المجموع : 80
حنا السراب على قلبي يخادعه
حنا السراب على قلبي يخادعه / بالوهم من نشوة السقيا و يغريه
فكيف رحت و لي علم ببطاله / أهوى السراب و أرجوه و أغليه
ويح السراب على الصحراء تسلمه / رمالها السمر من تيه إلى تيه
يزوّر الماء للسقيا و لهفته / حرّى إلى منهل يحنو فيسقيه
جلا النمير و ما ابتلّت جوانحه / من النمير و لا ابتّلت مآقيه
أيّامه خدع الركب ضاحكة / سخرا و للعدم القاسي لياليه
صرعاه لو عرفوا الأسرار ما جزعوا / ممّا يعانون بل ممّا يعانيه
ألا يملّ السراب الغمر وحدته / ألا يحنّ إلى نعمى تندّيه
هيمان لهفان لا مأوى لوحشته / قلبي الذي وسع الأكوان يؤويه
أبكي لبلواه تحنانا و مغفرة / روح الألوهة روحي حين أبكيه
إذا خدعت فقد جازيت خدعته / بالعذر أبسطه و الذنب أطويه
ادعو السراب إلى روحي فقد حليت / بها اللبانات ترضيه و تغويه
لهفي عليه أسيرا في يدي قدر / يميته كلّ يوم ثمّ يحييه
يغيض قبل رفيف الجفن زاخرة / أقلبه جفّ أم جفّت سواقيه
ماء و لا ريّ يندي في شمائله / كأنّه القول فاتته معانيه
يزوّق الحسن ألوانا و ما عصفت / بروحه سورة للحسن تصيبه
هذي مراعيه عطل من بشاشتها / حنّت لشبّابة الراعي مراعيه
لو صعّد القصب الولهان زفرته / لنوّرت بيده و اخضلّ واديه
ما للسّراب دنا حتّى إذا اكتحلت / بسحر دنياه عيني شطّ دانيه
أنت السراب و لكني على ظمأي / بأنهر الخمر في الفردوس أفديه
محوت من قلبي الدنيا فما سلمت / إلاّ طيوف هوانا وحدها فيه
يا نديمي إلى متى الإغفاء
يا نديمي إلى متى الإغفاء / بسم الكون حين حيّت ذكاء
لا تمل بي إلى الرجاء فقد / أودى بنفسي طموحها و الرجاء
و دع اليأس ينتحيني ففي ال / يأس لداء النفس الطموح دواء
فقد رضيت الأكواخ و هي نعيم / و هجرت القصور و هي شقاء
و من الهون أن يقيم كريم / في مكان هانت به الكرماء
أترع الكأس و اسقني بمكان / ضلّ عنه الوشاة و الرقباء
حبّذا كوخي النديّ و إن لم / يكتنفه الإعجاب و الخيلاء
لم يشنه في ناظري أن عداه / زخرف في بنائه و رواء
أنا حرّ به و ما بعد هذا / عند باغي سرّ الحياة هباء
يا نديمي لا تأس بالله و اشرب / لذّة العيش هذه الصهباء
و تمتّع بالنور إذ ربّ قوم / منع الكأس عنهم و الضياء
و استمع هذه البلابل غنّت / فأثار الشجون ذاك الغناء
لا تخاف الصيّاد إذ عصمتها / من دواهيه هذه الصحراء
ذكّرتك الديار جرّ عليها / ذيله بعد قاطنيها العفاء
و حماة الدّيار و هي عبيد / و غواني الديار و هي إماء
يا نديمي تعزّ واسل فقبلا / قد عفت بعد أهلها الحمراء
و عفت من ظباء صقر قريش / و أغاني قيانه الزهراء
و تناست قساور العرب في / المرية الخمائل الخضراء
و تعزّت عن ابن عبّاد روض / و قصور في باحة قوراء
بعد أن كان في رباها / من العنبر و الزعفران طين و ماء
يا نديمي إليّ نبكي فقد يسعد / قلب النائي الحزين البكاء
أنت أوفى منّي و أوثق عهدا / يا نديمي و أين أين الوفاء
فوق شعري بلاغة و بيانا / منك هذي المدامع الحمراء
ترجمت عن أساك فهي قصيد / لم يفته البيان و الانتقاء
إنّما الحزن مرسل الشعر شعرا / و الحزانى هُمُ هُمُ الشعراءُ
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا / حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
سلم الجمر لي و عاش بقلبي / أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا
يا شآمي يا قبلة الله للدنيا / و يا راحها المصفّى العتيقا
أترع الكأس من هواك لتروى / كبدي من هواك لا لتذوقا
مزّقيها تغمرك طيبا و نورا / لا تملّي الطيوب و التمزيقا
لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا / و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا
لملم الفجر ذكرياتي فما لملم / إلاّ أقاحيا و شقيقا
كبريائي فوق النجوم و لولاها / لما كنت بالنجوم خليقا
جلّ شعري أقيه الرّوح من كلّ / هوان و الشعر كالعرض يوقى
ما شكوت العدو كبرا و لكنّي / شكوت المبرّأ الموثوقا
و أخا لي سقيته الودّ صرفا / فسقاني من ودّه الممذوقا
طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف / للمجد غير حبّي طريقا
و كنوزي و ليس تحرسها الجنّ / تنادي المحروم و المرزوقا
لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني / و أفدي بمقلتي الصديقا
لا أريد الإنسان إلاّ رحيما / باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا
لي قبور كنزت فيها شبابي / و صبوحي على المنى و الغبوقا
يا قبور اللدات : كل شقيق / حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي / كيف تشكو و هي في السماوات ضيقا
كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق / و قلبي على ثراها أريقا
مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف / و تحنو فلا يموت غريقا
ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ / و يلقى التدليل و التشويقا
شامة الفتح نام ( فارسك) النجد / و حقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقته أحبابه للمنايا / فرحمت المجلّى المسبوقا
و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن / فارق الأهل و اللدات (العقيقا )
أنا كالطّير ألف صحراء لفّته / مهيض الجناح شلوا مزيقا
مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل / أعنى به و لا تعويقا
غربتي قد سئمت غربة روحي / و مللت التّغريب و التّشريقا
غربتي غربتي على النّأي و القرب / أراني إلى دجاها مسوقا
حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت / فما اجتزت سهمها المرشقا
(فارس) المجد لم تزغرد / عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا
و له الطّرفة المليحة تغني / عن نقاش و تسكت المنطيقا
و بيان تخاله الوشي و الأطيا / ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا
فيه عمق البحار تزخر بالدرّ / و فيه متارف الموسيقا
و ضمير يكاد يسرف في الحسّ / فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا
عالم يسكب العذوبة في العلم / فتستاف عنبرا مسحوقا
يا لنسر تقحّم الشمس حتّى / ملّ عزّ الشموس و النحليقا
حقّ عبئين من سنين و مجد / أن يكفّا من شأوه و يعوقا
يهرم النسر فالطريق عثار / ذكريات الصبا زحمن الطريقا
عبّ منها النسر الحبيس فردّته / لدنيا الشموس حرّا طليقا
غمرت قلبه حنينا و أشواقا / و يمناه لؤلؤا و عقيقا
عالم الذكريات نمنمه الخالق / حتّى يدلّل المخلوقا
هو من أريحيّة الله ماشئنا / رحيقا صفوا و مسكا فتيتا
حال بيني و بين لقياك دهر / سامني عبئه فكنت المطيقا
أنزلتني على فروق رزاياه / فحيّا عطر السماء (فروقا)
ضاق لبنان بي و كان رحيبا / و تنزّى حقدا و كان رفيقا
ما للبنان رحت أسقيه حبّي / و سقاني مرارة و عقوقا
أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري / و طوّقت جيده تطويقا
و زرعت النّجوم في ليل لبنان / فرفّ الدّجى نديّا و ريقا
دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا / و قدّا مهفهفا ممشوقا
و جمالا غالى بزينته الله / و ثنّى و ثلّث التدقيقا
و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ / للعيون السّلاف و التّحديقا
جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف / فأغنى جفنا و كحلّ موقا
قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا / و أردناه شامخا مرموقا
و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا / كشفت لي اليقين و التلفيقا
إن عتبنا على الكنانة إدلالا / فقد يعتب الصّديق الصّديقا
و هبتنا فرعونها و وهبناها / على العسر يوسف الصدّيقا
كيف يشري العبيد كافور / بالمال و كافور كان عبدا رقيقا
أرز لبنان لن يكون لكافور / متاعا و للأرقّاء سوقا
يا قبور في الشام ربّ قبور / أنزلتها النوى مكانا سحيقا
موحشات : إلاّ عزيفا من الج / نّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا / تي إليها فما استطعن اللحوقا
غرّبتنا العلى قبورا و أحياء / و عاثت بشملنا تفريقا
و اغتراب القبور من حيل الم / وت ليخفى كنوزه و العلوقا
تسمع الرّيح حين تصغي حنينا / من فؤادي على الثرى و شهيقا
ما لقومي غال الحمام فريقا / منهم و العقوق غال فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى / أن يكون المبدّد المسروقا
فارقوني معطّرين من الفتح / و خلّوا لي الأسى و الشهيقا
أظمأتني وجوههم حين غابت / فأردت الذكرى سلافا و ريقا
عهدها بالخلوق عهد قديم / ألفت غرّة المجلّى الخلوقا
يا لدات الفتوح نسقي منايانا / و يسقينا الهوى ترنيقا
بيننا صحبة الاّباء و عزّ / أمويّ يطاول العيّوقا
و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا / رعودا هدّارة و بروقا
و المروءات كالغرائر في الرّيف / ملاح لا تعرف التزويقا
و عقود من السنين نظمناها / سجونا و كبرياء و ضيقا
نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق / نرجّ الشعوب حتّى تفيقا
فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ / و من غمرة الظلام البريقا
نقحم الغامض الأشمّ من المجد / و نأبى الممهّد المطروقا
نحن عطر السجون عطر المنايا / نحمل الجرح مطمئنا عميقا
نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا / غروبا منوّرا و شروقا
نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان / دنيا تزيّنت لتروقا
ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ / و لا خمرها و لا الراووقا
نحن عشق للغوطتين براه الله / حتّى يؤلّه المعشوقا
نحن في الكأس نغمة نحن في الن / غمة صهباء : صفّقت تصفيقا
خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان / طابت بردا و طابت حريقا
يعرف الحقّ قيمة الجوهر / الفرد و يغلى جديده و العتيقا
يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم / و إن كان اخطأ التوفيقا
يا رئيسي من أربعين زحمناها / إباء مرّا و بأسا حنيقا
أنت نشّأتني على الصبر و العزّ / كما تلاهف الحسام الذليقا
مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا / يفي هواه عريقا
و هموم كأنّهن الأمانيّ جم / الا و نشوة و سموقا
مترفات ترعرعت في فؤادينا / و طابت شمائلا و عروقا
يرد الخطب منك قلبا سريّا / و بيانا عفّا و وجها طليقا
من يعلّ النديّ بعدك بالشه / د المصفّى و من يسدّ الفتوقا
هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء / و الريق لا يبلّ الحلوقا
أنكرتك الحياة بالشيب و السق / م فهيّء للفارك التطليقا
حمل الموت من لداتك شوقا / يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا
و كتابا من الهوى نمّوقه / فأجادوا البيان و التنميقا
و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك / حتّى يرضى و حتّى تليقا
غيّب القبر منك شمّاء مجد / وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن / و يستقبل المشوق المشوقا
حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا / كالضحى باهر السنى مرموقا
و أبا أسعد سقته دموعي / و سليمان ( و النّديم ) الصّدوقا
و اسق (قدري) و (عادلا) و (جميلا) / من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا
و اشك حزني (لمظهر) و (نجيب) / راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبور الغوالي / و يوفّى قبر الكريم الحقوقا
حدّثيني عن الهوى حدّثيني
حدّثيني عن الهوى حدّثيني / و أثيري كوامن الأشجان
عن ليالي نعمان جادت دموعي / ما جفاه الرباب من نعمان
عن كؤوس الصبا تدار علينا / و الندامى نواعس الأجفان
يا سليمى : و في الأحاديث سلوى / حدّثيني عمّا مضى حدّثيني
ذبلت هذه الخميلة حزنا / و سقاها من الردى ساقيها
كيف تذوي غصونها ظامئات / و أنا من مدامعي أرويها
هي في حاجة لعطف فتاة / فاذرفي دمعة الأسى تحييها
لا تضنّي بالدمع يوما عليها / من شروط الوفاء أن تبكيها
واذرفيه شعرا و طيبا و خمرا / إنّ فيه الدمع راحة للحزين
قد جفاها النسيم منذ ليال / آه ممّا جنى عليها النسيم
ضنّ في لحنه الرقيق عليها / بعد جود و قد يضنّ الكريم
فاحملي الناي و اتبعيني إليها / فمن البرّ أن يواسي الكليم
أسمعيها صوت الملائك يرجع / زهوها صوتك النديّ الرخيم
و اعيدي لحن الربيع ففيه / ماتمنّته من هوى و حنين
ذرفت دمعها سليمى فأحيت / ذابلات الغصون و الأوراق
و تغنّت ألحانها فأثارت / كامنات الشجون و الأشواق
زيّنت عاطل الخميلة جودا / بلال تجري من الآماق
و أعادت عهد الرّبيع إليها / مذ سقتها بالمدمع الرقراق
و حبتها من عطرها نفحات / تسكر الطير و عي فوق الغصون
عاطفات الحنان في صدر سلمى / كرّم الله هذه العاطفات
أيّ شعر لم يستكن للقوافي / مرقص في ألحانها المسكرات
ما أشدّ الظلام لولا شعاع / يرسل النور في عيون الفتاة
يا شعاع العيون وطفاء نجلا / أنت في ظلمة الأسى تهديني
يا شعاع العيون فيك قرأنا / سرّ هذي الحياة وهو دقيق
نعمة الله أنت في الكون لولاك / لعمّ الوجود حزن و ضيق
في ليالي الهموم ترسل نورا / بدعة العطر و الهوى فنفيق
خالق الكون قد براك عزاء / ليداوي آلامه المخلوق
ما عشقنا الحياة وهي شقاء / الناس لولاك يا شعاع العيون
دمعة من عيون هيفاء خود / تخلق العطف في قلوب القساة
بسمة في الحياة من شفتيها / تبعث النور في ظلام الحياة
لمسة من بنانها وهو رخص / برد تلك الجوانح الظامئات
نفحة من نهودها سرّ ما / ننشق بين الربى من النفحات
هي سرّ الحياة انشودة الله / شفاء الداء العصيّ الكمين
أنا أهوى بلا رجاء وما / حال محبّ يهوى بغير رجاء
بائس يا ابنة الصباح شقيّ / كفكفي من مدامع البؤساء
و ارحميني ففي غد يهب الله / ضياء لأوجه الرحماء
وهبيني خميلة جدت ما / جدت عليها بالنور و الأنداء
أنا أشقى منها و أظمأ روحا / أسعديني فالعدل أن تسعديني
ذا اعترافي أمام كاهنة الحبّ / فهل يغفر الخطايا اعترافي
لإله الهوى صلاتي و نسكي / و حوالي بيت الغرام طوافي
هيكل الحبّ طاف فيه جدودي / و جثت حول ركنه أسلافي
أنا راض بنظرة أو بوعد / منك للعلة الكمينة شافي
فعديني و لا تبرّي فحسبي / من نعيم الحياة أن تعديني
يرافقني سرابك أريحيّا
يرافقني سرابك أريحيّا / فأغمر بالرحيق و بالملاب
سراب أسمر القسمات هان / نديّ اللمح ورديّ الحباب
يزوّق لي الرّمال جنى و ظلاّ / و يغمز بالكؤوس و بالشراب
و قطّف ما ينور من طيوف / على أجفان ناهدة كعاب
و علّل بالرجاء فكان أحنى / عليّ من الأحبّة و الصحاب
محا حقد الهجير على الصحارى / و وحدتي المريرة و اغترابي
فيا نعمى القلوب و لا أداري / و يا نعمى العيون و لا أحابي
سرابك رحمة و منى حسان / سكبن طيوبهنّ على عذابي
أحثّ خطاي في اللّهب المدمّى / إلى أفيائه الخضر الرطاب
سقى عيني متارفه و روّى / ظماء الرمل بالنطف العذاب
فلو كان الشباب كما عهدنا / و هبت جزاء نعمته شبابي
بكيت من السراب فحين ولّى / و أوحدني . بكيت على السراب
و أشقاني اليقين فيا حنيني / إلى الخدع المنضّرة السوابي
مغان للسراب خفين إلاّ / طيوف الجنّ في الةهج المذاب
أتمحو يا سراب خطاك ... هوج / مواح للمعالم و القباب
يدلّ على خطاك شذا و حبّ / فأرشف ما وطئن من التراب
سقى اللخ السراب وفاء قلبي / و عطر سريرتي و صبا ربابي
و نضّره بأندى من دموعي / و دللّه بأنعم من عتابي
بما بين الجوانح من حنين / ملحّ في الشهود و في الغياب
بنار تدلّهي برؤى جنوني / بإيماني بحبّك بارتيابي
بوجهك و هو نور في صلاتي / بهمسك و هو ورد في كتابي
بعزّة لوعتي بحياء حزني / بسكري عند لمحك و اضطرابي
بأنداء الصّباح منمنمات / بما سكب الربيع على الروابي
سقى الله السراب منى بروحي / على الحرمان زاخرة العباب
فيصبح و هم نعمته يقينا / و تستغني الرمال عن السحاب
و تلثم ما أسبّح من شفاه / و ترشف ما أقدّس من رضاب
هواي سجيّة و شباب قلب / و جلّ صبا القلوب عن التصابي
خضبت بلون سمرتك المصفّى / حياتي و المحبّب من رغابي
و لامك عندنا قوم و عابوا / يجلّ النور عن لوم و عاب
و أنت النور في عيني و قلبي / على حاليك من شهد و صاب
سريرتك الضياء بلا غروب / و عيناك الغيوب بلا حجاب
وقفت بباب جاهك مطمئنا / كأنّ الدّهر و الدنيا ببابي
حلي النديّ كرامة للرّاح
حلي النديّ كرامة للرّاح / عجبا أتسكرنا و أنت الصاحي
لك في السرائر بدعة مرموقة / أنس المقيم و جفوة النزّاح
مجد كآفاق السماء اذا انتهت / منه نواح بادهت بنواحي
الدّهر ملك العبقريّة وحدها / لا ملك جبّار و لا سفّاح
و الكون في أسراره و كنوزه / للفكر لا لوغى و لا لسلاح
ذرت السّنون الفاتحين كأنّهم / رمل تناوله مهبّ رياح
لا تصلح الدّنيا و يصلح امرها / إلاّ بفكر كالشعاع صراح
مرح على كيد الحياة و أهلها / يلقى شدائدها بأزهر ضاح
خير العقائد في هواي عقيدة / شمّاء ذات توثّب و جماح
تبني الحياة على هدى إيمانها / و العقل مثبت غيرها و الماحي
سكرى العقيدة أين من آفاقه / سكر العيون و أين سكر الراح
ملك الحياة فخلف كلّ ثنيّة / لليأس يكمن منه ألف طماح
شرف المعارك بالجراح و بالردى / فبدار قسطك من أذى و جراح
و احمل بكفّيك الحياة تحدّيا / منها لأول معتد بالسّاح
ألعمر من غيب القضاء خبيئة / فابسط مصون كنوزه بالرّاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه / أغناك موجزه عن الشرّاح
و اختر لنفسك ميتة مرموقة / بين النّجوم على الأديم الصاحي
للموت في اللجج العميقة رهبة / شمخت بسؤددها على الضحضاح
حوّطت بالله العقيدة من أذى / خرقاء فاجرة اليمين وقاح
مترنّح العطفين من خيلائه / ماذا تركت لغارة و كفاح
و أنا الذي وسع الهموم حنانه / و بكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنّما / أتراح كلّ أخي هوى أتراحي
غسل الأسى قلبي و حسبك بالأسى / من غاسل حقد القلوب و ماحي
و وددت حين هوى جناح حمامة / لو حلّقت من خافقي بجناح
حبّ قد انتظم الوجود بأسره / أسد الشرى و حمامة الأدواح
أعمى تلفّتت العصور فما رأت / عند الشموس كنوزه اللّماح
نفذت بصيرته لأسرار الدّجى / فتبرّجت منها بألف صباح
من راح يحمل في جوانحه الضّحى / هانت عليه أشعّة المصباح
أمصوّر الدنيا جحيما فائرا / يرمي العصور بجمره اللّفّاح
هوّن عليك ففي النّفوس بقيّة / من رحمة و مروءة و سماح
خلف الخجير و عنفه و لهيبه / ما شئت من ظلّ و طيب نفاح
ضجّت ملائكة السّماء بساخر / مرّ الدعابة شاتم مدّاح
السخر فيه إذا أخذت بكفره / كالسخر حين تراه في النصّاح
نكب العقائد و الطّباع فيا لها / فتكات حتف كالقضاء متاح
و عدا على حرم السماء فيا له / فنحا أطلّ به على الفتّاح
عرّى السرائر و النّفوس ممزّقا / عنهنّ كلّ غلالة و وشاح
و جلا المصون من الضمائر فانتهى / همس النّفوس لضجّة و صياح
إن يقس في نقد الطباع فلم تكن / ترجى لرحمتها يد الجرّاح
إيه رهين المحبسين ألم يئن / إطلاق مأسور وفكّ سراح
ظفرت برحمتك الحياة وصنتها / عن كلّ ناعسة الجفون رداح
أتضيق بالأنثى و حبّك لم يضق / بالوحش بين سباسب و بطاح
يا ظالم التّفاح في وجناتها / لو ذقت بعض شمائل التفّاح
عطر أحبّ من المنى و غلالة / بدع فمن وهج و من أفراح
هي صورة لله عزّ و جلّ جلاله / عزّت نظائرها على الألواح
منحت بقدرته النعيم و لوّنت / أنواره جلّت يد المنّاح
ليت الهموم العبقريّة هدهدت / بحنان طيّبة اللّمى ممراح
لو أنّها نزلت على نعمى الهوى / نزلت مدلّلة بأكرم ساح
حرم على عسر الزمان و يسره / و حمى أمين السرب غير مباح
ما أحوج العقل الحكيم و همّه / و سع الحياة لصبوة و مراح
و لمن تدلّله و تسكر روحه / عند الهجير بظلّها النفّاح
أنثى إذا ضاقت سريرة نفسه / طلعت بآفاق عليه فساح
تسقى الهموم إذا وردن حنانها / بمعطّر كالسلسبيل قراح
وتردّهنّ عرائسا مجلوّة / كندى الصباح و كنّ غير صباح
للعبقريّة قسوة لولا الهوى / عصفت بكلّ عقيدة و صلاح
رعناء إن ترك الجمال عنانها / طاحت بفارس متنها الجحجاح
ما للشراع على العواصف حلية / إن لم تصرّفه يد الملاّح
إيه حكيم الدّهر أيّ مليحة / ضنّت عليك بعطرها الفوّاح
أسكنتها القلب الرّحيم فرابها / ما فيه من شكوى و رجع نواح
جرحت إباءك و الحياء فأقفلا / باب المنى و رميت بالمفتاح
لو أنصفت لسقتك خمرة ريقها / سكر العقول و فتنة الأرواح
و لأسعفتك على الهوى بمعطّر / بالحسن لا بشقائق و أقاح
لا تخف حبّك بالضغينة و الأذى / الحبّ جوهر حقدك الملحاح
و أطل هجاءك ما تشاء فخلفه / غرر منضّرة من الأمداح
العبقريّة و الجمال تحدّرا / من نبعة و تسلسلا من راح
أخوان ما طلع الضّحى لولاهما / إلاّ على العبرات و الأتراح
الظاّلمان المالكان و نعمة / ما أسلفا من زلّة و جناح
إنّ التي حرمتك نعمة حبّها / و أبيك عار كواعب و ملاح
لو كان في يديّ الزّمان و سرّه / و أعنّة الإمساء و الإصباح
في مشهد تكسو الوفود رحابه / و يغصّ بالغادين و الروّاح
لنزعت فتنتها و سحر جفونها / و محوت نور جبينها الوضّاح
و نثرت جوهر ثغرها من عقده / فصحاحه العطرات غير صحاح
و رددت للسبعين ريّق عمرها / و الحاليات من الصبا الممراح
و جلوت مرآتي .... فندّت صرخة / كلمى و غطّت خزيها بالرّاح
حتّى إذا أتمت ذلك كلّه / أشرفت انظر نظرة المرتاح
فثأرت من ظلم الجمال و ربّما / شمتت جراح في الثرى و أضاح
و إذا رأيتك ضقت فيه تنكّرت / للجدّ منه دعابتي و مزاحي
الوحدة الكبرى تهلّل فجرها / بظلال أبلج ذائد نفّاح
هذي العروبة في حماك مدلّة / ريع العدوّ بها و ضاق اللاّحي
الأزرق الرجراج حنّ لرملة / في الدّجلتين نديّة مسماح
و رأى الكنانة إن تماجدما جدت / بالعاص لا بمنى و لا بفتاح
سمعا حكيم الدّهر فهي قصيدة / و أبيك بدع مغرّد صدّاح
عصماء إن شهد النديّ خطيبها / تركت فصاح القوم غير فصاح
بدهت شواردها العدى بكتيبة / خضراء تلمع بالحديد رداح
هل في ثراك على المعرّة موضع / بين العيون لدمعي السحّاح
حنت النّفوس عليه تسكب حبّها / فجلت براح البيد غير براح
ما للجياد الأعوجيّة حسّرا / صرعى الهجير على المدى الفيّاح
فاعذر إذا لم أوف مجدك حقّه / لجج الخضمّ طغت على السبّاح
هات حدّثني فقد طاب السمر
هات حدّثني فقد طاب السمر / و أنر ظلمة نفسي يا قمر
سور الحسن فلا تبخل بها / إنّ للشاعر ألحان السور
أنا نشوان و من خمر الهوى / قد ترشّفت رحيقا بابليّا
سكرة الحبّ في عهد الصبا / كيف لا يعذر من كان صبيّا
في ظلال الورد أحسو خمرتي / مشركا في كأسي الزهر النديّا
نهلة منّي و منه نهلة / هكذا نرتشف الكأس هنيّا
لامني الناس على حبّ الطلى / فاعذر الشاعر فيها يا قمر
آه للأزهار من شاعرة / تجهل الأوزان و الشّعر شعور
آه للأزهار في أوراقها / كتب الدّهر روايات العصور
هذه الأغصان هزّتها الصّبا / نضرات كنّ بالأمس خصور
و ثغور الورد في أكمامه / كنّ للغيد المعاطير ثغور
هذه أسرار جنّات الرّبى / فاسمع السرّ وصنه يا قمر
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو / متى يتلاقى بعد نأيهم الصحب
أحبّه قلبي إن بعدتم فما نأى / عن القلب لا الذكر الملحّ و لا الحبّ
على طيفكم أغمضت عيني و التقى / صيانا له في مقلتي الهدب و الهدب
جلوت القذى عنها وفاء لطيفكم / فأحلامها نعمى و مدمعها عذب
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا / يرفّ عليه النّور و الظلّ و الخصب
أراكم على بعد المزار فياله / حنينا تلاقى عنده البعد و القرب
و يدنيكم منه خيال مجنّح / هراقت عليه نورها الأنجم و الشهب
خيال يجوز الدّهر و الكون و المنى / و يطوي الغيوب النائيات و لا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها / مطيّ و لا حطّ الرّحال بها ركب
و لله ما أوفى الخيال فبيننا / و بينكم منه الرّسائل و الكتب
يلمّ فيلقاكم و يشكو اليكم / من البعد ما نشكو و يصبو كما نصبو
و نظمأ لولا نهلة من رحيقه / أديرت فلا الساقي أفاق و لا الشرب
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها / فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم / و لم تتقبّله البصيرة و اللّبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي / أساريره بشر عليهنّ أم رعب
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذبا / فيا نعمة قد كان يحملها الكذب
يجسّ الطبيب النّبض حيران ذاهلا / و هيهات لا يغني الطبيب و لا الطبّ
و يرجو على اليأس المرير و إنّه / خداع الأماني و التعلّة و الحبّ
و للأهل أبصار روان تعلّقت / بعينيه إيجاب هنالك أم سلب
و صمت مرير دون ما فيه من أسى / بكاء الثكالى و التفجّع و الندب
فوارحمتا للنّاهلات من الصّبي / ألم يتهيّب من براءتها الخطب
غرائر من نعمى الدلال تلفّتت / فأعوزها عطف الأبوّة و الحدب
فيا للصّبي الهاني شجاني أنّه / حزين و من طبع الصبي اللهو اللّعب
فيا ربّ لا راع الطفولة رائع / و يا ربّ لا ألوى بنعمائها كرب
و يا ربّ للأطيار و الفجر و الندى / إذا شئت لا للعاصف الغصن الرطب
إذا نهلّ غرب من صغير جرى له / من الملإ الأعلى على صفوة غرب
إذا عبرات الطفل مرّت بمجدب / من النفس روّته ففارقه الجدب
دموع كعفو الله لو مرّ بردها / على الرّملة الحرّى لنضّرها العشب
و يا ربّ مر تصبح نسيما معطّرا / على كلّ محزون زعازعها النكب
و يا ربّ عندي من كنوزك حفنة / من الحبّ أذريها و لكنّها تربو
تمنّيت لو فاضت حنانا و رحمة / من الظالمين الخنزوانة و العجب
فلا يعوز الإنسان حبّ و نعمة / و لا يعوز الطّير الجداول و الحبّ
أرى الفرد لا يبقى و إن طال حكمه / و يبقى بقاء الحقّ و الزمن الشعب
و أشهد أنّ الظلم يردي فلو طغى / على السفح هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبّات رملها / إلى الله فانهارت مع العاصف الكثب
أبا أحمد هل يرفع الستر مرّة / عن الملأ الأعلى و تنكشف الحجب
و فزنا من النور المصون بلمحة / تقرّ بها عين و يندى بها قلب
و كشّف للأخرى صفاء مغيّب / حبيب إلى قلبي و لكنّه صعب
و لحت لنا في عالم الحقّ بدعة / من النّور يخبو كلّ حسن و لا تخبو
فرحنا نحيّي من نحبّ تحيةّ / تنازعها الشوق المبرّح و العتب
أتنأى فهلاّ وقفة يشتفي بها / خليل و يقضي حقّ لوعته صبّ
أتنأى و ما ودّعت أهلا و لا حمى / فأين الحنان السمح و الخلق الرّحب
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت / يضيق بها شرق المنازل و الغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد / فللعين من نعمى طلاقته شرب
أبا أحمد في ذمّة الله صارم / من الحقّ لا يشكو الضراب و لا ينبو
يمان محلّى فهو في السلم زينة / و تكشف عنف الموت في حدّة الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة / و لا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهودا لنا كالنور أمّا نعيمها / فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خزّ فارس / يدلّ و لا الديباج و الوشي و العصب
عهود نجيبات الأصائل و الضحى / و إن قلّ في الإنسان و الزّمن النجب
و لله ما أحلى مرابع لهونا / ينادم تربا في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم / و تصهل في أفيائها الضمّر القبّ
أحنّ إذا فارقتني بعض ساعة / و تحمد في الحبّ اللّجاجة لا الغبّ
شببنا على محض الوفاء وصفوه / كذلك آبائي و آباؤكم شبّوا
و يجمعنا نجر قريب سمت به / لغسّان أقيال غطارفة نجب
و حب رمته في اللّهيب لصهره / صروف الليالي و القطيعة و الذنب
و كأس تساقينا ثلاثين حجّة / عذوبتها طبع و تقطيبها كسب
أشمّ عبيرا من ترابك عاطرا / أمنك استعار العطر و النضرة الترب
فحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا / و جادته بالسّقيا يمينك لا السحب
أتسألين عن الخمسين ما فعلت
أتسألين عن الخمسين ما فعلت / يبلى الشباب و لا تبلى سجاياه
في القلب كنز شباب لا نفاد له / يعطي و يزداد ما ازدادت عطاياه
فما انطوى واحد من زهو صبوته / إلاّ تفجّر ألف في حناياه
هل في زواياه من راح الصبا عبق / كلّ الرحيق المندّى في زواياه
يبقى الشباب نديّا في شمائله / فلم يشب قلبه إن شاب فوداه
تزيّن الورد ألوانا ليفتننا / أيحلف الورد أنّا ما فتنّاه
صادي الجوانح في مطلول أيكته / فما ارتوى بالندى حتّى قطفناه
هذا السلاف أدام الله سكرته / من الشفاه البخيلات اعتصرناه
جلّ الذي خلق الدنيا و زيّنها / يالشعر أصفى المصفّى من مزاياه
نحن الذين اصطفانا من أحبّته / فلو تدار الطلى كنّا نداماه
و شرّف الشعر لما صاغه ترفا / فكنت نعمته النشوى و معناه
و راح ينشدنا عصماء شفّة / و مقلة و جننّا فاستعدناه
روحي فدى و ثن ما كان أفقرنا / إليه في عزّة النعمى و أغناه
إن كان يذكر أو ينسى فلا سلمت / عيني و لا كبدي إن كنت أنساه
يا من سقانا كؤوس الهجر مترعة / بكى بساط الهوى لما طويناه
عاصف باده الرّبى و دخان
عاصف باده الرّبى و دخان / أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر / و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد / عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار / من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام / و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى / من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء / أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى / منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف / و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر / و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب / فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر / إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن / و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع / إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن / ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي / لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها / الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي / من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي / من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في / دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على / البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر / و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها / من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني لكلّ عذراء لون / من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل / ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس / ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي / هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما / زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني / فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب / و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي / فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان / و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر / فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا / ربّ شكوى إسرارها إعلان
كيف أغضي على الهوان لجبّار / و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم / كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك / يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت و / الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح / للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها / الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت / همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه / فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض / في الدّجى لا تميّز الألوان
بدعة الذلّ حين لا يذكر الان / سان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من ال / فرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة / منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع / الأصنام فيها و تعبد الأوثان
يالها دولة تعاقب فيها / كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا / من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر / في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح / ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق / و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى / بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف / في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما / و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا / رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن / ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد / و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم / و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل / و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر / و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى / نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت / و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا / أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين / و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء / فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء / أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه / فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات / و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا / و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها / رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ / فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير / و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا / زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ / فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن / فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار / ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى / رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا / أنّها في رحابكم ضيفان
قلبي الواحة الطروب بصحراء / جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن لل / ركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي / فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا / جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي الن / فس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي / و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين / و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات / و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب / فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء / فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها / ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها / جنّتي وحدها الرضى و الأمان
يا أبا طارق تحيّة شعب / زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج / دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم / شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب / حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا / ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما / تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح / و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج / من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة / الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح / حتّى بالخاطر الشطآن
وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسرُ
وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسرُ / و همّك لا الدّاء الملحّ و لا العمرُ
إذا المرء لم يملك وثوبا على الأذى / فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ و الصبر
إذا ملكوا الدنيا على الحرّ عنوة / ففي نفسه دنيا هي العزّ والكبر
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا / أضاء له كون بعيد هو الفكر
فليلته صبح و عسرته غنى / و أحزانه نعمى و آهاته شعر
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى / فتؤنسها منّي الطلاقة و البشر
و أضحك سخرا بالطغاة و رحمة / و في كبدي جرح و في أضلعي جمر
كفاء لعسف الدّهر أنّي مؤمن / و عدل لطغيان الورى أنّني حرّ
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة / مجنّحة ما كفّ من شأوها أسر
أهدهد من أحزانها كلّما ونت / و يسلس بعد المري للحالب الدرّ
أطلّ على الدنيا عزيزا : أضمّني / إليه ظلام السجن أم ضمّني القصر
و ما حاجتي للنّور و النّور كامن / بنفسي لا ظلّ عليه و لا ستر
و ما حاجتي للأفق ضحيان مشرقا / و نفسي الضحى و الأفق و الشمس و البدر
و ما حاجتي للكائنات بأسرها / و في نفسي الدّنيا و في نفسي الدّهر
يريدون أسراري و للّيل سرّه / إذا نقّبوا عنه و ما للضّحى سرّ
لعمرك للضعف الخفاء و كيده / و للقوّة الكبرى الصّراحة و الجهر
و ما أكبرت نفسي سوى الحقّ قوّة / و إن كان في الدّنيا لها النّهي و الأمر
ة كنت إذا الطّاغي رماني رميته / فلا نصرتي همس و لا غضبي سرّ
و أحمل عن إخواني العسر هانئا / و يبعدني عنهم إذا أيسروا اليسر
فليت الذي عاطيته الودّ صافيا / تجاوزني من كأسه الآجن المرّ
و أشقى إذا أعرضت عمّن أحبّه / و لكن دواء الكبر عندي هو الكبر
و نفسي لو أنّ الجمر مسّ إباءها / على بشرها الريّان لاحترق الجنر
و يا خيبة الطاغي يدلّ بنصره / و من سيفه لا روحه انبثق النّصر
يغالي بدنياه و يجلو قتونها / و دنياه في عينيّ موحشة قفر
رأيت بزهدي ما رأى بغروره / فأعوامه ساع و آماده فتر
شكا حبّه لي و هو ريّان من دمي / و أنيابه حمر و أظفاره حمر
و صانع يستجدي الولاء فياله / غنى ملك الدّنيا و معدنه الفقر
تلّفّت لا شملي جميع و لا الهوى / قريب و لا فرع الصبى عبق نضر
و يا سامر الأحباب مالك موحشا / معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكرا
أديماك من حب القلوب تمزّقت / عليه فسال الحبّ و الشوق و الطّهر
إذا ظمئت في قطعها البيد نسمة / ألمّت به وهنا فرنّحها السّكر
فبا للصّبا العجلى إذا عبرت به / تأنّت كما يرتاح في الواحة السّفر
تمنّيت إجلالا له و كرامة / لو أنّ حصاه نجم الفلك الزّهر
و أجزع إن مرّت به الرّيح زعزعا / و أسرف حتّى جاوز الغاية القطر
فليت الرّبيع الطلق عاطاه كأسه / مدّى الدّهر لا برد عليه و لا حرّ
لقد ساءني غاد عليه و رائح / فمن كبدي فوق الثرى قطع حمر
و لو قدرت صانته عيني كرامة / كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
تطوف بك الأحلام سكرى كعهدها / و ينطف من أفيائك الحبّ و العطر
و يضحك لي وجه نديّ منوّر / كأن لم يغيّب من طلاقته القبر
و حتّى كأن لم يطوه عنّي الرّدى / فهل بعث الأموات أم ردّه السحر
تلمّ به الذكرى فيحيا كبارق / طواه الدّجى عنّي ليطلعه الفجر
و يبعثه حبّي و في كلّ خافق / صحيح الهوى بعث الأحبّة و النشر
فيا قلب فيك الرّاحلون و إن نأوا / و فيك النّدامى و الرّياحين و الخمر
خلعت على الموتى الحياة و سرّها / و طالعهم منك القيامة و الحشر
وفاء يصون الرّاحلين من الرّدى / إذا راح يدني من مناياهم الغدر
و يا سامر الأحباب طيف و لا كرى / و سكر و لا راح و ريّا و لا زهر
كلانا على ما كلف النفس من رضى / أضرّ به نأي الأحبّة و الهجر
أبا طارق هذي سراياك أقبلت / يرفّ على أعلامها العزّ و النصر
لقد قدنها حيّا و ميّتا فما ثنى / شكيمتها عنف و لا هدّها ذعر
فمر تشمع الدنيا هواك و ينطلق / إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر
و مر يتمزّق كلّ قيد أبيته / و يسرف على طغيانه الحطم و الكسر
تبرأت في دنياك من كلّ ناكث / ذليل فلا عرف لديه و لا نكر
و من زاهد لمّار رأى الصّيد مكثبا / تمزّق عنه الزهد و افتضح المكر
و ممّن يظنّ الفقر عذرا لكفره / و ما أقنع الإيمان إلاّ الرّدى عذر
يدلّ بماضيه فهل راح شافعا / بذي ردّة نسك تقدّم أو برّ
عصابة شر راح يبرأ منهم / إلى الله إبقاء على نفسه الشرّ
رويدك شرّ الكافرين موحّد / ألحّ عليه بعد إيمانه الكفر
عباديد شتّى ألّف الوزر بينهم / فلا رحم إلاّ الضراعة و الوزر
و بين اللئام العاثرين و إن نأت / مناسبهم قربى السجيّة و الصهر
تمنّيت أنّ الغيب شفّ فلم يعق / عن الملأ الأعلى حجاب و لا ستر
و لحت لنا في عالم الحقّ و التقى / على الموعد الهاني المقيمون و السفر
فقرّت بما تلقاه عيناك و انطوت / على النشوة الكبرى الجوانح و الصّدر
أتعلم أنّ الشام فكّت إسارها / فلا قيد بعد اليوم فيها و لا أسر
يصرّف أمر النّاس فيها موفّقا / معاوية الدنيا و صاحبه عمرو
و أنّ رياضا هزّ لبنان فانتخت / شمائل في لبنان ميمونة غرّ
رمى كلّ برد أجنبيّ مزوّر / و عادت لقحطان المناسب و النجر
و لمّا شكى لبنان ضجّت أميّة / و جنّت له بغداد و التهبت مصر
أبا طارق أبقيت للحقّ سنّة / هي العزّة القعساء و الفتكة البكر
بنيت عليها كتلة و طنيّة / من الصيد ما خانوا هواك و لا فرّوا
لقد حملوا عنك الجهاد و ما ونى / و حقّك ناب للخطوب و لا ظفر
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم / أمانتك الكبرى لديهم فقد برّوا
نماك و سيف الدولة الدار و الهوى / و غنّاكما أندى ملاحمه الشعر
و أقسم بالبيت المخرّم ما احتمت / بأمنع من كفّيكما البيض و السمر
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت / و حقّ بسيفي دولتيها لها الفخر
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا / دنا البرّ في عينيّ و انكشف البحر
بأسماعكم وقر و قد رحت شاكيا / و حاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
و أوحشتم الدنيا كأن لم تدس بكم / على الهام في الرّوع المحجّلة الشقر
و حتّى كأنّ الرّمل لم يروه دم / كريم المصفّى لا أجاج و لا نزر
فوارحمتاه للنّائمين على الطوى / و أتخم من قتلاهم الذئب و النسر
تهدّهم الصحراء هدّا و للرّدى / سلاحان في البيد : الهواجر و القرّ
و لا ماء إلاّ ما يزوّره بها / سراب نديّ اللّمح منبسط غمر
إذا سقطوا صرعى الجراح تحاملوا / على نفسهم و استؤنف الكرّ و الفرّ
و لو آثروا الدنيا لقد كان جاهها / تليدا لديهم و القسامة و الوفر
فمن مبلغ عنّي الشباب قصيدة / يحلّى بها ملك و يحمى بها ثغر
تطوّف في الدنيا الوساع كأنّما / هي الخضر أو يروي شواردها الخضر
هززت بها نوّامهم مترفّقا / و يؤذي الشباب المرتجى اللّوم و الزجر
إذا كنت في نصحي لهم غير موجع / فلي بالذي يرضي شمائلهم خبر
و عندي من زهز الشباب بقيّة / يرفّ الصبا فيها و أفياؤه الخضر
ألمّت بي الأيّام حمرا نيوبها / فما شاب لي قلب و لا شاب لي شعر
دروب العلى للسالكين عديدة / و أقربها للغاية الموحش الوعر
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى / لها العقل إمكانا فقد ينبع الصخر
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم / تلاقى على إعاناتها الظلم و القهر
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها / لكالبحر من أخلاقه المدّ و الجزر
أرى العفو و النسيان من خلق الصّبا / و لم ينس عند الشّيب حقد و لا ثأر
و ما أكرم النسيان و العفو منكم / إذا لم يضع حق و لم يحتسب وتر
و أنتم على دلّ الشباب و زهوه / و أهوائه ركن القضيّة و الذخر
أنا إن بعدت عن الدّيار فإنّني
أنا إن بعدت عن الدّيار فإنّني / يا ميّ قلبي في ديارك باقي
حبّي و إنّ شطّ النوى بمزاركم / حبّي و اشواقي لكم أشواقي
لا ترقبوا منّي تناسي عهدكم / إنّ الوفاء المحض من أخلاقي
أنا لست أخلف بالنوى ميثاقكم / أو تخلفون على النوى ميثاقي
و يريق أدمعي الصدود و إن يكن / دمعي لهول الموت غير مراق
أنا كالحسام إذا جلاه صاقل / يزداد إشراقا على إشراق
الزغاريد فقد جنّ الإباء
الزغاريد فقد جنّ الإباء / من صفات الله هذي الكبرياء
بأبي العزلاء في غمرتها / آلة الحرب جراح و دماء
بنت مروان اصطفاها ربّها / لا يشاء الله إلاّ ما تشاء
هي في غسان بأس و ندى / و هي في الإسلام فتح و بلاء
جمرة الحق فسبحان الذي / صاغ هذا الجمر من ظل و ماء
الأديم السّمح عطر و رؤى / ربّما أغفى عليه الأنبياء
و على كلّ مكان جدّة / تأسر العين و نعمى و رواء
خالف المشهد فيها جاره / فلدات الحسن شتّى غرباء
كلّ حسن بدعة مفردة / ليس بين الحسن و الحسن إخاء
تندر الأشباه ممّا اختلفت / صور الحسن و تخفى النظراء
ألورود الحمر ذكرى و هوى / و طيوف من جراح الشّهداء
نفحة الصّبح على غوطتنا / خبر عنهم و أطياب المساء
حملت زغردة العرس لكم / فانتشى الأفق و لم يصح الهواء
أيّها الدنيا ارشفي من كأسنا / إنّ عطر الشام من عطر السماء
شهداء الحقّ في جنّتهم / هزّهم للشام وجد و وفاء
تضحك (الرّبوة) في أحلامهم / هل عن الرّبوة في عدن غناء
كلّما هبّت صبا من (دمّر) / رنّح الجنّة طيب و غناء
خيلاء الحقّ في عدن لكم / يغفر الله لقومي الخيلاء
و اعذروا عدنا على غيرتها / إنّها و الشام في الحسن سواء
شهداء الحقّ هل يسكركم / في نعيم الله شعر و غناء
فسلوا الله بما قدّمتم / يكشف الله عم السرّ الغطاء
و إذا الفردوس مجلو على / مفرق الشمس فما فيه خفاء
عربيّ الدّار و الأهل معا / و الرحيق المشتهى و الندماء
حمحمات الخيل في أفيائه / و قرى الضيف و ترجيع الحداء
عمر الفردوس ظلا و قرى / و تجلّى للوفود الخلفاء
آل مروان جلال و ندى / و بنو العبّاس هدي و ضياء
متصافين على نعمائه / ليس في الجنّة إلاّ الأصفياء
سكب الله على أحقادهم / من نديّ الحبّ ما شاؤوا و شاء
و على السدّة قحطانية / جلي الملك و قيل : الشعراء
و تغّنيت فمرّت صور / لذّة الأحلام من دنيا الفناء
كلّما سلسلت من ألحانها / مسحوا الدمع على فضل الرّداء
أنت ميراث لنا من عمر / يسأل الديّان عنه الورثاء
يا فلسطين هوى مسعر / من ربى الشام و نصر و ولاء
و تحيّات الرضى من دجلة / و سلام الله من غار حراء
أين من ثأرك و الثأر دم / خالد الفتح و أين الأمراء
اليهود استأسدوا فيك فمن / جرّأ الضعف و أشلى الضعفاء
هان عن شكواي عبدان العصا / أنا أشكو من عهود الحلفاء
و تغنّيت فجنّت طربا / أريحيات و نعمى و حياء
جنّة الفردوس أنتم أهلها / و سواكم في حماها غرباء
أنا أشعاري من أحسابكم / غرر الأحساب و الشعر وضاء
هفت الحور و ألقت خمرها / أين رضوان و أين الرقباء
كلّ حوراء على أجفانها / يحلم السّحر و يغفو الإشتهاء
تمّ صفو الدّهر لولا محنة / في فلسطين و بلوى و شقاء
يا ربى القدس و ما أندى الرّبى / دمنا فيها ربيع و نماء
هذه الأطياف في جنّاتها / أريحيّات الجدود القدماء
همس الفردوس هل من نبأ / عن ربى الغوطة معسول الرّجاء
و نعم عندي بشرى عطّرت / بالزغاريد وجوه البشراء
إنتزعنا الملك من غاصبه / و كتبنا بالدم الغمر الجلاء
و سقانا كأسه مترعة / و سقينا و في الكأس امتلاء
و اقتحمنا حديدا و لظى / و جزيناه اعتداء باعتداء
سكرت ممّا ارتوت من دمه / غصص حرّى و ثارات ظماء
كلّما جدّل منّا بطل / زغردت في زحمة الهول النّساء
الظباء الأمويّات و في / خدرها الدّنيا : حمى الله الظّباء
كلّما نادين فتيان الحمى / كبّر الفتيان و ارتدّ النداء
نحن للغوطة في الجلّى فدى / و لهذا الكحل في العين فداء
سقت الجرحى فلم يظمأ فتى / رشف الكوثر من هذا السقاء
شهداء الحقّ لا أبكيكم / جلّت الغوطة عن ضعف البكاء
جلّ هذا الدم أن يرثى له / عار سفّاكيه أولى بالرّثاء
الرّبى في ميسلون استعبرت / أين دمع الحزن من دمع الهناء
أقبل الدّهر عليها تائبا / وعفا يوسف عن جور القضاء
يا ظباء الأمويّين اضحكي / تضحك الدّنيا و يغمرها الصفاء
و اغمزي الأنجم هذي أعين / شأنها في الدّهر لمح و اجتلاء
أعين حبّك قد سهّدها / فاغمريها بالمنى تغف السّماء
و على السدّة و النقع دجى / أموي الفتح مرموق البهاء
من عليّ فيه طهر و هدى / و من الفاروق بأس و مضاء
كيف أنسى يا زعيمي ليلة / عصفت نيرانها بالأبرياء
غوطة الشام جحيم فائر / و الميادين طعان و رماء
ما شكى الشاكون فيها ظمأ / أكؤس الحقد روّيات ملاء
ملك الطاغي الثنايا عنوة / و استحرّ القتل و اشتدّ البلاء
و تجارى الأمويّون إلى / غمرة الموت و فاز السعداء
جنّت النّخوة قحطانيّة / و هي عزلاء و جنّ الأقوياء
تخرس الأنباء ممّا حملت / فهي همس في شفاه السّفراء
عنف باريس شجاني أمره / بدعة الأقدار عنف الجبناء
قد عذرناهم على غدرهم / و استرحنا و استراح الطلقاء
سهّل الغدر على صاحبه / أنّه من كلف المجد براء
لم ينل من عزمك اليأس و لا / عنت الدّهر و لا الدّاء العياء
بورك الإيمان نورا و هدى / نعمة الله و سرّ العظماء
يصنع الدنيا و لا تصنعها / صور العقل و ألوان الدّهاء
كتب الله لك النّصر به / فعلى الظلاّم و الظلم العفاء
حقّ يوم الشام أن تكتبه / قدرة الله على وجه ذكاء
هذه الأرض لفرسانكم / ولعقبانكم هذا الفضاء
ملك مروان لكم وحدكم / قد جلا الإيمان كلّ الشركاء
الغد الميمون في الدنيا لكم / فاقتحم يا جيش و اخفق يا لواء
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا / من جنّة الله قلبانا جناحاه
يطير ما انسجما حتّى إذا اختلفا / هوى و لم تغن عن يسراه يمناه
ألخافقان معا فالنجم أيكهما / و سدرة المنتهى و الحبّ : أشباه
أسمى العبادة ربّ لي يعذّبني / بلا رجاء و أرضاه و أهواه
و أين من ذلّة الشكوى و نشوتها / عند المحبّين عزّ الملك و الجاه
تقسّم الناس دنياهم و فتنتها / و قد نفرّد من يهوى بدنياه
ما فارق الريّ قلبا أنت جذوته / و لا النعيم محبّا أنت بلواه
غمرت قلبي بأسرار معطّرة / و الحبّ أملكه للروح أخفاه
و ما امتحنت خفاياه لأجلوها / و لا تمنّيت أن تجلى خفاياه
الخافقان _ و فوق العقل سرّهما / كلاهما للغيوب : الحبّ و الله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا / و ما شهدناه لكنّا عبدناه
أرخصت للدمع جفني ثم باكره / في هدأة الفجر طيف منك أغلاه
و أسكرتني دموعي بعد زورته / أطيف ثغرك ساقاها حميّاه
طيف لشقراء كاس من متارفه / لو لم أصنه طغى وجدي فعرّاه
حمنا مع العطر ورّادا على شفة / فلم نغر منه لكنّا أغرناه
تهدّلت بالجنى المعسول و اكتنزت / و الثغر أملؤه للثغر أشهاه
نعبّ منه بلا رفق و يظمؤنا / فنحن أصدى إليه ما ارتشفناه
في مقلتيك سماوات يهدهدها / من أشقر النور أصفاه و أحلاه
و رنوة لك راح النجم يرشفها / حتّى ترنّح سكر في محيّاه
أطلّ خلف الجفون الوطف موطنه / بعد الفراق فحيّاه و فدّاه
يضيع عنّي وسيم من كواكبها / فحين أرنو إلى عينيك ألقاه
قلبي و للشقرة المغناج لهفته / ليت الحنين الذي أضناه أفناه
تضفّر الحور غارا من مواجعه / و تستعير روءاها من خطاياه
أغفين فيه لماما ثمّ عدن إلى / جنّاتهنّ و قد لملمن ريّاه
يسألن باللهفة الغيرى على خجل / : من فجّر العطر منه حين أدماه ؟
لم تعرف الحور أشهى من سلافتنا / رفّ الهجير ندى لما سقيناه
مدلّه فيك ما فجر و نجمته / ! مولّه فيك ما قيس و ليلاه !
من كان يسكب عينيه و نورهما / لتستحمّ روءاك الشقر لولاه
سما بحسنك عن شكواه تكرمة / و راح يسمو عن الدنيا بشكواه
يريد بدعا من الأحزان مؤتلقا / و من شقاء الهوى يختار أقساه
سكبت قلبك في وجدانه فرأت / يا عزّ ما شئت لا ما شاء عيناه
أنت السراب عذاب و قده و ردى / و تؤنس العين أفياء و أمواه
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد / من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته / فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي / و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست / تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه / ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية / سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه / عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا / و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها / لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف / و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته / فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد / يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها / أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها / صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها / في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا / كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا / و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم / و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة / هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى / و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته / و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي / من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا / من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها / يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة / فلا تزار و لا يدري بها أحد
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم / و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها / ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى / بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت / بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني / و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم / و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها / و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى / و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا / عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت / جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي / لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم / لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم / كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها / ألا يرقّ لها فرسانها النجد
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه / كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته / ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها / عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته / و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه / و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته / حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة / و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف / و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده / عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته / كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة / كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق / من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها / و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
أبا الكوكب من شعر و من ولد / تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق / و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل / أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها / و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى / بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه / لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت / إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم / لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن / فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده / زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى / و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى / ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه / على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته / لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته / محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا / أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته / لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر / البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة / ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا / و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم / حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا / عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف / و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله / فرحت بالموجة الزهراء أبترد
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها / منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها / شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا / و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم / كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم / و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم / عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة / و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة / أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها / و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها / و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها / و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها / لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته / و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا / و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها / قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية / أستغفر الله لا كفر و لا فند
حملت من بردى للأرز مرقصة / فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية / سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد / و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم / هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم / ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى / قواف من الأشعار تبقى و لا تفنى
أدرت على الأسماع منها سلافة / وأرضيت فيها الله و العرب و الفنّا
تحذّرني قرض القريض مهذّبا / عصابة شرّ لا تقيم له وزنا
و هدّدني بالسجن قوم سفاهة / فتى العرب الأنجاد لا يرهب السجنا
سأبعث من شعري جيادا مغيرة / عليها كماة تحسن الضرب والطعنا
و أذري على الأطلال أطلال يعرب / مدامع حرّ تستحيل قنا لدنا
هل الشعر إلا بسمة تمنح الفتى / هناء المنى أو دمعة تبعث الحزنا
يظنّون أنّ الشعر وزن وطالما / قرأت من الأشعار ما خالف الوزنا
من الشعر أحلى الشعر ثغر مقبّل / رشفت به السّلوى و لم أحرم المنّا
و في عين سلمى قد تلوت قصيدة / من الشعر لم تترك لضرّاتها حسنا
و للشعر آي في النهود قرأتها / و في الشفة اللمياء و المقلة الوسنى
نأيت عن الفيحاء لا عن ملالة / وحيدا و دمعي يوم فرقتها مثنى
فللّه مغنى الغوطتين و لا سقت / على البعد إلاّ أدمعي ذلك المغنى
يقولون : عنّ الغوطتين و هل رأوا / محبّا على مثوى حبيبته غنّى
فيا جنّة الفردوس لو لم يعث بها / شياطين إنس روّعوا الإنس و الجنّا
و يا جنّة الفردوس لكن قطوفها / بغير أكفّ الصيد من أهلها تجنى
حننت إلى ريّاك و السيف مصلت / و قد يعذر النائي الغريب إذا حنّا
و ذكّرني ريّاك روح شممته / كأنّ شذاه من خمائلك الغنّا
فيا واردي ماء الشام رويتم / فللّه ما أصفى و لله ما أهنى
و يا ناظري غيد الشام نعمتم / فللّه ما ابهى و للّه ما أسنى
و يا عصبة في الغوطتين فتاهم / إذا جاد لم يتبع عطيّته منّا
أرى أنّ هذا الأمر قد جدّ جدّه / فكونوا لنا حصنا نكن لكم حصنا
و لا تثن من هذي الأعنّة قوّة / فإنّ عنان اليعربين لا يثنى
و لا تقنطوا من بارق الفوز إنّني / أرى الفوز منكم قاب قوسين أو أدنى
لقد زعم الواشون أنّي نسيتكم / شروط الهوى : أن لا تعيروهم أذنا
يريدون هذا البعد بيني و بينكم / فلا نعموا بالا و لا صحبوا يمنا
هم حجبوا عنّا نسيم حماكم / و هم نقلوا زور الحديث لكم عنّا
أسئوا بهم ظنّا و إن لان مسّهم / فوا الله ودّوا أن تسيؤا بنا ظنّا
و إنّا على جور الخطوب و عنفها / و حقّ هواكم ما غدرنا و لا خنّا
لسرّ من الأسرار لا تجهلونه / تخلّت عن اليسرى شقيقتها اليمنى
لئن خان عهد الغوطتين عصابة / رأوا بيعهم ربحا و ألفيته غبنا
ففي الجبل النائي لعصبة جلّق / من القوم خدن لم يحن في الهوى خدنا
أمين على عهد الشام كأنّه / يرى و هي قيس الحبّ جلّق لبنى
إذا همّ أمضى همّه غير جازع / و راح و لم يقرع لفعلته سنّا
نمته إلى أبناء جفنه فتية / ميامين لم تألف سيوفهم جفنا
إذا طرقوا باب الملوك فإنّهم / بغير العوالي السمر لم يسألوا إذنا
خذوا حذركم يا ناقمين مع العدى / على النفر الأدنين من أهلكم جبنا
خذةا حذركم يا دافني رأي قومهم / فللشمس نور لن تطيقوا له دفنا
دعونا و هذا الأمر ننهض بعبئه / فما نحن منكم لا و لا أنتم منّا
رقدتم و ما نمنا غرارا على الأذى / و دنتم لأعداء الشام و ما دنّا
إذا أغمضوا جفنا عن الشرّ رحتم / تودّون أنّ القوم لم يغمضوا جفنا
فلا تكبروا هذي البرود نواعما / و إن فوّقت ذيلا و إن وسّعت ردنا
فليست تزين المرء حلّة سيّد / إذا كان عبدا في شمائله قنّا
لأهنأ من ربّ القصور مقيّدا / طليق من الأطيار أبقوا له وكنا
أديري عليّ الكأس صرفا و علّلي / فتاك فقد أفنى الهوى منه ما أفنى
و غنّى على لحن الشباب فإنني / لأعشق هذا الثغر و الناي و اللّحنا
لئن أطفئت يا ميّ نيران يعرب / هوانا فإنّا سوف نضرمها إنّا
و لا بدّ من يوم أغرّ محجّل / تطير الجبال الراسيات به عهنا
يصافح فيه قائم السيف خالد / فيضرب حتّى يكسر السيف أو يحنى
و كم في بطون اليعربيّات خالد / سيرجع ظهر الأرض من خنق بطنا
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى و الشّعر منّي
لك سحر مثل سحري عجب / أترى عندك حزنا مثل حزني
فترنّم بأناشيد الهوى / ناعما ما شئت من غصن لغصن
و تعلّم كيف يبكي شاعر / ضاع ما بين صدود و تجنّ
إنّما الدنيا و في أمثالها / عبر الدنيا و أصداء التمنّي
غارة لم أهيّب جمرها / فنبا سيفي و لم يسلم مجنّي
ربّ دهياء أناخت بالحمى / -غاب حاميه و خطب مرجحنّ
بين سمع و عيان ليتني / لا ترى عيني و لا تسمع أذني
ما على لحني و قد أرسلته / يلهب الدنيا على الغاضب لحني
فإذا لم أستثرها همما / لا ورى زندي و لا ظلّل ركني
غنّ يا بلبل فوق الدوح غنّ / أنت أولى بالهوى و الشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
تاج هارون خبا لألاؤه / فبكت دجلة حزنا و الفرات
وذرى الزّهراء خرّت بعدما / طاولت زهر النجوم النيّرات
وبنو مروان ولّوا وانطووا / و تخلّوا عن متون الصافنات
قل لجيش الروم ماذا تتّقي / طاح ريب الدهر غدرا بالغزاة
لا بنو العبّاس في زخم الوغى / لا ولا أبناء حمدان الأباة
عقلت بين خيام المنحنى / و الفراتين عتاق السابقات
و هي الأسياف في أغمادها / صدئت يا ويلتي للمرهفات !
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
قف على اليرموك و اخشع باكيا / و تيمّم من صعيد القادسيّة
تربة طيبة طاهرة / و قبور من حيا الدمع رويّه
ها هنا مثوى الصناديد الألى / قد لووا قسرا عنان الجاهليّة
دوّخوا الروم وثلّوا عرشها / وطووا حمر البنود الفارسيّة
و قضوا الأحجار والثمه ثرى / طاهرا واعقر على القبر المطيّة
يا قبورا محيت واندثرت / أنت نبراس الهدى والوطنيّة
لك من دمعي إذا ضنّ الحيا / ديمة تبكي ووطفاء روّيه
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشّعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
قد رأوا ليلاي تذري دمعها / كرّم الله الدموع الطاهره
حرس الله جفونا عطّرت / بالندى تلك الخدود الناضره
كفكفي دمعك لا يشهده / ناظر حتى النجوم الزاهره
إنّ لي يا ابنة ودّي همّة / تخضد الخطب ونفسا ثائره
وأراني في غد مقتحما / مستظلا بالسيوف الباتره
ملقيا نفسي في غمرتها / كيفما دارت هناك الدائره
فإذا متّ غريبا نائيا / و أنا في التسع بعد العاشره
أذكريني واحفطي عهد الهوى / واندبي شؤم الجدود العاثره
لست تالله محبّا غادرا / لا تكوني بعد موتي غادره
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيهّا الطير دروس الهمّ عني
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا / عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت / مراشف الحور من حصبائها حسدا
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا / إرث الفتوح و من مرّانها قصدا
ألملم الجمرات الخضر من كبدي / و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا
و أرشف الكأس من عطر و من غيد / فأسكر المترفين العطر و الغيدا
فديت سمراء و من لبنان ساقية / حنانها ما اختفى من غربتي و بدا
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره / نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا
حوريّة طاف جبريل بجنّته / يريد ندّا لريّاها فما وجدا
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا / إذا سهدت على جمر الغضا سهدا
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة / بخيلة فسقتني الشّهد و البردا
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا / نهدان من نغمات الله قد نهدا
أودعت عندهما بعض الشّباب فما / خانا وديعة أيّامي و لا جحدا
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته / ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة / و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها / بما أحبّ شبابا جامحا وددا
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته / فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني و أجفله / عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة / و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها / يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا
ألحانيين على قلبي و لوعته / يبدّدان من الأحزان ما احتشدا
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته / رأى من الحقد أقساه و ما حقدا
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه / على النوى حقد أحباب و حقد عدى
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني / و كنت أكبره لو عفّ منتقدا
عانيت جهد محبّ في الوفاء له / و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا / فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا
دعوا كرامتي العصماء نازلة / على الشموس تذيع الحسن و الرأدا
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت / إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها / رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت / يميني القمرين : الشّعر و الصيدا
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا / و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة / من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ / جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها / فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت / روما و غار الضّحى منها فما شهدا
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما / و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته / لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا
وجه الشام الذي رفّت بشاشته / من النّعيم لغير الله ما سجدا
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى / و ألف لون من البلوى و ألف ردى
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة / فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا
جهد العفاة من العمّال جزيته / و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته / ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه / حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا
الظامئ القلب من خير و مرحمة / فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا
لو استطاع محا أمجادنا بطرا / لم يبق لا بدرا و لا أحدا
دع الشام فجيش الله حارسها / من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا
عزّت على كلّ فرعون عرينتها / ما روّضت و يروض القانص الأسدا
إذا العدوّ تحدّاها بصولته / نهدت أرخص روحي كلّما نهدا
تقحّمت كبريائي بوم محنتها / ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني / عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم / و سخّروا لهواه المال و العددا
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل / و قد غدا للطغاة العون و المددا
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت / على يديك و نور مات بل وئدا
قد أنكر المشعل الهادي رسالته / فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها / على هواه و لا ثأرا و لا قودا
و من حمى ظلم فرعون لأمّته / فقد تفرعن طغيانا و معتقدا
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه / جنون طاغ فأضحى شمله بددا
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم / لصرح طغيانه الأركان و العمدا
لا أكذب الله من أموالكم صقلت / خناجر طعنت حريّتي و مدى
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته / جيش الشام عن الثارات ما رقدا
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته / غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه / خابت رياحك هذا الجمر ما همدا
ألحامل الغار أمجادا منضّرة / و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا
تبرّجت في السّماء الشمس حالية / لتشهد العدّة الشهباء و العددا
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا / شورى و قد داس حكم الفرد منفردا
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها / و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا / و لن يفارق حلف حلفه أبدا
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت / توزّع النّور و النعماء و الرشدا
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة / لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة / هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة / كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به / لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة / كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
كلاهما أملت السمحاء حرمته / على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة / و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته / و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا
أفدي الشام لنعماها و عزّتها / من أربعين أقاسي الهول و النّكدا
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى / و غاب تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد شلّ الموت سرحهم / ليت النّجوم و روحي للّدات فدى
الرّاقدون و جفني من طيوفهم / في سامر ضجّ في جفني فما رقدا
قبور أهلي و إخواني و غافية / من الطيوف و أسرار و رجع صدى
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى / لمحت مارد جنّ حوله رصدا
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها / و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا
ألحانيات على تلك القبور معي / و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة / منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا
هشّت إلىّ قبور أدمعي عبق / على الرّياحين في أفيائها و ندى
ضمّتني الشام بهد النأي حانية / كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا
ردّت إليّ شبابي في متارفه / و هيّأت للصيال الفارس النجدا
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي / كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا
أمّا الشباب فربّما نادمته
أمّا الشباب فربّما نادمته / ريّان من حبّي و من عبراتي
صاحبته عشرين أذنب في الهوى / دلاّ و تغتفر الملاح هناتي
قصرت لياليه و كلّ قصيرة / في الطّيبات عريضة اللّذاّت
في ذمّة الحدق المراض عهوده / سكرى المنى قدسيّة النّفحات
أصبحت لا لعس الشفاه كعهدها / كأسي و لا حدق المها مرآتي
يا من يلحّ هواي في استعطافها / و تلحّ في ظلمي و في إعناتي
أنكرتني بعد الشباب و ما خبت / نار على شفتيك من قبلاتي
أيّام أرشف من لماك سلافتي / و أعلّ من آهاتك العطرات
و أمدّ أشراك الغواية و الهوى / لأثير فيك كوامن الشهوات
فتثور و هي عنيفة صخّابة / هوجاء بعد رويّة و أناة
هيهات يرجعها إلى اطمئنانها / إلاّ هوى شرس الشمائل عات
و حلفت ثغرك ما تقبّل رشفة / من عابديك أحبّ من رشفاتي
و نعم تنكّر لي الشباب و فاتني / ما فات من أيّامه النضرات
فتقبّلي ذكرى هواي بقيّة / منه ترفّ لماك في نغماتي
قف بالشآم مسائلا آثارها
قف بالشآم مسائلا آثارها / مرحى لمن أمّ الشآم و زارها
أهوى أزاهرها أحنّ لعهدها / أشتاق بلبلها أحبّ هزارها
قضّيت أيّامي القصار بظلّها / جادت مدامع مقلتيّ قصارها
أفدي مهفهفة القوام أسيرة / تشكو القيود فمن يفكّ إسارها
غلّوا الأسود الصيد من أبطالها / في الغوطتين و حجّبوا أقمارها
و كسوا مناكبها فلا أنجادها / تركوا لقاطنها و لا أغوارها
هذي الشام فحيّ ليث عرينها / يوم النزال لبابها مختارها
إن كان قد هجر الشام فإنّه / أبكى الشام و هزّها و أثارها
حزنت قبور الفاتحين و أطلقت / حمر الدموع و أرسلت مدرارها
و بكت غياض الغوطتين أما ترى / أنّ المدامع بلّلت أزهارها
يا ابن الصناديد الألى قد عفّروا / هام الملوك و نكّسوا جبّارها
ألموقدي نار الضيافة أرسلت / مثل الجبال الراسيات شرارها
من كلّ وضّاح الجبين مغامر / يغشى المعامع مستثيرا نارها
كأس المنيّة في فرند حسامه / فإذا التقت حلق البطان أدارها
قد أرقلت بك في الخضمّ مطيّة / هوجاء ما نكث الخضمّ مغارها
ظمأى تسير على الخضمّ مجرجرا / سير الذلول و لا تبلّ أوارها
فإذا بلغت الغرب و هو ممالك / بالسيف تمنع مجدها و ذمارها
رفعت على حدّ السيوف عروشها / و بنت بأشلاء الضعاف ديارها
قل إن جلست مخاطبا طاغوتها / و محاورا في بغيه جزّارها
ما للشآم نسيتم ميثاقها / و خفرتم بعد العهود جوارها
قرّبتم للطيّبات عبيدها / و حرمتم حتّى الكرى أحرارها
عزّ العزاء فكفكفوا عبراتها / و خلا النديّ فأطلقوا أطيارها
لا تكذب الأمم القويّة إنّها / باسم الحضارة ثقّفت خطّارها
و لتهنأ الأمم القوية . إنّها / قد أدركت ممّن تخادع ثارها
قالت : لقد بلّغتكم أوطاركم / و هي التي بلغت بنا أوطارها
يا عصبة الصيد الغطاريف الألى / حفظوا الجدود و خلدوا آثارها
هذي سيوف الفاتحين من البلى / قذ صنتم أجفانها و شفارها
جدّدتم عهد الحفاظ لأمّة / الله طهّر خيمها و نجارها
ارجعتم صور العروبة غضّة / فكأنكم ارجعتم إعصارها
و بعثتم أمم الجزيرة بعدما / طويت و حلل فذكم أطوارها
أنطقتم الصّور الجماد فخبّرت / عن شأنها و رويتم أخبارها
و سللتم صمصامها من غمده / متألّقا و جلوتم دينارها
و رفعتم ركن القضية عاليا / بجهادكم و كشفتم أسرارها
مرحى لناشئة الشام و مرحبا / بالنشء إن عثرت أقال عثارها
ألناهضين ليمنعوا ميراثها / و يجدّدوا علياءها و فخارها
هذي الرّبوع سررتم غيّابها / بجهادكم و حرستم حضّارها
أسهرتم جفن العدوّ و رحتم / ندمان كلّ فضيلة سمّارها
أرجعتم صور العروبة غضّة / فكأنّكم أرجعتم عصارها
و رفعتم ركن القضيّة عاليا / بجهادكم و كشفتم أسرارها
و أرى العدوّ دعاكم أغرارها / أفدي الذين دعاهم أغرارها
لا تفنطوا فلقد غرستم جنّة / تجني أكفّكم إذا أثمارها
و خذوا شعاركم القلى لعصابة / تخذت مولاة الغريب شعارها
نسيت عروبتها و لم تعشق بها / مئناف جنّات الحمى معطارها
أغفت على أعذارها فتريّثوا / ألله ليس بقابل أعذارها
حسب العروبة أنّكم لبّيتم / يوم النداء و كنتم أنصارها
بردى أدار عليكم صهباء / و جلت عرائسه لكم نوّارها
و اخجلتي للناكرين جميلها / و الثالمين مع العدوّ غررها
عقّوا البنين و ما سمعت بناقة / وطئت على مهد الصعيد حوارها