المجموع : 130
في طول عمرك عمّن قد مضى خلفُ
في طول عمرك عمّن قد مضى خلفُ / ولليالي إذا ملّيتها الشرفُ
يا من له في العلا والمجد متّلد / ومن له في الندى والجود مطّرفُ
أنت العليم بما يأتي الزمان به / وأنت بالدهر والأيام معترف
يضحي الفتى وسهام الخطب ترشقه / كأنما المرء في الدنيا لها هدف
تالله تبقى أمر اضحت له رصداً / يد المنايا فترويه وتختطف
تعزّ إذ لك فيمن قد مضى عظة / وعبرة الحيّ بالقوم الذي سلفوا
تبّا لدار بلاء لا نعيم بها / إلا وعقباه ترحال ومنصرفُ
ويا فجيعة دهري بالخليل ويا / جند العزاء على قلبي الشجيّ قفوا
فكلما نظرت عيني ولم تره / فالقلب ملتهب والجفنُ منذرفُ
يا ابنالنبي ولا تحصى منا قبكم / ولن يعددها الإسهاب والسرفُ
الحلم والصبر لولاكم لما عرفا / وإنما الخلق من تباركم عرفوا
لا يكمل الدين إلا في محبتكم / وليس يوجد فيما قلت مختلفُ
وأنتم السر سر الله أودعهُ / في ظهر آدم إذ جاءت به الصحف
من ذا يسوي بكم خلقا لقد خسرت / يداه وهو عن الإسلام منحرفُ
يا وارث الهدي عن آبائه وله / غزرُ الفضائل هذا الفخر والشرفُ
عادت عليّ بلوم فيكم عصب / ما الجهل إلا الذي قالوا وما وصفوا
وغيرتك أناس ضل سعيهم / عني وحبي لكم كالصبح منكشف
سأجعل الصبر في جيك معتصما / لعل رأيك لي بالخير ينعطف
سلام عليكم والتحية تكتبُ
سلام عليكم والتحية تكتبُ / إذا عزّ ممن نرتجيهِ التقرّبُ
وتهدي واهداء السلام بحاجبٍ / يكون وذو رد السلام محجّبُ
وما زال عندي الشوق نحوكَ دائماً / أغالبه والشوقُ لا شك أغلب
وفضلك يحدوني إليك وإنني / لذو كلف بالفضل والفضل معجب
فشرق حتى ما خلا منه مشرق / وغرب حتى ما انزوى عنه مغرب
ولا فخر في الدنيا بغير فضائل / يمدّ رواقُ المجد منها ويضربُ
وما الملك إلا حلية مستعارة / تجيء الفتى في عمره ثم تذهب
وإبقاء مجد م ثناء مخلد / ألذّ شذاً من مندلجا وأطيبُ
ترجى وذا فخز المرجّى وإنّما / فخار الفتى من حيث يرجو ويطيب
وكل امرء يولي الجميل محبّب / وكل مكان ينبت العز طبب
ولم أك إذ يممت ربعك منشدا / ولست بمستبق وأنت المهذب
فإن شملتني منك أدنى عناية / فما بين قصدي والغنى متطلب
فواللّه قد أصبحتُ في الناس مملقا / وقلبي لأملاقي من المال قلّبُ
وأنت سماء المكرماتِ وإنما / يرجّي السماء الناسُ حين تحجّبُ
أينَ الخليطُ وأية سلكوا
أينَ الخليطُ وأية سلكوا / بانوا فلم يلووا بمن فتكوا
سلبوا الفؤاد فمذ نأت بهمُ / أجمالهم أخذوا الذي تركوا
ظلموا بإبعادي وقد علموا / أني بذيل العفو أمتسك
جاروا على ضعفي وليس لهم / أن يقتلوا مثلي وإن ملكوا
لكن قتل العبد ليس على / ملاكه في فعله درك
كم لي أني النفس قربهم / دهراً فما اقتربوا ولا امتسكوا
إن الأماني مطلب خطر / خبل المنايا فيه تعترك
قريتهم بعدوا وصلتهم / صدوا بكيت لهجرهم ضحكوا
أكذبت من حبي ويقضهم / من قال إن الحبّ مشترك
يا قائلاً خسّ الزمان فاه / لوه لطرق اللوم قد سلكوا
أيجوز أن تنحوا مقالة من / ضلوا بما قالوه بل أفكوا
والله سنحرفوفهم فلكا / يعطي وهذا فيهم الفلك
صدر الممالك رب ملحمةٍ / فيها صنوف القول متشتيك
عزم يقرّب ما نأى ويد / منها بعبد الرزق يمتلك
إحسانه المجدّ نا عقل / وحديثه لنفوسنا شركُ
عرض تأرّج نشره عطرٌ / أبدا وعرضُ حسوده سهك
فالغيث من معروفه خجِل / والبحر في جدواه مرتبك
عرض يصان يفيض أنعمهِ / والمال من جدواه ينتهك
وكذا الغمائم إذ تساجلهُ / فببعض ما يوليه تنهنك
إيعاده متأخر أبداً / ووعودهُ فيها له رتك
ما شيّد الماضون مكرمةً / مما يشيّد لا ولا تتمكوا
يفديه أقوام ألو نحلٍ / لؤماً لحبل الجود قد بنكوا
صدوا عن الإحسان وانقطعوا / وعلى معايبهم قد انهمكوا
قد قيل رد بحراً وزر ملكاً / تحظى وأنت البحر والملكُ
لا تطلبَنّ الصديق يوما
لا تطلبَنّ الصديق يوما / فإسمه ما له مسمّى
من رام من دهره صديقاً / أخاو دادٍ يموت همّا
إذا سقيت الخليلَ شهداً / على صفاء سقاك سمّا
أيا شرف الدين الذي سوقُ يحده
أيا شرف الدين الذي سوقُ يحده / بمعروفه بين البريّة نافق
ويا من عطاياه إذا ضنّ بالندى / تُقَصّر عنهنّ الغيوبُ الد وافقُ
إذا شمت برقا من جميل خلاله / شممت به نشرا له المجد فاتق
لئن كان شكري في معاليك صامتا / فعذري بعجزي عن صفاتك ناطقُ
وما غاية المثني وفيك خلائق / تقصّر عن أوصافهنّ الخلائقُ
إن كان أضمر قلبي عنك سلوانا
إن كان أضمر قلبي عنك سلوانا / لا كنت من مغرم صبّ ولا كانا
إلام توعدني هجرا وتوسعني / هجرا وتوعدلي مطلا وليّانا
إن كان أغراك حسّادي فلا عجب / لطالما اختلقوا زورا وبهتانا
صددتني ناسيا ودي ولي كيد / فرحي وقلب غدا بالوجد حرّانا
وقلت ذاك سلا يا صاحبَيّ سلا / هل كنت أضمرت يوم البين سلوانا
تجفو وتزعم أني قد جفوتُ قلى / لا متّعت بالكرى أجفان أجفانا
وقد توهّمتُ أنّي قد نسيتكُمُ / رمى القذى والأذى إنسان إنسانا
لو ذاق جفني الكرى حتى بعثت كنا / فيه خيالك أحيانا لأحيانا
إن رمت تجديد عهدي يوم كاظمة / فخذ فديتك أيمانا وأيمانا
واعلم بأنك إن تجنح إلى مللٍ / في الحب أورثت قلبي الدهر أحزانا
يا راقداً عن محبّ لا يذوق كرىً / إرحم فديتك صبابات سهرانا
فالصد منك وإن أصبحت ذا صدد / جمر الفضى بفنا الأوطان أوطانا
لو واخذ اللّه أهل الحب إذ عشقوا / أو أن يعذّب أهوانا لهوانا
أيا مضيع الذي ما زلت أحفظهُ / في حبّه صل محبّا قط ما خانا
أذاب فيك الهوى للناس أفئدةً / وفيك ذوّب ابدانا وأبدانا
يا مسعد الدهر في ظلمي أما عجب / إن جت عدلا وجئت اليوم عدوانا
سألزم الصبر قلبي إذ لجأت إلى ال / ملك العزيز عماد الدين عثمانا
ولذت من كل ما أخشى بعقوته / فلست أنطرُ من قاصى ومن وانا
أصبحت في كنف من فيض نعمته / قد أطرق الدهر عنّي اليوم حيرانا
ملك إذا برقت بشرا أسرته / تهلّل الجود من كفّيه تهتانا
إن جئته تلق من بشر ومن لطفٍ / فضلا ينيلك إحسانا وحسّانا
جود تحل به الروض الأريض وإن / أردت خلقا تجد روضا وغدرانا
كنّا نؤمّل أن نلقى الكرام فلم / نجد ونبصر أعيانا فأعيانا
وقد رأينا منيل الأرض فانكشفت / غياهب النحل عنا إذ تفشانا
أعطى فاكسبنا بالجود محمدةً / وجاد سرا وإعلانا فأعلانا
سمت إلى باذخات المجد همتهُ / فعمّ بالعرفِ أولانا وأولانا
لطاقة أعجزت فكري ويكنفها / بأسٌ يروع به ذهلا وشيبانا
كم موقف لك والخطّيُّ مشتجر / والبيض تكسي نجيع الهام أجفانا
يرضى به الله والإسلام مبتهج / منه وعاد نبيّ اللّه جذلانا
للمشركين على الأيام مكمدة / كما حطمتَ أناجيلا وصلبانا
شرعت للسيف شرعا في رقابهمِ / كما لأكبادهم أشرعت خرصانا
إنّي وأياك والأمثالُ أضربُها / ذكرا كما قال ربّ العرش تبيانا
تصر وفتح قريب باجتماعهما / تبغي من الله رضواناً وغُفرانا
حيّا بكاس السُرى سا في الأغاريد
حيّا بكاس السُرى سا في الأغاريد / فعربدت طربا منها على البيد
واحتشّها السير في خرقاء داويةٍ / حتى عرى البيد منها في عرابيد
وقادها شوقها لاسوقها فغدت / تغلي الفلا بين إدخالٍ وتوخيد
عيس براها أبراها فهي موجفة / وجدّها جدّها من غير تأييد
تذكّرت بحمى الجرعاء مرتبعا / ومورداً غير ترنيق وقصر يد
فبلغتني أقصى منتهى أملي / وأنزلتني بظلّ منه ممدودِ
أدنَت مزاريَ من حبّ جويتُ به / لما رماني بتفريق وتبعيد
وكدت أورد من بعد الفراق له / في منهل حياض الموتِ مورودِ
والبعد أقتل داءً من مقاطعةٍ / تبقي وشيك مزار الأنس الغيد
كم من رسيس جوى أهدي إليّ نوىً / أغدو لها بقؤاد جد مفؤود
يا صاحبي ليس لي في الحب مزدجرٌ / ولا أصيخُ لتعنيف وتفنيد
خذ لي أمانا إذا ما رمت مصلحتي / من أعين العين أو من صائد الصيد
فلست أنفكّ فيها من بنال هوى / ترمي فتقصد قلبا غير مقصود
أو من حبائل شجور رحت محتبلاً / فيها بقلبٍ بحبل الحب مصفود
لو كنت شاهد ما ألقاه من كمدٍ / عذرت من بات خلوا غير معمود
تلجلج الدمع في الآفاق ثم جرى / لما انبرى بين تردادٍ وترديد
فشبّ جذوةَ نارٍ في الحشا ولقد / عجبتُ من لهبٍ بالماء موقود
كم لي لدى سمرات الجزع من جزعٍ / أبيت منه بتعداد وتعديد
وكم أويت من الأيام خوف ردى / منها إلى ظل عزّ الدين مسعود
القاهر الملك المرجو نائله / أزمان صوب عهاد غير معهود
أخذت منه بحبل غير منجذم / ورحت منه بقلبٍ غير مزؤودِ
أغرّ أبلج يستسقى الغمامُ به / خيرا ويؤذن منه البشر بالجود
ثبتُ المقامة لا تُثنى أغّنتهُ / عن بسط معدلة أو فيض توعيد
أرسى دعائم ملك لا انفصام لها / وشاد قاعدتي دين وتوحيد
ركن الخلافة لا ينفكّ يكلوها / بعزمة بين تشييد وتوطيد
مستمسك بحبال من حكومته / وعدله بعد تحكيم وتقليد
ما زال في فترة يبفي الهدى فلقد / أتاه خير رسول بالمقاليد
نؤرمن الله والمبعوث أرسلهُ / خير الأئمة يبغي خير مقصودِ
أهلا به وبما ضمّت مواكبهُ / من نعمة آذنت منه بتخليد
شممت منه وقد وافى بجحفله / عرف النبوة لا عرفاً من العودِ
نعمى أضاء بها ليلُ الرجاء وقد / حالت لباب الأماني بالأقاليد
طل يا مليك الورى فخرا بما بعثت / لك الخلافة من عز وتمجيد
أمطتك هام الثريا من منائحها / وتولتك عطاء غير منكود
لا غرو أن رحت تبأى الناس كلهم / بما تفردت في فضل وتسديد
حطت الحمى ورددت الفي مجتمعا / من بعدما كان فينا غير مردود
يا وارث الملك والمجد والمؤثل عن / رسلان شاه ابن مسعود بن مورود
ها أنت والدهر والدنيا مطاوعة / وها أنا ونداكم غير محدودِ
كانت سفينة آمالي ملجّجةً / حتى استوت من أياديكم على الجودي
يا ابن الملوك الألى شاد وامناقبهم / حتى اغتدت بين تقرير وتمهيد
أحرزتم الملك والذكر الجميل فقد / غدوتم بلواء منه معقود
فأيُّ روض ندىً لم يرع عندكم / وأيّ ورد نوال غير مورود
ما بال فضليَ لا يرعى ومنقبتي / لا تُبتني ومقالي غير محمود
وعندكم يا بني زنكي معرفتي / فضلا ومن أيّ عود شقّ لي عودي
ربّيت في ظلّكم طفلا فمذ يفعت / سنّي بذلت لكم نصحي ومجهودي
ماذا اجترمت وما أذنيت عندكم / حتى تبدّد شملي أيّ تبديد
وعدت من بعد عزّي واشتمال يدي / لكالذي باع موجودا بمفقود
لا تسمعوا قول حسادي وأيّ فتىً / منوّه الذكر ينفي غير محسود
أيام ملككم أيام معدلة / بل رحمة بنوال غير معدود
فدمتم ما أتي دهر بحادثة / تروى المكارم عنكم بالأسانيد
أأستجبر عليهم دمعي الجاري
أأستجبر عليهم دمعي الجاري / والدمع يظهر إعلاني وأسراري
وأستكفّ الجوى فيهم ولي نفس / يريك بردا لديه غلّة النار
يا حار هذي أربا نجد ولست أرى / غيري وهل ينفعن في الدار يا حار
ولن أرى مونسا من بعد بعدهم / سوى رسوم عفت منهم وأحجار
كسيتُ ثوب سقام في مرابعها / وما كسانيه إلا ربعها العاري
والله ما تلكم الأطلالُ بعدهمُ / إلا بواعث أشجان وأفكار
لئن خلت منهمُ يوما فقد ملأت / قلبي المعذب من شوق وتذكار
عهدي بها ورداء الشمل يجمعنا / في ربعها بلبانات وأوطار
وغادة تجمع الضدّين في قرنٍ / ماء الحياء على خدّ من النار
تصبي اللبيب بقدّ كالقضيب إذا / ما ست وطرف عليل اللحظ سحار
عاطيتها اللهو والفودان داجبة / والعيش أغيد غض غير معصار
والدهر ترمقنا شزراً حوادثه / كأنه طالب الأحرار بالنار
وللخطوب كما حدثت حادثة / ترمي الصفاء بأقذاء وأكدار
ولليالي إغارات على عصر / من الشباب ولذات وأعمار
كم ينحت الدهر من عودي ويسلبني / ما كان يعرف من عزي ومقداري
ويجلب الشيب لي حزنا إلى حزن / أبيت منه على خوف وأخطار
قبحا لوجه زماني حين أبدلني / بعد الثراء باعدام واعسار
ولست أنفك في فضلي ومنقبتي / من حاسد لي أوزار وأوزار
من ذا يروم محلي بعد ما شهرت / رسائلي في الورى طراً وأشعاري
وضعت في كل علم ما تقربه / عين اللبيب وما يلهى به القاري
ولي خلائق ما تنفك من شرف / مثل النجوم التي يسري بها الساري
وعصبة منتماهم إن هم فخروا / ماء السماء وعرق من بني الدار
وهمة من عماد الدين تخطرني / منها على خاطرٍ في الجود خطّار
داودُ والمرتجى في كلّ نائبةٍ / إن قلّ في الناس أعواني وأنصاري
من آل يوسكٍ اللائي مناقبُهم / تتلى بحسن روايات وأخبار
قوم متى كنت منهم في ذرى حرم / بدّلت من بعد إعسار بأيسار
إن قوبلوا فحفاظ من محاسنهم / أو قتوتلوا فحفيظات بأغمار
طابت أصولهم غذ طاب فرعهمُ / يوم الندى بعد إيران وإثمار
فرد بحيث أياديهم ورأيهمُ / تحظى بأكرم إيراد وإصدار
جلوا وجلاهم داود في خلقٍ / وغزر جود وأخبار وآثار
يعطيك من ماله ما أنت آملهُ / جودا ومن جاهه عزّا بإكثار
كاس من احلمد ثوباً ليس يخلفه / دهر ولكنّه عار من العار
مستحصد الرأي مجموع القوى فطنٌ / للمشكلات بعزم زندهُ وار
سيط الأنامل بسام إذا انقبضت / أيدي الليالي عن معرفه الجاري
طلقُ الأسرة وضّاحُ الجيش إذا / ما أظلم الخطب من عدم وإقتار
يا من غدا ولسان المجد يشكرهُ / شرّفتَ بالمدحِ ألفاظي وأفكاري
لم يكب زندك في العلياء ذو أملٍ / ولم يخيب رجاء نحوك الساري
ولم يلن عودك الجافي لعاجمة / ولا أمرّ جنى منكم لمشتار
قد صنت حوزة هذا الملك عن ثقة / بأن سيجزيك عنه الخالق الباري
صحبت عيسى على ما شاء من شيمٍ / فأنت فيما يراه صاحب الغار
لا زلت عن نصحهِ يوما ولا انقطعت / عنكم سوابغ من معروفه الطاري
لك يا محمد نائل
لك يا محمد نائل / في الناس جمّ ليس يُحصر
ومكارم تطوى مآ / ثر للأكارم حين تنشر
ومودّتي معروفة / لك والمعارف لا تنكّر
فابعث بماء الورد لا / وإن وأعقبتهُ بعنبر
عطر كعرضك أو كلف / ظك أو كمدحك حين يذكر
فأروح منك معطّراً / وتروح من مدحي معطّر
وتظلّ محسودا علي / يّ وحاسديّ عليك أكثر
لا تعجبي لمشيب نودي إنه
لا تعجبي لمشيب نودي إنه / وسم من الأيام غير وسيم
فلو استطعت نضوت جدة برده / ورميت شهب نجومه برجوم
إن اسوداد مغارقي لوسيلة / عند المها للقرب والتسليم
وأرى المشيب طليعة من بعدها / يأتي مشتّت شمل كلّ حميم
وإذا نظرت إلى الزمان وجدتهُ / تعب الكريم وراحة للئيم
عقت دارها إلا ثلاثا بها سحما
عقت دارها إلا ثلاثا بها سحما / فلا أثراً أبصرت منها ولا رسما
وجرّت عليها الرامسات ذيولها / فعفّينها حتى لقد طسمت طسرا
عهدت بها الحيّ الجميع وعيشةً / أخذت بحسن من بشاشتها قسما
ديار خلت ثم اضمحلت ومحّصت / فلست ترى منها ملجا ولا وشما
وقفت والدمع ينهلّ صوبهُ / كما انجمت وطفاء هطّالة سجما
اسائل وهما والديار إذا غدت / مشخّصةً ألقيتُها همّداً عجما
وراجعت حلمي وارتجعت عن الصبا / ومن يصحب الأيام تحدث له حلما
وما برحت نحوي تهرّ كلابهم / ولم أجترم فيهم على أحد جرما
ومالي من ذنب سوى الفضل والندى / وتعظيم قدري إذ ألقّب أو أسمى
عجبت لطرف فيهم كيف ماكبا / وطرف رآهم دائما كيف لا يعمى
فلا فتئت تفلي عليّ صدورهُم / بما قد حباني اللّه من فضله علما
وما خصّني من حسن خلق وخلقةٍ / ومنطق فصل أستطيش به الحلما
ولطف إذا لو طفت تعلم أنّه / من الهضبات الشمّ يستنزل العصما
وكلّ تراه نجل جون موقّع / أزبّ وتلقى لي أياما جدا قرما
تفنّن في كلّ العلوم وإنّني / قفوتُ له غثراً وأشبهته عظما
ونحن بنو ماء السماء سمت به / على الناس أنساب غدت شهرةً أدما
فتتناكبود الحاسدين بمجدنا / فعضّوا على أستاههم في الورى رغما
ولم يك فينا من تلين فناتهُ / ولما تجد منا جهولا ولا فحما
وقومي هم المستحدثون بفضلهم / خلائق تبقى في جباه العلا وسما
ألو الله والدين القويم إذا اعتزا / وأهل النديّ والندى غذ غدا جما
علومهم الأعلام للرشد والهدى / وحوض عطاياهم غدا مجفراً فعما
إذا نامت الأقوام يوما عن القرى / رأيت الثرى للضيف بعد القرى جهما
وأبناء علّات رموني فلم تصب / سهامهم لكنّ سهمي لهم أصمي
عووا وتمادوا في العُويّ تحاشداً / فلم أكترث حتى أمنّهم غمّا
رأوا بينهم للفرس ليث عرينةٍ / هو الموت ضربا بالمخالب أو ضغما
هزبرا إذا ما زت يوما بغيله / رأيت فريساً أو سمعتَ لهُ فهما
يرى الموت في أظفاره ونبوبه / بأدنى شطاه يعرقُ اللحم والعظما
ضلالاً لمن يسعى ليدرك شأونا / وهل يدرك الساعي بمسعاته النجما
فخلّوا سبيلا لن تطيقوا سلوكه / ومورد فضل عنكم أبدا يحمى
أضرّ بي إذا جدّ في كعبه
أضرّ بي إذا جدّ في كعبه / ظبي غدا والفؤاد من سلبه
صبّ حبا بالبعاد مجتهداً / فيه وصبّ صبا إلى وصبه
مستعذب في الهوى العذابَ ولا / يلغى أريب والصد من أربه
يا من لدامي الجفون ساهرها / أم من لصبّ الفؤاد مكتبه
رماه رام قد رام قتلتهُ / فأقصدته سهام مستلبه
حكى رقادي جفان مجتنبا / والقلب يحكي خدّيه في لهبه
فز فرتي من هواه في صعد / والدمع من منتآه في صبَبه
كم صدّ عنّي ودارهُ صدد / منّي فراحَ الفؤادُ في كربِه
فمن مجيري من الصدود فكم / أخلصُ من حربه إلى حزبه
يا ليلةً لذّ لي العتاب بها / فيه ويا طيبه لمجتذ به
وباللّوى ما لوى الحبيبُ لنا / دينا وهضب الكثيب في كثبه
أسوف مسكا ما بين أترابنا / فيه ونشر العبير من تربه
واليوم من كنت فيه آلفهُ / نيتابه الدهر من ردى نوبه
يا رقدة لم يزل يزورّها / لي أملي فالحياة من كذبه
أروم فيها زور الخيال وهل / محتقب للمنى مدى حقبه
لو زال بؤسي حظيت منه بما / أملّ قلبي من منتهى طلبه
أو كان بهرام شاه يلحظني / بعين حبّ تدني إلى قربه
ملك إذا ما الأنام عادله / فالفخر في عجمه وفي عربه
علا يا دارك كل مكرمة / فراح في إسمه وفي لقبه
ما زلت أحدو إلى زبارنهِ / تجائب العزم غير مضطربه
حتى أنيخَ السرى قرأت لها / بيت حبيب وكان أجدر به
ترمي بأشباحنا إلى ملكٍ / تأخذ من ماله ومن أدبه
الملك الأمجد الهمام ومن / في مدحه راح منتشى طربه
فاق جميع الملوك في علمه ال / جمّ وفي جوده وفي نسبه
مشترك في ذرى فواضله ال / قاصي وحظ الداني على صغبه
والجود ما سار في البلاد مسي / ر الغيث تروي الأنام من سحبه
أغنى جميع العفاة من رغبه / وكفّ جمع الطغاة من رهبه
علم لو أن الخليل يسمعه / هجّن ما قد حواه في كتبه
والعلماء الماضون ما انتخبوا / من غرر الفضل منتخبه
مولى ملوك الأنام قاطبةً / فيمم البحر وامض عن قلبِه
فالعلم والحلم والفصاحة وال / سؤدد والمكرمات من رتبه
والطعن والضرب والمواهب من / رماحهِ أو يديه أو قضبه
حياة هذا الورى رضاه كما / مماتهم في اليسير من غضبه
قد عرف الدهر حقّ معرفةٍ / فالحمد والشرك جدّ مكتسبه
فقد تعرّى مما يشينُ كما / قد اكتسى ما يزين من رغبه
يا ملكا ربعه ربيع ندى / نيل الأماني لديه من عشبه
عذراً فمن كان جدّ يغيته / حصر معاليك ظلّ في تعبه
لا يبلغ اللفظ وصفكم لفتىً / بجهد في شعره وفي خطبه
جزتم وقد حزتم المكارم عن / كل مقال بروقُ من عجبِه
لك في المجد أول وأخير
لك في المجد أول وأخير / فبما شئت قد جرى المقدور
ذلّ صعب الزمان منك بجودٍ / كلّ صعب لديه سهل يسير
يا ابن ما بقى من الجود إلا / جود كفّيه روضة وغدير
أنتم دوحة المكارم والمج / د وفيكم بحر الثناء نمير
أنتم آل جفنة خير خلقٍ / سير الجود في علاهم تسير
قد بنيتم من المكارم بيتا / وعليه من المحامد سور
لا تطيب البلاد إلا إذا قي / ل بها سنقر وفيها الظهير
كل جودٍ ما لم تفده هباء / كل مدح ما لم يكن فيك زور
مكرمات تزهى برونقها الكت / ب وتبيضّ من سناها السطور
كم يسمّون بالأمير أناساً / والأمير الذي نداه غزيرُ
محيت أسطر الندى والمزايا / في البرايا فاللوم فيهم كثيرُ
كم أنادي منهم أصمّ عنِ الجو / د غبياً الباع منه قصيرُ
ومنى حبتكم أنادي نداكم / فهوَ لي بالحبا سميعٌ بصير
فيكم رونق الزمان وللنا / س بكم فرحة ومنكم سرور
أينَ الديار فهذه الجرعاء
أينَ الديار فهذه الجرعاء / درست معالم آيها الأنواء
أم أين تلك ظبا الصريم فماثوت / بربوعها هند ولا أسماء
دمن مثلن ومحصت آثارها / أيدي البوارح زعزع ورخاء
إن كان أخلقها الهواء فللهوى / في عرصتيها جدّة وبقاء
أو كان أخلفها الندى فلمقلتي / أبداً على أطلالها أنداء
يا عاذليّ دعاملا مكما الذي / زادت به في قلبيَ الأهواء
واستطلعا شوفي فما برح الجوى / يبدي الذي أخفيه والبرحاء
أين الوصول إلى الوصال ودون من / يهوى المحبّ لقاءه البيداءُ
أم كيف يبغي القرب من بعدت به / أيدي النوى ومفازة يهاء
قف حيث أوقفك الهوى في موقف / ذلّت لوقفتها به العظماء
وأخلص ودادك للتي قد أوطنت / وادي الفضا وديارهم الخلصاء
أفتبكينّ عساك تنقع غلّةً / هيهات أن يشفي الغليل بكاءُ
لا تكلفن بسؤال ربع شانهُ / أن لا يجاب لسائليه دعاء
للّه ليلة زارني من نحوهم / طيف عليه من الظلام رداء
والدهر في سنة وفادح خطبهِ / وانٍ ولم تغطن بنا الرقباء
فخطيت من زور الخيال بخطرةٍ / في رقدة فله إليّ حباء
ومن العجائب أن طيف خبالهم / تمت لناس زوره النعماء
فتبدلت نعمي الزمان ببؤسهِ / ولدهرنا النعماءُ والبأساءُ
مزجت لنا خمر الفراق صروفهُ / فقضى علينا البين والعدواءُ
خذ في سوى ذمّ الخطوب بمدح من / قد أفصحت بمديحه الخطباءُ
الناصر الدين الحنيف ومن سمت / بوجوده وبجوده الخلفاء
فالحجّ نحو البيت فرض لازم / وكذا تزار لقصيده الزوراءُ
ملك كأنّ العالمين بما حوت / كرما وإجلالا لديه هباء
فكأنّه سبب الوجود بأسره / فلأجله تتكوّن الأشياء
وكأنما عقدَ القضاء بأمرهِ / فيصرّفُ الأقدار كيف يشاء
فالجود أعشار فجزء في الورى / ولديه تلك التسعة الأجزاء
في كل وقتٍ من سحائب جوده / في راحتيه ديمة وطفاء
أعطى فراح البحر منه مبرقعاً / خجلا وأحدث للحيا استحياء
فمكارم خطبت كريمة خاطري / وبمثلها لم توصف الكرماء
وخلائق يعي الخلائق وصفها / ومديحها ومناقب عذراء
برضاك ألبست الغزالة نورها / وبسخطك انسدلت لنا الظلماء
لولاك لم تكن البسيطة والورى / شيئا ولم يسمك عليه سماء
وبسابق التقدير أنك كائن / في الناس جاءت آدم الأسماء
وبكم نجانوح وفاز بفلكه / جن استوت حقا وغيض الماء
وبكم غدت نارُ الخليل وحرّها / بردا وعجّل للذبيح فداء
وبنوركم أنس الكليم فظنّهُ / نارا وكان به عليه خفاء
وبسرّكم راح بن مريم ىيةً / للناس معجز فعله الإحباء
يا آل عباس وأنتم صفوة ال / سرّ المصون وأنتم الشفعاء
من دوحة التقديس منبت أصلكم / من سرّ علم الله وهو ضياء
من حيث يقتبس الهدى ويكّون ال / تكوين بل تتنزّل الأنباء
بعث النبيّ مبلغا من ربّه ال / دين الأنام وأنتم الأمناء
بأبيكم العباس عمّ محمد / سقي الأنام وجادت الأنواء
وبما تفرّق من يسير علومكم / بين الورى افتخرت به العلماء
ما أم ذو أمل نداكم قاصداً / إلا وتشكر سعيه الفيغاء
لما شممت أريج عرف صفاتكم / وأضاء منها نورها الوضّاء
جرّدت آمالي لحجّ جنابكم / غذ وفقت في قصدي الآراء
وأتيت أسأل أن أجاز موجّهاً / علما وتعقبه يد بيضاء
وأعود من حلل الفتوة حاليا / ما تقتضيه المهمّة الغراء
فاسلم أمير المؤمنين لأمة / إن ناب خطب فهيَ عنك وفاء
لك أعلن الخطباء في أعوادها / بالشكر لما أفصح الفصحاء
وبما نظمت من القريض تعلّمت / مني وإن سبقتني الشعراء
لن تجسر الفهماء تجري في مبا / دين جريت بها ولا البلغاء
فانعم على مر الزمان مخلّداً / واسلم إذا اخترم النفوس فناء
عدتنا عواد من تناء ومن هجر
عدتنا عواد من تناء ومن هجر / فمالي في صون الصبابة من عذر
تمادت عقابيل الغرام وأقصرت / على مضض الشكوى مساعدة الصبر
وبي من تباريح الجوى وعذابه / لهيب أتى من حيث أدري ولا أدري
إذا قلتُ إن الدمع يطفىء صوبه / ولوعي استمرّت عنده غلّة الصدر
وكيف التصابي بعد شيب إضاء لي / بفوديّ منه مطلع الأنجم الزهر
وفاء من الأيام أصبح غدرةً / ووصل من الأحباب آخر إلى هجر
عماء لنفس الدهر من بعد اما انتحت / نوائبهُ نفس المكارم بالغدر
رزينا فتى قد كان يخشى ويرتجى / إذا اشتدت اللاواء للخير والشر
غمام ندى ينشقّ عن مومض اللهى / ونور علا يفترّ عن روضه النضر
فتى كان يستحي من الجود أن يُرى / له فضل وفر لم يذل بالندى الوفر
ثوى إذ ثوى في لحده الباس والندى / فلم يبقى من يحمي ذمارا ولا يقري
لئن وترته الحادثات فلم تزل / تبيت الليالي للكرام على وتر
وإن أسلمته للمنون فطالما / غدا جاره الأقصى يجير على الدهر
وإن اقفرت منه المغاني فذكره / تغنى به الركبان في المهمة القفر
طوت شخصه كفّ المنايا فنشّرت / أحاديث من ذكراه طيبة النشر
تمثلهُ الأحزان عندي فأنثني / أناجيه من فرط الصبابة بالفكر
وما أحد حال التباعد دونهُ / يأبعد ممن قد تغيّب في القبر
مضى الملك نور الدين فانثلّ مجدنا / وولى فولّت بهجة الزمن النضر
مضى من به كان المغور في الضحى / يقضي كراه والمقرس في الفجر
الان استراح الركب من دأب السرى / إليه وأسماع المطيّ من الزجر
وقرّت بمثواها الصوارم والقنا / وعطّلت الجرد المذاكي من الضجر
ونكّر وجه العرف في الناس وانطوت / على الرغم منهم ألسن النظم والنثر
وقد أصبح الفادي ينادي أخا السرى / أيسنا فلا أغدو لبر ولا تسري
سقاني الردى خمرا وهذا خماره / وأيّ خمار لا يكون مع الخمر
تقطّمت الآمال لما تواصلت / بمصرعة في الشامتين قوى البشر
وأسى ممرّ المجد منفصم العُرى / وعاد التئام الدين منثغرا الثغر
مصاب تروّى الجوّ منه حدادهُ / فلم يبد منه ضوء شمس ولا بدر
فويل لم الدافتيه عشيّة / لقد غيبوا تحت الثرى سنة الفجر
ولو انصفوه لم بوسّد سوى العلا / ضريحا ولا هالوا عليه سوى الأجر
سقته على طول التباعد بيننا / سحائب عز من مدامعيَ الغزر
وقد كان يسقى جودهُ مسبل الحبا / فها أنا استسقى له مسبل القطر
وما كنت أرجو أن تكون مشيدةً / مراثيه بين الورى ألسن الشعر
يُبكيّه مرتاع الصباح وطارق ال / ظلام ومنجور يرصيه للنصر
ومغترب شطت به غربةُ النوى / ومختبط أودت به صفقة العسر
فأيّ ضريح قد حواه لقد حوى / على الضنك منه مجمع البر والبحر
وكان زماني قد علا بي وصانني / فكنتُ أصونُ النفس عن عمل الشعرِ
ولكن أتانا فادح جلّ رزؤهُ / فاورث أهل الألاض قاصمة الظهر
فأيّ لسان لا يقول ومدمعٍ / على مثلها ما عاش بعدك لا يجري
فلو أن حيا يدفع الموق دونه / بهنديّة بيض وخطيّة سمر
لذاد المنايا عنه كل سميدعٍ / يعُدّ العلا في الكرّ والعار في الغرّ
ابيّون لا يستخذؤون لحادثٍ / ملمّ ولا يستنزلون على القسر
ولو أنّه يفدى لفدّته أنفس / مكرّمة والنفس من أعظم الذخر
ولكنّه الموت الذي لسهامهِ / نوافذُ تصمي ذا الثراء وذا الفقر
لقالكم من عاثرين ولا لما / لغيركم من عاثر بظبا الدهر
أمسعود لا زالت سعودك تعتلي / مؤبّدةً مرّ الليالي على الدهر
مليك الورى والصبر منكبك الذي / تلوز به في موطن النفع والضر
تعز فإن السيف يمضي وإن نبا / به مضرب ما دام يؤثر بالأمر
فقد حقّقت فيك الظنون فاصبحت / من الخبر المأثور عنك على خبر
ولا غرو أن تقفوا أباك متابعا / لتلك الأيادي البيض والشيم الغر
فذو المجد من تسمو نوازع همّه / على هامة العيوق أو قمة النسر
تهنّابك الدنيا جميعا وأهلُها / فيا مورد الضاوي ويا قمر السفر
لك الدولة الغراء والملك بعدما / خصصت من الرحمانِ بالجدّ والنصر
وركناك بدر الدين من سيف عزمه / يفلّ شبا الأيام إن خيف من ضرّ
ونصر نفيس الدين موفيك ودّه / وموليك محض النصح في السر والجهر
فذا كعلي للنبي وصيّهُ / وهذا له في الرأي مثل أبي بكر
وها ابن دنيجير يفضّل مدحكم / وينظمهُ بين البريّة كالدر
ولي لكم في كل شرف ومغربٍ / وراجيكم في القلّ منه وفي الكثر
فلا انفك جيد المجد منكم مطوقاً / بجدّ مخوف البائس متّبَعِ الأمر
بقاء الندى في أن يدوم لك المدى / وعُمر المعالي أن تمتّع بالعمر
أشاقتك من أطلال ليلى معالمُ
أشاقتك من أطلال ليلى معالمُ / فأبدت شؤون الدمع ما أنت كاتمُ
أم القلبُ إثر الظاعنين صبابةً / دعا فأجابتهُ الدموع السواجم
أطاع الهوى لما عصى الصبر معلنا / بأنّ فؤادي من جوى البين هائم
الأربّ دار باللوى قد تقوّضت / لبعدهم أركا نها والدعائم
وقفت بها أذري دموعاً تسعّرت / بها نار حزن ضمّنتها الحيازمُ
وقد محّصت اطلالها فكأنها / ظباء باقطار الفلاة جواثم
أقول إذا ذكرى عهودي تعّرضت / سقى عرصتيها عارض متراكم
وأنّى جفتها المزن لا زال صائبا / من الجفن صوب بالمدامع ساجم
وعاذلةٍ باتت تقول ملحّة / أمثلك يبكى الربع والربع طاسم
فقلت لها كفّي الملام فإنها / هي الدار أقوت آياتها والمعالم
عهدت بها شرخ الشباب بوصل من / هويتُ وغصنُ العيش أخضر ناعم
بحيث امتناع الغانيت ممنّعُ / لدينا ولون الرأس اسود فاحمُ
وما فوّقت أيدي البعاد لشملنا / سهام النهوى والخطبُ وسنان نائمُ
وقد طلعت بعد الفراق بمغرقي / نجوم مشيب إثرها الموت ناجمُ
فأنبأنني أنّ الصّبا غيرُ راجعٍ / إليّ وأنّ الشيبَ للمرء لعادمُ
ولم أر دهري غارماً ما أضاعهُ / وكلّ زعيمٍ بالذي ضاع غارمُ
فوا عجباً من سوء خطي وقد سرى / لفضلي عرف مخطم الدهر فاغم
إذا جئتُ وردا للمعالي ارودهُ / فإن الرزايا فوق وردي حوائمُ
وما فرقي والحادثات تلمّ بي / من الدهر والملك المعظّمُ عاصم
مليك به وجه الخطوب مقطّب / وثغر الندى والدين والعدل باسم
حسام أمير المؤمنين وما سمي / بذلك إلا وهو للخطب حاسم
به نصر الإسلام في كل توطن / وحلّت بأهل الزيغ منه القواصمُ
لئن عجزت وطف الغوادي بجودهِ / لقد خجلت منه البحار الخضارم
فمن مجدهِ حوض المدائح مترع / ومن جودهِ البحر المنائح راسم
مليك له الأقدار تجرى على الورى / فليس فضاءً غير ما هو حاكمُ
تجليب منه الدهر ثوبا من العُلا / ففي عصره كلّ الزمانِ مواسمُ
إذا عجز الوصّافُ عن حصر مدحه / وأوصافه أثنت عليه المكارم
وما انصفوه بالمعظّم إذ غدا / عظيما وقد هانت لديه العظائم
ومن أين يُلغى للمظفّر شبه / إذا احتدمت بالدار عين الملاحم
وكم سوق حرب للأعادي أقمتهُ / وموت لهم ايظقته وهو حالم
ولم شهدت منك الفرنج مواقفاً / وبحر المنايا موجده متلاطمُ
دعوت بها بيض السيوف فأذعنت / تجيبك في هام الكماة الصوارم
لدى معرك لم يلف في جنباتهِ / إذ الروع إلّا صارم أو ضبارمُ
وما زلت في جيشين جيش مقاتل / وجيش على القتلى من الطير حائم
ولو سئّلت أرض الفرنج شهادة / أجابتكم صيدا ويافا وحارم
فكم خدلت فيها لدى الحرب أنفس / وكم قسمت إذ ذاك منها الغنائمُ
وكم من صريع من مخافة بأسم / وما فقعت فيه الرقى والعزائم
وليس لكم في حرب فارس مفخر / لقد صفُرت عن مثل ذاك الأعاجم
دعاك أمير المؤمنين فأذعنت / له عزمة قلّت لديها العزائم
فألفاك سيفا في الأعادي مجرّراً / وفي شفرتيه الموت إن شام شائم
تميت وتحيي بالصوارم والندى / كأنك للآجالِ والرزق قاسمُ
مليك الورى عزّ العزاء لحادثٍ / وجوهُ المعالي إذ ألمّ سواهمُ
وقد جلّ رزء المؤمنين كأنّما / عليّ عليّ فالدموع رواذم
ألم به صرف الحوادث عنوةً / ولكنما من بعدها الدهر نادم
سقى قبره سحّ السحاب فطالما / سقى الناس غيث من أياديه ساجم
ولا فارق التقديس أرضا ثوى بها / ولا رحمة واللّه إذ ذاكَ راحم
أيا ملكاً لولا فواضل جودهِ / لضنّت علينا أن تجود الغمائم
دعوتك لما أن ألم بيَ الأذى / وعدّت فما صحّت عليّ الجرائم
فخذ بيدي ثمّ اصطنعني فإنما / نمتني إلى العلياء قوم أكارم
فما راق لي لمّا سمعت مشارب / ولا هنأتيني بعد ذاك مطاعمُ
لديّ فنون من علومٍ غزيرةٍ / لساني لها في جبهة الدهر واسمُ
تفنّنت في الآداب حتى أخالها / نهابا ولم يحرزه إلّايَ غانم
وجاهدت في علم القراءة بعدما / قرأت بما لم يقر ورش وعاصم
ولي بأحاديث الرسول رواية / تقصّرُ عنها في العلوّ العمائمُ
وسقراط ما أوعى من العلم ما وعى / فؤادي ولكن عصره متقاوم
وأنبئت من لي في رضاه مصالح / تهدّدني إذ رأيه في واهم
ولم اقترف ذنبا وأجن جناية / ولكن سعت للسع في الأراقم
فإن كنت بي يا مالك الأرض محسنا / سعدت ولم تحدث عليّ الجوازم
وإلا فإني طائح الدم هالك / وعما قليل أنت لا شك عالم
ظبي الصريم حبالي في الهوى صرما
ظبي الصريم حبالي في الهوى صرما / حتى أراق دموعي بالفراق دما
وعلّم الجفن أن يذري الدموع أسى / فهل تراه بقتلي في الهوى علما
حلّمتهُ فيّ حتى ظلّ من سفهٍ / يضني فؤادي ألا يا بئس ما حكما
اصموا الفؤاد بسهم من تباعدهِ / وأورث السمع من بعد النوى صمما
يا دار سلمى سلام من حليف ضنىً / من لسعة البعد والتفريق ما سلما
أضحت ربوعك من بعد الأنميس بها / قفرا فأصبحَ حبل الوصلِ منجذما
لا مرّ وفد نسيم الريح بعدهمُ / إلا حدا ليروي ربعهم وبما
قد أوطنوا بعدك الجرعاء من إضمٍ / علما بأنهم قد انكروا العلما
واستبدلوا من ديار الحي كاظمة / وما الموا ولكن أغصبوا ألما
وليلة طاف فيها الطيف بي سحرا / فما لبثت ونجم الصبح قد نجما
فما قضيت به للنفس مأربة / لكنّما زاد جسمي في الهوى سقما
أتى وقد هزّني شوق لزورته / مولي سلام وتوديع قد التزما
آهاً على طيب أيامي بوصلهمِ / وللشبابِ الذي كنا مذ التأما
واحبّذا مربع حاك الربيع به / برود وشي تخال الأرضُ منه سما
من أصفرٍ فاقع يحكي المحبّ إذا / ما شتّت الدهر شملاً منه ملتئما
ومنه احمر قافٍ كالجيب غدا / عند الكفاء حياء مطرقا وجما
وأخضر مثل ما ينوي لعاشقه / من الوصالِ غدا في الحر ملتهما
وأبيض قد كسا وجه الثرى حللاً / من نوره وتغشّى القور والألما
فالروض يضحك إذ يبكي السحاب به / حسنا ويفترّ ثغر النبت مبتسما
فاشرب من الراح من حمراء صافية / تخال بالمزج في كاساتها خدما
من قهوة لم تزل موجودة قدما / قبل الزمان وقد كان الورى عدما
من كفّ أغيد ممشوق القوام غدت / نحكيه خدّا وريقا طيبا وفما
والدهر في غفلةٍ عنا ومن غفلت / عنه صروف الليالي ظلّ مغتنما
وما تحكّم صرف الدهر في أحد / أضحى بدولة عز الدين معتصما
ملك رأى الله أن الحق ركبّه / فيه فملّكه الأرضين والأمما
فأصبحت سطوة الجبار خاضعة / لديه إذ راح للرحمان منتقما
ان جئته نلت ما قد كنت تطلبهُ / وعُمتَ بحرا عذا بالجود ملتطما
وحزتَ من سعد مسعود عظيم منى / تضحي الليالي لما قد نلتهُ خدما
بنى له الفضل والإفضال بيت علا / أضحى به ركن من ناواة منهدما
لله أيّ يدٍ من أمّ نائلها / رأيت بحر ندى من كفّه انسجما
وإن ألمّ بحربٍ ظلّ جاحمها / من شدّة الرعب بالأبطال مضطرما
يفري الكلى بالقنا طورا وآونةً / بالمشرفيّة يبري الهام والهمما
ماذا أرسم من مدحي لسؤدده / والدهر ممتثل في الأمر ما رسما
من معشر جمعوا شمل العلى لهمُ / حقّا وقد كان منها الشمل مقتسما
وشيّدوا الدين بالخرصان والتزموا / منه عراه وكان الدين مهتضما
إيه مليك الورى مرىءً ومختبراً / لم يطمعا في العلى عربا ولا عجما
لك العطايا التي أمت فواصلها / منك الاعادي لما عمّت الأمما
ومنك سار الندى بين الورى مثلا / سيّرت جوداً فعلّمت الورى الكرما
يغنى الزمان ولا تغنى مناقبكُم / والمأثراتُ فلا زلتم لنا حرَما
سفها بكيت بدمع عين هام
سفها بكيت بدمع عين هام / بمرابع أقوت من الأرآم
وأطلت في الأطلال وقفة حائر / لا يرعوي عن دمنة وخيام
أضللت حلمك في الديار ولم يجز / تخيبك ذلك منك في الأحلام
ما الربع مما يرعوي لملامةٍ / كلا ولا يصغي لرجع كلام
للّه أيّ سوالفٍ عرضت لنا / بلوى الكثيب بسالف الأيام
أقبلن في خفر الدلال وإنّما / لم يسمموا بتحية وسلام
يا عاذلي أزعمت أنّك ناصحي / مهلا اسأت الفعل في الإفهام
إن رحت في إثر الخليط فطالما / خلط التفرّقُ صحبتي بسقام
وحمائمٍ غردنّ في غسق الدجى / فبعثن شوقي إذ اعدن غرامي
أذكرنني زمنَ العقيق وإنما / نوح الحمام مفاجىء بحمامي
يا قاتل الله النوى فلكم ونى / في إثرها متعثّرُ الأفهام
أأذُمّ بارح طيرها أم اشتكي / زمني فقد أقصى بلوغ مرامي
ما أصفت الأيام ورد مشاربي / كلا ولا نقعت غليل أوامي
رفّعَن ما أسأرن لي من مشربي / ونزلن بي بمزلّة الأقدام
أتروم خفضي حين تأبى همتي / إلا ارتفاع محلّتي ومقامي
أفمن ملوك الخافقين عزيمة / تنتاشُني من ضيغم الإعدامِ
قومي الذين تسموا قللَ العلا / بالفضلِ والإفضالِ والإكرامِ
طلعت نجوم علومهم زمناً وقد / سحب الضلال عليه فعل ظلالم
وسمضوا وقد وسَموا حباه مكارمٍ / نزلت بهم بمنازل الإعظام
وأنا الذي علمَ الفضائلَ يافعا / حقا فشبّه ذاك بالإلهام
أدركت ما لو طال عمر مؤمّلٍ / ما قام فيبعض العلوم قامي
أنا فارسُ الفرسان إن علم جرى / لكن لساني في النزال حسابي
أبقيت للعلماء بعد ذهابهم / شرفا بنى شرفا على بهرامِ
شهدت لي الأيام كلّ فضيلةٍ / وأضاعني زمني بنقض ذمامي
فالعقر أيتّها الجيادُ فإنه / يشفيك من عقرٍ ومن آلامِ
وإذا عماد الدين جئت فشيمتي / لثم الصعيد وقد حسرت لثامي
ورضيت عن زمني بحسن صنيعه / وغفرت عظم إساءة الأيّام
قرّبنني من بحر جود قطرة / منه يبرّ على السحاب الهامي
ملك إذا أثنت علاه بجوده / ثنت المقاول فيه بالإفحام
ملك لأحكام القضاء مقدّر / في الحالتين النقض والإبرام
فكحاتم في جوده وكأصنف / في الحلم بل عمر ولدى الإقدام
تنميه في العلياء غرّ مكارم / يغنى بها عن هاشم وهشام
لو سئلت عنه المكارم والعلا / نطقت بما أولى منَ الإنعام
فلسيفه ولسيبه ببن الورى / حكمان حكمُ صواعق وغمام
ولذكره في قلب كلّ مخالفٍ / وموافق فرق من الأقوام
وإذا الكريهة أخمدت أخدمتها / بمثقّف وبصارم خذّام
فلسيفه وسنانه وبنانه / حكم يشقّ على الطلى والهام
واخالفته أعزّة إلّا عذَت / منه رؤوسهم بلا أجسام
يا أيها الملك الذي من عدلهِ / ثبتت دعائم قبّة الإسلام
أثّلتَ مجدا لم يطل لصفاته / شعري فقصّر عنه شأو كلامي
ورعيت هذا الملك منك بمقلةٍ / لم تكتحل أجفانها بمنام
وبنيتَ داراً للمناقب والعلا / سُمكت قواعدها بخير دعام
شيدت كما شيدت بهّمتك العلل / ورست لديك قواعد الأحكام
أسكنتها الكرم التلاد فما انضوى / إلا إليها منتهى الأفهام
وكسوتها من نور مجدك بهجةً / فجلوت منه حنادس الإظلام
ورفعت في شرفاتها شرفا لها / علما وفي عن ذروة الأعلام
بعزيمة أركانها بركونها / ثبتت فآذن سعدها بدوام
احجارها من مرمر ونقوشها / من جوهر فاعجب الحسن نظام
وكأنّ منها الشيد قد كحلت به / أجفانُنا بمراود الإعظام
ما بال دجلة إذ أطلّ بناؤُها / متشرّفا في خجلة وغرام
تبدو بتجعيدٍ وحقّ لمثلها / حقا يغار من الخضمّ الطامي
فالجود في عرصاتها والأمن في / أبوابها بالفضل والإكرام
فهي الأحقّ بأن تسمى جنّةً / أو أن يقال الدهر دار سلام
يا ابن الغطارفة الذين أكفّهم / موت لحيّ الجور والأعدام
إنّي اتخذتّك شافعا لي في الدُنا / وتخذت حيدر شافعا لأثامي
ولأنت في دنيايَ خير مؤمّلٍ / ولحيدر في الحشر خير إمام
فبقيت يا خير الورى ما غرّدت / في مورق الأغصان ورقُ حمام
سلبَ القلبَ وراحا
سلبَ القلبَ وراحا / رشأ فاق الملاحا
أبدع الحسن كما اب / دع زنكيّ السماحا
راح يسقينيَ من في / ه ومن كفّيه راحا
بين مخضرّ ومحمر / ر ونسر منه فاحا
ومنى شاء قتالاً / أكمل الجفن السلاحا
يا مانعي النوم بقطع الوصال
يا مانعي النوم بقطع الوصال / جد بالكرى واسمع بزور الخيال
قد ملّني العائد من بعدما / أنملت جسمي بالقلى والملال
ودلّ وجدي بكمُ أنني / أتلف ما بين الجفا والدلال
حلت قوى صبري وقد علّمت / هاروت أجفانك سحرا أحلال
ملكت فاسجح في قلوب الورى / واعدل ففي قامتك الإعتدال
واجمل بمن غنّى في حبّكم / قد كملت فيك معاني الجمال
أبدعت في الحسن فما في الورى / شبهك خلق فاخش عين الكمال
أعطيت ما لم يعط خلق فقل / جلّ الذي قد خصّني بالجلال
ذلّت لكم زوجي فقلبي بكم / يشقى من الصدر ودمعي يزال
يا عاذلي فيه ترفّق وسل / كم بين مغرى بهواه وسال
ظللت ما بين سنا وجهه / وشعره بين الهدى والضلال
إن رام أن يمنعني عامدا / طيب وصال حاد عني وصال
من منصفي من قمر لحظه / أقتل لي من مرهفات النصال
متى أراد الفتك راشت له / أجفانهُ للقتل سمرَ النبال
ينزل بي من هجره مثل ما / يفعلهُ زنكيّ يوم النزال
ملك متى وأرمت وصفا له / قصّرت عنه في فصيح المقال
يستنزل العصم بألطافه / فإن سطا زالت رواسى الجبال
يهتزّ للمدح كما اهتزّ غُص / ن البان وافته الصبا والشمال
فما اغتدى يضحك يوم الندى / إلا بكى المال إذا عنه مال
يبدأ بالجود فان شئت أن / تسألهُ أعطاك قبل السؤال
لا يتبع الجور أذى مثل ما / يتبعه الغير وطول المطال
اعداؤه صور إلى ما ابنى / في المجد من مستشرفات بالعلال
إن حاولوا أن يبلغوا شأوَهُ / ضاف عليهم في المعالي المجال
يحفظ عهد اللّه في المصطفى / وآلهِ الفرّ وهم خير آل
لا برح الدهر ميعنا له / بكلّ ما يرجوه في كلّ حال