المجموع : 50
بكر على صيدك فالوقت فرص
بكر على صيدك فالوقت فرص / ولا تجيء في اخريات من قنص
وابتدع الآثار يقفي نهجها / فخير آثار الفتى ما يستقص
واجعل لهذي النفس منك قوة / يمكنها الصبر على صاب الغصص
ولا تقل كان أبي فانما / حديثه الماضي أساطير قصص
إعمل فما بعد الصبا من عمل / والبدر أما بلغ التم نقص
إذا تكاسلت فلم تربح سوى / ما تترك الموسى بعارض الأحص
وطامع لم تكفه جفنته / وكم ذبيح في حواشيها فحص
تطاحنت ممالك الدنيا له / وقسمت من أجله تلك الحصص
فهل تراه قانعاً أم أنه / يثرد قرص الشمس مع تلك القرص
فلا يلومن سوى لهاته / من جاوز المقدار في المضغ فغص
ليل غشى العالم وهو منكر / عسعسه فيها دياجيه تخص
توهم الصبح بدا من وجهه / فخرج الوهم يقينا وخرص
ما أجهل الإنسان إما تستوي / بلاجة الوجه لديه والبرص
جنس الحديد خيره في فصله / والسيف يمضي حيث لا يمضي المقص
يحكم في الدار وليست ملكه / ثبت عن الباحث يوماً ما قمص
وينزل المضيف تحت حكمه / ضيف من المضيف بالبيت أخص
ألقى على البريء عبء جرمه / ومنه في مجزرة الظلم استقص
بنى على استملاكه وما اشترى / مبانياً رصنها الجور ورص
وكلف الأسير أن يطربه / كم يسجع البلبل وهو في قفص
من أكره المحزون في الشدو له / ومن على عويل ثاكل رقص
لم أر كالطفل وضيفنا الذي / من خالص الرفق مزاجه خلص
فالطفل يكفيه امتصاص دره / والضيف للروح من الجنبين مص
من لي من الفتيان بابن حرة / ما نكس البند ولا يوماً نكص
يفتح للقتام عين أجدل / كأنما العثير كحل للرمص
إن تدعه لباك منه ناشئ / قد نشر الوفرة بعد ما عقص
عزائم منه على ملحمة / لم ينتظره طيرها منه رخص
يقطع بالرأي وريد خصمه / وقوله في موقف الأحكام نص
بلادك إنها خير البقاع
بلادك إنها خير البقاع / فقم ثبت بها قدم الدفاع
بلادك أرضعتك العز فاحفظ / لها حق الأمومة والرضاع
بلادك أصبحت لحماً غريضاً / تمطق فيه اشداق السباع
فقل للضاريات ألا اقذفيه / ففي أوصاله سم الأفاعي
أرى ضرماً وليس له لهيب / وهل نار تكون بلا شعاع
وأسنمة يسيل السمن منها / توزع بين أفواه جياع
وقطعاناً تلاوذ وهي سغب / وتمنع عن مداناة المراعي
فما زالت على فزع ورعب / تفر من الذئاب إلى الضباع
غزانا الغرب في جيش لهام / تجهزه السياسة بالخداع
رمى الشرق الجميع بنبل مكر / ففرق شمله بعد اجتماع
وحمل أهله عبئاً ثقيلاً / وكلفهم بغير المستطاع
يجذ الكف وهو يريد منها / أو ان القطع فعل يد صناع
ويثقل بالحديد الساق ظلماً / ويرجو أن تخف إلى المساعي
أطار الفكر من دهش شعاعاً / وقال احمل قواك على اختراع
وضيعها حقوقاً ناصعات / فيا لِلّه والحق المضاع
يرى ضعة الكراع فيصطفيه / ويعرض عن مجاملة الذراع
نظرنا في السياسة فاجتهدنا / وخضنا في القياس وفي السماع
فألفينا بحيرتها سراباً / يحوم الوهم منه على التماع
إذا كالت فقيراط بصاع / أو اكتالت فقنطار بصاع
أبت أن تستقر على ثبات / بواعثها الكثيرة والدواعي
وما عقدت بخنصرها حساباً / لأمر لا يجيئ له بباع
تصافيها النفوس ولا تصافي / وترعاها العيون ولا تراعي
تصارع أمة بيمين أخرى / وليس لغيرها غلب الصراع
أما في هذه الدنيا مطيع / يراقب بطشة الملك المطاع
ونفس في زجاجتها انشعاب / ويوشك أن تؤول إلى انصداع
تنفس في سجنجلها غبار / يخفف وزن عالية التلاع
وأوردها المنية وهو يشدو / ردي مرّ الحتوف ولا تراعي
دعوت الحي يغمرهم كراهم / وهل ميت يجيب نداء داع
وقلت لناشد في الشهب مأوى / أضعت العمر في طلب الضياع
يراقب من أمانيه بشيراً / فيسبقه القضاء لها بناع
ألم يرهقه معترك الليالي / وحد السيف يرهف بالقراع
ومن لم يتسع صدراً لضيق / يضق فيه فضا الخطط الوساع
ومن قدّ العدو له قناة / أعدّ لوخزه قط اليراع
سنان أم لسان فيه يقضى / على الخصم الألد لدى الدفاع
يكتبها كتائب من حروف / ولكن المواقف من رقاع
له أما القلوع مع المنايا / وأما فتح مغلقة القلاع
فإن لم تنحسم فيه القضايا / فبيض الهند حاسمة النزاع
أمير الريف اسرجه احتجاجاً / ليلجم فيه جامحة الطباع
أنار المبهمات وقد تجلى / كمصباح توقد في يفاع
ولما أعميت عنه عيون / صحيحات وارتج سمع واع
أقام السيف يخترق التراقي / وينكت فالقاً وكر الصداع
ولولا فصله اتصلت عراها / حوادث تستمر بلا انقطاع
عذولك موصول فكيف انفصاله
عذولك موصول فكيف انفصاله / وصبك مفصول فكيف اتصاله
تذللت للواشي كأنك عاشق / فأصبح مقصوراً عليك دلاله
وحكمته بالروح فالأمر أمره / وهل لك يا مملوك إلا امتثاله
فلم أدر ما المحبوب من حركاته / لعاشقه أقواله أم فعاله
إذا كان ذا من فاين جميله / وإن كان ذا حسن فاين جماله
أحلته ربع المجد منك انخداعة / فثقف معوج الضلوع احتلاله
ألا أيها المخدوع ضيفك صائد / ويوشك أن تلقى عليك حباله
أحذرك السحر الذي بلسانه / وما هو إلا مكره واحتياله
أفي اليوم محبوب إليك نزوله / وبالأمس محتوم عليك نزاله
له الليث أخلى خيفة المكر غابه / ومن فرق خلى الكناس غزاله
نعيمك أضحى عنده متموجاً / وعندك أضحى بؤسه ونكاله
هلال السما ظهر الأبي مقوس / ولا عيب في قوس وأنت مثاله
لقد نبذت أوتاره خلف ظهره / وعادت اليه بعد نزع نباله
غدا الوطن المحبوب جسماً موزعاً / نوادبه أطلاله وظلاله
بمن يدفع الجلى وهذي يمينه / من الزند جذت يوم بانت شماله
بكيت على الماضي وان كان مسلمي / لحاضر وقت ليس يدري آماله
هجير من البأساء شق امتداده / وظل من النعماء عز انتقاله
ومعتقل شد الوثاق على الأبا / وسد طريق المصلحين اعتقاله
يعدل ميل المشتكين فيشتكي / ويشكر صنعا ميلها واعتداله
فلا مطلق حول المفر عنانه / ولا ضيق عند المكر مجاله
فأكبر ممنوع من الظيم نفسه / وأكبر مبذول من الشعب ماله
فيا بارق الآمال ذاب من الصدى / فؤاد على نبض البروق اتكاله
لوى وعده بالغيث خلب برقها / فحتى مَ يبقى ليه ومطاله
واضغاث أحلام بها خطر الرجا / ومرَّ بوادي النوم يسري خياله
هذه خيلنا الجياد الصوافن
هذه خيلنا الجياد الصوافن / أنفت أن تقاد في يد راسن
لا تسسها فكم بها ذات متن / يدرك الحسن من يمينك ماين
نفرت عن منابت الهون مرعى / ويداها ما خاضتا الماء آجن
ان تفض في الرمال فهي سيول / أو تخض في الدماء فهي سفائن
تطحن الشوس في رحاها دقيقا / والدم الماء والنسور العواجن
لست أدري مطاعم من كرام ال / طير للوحش في الوغى أم مطاعن
كيف تظمى والبيض مثل السواقي / مائجات يفعمن غدر الجواشن
عبرت لجة المنايا وجازت / ساحليها مياسراً وميامن
ورأت من صنايع البيض فيها / بأكف الجرحى الرماح محاجن
يا له موقف اختلاط فسهم / في قراب وانصل في كنائن
ومخاليب أجدل في سبيب / ونواصي طمرة في براثن
أين لا أينها أخافت فأمسى / سربها في الركون ليس بآمن
باعدت مشرع الفراتين طوعاً / وعلى الكره تحتسي النزر آسن
ما ظننا السوابق منها / ملحقات بما اقتناه المراهن
ما أراها هانت فذلت ولكن / درست حال شعبها المتهاون
فبكته الآمال دوح خلاف / لم يقم تحت ظله متضامن
أي دوح في أصله عذل لاح / وعلى قرعه ترنم لاحن
ضعفت أنفس ترى في دواها / وهو الداء حفظها بمعاون
وإذا صارع المريض المنايا / والطبيب العدو فالموت حاين
كيف يرجى اشفاق أعدى طبيب / حرك الداء طبعه وهو ساكن
يصف الهدم للجسوم علاجاً / فكأن البناء نقض المساكن
ناعم البال ليس تزهو بشيء / نعمة لا يذب عنها مخاشن
إن من بات فوق لين الحشايا / غير موف عهداً عليه لخاين
قد يعين العدا عليه برأي / وبسيف مصالح ومهادن
ظهرت للعيان منك خفايا / ومن الستر ان يكن كوامن
قلت إني للمحسنين مساوٍ / والمساوي تقول أنت مباين
يا دريس الآثار جدد حديثاً / مراسلاً عنك لا حديث العنا عن
أحزم الناس ناهضاً بعظام / من مساعيه لا عظام الدفائن
كم ركبنا ليستظل ابن فج / من هجير الضحى ويعصم راكن
كم صروح تبلطت برخام / طحنتها رحى الخطوب الطواحن
قل لأهل السواد لا جاورتهم / في البوادي شقايق وسواسن
ضربتكم أيديكم فاقترفتم / وخلا معبد وفارق سادن
وضياع قضي عليها ضياع / وكنوز تحولت لخزائن
فلقتكم فواحص مذ رأتكم / هضباً قد ركدن فوق معادن
أروح على جمر الغرام كما أغدوا
أروح على جمر الغرام كما أغدوا / فلا الدمع يطفيه ولا يسكن الوقد
وحيرني النائي وموطنه الحشا / فلا قربه قرب ولا بعدعه بعد
أحباي بالوادي المقدس أخذكم / علي طريق الصبر ليس له رد
تذكر كم قلبي فطار شراره / كأن حصاة القلب يقرعها زند
وطلق عيني غمضها فهي بعدكم / تعد الليالي والشهور وتعتد
تحبب لي نجداً عروبة أصلكم / واين من المغموس في دجلة نجد
تنسمت فيها نسمة من رياضكم / يعطرها شيح الجزيرة والرند
على ضوء هاتيك الثنايا زاهياً / اطالع صحفاً من عناوينها المجد
خطوط بأقلام الرماح مشجراً / بها النسب الوضاح والحسب العد
أعاريبنا الاقحاح ما لخيولكم / صوافن لا يخفي حوافرها طرد
مجردة منها المتون كأنما / تسام العرا تلك المسومة الجرد
إذا انبعثت من موطن العرب نزعا / فإن ميادين الطراد لها السند
أما حملت كعب رؤوس أراقم / أما نتأت في صدر مرتبء نهد
تنير مصابيح الأسنة حيهم / وتنبت في الأكناف منها القنا الملد
أشداء بأس لا تحل عقودهم / وإماهم حلوا بمعترك شدوا
أمنت اجتياز العيل يا عصب العدى / فما بقيت في الأجم من أسد أسد
وفي الرملة البيضا مضارب معشر / بها الرفد موفوى كما وفر الوفد
يلذ بعيني السهد في ذكرياتهم / كأن مذاق السهد في مقلتي شهد
ومن ظلمات الليل بحر يخيفني / فلا الجزر ينجيني ولا يعير المد
أرى ساحل الاصباح يبيض رمله / فيضربه موج الظلام ويسود
بماذا أخوض البحر والبحر هائج / ولا ساعد يقوى عليه ولا زند
أماني نفسي أجهدتني تعللا / وان التمني جهد من لا له جهد
إذا ركب الانسان صهوة حظه / تلألأ وهاجاً بغرته السعد
مهازل هذا الدهر ما شئت فالعبي / بقوم تفاني في حياتهم الجد
وكم من فراغ في الزمان وأهله / رأوه فما أسدوا جميلا ولا سدوا
من الحلق والتقصير أجلى صفاتهم / سواء شيوخ القوم والعلمه المرد
قعود عن العقبى فماذا انتظارهم / ودهم الليالي في سنيهم تعدو
فلو نزلوا من صلب قرد كما ادعوا / لأورثهم يوماً فكاهته القرد
إذا عجموا لانوا وان صعدوا هووا / أو ائتمنوا خانوا وان شيدوا هدوا
فهم يمطرون السيل ان مطر الحصى / وهم يسهرون الليل إن سهر الفهد
ومن قبل كانوا يسهرون على الطوى / فهاهم نسوا تلك المعاناة من بعد
أتوا يحملون الجهل طبق زمانهم / فصبحهم غر وعصرهم وغد
أرونا على ضوء الدجى حسناتكم / فنفعكم يخفى وضركم يبدوا
وارجح منكم في رزانته الهبا / وأسمح منكم في الندى الحجر الصلد
إذا الحر لم يستعبد الحر بالجدى / فما هو إلا في خلائقه عبد
حكمتم على عكس القضية والرجا / بعكسهما والحكم أهونه الطرد
جهود بأسلاك العصور تنظمت / فأين نراها بعد ما انفرط العقد
وعقبان رايات تخاف نسورها / إذا ركزت في الأرض آسادها اللبد
يعاهدها الطير الجديد صيانة / وليس لهذا الطير إل ولا عهد
فيا صنعة الفكر التي من رفيفها / تضارب هذا الأفق واضطرب الوهد
تبيضين آجالاً إذا مست الربى / تميد لها الشم الرعان وتنهد
تهز اصول الدوح وهي ثوابت / فتذوي الفروع الباسقات وتنقد
أتيت بعصر النور فاحترق الرجا / وعاد رماداً في خمائله الورد
يقولون هذي الحرب قد شبها الهوى / فقلت كذبتم إنما شبها الحقد
قضيتم على تلك المواريث ساقها / لهم والدبر وذو جدة جد
فلا صاهل إلا تشكى رباطه / ولا صارم إلا وغص به الغمد
يسائلني عن موطن العدل جائر / ويعلم أن العدل موطنه اللحد
على يده أدلاه بالحفرة التي / تبلج فيها الحق وابتسم الرشد
ويسألني عن كنز دري مخاتل / وفي يده مما احتفظت به عقد
لو انبسطت كفي على قدر حقها / أقمت عليه الحد لو أمكن الحد
قصيد حبيب يممته خواطر / فضاع عليها في مسالكها القصد
ونسج ابن برد في القوافي مهلهل / طوته الليالي مثلما طوي البرد
ولولا جمال العصر ساحر بابل / لما ضاع في الأرجاء من حكم ند
تقاسمها في الدو والدوح ألسن / فمرتجز يحدو وصيداحة تشدو
له المقول المصقول ديباج لفظه / إذا المحفل المأهول أصغى به الحشد
إذا انبعثت منه المسائل لم يقف / أمام المجاري من أدلته سد
تمخضت الدنيا فكان نتيجة / بها المنبر المثلوم يهتز لا المهد
وفي الأرض أعلام من الناس والربى / وأشهرهم ذكراً بها العلم الفرد
وأصبحت أولاهم بفصل خطابهم / وأولهم بالفضل إن ذكر العد
وما عقدوا أمراً وأنت تحله / وما حاولوا حلا وفي يدك العقد
يد لك لم يكفر بها الروض ميتاً / فأني وقد أحياه نائلك الجعد
ومرهف فكر أتقن اللَه طبعه / فما سل إلا فل ما تطبع الهند
عليّ لأيام الصبا عهد واثق / بأن المواضي لا يذم لها عهد
مضت كأراجيز الربيع ندية / يشيع في لذاتها عيشها الرغد
طبيبي ما عرفت عياء دائي
طبيبي ما عرفت عياء دائي / وأنت معالج الداء العياء
أنا أدري بدائي فهو ضعف ال / سواعد عن صراع الأقوياء
وبي ألم يؤرقني فتعيي / بميني فيه عن جذب الرداء
وحمىً خالطت عرقا بجسمي / فباتا مزمعين على اصطلائي
وكنت خلقت من ماء وطين / فها أنا صرت من نار وماء
مللت العائدين وقد أمالوا / إلي رقاب اخوان الصفاء
وقالوا ان صحته ترقت / فقلت أرى انحطاطي بارتقائي
وقالوا قد شفيت فقلت كفواً / فمن عللي تعاليل الشفاء
أرى شبحاً يسير أمام عيني / لغايته فأحسبه ورائي
وآخر عن مظالمه تنحى / وأكره في مغادرة الشقاء
وتبكيه المواعظ لا اختياراً / فاين الضحك في زمن العناء
مشى في غير عادته الهوينى / ولكن لا يسابق بالرياء
وقد ألف السكينة لا صلاحاً / كلص تاب أيام الوباء
فيا كبراء هذا العصر كونوا / يداً تطوى لباس الكبرياء
وسيروا في تواضعكم بشعب / تواضعكم له درج ارتقاء
وأنقى ربوة في الأرض قلب / أعد لغرس فسلان الأخاء
ولا مثل القناعة كنز عز / يدوم وكل كنز للفناء
ويا عصر الحديد أوثق وصفد / وكهرب يا زمان الكهرباء
ويا مطر القذائف كم شواظ / لودقك في نفوس الأبرياء
واذيال المعاسير الحيارى / بها كم لاذ أرباب الثراء
وعقبى الظلم ان حانت نزولا / جرى منها العقاب على السواء
فلا الكاسي تحصنه دروع / ولا العاري يلاحظ للعراء
حياة المرء أطيبها حياء / فلم تطب الحياة بلا حياء
وأنفس ما يخلف معجزات / يرتل آيها دان ونائي
ومن غالي وأغرق في مديح / وفرط حين أفرط في الثناء
كمدّخر جواهره الغوالي / لشدته فبيعت في الرخاء
ورب ممدح إفكاً وزوراً / أتاه المدح من باب الهجاء
وما بنت القوافي بيت مجد / لمن قد بات منقض البناء
وما أثر الفتى بالشعر يبقى / ولكن بالعفاف وبالاباء
ومصطنع الرجال بما توالت / عليهم راحتاه من العطاء
إذا دهمته نازلة فدوه / فسابقهم إلى شرف الفداء
كذا الإنسان مهما شاء يعلو / وإلا فهو من إبل وشاء
عبر الزمان استجلبت عبراتي
عبر الزمان استجلبت عبراتي / وألانت الأيام صدر قناتي
أني أعان على الجهاد بواحد / وخطوبها يملأن ست جهاتي
أني التفت رأيت خطباً هائلاً / فكأنما الأهوال في لفتاتي
وإذا أردت صراعها في نهضة / عاقتني الأيام عن نهضاتي
نفسي لماء الرافدين يسيلها / نفس يصعده جوى الزفرات
حيا به خصمي فأشرق بالردى / واذاد عنه وفيه ماء حياتي
لا دجلتي أم السيول بدجلتي / كلا ولا هذا الفرات فراتي
لي من جناي وما اقترفت جناية / أشواكه والقطف عند جناتي
واضيعة الأكفاء بعد مناصب / حفظت مقاعدها لغير كفاءة
ولوا الأمور ولو أطاعوا رشدهم / لسعوا وراء الحق سعي ولاة
من كل كاس يستجد لنفسه / حللا ولكن من جلود عراة
الناهبي رمق الضعيف وقوته / والقاتلي الأوقات بالشهوات
قطعوا البلاد ومنهم أوصالها / والقطع يؤلم من أكف جفاة
سكروا بخمر غرورهم والعامل ال / مجهود بين الموت والسكرات
غزوا المصايف والهوى يقتادهم / لمسارح الفتيان والفتيات
هم أغنموا مغزوهم وتراجعوا / أفهذه العقبى من الغزوات
مال تكفلت الجباة بعسفهم / إحضاره لخزائن اللذات
نهب من الحجرات صيح به وفي / عزف القيان يرد للحجرات
طارت شعاعاً فيه أيد لم تزل / مخضوبة بالراح في الحانات
أدريت عالية المصايف أنه / مال تحدر من عيون بكاة
سهرت عيون العاملين لحفظه / فأضاعه الأقوام في السهرات
بذل القناطير الكرام وما دروا / أو ساقها يجمعهن من ذرات
فهم كمن يهب المواشي لم يكن / فيها له من ناقة أو شاة
يا مفقر العال ان يك غيرهم / سبباً لإثراء البلاد فهات
هم عدة السلطان في الأزمات / هم حاملوا الأعباء في الحملات
هم ماله المخزون والحرس الذي / يفديه يوم الروع في الهجمات
انظر لحالتهم تجد احياءهم / صوراً مشين بأرجل الأموات
باتوا وسقفهم السماء وأصبحت / خيل الجباة تغير في الأبيات
وتستروا بين الكهوف فاين ما / رفعوه من طرف ومن صهوات
غرقى وأمواج الهموم تقاذفت / بهم لشاطي الظلم والظلمات
هذي الضرائب لا تزال سياطها / تستوقف الزعماء للضربات
لو يدرك الوطن الذي ضيموا به / ماذا لقوا لانهال بالحسرات
ما هذه الأصوات زعزعت الربى / واستبكت الآساد في الاجمات
أصدى الحجيج وقد أناب لربه / طلباً لعفو اللَه في عرفات
أم هذه الأسر الكريمة أوقفت / من هذه الأبواب بالعتبات
أصوات مهتضمين في أوطانهم / وارحمتاه لهذه الأصوات
وعت الملائك في السماء صراخهم / ومن التجوا في الأرض غير وعاة
عقدات رمل الرافدين تضاعفي / بعواصف الأرزاء والنكبات
قل اصطبار النازليك وغلهم / يزداد بالابرام والعقدات
أرثي لحاضرهم فأحمل بؤسه / والهم آحمله لجيل آت
قهرتهم أم السفور وذللت / للناشئات مصاعب العادات
أصبحن بقعدن الحصيف عن الحجى / ويقفن أغصاناً على الطرقات
ما هذه الوقفات وهي خلاعة / تفضي بهن لموقف الشبهات
ما أن مشين وراء سلطان الهوى / إلا سقطن بهوة العثرات
منع السفور كتابنا ونبينا / فاستنطقي الآثار والآيات
فبأي سابغة أرد سهامهم / والنبل نبلي والرماة رماتي
زعموا حمايتنا بهم وتوهموا / ان تستظل حماتنا بحماة
ماذا السكوت هو الخضوع وانه / لو يعلمون تربص الوثبات
أعدوة الانصاف اذنك مالها / رتقت عن الاصغاء والانصات
كم قد نفيت المدعين بحقهم / والنفي آيتهم على الإثبات
ومن القضاء على البلاد خصومها / لو رافعوها منهم لقضاة
بليت بآفات البحار بلادنا / وشبابها من أكبر الآفات
رقطا حوين المال من وجه الثرى / فمتى يتاح لقضبها بحواة
لم نام ثائركم وواتركم مشت / خيلاؤه منكم على الهامات
أنسيتم الآراء أجمع أمرها / ان لا يظلكم سوى الرايات
لرفعتم عقبانهم وجعلتم / الأوكان منها في جسوم عتاة
وأطار أسرابا عليكم حوما / شبه البزاة ولم تكن ببزاة
بيضا تناذرها النسور بجوها / وتخافها الآساد في الاجمات
فصعدتم والموت منها نازل / ووقفتم في أرفع الدرجات
بيتموهم فاستفزهم الردى / وتنقلوا من ظلمة لسبات
وضربتم شرك الحصار عليهم / فارتد هاربهم عن الإفلات
واستقتم مثل الربائق منهم / اسرى يدار بهم على الجبهات
حتى أتو الحمى الوصي فرنجة / سحبتهم الأغلال للذكوات
شادت بعاصمة العراق سيوفكم / عرشاً قواعده من الهمات
بلطتموه فاستقر قراره / وأعدتموه أبلج الجنبات
تكتمت لولا أن دمعي فاضحي
تكتمت لولا أن دمعي فاضحي / واعرضت لولا ما تجن جوانحي
وقلت لداعي الحب سمعاً وطاعة / فعن موقفي في العشق لست ببارح
وما أنا ممن يضعف الشيب نفسه / وان أصبحت تبيض سود مسابحي
أحسن فما رعد السحاب بمرجف / وأبكي فما دمع الرباب بسافح
يطارحني في الدوح من ليس قلبه / كقلبي ولا أوكاره كمطارحي
علوت صياصي العز وهي فوارع / ودانيت أبراج النجوم اللوامح
إذا كان كل المجد بعض مطامعي / فنيل الثريا من أقل مطامحي
وظن سماك الشهب أني أعزل / وكم أعزل يقوى على طعن رامح
عبرت له نهر المجرة ضارباً / لأسنمة الأمواج في يد سابح
تلاحظني في ضفتيه نجومه / فهل كنت في الأفلاك أول سابح
كأني من تحت النيازل حاسر / تهاوت عليه بارقات الصفايح
من السعد لو نصل الهلال يريحني / فأصبح مذبوحاً لأشرف ذابح
فكن يا ضراح الشهب موضع حفرتي / فما في ثرانا موضع للضرائح
تجاور فينا الجائرون وأسسوا / بهذا الفضا احدوثة من فضايح
قرون حديد أطلعوا من سقوفها / وقالوا لها هذي السماء فناطح
أما كان في فرعون يا قوم عبرة / تذكركم في كارثات الجوائح
فيا مصلحيها بالفساد أقمتم / من الظلم سداً في طريق المصالح
وما كفتا ميزانكم لتعادل / إذا اغتصب المرجوح كفة راجح
ربحتم بسوق الدهر يا باعة العلى / ومن خسر العلياء ليس برابح
ويابنه أحلى الطير طوقا وبزةً / وآلفها للمغرس المتفاوح
تورّين أم تورين نار صبابتي / تراكم هذا الشك فيك فصارحي
متى تحمل الآمال وهي عقائم / وتمشي بها الأيام مشي اللواقح
ويعدل هذا الدهر ما بين أهله / ويفرق فيه بين غر وقارح
ويمسي سواءً في النعيم وفي الشقا / أبو جوسق وابن الصحاري الصحاصح
فهذا يحييه النسيم بنافح / وذلك يشويه السموم بلافح
يحركني من ليس يدرك غايتي / ولم يدر ما تصبو إليه جوارحي
إلى سكن مما يخال وظيفة / البها انتهت آمال غاد ورائح
فقلت له هيهات أثلم عزتي / وانسفها بالقارعات الفوادح
وتأبى طباع الأعزب الحر غادة / يراودها عن نفسها ألف ناكح
وما العيش إلا تحت عيني باغم / فقد سئمت اذ ناي تغريد صادخ
فلا دام يا أهل المقاصير ظلكم / إذا دام تحت الشمس أهل البطايح
ولا طوت الدنيا بكم عمر ساعة / طيوركم بعد النياق الطلايح
عداك اذا كفوا الأذى عنك كافهم / وأما أبو إلا الكفاح فكافح
وإن لم تصافعهم لضعفك عنهم / وأعوزك الباع الطويل فصافح
واخمد شرار الحقد إن كنت مصلحاً / فكم أحرقت شعباً شرارة قادح
فان سراباً حين ذيدت عن الروا / مشت فوق بحر من دم الشوس طافح
رجاؤك يعلو للسحاب وتارة / يرود الروا عند العيون النواضح
ومن كان من ضر السحابة ريه / يشق عليه الحوم حول الضحاضح
أمر كريما بالمآسد رابطاً / بها الجأش شأني باجتياز المنابح
وامنع نفسي عن مقاذعة العدى / وارتق اذني دون كذب المدائح
لا أكثر اللَه من قومي ولا عددي
لا أكثر اللَه من قومي ولا عددي / إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي
لي قاتل فوق خديه دمي وله / حكم يخوله إن القتيل يدي
وخادع جاء فتانا بنغمته / حتى استقرت فكانت زأرة الأسد
مصفدي بقيود لا فكاك لها / واضيعة النفس بين القيد والصفد
حسا البحار وفي أحشائه طبع / إلى امتصاص بقايا النزر والثمد
واستوعب الماء لا من غلة وظما / وصاحب الماء ظمآن الفؤاد صدي
إلبس لخصمك إن لاقاك مفترساً / مطروقة الصبر لا منسوجة الزرد
فها هي النثرة الحصداء تخرقها / يد القوي التي تعيي عن الجلد
وقل لشعبك يجمع شمله لعلا / فلا تنال العلى في شملة البدد
ولينتفض من غبار الموت متحداً / فالموت أولى شعب غير متحد
سر التقدم إن القوم سعيهم / لغاية وحدوها سعي منفرد
إجعل لنفسك من معقولها عدداً / فعدة العقل كم تأتي على العدد
قد ضعف الحق من تطوي طويته / على البغيضين سوء الخلق والحسد
ركن مقرك تأمن كل قارعة / إن العواصف لا تقوى على أحد
وذم كل فرار من مبارزة / إلا فرارك من غي إلى رشد
لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجل / إن لم يمكن لصلاح الشعب والبلد
أحلى الحديث حديث قال سامعه / لمجتليه اسقني مشمولة وزد
شتان بين خطيبي امة خطبا / سار على القصد أو ناء عن الصدد
هذا يجيئ بزبد القوم ممتخضاً / وذاك يجمعه من ذاهب الزبد
يا من يسود قبيلا وهو سؤدده / اسدد طريق العلى من هظمه أوسد
واختر رجال المساعي الغر مدخراً / منهم بيومك هذا معقلا لغد
وارصد بهم من كنوز السر أثمنها / فقد تباح إذا أمست بلا رصد
إن الرجال دنانير وأخلصها / من كذب السبك فيه قول منتقد
ولا يغرنك من تحت الردا جسداً / فالمرء قيمته بالروح لا الجسد
لا يكسب الطوق حسناً جيد لابسه / وانما حسنه الذاتي بالجيد
والناس كالبنت منه عرفج وكبا / والشعر كالناس منه جيد وردي
والشعر كالسحر في مهد الخيال معا / تجاذبا حلمة واستمسكا بثدي
لكنما السحر مطبوع على عقد / والشعر مطبوعه الخالي عن العقد
كان الضعيف إذا مد القوي يداً / لظلمه ردها مدفوعة بيد
واليوم ظل ضعيف القوم مضطهداً / وارحمتاه لمظلوم ومضطهد
كم شجة أوضحته وهو معتدل / كما تعاقب طراق على وتد
يبيت مضطرباً في موطن قلق / كأنه زئبق في كف مرتعد
يا ماطل الوعد ما هذي الأساطير
يا ماطل الوعد ما هذي الأساطير / زادت على السمع هاتيك المعاذير
العدل منك سمعناه ولم نره / والجور منك أمام العين منظور
إن قلت عصري عصر النور مفتخراً / فظلمة الظلم ما في فجرها نور
وهل يفيد جمال الوجه ناظره / والبرقع الدكن فيه الحسن مستور
أفراد قومك عاشوا عيشة رغدا / وما دروا أنها ماتت جماهير
بيوتهم من بيوت الشعب مدخلها / ومن عمايره تلك المقاصير
تمسي سواءً لو أن الحال أنصفها / لكنما هي مهدوم ومعمور
أقول للغرف اللاتي ستائرها / لها بمسح جبين الشمس تأثير
تواضعي واعر في قدر البناة فمن / صنايع الشعب رصتك المقادير
فاين ما ثبت البانون من اطم / واين ما شاده كسرى وسابور
هذا الخورنق مطموس بلا أثر / وذي المدائن لا بهو ولا سور
يا حارث الأرض والساقي وباذرها / قتر إذا نفع المحروم تقتير
إذا أتاك رجال الخرص فالقهم / بطلقة برقت منها الأسارير
إن باغتوك بنار شبها غضب / وسعرتها من العسف الأعاصير
فاحفظ بقايا حبوب منهم سقطت / فللبقايا ببغداد مناقير
طارت من الغرب والاطماع أجنحة / والغاية الشرق واللقط الدنانير
ألا نكير على أعلام حاضرة / قضت بتعريفهم تلك المناكير
كالعبد صبغته السوداء ثابتة / على المسمى بها والاسم كافور
تقدموا فانتظر يوماً تأخرهم / والدهر يومان تقديم وتأخير
لا تعجبن إذا راجت لهم صور / فالعصر رائجة فيه التصاوير
ولا تخل أنهم حراس مملكة / فطالما تسرق الكرم النواطير
من الغرائب ان الهر في وطني / ليث يدل وأن الليث سنور
جرياً على العكس كم وجه يكون قفا / وكم قفاً وله وجه وتصدير
يالانقلاب به العصفور صقر ربي / والصقر ذو المخلب المعوج عصفور
تبدل الناس والأرض الفضاء على / أديمها لاح تبديل وتغيير
يا من رأى الدير والخابور من قدم / لا الدير دير ولا الخابور خابور
خوفي على الوطن المحبوب ألجمني / فلم يذع لي منظوم ومنثور
كأنني مذ غدا حتماً على شفتي / ليث يكظ على أشداقه الزير
افحص فؤادي يا دهري تجد حجراً / صلداً ولكنه بالخطب منقور
يرمي البريء نزيه النفس طاهرها / بالموبقات وذنب اللص مغفور
مثل البغية يطوي العهر رايتها / وبندها فوق ذات الخدر منشور
فيا سيوفاً قيون الغدر تشهرها / ما هكذا تفعل البيض المشاهير
نحرتم وطعنتم قلب موطنكم / حتى يقال مطاعين مناحير
لا تستهينوا بضعف في جوارحنا / فكم دم قد أسالته الأظافير
كبرتم الأنفس اللآتي مشاعرها / لها وإن طال فيها العمر تقصير
زجاجة الخط ان أمست تكبرها / فالذر ليس له في العين تكبير
مطاول الفلك الأعلى قصرت يداً / فالآن أيسر ما حاولت ميسور
ما في يديك خسوف البدر مكتملاً / وليس فيها لقرص الشمس تكوير
انظر إلى القبة الزرقاء عالية / وسقفها بنجوم الزهر مسمور
واستغرق الفكر في مجرى مجرتها / فذاك بحر بفيض اللطف مسجور
موج من النور عال لا يسكنه / إلا الذي من سناه ذلك النور
كأنه والنجوم الزهر طالعة / سجنجل نبتت فيها الأزاهير
يا طائرين على بيض مجنحة / حطوا على الوكنات الجو أو طيرا
ما هذه الأرض تبقى وكر طيركم / ولا الوقوف لها في الجو مقدور
لقد أمنتم على خفاقها خطراً / وكم تجيئ من الأمن المخاطير
هوى من الجهة العليا لهوتها / والصور منحطم والظهر مكسور
رحى تدور لهذا القطر طاحنة / ومن مطاعمها الديار والدير
الشرق يبكي وسن الغرب ضاحكة / لصوتها أهو رعد أم مزامير
يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي / ان الحجاب لمنصوص ومأثور
وطهر النفس بالأخلاق فاضلة / فإنها لك تنزيه وتطهير
شدي أزارك ممدوداً فكم نظري / على الخيانة أضحى وهو مقصور
قرأنا على الأيام أهوالها درساً
قرأنا على الأيام أهوالها درساً / ومن قبل هذا الدرس نعرفها حدسا
إذا نحن قلنا أصبح الكون هادئاً / تضارب مهتزاً واضحى كما أمسى
شعوب أحست بالدخان وخلفه / مقاييس لا تبقي شعوراً ولا حسا
فلم تدر من أي النواحي ينالها / فهل هو من نار المطار أو المرسى
دخان أثارته القذائف من عل / فلم يرمن في الأرض بدراً ولا شمسا
إذا أرعدت فوق الفيالق بادروا / يلفون تحت الرعد ألوية نكسا
فسل خوذ الفولاذ أين أضاعها / ذووها واين استودعوا القوس والترسا
وسل وائلاً أين استقل كليبها / وعنترة سل عنه اخوته عبسا
وعن منطق الطير الجديد هديرها / علا فأخاف الجن في الأرض والانسا
يحدثهم في الغرب والشرق مطرق / ولم يحو كالإنسان روحاً ولا نفسا
فيجهر بالأنباء حيناً وتارة / يسر إلى الآذان انباءه همسا
يراقبها الجمهور حتى كأنما / يراعي لنجواها فرائضه الخمسا
إذا زاولت فصحى اللغات فقل أنت / بما يعجز المنطيق ناطقة خرسا
وما اضطربت في نطقها أو تلكنت / فصاحتها إلا إذا اضطربت طقسا
فقل للألى داسوا مفارق غيرهم / غروراً بأوهام الحظوظ ألا تعسا
أرى أمم الدنيا تخالف أمرها / فمكسوة تعرى وعارية تكسى
وغالبة طابت حياة ونعمة / ومغلوبة عاشت بشقوتها بؤسا
فما أطلع الاقبال سعداً موقتا / على جبهة إلا وأبدله نحسا
ولم أر كالقوم الذين غرستهم / بعيني فما طابوا لإنسانها غرسا
تخيرتهم شيحا فكانوا صريمة / إذا وسنت عيني تؤلمها نخسا
تفاقمت الحرب الضروس فلم تدع / نوائبها نابا لشعب ولا ضرسا
تباعدت عن ريحان ريحك والعصف
تباعدت عن ريحان ريحك والعصف / وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف
توسطت أزهار الربيع جديبة / وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف
خيال الكرى ما مر منك بمقلة / فرحت من الأشجان مطروفة الطرف
سهرت وغلمان الحدائق نوم / أهم حرس الأزهار أم فتية الكهف
وجاورت هاتيك القصور شواهقاً / بدار بلا بهو وبيت بلا سقف
طوى السائح المقتص صفحة ذكرها / وأصبح مكسوراً لها قلم الصحفي
ومر عليها الشاعر الفحل مطرقا / كأن لم يكن في شعره بارع الوصف
أجارة هذا القصر نوحك مزعج / لآنسة فيه أكبت على العزف
أدرت الرحى في الليل يقلق صوتها / وجارتك الحسناء تنقر بالدف
تطوف عليها بالكؤوس نواصعاً / كواعب أتراب طبعن على اللطف
يرشفنها ما ساغ بالكأس شربة / وشربك من ضخ وكأسك من كف
لو اسطاع هذا الصرح شح بظله / على بيتك العاري عن الستر والسجف
إلى أين يعلو في القرون حديده / أهل بات في أمن من الهد والنسف
يحاول نطح الكبش وهو ببرجه / ويذهل عما راع قارون بالخسف
ألا قتل الانسان ماذا يريده / وقد جاز حد المسرفين أما يكفي
أبى أن يساوي نوعه في شؤونه / فجار على صنف ورّق على صنف
وعالج لا عن حكمة ضعف نفسه / متى عولج الضعف المبرح بالضعف
فيا بنت من حي الركائب والدجى / على صهوات الحي منسدل السدف
ومن نبه الجزار من سنة الكرى / لينحرها غير المسنات والعجف
سمعت الأغاني فاسنمالك لحنها / وملت وحاشا للخلاعة والقصف
نشدتك ما أحلى من غير حلية / فجيد بلا طوق واذن بلا شنف
إذا طرق الجاني عريشك لابساً / فضاضة وجه قد من جلدة العسف
أيرجع في خفي حنين كما أتى / بغير جنان أم تراجع في خف
ترومين منه العطف أني ولم نكن / سمعنا لصماء الحجارة من عطف
تنسمت نشر الورد وهو لأهله / ومالك منه غير شمك بالأنف
ولو علموا أن النسيم يسوقه / لساقوكم يا أبرياء إلى العرفي
متى نبلغ الغايات سعياً بأرجل / تعامت خطاها عن مقاومة الرسف
إذا ما قطعنا للإمام فراسخاً / نرد مسافات من الخلف للخلف
وقفنا نرى ما لا يصح ارتكابه / وليس لنا أمر فنثبت أو ننفي
نرى يا مريض القلب منك ابن علة / يعالجها جهلاً بمشمولة صرف
وتختار موبوء المواطن للشفا / ومن ذا الذي في موطن الداء يستشفي
ومن فرّ في لذاته عن بلاده / كمن فر عن طيب الحياة إلى الحتف
سواء فرار المرء في شهواته / إلى حيث يردي أو فرار من الزحف
فمن لك يا هذي البلاد بمصلح / يقول لأيدي العابثين ألا كفي
ويجعلهم صفاً لرأي وراية / فإن خالفوه يضرب الصف بالصف
عم السؤال فلات حين سؤال
عم السؤال فلات حين سؤال / أو ما كفتك قرائن الأحوال
انظر بتأريخ الزمان الخالي / نظرات عينك في الزمان الحالي
تجد الظروف هي الظروف وإنما / تتفاوت النظرات بالأجيال
يتخالف الإنسان في أخلاقه / إما اغتدى متوافق الأشكال
والملح والعذب الفرات كلاهما / ماء ولا كالبارد السلسال
والدوح نبت والثمار مناسب / والكرم أكرم من عروق الضال
والأرض تلك الأرض ما ان بدلت / بقوارع الأرجاف والزلزال
جيل تعاهدها صعيداً طيباً / واختارها لمنابت الأعمال
غرس المساعي في ثراها فاغتدت / محمودة البكرات والآصال
غرست على ورق الوعول فأثمرت / والغرس في الأوحال لا الأوعال
يرقي إليها السيل وهو مسالم / والسيل حرب للمكان العالي
أجيالنا الماضون عز خضوعهم / وسكوتهم لمصارع الأجيال
درجوا وأبقوا بعدهم أفعالهم / عبراً لأسماء بلا أفعال
تركوا البلاد وخصبها مستوعب / ما بين أجواز إلى أجبال
والخصب ليس بمسمن سكانها / إن كان محفوفاً بقحط رجال
كالفيل ليس بمرهب إن لم يكن / فيه زئير الليث ذي الأشبال
وكذا الغصون القارعات إذا خلت / مثل الديار دوارس الأطلال
ما استوقف اللص المدرب مكنز / فخم له باب بلا أقفال
واحسرتا خلت البلاد فهل بها / من شاغل هذا الفراغ الخالي
تركوه مغزىً يستهان وإنهم / لو يشعرون ربائق الانفال
لا يفلتةن براءة من شعبهم / والمري من دمه دم القيفال
والصل لو لسب الجبين لما نجت / قدم الفتى من سمه القتال
جهل النصيح عليَّ أثقل موضعا / من غلظة اللوام والعذال
رمق السراب فجردت أثوابه / عنه ليسبح في عباب الآل
واستعمر الجو البعيد خياله / فبنى على الأوهام والآمال
حرث الجبال وتلك ضيعة أشعب / يستصعد التيار من أوشال
عقد المنى سرجا على متوهم / فجرى ولكن في مجال خيال
وكأنه شحذ الهلال مهنداً / أو جاء معتقلا مذنب هالي
قالوا أتتك من المشيب غلائل / جدد تطرز في نهىً وجلال
فتعر عن برد الشباب فإنه / صدى المفاضة أقتم السربال
حتى إذا ملأ القميص معاطفي / أبصرت منه طرائق الاذلال
فطفقت أهتف والمسامع لا تعي / من لي برد برودي الأسمال
برد الشباب لأنت نثرتي اللتي / فيها فللت مضارب الأهوال
لو في متون العيس همي لانثنت / ملسا رمين الأرض بالأثقال
ولو أنها بالطود عادي الذرى / لانهار عن دعص النقا المنهال
ولقد مررت على البيوت فساءني / إشغالها وفراغ بيت المال
خفت جبايته وصار خراجه / ثقلا على الأمراء والعمال
والمهلين المهملين كأنهم / خلقوا من الامهال والاهمال
يا موطن العرب الكرام تقطعت / منك البلاد تقطع الأوصال
بعد انساعك صرت أضيق دارة / معدودة الأطراف بالأميال
خسر الجباة السعي فيك وأصبح ال / قسطاس تحت وسادة المكتال
وتشاطر القنطار قوم ما سعوا / سعياً يوازي حبة المثقال
كم جدول أعمى العطاش عيونه / وبصدره ركدت جبال رمال
من آخذ بيديه حتى يشتكي / تعطيله لوزارة الأشغال
اللَه في الشعب الضعيف فمن له / من بعد طول السقم بالابلال
غنوه وقت نزاعه ومن العنا / هزج الغنا بمآتم الإعوال
ولو أنهم تركوا العلاج لنفسه / لغدت تحكمه على الآجال
ومغفلين تلاعقوا من مكره / شهداً يصب عليه سم صلال
ان غرهم عسل يروق فربما / ذاق الحمام الغر من عسال
لا تمتزج بالخائنين فطالما / قلب الذعاف طبيعة الجريال
لا تصحبن أعمى البصيرة خابطا / فمن الضلالة صحبة الضلال
شعراؤنا صنعوا لبؤس قصيدهم / مستحكم الأكمام والأذيال
زرداً بها لقح الشعور مقارنا / وضع الفعال بمولد الأقوال
حفظوا بها روح البلاد لو أنهم / نسجوا مفاضتها على منوالي
قمرية الدوح يا ذات الترانيم
قمرية الدوح يا ذات الترانيم / مع النسور على ورد الردى حومي
سيري مع الجحفل الجرار خافقة / وسابقي فوقه سرب القشاعيم
وناوحي الأمة الثكلى فقد رزئت / بلادها بالمطاعين المطاعيم
وذكريها عهود البيض ماضية / فإن عهد المواضي غير مذموم
خلت بلادك من قوم فرائسهم / ملء البسيطة من فرس ومن روم
قمرية الدوح ما في الدوح من ثمر / إلا تعاليل محزون لمهموم
طيري إلى الأفق الأعلى فليس على / وجه الثرى وكر طير غير محطوم
وباعدي الأرض إن الجور ارهقها / ووحد الضعف في هذي الأقاليم
ما في العواصم من ضيق ومن نوب / أضعافه في الفيافي والدياميم
فناشدي العرب كم دانت لهم دول / وكم جبوها بتحبير المراسيم
وأبني أسر التيجان مذ نزلوا / عن العروش باذعان وتسليم
مخدمين بأمثال الدمى صوراً / وارحمتا للسلاطين المخاديم
أهل الأكاليل لا تأسوا فما عقدت / إلا إلى أجل في اللوح مرقوم
في ذمة المجد مطرودون عن سدد / كانت مواقف تمجيد وتعظيم
كم عاهل يستميح الدهر رحمته / أماته الدهر حيا غير مرحوم
رام الأمان أمان اللَه ملتحقا / بالباحثين علي جذ الجراثيم
وان شعب وحيد الدين انكره / وشعب غليوم لم يرفق بغليوم
أصاب أحمد رب التاج سالبه / منه بسهم من الآجال مسموم
مشى الزمان بأهليه كمضطرب / في المتن مندفع في الصدر ملكوم
فأبصر الخلف قداما لدهشته / وصار يخلط تأخيراً بتقديم
هذي الحوادث جلت ان تكافح في / سيف بمطرقة الأقدار مثلوم
لولا المقادير سالت دون دجلتنا / على الردى أنفس الصيد المقاديم
سلي الفرات ففي أريافه عرب / بيض الظبا والمساعي الغر والخيم
الراصدون على الأعداء مهربهم / والمالكون عليهم مورد الهيم
والسائلات بغدر من دموعهم / نفوسهم لقرارات اللهاميم
كم من عكاظ أقامته سيوفهم / وموسم برذاذ الهام موسوم
سوق من الحد قامت في معارضه / رماحهم وهي لم تعرض لتقويم
أبوا يسومونها إلا بمركزها / من مصرع القرن مطعون الغلاصيم
لو صادموا هضبة الفولاذ لانفلقت / أركانها بالمناجيد المصاديم
قمرية الدوح أضحت أرضه يبساً / ومزهر الغصن أضحى غير مرهوم
قد كان يمتص ضرع الغيث مندفقاً / فعاد يعطب في برحاء مفطوم
تبصري الأرض هل قامت مناكبها / على أساس قديم غير مهدوم
جاء الحديد فقلنا سوف يخلفه / حلاً بحل وتحريماً بتحريم
فأسفر العصر عصر النور عن زمن / بالعسف متقد بالظلم مضروم
سكان جلق ذات المرج جاد كم / بعارض من فتوق السحب مسجوم
ومبهت الزهر زهر الفضل في حلب / لازلت تنفح في شيح وقيصوم
ويا حواضر لبنان تجاور في / بحر بمثل هموم الشعب مفعوم
ويا نزولاً على الخرطوم زاحمكم / في مورد النيل عذباً ألف خرطوم
مدت من الغرب وامتصت موارده / فليت لا كرعت إلا بيحموم
ظما لها ما كفاها البحر ملتطماً / كأن أمواجه موقورة الكوم
حتى أتت لمجاري الشرق دامعة / عيونه بين سلسال وتسنيم
ألقت مبادءها درساً يعرفنا / سوء المبادئ منها والخواتيم
تظاهر الشرق بالحسنى مداجية / وحقدها كامن ملء الحيازيم
وتوضح الشك بالابهام تعمية / واحيرتا بين مشكوك وموهوم
كيف السبيل إلى التطبيق مذ برأت / هذي المصاديق من تلك المفاهيم
يا مصر قولي لوفد العز مذ لبسوا / تلك العواري من لوم ومن لوم
ليس الصعيد صعيدي يا فراعنتي / أما اختلفتم ولا الفيوم فيومي
كونوا من الذهب المسبوك سلسلة / ابريزها غير مفصوم وموصوم
نواصع الحجج اللاتي اذا اطردت / داست جناجن موضوح ومكلوم
نام الخليون حيث الليل يرفع في / سقف بأعمدة الظلماء مدعوم
وأنتم لا حشاياكم ممهدة / ولا جفونكم مالت لتهويم
لو فاض بحر الدجى وامتد زاخره / قلتم لافكاركم في قعره عومي
آراؤكم من حديد الحق ضربتها / تأتي عل كل مكذوب ومزعوم
صرختم ولهيب العزم يلفحكم / كالفحل يهدر من تحت المياسيم
قام الموحد منها وهو مرتعد / واهتز من حولها أهل الأقانيم
قمرية الدوح قومي فانظري أمما / مخنوقة الصوت في أوطانها قومي
ما في العراق إذا استقريت بقعته / إذن تصيخ لأبكار الأناغيم
يد علينا لذات الطوق نشكرها / بذكريات احتفالات وتكريم
إن عاد للعرب الأمحاض ملكهم / وحصنوا الأرض بالبيض المخاذيم
حقاً تناديك والتلقيب أو سمة / يا نغمة الورق بل يا بغمة الريم
إن ترجعيهم إلى أدوار ملكهم / فأنت أنت أصدحي لا أم كلثوم
أجيزك اللؤلؤ المنسوق من كلمي / وأحسن الدر منثوري ومنظومي
تغردين وذي الأقطار ما برحت / تبكي لتذكار توزيع وتقسيم
كم هيأ الظافر المنهوم دعوته / منها لكل عميق الشدق مقروم
تذوقوها ولم تبرد لها مزع / وباغتوها بتحصيص وتسهيم
واضيعة المال والاحلام من نفر / تقاطروا بين مجهول ومعلوم
كأنهم ودواعي اللهو تجذبهم / ركب يخف بمزموم ومخطوم
خالوا مزامير داود لهم خبئت / أنغامها بين أشداق وحلقوم
فصيروا قاعة الألحان جنتهم / فأينها وهي في لغو وتأثيم
فابن الثلاثين حي لا عصام له / وابن الثمانين ميت غير معصوم
سيان للهاجس المحزون في وطني / ترنيمة الورق أو تنعابة البوم
هذي البلاد فمعدوم بلا جدة / ان طفت فيها وموجود كمعدوم
وسافل يتعالى فوق موقفه / وظالم يتردى جلد مظلوم
قالوا الغناء غذاء الروح ينعشه / وان يكن غير مشروب ومطعوم
قلت افحصوا هذه الأرواح ان حييت / وأرشدونا لروح غير مألوم
متى يكون علاج للضنى بضنى / وشارب السم هل يشفى بمسموم
أداجية العينين ليلك مظلم
أداجية العينين ليلك مظلم / وطيفك نمام وقومك نوم
تبيتين لا حول الطراف مذاود / ولا سامر في ندوة الحي منهم
أما ارتعت من موج الدجى وكأنه / وقد زاحف الاقطار جيش عرمرم
أتت زنجه والصبح عبء رومه / فقل أشهب لاقاه في الروع أدهم
إذا اصطدما حول المخيم أفزعا / أوانس مزدانا بهن المخيم
ألا لا تراعي يا بنة القوم واعزمي / على الجلد الموروث فالحزم أحزم
مضارب لا ينفك في عرصاتها / يكاتف فيها مسرج المهر ملجم
عقيلة هذا الحي لو زار ما قضى / أمانيه منك الخيال المسلم
يحوطك خدر بالحفاظ مسردق / كأن الخبا كنز عليك مطلسم
ذكرت ليالي المواضي نواعماً / فأيقنت ان الدهر بؤس وانعم
هل الشفق المكتوم تحت ردائها / إذا طالعته العين ورد مكمم
وكم ليلة منها جلا الدهر غادة / على جيدها عقد الثريا منظم
جرى البدر في بحر الدجى وهو راكد / وشهب الدراري طافيات وعوم
وقد حارت الشعرى فبحر أمامها / يموج ونهر للمجرة مفعم
وحامت على الليل النجوم كأنها / من الطير أسراب على اللج حوم
يعانق منها ذابح نحو رامح / كما اعتنقا يوم سنان ومخذم
كتائب شهب لا تزال جيادها / تكر بميدان السماء وتهزم
محجلها ساوى الأغر فلا يرى / بموكبها إلا الأغر المسوم
فداً لك يا خيل النجوم جواريا / كريم الذاكي والأقب المطهم
تغيرين لا الأرواح تسلب قسوة / ولا المال مغصوب ولا الحق مهظم
ولا حنّ من رعب يتيم ولم تبت / مروعة تبكي فتاة وأيم
مغاران هذا عابس متجهم / عجاجا وهذا ضاحك متبسم
ففي الموكب الأعلى صلاح ومغنم / وفي الموكب الأدنى صياح ومغرم
وفوق السحاب الجون سرب حمائم / قذائفها فوق الربى تترنم
قذائف أما صفحها فمنازع / عليا وأما بطشها فمسلم
فكم بيتت قصراً مشيداً بأهله / فأصبح منها وهو للقاع مسنم
كسرب من العقبان أضحى دليلها / يقحمها النهج الذي ليس يقحم
إلى عالم ما فيه وكر لطائر / ولا حافر يخطو اليه ومنسم
شياطينها حارت فلم تدر أنها / من الأرض ترمي أم من الشهب ترجم
لقد هاجمت من جهلها جبهة السما / كأن أعاديها بدور وأنجم
وفي البلد الأقصى نفوس صحيحة / تعز علينا أنها تتألم
يؤرقها فوق الأداهم معرق / ويقلقها تحت المظالم مشئم
بكتها بذوب القلب أعين مصرها / وناح عليها نيلها والمقطم
متى يصلح المحتج عنه مدافعاً / وفي قبضة الخصم الغلاصم والفم
فيا جائراً عن غيه ليس يرعوي / ويا ظالماً من غيره يتظلم
تروم مصافاتي وسهمك قاتلي / متى اصطفيا يوماً سليم وارقم
سل العربي المحض أين مناخه / ومثواه في الأرض الفضاء مسهم
سرى موبؤ الداء الدفين بسهلها / فأرغمها والأرض كالناس ترغم
وكيف شفاها والمجرب خائف / يلجلج وصفا والطبيب مسقم
يعلل معتل البلاد بشهده / وهل ينفع التعليل والشهد علقم
غدا الخبط في تلك الموارد سارياً / فلا منجد منها يصافيه متهم
غدت لا غدت في القوم نهبا ومغنما / فلله نهب ما أعز ومغنم
لأن سرنا منها مشارع مورث / فقد ساءنا منها تراث مقسم
إذا حاججت أرض بنيها فانكم / أعق بني أم عليها وأظلم
تخالفتم في أمرها وتوافقت / عليها قلوب لا ترّق وترحم
فيا ليت شعري من يؤاخذ غيركم / على الجرم والجانون للذنب أنتم
حان الطعان وصدر الرمح منحطم
حان الطعان وصدر الرمح منحطم / والضرب آن وحد السيف منثلم
وللجماهير آذان مفتحة / كي تسمع النصح لكن باغت الصمم
والنائمين وقد مرت لهم فرص / والنادمين ولم ينفعهم الندم
عافوا مواردهم تجري لشاربها / يا للرجال وفي آل الضحى اختصموا
توسطوا في التراخي عن حقوقهم / وما أفاقوا إلى أن ضاقت الأزم
كانوا إذا همّ قوم غيرهم عزموا / وها هم اليوم ما هموا ولا عزموا
أما رأوا هذه الدنيا وزينتها / لمن على الحزم منهم تقعد الحزم
والناس صنفان صنف للعلاء بنوا / معاقلاً بسماها تزهر الشيم
وآخرون بنوها غير دائمة / وان لها بالرخام الصلب قد دعموا
هذي البنايات في بغداد آخذة / دوراً يهدّ له الايوان والهرم
يروم رافعها لمس السماك أما / درى المصير الذي صارت له ارم
ليس البناء وان رصت قواعده / بثابت واساس العدل منهدم
يا جالبين من الآفاق زخرفها / الشعب يعبس منها وهي تبتسم
لو نتموها فأضحى من خلائقكم / سيان زخرفها المرصوف والكلم
من أي ميراث آباء لكم بلغوا / أمست تناطح أبراج السما الأطم
فهل لكم قد في فتح مملكة / أو موقف فيه منكم تثبت القدم
هذا النعيم الذي انصبت موارده / عليكم واستدارت حوله النعم
من دمعة العامل المحزون زهرتها / ورب نعمة قوم أصلها نقم
وجدتم بزمان كله نوب / ان الوجود الذي جئتم به عدم
سر لبنائكم في الأرض ما شهدت / تأثيره في المراعي قبله الأمم
يرتادها الشعب لكن خاب رائده / لا يظهر الشعب الا وهو منفطم
وما تراكم في الأجواء عارضه / إلا غدا برذاذ الترب ينسجم
جف الثرى وسحاب الموت منهمر / من فوقه والسيول الجارفات دم
همى الرباب حوالينا ومن فزع / كادت تلوذ بسفح الهضبة الاكم
علا وغشى محيا الأرض برقعه / فأصبحت دار أمن الخائف القمم
والجدب أخصب للأرواح من كلأ / تأتي وبيلا به الهتانة الديم
من يفزع الناس في الزورا برحمته / ان باغت الموحشان الظلم والظلم
عصر الرشيد استمع ان كنت ذا اذن / ان الأمين بهذا العصر متهم
احفظ حياتك فيها والحياء معاً / فما بها اليوم مأمون ومعتصم
ياباسطاً بديار العرب مأدبة / تحشى بسم ولكن فوقه الدسم
أكرهت طبعك فيها وهو ينكرها / واين منك يكون العطف والكرم
هذي الوليمة عمر الدهر ما نسيت / وكيف تنسى وفي أطباقها الألم
أريتهم من خيال السحر كاذبه / وعن حقيقة ما نسعى إليه عموا
ومذ نأى الشك منهم هاج شعبكم / وكان ما علموه غير ما علموا
يخلد المجد للأجيال آيته / شعب تضامن فيه الطفل والهرم
ولا تجهم يوماً وجه سيرته / ما دام ينشر فيه العلم والعلم
ماج العراق ببأس الناهضين به / فالخصم مضطرب والعزم مضطرم
وأقدموا فأقامت عرش عاصمة / إيمانهم وبحبل الوحدة اعتصموا
في ذمة العرب الآساد موطنهم / أضحى يصان وفيه تخفر الذمم
وفي الفرات مناجيد مواقفهم / مع العدى بجبين الدهر ترتسم
الباقيات مع الدنيا مخلدة / يخطها لهم في لوخها القلم
تدونت بعواليهم وقائعهم / ومن مراسمها الأشلاء والرمم
ما حصنوا الوطن المحبوب فارتكزت / حرابهم فيه سوراً والضبا الحذم
ومازجوه ثرى طابت منابته / حتى تعانقت الأطواد والهمم
عرب هموا عقدوا الأكليل مؤتلقاً / على مليك له البطحاء والحرم
وسائل وهو يدري حين يسألني / من رصع التاج بالأعمال قلت هم
لكن مع الأسف المبكي تقاطعهم / فثم لا رحمة فيهم ولا رحم
وأصبحوا شيعا للقابضين على / زمامها وبرغم الوحدة انقسموا
حي الفرات وحي النازلين على / ضفافه حيث يعلو العز والشيم
وبين ذي الكفل والفيحاء ملحمة / فيها تباشرت العقبان والرخم
جاء العداة لها عصراً بفيلقهم / فزايلوها فراراً بعدما اعتصموا
والعارضيات فيها عاد خصمهم / يؤمها ناكصاً لما به اصطدموا
أصاخ للمدفع الهدار جمعهم / كأنما الرعد في آذانهم نغم
فاسكتوه بزجر من بنادقهم / فيه شجا ليس يلتئم
والرعب ساق اساراهم وقد قدرت / عيونهم راعها في الهجعة الحلم
تسلسل الجيش مأسوراً وقادته / خافوا مقارنة الاصفاد فانهزموا
مذنبات العوالي في متونهم / فأينما انحرفوا عن شهبها رجموا
وللمئات أمام الغزو هرولة / كما تساق أمام السائق النعم
لا يحسبن العوالي ان دولتنا / فتية فلكم شابت بها لمم
فقل لمن سار عينا في شوارعها / قف بالديار التي لم يعفها القدم
لا ترتبي بالثوى فيها فكم كحلت / فيها عيون عدى كي يبصروا فعموا
أين العتاد الذي أضحى يسوره / شوك الحديد واين الظل والخيم
أما الجبال فسل عنها مساقطها / تجبك من حولها الارسان واللجم
ضراغم البأس في آجالها حكمت / والحكم لِلّه فانظر من بها احتكموا
تظلم العربي المحض عندهم / يبقى سدى أتظن القوم ما فهموا
خالوا فصاحته من بينهم وطنا / كأنما العرب في أوطانهم عجم
ونائب يملأ الكرسي قلت له / ماذا السكوت تكلم أيها الصنم
الحامل الراس لم تسمع له اذن / والصاقل الوجه ما في صفحتية فم
بم استحل من العمال راتبه / وفي السكوت انقضت أيامه الحرم
يا قابضين برغم الحق حامته / ومالكم صلة فيه ولا رحم
وهذه الأرض لم تنكر بنوته / ولم يكن راعه لولاكم اليتم
تطلع الحائر النائي باطيبه / وابن البلاد أمام العدل منفطم
خير البلاد التي أحرار بقعتها / بما يطيقون من أعلائها خدم
كتم الهوى والدمع أعلن
كتم الهوى والدمع أعلن / صب بأهل الريف يفتن
عاني الصبابة من صبا / ه وداؤها في القلب أزمن
تبكي الحمامة إن بكى / وتئن فوق الغصن إن أن
ذكر الذين تريفوا / والسحب حول الحي هتن
والعيس أطربها الحدا / ء وخيلهم للسبق تعتن
والروض ألبسه الحيا / حللاً من الورد الملون
وسرّي هذا الحي سي / طره الإبا فيهم وهيمن
هز الندي حديثه / عن محتد العرب المعنعن
يكفي من التأريخ ما / ملأ القلوب به ودون
داعي الصلاة بجنبه / داعي صلاة الوفد أذن
يترسل البطل الفصيح / وصوته في الجو قد رّن
بنصائح لبلاغها / قلب العلند الصلب اذعن
ورق الأراك غطاؤهم / ومهادهم شيح وسوسن
الطاعنون وما بهم / لأسنة الوصمات مطعن
والجاعلون بيوتهم / للخائف المطرود مأمن
لا يتبعون عطاءهم / وصنايع المعروف في من
غالوا بقيمة جارهم / والجار عقد لا يثمن
لو اعطي الدنيا لما / جذبته زينتها فيظعن
من أين أقبل ما وعت / أذن له أو قول ممن
كم أحسنوا وسكوتهم / عن ذكريات المن أحسن
والمرء يرجح فضله / ما دام بالحسنات يوزن
انفق حطامك ما استطع / ت تجده في الآثار يخزن
ريح الصفا منزيف / لا من تمصر أو تمدين
إن المدائن أصبحت / لنتائج الآمال مدفن
ومن الغرائب سائح / وصف العراق الرحب بالظن
هنى البلاد برغدها / ولو اهتدى للحق أبن
هل ترغد الأمم التي / بديارها الاخطار تستن
ما للسياسة ما لها / لمراسم الأوهام تركن
تبني على متن الهبا / في سحرها الصرح المحصن
وعلى الخداع تمرنت / حقباً ففاتت من تمرن
فسحت ميادين الرهان / وعندها القصبات ترهن
وبرأيها الفرس الكريم / به هجين الأصل يقرن
اللَه بالوطن الذي / فيه الذباب علا وطنطن
يا ما ضغين خراجه / من مغرسي زاك ومعدن
أتلفتموه وقلتموا / منا الدمار وأنت تضمن
فسلوا البواخر هل غدت / من غير هذا النهب تشحن
وسلوا القوافل ما على / تلك الظهور وما تبطن
وسلو المناصب هل بها / من أهلها أحد تعنون
وسلوا المراسيم التي / أقلامها للحق تطعن
ياذا الأجم انكص فقد / لاقاك كبش النطح أقرن
أو فاتخذ لك في دماغك / من نسيج الصبر جوشن
لا تركدن كهضبة / فالماء إن لم يجر يأسن
حاجج مجاورك الذي / خلط الجدال المحض بالفن
ماذا انتفاعك بالدخيل / إذا تقحطن أو تعدنن
متصاغراً حتى إذا / ثنيت وسادته تفرعن
كم فتنة حمراء في / إيقاد شعلتها تفنن
فانشر له النسب الصريح / وقل لألكنه ترطن
ما خانك النائي الغريب / أتاك مهزولاً ليسمن
لكنما الأدنى القريب
لكنما الأدنى القريب / لحقك المنصوص أخون
دعها تلفُّ فلاً بنفنف
دعها تلفُّ فلاً بنفنف / لتجوبها حزنا وصفصف
حرف تكاد لضعفها / من خط سطر الركب تحذف
إن أذملت فقل الظليم / لمرتمى البيدآء قد زف
تستلُّ من نفس الصبا / روحاً بجسم البرق تقذف
وتلوح في لجج السراب / كأنها صرح مجَّف
أمثقف القلم الذي
أمثقف القلم الذي / من دونه الرمح المثقف
تجري سلافة ريقه / فتعبُّها الأفكار قرقف
رقت مزابر لوحه / فغدت بثغر الدهر ترتشف
ويمج صهبآء الب / بلاغة في المهارق حيث يعطف
ما جفَّ اسحم ريقه / الأَّوريُّ الفضل قد جف
ورد الفصاحة لم يكن / لولاه بالاملاء يقطف
جوف العدوّ يضيق من / نفثات ارقمه المجوف
فكأنه قلم القضا / ان يجر يوما ما توثق
تلك الفتوح بحدّه / لا في شبا الاسل المثقَّف