القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ سِنان الخَفاجِيّ الكل
المجموع : 148
خِف من أَمِنتَ ولا تركِن إِلى أَحَدٍ
خِف من أَمِنتَ ولا تركِن إِلى أَحَدٍ / فَما نَصَحتُك إِلَّا بَعدَ تَجريبِ
إِن كانَت التركُ فيهِم غَيرَ وافِيَةٍ / فَما تَزيدُ عَلى غَدرِ الأَعاريبِ
تَمَسَّكوا بِوَصايا اللُّؤمِ بَينَهُمُ / وَكادَ أَن يَدرسوها في المَحاريبِ
هَذا كِتابي عَن كَمالِ سَلامَة
هَذا كِتابي عَن كَمالِ سَلامَة / عِندي وَحالِ شَرحِها في الجُملَةِ
هَمٌّ وَإِقتارٌ وَعُمرٌ ذاهِبٌ / وَفِراقُ أَوطانٍ وَفَقدُ أَحِبَّةِ
يا إِخوَتي وَإِذا صَدَقتُ فَأَنتُمُ / مِن إِخوَةِ الأَيّامِ لا مِن إِخوَتي
بُعداً لِآمالي الَّتي عَلَّقتُها / بِكُمُ فَجارَت في السَّبيلِ وَضَلَّتِ
أَأَغِيبُ عَن حَلَبٍ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ / لَم تَكتُبوا فيها إِليَّ بِلَفظَةِ
حَتّى كَأَنِّي قَد جَنَيتُ عَلَيكُمُ / ما أَستَحِقُّ بِهِ عَظيمَ الجَفوَةِ
لا حُرمَةَ الآدابِ راعَيتُم وَلا / حَقَّ الإِخاء وَلا ذِمامَ الصُّحبَةِ
وَكَأَنَّني بِكُمُ إِذا لَفَّقتُمُ / عُذراً كَمِثلِ الحاجَةِ المَعروفَةِ
قُلتُم شُغِلنا بِالحِصارِ وَصَدَّنا / ما كانَ بَعدَكَ مِن مُعِزِّ الدَّولَةِ
وَصَدَقتُمُ فَبِأَيِّ حُكم صُدِّرَت / كُتُبُ التُّجارِ خِلالَ تِلكَ التَّوبَةِ
أَعجزتُمُ عَن مِثلِ ما هَمُّوا بِهِ / بُعداً لِمَن هُوَ دونَهُم في الهِمَّةِ
طاب التَّنَصُّرُ مِنكُمُ فَتَوَقَّعوا / بَعدَ الصِّيامِ حَديثَ مَعمودِيَّتي
لَو شِئتُ أَهرُبُ مَرَّة مِن عِندِكُم / ما كُنتُ أَقصِدُ غَيرَ قُسطَنطينِيَةِ
وَلأَكتُبَنَّ إِذا نَشَطت إِلَيكُمُ / مِن دَيرِ أَرمانوسَ بِالرُّومِيَّةِ
يا ابنَ المُقَلَّدِ وَالكَلامُ جَميعُهُ / عَطفٌ عَلَيكَ وَأَنتَ رَأسُ الزُّمرَةِ
أَجَلَبتَها وَبَرِئتَ مِن تَبِعاتِها / هذي فِعالُ الشَّيخِ والِدَ مُرَّةِ
بِاللَّهِ خَبِّرني لأَيَّةِ عِلَّةٍ / أَعرَضتَ عَن عَهدي لَكُم وَوَصِيَّتي
أَلوَصلِ مُؤنِسِكَ الَّذي أَحضَرتَهُ / وَجَعَلتَ خِدمَتَهُ بِرَسمِ الخُلوَةِ
ما هَكَذا يَتَناصَفُ الخِلَّانُ في / حُكم المَوَدَّةِ بَينَهُم وَالخُلَّةِ
كُن كَيفَ شِئتَ فَإِنَّ قُربَكَ بَعدَها / حَدُّ الرَّجاءِ وَغايَةُ الأمنِيَّةِ
أَما أَخوكَ أَبو العَلاء فَإِنَّني / ما زِلتُ أَعرِفُ مِنهُ لُؤمَ العِشرَةِ
قَد كُنتُ أَعدَمُ في الحُضورِ سُؤالَهُ / عَنّي فَكَيفَ يَكونُ عِندَ الغَيبَةِ
وَمَتى يَحِنُّ وَما يَزالُ مُرَنَّحاً / في نَشوَةٍ وَمُطَوَّحاً في سَكرَةِ
وَلِخَلِّكَ الخَمرِيِّ عُذرٌ واضِحٌ / عِندي فَلَستُ أَلومُهُ في الجَفوَةِ
وَالذَّنبُ لي فيما جَناهُ فَإِنَّني / رُمتُ المُروءَةَ مِن تُجارِ الكوفَةِ
وَمِنَ العَجائِبِ أَن يَكونَ مُحَمَّدٌ / وَهوَ القَديمُ العَهدِ بِالقَدموسَةِ
يَنسى هَوايَ فَما أَمُرُّ بِبالِهِ / شُغلاً بِتِلكَ العُصبَةِ السُّوقِيَّةِ
يا صاحِبَ الخُفَّينِ قَد ذَهَبا إِلى / عِندَ المُبارِزِ وَالشَّبابِ المُصمَتِ
وَعَلَيكَ أَجرُ الحِملِ فَانقُدُه فَما / فيهِ خِلاف عِندَ أَهلِ القِبلَةِ
وَبِحَقِّ دينارٍ عَلَيكَ فَإِنَّهُ / إِن كُنتَ تَهواهُ أَجَلَّ إِليَّةِ
أَبلِغ أَبا الحَسَنِ السَّلامَ وَقُل لَهُ / هَذا الجَفاء عَداوَةٌ لِلشِّيعَةِ
فَلأَطرُقَنَّ بِما صَنَعتَ مُكابِراً / وَأَبُثُّ ما لاقَيتُ مِنكَ لِنُكتَةِ
وَلأَجلِسَنَّكَ لِلقَضِيَّةِ بَينَنا / في يَوم عاشوراء بِالشَّرقِيَّةِ
حَتّى أَثيرَ عَلَيكَ مِنها فِتنَةً / تُنسيكَ يَومَ خَزانَةِ الصُّوفِيَّةِ
دَع ذا وَقُل لي أَنتَ يا ابنَ مُحَسِّنٍ / وَجَفاء مِثلِكَ مِن تَمام المِحنَةِ
كانَت وَزارتُكَ الَّتي دَبَّرتَني / فيها كَمِثلِ الخِدمَةِ الرَّحبِيَّةِ
صاحَ الغُرابُ بِها فَفَرَّقَ شَملنا / قَدَرٌ رَمَت فيهِ الخُطوبُ فَاصمَتِ
ما كانَ حَقُّكَ أَن تَمَلَّ وَإِنَّما / تاريخُ وَصلِكَ مِن حِصارِ القَلعَةِ
وَلَقَد ذَكَرتُكَ في عقابِ هِرَقلَةٍ / وَجِبال نيقِيَّةٍ وَثَلجِ الحِمَّةِ
وَصَديقُكَ الخَبَّازُ مَشغولٌ عَلى / أَدبارِهِ بِالقِصَّةِ المَكتومَةِ
حَيرانُ يَطلُبُ مَوضِعاً يَخلو بِهِ / فيهِ وَذَلِكَ مِن تَمامِ المِحنَةِ
وَاقرَ السَّلامَ عَلى الفَقيهِ وَقُل لَهُ / وَهوَ العتادُ لِدَفعِ كُلِّ مُلِمَّةِ
حاشاكَ أَن تَصِفَ الوِدادَ وَأَهلَهُ / وَيَكونَ حُبُّكَ كُلُّهُ بِالقوَّةِ
ما كانَ ضَرَّكَ لَو بَعَثتَ تَحِيَّةً / وَكَتَبتَ خَمسَةَ أَسطُرٍ في رُقعَةِ
أَبِمِثلِ هَذا يَخصِبُ البُستانُ أَو / يَزدادُ حُسنَ الدَّارِ في السَّهلِيَّةِ
وَاعلِم أَبا الحَسَنِ الوَكيلَ صَديقَهُ / حَمدي لِتِلكَ القِصَّةِ المَشكورَةِ
وَوَقَفتُ مِنهُ عَلى كِتابٍ واحِدٍ / تاريخُهُ لِلنِّصفِ مِن ذي القِعدَةِ
فَوَجَدتُهُ مُتَضَمِّناً ذِكري بِلا / خَبَرٍ أسَكِّنُ مِنهُ بَعضَ اللَّوعَةِ
عَمَلاً كَبيراً أَي بِأَنّي سالِك / طُرُقَ التِّجارَةِ لازِمٌ لِمَعيشَتي
ما كُنتُ أَطلُبُ مِنهُ إِلَّا ذِكرَ أَخ / بارِ الجَماعَةِ دونَ حالِ البَلدَةِ
يا قَومُ ما بالي ثَقلتُ عَلَيكُمُ / مِن بَعدِ تِلكَ النِّيَّةِ المَحروسَةِ
وَأَظُنُّ شَوقَكُمُ إِليَّ كَأَنَّهُ / شَوقُ اليَهودِ إِلى زَمانِ الفِتنَةِ
شاهَدتُ بَعدَكُمُ عَجائِبَ جَمَّة / وَرَأَيتُ كُلَّ طَريفَةٍ وَغَريبَةِ
وَلَقيتُ قَوماً ما أَبو الفَضلِ بنِ / الانباريِّ إِلَّا دونَهُم في الخِسَّةِ
لَو جامِعٌ رُسُلَ المَسيحِ إِلَيهِم / الإِنجيلُ ما ذادوهُمُ عَن فِريَةِ
أَتلو الحَديثَ عَلَيهِمُ فَكَأَنَّني / قَد صِرتُ مِنهُم في خِطابِ القُوَّةِ
أَحَلَّني الدَّهرُ لَدى مَعشَرٍ
أَحَلَّني الدَّهرُ لَدى مَعشَرٍ / بابُ النَّدى عِندَهُم مُرتَجُ
دارُهُمُ الدُّنيا لأَنّا بِها / نَدخُلُ صِفراً وَكَذا نَخرُجُ
أَتَذكُرُ فَخراً في قَبائِلِ يَعرُبٍ
أَتَذكُرُ فَخراً في قَبائِلِ يَعرُبٍ / وتُنكِرُ قاراً وَهوَ أَبلَجُ واضِحُ
وَيَومَ اللِّقا غادَرتُموها ذَميمَةً / يَسيرُ بِها حاد مِنَ العارِ صادِحُ
وَفي رَوضَةِ السُّلَّانِ ثُلَّت عُروشُكُم / ذَوابِلُ في إِيمانِنا وَصفائِحُ
رَعَيتُم هَشيمَ الوادِيَينِ وَبِالرُّبا / مَراتِعُ يَهفو نَبتُها المتَفاوِحُ
إِذا شُنَّتِ الغاراتُ حُطَّت بُيوتُكُم / حِذاراً وَلَم يَسرَح مِنَ البَركِ سارِحُ
رَغَت كَلِماتي رَغوَةَ السَّقبِ فيكُمُ / وَجاشَت عَلى ما تَكرَهونَ القَرائِحُ
وَسالَت بِأَبكارِ القَوافي شِعابُها / عَلَيكُم وَهُنَّ المُخزِياتُ الفَواضِحُ
إِذا أَعجَمَت أَطلالُ هِندٍ عَلى البلى
إِذا أَعجَمَت أَطلالُ هِندٍ عَلى البلى / فَدَمعُكَ في بَثِّ الغَرامِ فَصيحُ
زِيادٌ أَراحَ اللَّيلَ عازِبَ هَمِّهِ / وَهَمُّكَ لَم يَعذُب فَكَيفَ يَروحُ
أَعَرَفتَ مِن عَبقِ النَّسيمِ الفائِحِ
أَعَرَفتَ مِن عَبقِ النَّسيمِ الفائِحِ / خَبَرَ العُذَيبِ وَبانه المتَناوِحِ
وَاقتادَ طَرفَكَ بارِق مَلَكَت بِهِ / ريحُ الجَنوبِ عَنانَ أَشقَرَ رامِحِ
هَبَّ اختِلاساً في الدُّجا وَنُجومُهُ / يَكرَعنَ مِن حَوضِ الصَّباحِ الطَّافِحِ
وَالنَّسرُ في أُفُقِ المَغارِبِ رايَةٌ / تَهفو بِعالِيَةِ السِّماكِ الرَّامِحِ
فَطَوى حَواشِيهِ وَجادَ بِوَمضِهِ / مِثلَ الشَّرارَةِ مِن زِنادِ القادِحِ
دَقَّت عَلى لَمحِ العُيونِ وَما خَبَت / حَتّى تَضَرَّمَ في حَشا وَجَوانِحِ
بَعَثَ الغَرامُ المُدلِجينَ تَوَسَّدوا / أَكوارَ عُوجٍ كَالقِسِيِّ طَلائِحِ
فَتَرَنَّحوا فَوقَ الرِّحالِ كَأَنَّما / هَزَّت قُدودَهُمُ سُلافَةُ صابِحِ
دَبَّ الكَرى فيهِم فَمَوَّةَ زَورَة / خَفِيَت عَلَى نَظَرِ الرَّقيبِ الكاشِحِ
طَيفٌ تَضُوعُ بِهِ الرِّياضُ وَيَدَّعي / خَطَراتِهِ لَمعُ الصَّباحِ اللاَّئِحِ
كَيفَ اِهتَدَيتَ وَدونَنا مَجهولَةٌ / بَهماء تَهزَأ مِن جَناحِ السَّارِحِ
وَالحَرَّتانِ وَجَمرَة مَضروبَة / مَشبوبَةٌ بِذَوابِلٍ وَصَفائِحِ
وَمُثار قَسطَلَةٍ وَبيضُ صَوارِمٍ / وَدِلاصُ سابِغَةٍ وَجُردُ سَوابِحِ
مِن كُلِّ شارِدَةٍ كَأَنَّ عِنانَها / يُعطيكَ سالِفَةَ الغَزالِ السَّانِحِ
يَنفِرنَ عَن عَذبِ النُّمَيرِ وَلَو جَرى / بِدَمِ الطِّعانِ وَرَدنَ غَيرَ قَوامِحِ
ما كُنتَ تَبذُلُ لِلغَريبِ تَحِيَّةً / بُخلاً فَكَيفَ سَرَيتَ نَحوَ النَّازِحِ
وَلَعَلَّ عَطفَكَ أَن يَعودَ بِمِثلِها / بَعدَ الرُّقادِ فَرُبَّ يَومٍ صالِحِ
قَد أَصحَبُ الدَّهرَ الأَبِيَّ قِيادُهُ / قَسراً وَفَرَّجَ كُلَّ خَطبٍ فادِحِ
وَهَمى بَنانُ أَبي المُتَوَّجِ بَعدَما / نَسَخَ السَّماحَ وَعَزَّ صِدقَ المادِحِ
يوفِي عَلَى طَلَبِ العُفاةِ نَوالُهُ / كَالبَحرِ يَغرَقُ فيهِ قَعبُ المانِحِ
لَو راض نافِرَةَ القُلوبِ بِرَأيِهِ / سَكَنَ البُغاثُ إِلى هَوِيِّ الجارِحِ
ما جارَ عَن سَنَنِ العُفاةِ نَوالُهُ / حَتّى يَدُلَّ عَلَيهِ صَوتُ النّابِحِ
مَغنىً إِذا وَرَدَ الضُّيوفُ فِناءَهُ / وَجَدوا قِرى الثّاوي وَزادَ الرّائِحِ
حَلَبَ العِشارَ مِنَ النُّحورِ وَزادَ عَن / أَلبانِها دَرَّ النَّجيعِ السّافِحِ
مُتَوَقِّدُ العَزَماتِ فَيّاضُ النَّدى / جَذلانُ يَبسِمُ في الزَّمانِ الكالِحِ
فَرَعَت بِهِ عَوفُ بنُ مُرَّةَ هَضبَةً / في المَجدِ تَحسِرُ كُلَّ طَرفٍ طامِحِ
قَومٌ إِذا رُفِعَ الصَّريخُ لِغارَةٍ / سَبَقَت إِجابَتُهُم نِداء الصّائِحِ
وَإِذا رَبيعُ العامِ صَوَّحَ نَبتُهُ / وَجَرَت رِياحُ القَرِّ غَيرَ لَواقِحِ
وَخَبَت بَوارِقُهُ وَحَرَّمَ جَدبُهُ / بَذلَ القِرى وَأَباحَ عَقرَ النّاصِحِ
نَصبوا العِماقَ الرّاسِياتِ وَأَعجَلوا / نِيرانَها بِعَقائِرٍ وَذَبائِحِ
كَرم تَوارَثَهُ الأَكُفُّ وَحلبَةٌ / في الفَضلِ يُقرَنُ مُهرُها بِالقارِحِ
يَهفو بِأَعطافِ الوَليدِ مِراحُهُ / فَإِذا اِحتَبى فَالهَضبُ لَيسَ بِراجِحِ
سَبَقَ الكِرامَ مُقَلَّدٌ في غايَةٍ / جُهدُ الجَوادِ بِها كَعَفوِ الرّازِحِ
وَجَرى فَقَصَّرَ طالِبُوهُ وَإِنَّما / ضَلُّوا عَلى أَثَرِ الطَّريقِ الواضِحِ
يا جامِعَ الآمالِ وَهيَ بَدائِدٌ / شَتّى وَرائِضُ كُلِّ صَعبٍ جامِحِ
شَرَّفت مِن أَيدي عُلاكَ وَإِنَّما / عَبقُ اللَّطيمَةِ مِن بَنانِ الفاتِحِ
وَحَبَوتَ أَلقاب الإِمام نَباهَةً / وَسِواكَ طَوَّقَها بِعارٍ فاضِحِ
لَو ماثَلوا اللَّفظَينِ كُنتَ بِرَغمِهِ / سَعدَ السُّعودِ وَكانَ سَعدَ الذَّابِحِ
ما طالَ قَدرُكَ عَن مَداهُ وَإِنَّما / هَزّوا قَناتَكَ بِاللِّواءِ الطّائِحِ
فَاسلَم لِمُلكٍ أَنتَ غَربُ حُسامِهِ ال / ماضي وَعبقَةُ رَوضِهِ المُتَفاوِحِ
وَفِداكَ مُغتَصِبُ الثَّراءِ جَديدُهُ / أَخَذَ الرِّياسَةَ فَلتَةً مِن مازِحِ
نَسَبٌ كَما جَنَّ الظَّلامُ فَلَم يَلُح / لِلمُدلِجينَ بِهِ ضِياء مَصابِحِ
نَبَذَتهُ دَولَتُهُ وَكانَت رَوضَةً / يَخلو الذُّبابُ بِها وَلَيسَ بِبارِحِ
وَتملّ ما أَهدى إِلَيكَ فَإِنَّها / نَظمُ الشَّقِيقِ وَنَبتُ فِكرِ النّاصِحِ
وَسَميرَةُ النّادي وَمُطلَقَةُ الجبا / وَزَميلَةُ السّاري وَأُنسُ الصّادِحِ
وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ وَرُبَّما / كانَت بَواقي القَولِ غَيرَ صَوالِحِ
لي راحَةٌ يَفرُقُ مِنها الغنى
لي راحَةٌ يَفرُقُ مِنها الغنى / لأنَّ ما ينزلها يُستَماح
لا بُدَّ أَن أعمرَها بِالغِنى / فَطالَما أَفقَرتُها بِالسَّماح
أَبى اللَّهُ إِلَّا أَن يَكونَ لَكَ السَّعدُ
أَبى اللَّهُ إِلَّا أَن يَكونَ لَكَ السَّعدُ / فَلَيسَ لِما تَبغيهِ مَنعٌ وَلا رَدُّ
إِذا أَبَتِ الأَقدارُ أَمراً قَسَرتَها / عَلَيهِ فَعادَت وَهيَ في نَيلِهِ جُندُ
قَضَت حَلَبٌ ميعادَها بَعدَ مَطلِهِ / وَأَطيَبُ وَصلٍ ما مَضى قَبلَهُ صَدُّ
وَما كانَتِ الوَرهاء أَوَّلَ غادَةٍ / إِذا رَضِيَت لَم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ
وَعَهدي بِها بَيضاء حَتّى وَرَدتَها / وَتُربُكَ مُحمَرّ وَجَوُّكَ مُسوَدُّ
تَهُزُّ لِواءَ الحَمدِ حَولَكَ عُصبَةٌ / إِذا طَلَبوا نالوا وَإِن عَقَدوا شَدّوا
وَخَطيَّةٌ سُمرٌ وَبيضٌ صَوارِمٌ / وَضافِيَة زَغفٌ وَصافِنَةٌ جُردُ
فَحارَت عيونُ النّاظِرينَ وَأَظلَمَت / وُجوهُ رِجالٍ مِثلُ إِعراضِها رُبدُ
رَأوكَ فَخافوا مِن ظُباكَ وَمِثلُهُم / يَعزُّ عَلَيها أَن يُذَلَّ بِها خَدُّ
وَقَد آمَنوا بِالمُعجِزاتِ الَّتي طَرَت / عَلَيهِم وَلَكِن بَعدَ ما فُتِحَ السَدُّ
لَحا اللَّهُ قَوماً أَسلَموا بَيتَ جارِهِم / وَقَد عَلِقَتهُ في مَخالِبها الأُسدُ
رَموا حَلَباً مِن بَعدِ ما عَزَّ أَهلَها / عُهودُ أَكُفٍّ ما لَها بِالنَّدى عَهدُ
لِئامُ السَّجايا لا وَفاء وَلا قِرى / فَلا غَدرُهُم يَخفى وَلا نارُهُم تَبدو
مَضوا يَحمِدونَ البُعدَ في الذَّبِّ عَنهم / وَما الذُّلُّ إِلَّا حَيثُ يَحميهِمُ البُعدُ
وَقَد ثَبَتوا حَتّى طَلَعتَ عَلَيهِمُ / كَما قابَلَت شَمسَ الضُّحى الأَعيُنُ الرُّمدُ
فَإِن تَفعَلِ المَعروفَ فيهِم فَقَد مَضَت / مَواهِبُ لا أَجرٌ عَلَيها وَلا حَمدُ
وَإِن عُوتِبوا بِالمُرهَفاتِ فَطالَما / أَصاخَ لَها الغاوي وَبانَ بِها الرُّشدُ
وَلَمّا اِستَقَلَت بِالفِرارِ حُمولُهُم / وَلَم يَبقَ هَزلٌ لِلطِّعانِ وَلا جِدُّ
أَتوكَ يَعُدُّونَ القَديمَ وَلَو وَفوا / بِعَهدِهِمُ فيهِ لَكانوا كَما عَدّوا
وَلَكِنَّهُم راموا عَلى المَكرِ غايَةً / أَبى اللَّهُ إِلَّا أَن يُقَصِّرَها عَبدُ
فَما سَلَّموا بِالمَسلَمِيَّةِ عِندَهُم / وَلا وافَقَ السَّعِديُّ عِندَهُمُ سَعدُ
أَفادَتكَ في سَفحِ المَضيقِ فَوارِسٌ / طِوالُ الموالي لا لِئامٌ وَلا نُكدُ
وَلا ظفروا مِن عِندِ قَيسٍ بنصرة / والأم خطبان يَكونُ لَها عندُ
أَبا حازِمٍ ما أَسلَمتكَ رَبيعَة / وَبَينكُم عَهد يُراعى وَلا وُدُّ
وَكَيفَ يَفوتُ الذُّلُّ مِنَّا وَمِنهُمُ / وَسُمرُهُمُ لُدن وَالسُنُنا لُدُّ
وَما كانَ يَومُ المَرجِ مِنكَ غَريبُهُ / وَلا لَكَ مِن فِعل تُلامُ بِهِ بُدُّ
وَقَومٌ رَموا عِرضِيَ وَلَو شِئتُ كانَ لي / مِنَ الذَّمِّ حاد في جِمائِلِهِم يَحدو
وَما العارُ إِلَّا أَنّ بَين بُيوتِهِم / أَحاديثُ ما فيها نِزاعٌ وَلا جَحدُ
مَحا السَّيفُ ما قالوا وَرُبَّ نَسيبَةٍ / مِنَ القَولِ وَفّاها طِعانَكُمُ النَّقدُ
وَعِندي إِذا عَزَّ الكَلامُ غَرائِبٌ / هيَ الغُلُّ عِندَ السّامِعينَ أَوِ العِقدُ
وَكَيد عَلى الأَعداءِ يَرمي زَنادُهُ / لواذِعَ ما فيها سَلامٌ وَلا بَردُ
أَبا سابِقٍ ما أَنزَلَ اللَّهُ نَصرَهُ / عَلى فِئَةٍ إِلَّا وَأَنتَ لَها رَدُّ
هَنيئاً لَكَ المُلكُ الَّذي نِلتَ حَقَّهُ / بِسُمرِ العَوالي لا تُراثٌ وَلا رِفدُ
لَكَ النَّسَبُ السّامي عَلى كُلِّ مَنصِبٍ / وَقَدرُكَ أَعلى مِن نِزار وَمِن أَدُّ
وَقَد وَفَّقَ اللَّهُ الأَنامَ لِفِكرَةٍ / تَيَقَّنَ فيها أَنَّكَ السَّيفُ وَالعُضدُّ
دَعا التركَ أَقوامٌ فَكانَ عَلَيهِمُ / نَكالاً أَلا لِلَّهِ ما صَنَعَ الجدُّ
وَلَو وُفِّقوا كُنتُم جَميعاً عَلى العِدى / وَدافَعَ دونَ الغيلِ ذا الأَسَدُ الوِردُ
وَلَكِنَّهُم أَصغوا إِلى قَول كاشِحٍ / يَروحُ عَلَيهِم بِالنَّميمَةِ أَو يَغدو
فَإِن ظَهَرَت فيهِم عَواقِبُ رَأيِهِ / فَقَد يُؤخَذُ المَولى بِما صَنَعَ العَبدُ
وَإِن جَنَحوا لِلسِّلمِ راعَيتَ فيهمُ / أَواصِرَ يَأبى أَن يُضَيِّعَها المَجدُ
وَما السِّلمُ إِلَّا فُرصَةٌ لِمُحارِبٍ / لَهُ كُلُّ يَومٍ شلة مِنكَ أَو طَردُ
بَقِيتَ فَلي مِن حُسنِ رَأيِكَ نِعمَةٌ / هِيَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالعيشَةُ الرَّغدُ
وَدونَكَ مِن نَصرٍ حُسامٌ بَلَوتَهُ / فَبانَ شَباهُ حينَ فارَقَهُ الغِمدُ
ما لي أَراكَ عَلى قِلاكَ تَناكَرَت
ما لي أَراكَ عَلى قِلاكَ تَناكَرَت / أَحقادُها وَتَسَالَمَت أَضدادُها
وَتَجاذَبَتها إِمرَة لَولا التُّقى / عَزَّت وَقَصَّرَ دونَها قُصّادُها
إِن يَحسُدوكَ عَلى عُلوِّكَ عَنهُمُ / فَدَليلُ كُلِّ فَضيلَةٍ حُسّادُها
يا أُمَّةً كفرت وَفي أَفواهِها القُر / آن فيهِ ضلالُها وَرشادُها
أَعلى المَنابِرِ تَلعَنونَ نَسيبَهُ / وَبِسَيفِهِ نُصِبَت لَكُم أَعوادُها
تِلكَ الصَّغائِنُ لَم تَزَل بَدرِيَّةً / قُتِلَ الحُسَينُ وَما خَبَت أَحقادُها
وَاللَّه لَولّا تَيمُها وَعَدِيُّها / فرق الخِلافَ يَزيدُها وَزِيادُها
ضَرَبَتكُمُ في كَربُلاء صَوارِمٌ / يَومَ السَّقيفَةِ مُزِّقَت أَغمادُها
طُلِبَت ذُحولُ الشِّركِ فيكُم بَعدَها / خُبَّت غَوارِبُها وَثُلَّ عِمادُها
وَبَدَت عَلى زُرقِ الأَسِنَّةِ هامُكُم / مَشهورَة أَفَلا تَمِيدُ صِعادُها
يا دِمنَةً في الطُّلولِ دارِسَةً
يا دِمنَةً في الطُّلولِ دارِسَةً / أَضيَعُ ما كُنتُ حينَ أَنشُدُها
وَيلاهُ كَم زَفرَةٍ أرَدِّدُها / فيكِ وَكَم عَبرَةٍ أبَدِّدُها
أَمَّا الشُّرَيفُ مِنَ الغَضا فَبَعيدُ
أَمَّا الشُّرَيفُ مِنَ الغَضا فَبَعيدُ / لَولا الرَّكائِبُ وَالدُّجا وَالبيدُ
وَضَوامِرٌ غَلَبَت عَلى صَهَواتِها / شُعثٌ تَطولُ مَعَ القَنا وَتَميدُ
يا سائِقَ الأَظعانِ أَيُّ لُبانَةٍ / بِالنَّعفِ تَنشُدُها المَهاري القُودُ
عَزَّت عَلى سَوم الغَرامِ فَما دَرى / وَلَعُ النَّسيمِ بِها وَلا التَّغرِيدُ
وَعَلى الثَّنِيَّةِ مِن تَبالَة مَوعِدٌ / عَقَمَت بِهِ الآمالُ وَهيَ وَلودُ
وَمُهَوِّنٍ لِلوَجدِ يَحسَبُ أَنَّها / يَومَ العُذَيبِ مَدامِعٌ وَخُدودُ
سَل بانَة الوادي فَلَيسَ يَفوتُها / خَبَرٌ يَطولُ بِهِ الجَوى وَيَزيدُ
وَانشُد مَعي ضوء الصَّباحِ وَقُل لَهُ / كَم تَستَطيلُ بِكَ اللَّيالي السُّودُ
وَإِذا هَبَطتَ الوادِيَينِ وَفيهِما / دِمَنٌ حُبِسنَ عَلى البِلى وَعُهودُ
وَاخدَع فُؤادي في الخَليطِ لَعَلَّهُ / يَهفو عَلى آثارِهِم وَيَعودُ
أَصَبابَةٌ بِالجزعِ بَعدَ سوَيقَةٍ / شُغلٌ لعَمركَ يا أُمَيمُ جَديدُ
وَمُطَوَّح رَكِبَ الخَطيَّ بِعَزمَةٍ / هَبَّت وَسارِيَةُ النُّجومِ هُجودُ
ذَعَروا الدُّجى فَتَناثَرَت مِن جيدِهِ / نَحوَ الصَّباحِ قَلائِدٌ وَعُقودُ
عَرِّج عَلى الحَيِّ الذَّمِيمِ فَدونَهُ / بُخلٌ يَصُدُّ عَنِ القِرى وَيَذودُ
إِنَّ الَّذينَ يعزّ طالِبُ رفدِهِم / بَشَرٌ يُضَيَّعُ لَمعُهُ وَرُعُودُ
لي في بُيوتِهِمُ القِصارُ أَوابِدٌ / مَعقولَةٌ بِاللُّؤمِ وَهيَ شُرودُ
وَمُطَلَّحاتٍ يَنتَجِعنَ مَوارِداً / آلُ الظَهيرَةِ قَبلَها مَورودُ
حَوَّلنَ في طَلَبِ العُلا فَتَقاعَسَت / عَنهُنَّ أَيدٍ بِالنَّوالِ جُمودُ
وَأَصابَها السُّلَمِيُّ نَشدَةَ باخِل / شَنعاء طائِرُ ذِكرِها غِرّيدُ
يا ابنَ اللَّئيمَةِ لَستَ مِن أَكفائِها / فارجِع فَإِنَّكَ بِالثَّراءِ عَميدُ
النّارُ مَطلول لَدَيكَ مَعَ النَّدى / سَيّانُ وَعدٌ كاذِبٌ وَوَعيدُ
أَتَرَكتَ سَرحَكَ بِالجَزيرَةِ مُهمَلاً / وَعَجِبتَ حينَ عَدا عَلَيهِ السيِّدُ
لَو أَنَّ قَومَكَ مِن كِنانَةَ أَشرَعَت / أَيدٍ يَطولُ بِها القَنا وَالجُودُ
قَومٌ يَلوحُ لَهُم عَلى عَليائِهِم / قَبلَ اللِّقاءِ دَلائِلٌ وَشُهودُ
فاللامِعاتُ أَسِنَّةٌ وَأَسِرَّة / وَالمائِساتُ ذَوابِلٌ وَقُدودُ
هَبّوا إِلى المَجدِ الرَّفيعِ فَأَحرَزوا / قَصَباتِهِ وَبَنو الزَّمانِ رُقودُ
وَبَنَت لَهُم أَحسابُهُم وَسُيوفُهُم / بَيتاً عَمودُ الصُّبحِ فيهِ عَمودُ
جادوا وَأَندِيَةُ الغَمامِ بَخِيلَة / وَجَروا وَشارِدَةُ الرِّياحِ رُكودُ
مِن دينِهِم أَنَّ السَّماحَ عَلَيهِمُ / فَرض وَإِنَّ الرّافِدَ المَرفودُ
حَيٌّ تَناسَبَ في العُلا فَأُصولُهُ / أَغصانُهُ وَالوالِدُ المَولودُ
إِن قَصَّروا عَن غايَةِ ابنِ مُقَلَّدٍ / فَمِنَ الأَراكَةِ غُصنُها الأملودُ
شَأوٌ يَفوتُ طِلابَهُم غَلواؤُهُ / إِنَّ البَعيدَ عَلَيهمُ لَبَعيدُ
لَولاهُ ما عُرِفَ النَّوالُ وَلَم تَكُن / تَدري الغَمامُ الغُرُّ كَيفَ تَجودُ
وَعَفا الثَّناء مِنَ الزَّمانِ وَأَهلِهِ / فَتَشابَهَ المَذمومُ وَالمَحمودُ
شَرَفاً بَني الأَجدادِ يُعدَمُ أَمسكَ ال / ماضي فَيَخلفُ يَومُكَ المَوجودُ
وَعُلاً أَبا حَسَنٍ فَرَهطُكَ رُم / حُها العالي وَأَنتَ لِواؤُهُ المَعقودُ
إِن لَم يَكُن بَيني وَبَينَكَ نِسبَةٌ / قَرُبَت فَإِنّي مِنكُمُ مَعدودُ
لِي فيكَ مِن فِقَرِ الكَلامِ غَرائِبٌ / يُثني عَلَيها الدَّهرُ وَهوَ حَسودُ
لَولا هَواك لَطالَ عَن تَثقيفِها / قَدري وَلَو أَنَّ النُّجومَ قَصِيدُ
وَلَعَزَّ عَن طَوعِ القِيادِ زِمامُها / لَو أَنَّ غَيرَكَ كُفؤها المَقصودُ
أَعرَضتَ عَن ذُلِّ الطِّلابِ وَرُبَّما / وَجَدَ المُريحُ وَأَخفَقَ المَكدودُ
وَسَكَنتَ في ظِلِّ النَّزاهَةِ فَليُصَن / مالَ البَخيلِ رِتاجُهُ المَسدودُ
وَإِذا وَجَدتَ العَيشَ يُعقِبُ صَفوُهُ / كَدَراً فَإِنَّ شَقِيَّهُ لَسَعيدُ
العُمرُ حُلمٌ وَاللَّيالي قُلَّبٌ / وَالبُخلُ فَقرٌ وَالثَّناءُ خُلودُ
أَرَأَيتَ مِن داءِ الصَّبابَةِ عائِداً
أَرَأَيتَ مِن داءِ الصَّبابَةِ عائِداً / وَوَجَدتَ في شَكوى الغَرامِ مُساعِدا
أَم كُنتَ تَذكُرُ بِالوَفاءِ عُصابَةً / حَتّى بَلَونَهُمُ فَلَم تَرَ واحِدا
تَركوكَ وَاللَّيلَ الطَّويلَ وَعِندَهُم / سَحرٌ يَردُّ لَكَ الرُّقادَ الشّارِدا
وَكَأَنَّما كانَت عُهودُكَ فيهِمُ / دِمَناً حُبِسنَ عَلى البلى وَمعاهِدا
يا صاحِبي وَمَتى نَشَدتُ مُحافِظاً / في الوُدِّ لَم أَزَلِ المُعنّى النّاشِدا
أَعدَدتُ بَعدَكَ لِلمَلامَةِ وَقرَة / وَذَخَرتُ بَعدَكَ لِلصَّبابَةِ شاهِدا
وَرَجَوتُ فيكَ عَلى النَّوائِبِ نُصرَة / فَلَقيتُ مِنكَ نَوائِباً وَشَدائِدا
أَمّا الخَيالُ فَما نَكِرتُ صُدودَهُ / عَنّي وَهَل يَصِلُ الخَيالُ السَّاهِدا
سارٍ تَيَمَّم جَوشَناً مِن حاجِرٍ / مَرمى كَما حَكَمَ النَّوى مُتَباعِدا
كَيفَ اِهتَدَيتَ لَهُ وَدونَ مَنالِهِ / خَرق تجوز بِهِ الرِّياحُ قَواصِدا
ما قَصَّرَت بِكَ في الزِّيارَةِ نِيَّةٌ / لَو كُنتَ تَطرُقُ فيهِ جَفناً راقِدا
عَجِبَت لإِخفاقِ الرَّجاءِ وَما دَرَت / إِنِّي ضَرَبتُ بِهِ حَديداً بارِدا
ما كانَ يُمطِرُهُ الجَهامُ سَحائِباً / تَروي وَلا يَجِدُ السَّرابَ مَوارِدا
وَإِذا بَعَثتَ إِلى السِّباخِ برائِدٍ / تَبغي الرِّياضَ فَقَد ظَلَمتَ الرّائِدا
مَن مُبلِغُ اللُّؤَماءِ إِنَّ مَطامِعي / صارَت حَديثاً فيهمُ وَقَصائِدا
رَكَدَت عَلى أَعراضِهِم وَهيَ الَّتي / تَطوي البِلادَ شَوارِداً وَرَواكِدا
ما لِي أُجاذِبُ كُلَّ وَقتٍ مُعرِضاً / مِنهُم وَأَصلِحُ كُلَّ فاسِدا
وَأُقيمُ سوقَ المَجدِ في ناديهمُ / حَتّى أنَفِّقَ فيهِ فَضلاً كاسِدا
خَطَلٌ مِنَ الطَّبعِ الذَّميمِ وَضَلَّةٌ / في الرّأيِ ما وَجَدَت دَليلاً راشِدا
أَرَأَيتَ أَضيَعَ مِن كَريمٍ راغِبٍ / يَدعو لِخلَّتِهِ لَئيماً زاهِدا
وَمُعَرِّسٍ بِرِكابِهِ في مَنزِلٍ / يَلقى الصَّديقَ بِهِ عَدُوّاً حاسِدا
عُكِسَ الأَنامُ فَإِن سَمِعتَ بِناقِصٍ / فَاِعلَم بِأَنَّ لَدَيهِ حَظّاً زائِدا
وَتَفاوُتُ الأَرزاقِ أَوجَبَ فيهِمُ / أَن يَجعَلوهُ مُصالِحاً وَمُفاسِدا
وَمُعَدِّدٍ في الفَخرِ طارِفَ مالِهِ / حَتّى تَلَوتَ عَلَيهِ مَجداً تالِدا
طَوَّقتُهُ بِأَوابِدي وَلَطالَما / أَهدَيتُ أَغلالاً بِها وَقَلائِدا
مَهلاً فَإِنَّكَ ما تَعُدُّ مُبارَكاً / خالاً وَلا تَدعو سِناناً وَالِدا
أَهلُ الشُّعورِ إِذا تُلِمُّ مُلِمَّةٌ / بَسَطوا رِماحاً دونَها وَسَواعِدا
وَأَولوا التُّقى فَإِذا مَرَرتَ عَلَيهِمُ / لَم تَلقَ إِلّا مُكرِماً وَمُجاهِدا
إِن حارَبوا مَلأوا البِلادَ مَصارِعاً / أَو سالَموا عَمَروا الدِّيارَ مَساجِدا
هَيهاتَ ما تَرِدُ المَطالِبُ نائِماً / عَنها وَلا تَصِلُ الكَواكِبُ قاعِدا
وَلَرُبَّ مَلكٍ ثَقَّفوا مِن مَيلِهِ / حَتّى أَقاموا فيهِ قَدّاً عائِدا
ما كانَ جارُهُمُ كَجالِكَ مُسلَما / يَوماً وَزِندُهُمُ كَزَندِكَ خامِدا
بَيت لَهُ النَّسَبُ الجَلِيُّ وَغَيرُهُ / دَعوى تُريدُ أَدِلَّةً وَشَواهِدا
أَبا حَسَنٍ كَم أَلومُ الفِراقَ
أَبا حَسَنٍ كَم أَلومُ الفِراقَ / وَحَظِّيَ يوجِبُ أَن يَبعُدا
وَكَم أَمطُلُ النَّومَ حَتّى أَراكَ / وَأَمنَعَ عَينِيَ أَن تَرقُدا
فَقَد صارَ لي فيهِما عادَة / تُعَلِّمُ نَومِيَ أَن يَشرُدا
عَذيري مِنَ الرُّومِ جارَ الفِراقُ / عَلَيَّ بِحُكمٍ لَهُ وَاِعتَدى
دَعَوتُكَ مِن أَرضِهِم عانِيا / فَناهَلتَني ذَلِكَ المَورِدا
وَأَوثَقتَ نَفسَكَ خِرصاً عَلَي / يَ حَتّى عَدمتُ بِأَن أَوجَدا
فَلا كانَ وَعدُهُم ما أَغَث / ثَ فيهِ المِطالُ وَما أَبرَدا
لَعَلَّ مَقامَكَ هَذا الطَّويلَ / يَكونُ لحينَهمُ مَوعِدا
فَيُخرِجُ بطريكَهُمُ مُسلِماً / وَيَجعَلُ قُسّاً بِهِم مَسجِدا
فَيَعلَمُ حازِمَهُم أَنَّهُم / أَثاروا بِكَ الأَسَدَ المُلبَدا
وَإِنَّكَ قَد جئتَهُم مُصلِحاً / فَكُنتَ بِجَهلِهمُ مُفسِدا
فَإِن طَلَبوا مِنكَ عَودَ البِلادِ / فَقَد لَحِقَ الأَقرَبُ الأَبعَدا
وَإِن حاوَلوا بِكَ سَيرَ الجِراحِ / فَقَد شَرَعَت في العِظامِ المُدى
وَخبَّرتَ قَومَكَ ظَنّوا ثَوا / كَ عِندَهُمُ أَبَداً سَرمَدا
فَأَسرَفَ إِذلالُهُم في الجَفا / وَجاءَ يَفوقُ الَّذي عَوَّدا
وَإِن لَم تَكُن صافِحاً عَنهُمُ / فَمِن أَينَ صِرتَ لَهُم سَيِّدا
أَبوكَ أَبوهُم وَلَولا الضِّيا / ءِ ما فَضَلَ القَمَرُ الفَرقَدا
لَكَ الخَيرُ عِندي داء مَرِضتُ / فَكُنتُ أُكاتِمُهُ العوَّدا
وَفَنٌّ مِنَ الوَجدِ ما أَستَعينُ / بِغَيرِكَ مِن جودِهِ مُسعَدا
أُريدُ لأَكتَم وَالواسِطي / يُ يَفضَحُهُ كُلَّما غَرَّدا
نَدِمتُ كَما نَدِمَ البُحتُرِيُّ / وَزِدتُ عَلَيهِ بِبُعدِ المَدى
فَدونَ هَوايَ فَلاً لَو سَرى / نَسيمُ الرِّياحِ بِهِ ما اِهتَدى
فَهَل عِندَ رَأيِكَ مِن حيلَةٍ / تُعينُ بِها هائِماً مُفرَدا
فَقَد طالَما أَنقَذَتني يَداكَ / وَقَد عَلِقَتني حِبالُ الرَّدى
وَحملتَ مالَكَ ما لا يُطاق / فَكُنتَ عَلى عُسرِهِ أَحمَدا
وَوَاللَّهِ لا شِمتُ غَيثاً سِواكَ / فَإِمّا نَداكَ وَإِمّا الصَّدى
هَل تَعرِفونَ لَنا في قُربِكُم رَشَدا
هَل تَعرِفونَ لَنا في قُربِكُم رَشَدا / أَو تَعلَمونَ بِما أَوليتُمُ حَسَدا
لا أَرفأ اللَّه دَمعاً فاضَ بَعدَكُمُ / وَلا أَعادَ رُقاداً فيكُمُ فُقِدا
ما يَكفُرُ العَيش نُعماها يُبعِدُكُمُ / عَنّا فَإِنَّ لَها عِندَ الكِرامِ يَدا
وَرَدتُ مِن بَردي ماءَ ما نَقَعتُ بِهِ / مِنَ الصَّبابَةِ قَلباً عَنكُمُ بُرَدا
وَصارَ كُلُّ قَبيحٍ فيكُمُ حَسَناً / لَمّا أَفادَ عَلى هِجرانِكُم جَلَدا
لَو كُنتُ مِثلُكُم جازَيتُ فِعلَكُمُ / فَما أَطَلتُ لِساناً دونَكُم وَيَدا
وَكانَ أَيسَرُ ما عِندي لِغَدرِكُمُ / أَن لا أَعودَ إِلى ناديكُمُ أَبَدا
فَإِن وَجَدتُم كَما أَوجَدتُم بَدَلاً / فَليَرضَ كُلُّ امرئٍ مِنّا بِما وَجَدا
وَما أَلومُكُمُ أَن تَبلُغوا حَلَباً / بِأَنَّنا قَد رَضينا جلَّقاً بَلَدا
وَقَد تَعَلَّمتُ سوءَ الظَّنِّ عِندَكُمُ / فَما أُؤمِّلُ يَوماً بَعدَكُم أَحَدا
بِحَياةِ زَينَبَ يا ابنَ عَبدِ الواحِدِ
بِحَياةِ زَينَبَ يا ابنَ عَبدِ الواحِدِ / وَبِحَقِّ كُلِّ بُنَيَّةٍ في ناهِدِ
ما صارَ عِندَكَ رَوشَنُ ابنُ مُحَسِّنٍ / فيما يَقولُ النَّاسُ أَعدَلَ شاهِدِ
نَسَخَ التَّعاقُل مِنهُ خَلطَ عَمارَةٍ / وافاهُ في هَذا الزَّمانِ البارِدِ
غَرُبَت خَلائِقُكَ الحِسانُ غَريبَةً
غَرُبَت خَلائِقُكَ الحِسانُ غَريبَةً / وَرَمى الزَّمانُ دُنُوَّها بِبُعادِ
ذَهَبَت كَما ذَهَبَ الرَّبيعُ وَخَلَّفَت / قَيظَ المَقيلِ حَرارَةُ الأَكبادِ
وَبَعيدَةٍ سَمَحَ الخَيالُ بِقُربِها
وَبَعيدَةٍ سَمَحَ الخَيالُ بِقُربِها / حَتّى دَنَت فَبِحَمدِهِ لا حَمدِها
مالَت مَعَ الواشي وَماسَ قَوامُها / فَرَأَيتُ ليَّ عُهودِها في قَدِّها
شَرُفَت بِنَظمِ مَديحِكَ الفِكَرُ
شَرُفَت بِنَظمِ مَديحِكَ الفِكَرُ / وَتَجَمَّلَت بِحَديثِكَ السِيَّرُ
آثارُ جودِكَ غَيرُ خافِيَةٍ / لا البَحرُ يُنكِرُها وَلا المَطَرُ
وَلِسَعدِ جَدِّكَ في الوَغى عِبَرٌ / إِن كانَتِ الأَلبابُ تَعتَبِرُ
أَينَ الَّذينَ بِبُعدِهِمُ أَمِنوا / وَلَرُبَّ أَمنٍ كُلُّهُ حَذَرُ
أَضمَرتَ عَزماً في طِلابِهِمُ / فَمَضى يُسابِقُ سَيفَكَ القَدَرُ
فَكَأَنَّما خافَت نَوائِبُهُ / مِن جَيشٍ عَفوِكَ حينَ تَقتَدِرُ
فَأَتَتهُمُ هَوجاء خابِطَةٌ / كَالمَوتِ لا تُبقي وَلا تَذَرُ
تَفري وَبيضُ ظُباكَ مُغمَدَة / كُلُّ لَعَمرُكَ صارِمٌ ذَكَرُ
ما يَصنَعونَ وَفي ذَوابِلِها / طُولٌ وَفي أَعمارِهِم قِصَرُ
سَل جِلَّقاً عَنهُم وَما صَنَعَت / بِهِم وَعِندَ جُهَينَةَ الخَبَرُ
وَمُطوَّحٌ عَنها يُراقُ لَهُ / في كُلِّ ناحِيَةٍ دَمٌ هَدَرُ
تَرمي البِلادُ بِهِ مُعَوَّدَة / أَن لا يُقَصُّ وَراءَها أَثَرُ
أَنَزَلتَها جاراً وَتَترُكُها / هَرَباً لبئسَ الوِردُ وَالصَّدَرُ
وَمِنَ الشَّقاءِ نَأَيتَ عَن نَفَرٍ / أَرداكَ جدهم وَما شَعَروا
وَلَقَد سَأَلتَهُمُ فَما بَخِلوا / وَعاقَلتَ عَهدَهُمُ فَما غَدَروا
وَبَنوا لِبَيتِكَ إِن فَخَرتَ بِهِ / عَلياءَ يَحسُرُ دونَها البَصَرُ
غَلَبَ المُلوكَ عَلى مَعاقِلِها / أَسَدٌ إِمام طِلابِهِ الظَّفَرُ
أَلقى عَلى الشَّهباءِ كَلكَلَهُ / وَلَهُ بِكُلِّ ثَنِيَّةٍ ظَفَرُ
وَعَلا النُّجومَ فَظَنَّ حاسِدُهُ / أَنَّ السَّماءَ إِلَيهِ تَنحَدِرُ
خَلَصَت بِهِ الدُّنيا وَما عُرِفَت / إِلَّا وَفيها النَّفعُ وَالضَّرَرُ
وَجَلَت قَذى الأَيّامِ دَولتُهُ / وَلِكُلِّ صَفوٍ دونَها كَدَرُ
شَهِدَت رِياضَتُهُ حَوادِثَها / إِنَّ الزَّمانَ إِلَيهِ مُفتَقِرُ
فَكَأَنَّما آلَت مَواهِبُهُ / أَن لا يَفوتَ مُؤمِّلاً وَطَرُ
عَجَباً لِمَغرورٍ وَقَد ظَهَرَت / لِسُيوفِكَ الآياتُ وَالنُّذُرُ
وَمُعَرِّضٍ لِقَناكَ ثَغرَتَهُ / مِن بَعدِ ما شَقِيَت بِهِ الثُّغَرُ
لَعِبَ الرَّجاء بِفَضلِ عِزَّتِهِ / وَلَهَت بِعازِبِ لُبِّهِ الفِكَرُ
وَمِنَ المدى ما دونَهُ أَمَدٌ / لا يَستَقِلُّ بِمِثلِهِ العُمُرُ
وَإِذا تَدَبَّرَتِ النُّجوم فَلا / سَهمٌ وَلا قَوسٌ وَلا وَتَرُ
غُرَّت عَقيلاً هَفوَة عَرَضَت / يَصحو الزَّمانُ لَها وَيَعتَذِرُ
خافَ الكَمال عَلى عُلاكَ بِها / وَمِنَ الكَمالِ يُحاذِرُ القَمَرُ
لا تَغفَلوا عَنها فَإِنَّهُمُ / يَدرونَ أَيَّ فَوارِسٍ وَتَروا
يا ابنَ الأُلى فَخَرَت بِجُودِهِمُ / مُضَرٌ وَما أَدراكَ ما مُضَرُ
يَكفيكَ نَصراً مِنهُمُ نَسَباً / مَعنى عَلى المُدّاحِ مُختَصَرُ
أَهوَن بِشِعري بَعدَ ما سَبَقَت / مَدحي إِلَيكَ ذَرائِعٌ أُخَرُ
وَدَعِ القَوافي السّائِراتِ وَلَو / كانَت نُجوماً قيلَ تَستَتِرُ
فَلَطالَما فاضَت يَداكَ عَلى / قَوم وَما نَظَموا وَلا نَثَروا
ما أَخَّرَتني عَنهُمُ قَدَمٌ / لَو كانَ فِيَّ وَفيهِمُ نَظَرُ
لَكِنَّهُ قَدَرٌ رَضيتُ بِهِ / قَسراً وَكَيفَ يُغالِبُ القَدَرُ
بَيني وَبَينَ الحَظِّ داجِيَةٌ / عَمياءَ لا نَجمٌ وَلا سَحَرُ
لا يَهتَدي فيها وَلَو طَلَعَت / مِن أفقِها أَخلاقُكَ الغُرَرُ
وَأَرى وَحاشاكَ الكِرامُ وَما / لي عِندَهُم ظِلٌّ وَلا ثَمَرُ
لَو أَنَّني نَبَّهتُ في وَطَرٍ / عُمُراً لَماتَ مِنَ الكَرى عُمَرُ
نَصَحتُكَ فَافعَل كُلَّ خَيرٍ لحُسنِهِ
نَصَحتُكَ فَافعَل كُلَّ خَيرٍ لحُسنِهِ / وَإِن لَم يَكُن فيهِ ثَناء وَلا أَجرُ
تَكُن لِبَني حَوّاء حَرباً فَإِنَّما / وَفاؤُهُمُ غَدرٌ وَوَصلُهُمُ هَجرُ
فَقَد وُعِظوا لَو يَنفَعِ الوَعظُ فيهِمُ / وَهَيهاتَ ما صمَّ الجَنادِلُ وَالزَّجرُ
رَضيتُ عَلى عِلمي بِجَهلٍ حَكَيتُهُ / وَرُبَّ ظَلامٍ لا يُحَبَّ لَهُ فَجرُ
وَإِن دَبَّرَ الأَيّامَ مَن عَدِمَ النُّهى / فَإِنَّ عَلى حُكّامِهِم يَجِبُ الحَجرُ
السَّيفُ مُنتَقِمٌ وَالجَدّ مُعتَذِرُ
السَّيفُ مُنتَقِمٌ وَالجَدّ مُعتَذِرُ / وَما عَلَيكَ إِذا لَم يُسعِدِ القَدَرُ
وَإِن دَجَت لَيلَةً في الدَّهرِ واحِدَة / فَطالَما أَشرَقَت أَيّامُهُ الأُخَرُ
وَما شَكَونا ظَلاماً مِن غَياهِبِها / حَتّى تَطَلَّعَ في أَثنائِهِ القَمَرُ
وَلا يَنالُ كُسُوفُ الشَّمسِ طَلعَتَها / وَإِنَّما هُوَ فيما يَزعُمُ البَصَرُ
وَهَل عَلى البَطَلِ الحامي حَقيقَتَهُ عارٌ / إِذا جَبَنَ الأَعداءُ أَو غَدَروا
أَمّا الكِرامُ فَقَد أَبلى وَفاؤُهُمُ / عَلى البُحَيرَةِ ما لَم يُبلِهِ الظَّفَرُ
ما ضَرَّهُم وَالعَوالي في نُحورِهِمُ / تَعفوا الكلومُ وَتَبقى هَذِهِ السِّيَرُ
لاذوا بِسَيفِكِ حَتّى خالَ دونَهُمُ / مُجَرَّبٌ في دِفاعِ الخَطبِ مُختَبَرُ
مِنَ السُّيوفِ الَّتي لَولا مَضارِبُها / ما كانَ لِلدِّينِ لا عَينٌ وَلا أَثَرُ
هِندِيَّةٌ وَبَنو حَمدانَ رُفقَتُها / لَقَد تَخَيَّرَتِ الأَحسابُ وَالزُّبُرُ
وَمُكبِرينَ صَغيراً مِن عُقُولِهِمُ / لَم يَركَبوا الخَيلَ إِلَّا بَعدَ ما كَبِروا
أَخفوا بِكَيدِهِمُ غَدراً فَما عَبَأَت / سُمرُ الرِّماحِ بِما هَمَّت بِهِ الإِبَرُ
لا تَعجَلوا فَعَلى أَطرافِها خَلَفٌ / تُرجى عَواقِبُهُ فيكُم وَتُنتَظَرُ
أَثَرتُم أَسَداً تَدمى أَظافِرُهُ / طَيّانَ لا عَصَرٌ مِنهُ وَلا وَزَرُ
حَذارِ أَن تَستَزِنَّ الحِلمَ غَضبَتُهُ / إِن كانَ يَنفَعُ عِندَ الخائِنِ الحَذَرُ
جَرَّبتُموهُ فَأَفنَتكُم صَوارِمُهُ / وَلَو عَقَلتُم كَفاكُم دونَهُ الخَبَرُ
وَقَد عَلا فَوقَ أَفلاكِ النُّجومِ بِها / فَكَيفَ يَلحَقُ مَن في باعِهِ قِصَرُ
حَدِّث بِبَأسِ بَني حَمدانَ في أُمَمٍ / تَأَتي فَقَد ظَهَرَت في هَذِهِ النُّذُرُ
وَاذكُر لَهُم سِيَراً في المَجدِ مُعجِزَة / لَولا الشَّريعَةُ قُلنا إِنَّها سُوَرُ
قَومٌ إِذا طَلَبَ الأَعداء عَيبَهُمُ / فَما يَقولُونَ إِلَّا أَنَّهُم بَشَرُ
السّابِقونَ إِلى الدُّنيا بِمُلكِهِمُ / ما أَورَدَ النَّاسُ إِلَّا بَعدَما صَدَروا
كَأَنَّ أَيديهمُ لِلرِّزقِ ضامِنَةٌ / فَالِلنَّدى قائِمٌ مِنهُم وَمُنتَظَرُ
تَسمو البِلادَ إِذا عُدَّت وَقائِعُهُم / فيها وَتَبتَسِمُ الدُّنيا إِذا ذُكِروا
ماتوا وَأَحيا ابنُ ذي المَجدَينِ ذِكرَهُمُ / فَما يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّهُم نُشِروا
يَثني عَلَيهِم بِما تُعطي أَنامِلُهُ / وَالرَّوضُ يُحمَدُ في إِحسانِهِ المَطَرُ
وَسابِقٍ طَلِقِ الأَلحاظِ في أَمَدٍ / لا يَنفَعُ العَينُ في إِدراكِهِ النَّظَرُ
إِذا تَأَمَّلتَهُ في نَيلِ غايَتِهِ / رَأَيتَ كَيفَ تُصاد الأَنجُمُ الزُهُرُ
كَأَنَّما رَأيُهُ في كُلِّ مُشكِلَةٍ / عَينٌ عَلى كُلِّ ما يَخفى وَيَستَتِرُ
يا ناصِرَ الدَّولَةِ المَشهورُ مَوقِفُهُ / في نَصرِها وَضِرامُ الحَربِ تَستَعِرُ
أَنتُم صَوارِمُها وَالبيضُ نابِيَةٌ / وَشُهبُها وَظَلامُ الخَطبِ مُعتَكِرُ
وَحامِلو الرَّايَةِ البَيضاء ما بَرِحَت / عَلى رِماحِكُم تَعلوا وَتَنتَشِرُ
كُنتُم بِصِفِّينَ أَنصارَ الوَصِيِّ وَقَد / دَعا سِواكُم فَما لَبَّوا وَلا نَصَروا
فَهيَ الخِلافَةُ ما زالَت مَنابِرُها / إِلى سُيوفِكُمُ في الرَّوعِ تَفتَقِرُ
هَل تَشكُرُ العَرَبُ النُّعمى الَّتي طَرَقَت / أَم لَيسَ يَنفَعُ فيها كُلَّما شَكَروا
قَومٌ أَعَدتَ إِلى الدُّنيا نُفوسَهُمُ / فَكُلُّ عارِفَةٍ مِن بَعدِها هَدَرُ
تِلكَ الصَّنيعَةُ إِن خَصَّت بَني أَدَدٍ / فَلَيسَ تُنكِر ما في طَيِّها مُضَرُ
أَمّا ابنُ نَصرٍ فَقَد أَخفَت ضَمائِرُهُ / مَوَدَّة لَكَ ما في صَفوِها كَدَرُ
فَرع أَبانَ جَناهُ طيبَ عُنصُرِهِ / ما يُحمَدُ العودُ حَتَّى يُعرَف الثَّمَرُ
سالمتَ مِنهُ عَلى الأَعداءِ مُرهَفَةً / لِمِثلِهِم كُنتَ تَقناها وَتَدَّخِرُ
يَقظانُ ما عَلِقَت بِالنَّومِ مُقلَتُهُ / فَلا يُنَبهُ في حَربِ العِدى عُمَرُ
يا واهِباً وَعَوادي المُزنِ باخِلَةٌ / وَصاعِداً وَعَوالي الشُّهبِ تَنحَدِرُ
أَمّا القَوافي فَقَد جاءَتكَ سابِقَةً / كَما تَضَوَّعَ قَبلَ الدِّيمَةِ الزَّهَرُ
مَنظومَةً فَإِذا فاهَ الُّدواةُ بِها / ظَنَنتَ أَنَّ نُجومَ اللَّيلِ تَنتَثِرُ
مِن مُعجِزاتي الَّتي لَولا بَدائِعُها / في الشِّعرِ شَبَّهَ قَومٌ بَعضَ ما سَحَروا
تُثني عَلَيكُم وَتُبدي عَيبَ غَيرِكُمُ / فَقَد هَجَوتُ بِها قَوماً وَما شَعَروا
أَتاكَ رائِد قَوم لَيسَ عِندَهُمُ / عَلى الحَقيقةِ لا ماء وَلا شَجَرُ
يَلوحُ ذِكرُكَ في داجي هُمومِهِمُ / كَما يَلوحُ لِعَينِ السَّاهِرِ السَّحَرُ
فَاِستَجلِها دُرَّةَ الغَوَّاصِ أَخرَجَها / مِن بَعدِ ما غَمَرَتهُ دونَها الفِكَرُ
ما تَشتَكي غُربَةُ المَثوى وَرُفقَتُها / أَفعالُكَ الشُّهبُ أَو أَخلاقُكَ الغُرَرَ
وَاِسمَع أَبُثُّكَ أَخباري فَإِنَّ لَها / شَرحاً وَإِن كُنتُ أَرويهِ وَأَختَصِرُ
جادَت لِقَومي سَحابٌ مِنكَ هاطِلَةٌ / ما غُيبَت مِنَّةٌ مِنها وَقَد حَضَروا
شَكَرتُ عَنهُم وَإِن أَحسَنتَ عِندَهُمُ / فَإِنَّني ناظِمٌ بَعضَ الَّذي نَثَروا
وَغادَرَتني صُروفُ الدَّهرِ بَعدَهُمُ / كَالصِّلِّ أَطرَقَ لا نابٌ وَلا ظُفُرُ
في بَلدَةٍ تَحتَوي الأَحرارَ ساحَتُها / فَما لَهُم وَطَنٌ فيها وَلا وَطَرُ
أَشتاقُكُم وَيَحولُ العَجزُ دونَكُمُ / فَأَدَّعي بُعدَكُم عَنّي وَأَعتَذِرُ
وَأَشتَكي خَطَراً بَيني وَبَينَكُمُ / وَآيَةُ الشَّوقِ أَن يُستَصغَرَ الخَطَرُ
فَهَل لِرَأيِكَ أَن يُنتاشَ مُطّرحاً / لَهُ مِنَ الفَضلِ ذَنبٌ لَيسَ يُغتَفَرُ
فَعِندَكَ الجودُ لا مَنٌّ وَلا كَدَرُ / وَعِندَهُ الحَمدَ لا عيٌّ وَلا حَصَرُ
وَإِن ضَرَبتَ بِهِ في وَجهِ نائِبَةٍ / فَفي يَمينِكَ مِنهُ صارِمٌ ذَكَرُ
مَحاسِنٌ هِيَ عِندَ السّامِعينَ بِها / دَعوى وَمِثلُكَ يَتلوها وَيَعتَبِرُ
فَما أَخافُ مَطالَ الحَظِّ تَحرِمُني / نَداكَ إِن طالَ في أَيّامِكَ العُمُرُ
وَلا يَفوتُ غِنى أَنتَ الكَفيلُ بِهِ / وَإِنَّما غَفَلاتُ الدَّهرِ تُبتَدَرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025