القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 265
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ / مزاميرَ عزّافٍ أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة نوافذاً / إلى القلب يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها / وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين وقولِهم ْ : / أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ / أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً / لِطافاً مجاريها غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً / إذا لم أُشاورْهُ ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً / وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ / متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ / بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً / وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ / يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما / تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي / شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ / شَكاةٌ بأخرى دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها / ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها / برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ / نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني / حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً / وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً / لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً / من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها / على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ / تلوحُ له أشباحُها في الطلائع
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ / يدٌ ويدٌ بين الحشا والأضالع
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ / فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً / شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا / براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ / إلى القبرِ أخرى وهي أمُّ الفجائع
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ / مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها / مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها / ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ / مليءٍ وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ / تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع / تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ / ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
وكُنَّ بريقاً في عُيوني وهِزَّةً / بجسمي وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً / مِن النوم يَسري في العيون الهواجع
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها / إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي / وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ / وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ / وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع / ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع "
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ / خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ / بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ / أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً / حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي / وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى / ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي / سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ / فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني / على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع
أنا اليومَ إذ صانعتُ أحسنُ حالةً / وأُحدوثةً منّي كغير مصانع
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها / إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه / إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا / حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي / تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ / ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع
أي جَرَبا تجرَّبي
أي جَرَبا تجرَّبي / تكتَّلي تحزَّبي
كإبرة البحار في / عاصفةٍ تَذبْذبي
وكالطُيورِ في السما / ءِ حُرَةً تَقَلَّبي
أي جَرَبا ويحَكِ ما / أصَلفَ وجهَكِ الغبي
اكلَّ يومٍ تطلُعيـ / ـن للوَرى بكَوكب
مذنَّبٍ من فَضْل ما / أُعطيتِه من ذَنَب
فتارةً بمشِرقٍ / وتارةً بمغرب
أيْ جَرَبا في كلِّ يَو / م حُلةً تَجَلْببَي
أيْ جرَبا كم تَدَّعيـ / ـنَ عفةً لم تُوهَبي
إذ أنت للفَجْرة تمـ / ـتطين شرَّ مركب
أيْ جَرَبا يا بَهْلوا / نَ الملعَب المجرَّبِ
يا ضُحكةً جاد بها / الدهرُ على مكتئِب
يا فرُجةً لمُعدِميـ / ـن فرجةً عن كَثِب
يا حَكَّةً من جَرَبٍ / في دُمَّلٍ مُلتَهِب
يا ثمَرَ العارِ ويا / جريمةَ التَسيُّب
يا " هِرةً " تُريد أن / تَحكي دهاءَ ثَعلَب
يا أُمةً مغلوبةً / لأجذمٍ مُغَلَّب
يا بُومةً خائفةً / من خائِفٍ مُرتَقِب
من سارِقٍ متَّهمٍ / وخائنٍ مرتكِب
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره / وقل خفية أين استقلت عساكره
ولم شرق الناعي بمنعاه عله / رأى شامتا يخشى وعيناً تحاذره
فخافت فلا تفصح بما طرق الهدى / جهارا وقل قد أسلم الغاب خادره
وشكواك فاكتمها وقل متجلدا / زمان مضت أولاه هذي أواخره
وهل ينفع المفجوع حبس دموعه / وباطن ما يخفيه يبديه ظاهره
وقالوا : بنو الآمال تشكو من الظما / فقلت : نعم بحر الندى جف زاخره
لفقدك أبكى باطن الأرض ظهرها / فعادت سواءً دوره ومقابره
إذا كان ورد الموت من عمر ماجدٍ / فما عن سوى الأمجاد تهوى مصادره
أبا حسن في الصدر مني سريرة / سأكتمها حتى تباح سرائره
أعدوك للأمر الجليل وأضمرت / خلاف الذي قد أضمروه مقادره
ولم تدرك الثأر المنيم من العدى / فجفنك لم أغضى وهوم ساهره؟
سلام على النعش الخفيف فقد ثوت / ثقال المعالي عنده وأواصره
أناعيهِ خفضْ فالشريعة تعتزي / إلى شيخها فانظر لما أنت ذاكره
لفقدك حال الدين عما عهدته / فمسلمه في ذمة الشرع كافره
فلا بلغ الناعي على دين أحمد / مناه ولا حاقت يديه بواتره
فلو شاء ذاك القبر بين كم به / أماني نفوس قد طوتها ضمائره
فيا لاسقت إلا يداه ضريحه / ففيه مسح الغيث حل وماطره
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ / وإلام ذا الابراقُ والارعادُ
أنا إن غصصتُ بما أحسُّ ففي فمي / ماء وبين جوانجي إيقاد
يا نائمينَ على الأذى لا شامُكم / شامٌ ولا بغدادُكُمْ بغداد
تلك المروج الزاهراتُ تحولت / فخلا العرينُ وصوّح المرتاد
هُضِمت حقوقُ ذوي الحقوق وُضيِّعت / تلك العهودُ وخاست الآساد
أعزِزْ على الأجدادِ وهي رمائم / أن لا تُعزَّ تراثَها الأحفاد
فزِعت الى تلك المراقد في الثرى / لو كان يُجدي بالثرى استنجاد
قَرِّى شعوبَ المَشرقَيْنِ على الأسى / ميعادُ فكِّ أسارِك الميعاد
أخذوا بأسباب السماء تعالياً / واستنزلوكِ الى الثرى أو كادوا
يسمو الخيال بنا ويسمو جهُدهم / بِهمُ فكلُّ عنده منطاد
ايهٍ زعيم الشرق نجوى وامق / لَهجٍ بذكركَ هزَّهٌ الانشاد
ان فَتَّ في عضُدِ الخِلافة ساعدٌ / فلكَمْ هوت بسواعد أعضاد
ولكم تضرَّت في القلوب عواطفٌ / ثم انثنت وكأنهنَّ رماد
خُطَّت على صفحات عزمك آيةٌ: / إن الحياة ترفعٌ وجهاد
حاطت جلالَك عصبةٌ ما ضرّها / أن أبرقت أن يكثُر الارعاد
أأنا منكم حيث الضُّلوع خوافق / يهفو بها التصويبُ والاصعاد
انا شاعرٌ يبغى الوفاق موِّحد / بين الشُّعوب سبيلُه الارشاد
ما الفرسُ والأعراب إلا كَفتا / عدل . ولا الاتراكُ والأكراد
لم تكفنا هذي المطامع فُرقةٍ / حتى تُفرِّقَ بيننا الأحقاد
ألغات هذا الشرق سيري للعلى / جنباً لجنب رافقتك الضاد
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ / بِعينَيَّ أطيافُه تَمْرَحُ
أرى الشَّمْسَ تُشْرِقُ من وجهِهِ / وما بينَ أثوابِه تجنح
رضيِّ السّماتِ كأنَّ الضَّمير / على وَجْهِهِ ألِقاً يَطْفَح
كأنَّ العبيرَ بأردانهِ / على كلِّ " خاطرةٍ " يَنْفح
كأنَّ بريقَ المُنى والهنا / بعينيهِ عن كوكبٍ يقدح
كأنَّ غديراً فُويقَ الجبينِ عن / ثقةٍ في " غدٍ" يَنْضَح
كأنَّ الغُضونَ على وَجْنَتيهِ / يكنُّ بها نغمٌّ مُفرِح
كأنَّ بهامتهِ منْبعَاً / من النُور أو جمرةً تجدح
كأنَّ " فَنَاراً " على " كاهل " / يُنارُ بهِ عالَمٌ أفسح
وآخَرَ شُدَّتْ عليه يدٌ / فلا يَسْتَبينُ ! و لا تُفْتَح !
أحنُّ إليهِ بليغَ الصُمُوت / معانيهِ عَنْ نَفْسِها تُفْصِح
تَفايَضَ منهُ كموجِ الخِضمِّ / أو لحنِ ساجعةٍ تصدَح
جَمالٌ . وليسَ كهذا الجمال ! / بما بهرَجَتْ زِينةٌ يُصْلَح
كأنَّ الدُّهورَ بأطماحِها / إلى خِلقةٍ مِثْلِهِ تَطْمَح
كأنَّ الأمورَ بمقياسهِ / تُقاسُ فتؤخذُ أو تُطرح
كأنَّ الوجوهَ على ضَوئهِ / نلوحُ فتَحْسُنُ أو تَقبح
يُداعِبُني إذ تَجِدُّ الخُطوبَ / فأمْزَحُ منها كما يَمْزَح
يُشَدُّ جَناني بعَزْماتهِ / ودمعي بِبَسْماتهِ يُمْسَح
ويُبْرِدُ نَفسي بأنفاسهِ / إذا لَفَّني عاصفٌ يَلْفَح
ويَطْرقُني كلَّما راودَتْ / ضميريَ فاحشةٌ ترشَح
وكِدْتُ أُطاحُ بإِغرائِها / فأحْدو ركائبَ مَنْ طُوِّحوا
فيمشي إليَّ وثِقْلُ الشُكوك / مُنيخٌ على النَفْسِ لا يَبْرَح
وقد أوشكَ الصَّبرُ أنْ يلتوي / ويَكسِرَهُ المُبْهِضُ المُتْرِح
وحينَ تكادُ شِغافُ الفؤاد / بِسِكّينِ مُطْمِعةٍ تُجْرَح
وإذْ يُركِبُ النَفْسَ حَدَّ الرَّدى / عِنانٌ من الشرِّ لا تُكبَح
وإذْ يعْصُرُ القلبَ حُبُّ الحياة! / وكأبوسُ حِرمانها المُفْدِح
فيرفعُ وجهي إلى وَجهِه / ويقرأُ فيه ويَسْتَوضِح
فأرجفُ رُعباً كأنَّ الحشا / تَخَطَّفَهُ أجدَلٌ أجدَح
وأفْهَمُ مِنْ نظرةٍ أنَّني / لشرٍّ فكَرْتُ بهِ أصْلُح !!
وأنَّ الضَّميرَ بغيٌّ يجيء / لها " الَّليلُ " ما " الصُّبْحُ " يَستقبِح
وأنْ ليسَ ذلكَ مِنْ دَيْدَنٍ / لِمَنْ هَمّهُ عالَمٌ أصْلَح
فأنهالُ لثماً على كفّهِ / وأسألُ عفواً وأسْتَصْفِح
أحِنُّ له : وكأنَّ الحياةَ / خضراءَ مِنْ دونه صَحْصَح
أحِنُّ له : وأحبُّ الكَرَى / لسانحةٍ منهُ قد تَسْنَح
أحِنُّ له : ليسَ يَقْوَى النَّعيمُ / وكُلُّ لذاذاتهِ مُرْبِح
ولا كلُّ ما نَهَزَ الناهِزون / من المُمتِعاتِ وما استَنْزَحوا
ولا كلُّ ما أمَّلَ الآمِلون / ولا مُخْفِقٌ منهُ أو مُنْجَح
لِتَعْدلَ مِنْ ثَغْرهِ بسمةً / بها نَسْمةُ الخْلدِ تُسْتَرْوَح
فيا ليتني بعضُ أنفاسهِ / لأمْنَحَ مِنْهُنَّ ما يُمْنَح
ويا ليتني " ذرّةٌ " عندَه / لأسْبَحَ في فَلَكٍ يَسْبَح
أحنُّ إلى شبحٍ يلمحُ / بعيَنَّي أطيافُه تَمْرَح
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع / وأشكو الليالي لو لشكواي تسمع
أكل زماني فيك هم ولوعة / وكل نصيبي منك قلب مروع
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها / وكيف وتيار الأسى يتدفع
أغرك مني في الرزايا تجلدي / ولم تدر ما يخفي الفؤاد الملوع
خليلي قد شف السها فرط سهدها / فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأني وقد رمت المواساة في الورى / أخو ظمأ مناه بالورد بلقع
كأن ولاه الأمر في الأرض حرمت / سياستهم أن يجمع الحر مجمع
كأن الدراري حملت ما أبثه / إلى الليل من شكوى الأسى فهي ضلع
كأن بلاد الحر سجن لمجرم / وما جرمه إلا العلى والترفع
ستحملني عن مسكن الذل عزمة / باسعافه دون البرية أطمع
أرى لك في هذا التورع مقصداً / وإلا فما ضب الفلا والتورع
تلفعت بالتقوى وثوبك غيره / فلله ذياك الضلال الملفع
لعل زماناً ضيعتني صروفه / يرق فيرعى فيه قدر مضيع
وخلاً أساء الظن بي إن بدت له / حقيقة ما أخفي عن الشر يقلع
إليك زماني خذ حياة سئمتها / هي السم في ذوب الحشاشة ينقع
وإني وإن كنت القليل حماقة / فلي مبدأ عنه أحامي وأدفع
ولو أنني أعجلت خيفت بوادري / ولكن صبر الحر للحر أنفع
عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها
عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها / هذّبتْ طبعي وصفَّتْ خُلُقي
حُرَقٌ تملاء روحي رقةٍ / أنا لا أُنكِرُ فضلِ الحُرَق
أنا باهَيْتُ في الهوى / لا بشوقي أين من لم يَشْتَق
ثق بأن القلبَ لا تشغَلُهُ / ذكرياتٌ غيرُ ذكراك ثق
لستَ تدري بالذي قاسيتُهُ / كيف تدري طعمَ ما لم تَذُق
لم تدعْ مِنّيَ إلا رَمَقاً / وفداءٌ لك حتى رمقي
مُصبحي في الحزن لا أكرهُهُ / إنما أطيبُ منه مَغْبَقي
إن هذا الشعر يشجي نقلُهُ / كيف لو تسمعُه من منطقي
ربّ بيتٍ كسرت نبرته / زفرات أخذت في مخنقي
أنا ما عشت على دين الهوى / فهواكم بَيْعةٌ في عنقي
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا / سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك / همّاً وأن تروحوا ضَياعا
سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ / حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً / يشتكي طولَ دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض / شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ / أذني ما لا تُّطيق استماعا
جُلْ معي جولةً تُريك احتقار / الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام / الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب / دقَّت خزفَ الحساب ارتياعا
فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ / عنفاً ومهنةً واتضاعا
إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ / العِرضُ منه يُجِلّه أن يباعا
بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا / مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا / وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
اختبرنا إنَّا أسأنا اختباراً / واقتنعنا إنا أسأنا اقتناعا
وندِمنا فهل نكفّر عمَّا / قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ / وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
ملأ الله دُورَكمْ من خيالي / شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ / تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقاربَ خضراً / وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها / وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً / عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
بالأماني جذّابةً قُدتُموها / للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
وادعيتم مستقبلاً لو رأته / هكذا لم تضع عليه صُواعاً
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى / ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ / أولا تملكون بعدُ شُجاعا
كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً / سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله / أن تفصِدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت / رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
خَبَّروني بأن عيشة قومي / لا تساوي حذاءك اللماعا
مشت الناس للأمام ارتكاضاً / ومشَيْنا إلى الوراء ارتجاعا
في سبيل الأفراد هُوجاً رِكاكاً / ذهب الشعب كلُّه إقطاعا
طعنوا في الصميم من يركُن / الشعبُ إليه ونصبَّوا القُطَّاعا
شحنوهم من خائنِ وبذئٍ / ومُريبٍ شحنَ القِطارِ المتاعا
ثمّ صبوهمُ على الوطن المنكوب / سوطاً يلتاع منه التياعا
خمَدت عبقريةٌ طالما احتيجتْ / لتُلقي على الخطوب شُعاعا
وانزوت في بُيوتها أدباءٌ / حَطَمت خِيفةَ الهوان اليراعا
ملءُ دور العراق أفئدةٌ / حَرَّى تَشكِّى من الأذى أنواعا
وجهودٌ سُحِقن في حينَ / ترجِّتْ منها البلاد انتفاعا
فكأنَّ الاحرار طرّا على هذي / النكايات أجمعوا إجماعا
اثأري أنفساً حُبسن على الضيم / وكيلي للشرّ بالصاع صاعا
واستعيني بشاعر وأديب / وأزيحي عمَّا تَرينَ القِناعا
لا يُراد الشعورُُ والقلمُ الحرّ / إذا كان خائفاً مُرتاعا
هيَّجوا النار انها أهونُ الشرّينِ / وقعاً ولا تَهيجوا الطباعا
إنَّ هذي القوى لهُنَّ اجتماعٌ / عن قريب يهدّد الاجتماعا
عصفت قوَّةُ الشعوب بأرسى / أمم الأرض فاقتُلِعن اقتلاعا
أنهِ هذا الصراع يا دمُ بين الشعب / والظلم قد أطلت الصراعا
إن يكنْ أُغْلِقَ يومٌ
إن يكنْ أُغْلِقَ يومٌ / لك فارجُ الانفِتاحْ
مثلما تنقبض الوردةُ / بعدَ الإنْشراح
فيُحيّها الصِّبا الطَّلقُ / وأنفاسُ الصباح
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره / اخو مورد ضاقت عليه مصادره
عراه سكوت فاسترابت عداته / وما هو إلا شاعر كل خاطره
وحيدًا يحامي عن مبادئ جمة / اما في البرايا منصف فيوازره
تفرد بالشكوى فاسعده البكا / لقد ذل من فيض المدامع ناصره
يهم يبث النجم سراً فينثني / كأن رقيباً في الدراري يحاذره
وتنطقه الشكوى فيخرسه الأسى / فيسكت لاحيه إذا جد عاذره
يروم محالاً أن يرى عيش ما جد / أوائله محمودة وأواخره
فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة / فلابد أن تحويه يوماً مقابره
فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرة / عظيماً أرى يبلى وتبلى سرائره
سيحمل همي عند منزل وحدتي / وتصبح آمالي طوتها ضمائره
فيا طير لا تسجع ويا ريح سكني / هبوبا على جسمي ليسكن ثائره
ويا منزل الأجداث رحمة مشفق / عليه ففيك اليوم قرت نواظره
ويا بدر من سامرته وجدك انقضى / فمن لك بعد اليوم خل تسامره؟
عساك إذا ضاقت بصدرك فرجة / تطالعه في رمسه فتذاكره
ويا خلة الباكي عليه تصنعاً / ألم تك قبل اليوم ممن يغايره؟
تحمل ما ينأى فشاطره الردى / فما ضر لو كانت الرزايا تشاطره
ويا غاضبا قلبي لترقيق حره / سراحاً فقد دارت عليه دوائره
دعا بك يستشفي فاغضيت فانطوى / وما فيه إلا الهجر داء يخامره
أمن بعدد ما وسدته بت جازعاً / إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره
فيا ظلمة الآمال عني تقشعي / فقد تتجلى عن فؤادي دياجره
ياشعب كم في القلب من لوعة
ياشعب كم في القلب من لوعة / عليك تغلي يا مهيج الغرام
شكوت عيشاً خلته وصمة / وحبذا عيشك لو كان دام
تزاحمت فيك أماني الورى / " والمورد العذب كثير الزحام "
هم نصبوا للصيد أشراكهم / فلم يجد بداً فطار الحمام
حنَّت قلوب لك شوَّقتها / يا معهد الشوق سقاك الغمام
إن نجحت فيك أمان لنا / فهى وإّلا فعليك السلام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام / وناح ولكن أين منه حمام
ألا ليت إحساسا وسلوى تجمعا / وكيف وهل يلفى سنى وظلام ؟
فمن أين للحساس قلب يريحه / ومن أين للقلب الغبيِّ غرام ؟
أكلُّ نسيم للأسى هبَّ زعزع / وكل ضباب للهموم قتام ؟
تطلَّب دقيقات الأمور تفز بها / وخل التي تنوي فتلك جسام
يا أخا البلبل رفقاً
يا أخا البلبل رفقاً / هجت لي وجداً وذكرا
لمت في أمري ولو / استطيع ما أخفيت أمرا
أنت لو تعلم ما / يلهب نفسي قلت عذرا
كان لي سر ولكن / بك قد أصبح جهرا
قد طويت الحزن أزمانا / فخذه اليوم نثرا
أنا ما غردت لو أني / رضيت العيش أسرا
أنا ما لجلجت في أغنيتي / لو كنت حرا
أنا أخشى النفع إن / جاهرت فيه كان ضرا
غالط الوجد وسل القلب / وادع الحزن شعرا
فأنا ذاك الفتى يطلب / بعد " الخمر " "أمرا"
وسيبدو لك ما تهواه / من أمري ..فصبرا
يقولون : ليلٌ علينا أناخ
يقولون : ليلٌ علينا أناخ / نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا
وأنَّا نسينا عناءَ القلوب / لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا
وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ / يواسي بها معشراً آخرونا
فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ / بأنا – كعادتنا – راقدونا
سألناكمُ عن مَثار السَّديم / فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا
فانَّ معاملَكمْ والبخار / وقلبي وزفرَتهُ مستوونا
أرى أُمماً هي والمالكين / متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا
نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب / وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا
وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ / عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا
ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب / فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا
ألا قبساً من شُعاعِ الكليم / تُعيدُ على الشَّرق يا" طُورَ سينا "
خليليَّ أين نبوغُ العراق / وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا
أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون / كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟
أغير َ المطامعِ لا تعرفون / وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟
زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون / وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟
ولسنا وقد أعجزتنا الحياة / عن الموتِ في نيلها عاجزينا
وإن أنسَ لآ أنس حول " الفرات " / مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا
نسيماً يلاطف رِخوَ النمير / كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا
وساكن جوٍ يعيدُ الأثير / كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا
ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير / جمالاً يردُّ التَّصابي جنونا
يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ / على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا
كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق / فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا
تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور / سجوداً معي أيُّها الشاعرونا
على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع / فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا
إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال / تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا
بامركَ تحريكُ درع الفضاء / وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا
سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ / من الحبِّ هام بها المغرمونا
خليليَّ حتى وعورُ الجبال / تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا
ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع / تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا
فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ / وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا
ولو لا قلوب تحس الاذى / لما عرف اللذة العاشقونا
رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون / إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا
وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ / عروشاً وأنهمُ المالكونا
خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا / يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا
هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء / سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا
ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة / وأين اقتنْصنا وأني رُمينا
وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع / هموماً تصاحِبنا ما بَقينا
وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال / زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا
وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد / نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا
نسير على خُطُواتِ الشّعاع / كأنا إلى غايةٍ سائرونا
وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام / وكيفَ التمازجُ ماء وطينا
أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها / تُعيدُ النواهةَ لي والقينا
وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا / بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا
وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً / كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا
وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار / كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا
صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان / يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا
وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي / خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا
يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح / إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا
خليليَّ روح الحياة النَّسيم / فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا
ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع / وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا
تمشَّى على الروض روحُ الاله / فمالَ ومِلْنا له ساجدينا
حدائقُ خَطَّ عليها الجمال / قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا
كأن جلالَ الهوى شَّفها / ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا
وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى / يُعيد عليها الصَّدى والأنينا
جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام / فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا
عليها رياضٌ كساها الرّبيع / مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا
أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال / تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا
فيا ساكني فَجَواتِ البطاح / هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا
نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ / ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا
خليليَّ أُفٍ لهذي المروج / إذا ما استبدَّ بها المالكونا
وليتَ الفداء لكوخ الفقير / قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا
إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان / ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا
فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود / فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا
وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط / ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا
ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ / أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا
أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار / زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا
أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب / فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا
إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة / وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا
وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا / بأنَّا بليلِ العمى خابطونا
وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط / نقائصُ أعوزها المصلحونا
هياكلُ أخنى عليها الجمود / فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي / ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ
صابتْ حشاك وأخْطَتْني نوافذُها / ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب
هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته / لغيره أو تعدى النبعَ للغَربِ
هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً / للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب
يا غائبا لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً / عن العلى معه غابت ولم تؤب
لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه / يا خير منقلبٍ في خير منقَلب
نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ / ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب
وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به / بين الرجال وبين الله من سبب
قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها / من التقى مسرحاً في مرتع خصِب
قالوا الزيارةُ فاتته فقلتُ لهم / ما فاته أن يزورَ اللهَ في رجب
كأن نعشَك والاجواءُ غائمةٌ / تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب
لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا / " سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب
كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم / كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب
كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه / وما درى أن فيه أعجبَ العجب
بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ / إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب
لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم / فان أعظم منها همةُ النُّوَب
لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً / يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب
أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به / على سواهن تِيهَ الخُرَّدِ العُرُب
فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ / فَقَدْنَهُ وثغورَ الفضل في شَنَبَ
صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ / قد كان في هذه الأيام في تعب
تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ / أجدى له من داء الويل والحرَب
والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ / به فأحسنُ منه صبرُ محتسب
وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ / قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب
ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً / فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ
شيئانِ يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا / نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب
ماذا يقول لسان الشعر في رجل / خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب
إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ / يحييك ذكراً وذكر المرء في العقب
اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه / " محمد " وبشانيه " أبالهب "
لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً / يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب
وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح / كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب
انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ / كأنه – وهو دامي القلب – في طرب
أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا / " كناية بهما عن اشراف النسب "
كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت / وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي
لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه / كذاك كان على العلات وهو صبي
ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد / سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي
تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة " / للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب
ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم / قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب
كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً / حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب
طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً / يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب
فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ / في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "
لا أريدُ " الناي " إني
لا أريدُ " الناي " إني / حاملٌ في الصدرِ نايا
عازفاً آناً فآناً / بالأماني والشَّكايا
البلايا أنطَقتْهُ / سامحَ اللهُ البلايا
حافظاً كلَّ الذي / مرَّ عليه كالمرايا
سّيء الحالِ ولكنْ / حَسُنَت منه النَّوايا
حجزَ الهمُّ على / أنفاسِه إلاَّ بقايا
أفلتت في نَبراتٍ / شائعاتٍ في البرايا
ترقصُ الفتيانُ إن / غَنَّيتُ فيه والفتايا
هو وِردي في صباحي / وصَلاتي في مسايا
مُعجِزٌ تهييجُهُ كلَّ / المُغَنّينَ سِوايا
أدركتْ ظاهره النّاَسُ / وأدركتُ الخفايا
رنَّةُ المِعَولِ في الحفرةِ / صوتٌ لِلمنايا
كومةٌ للرملِ أم / جُمجمةٌ طارتْ شظايا
حملَ الناسُ سكوناً / وجَلالاً في الحنايا
شاعراً أدركهُ الموتُ / غريباً في الزوايا
سبرَ الأفق بعينٍ / أدركتْ منه الخبايا
فانبرى يُوحي إلى النَّاس / منَ الأسرارِ آيا
ثمَّ أغفاها وفي النَّفْسِ / ميولٌ ونوايا
قالَ لمَّا لَقَّنوهُ : / أنَا لا أملكُ رايا..
لستُ أدري ما أمامي .. / لستُ أدري ما ورايا
لا أرى مَن شيَّعوني / منكمُ إلاَّ مطايا!
رجعتْ إذ لم يجدْ سائقها / للسيرِ غايا
حَزِنَ " الشيخُ " ولكنْ / ضحِكتْ منه الصبَّايا
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا / وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق / للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ / حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها / هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ / موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ / في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ " / خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً / أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به / آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً / نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم / شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ / لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ / وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم / لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما / حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه / تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض / تضوَّعت أرَجاً ونَدّا
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة / من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه / أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما / زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي / وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه / لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ / لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني / لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ / ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه / والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما / جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا / عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي / بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت / وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا / أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ " / هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى / لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ / عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم / أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا / نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما / بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا / وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ / نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها / يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ / ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ
ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها / وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب
وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله / كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب
وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ / وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب
كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ / وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب
أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ / وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب
وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ / ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب
إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ / عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب
يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ / ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب
فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ / يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب
تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة / وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب
وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً / أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب
تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً / وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب
وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً / ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب
وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي / حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب
فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما / أخفهما الشرُّ الذي تتجنب
سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ / تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب
تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ / نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب
فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ / ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب
ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ / ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب
أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه / تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم / أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ / بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم / إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا
وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ / قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب
سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ / يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب
عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه / لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب
عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ / وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم / وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها / وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو / إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ / لهُم فيُلهيهمْ ولم يصفُ مَشْرَب
خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها / لديهمْ ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب
سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله / نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟
على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً / يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب
همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ / ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب
تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم / عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب
وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده / مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب
قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ / وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب
جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ / وعاقبةٌ إنّ العواقبَ تُحْسَب
يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها / وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب
فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه / وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب
على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ / وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب
إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها / تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب
إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها / عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب
وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه / تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب
يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ / وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب
أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها / فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب
وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ / له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب
يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ / كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب
وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ / يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب
وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ / نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب
ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ / يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب
تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ / وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب
وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً / يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب
لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ / ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب
ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ / بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب
فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ / تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب
وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ / كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب
يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى " عقائلٌ " / وتَعزِلُ فينا " غانياتٌ " وتَنصِب
كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها / مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب
ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ / يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب
نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ / وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ / غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ / على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ / وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب
وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا / أبٌ اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب
عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ / مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب
وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا / لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب
فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ / نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً / سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب
وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ / ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب
خلِّ النديم فما يكون رحيقُهُ
خلِّ النديم فما يكون رحيقُهُ / وأدر لَماك إذا غفا إبريقُهُ
لم يُصبني كأسُ النديم وخمرُهُ / لو دام لي ثغر الحبيب وريقه
أن تحمِ عن أهل الهوى كأس اللَّمى / فالخمرُ أجود ما يكون عتيقه
حاشا لعهدك بعد ما عوذتَه / بدقيق خصرك أن يُحَلَّ وثيقه
عين تؤرقها عدتك قروحها / وحشاً تؤججه عداك حريقه
حمّل فؤادي ما تشاء يُطق به / إلاّ جفاكَ فذاك لست أطُيقه
ما نسبة الخَصرْ النحيف مع الحشا / فهل استُعير من الوشاح خفوقه
أنا ليس لي عنه غنى فلو ارتضى / دينَ المسيح فانني بِطْريقه
لا أدّعي هجر الخيال وإنما / أرَّقْتُ اجفاني فَسُد َّ طريقه
طرف تنازعه هوىً ومهابة / هذاك يجذِ به وذاك يعوقه
أم كيف يسلو عنك نشوان ومِن / كأس الغرام صَبوحهُ وغَبوقه
قالوا : نَزالِ . فقلت : هل يخشى الوغى / قلبي واسمر قده معشوقه
كذَب الوُشاة فما يزال كعهده / رَغم الصدود يشوقني وأشوقه
ما راق في عيني سواه ولا انثني / شئ سواي عن الأنام يروقه
بالرغم مني بعد طول تواصل / أرضى بطيف منك عز طُروقه
وقف البيان عليكما فتغزُ لي / بك والثناء إلى " علي " أسوقه
ما أبعدَ الشأوين هذا إن يضيق / منه الحشا فبذا يُفَرَّج ضيقه
دع عنك من كعبٍ وحاتِم إنما / للّجود معنى عنده تحقيقه
المجد ما روجت فيه بضائعاً / للمكرُمات فما عُكاظُ وسوقه
نسب زهت بابي الجواد فروعُه / وإلى محمدِ ينتمين عروقه
ذو عزمة مشهورة لو طاردت / شُهْبَ السما ما عاقه عَيُّوقه
صال العدى فقست صلود صفاته / وسرى الندى فاهتز منه وريقه
لو يدَّعي الحساد شأوك في العلى / لعريق مجدك يُستَذمُّ عريقه
أنعم بليلتك التي قضَيتها / والبدرُ من بين السُّتور شروقه
لله أيُ رِتاج باب رمتَه / حتى استُبيح بهجمة مغلوقه
عجباً لقلبٍ بالوصال تروعه / ودمٍ بلا ذنب هناك تُريقه
لي فيك صوغٌ للبلاغة لو خلا / جيدُ الفتاة لزانها منسوقه
أرفدتُه لك لا كبائر سلعة / لكن كما هنّا الصديق صديقه
دُمتم على مر الزمان مباهيا / بكمُ وأخطي جمعكم تفريقه
لئن شكر الصبح المحبون إنني
لئن شكر الصبح المحبون إنني / شكرت الدجى إذ كان ما بيننا سترا
وليل رثى لي والأحبة نوَّم / له مقلة بالشُّهب من لوعتي عبرى
بكيت فرَّق النجم لي وهو صخرة / إلى أن جرت منه مجرَّته نهرا
ومالي صدر ينفث الهمَّ زفرة / ولكنّه الهمُّ الذي ينفث الصدرا
خليلي ما اخترت الدراري لو أنني / وجدت بكم من يحفظ العهد والسرّا
وما أهون الآلام لو كان سرُّها / يباح ولكن أحمل الوجد والصبرا
على البدر من غدر الأحبة مسحة / فكل قسى قلباً وضاحكني ثغرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025