثارِ
يَتَزَّيَنُ النادي بِحُسنِ وُجوهِهِم / كَتَزَيُّنِ الهالاتِ بالأَقمارِ
يَتَعَطَّفونَ عَلى المَجاوِر فيهِم / بالمنفسات تعطُّف الآظارِ
مِن كل مَن جَعلَ الظُبى أَنصارَهُ / وَكرُمنَ فاِستَغنى عَنِ الأَنصارِ
وَاللَيثُ إِن بارَزتُهُ لَم يَعتَمِد / إِلّا عَلى الأَنيابِ وَالأَظفارِ
وَإِذا هوَ اعتَقَلَ القَناة حَسِبتُها / صِلاً تأبَّطُهُ هزبَرٌ ضاري
زَرَدُ الدِلاصِ مِنَ الطِعانِ بِرُمحِهِ / مِثلَ الأَساوِر في يد الإِسوارِ
وَيَجُرُّ حينَ يُجَرُّ صَعدَةَ رُمحِهِ / في الجَحفَلِ المُتَضائِق الجِرارِ
ما بَينَ ثَوبٍ بِالدماءِ مُلَبَّدٍ / زَلقٍ وَتَقَع بِالطِرادِ مثارِ
وَالهَون في ظِلِّ الهوَينا كامِنٌ / وَجَلالَة الأَخطارِ في الإِخطارِ
تندى أسرة وَجهِهِ وَيَمينَهُ / في حالَةِ الإِعسارِ والإِيسارِ
وَيَمُدُّ نَحوَ المَكرُماتِ أَنامِلاً / لِلرِزقِ في أَثنائِهِنَّ مَجاري
يَحوي المَعالي كاسِباً أَو غالِباً / أَبداً يُدارى دونَها وَيُداري
قَد لاحَ في لَيلِ الشَبابِ كَواكِبٌ / إِن أَمهلت آلَت إِلى الإِسفارِ
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ / وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
وَهلال أَيّامٍ مَضى لَم يَستَدِر / بَدراً وَلَم يمهل لِوَقت سِرارِ
عَجِلَ الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِهِ / فَمَحاهُ قَبلَ مَظَنَّة الإِبدارِ
واستَلَّ مِن أَترابِهِ وَلِداتِهِ / كَالمُقلَةِ استَلَت مِنَ الأَشفارِ
فَكَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
إِن يُحتقر صِغَراً فَرُبٌ مُفَخَّمٍ / يَبدو ضَئيل الشَخصِ لِلنُّظّارِ
إِنَّ الكَواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها / لَتُرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ
ولدُ المُعَزّى بَعضه فَإِذا مَضى / بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ
أَبكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِراً لَهُ / وُفِّقتَ حينَ تَرَكتَ آلامَ دارِ
جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ / شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري
أَشكو بُعادك لي وَأَنت بَمَوضِعٍ / لولا الرَدى لَسَمِعتَ فيهِ سَراري
وَالشَرق نَحوَ الغَربِ أَقرَبُ شُقة / مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسَةِ الأَشبارِ
هَيهات قَد علقتك أَشراك الرَدى / واعتاقَ عُمرَكَ عائِق الأَعمارِ
وَلَقَد جَرَيتَ كَما جريتُ لِغايَةٍ / فبلغتها وَأَبوكَ في المِضمارِ
فَإِذا نَطَقتُ فَأَنت أَوَل مَنطِقي / وَإِذا سكت فَأَنتَ في إِضماري
أَخفي مِنَ البُرَحاء ناراً مِثلَما / يَخفى مِنَ النارِ الزِنادَ الواري
وَأُخَفِّضُ الزَفرات وَهيَ صَواعِدٌ / وَأُكَفكِفُ العَبرات وَهيَ جَواري
وَشِهابُ زَندِ الحُزنِ إِن طاوَعتُهُ / وَآرٍ وَإِن عاصَيتَهُ مُتَواري
وَأَكُفُّ نيران الأَسى وَلَرُبَّما / غلب التَصَبُّر فارتَمَت بِشَرارِ
ثَوب الرِياء يَشِفُّ عَن ما تَحتَهُ / فَإِذا التحفت بِهِ فَإِنَّكَ عاري
قَصُرت جُفوني أَم تَباعَد بَينَها / أَم صُوِّرت عَيني بِلا أَشفارِ
جَفَت الكَرى حَتّى كَأَنَّ غراره / عِندَ اِغتِماضِ العَينَ حد غِرارِ
وَلَو اِستَزارَت رقدة لَدَجابِها / ما بَينَ أَجفاني إِلى التَيّارِ
أُحَيي لَيالي التَمِّ وَهيَ تُميتُني / وَيُميتُهُنَّ تبلج الأَنوارِ
حَتّى رَأَيتُ الصُبحَ يَرفَعُ كفه / بِالضوءِ رَفرَف خيمَة كالقارِ
وَالصُبحُ قَد غمر النُجوم كَأَنَّهُ / سيل طَغى فَطمى عَلى النَوارِ
وَتلهُّب الأَحشاء شَيَّب مفرقي / هَذا الضِياء شَواظ تِلكَ النارِ
شابَ القذال وَكُلُّ غُصنٍ صائِرٍ / فينانه الأَحوى إِلى الإِزهارِ
وَالشِبه مُنجَذِبٌ فَلِم بَيضُ الدُمى / عَن بَيضِ مفرقه ذَوات نِفارِ
وَتَوَدُّ لَو جعلت سواد قُلوبِها / وَسواد أَعيُنها خِضاب عِذاري
لا تَنفِر الظَبَياتُ عَنه فَقَد رأت / كَيفَ اختِلاف النَبت في الأَطوارِ
شَيئانِ يَنقَشِعانِ أَوَّل وَهلَةٍ / ظِلُّ الشَبابِ وَخِلَّةُ الأَشرارِ
لا حَبَّذا الشيب الوَفيُّ وَحَبَّذا / شَرخ الشَبابِ الخائِنِ الغَدّارِ
وَطري مِنَ الدُنيا الشَباب وَروقه / فَإِذا اِنقَضى فَقَد انقَضَت أَوطاري
قصرت مَسافَته وَما حَسَناتُهُ / عِندي وَلا آلاؤُهُ بِقِصارِ
نَزدادُ هَمّاً كُلَمّا اِزدَدنا غِنَىً / وَالفَقرُ كُلَّ الفَقرِ في الإِكثارِ
ما زادَ فَوق الزادِ خُلِّف ضائِعاً / في حادِثٍ أَو وارِث أَو عاري
إِنّي لأَرحَم حاسِديَّ لِحَرِ ما / ضَمَّت صُدورُهُم مِنَ الأَوغارِ
نَظَروا صَنيعَ اللَهِ بي فَعُيونُهُم / في جَنَّةٍ وَقُلوبهم في نارِ
لا ذَنبَ لي كَم رمت كتم فَضائِلي / فَكَأَنَّما برقعت وَجه نَهاري
وَسترتها بِتَواضعي فَتطلَّعت / أَعناقها تَعلو عَلى الأَستارِ
وَمِنَ الرِجال مَعالِم وَمَجاهِل / وَمِنَ النُجومِ غَوامِض وَداري
وَالناسُ مُشتَبِهونَ في إِيرادِهِم / وَتَباين الأَقوامِ في الإِصدارِ
عَمري لَقَد أَوطأتُهُم طُرق العُلى / فَعَموا وَلَم يَقَعوا عَلى آثاري
لَو أَبصَروا بِقُلوبِهِم لاستَبصَروا / وَعمى البَصائِرِ مَن عَمى الأَبصارِ
هَلّا سَعوا سَعيَ الكِرامِ فَأَدرَكوا / أَو سَلَّموا لِمَواقِعِ الأَقدارِ
ذهب التَكرم وَالوَفاء مِنَ الوَرى / وَتصرَّما إِلّا مِنَ الأَشعارِ
وَفَشَت خِيانات الثِقاتِ وَغيرهم / حَتّى أتَّهمنا رُؤية الأَبصارِ
وَلَرُبَّما اعتَضد الحَليم بِجاهِلٍ / لا خَير في يُمني بِغَيرِ يَسارِ
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها / صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرارِ
هَل كنت إِلّا زَبرَةً فَطَبَعنَني / سَيفاً وَأطلق صرفهن غراري
زَمن كأمِّ الكلب تر أُم جروها / وَتصد عَن ولد الهزبر الضاري
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري / فَخيِّل لي أَنَّ الكَواكِب لا تَسري
أَرى الرَملَة البَيضاء بَعدَكَ أَظلَمَت / فَدَهري لَيلٌ لَيسَ يُفضي إِلى فَجرِ
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ فيها وَديعَة / أَبى ربها أَن تَستَرِد إِلى الحَشرِ
رَزيت بِملء العَين يُحسَب كَوكَباً / تولَّد بَينَ الشَمس وَالقَمَر وَالبَدرِ
بِأَبلَجَ لَو يَخفي لَنَمَّ ضِياؤُهُ / عَلَيهِ كَما نَمَّ النَسيمُ عَلى الزَهرِ
بِنَفسي هِلال كُنتُ أَرجو تَمامَهُ / فَعاجله المِقدار في غُرَّة الشَهرِ
وَشِبل رَجَونا أَن يَكون غَضَنفَراً / فَماتَ وَلَم يَجرح بِنابٍ وَلا ظفرِ
أَتاهُ قَضاءُ اللَهِ في دار غُربَةٍ / بِنَفسي غَريبُ الأَصلِ وَالقَبرِ وَالقَدرِ
أُحَمِّلُهُ ثقل التُرابِ وَإِنَّني / لأَخشى عَلَيهِ الثُقلَ مِن مَوطءِ الذَرِ
وَأودعه غَبراء غَيرَ أَمينَةٍ / عَلَيهِ وَلَكِن قادَ شر إِلى شَرِّ
فَواللَهِ لَو أَسطيعَ قاسَمتُهُ الرَدى / فَمُتنا جَميعاً أَو لقاسَمَني عُمري
وَلَكِنّما أَرواحَنا مُلكَ غَيرِنا / فَماليَ في نَفسي وَلا فيهِ مِن أَمرِ
وَما اقتَضتِ الأَيّام إِلّا هِباتها / فألّا اقتَضتها قَبلَ أَن مَلأتَ صَدري
وَمِن قبل أَن يَجري هَواهُ وَإِلفه / بِقَلبي جَريَ الماء في الغُصُنِ النَضرِ
وَلا حُزنَ أَلّا يَومَ وَارَيتُ شَخصَهُ / وَرُحتُ بِبَعضِ النَفسِ وَالبعض في القَبرِ
وَأَعلَمُ أَنَّ الحادِثاتِ بِمُرصِدٍ / لِتأخُذ كُلّي مِثلَما أَخذت شَطري
أَحينَ نَضا ثَوب الطُفولَة ناسِلاً / كَما يَنسَّلُ الرِيش اللَوام عَن النَسرِ
وَخَلَّى رِضاعَ الثَدي مُستَبدِلاً بِهِ / أَفاويق مِن دَرِّ البَلاغَة وَالشِعرِ
وَالقى تَميمات الصِبا وَتباشَرَت / حَمائِل أَغماد المهنَّدَةِ البُترِ
وَبانَ عَلَيهِ الفَضل قَبلَ اثِّغارِهِ / وَيَبدو وَإِن لَم يثَّغر كرم المُهرِ
وَقامَت عَلَيهِ لِلعَلاءِ شَواهِدُ / كَما استَشهَد العَضب السَريجي بِالأَثَرِ
وَخَبَّرنا عَن طيبهِ ماء وَجهِهِ / كَتَخبير ماء الظَلم عَن طيبة الثَغَرِ
وَجادَت بِهِ الأَيام وَهيَ بَخيلَة / وَقَد يَنبَع الماء الزُلال مِنَ الصَخرِ
طَواهُ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَأَصبَحَت / مَغانيهِ ما فِيهِنَّ مِنهُ سِوى الذِكرِ
فَجادَ عَلى قَسرٍ بِباقي ذِمائِهِ / وَقَد كانَ مِمَّن لا يَجود عَلى القَسرِ
فَإِن أَبكِ فَالقُربى القَريبَةُ تَقتَضي / بُكايَ وَإِن أَصبِر فَبَقياً عَلى الأَجرِ
فَبي مِنهُ ما يوهي القوى غَيرَ أَنَّني / بُنيتُ كَما يُبنى الكَريم عَلى الصَبرِ
وَما صَبرُ مَحزونٍ جناح فؤادِهِ / يُرَفرِفُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ
يُقَلِّبُ عَيناً ما تَنامُ كَأَنَّها / بِلا هَدبٍ يُثنى عَلَيها وَلا شَفرِ
غَطا دمعها أَنسانُها فَكَأَنَّها / غَريق تَسامى فَوقه لُجَجُ البَحرِ
يُنَغِّصُ نَومي كُلَّ يَومٍ وَيقظَتي / خَيالٌ لَهُ يَسري وَذِكرٌ لَهُ يَجري
وَيوسع صَدري بِالزَفير ادِّكاره / عَلى أَنَّ ذاكَ الوسع أَضيقُ لِلصَّدرِ
وَقالوا سيسليه التأَسّي بِغَيرِهِ / فَقُلتُ لَهُم هَل يَطفأ الجَمرُ بِالجَمرِ
أَيندَمِلُ الجَرحُ الرَغيب بِمِثلِهِ / إِلّا لا وَلَكِن يَستَطيرُ وَيَستَشري
وَلَيتَ التأسي بِالمُصيبَةِ كائِنٌ / كفافاً فَلا يُسلي هُناك وَلا يُغري
فَلا تَسأَلوني عَنهُ صَبراً فَإِنَّني / دفنت بِهِ قَلبي وَفي طَيِّهِ صَبري
فإلّا تَكُن قَلبي فَإِنَّكَ شَطرِهِ / قُددتَ كَما قُدَّ الهِلالُ مِنَ البَدرِ
أَيا نِعمَةً حَلَّت وَوَلَّت وَلَم أَكُن / نهَضتُ بِما لِلَّهِ فيها مِنَ الشُكرِ
وَضاعفَ وَجدي أَن قَضيتَ وَلَم تُقِم / مَقامَ الشَجا المَعروض في ثَغرة الثَغرِ
وَلَم تَلقَ صَفّاً مِن عِداكَ بِمِثلِهِ / كَما أَسنَد الكِتاب سَطراً إِلى سَطرِ
وَما خُضتَ جَيشاً بِالدِماءِ مُضمَّخاً / يَرى بيضُهم مِثلَ الحَبابِ عَلى الخَمرِ
وَلَم تَختَصِم حوليك أَلسِنَة القَنا / فَتَحكُمُ في الهَيجاء بِالعرف وَالنُكرِ
بَضَربٍ يَطير البَيضُ مِن حَرِّ وَقعِهِ / شَعاعاً كَما طارَ الشَرارُ عَن الجَمرِ
تَرى زرد الماذيِّ مِنهُ مفكَّكاً / يَطيح كَما طاحَ القُلامُ عَن الظفرِ
وَلَمّا تُضِف في نَصرَةِ اللَهِ طعنه / إِلى ضَربَةٍ كالبِئرِ فَوقَ شَفا نَهرِ
وَلَمّا تَقُم لِلَّهِ بِالقِسطِ مَوقِفاً / سَأَقضي وَلمّا أَقضِ مِن مِثلِهِ نذري
وَلَم تَمشِ في ظِلِّ اللواء كَما مَشى / إِلى الصَيدِ فهد تَحتَ رفرفة الصَقرِ
وَلَم تُخفِق النيران حَولَك للقِرى / كَما خفقت أَطراف الويةٍ حُمرِ
وَلَم تَقفُ أَبكار المَعاني وعونِها / فَتَرغب فيها مِن عَوانٍ إِلى بِكرِ
وَلَمّا تَبارى النَجم ضوءاً ورِفعَةً / وَصيتاً وَأَنواءً وَهَدياً إِذا يَسري
وَلَم تَخجَل الرَوض الأَنيق بِرَوضَةٍ / مفوَّقةِ الأَرجاءِ بِالنَظمِ وَالنَثرِ
وَلَمّا تَقم في مَشهَدٍ بَعدَ مَشهَدٍ / تَصدّق أَخبار المَخايلَ بِالخُبرِ
وَما قلت إِلّا ما ذَكاؤُكَ ضامِنٌ / لَهُ كَضَمانات السَحائِب لِلقَطر
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن / عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسرِ
وَما نَحنُ إِلّا مِثلَ أَفراس حلبةٍ / تَقَدَّمنا شيء وَنَحنُ عَلى الإِثرِ
وَلَمّا تَجارَينا وَغايَة سَبقنا / إِلى المَوتِ كانَ السَبقُ لِلجَذَعِ الغَمرِ
مَحاك الرَدى مِن رأي عَيني وَمامَحا / خَيالك مِن قَلبي وَذِكرك مِن فِكري
فَما أَنسَ مِن شيء وَإِن جَلَّ قدره / فَإِنَّكَ مِنّي ما حَييتُ عَلى ذِكرِ
وَإِنّي مِن دَهرٍ أَصابَكَ صِرفِهِ / وَأَخطأَني مِن أَن يُصيبَ عَلى حِذرِ
رحلتَ وَخَلَّفتَ الَّذينَ تَرَكتَهُم / وَراءَكَ بالأَحزانِ وَالهَمِّ وَالفِكرِ
فَلَو لفضتكَ الأَرض قلت تَشابَهت / مَناظِر من في البطن مِنها وَفي الظَهرِ
وَلا فَرقَ فيما بَينَنا غَيرَ أَنَّنا / بِمَسِّ الأَذى نَدري وَأَنَّكَ لا تَدري
رَجوتك للدُّنيا وَللدِّينِ قَبلَها / وَرُحتَ بِكَفٍ مِن رَجائِهما صِفرِ
أَزورَكَ إِكراماً وَبِرّاً وَفي البِلى / لِمثلِكَ شغل عَن وَفائي وَعَن بِرّي
وَلَمّا أَتى بَعدَ المَشيب عَدَلتُهُ / بِعَصر الشَباب الغَضِّ بورك من عَصرِ
وَقلت شَبابُ ابني شَبابي وَإِنَّما / يَنقَّلُ مَعنى الشَطر مِنّي إِلى الشَطرِ
فَوَلّى كَما وَلّى الشَبابُ كِلاهُما / حَميد فَقيد طَيِّب العَهدِ وَالنَشرِ
وَكانَ كَمِثلِ العَنبَرِ الجونِ لبثِّهِ / فَبانَ وَأَبقى في يدي عبق العِطرِ
نَقضت عُهود الوُدِّ إِن ذقت بَعدِهِ / سلواً إِلّا إِنَّ السَلو أَخو الغَدرِ
وَما أَنا بِالوافي وَقَد عِشتُ بَعدَهُ / وَرُبَّ اعتِراف كانَ أَبلَغ مِن عُذرِ
كَفى حُزناً أَنّي دعوت فَلَم يَجِب / وَلَم يَكُ صَمتاً عَن وَقارٍ وَلا وَقرِ
وَلَم يَكُ مِن بُعدِ المَسافَة صَمته / فَما بَينَنا إِلّا ذِراعانِ في القَدرِ
نُنافِسُ في الدُنيا غُروراً وَإِنَّما / قَصارى غِناها أَن يَؤولَ إِلى الفَقرِ
وَإِنّا لَفي الدُنيا كركب سَفينَةٍ / نَظُنُّ وقوفاً وَالزَمان بِنا يَجري
طويت اللَيالي وَاللَيالي مَراحِل / إِلى أَجَلٍ يَسري إِليَّ كَما أَسري
وَأَفنَيتُ أَياماً فَنيتُ بِمَرِّها / وَغايَة ما يُفني وَيَفنى إِلى قَدرِ
إِلى اللَهِ أَشكو ما أَجِنُّ وَإِنَّني / فَقَدتُكَ فَقدَ الماءِ في البَلَدِ القَفرِ
عَلى حينَ جِزتُ الأَربَعينُ مُصَوِّباً / وَلاحَت نُجومُ الشيب في ظُلمِ الشَعر
فَيا مَعشَرَ اللَوامِ كفوا فَإِنَّني / لِفَرطِ الجَوا قد قامَ لي في البُكا عُذري
إِذا ما تَوَلّى ابني وَوَلَّت شَبيبَتي / وَوَلّى عَزايَ فالسَلامُ عَلى الدَهرِ
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ / فلذا اللَيالي وصلهنَّ قِصارُ
يا صاحِ أَبصر في السَرابِ ضَعائِنا / كالدُرِّ يَطفو فَوقَهُ التَيّارُ
تَقِف العُيون إِذا وَقفن وَأَينَما / دارَت بِهِنَّ العيس فَهيَ تُدارُ
أَرَأَيتَ مِن عنّفت فيهِ فَقالَ لي / أَما الوجوهُ فَإِنَّها أَقمارُ
فاسفح بِنَجدٍ ماء عينك إِنَّما / لِلعامِرِيَّة كل نَجدٍ دارُ
وَلَها بِهِ مِن كل ماء مَشرَبٍ / وَبِكُلِّ مَسقَطِ مزنةٍ آثارُ
قَومٌ إِذا ما المُزن طَنَّب طَنَّبوا / أَو سارَ نَحوَ دِيار قَومٍ ساروا
فتوقَّ أَعين عامِر وَسُيوفها / كُلٌّ وَجدّك صارِم بَتّارُ
إِيّاك إِيّاكَ العُيون فَإِنَّها / قَضُبٌ وَأَشفار الجُفونِ شفارُ
لَم أَدرِ إِذ وَدَّعنَني أَمُقبِّل / لِحَلاوَة في الريق أَم مُشتارُ
أَلبَسنَني سِربال ضَمٍّ ما لَهُ / إِلّا رُؤوسَ نُهودِها إِزرارُ
أَجني الرِضابُ مِنَ الغُصونِ وَحَبَّذا / تِلكَ الغُصونُ وَحَبَّذا الأَثمارُ
في رَوضَةٍ جمَعَت لمرتاد الصَبا / مَرأىً يُحِلُّ لِمِثلِهِ وَيُسارُ
بوجوهن ووشيهن وَنَورِها / إِنَّ الثَلاثة عِندَك النَوارُ
إِن أَظلمت قطع الرِياض أَضالَها / نُوّارِها فَكَأَنَّها الأَنوارُ
وَتَمازَجَت حَتّى كَأَنَّ قطينها / مِمّا تَضَمَّنَ نَبت أَرضٍ قارُ
مِن كُلِّ بَدرٍ يَستَسِرُّ زَمانه / وَلِكُلِّ بَدرٍ مَطلَعٌ وَسِرارُ
لا يُرتَجى درك لِثاري عِندَهُ / جَرح الحَداثَة وَالمهاة جَبارُ
في طَرفِها يَقضي غرار من كَرىً / وَلِكُلِّ ماضي الشَفرَتَين غرارُ
أَرَأَيتَ طَرفِكَ ناشِب أَم سائِف / أَم نافِث لِلسِحرِ أَم خَمّارُ
قَد كُنتَ أَعذَل في الهَوى قِدَماً وَقَد / يُرمى الطَبيبُ بِغَيرِ ما يُختارُ
خُضتُ الأُمورَ وَعمتُ في غَمراتِها / وَمِنَ الأُمورِ مَخائِض وَغمارُ
فَرَأَيت دَهري قَد يُضيء وَلَيسَ مِن / شأن الزَمان الضوء وَالأَسفارُ
ما عذره أَلّا يُضيءَ وَفضله / عُقدٌ عَلى جيد الزَمانِ مُدارُ
وَصَحوتُ مِن سكر الصِبا وَلَرُبَّما / يَعتادَني في الحين مِنهُ خُمارُ
وَحصرتُ نَفسي بالعفاف عَن الَّتي / تصم الكَريم وَفي العفاف حِصارُ
فَظفرت مِن كف المُظَفَّرِ بِالمُنى / إِذ ساعدت بِلِقائِهِ الأَقدارُ
ملك له مِنَنٌ تَمَلَّكَني بِها / وَبِمِثلِها يُتَمَلَّكُ الأَحرارُ
أَضحى مقراً لِلضيوفِ وَمالُهُ / ضَيف فَلَيسَ لَهُ لديهِ قَرارُ
ينبيك عَنه وَلَو تَنَكَّرَ بشره / إِنَّ البَشاشَةَ لِلكَريمِ شِعارُ
في قَلبِهِ عَن كُلِّ سوءٍ زاجِرٌ / وَبِفِعلِ كُلِّ فَضيلة أَضرارُ
مَغرىً بإحياء النَدى فيميته / إِنَّ الأَمانَةَ لِلنَّدى إِنشارُ
صَلى اللَهُ فَإِنَّه / مَن رأيه تَتَبَيَّنُ الأَسرارُ
ما اختارَهُ المَولى عَلى نُضرائِهِ / حَتّى اِرتَضاهُ الواحِدُ القَهَّارُ
جمع الإِلَه لَهُ العُلى وَبِهِ كَما / جُمِعَت بِطرفِ الرَقدِةِ الأَشفارُ
فالوَجهُ بَدرٌ وَالعَزيمَةُ صارِمٌ / وَالكَفُّ بر وَالبَنانُ بِحارُ
يعدي اللَئيمَ بِجودِهِ فَلَو أَنَّهُ / حَجَرٌ جَرَت في عَرضِهِ الأَنهارُ
كتم النَوال وَقَد أَتاهُ تَظَرُّفاً / فَكَأَنَّ إِظهار النَوال العارُ
ما طَرَّزَ القرطاس إِلّا أَقلامه / أَيدي العدى مهجاً عَلَيهِ تُمارُ
وَتَمُجُّ في قرطاسه أَقلامه / ظُلَماً مَواقِع نَفعِها أَنوارُ
فَصَريرها في سَمعِنا مِن حُسنِهِ / نَغَمٌ وَفي سِمعِ الأَعادي نارُ
تَقِصُ اللُيوث الغلب وَهي ضَعائِف / وَتَطول سُمر الخُطِّ وَهيَ قِصارُ
يَفري الكَليل مِنَ السُيوفِ بِكَفِّهِ / وَيَكِلُّ في يَد غَيرِهِ البَتّار
إِنَّ المَخالِب في يَدي لَيث الوَغى / قَضبٌ وَفي يَد غَيرِهِ أَظفارُ
يَرضي الكَتيبة وَالكِتابَة سَعيه / وَعناؤُهُ وَالنَقض وَالأَمرارُ
ما كُلُّ مَن حَمِدَتهُ كابنِ ع / ليٍّ الأَقلامُ يَحمَدُهُ القَنا الخَطّارُ
هَلّا سَألت بَني كِلابٍ بأسَهُ / وَالنَقع بَينَ الجَحفَلَين مُثارُ
وَالبَيضُ تَطفو في الدِماءِ كَأَنَّها / حَبَبٌ وَمَسفوحِ الدِماء عِقارُ
أَرضَينَ ثُمَّ تَرائِب وَحَواسِر / وَسماوَتَين جَوارِحُ وَعثارُ
رَحِمَ الإِمامُ بك المَدينة رَحمَةً / رويت بِها الآمال وَهيَ حِرارُ
في جَحفَلٍ وَقع المَذاكي فوقه / ظُلماُ يثير ظَلامها المِقدارُ
نَكَحَت سنابكها الحَصى فَتَوَلَّدَت / بَينَ الحِجارَةِ وَالنِعال النارُ
فأباهُما ولدٌ يُنافي أَصله / وَأَباهُ أَحمَرُ يَعتَليهِ صَفارُ
تَعدو رِماحك خالِقاتٍ في العِدى / حَدقاً وَفي أَجفانِها أَشفارُ
تَهدي الأَسِنَّة كُلُّ رمحٍ طائِشٍ / لِنحورهم فَكأَنَّها أَبصارُ
وَلَهُ عَلى الأَقدامِ إِقدام وَقَد / رفع القَنا وَعَلا الغُبار غُبارُ
تَجلو بِحَبّاتِ القلوبِ كَأَنَّها / بَينَ القُلوبِ وَبَينَهُنَّ سرارُ
وَمغلغلات في سويداواتها / مِن حيث لا تَتَغلغل الأَفكارُ
وَكأَنَّ رمحك إِذ تَغَلغَل فيهم / سلك ينظمهم وَهم تقصارُ
زَرَعوا وَقَد حَصَدوا فأن يَتَعَرَّضوا / أُخرى فهذي المهر وَالمُضمارُ
كَرّوا فَلَم يَنفعهم إِقدامهم / وَمَضوا فَلَم ينفعهم الإِدبارُ
وَقفلت عَنهُم غانِماً وَقلوبهم / فيها لخوفك عَسكَرٌ جرارُ
رَأَت الضَحاضِح مِنكَ صَدراً مِثلها / سعة ضياء الجَوِّ مِنهُ مَنارُ
يا ذا الَّذي لِمَسيره وَمَقامِهِ / تَتَحاسَد البَيداء وَالأَمصارُ
لِدِمَشق نَحوَكَ صبوة وَصباوة / مُذ صَرَّحَت بِقُدومِكَ الأَخبارُ
لَولا وَقارُ في دِمَشق وَأَهلها / طارَت لإِفراطِ السُرورِ وَطاروا
وَنبت مِنها المَرجُ حَتّى خِلتَه / خَداً أَسيلاً أَنتَ فيهِ عذارُ
إِنّي دَعوتك وَالخُطوب محيطة / بي مِثلَما ضَمَّ الذِراعُ سِوارُ
قَد حار شعري في علاك لأَنَّها / شَمسٌ وطرف المرء ثَمَّ يُحارُ
فافرج أَبا الفرج الخُطوبِ فَقَد غَدَت / وَصروفها سورٌ عَليَّ تُدارُ
يَخفي الزَمان فَضائِلي فَكَأَنَّني / وَكَأَنَّها في قَلبِهِ إَضمارُ
أَثقَلَت سَمعي عَن مَقالَة أَهلِهِ / وَالوَقرُ في بَعضِ الأُمورِ وَقارُ
لَم أَخَف إِلّا للعلو وَإِنَّما / تخطي السُهى لِعُلوِّهِ الأَبصارُ
نَفديكَ مِن غَيرِ الزَمانِ وَلَم تَزَل / لفداء مِثلَكَ تَذخر الأَعمارُ
فيهِنَّ ما خولن مِن كَرَمٍ وَعِش / يا ماجِداً زينت بِهِ الأَمصارُ
في رِفعَةٍ ما لاحَ صُبحٌ طالِع / وَتجاوَبَت في أَيكها الأَطيارُ
حازكِ البين حينَ أَصبَحتِ بَدراً
حازكِ البين حينَ أَصبَحتِ بَدراً / إِنَّ لِلبَدرِ في التَنَقُلِ عُذرا
فارحَلي إِن أَردت أَو فأقيمي / أَعظَمَ لِلبَدرِ في التَنَقُلِ عُذرا
لا تَقولي لِقاؤُنا بَعدَ عَشرٍ / لست مِمن يَعيش بَعدَكِ عَشرا
كُلَّما قُلت قد تَنَكَّر قَلبي / مِن هَوىً خلته تَعَلَّق أخرى
لَيسَ يَخلو في كُل حينٍ وَوَقتٍ / مِن غَرامٍ وَلَيسَ يَسمَع زَجرا
وَهوَ مَع ما بهِ أُلوفٌ إِذا فا / رق إِلفاً فَلَيسَ يَملِك صَبرا
هَمُّهُ كل غادة تَشبه اللؤ / لؤ مِنها لَوناً وَلَفظاً وَثَغرا
ذاتَ وَجهٍ يَجلو لَك الشمس وَهناً / تَحتَ فرع يَدجي لَك الليل ظُهرا
قمر فَوقَ غُصن بانَ رَطيبٍ / سحر العالمين باللفظ سحرا
حدر الدمعُ كحلَها فَوقَ خَدٍ / كانَ طَرساً في الحُسنِ وَالدَمعِ سَطرا
إِنَّ يَومَ الفِراق غَير حَميدٍ / رَدَّ جِزعَ العُيونِ بِالدَمعِ دُرّا
مَنَعَ الغَمضَ حينَ أَمسى وَأَضحى / سالِكاً بَينَ كُلِّ جَفنين بَحرا
كل جفن يَرى أَخاهُ وَلا يَسطي / عُ خَوضاً وَلا يُصادِف عبرا
وَلِعَهدي بِعاذِل ليَ فيها / ظلَّ يَوم الفراق ينشد صَبرا
سائِلاً ساءَل المَدامِعَ لَمّا / نهرته أَجرى لَهُ النَهرُ نَهرا
إِنَّ خَلفَ الميعادِ مِنكَ طِباعٌ / فعدينا إِذا تَفَضَّلتَ هَجرا
وَسقام الجفون اسفمني فيكَ فل / يتَ الجفون تبرى فأبرا
هَل أَعارَت خَيالك الريح ظَهراً / فَهوَ يَغدو شَهراً وَيَرتاح شَهرا
زارَني في دِمَسقَ مِن أَرض نَجدٍ / لَكَ طَيفٌ أَسرى فَفكَّكَ أَسرى
زارَني موهِناً يُريدُ وِصالي / وَهوَ مُذ كانَ بِالقَطيعَةِ مُغرى
وَأَتاني وَاللَيل كالقار لَوناً / فَبإِشراقِ وَجهِهِ عادَ فَجرا
فاجتَلَينا بدور نَجد بِأَرض الش / امِ بَعدَ الهُدوِّ بَدراً فَبَدرا
وَأَرادَ الخيال لَثمي فَصيَّرتُ / لِثامي دونَ المَراشِفِ سترا
فاصرِفي الكأسَ مِن رَضابك عَنّي / حاشَ لِلَّهِ أَن أُرشَّفَ خَمرا
وَلَو أَنَّ الرِضاب غير مُدامٍ / لَم تَكوني في حالة الصَحوِ سَكرى
قَد كَفانا الخيال وَلَو زُر / تِ لأَصبَحتِ مِثلَ طَيفِكِ ذِكرى
يا ابنَةَ العامريّ كُفّي فَإِنّي / لا أُرى خاضِعاً وَلَو مُتُّ قَهرا
قَد جَذعت الزَمان عَوماً وَخوضاً / وَجرعت الخُطوبَ حُلواً وَمُرّاً
وَبلوت الزَمان حَتّى لو ار / تابَ بِأَمرٍ شَفيته مِنهُ خُبرا
فَإِذا العَيشُ في الغِنى فَإِذا فا / تَكَ فالحَظ بِعَينِكَ العيش شَزرا
عَدَّ ذا الفَقرِ ميتاً وَكَساهُ / كَفناً بالياً وَمأواهُ قَبرا
وَإِذا شِئتَ مَعدِناً مِن نُضارٍ / فاشهَرِ البُترَ إِنَّ في البُترِ تِبرا
واجنُبِ الخَيلَ فَوقَ كُلِّ نجاةٍ / تَكتَسي بِالسَرابِ طوراً وَتعرى
كُلَّما مَرَّتِ الرِكابُ بِأَرضٍ / كتبت أَسطُراً مِن الدَمِ حَمرا
ثُمَّ أتبعتها الحَوافِر نقطاً / فَغَدَت تنقري لِمَن لَيسَ يقرا
تَتَبارى بكل خَبتٍ رَحيبٍ / يَشبَه ابن الحسين خلقاً وَصَدرا
لو تكلَّفنه خَيالات حُبٍّ / أَصبَحَت دونَهُ لَواغِب حَسرى
فإِذا قابلت محمداً العيسُ / فَقَبِّل مَناسِم العيس شُكرا
إِنَّ أَمراً حَدا إِلَيهِ رِكابي / هوَ بي مُحسِنٌ وَلَو كانَ شَرّا
مَن إِذا شِمتُ وَجهَهُ بَعدَ عُسرٍ / قلب اللَه ذَلِكَ العُسرَ يُسرا
وَإِذا قَلَّ نَيلُهُ كانَ بَحراً / وَإِذا ضاقَ صَدره كانَ بَرّا
وَإِذا فاضَ في نَوالٍ وَبَأسٍ / غَرَّقَ الخافِقينَ نَفعاً وَضرا
بأسُ من يأمَن المَنيَّة في الحَر / ب وَجَدوى مَن لَيسَ يَحذَرُ فَقرا
ملكِ بِشرُه يبشِّر راجيهِ / وَلِلغَيث قَبلَ يمطر بُشرى
يخبرُ البِشرُ مِنهُ عَن عتق أَصلٍ / إِنَّ في الصارِمِ العتَيق لأَثَرا
صحة من ولادة عنونته / بحروفٍ من النُبوَّة تُقرا
وَلَهُ رؤيَة تَقود إِلَيهِ / طاعَةَ العالَمينَ طوعاً وَقَسرا
هوَ بَعض النَبيِّ وَاللَه قَد صا / غَ جَميع النَبيِّ وَالبَعض ظُهرا
وابن بنت النَبيِّ مشبهه عِلماً / وَحِلماً واسِماً وَسِرّاً وَجَهرا
نسب لَيسَ فيهِ إِلّا نبيٌّ / أَو إِمام مِنَ العُيوبِ مُعَرّى
ضمنت راحَتاهُ جوداً معيناً / فَهوَ يَزداد حينَ يَنزَح غزرا
وَلَدَيهِ دنياً لِمَن رام دنيا / وَلَدَيهِ أُخرىً لِمَن رامَ أخرى
قسمت باعه العلى فَغَدى / لِليُمنِ يَمنىً وَلِليُسرِ يُسرى
أَقفَلَ الحُلمُ سَمعَهُ عَن قَبيحٍ / إِنَّ في أَكثَر الوِقار لوقرا
مُستَمِداً إِذا استَمَدَّ بِعَزمٍ / يَترك اللَيلَ بالإِضاءَةِ فَجرا
وَإِذا راش بِالأَنامِلِ مِنهُ / قلماً واستَمَدَّ ساءَ وَضَرّا
قلماً دَبَّرَ الأَقاليم حَتّى / قالَ فيهِ أَهل التَناسُخِ إِمرا
يَتبَع الرُمح أَمرَهُ إِنَّ عِشر / نَ ذِراعاً بِالرأي تَخدِمُ شبرا
مَدَّتِ العُمرَ مَدَّةٌ مِنهُ في السِلمِ / وَأُخرى في الحَربِ تَبترُ عُمرا
وَتَرى في شباته الرُزء وَالرِ / زقُ وَفيها البوارُ وَالبِرُّ مجرى
ظَفِراً في يَدِ الأَمانيَ تَلقاهُ / وَتَلقاهُ لِلمَنِيَّةِ ظُفرا
لا تقيم الأَموال عِندَكَ يَوماً / فَإِلى كَم يَكون مالِك سفرا
أَنصِفِ المال مِن نوالك يا مَن / بيديه أَمرُ المَظالِمِ طُرّا
جُرتَ في بَذلِهِ واحكامك الع / دلَ فَإِن كانَ قَد أَساءَ فَغُفرا
تَرتَقي الدَست وَالمَنابِر وَالخَ / يل فَتَختال كُلَّها بِكَ كِبرا
لَو جَرى في المَنابِرِ الروحُ ظَلَّت / مِن سواكُم عيدانها تتبرّا
مُرتَقىً سَنَّهُ جُدودَكَ للِنّا / سِ فَأَنتُم بِهِ أَحَقُّ وَأَحرى
كُلَّما اعتاق همتي بحر يأسٍ / مَدَّ مِن فَوقِهِ رَجاؤُكَ جِسرا
وَالتَقى بي في كل أَرضٍ ثَناء / لك أَهدي مِنَ النُجومِ وَأَسرى
وَعَجيبٌ أَني اعتَمَدت بنظمي / أَحسَن العالَمين نظماً وَنَثرا
فَكَأنّي حبوت داود دَرعاً / بَعدَما لَيَّن الحَديد وَأَجرى
وَمِنَ الشعر في الحَضيض حضيض / وَمِنَ الشعر في الكَواكِبِ شِعرى
وادِّعائي لِلنَّقدِ عندك لغو / أَنتَ أَهدى لما يُقال وَأَدرى
أَنتَ بحر النَدى فَلا زلت مداً / لا رَأَينا بِساحِلٍ لَكَ جَزرا
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ / فالشَيبُ عِندَكِ ذَنبٌ غير مغتفرِ
لا دَرَّ دَرُّ بَياض الشَيبِ إِنَّ لَهُ / في أَعيُن الغيدِ مِثلَ الوَخزِ بالإِبَرِ
سَواد رأسِكَ عِندَ الهائِماتِ بِهِ / مُعادِلٌ لِسَوادِ القَلبِ وَالبَصَرِ
قَد كانَ مَغفِرَ رأسي لاقتير بِهِ / فَصَيَّرته قَتيراً صبغة الكِبَرِ
كُن من ملاحظ عينيها عَلى حذرٍ / فَإِنَّما لَحظُها أَمضى مِنَ القَدَرِ
أَهتَزُّ عِندَ تَمَنّي وَصلِها طَرَباً / وَرُبَّ أمنِيَة أَحلى مِنَ الظَفَرِ
تَجني عَليَّ وَأَجني مِن مَراشِفها / فَفي الجنا وَالجَنايات انقَضى عُمُري
أَهدى لَنا طَيفُها نَجداً وَساكِنُهُ / حَتّى اقتَصنا ظباء البَدو في الحَضَرِ
يخنسن بَينَ فروج المعلمات كَما / يكنسن بَينَ فُروع الظال والسَمرِ
فَباتَ يَجلو لَنا مِن وَجهِها قمراً / مِنَ البَراقِعِ لَولا كَلفَةُ القَمَرِ
وَراعها حَرُّ أَنفاسي فَقلت لَها / هَوايَ نارٌ وَأَنفاسي مِنَ الشَرَرِ
فَزادَ دُرُّ الثَنايا دَرُّ أَدمعها / فالتفَّ مُنتَظم مِنهُ بمنتِثرِ
فَما نكرنا مِنَ الطَيفِ المُلِمِّ بِنا / ممن هَويناهُ إِلّا قِلَّةُ الخَفرِ
باتَت تُبيحُ لَنا ما لا تَجود بِهِ / مِنَ الرِضابِ اللَذيذ البارِد الخَصرِ
فثرت أَعثر في ذيل الدُجى ولهاً / وَالجوُّ رَوضٌ وَزهر الشيب كالزَهرِ
وَللمجرَّة فَوقَ الأَرضِ مُعتَرِضٌ / كَأَنَّها حَبَبٌ يَطفو عَلى نَهَرِ
وَلِلثُّرَيّا رُكود فَوقَ أَرحلنا / كَأَنَّها قطعة مِن جلدة النَمِرِ
وَأَدهم الليل نَحو الغَرب مُنهَزِمٌ / وَأَشقَرُ الفَجرِ يَتلوهُ عَلى الأَثَرِ
كَأَنَّ أَنجمه وَالصبح يغمضها / قَسراً عيون غفت مِن شِدَّةِ السَهَرِ
فَرَوَّع السِربَ لما ابتل أَكرعه / في جَدوَلٍ مِن خَليج الفَجرِ مُنفَجِرِ
وَلَو قدرت وَثوب اللَيلِ مُنخَرِقٌ / بِالصُبحِ رَقَّعته مِنهُنَّ بِالشَعَرِ
قالَت أَأَنساكِ نَجداً حُبُّ مطَّرفٍ / فَقُلت خُبرُكِ يُغنيني عَن الخَبَرِ
أَخَذتِ طَرفي وَسَمعي يَومَ بَينِكُمُ / فَكَيفَ أَهوى بِلا سَمعٍ وَلا بَصَرِ
وَقَد أَخَذتِ فُؤادي قَبلُ فاطَّلعي / هَل فيهِ غَيرُكِ مِن أُنثى وَمِن ذَكَرِ
فَإِن وَجدت سِوى التَوحيد فيهِ هَوىً / إِلّا هَواكِ فَلا تُبقي وَلا تَذَري
حَكَّمَت حُبَّكِ في قَلبي فَجارَ وَمَن / يَقنَع بِحُكمِ الهَوى في قَلبِهِ يَجرِ
بَيضاء تَسحَبُ لَيلاً حُسنَهُ أَبَداً / في الطُولِ مِنهُ وَحسن اللَيلِ في القِصَرِ
يَحكي جنا الأُقحوان الغضّ مَبسِمُها / في اللَون وَالريح وَالتَفليج وَالأَشَرِ
لَو لَم يَكُن أُقحُواناً ثَغرُ مَبسِمِها / ما كانَ يَزداد طيباً ساعَة السَحرِ
لَها عَلى الغيد فَضل مِثلَ ما فَضُلَت / كَفّا الرَئيس أَبي عَمروٍ عَلى المَطَرِ
وهبه بارهما في غُزرِ نيلهما / فَهَل يباريهما في الجودِ بِالبِدَرِ
ذو صورة أَفرَغ الرَحمن صيغتها / في قالِب المَجدِ لا في قالِب البشرِ
وَماء وَجه ينِّبي عَن صَرامَتِهِ / إِن الفرند دَليلُ الصارِمِ الذَكَرِ
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ تَصفو مَوارِده / وَالبَحر مُنبَعِث بِالصَفوِ وَالكدرِ
لا تنكرَنَّ نَفيساً من مَواهِبِهِ / فَلَيسَ ينكر قَذفُ البَحرِ بالدُرَرِ
صَعب الأباء ذَلول الصَفح مُبتَعِدُ / المحلِّ داني النَدى مُستَحكِم المَرَرِ
يا مَن يَروم لَهُ شُبهاً يُشاكِلُهُ / لَقَد طلبت مَحالاً لَيسَ في القَدَرِ
إِن كُنتَ تَطلُب بَحراً لا يَغيض فزر / مُحَمَّد بِن الحُسَين الآن أَو فَذرِ
فَمَجدِهِ وَنداه المحض في حَضَرٍ / وَماله وَثَناهُ الغضُّ في سَفَرِ
يَزيد مَعروفه بالسَترِ منزلة / كما يَزيدُ بَهاء الخود بالخفرِ
تَرى مياه النَدى تَجري بأنملة / تَرَقرَقَ الماءِ في الهِندِيَّةِ البترِ
عَرَفتُ أَباءه الشمُّ الكِرام بِهِ / كَذاكَ يَعرِف طيب الأَصلِ بالثَمَرِ
قَوم علوا وَأَضاؤوا الأُفق واتصلت / أَنواؤهم كفعال الأَنجم الزُهُرِ
مَضوا وَأَهوى عَلى آثارهم خلفاً / وَالسُحب مبقية لِلروض وَالغَدرِ
قَد كنت أَهواه تَقليداً لمِخبره / فصرت أَهواهُ بِالتَقليد وَالنَظر
وَكنت أُكبِرُهُ قَبلَ اللِقاء لَهُ / فازددت للفرق بَينَ العين والأَثَرِ
لا غرو إِن سمح الدهر البَخيل بِهِ / فَطالَما فاضَ ماء النَهرِ مِن حَجَرِ
جادَ الزَمان فأعطى فَوقَ قيمَته / وَرُبَّما جادَت الأَصداف بِالدُرَرِ
يحل مِن كُلِّ مَجد شامِخٍ وَسَطاً / توسط العين بَينَ الشفر وَالشفرِ
لَولاهُ لَم يَقضِ في أَعدائِهِ قَلَم / وَمخلب اللَيث لَولا اللَيثُ كالظُفُرِ
فيهِ المُنى وَالمَنايا كالشُجاع بِه / الدِرياق وَالسُمّ جمُّ النَفع وَالضَرَرِ
ما صَرَّ إِلّا وصلَّت بيض أَنصله / في الهام أَو أطَّتِ الأَرماح في الثَغرِ
وَغادَرَت في العِدى طَعناً يَحف بِهِ / ضَرب كَما حَفَّت الأعكان بِالسررِ
يا رَبَّ مَعنىً بَعيد الشأوِ أَسلُكُهُ / في سلك لَفظ قَريب الفَهمِ مُختَصَرِ
لَفظاً يَكون لعقد القَول واسِطَة / ما بَينَ مَنزِلَة الأَسهاب وَالحصرِ
إِنَّ الكِتابة سارَت نَحوأَنمله / وَالجود فالتَقَيا فيهِ عَلى قَدرِ
تَردُّ أَرماحه الأَقلام صاغِرَة / عَكساً كَعَكسِ شعاع الشَمسِ للبصر
يَجلو بَياض المَعاني سود أَحرُفِها / إِنَّ الظَلام لَيَجلو رونَق السَحَرِ
وَفي كِتابِكَ فاعذر من يهيم بِهِ / مِنَ المَحاسِن ما في أَحسَن الصُوَرِ
يتركن صَفحة شمس الطرس ساحَته / نَمشاء تحسبها من صفحَةِ القمر
الطِرسُ كالوَجهِ وَالنونات دائِرَة / مِثلَ الحَواجِبِ وَالسينات كالطُررِ
تَحكي حروفك لا مَعنى مواقعها / وَلَيسَ كل سَواد أَسودَ البصَرِ
وَلَيسَ كل بَياض بصَّ أَسوَدِهِ / فيما سِوى العينِ مَعدوداً مِنَ الحورِ
وَلا يُعُدّان في عَينِ امرىءٍ حَوَراً / إِلّا إِذا اجتَمعا فيهِ عَلى قَدَرِ
فَرَّغتَ نَفسَكَ للأَحرار تَغرِسُهم / وَهَمُّ غَيرِكَ غرس النَخلِ وَالشَجرِ
لَمّا وَطئت دِمَشقاً بيع ما وطئت / رِجلاك مِنها بِسعر العَنبَر الذَفرِ
وَهَذِهِ صِلَةٌ لا يَشعُرونَ بِها / أَجَدَت حَتّى بِوطء الرِجل في العفرِ
من جود كَفِّكَ جاد الأَكرَمونَ نَدىً / وَالشَمسُ مِنها ضِياء الأَنجم الزُهرِ
فمن تَجِد مِنهُم يَمدحك مادحه / وَالمَدح في أَرَجِ النَوار للمطرِ
وَكُلَّما شَحَّ أَهل الأَرضِ زِدتَ نَدىً / بظلمة الدُهم تَبدو زينة الغُرَرِ
أَما العِراقُ فَيَثني جيد مُلتَفِتٍ / شَوقاً إِلَيكَ وَيَرعى لَيلَ مُنتَظِرِ
لا زِلتَ في معزل عَن كُلِّ نائِبَةٍ / مُسَلَّماً من صُروفِ الدَهر وَالغِيَرِ
ما جَنَّ ليل وَلاحَ الصُبحُ يتبعه / وَما تَرَنَّمتِ الأَطيار في السَحرِ
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها / لَعَلّي بِأَحلام الكَرى أَستَزيرُها
وَلَو علمت بِالطَيفِ عاقَته دونَنا / لَقَد غبطت بُخلاً بِما لا يَضيرها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياءً وَإِشراقاً فَكَيفَ سُفورُها
فَما فقرها نَحو السُتورِ وَإِنَّما / يَردُّكَ عَنها نورها لا سُتورُها
ليهنَ مروطَ الخُسُروانيِّ إِنَّهُ / يُباشِرُ مِنها بِالحَرير حَريرُها
هَلالِيَّة الأَنساب وَالبعد وَالسَنا / فَلَستَ بِغَيرِ الوَهمِ إِلّا تَزورُها
يَحِفُّ بِها في الظَعن مِن سِرِّ عامِرٍ / بدورُ دُجى هالاتُهن خُدورُها
إِذا زيَّن الحليُ النِساءَ فَإِنَّهُ / يُزَيِّنُهُ أَجيادها وَنُحورُها
وَإِنَّ بِقَلبي نَحوَهُنَّ لَغُلَّة / يقوِّم معوَجَّ الضُلوعِ زَفيرُها
نزلن بروض الحَزن فابتَسمت لَها / ثُغورُ أَقاحي الرُبا وَثُغورُها
وَفَّتح در الطَل أَجفان زهره / تلاحظنا زرقُ العيونِ وَحورُها
فَهَل عِندَ غُصنِ البانَة اللَدنِ أَنَّهُ / يُناسبه أَجيادها وَخصورُها
أَيا مَن لعين لا يَغيض مَعينُها / وَرَمضاءُ قَلب ما يَبوخُ هَجيرُها
إِذا خَطَرَت مِن ذِكرِ حَمدَة خَطرَةٌ / عَلى مُهجَتي كادَ النَوى يَستَطيرُها
وَأَطلُبُ مِنها رَدَّ نَفسي بِكَفِّها / وَهَل رَدَّ نَفساً قَبلَها مُستَعيرُها
وَأَهوى تَداني أَرضها لا لبنية / وَلَكِنَّ قَلبي حَيثُ سارَت أَسيرُها
فطمت فطام الفلو نَفسي عَن الصِبا / فريعت لَها ثُمَّ استَمَرَّ مَريرُها
وسرت وللَّيلِ الأَحمِّ شَبيبَة / عَلى كل أفقٍ وَالصَباحُ قَتيرُها
بِفضلةِ مرقالٍ أَمون كَأَنَّها / يُناط عَلى بَعضِ الأَهِلَّةِ كورُها
تَباري فَتُبري كُلَّ حرف كَأَنَّما / عَلى سُنَّةٍ مِن قَوسِ نَبعٍ جَريرُها
يُخَيَّلُ لي أَنَّ الفَيافي مَصاحِفٌ / وَداميَ آثار المطيِّ عُشورُها
هَداهنَّ في الظَلماء مِن دَولَة الهُدى / وَدَولَةٌ طيٍّ شَمسُها وَمُنيرُها
كتبنا عَلى أَعناقِها وَخُدودها / حَرامٌ إِلى غَيرِ الأَمير مَسيرُها
نَفيس عَطاياهُ وَلَيسَ بِواهِبٍ / نَفائِسُ هَذا الدُرِّ إِلّا نُحورُها
لَهُ مَنطِق ينبيك عَن بأسِهِ كَما / يدلُّ عَلى بأس الأسود زَئيرُها
فَللبيضِ وَالجَدوى بطون بَنانه / مَغاً وَلتقبيل المُلوك ظهورُها
وَلَو أَنَّ تَقبيلاً محا الكَفَّ لانمحت / بِراجم كَفَّيه وَبانَ دُثورُها
تُقرُّ لَهُ بالسَبقِ طي وَإِنَّهُ / ليسبق أَجواد الرِجال حَسيرُها
فأشرف أَعضاء الرِجال قلوبها / وَأَشرَفها إِن قَبَّلته ثُغورُها
يُقَلِّدُها طوق العَطايا فَإِن نبت / عَن الشُكرِ عاد الطَوق غِلاً يُديرُها
وَيصغر كل الناس في جَنب طيىءٍ / وَيصغر في جنب الأَمير كَبيرُها
وَكُلُّ جَوادٍ سَيدٍ غَيرَ أَنَّهُ / يُقَصِّرُ عَن بَحرِ العَطايا غَزيرُها
إلا إِن وَجهَ المَجدِ طيٌّ وعينه / كرام عَنين وَالمُفَرِّج نورُها
وَقَد كانَ أَولاها يَطول بِحاتم / كَما بأبي الذَواد طالَ أَخيرُها
فلوقيس أَهل الأَرض دَع عَنكَ حاتِماً / بخِنصِرِه أَربى عَليهِم عَشيرُها
فَإِن كُنتَ مُرتاباً بِقَولي فَهَذِهِ / مَواهِب كَفَّيهِ فَأَينَ نَظيرُها
إِلّا إِنَّ لِلعَلياء وَالمَجد كِتبة / تَلوحُ عَلى وَجهِ الأَميرِ سُطورُها
وَلا دَولَة إِلّا وَيَهتَز تاجها / وَيرتَجُّ مِن شَوق إِلَيهِ سَريرُها
وَتَختال أَعوادُ المَنابِر باسمه / وَيطرب تيهاً بالخَطيب وَقورُها
وَللعرب العرباء مِنهُ مَعاقِل / تُطلُّ عَلى الشِعرى العبور قُصورُها
شَرائفها زرق الأَسنة وَالقَنا / دَعائمها وَالطَعن وَالضَرب سورُها
بِعِزِّ أَبي الذَوّادِ عِزَّ ذَليلها / وَذَلَّت أَعاديها وَسَدَّت ثغورها
إِذا قيلَ في الهَيجاء هَذا مفرجٌ / فَأَنجبُ فُرسان العداة فَريرُها
تفر الأَعادي باسمه قَبلَ جِسمِهِ / وَهمهمة الأَسَد الضَواري زَئيرُها
يَزينُ دَم الأَبطالِ أَكتاف درعه / كَما زانَ أَثواب العَروسِ عَبيرُها
وَيفري بيمناه الكَليل مِن الظُبى / وَيَزداد طولاً في يَدَيهِ قَصيرُها
كَذا اللَيثُ يفري كل ظَهر بِكَفِّهِ / فَيَنبو بِكَفّي من سواه طَريرُها
وَما ذَكَّروا الأَسياف إِلّا لِغَيرِهِ / إِذا لَم يؤَيد بِالذكور ذُكورُها
يَخوض بِهِ زُرق الأَسِنَّة سابِق / عَلى مِثلِهِ خَوض الوَغى وَعُبورُها
شمال إِذا وَلّى جَنوبٌ إِذا أَتى / وَإِن يَعتَرِض فَهوَ الصَبا وَدُبورُها
يَرضُّ الحَصى مِنهُ حَوام كَأَنَّما / مَناسِر أَفواه النُسور نُسورُها
لَقَد ضاعَ أَمرٌ لا يَكون يديره / وَأَنساب مَجد لا يظل بغيرها
وَضَلَّت جُيوش لا يَكون أَميرها / لَدى الرَوعِ أَو تؤتى إِلَيك أُمورُها
فَإِنَّكَ ما انسلَت إِلّا أَجادِلاً / تُخطِّف خِزّانَ المُلوك صُقورُها
فَعُدتَ بمرصاد لِكُلِّ فَضيلَةٍ / فَلا رتبة إِلّا إِلَيكَ مَصيرُها
وَكَيفَ يَفوت المجد أَبلَجَ عَرَّقَت / شُموس العُلى في أَصلِهِ وَبدورُها
أَبى عز طي أَن تقبل مِنَّة / لِغَيرِكَ أَو يحدا لغيرك عيرُها
فهم مِثلَ أَشبا الضَراغِمِ لَم يَكُن / لِيُطعِمَ إِلّا ما يَصيد كَبيرُها
لِكُلِّ امرىءٍ مِنهُم مِنَ المَجدِ رُتبَةً / عَلى قَدرِها أَو خِطَةَ تَستَديرُها
فَيَلقاكَ بِالجودِ الجَنيِّ غَنيّها / وَيَلقاكَ بالوَجهِ الطَليق فَقيرُها
تَفيض عَلى العِلّاتِ ماءَ جِنائِها / وَماء أَيادِيها عَلى مَن يَزورُها
تُباشِر بالأَضياف حَتّى كَأَنَّما / أَتاها مَع الضَيف المُنيخِ بَشيرُها
إِذا ضاقَ صَدرُ المجتَدي أَو فَناؤُهُ / فَقَد رَحُبَت ساحاتها وَصُدورُها
هيَ الأُسدُ لكن يأمَن الغَدر جارها / وَلا يأَمَن الأَساد مَن يَستَجيرُها
تنافِس في عِزِّ المَعالي كَأَنَّها / عَقائِل لَكِنَّ العَطايا مُهورُها
وأحييتَ بالآلاءِ أَموات طيىءٍ / بِذِكرِك مِن قَبل النُشورِ نُشورُها
أَرى المَجدَ إِنساناً وَقَحطان قلبه / وَسَوداؤهُ طيٌّ وَأَنتَ ضَميرُها