المجموع : 1408
ذُكِرَ الغَضا فَتلهب الأَحشاءُ
ذُكِرَ الغَضا فَتلهب الأَحشاءُ / وَبَكى العَقيقُ وَما يَحير بُكاءُ
غَنّى بترداد الحنين فَهامت ال / ورقاء حيث بَكَت لَهُ العَيناءُ
هاج الهَوى مِنهُ فؤاداً شيقاً / لَما تبدى لِلخَيال شظاء
صحب الجُنون جَوىً وَفارق عَقله / في حيرة راحَت بِهِ الرَوحاء
وَثَوى الأَسى في صَدره فَأَباده / مَيتاً وَما رقّت لَهُ الأَحياء
وَلَوى بِهِ سَفح اللَوى عَن سَلوةٍ / وَأَبى عَلَيهِ إباءه الإبواء
وَعَلى شُؤون الجزع أَضحى جازعاً / إِذ جرّعته شُؤونَه الجَرعاء
متطلع يَهوَى بدور طويلع / قَد تيمته بشوقها تَيماء
وَلَكَم يُعالج لاعجاً مِن عالج / وَجواه حَيثُ أَحبة وَجَواء
أَمسى بكاظمة الفُؤاد وَأَصبَحَت / تِلكَ القباب يَصونهن قباء
تِلكَ المَعاهد وَالرُسوم حدودها / في القَلب فهوَ مَع الفِناء فِناء
فَتوقد الشفقُ الوَضوحُ بِناره / وَتسربلت بهمومه الزَرقاء
عجبت تَصاريف الرِياح لفكره / وازّينت بدموعه الغَبراء
مُذ أَوحشته آنساتُ الإنس كَم / أَنست بِهِ الآجام وَالفَيفاء
حزنت صعابُ سهولها لهيامه / وَتزعزعت أَجبالها الشماء
تتصرف الأَكدار في أَفكاره / إِن لاحَ في لَوح الضَمير صَفاء
وَتُجزِّئُ الأَحزانُ جَوهرَ عَقله / مَهما تُعارضُ رَأيَه الآراء
وَتخاله ذا جِنَّة مِما جَرى / وَلربما خضعت لَهُ العقلاء
وَيبين بَين تَجاهل وَتجهُّل / عرفت بِهِ حَق الهَوى العرفاء
لِلّه أَيُّ هَوى تَجمَّع في حَشىً / مُتفرقٍ وَلَهُ الهيام ثَواء
يُطرَى وَيَطرَبُ وَحدَه في وَجده / فَيروعه الإِطراب وَالإِطراء
وَلطالما أَلهاه عَن مَولاه مِن / هَذا الوُجود وَأَهله أَهواء
وَلطالما أَغرى بنور جَبينه / صبحٌ وَخبعجت السَرى لَيلاء
كَم فرّ مِن أَلم الفراق إِلى اللقا / فَإِذا الَّذي اجتلب الفراق لقاء
وَلَقد كَفته تجاربٌ في طيها / عبرٌ تحذِّر ما دَهى الإِغراء
يا قَلب كم هَذا التَقلب في الهَوى / أَتعبت نَفسك وَالجَميع عَناء
هَل في الأَنام مِن الأَمان حَقيقة / أَو في الوُجود عَلى الوَفا أَمناء
إِن الَّذي تَرجوه مِن هَذا المُنى / قَد رَدَّ عَنهُ قَبلنا القدماء
ما الود إلا عارضٌ يَفنى وَإِن / بَقيت جَواهر فَهيَ طينٌ ماء
فَإليك عَمّا أَنتَ فيهِ حالم / فَالناس عَن ذَنب الوَفا بُرآء
إِن الأَنام وَإِن رَأَيت جسومهم / إنساً فَإِن قُلوبهم حرباء
لَم يَصف قَلب فيهِ طَبع تَقلّب / إِلا وَذاك لغدره إِيماء
فَدَع النَديم وَما دَعا مِن أُنسه / إِن النَدامة ما يَرى الندماء
وَاخلع إِذاً ثَوب الخَلاعة وَاتّئد / فَلربما هانَت بِها العظماء
وَاختر مرير الصَبر عَن حُلو الهَوى / فَالحُلو داء وَالمَرير دَواء
وَانظر سِواك كَما يَراك فللفتى / بِالنَفس عَن كُل الوَرى استغناء
وَالبس مَع التَقوى العفاف تجملاً / إِن التقى بَعد العَفاف بَهاء
لا تَشتغل بِالغَير عَنكَ فَربما / تَتَقلب الأَدوار وَالخلصاء
لا يذهلنك مقبل أَو مدبر / فَحقيقة العَيش النَضير فَناء
إِن اللَيالي إِن تسالم معشراً / تؤذن بحربٍ صرفُها عَدّاء
وَالدَهر إن يُسألْ يجبْ عَن كُنه ما / لَقيَ الرِجالُ وَجرّب النبهاء
فاقرأ عَلى الدُنيا دروسَ تجارب / أَبقى الحَكيم وَصنف الأُدباء
فَاليَومُ يَكتبُ وَالعُصور صَحائفٌ / وَالعُمر يَنشرُ وَالنُهى قرّاء
ما خَلف الآباء فيهِ سيرةً / إِلا ليدرك سرها الأَبناء
فَارض النَصيح وَلِنْ لتغنم نَصحه / فَبِلينها تَتقوّم العَوجاء
وَاصحب رِجال الحَق تبلغْ ما تَشا / فَبجمعها تَتَجسم الأَجزاء
لم تَرض عَنكَ الناس أَجمع إِنَّما / فَلترض عَنكَ السادة الحُنفاء
وَاربأ بنفسك إِن أَردت سَلامة / فَلَقَد بَدا خافٍ وَزال غِطاء
وَالجأ لأعتاب النَبي المُصطَفى / فَهوَ الرَجاء إِذا اِستَحال رَجاء
وَانزل بِها حُصناً حَصيناً يُرتَجى / إِن همهَمت بجيوشها الأَرزاء
وَاقصد بِهِ طوداً عَليّاً وَاعتصم / إِن أَرسلت طوفانَها الدهياء
وَالزم بِهِ رُكناً شَديداً تَتَقي / بِجنابه إِن عَمَّت الأَسواء
فَهوَ الَّذي تُرجَى هدايةُ نُوره / إِن تكفهرَّ بجُونها الدَهماء
وَهوَ الَّذي تَأتَمُّ ساحتَه إِذا / ضاقَت بِكَ الساحات وَالأَرجاء
إِن الَّذي سمك السماء أَقامه / باب العياذ إِذا دَهت لأواء
أَحيى بِهِ مَيتَ القُلوب فَأَبصرت / نَهجَ النَجاة الأَعيُنُ العَمياء
شِيدت بِهِ أَعلامُ أَبيات الهُدى / فَأَقامَها وَرَمى الضَلالَ عَفاء
فَتيقظت بخطابه أَفهامُنا / مِن بَعد ما أَودى بِها الإغفاء
بِجَوامع الكلم الكِرام وَما تَلا / خضعَ الفَصيحُ وَأذعنَ البلغاء
كَم أَعجَمَ العربيْ الفَصيحُ بَلاغةً / وَأَتَت إِلَيهِ فَأَفصَحَت عَجماء
كَم محنة سَوداء جلّى ليلها / فَأَزالها وَلَهُ اليد البَيضاء
خمدت بِهِ نارُ المجوس لِأَنَّها / سطعت لَها بقدومه الأَضواء
وَتزلزل الإيوان يعلن أَنَّهُ / سيُظلُّه علَمٌ لهُ وَلواء
وَاسأل بني سعد عَن الأَمر الَّذي / شَهدت بِما شهدت لَهُ البَيداء
وَتنزّل القرآن في الغار الَّذي / آوى فشُرِّفَ واستقل حراء
وَلكَم حباه معجزاتٍ آيةً / من ضمنها المعراج وَالإِسراء
أَسفاً لِمَن آذاه أَقربُ قومِه / فَتقربت لَولائه البُعَداء
هم حكَّموه قَبل بعثته فَما / أَغراهم إِذ حَقَّت الأَنباء
كَتبوا القَطيعة في الصحيفة بَينَهُم / فَإِذا بِها مجلوَّةٌ وَضّاء
عَجَباً لجَزْع الجِذْع عِندَ فراقه / أَيحنّ نبتٌ وَالقُلوب جفاء
جحد الطغاة حُقوق مَولاهم وَكَم / قَد سبّحت في كَفه الحَصباء
همّوا فَهاجرَ ثم طابَت طيبة / وَتَأيد المَنصور وَالنصراء
وَليومِ بَدرٍ أَيُّ فَخرٍ دائمٍ / حَيث التظت بِأُوارها الهيجاء
نَزلت مَلائكة السَماء تحفُّه / فَكأنما تِلكَ الدِيار سَماء
ذلت لعزة دينه أَعداؤه / وَتصاغرت لجلاله الكبراء
إِن عُلِّمَ الأَسماءَ آدمَ قبلها / فهوَ الَّذي عُلِمت بِهِ الأَسماء
أَبدى وَأَيَّد كُل حَق غامض / فتوضح الحسناء وَالشنعاء
علمت بهِ الجهلاء سرَّ وجودها / وَتحققت بعلومه العلماء
وَهدى الأَنامَ فجمعت أَشتاتهم / وَعَلى اليَقين تحبب الأَعداء
جمع المفرّقَ عدلُه وَلطالما / قَد فرّقت بِالباطل الحُلَفاء
ضحك اليقين على بكاء الشك إِذ / عز الحَليم وَذلت السفهاء
دانَت لدين اللَه وَهوَ نبيه ال / دنيا وَساد المعشرُ النجباء
وَلكَم مخالفةُ القُلوب تَألفت / بِالحَق إِذ شمل الجَميع إِخاء
وَضع الموازينَ الحقيقةَ بيننا / بِالقَسط وهيَ الشرعة الغَراء
يا قبلة الحاجات إِني مُقبلٌ / بكَ مُستَجير وَالخَصيم قَضاء
سمعاً رَسولَ اللَه دَعوةَ ضارعٍ / يدنيه مِنكَ تذللٌ وَنِداء
حرِّر عُبيدَك من متَاعب أَسره / بيد الهَوى فإلى مَتى وَيساء
كُن عونه في ضيق صَدرٍ غاله / فَالمَوت فيهِ وَالحَياة سَواء
وَاصفح بعفوك عن ذُنوب طالما / بأقلها غلب النَعيم شَقاء
فَلئن مَضى ما قَد مَضى لسبيله / وَعدت وَعَدَّت شدةٌ وَرخاء
فَلَقد صحوت كما ثملت وَقد بَدا / كنه الخفي فَما هناك مراء
وَلَقد رَجعت إِلَيك أَرجو بعدَ ما / حققت أَن كل الوُجود هباء
فاقبَل بحقك مُقبلاً بذنوبه / فلمثل جاهك يَرجع الضعفاء
ضيعت عمري في سِواك جهالة / وَلبئسما يتحمّل الجهلاء
لكنني سَأبيد ذلك جفوة / تمحو الهُموم فتَثبُتُ السراء
وَأَقول حسبي مدح طَه المُصطَفى / نَصراً إِذا ما ذلت النصراء
عجباً لمثلي كَيفَ يمدح سيداً / وَصفاته لم يحوها إحصاء
إِن الذي جاء الكِتاب بمدحه / هيهات تُحسن مدحَه الشعراء
صلى عَليهِ اللَه ما سرَتِ الصبا / وَترنمت في عُودها الورقاء
إِذا اتخذَت نفسُ هَوى النَفسَ مبدأَ
إِذا اتخذَت نفسُ هَوى النَفسَ مبدأَ / فَقد جهلت عُقبى أُمور ومنشأَ
وَمَن لَم يقدّم حزمَه قبل عزمه / يجد ندماً جماً عَواقب ما اِرتَأى
وَمَن لَم يَصانع دَهره في سَلامة / يَرى خطبه أَجرى إِلَيهِ وَأَجرأَ
وَمَن لَم يَصن بَأساً شَديداً وَنَخوةً / بَرأيٍ سَديدٍ ينك مجداً وَضئضئا
وَمَن يَتخذ يوماً هَواه إلهَه / يجده خذولاً حَيثما الأَمر أَلجأ
وَمَن يَحتلل دارَ الزخارف يرتحل / وَقَد ظَنَ مَأوى الراحلين مبوّأ
وَمَن يَأتلف أَبناء آدم تختلف / عَلَيهِ وَمَن لَم يَنهه الرشدُ أَخطأ
وَمَن عَرف الأَيام لَم يلهُ قَلبُه / وَفا مَن دنا مِنهُ وَلم يَبك مَن نَأى
وَمَن خال إحساناً إِساءةَ نَفسه / يَرى كُل إِحسان من الغَير سيئا
وَمن قرّ عيناً بِالظَواهر لَم يَجد / سَبيلاً إِلى درك الحَقائق موطئا
وَمَن تَغتدي آمالُه وهوَ رايحٌ / فَقَد أَسرَعت فيهِ اللَيالي وَأبطأ
وَمَن لَم يصن من عزة العرض جَوهراً / تجرّد عَن ثَوب البها فتجزّأ
وَمَن يَعتمد إِلّا عَلى اللَه يُمتَهَنْ / وَمَن يَعتصم إلّا بِهِ خاب ملجأ
وَمَن يَجهل الزُهر الدراري وَشَأنها / يَظن سراج البَيت مِنهن أَضوأ
وَمِن عَز عَنهُ الكُنه تاه بِأَوجه / فَحقّر ما يَخفى وَعظّم ما رَأى
أَرى جاهِلاً مَن أَحزَنَ البُؤسُ قَلبَه / وَأَجهل مِنهُ مَن بصفوٍ تَهنّأ
وَما العَيش إِلا غَفوة ثم يَقظة / وَبَينَهُما المَجهود يطلب أَدنأ
يُحاول في دار الرَحيل إِقامةً / وَقَد صَحب الرَكب الَّذي قَد تهيأ
وَما المَهد إِلّا رحل راكبه إِلى / حمى اللَحد مَهما قيل في السَير أَبطأ
فَلا شَيء إِلّا اللَه يُرجَى وَيُتقى / وَما غَيره إِلّا عَديماً تَشيّأ
وَلا شافع إِلا النبي محمد / فَلذ بحماه تلق منجا وَمَلجأ
فَذَلِكَ خَير الناس حَياً وَمَيِتاً / وَأَشرفهم مَجداً كَريماً وَضِئضِئا
بِهِ اِتضح الحَقُّ المُبين لعارف / وِمِنهُ اِنجَلَت عَين اليَقين لِمَن رَأى
هَدَى فَعَلَت وَجهَ الضلال كَآبةٌ / جَبين الهُدى منها اِنجَلا وَتَلألأَ
لأعتابه العلياء أَفياءُ نعمة / أَرى الدين وَالدُنيا لديها تَفيّأَ
فَما أَبصرت عَلياه إِلّا بَصائرٌ / تجرُّ عَلى الأَبصار ستراً مُخبّأ
وَكَيفَ تَرى شَمس الحَقيقة أَعيُنٌ / رَأَتهُ عَلى أَسنى العَوالم أَسنأ
فَكُن جَوهَراً عَما يَشين مجرَّداً / تَرى الحَق عَن مَعنى مَعاليه نَبّأ
فَلم تَدره إلا نفوسٌ جسومُها / غَدَت فكرةً تسري وَقلباً مُبَرّأ
فَناد بياقوت القُلوب فَإِن تَفُز / بِجَوهَر قرب فانثر الدَمعَ لُؤلؤا
عَلَيهِ صَلاة اللَه ما كَوكَبٌ سَرى / وَما زُيِّنَت أَرضٌ وَجوٌّ تَنوّأ
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ
هوىً إِذا ما تَناهى دَورُه اِبتَدأَ / أَفنى الحَياة وَأَضناني وَما فَتِئا
وَالنَفس إِن جبنت بالغي همّتُها / عَن كَبح زلتها شَيطانها جرأ
عَمّا تَساءل ياذا اللَوم عَن نَبأٍ / وَلَست أَذكر بلقيساً وَلا سَبأَ
فَهَل أَتاكَ بِأَني عَنك في شغلٍ / بِمَن دَنا فَأَصابَ القَلب ثُمَّ نَأى
فَاعذر إِذا حَنَ قَلبي أَو بكى بصري / فَذا هَوى ودَّه الصافي وَذاك رَأى
وَدَع مَلام فَتى كانَت محبته / جبلَّةً وَهوَ في مَهد الهَوى نَشأ
صبٌّ صبا للهوى إِذ كانَ جَوهرُه / مجرداً لَم يَحلّ الكَم وَالحمأَ
أَوقاتَ لا الفلكُ الدوّارُ يَحصرُنا / وَلا الحِجابُ عَلى أَرواحنا طرأ
يا حَبَّذا النشأة الأُولى وَنضرتها / أَيامَ كُنا عَلى أنس الخَفا ملأ
ني لأذكرها يَوماً فيَحزُنُني / قَيدُ المَظاهر أَو تذكار ما اختبأ
كانَت مَواطن قدسٍ لا يدنسها / غيٌّ وَصيقلُ لَوحِ الرُوحِ ما صَدأ
آهاً لها إِذ تَبدّلْنا بِها وَطناً / داراً عليلُ هَواها قلّ ما برأ
أَصبَحت فيها سجينَ الجسم مرتهناً / بِما الحَواس بِهِ تقضيه لي خطأ
يا ويلتا مِن وُجودٍ كلُّه كدرٌ / مَن سار فيهِ عَلى غَرب الظُبى وطئا
كَأَنني فيهِ إِذ أَمّلتُ راحتَه / أَعمى يحاول في دوّ الفَضا رَشأ
لَكن يؤمّن خَوفي أَنني بحمى / خَيرِ البَرية قَد أَصبَحتُ ملتجئا
فَهوَ الذي جاءَ بِالحَق المبين لَنا / وَجدد العَهد وَالمِيثاق وَالنَبأ
وَكَم أَقام مهيضاً في اليقين وَكم / أَنار مصباح قلب طالما طُفئا
وَكَم جسومٍ تلافى مِن تَلاف ضنىً / أَرواحها إِذ هداها روعها هدأ
وَكَم قُلوبٍ وَقاها في تقلبها / وَكَم عَظائمِ أَمرٍ إذ دَرى دَرأ
أَتى بِآيات مَولاه الكَريمِ فيا / وَيلَ الألى اتخذوا آياته هزؤا
وَهوَ الَّذي تَرتجي الدُنيا شفاعته / إِذ يحشر اللَه يَوم الحشر ما ذَرأ
لَو أَبصرت حسنَ مَعناه زليخا نُهىً / لَم تَتَّخذ في هَوى الصديق متّكأ
وَإِن قَلباً خلا عما سِواه غَدا / مَعززاً ببَها الإِيمان ممتلأ
تَرى الحَقيقة تَبدو في صحيفته / مَسطورة إِنَّما هَيهات مَن قَرأ
فَاقصد بِهِ العروة الوثقى إِذا انفصمت / عرى الأَنام وَفاجئ إِن عَناً فجأ
عَلَيهِ أَزكى صَلاة اللَه دائِمَة / ما تمّ دورٌ مِن الدُنيا وَما اِبتَدأ
لَيسَ تُجدي خَيفة وَرجاءُ
لَيسَ تُجدي خَيفة وَرجاءُ / حَيث تَفنى شدة وَرَخاءُ
وَالليالي دَأبها في تَوالي / ها اِنتِهاء أسُّه الابتداء
وَالأَماني كَالهَوى آتياتٌ / ذاهبات ما لهن بقاء
وَالتَداني قسمة وَالتَنائي / لَيسَ تَبقى نعمة أَو شَقاء
وَمبادي صفوها سَوفَ يَتلو / ه اِنقضاءٌ يَقتضيه اقتضاء
وَالخَبايا في زَوايا الأَواتي / لحدود ثم يبدو الخَفاء
وَخمول المَرء عيش حبيب / وَالمَعالي لِأَهلِها أَعداء
إِن جهد النَفس فيها فُضول / حَيث يغني المرء قوت وَماء
كَيفَ تَهوى نضرة الأُنس مِنها / وَهِيَ دار وَحشة غَبراء
وَإِذا ما زار فرح وَحُزنٌ / ثُم زالا فَالجَميع سواء
لَيسَ فيها غَير زاد التُقى زا / د وَإِن لَم يَرضه الأَغبياء
فَاطّرح ما لَيسَ يبقى وَحاذر / غرّةً ذلت بِها العقلاء
وَاسترح من هم دنياك وَاقصد / جاه طهَ يعزك الانتماء
لُذ بخير الخَلق تحظى مِن الل / ه بفضل ماله استقصاء
فهو رُكن العائذين إِذا ما / كشفت عن وَيلها الدهياء
وَهوَ بر بِالأَنام رؤوفٌ / وَهوَ نور إِن دجت ظلماء
وَهوَ فينا رحمة اللَه يرجو / ما لديهِ المعشر الفقراء
ثق به وَاقصد حماه وَأمّل / واقترح من فضله ما تشاء
وَاعتصم منهُ بجاه خَطير / طالما لاذت بِهِ الأَنبياء
واشف داء البؤس من راحتيه / بنعيم فالأَيادي دَواء
يا رَسول اللَه أَنتَ مَلاذ / وَمعاذٌ يَأتمه الضعفاء
يا رَسول اللَه أَنتَ وليّ / إِن جفت من أمّها الأَولياء
يا رسول اللَه فيكَ الأَماني / ناعِمات ما بِها بَأساء
يا رَسول اللَه خلص فؤادي / مِن هُموم أَصلها الأَهواء
يا رَسول اللَه بصِّر عيوني / بعيوب زادهن الغطاء
يا رسول اللَه نوّر يقيني / بِالهُدى كَي تَنجلي الأَسواء
يا رَسول اللَه أَصلح شؤوني / فشؤوني في الخدود دماء
يا رَسول اللَه كن لي فإني / وَالهٌ مسّتنيَ الضراء
يا رَسول اللَه أَنتَ ظَهير / مستعان إن نَأى الظهراء
فَسلام دائم وَصلاة ال / له تَتلو مالها إنتِهاء
باعد هواك وَنائي الغيّ وَاجتنبِ
باعد هواك وَنائي الغيّ وَاجتنبِ / داني الهُدى وتوخّ الرشدَ واقتربِ
ودع غرور شباب زال غيهبُه / فطالما طابَ وهوَ اليَوم لَم يَطب
وَدع زَمانك إِن العُمر منصرف / حَتّى مَتى شابَت الدُنيا وَلم تشب
وَاترك مُعانقة الآمال باسمةً / وَذر بواعث غيّ اللَهو وَاللعب
وَاهجر مواصلة الأَهواء إِن لَها / مصارعَ الحَتف إِثر الأنس وَالطَرب
وَلا تَكُن كامرئٍ تابت غوايته / طوع النذير وَأَهوى بعد لم يتب
وَنُح عَلى غرَّة للعمر سالفة / غابت وَحسرتها في القَلب لَم تَغب
وَلا تَطع طمعاً في عيشةٍ رَغدٍ / فَغاية العيش موت أَو إلى حَرَب
هَل تَبتغي سَبباً في الدَهر متصلاً / إِلى البَقاء وَحتمٌ منتهى السَبب
إِلَيك فالكون خافيه وَظاهرُه / محجب الكُنه بين الستر وَالحُجُب
فلا تَهِن همّةٌ إِن عُزِّزَت عَظُمت / وَلا تَرى الفَخر بِالسُلطان وَالرتب
يَكفيك عَنها قراحُ الماء في كدرٍ / إِذا اكتفيت وَنُزْلُ البائدِ الخرب
فَلستَ بِالجاه وَالأَموال معتَبراً / وَإِنما أَنتَ بِالآداب وَالحسب
فعش إِذا عشت عفَّ الذيل طاهرَه / ومت إِذا متَّ دُون الجَد وَالطَلَب
وَاجعل رجاءك بالرحمن متصلاً / لا تَغترر بغرور الجاه وَالنَسَب
فَإِنَّما أَنتَ من طين وَمن حمأٍ / فَلا تَقل ذاكَ جدّي أَو فلان أَبي
وَلذ بأعتاب خَير الخَلق سيدنا / محمدٍ سيد الأَعجام وَالعرب
قف في حماه وَسل جَدواه وَارج بِهِ / فَإِن مَن يَرتجي مَولاه لَم يَخب
عَفّر جبينك في ذاك الرحاب وَقُل / يا نَفس طيبي بِهَذا المندَل الرَطِب
وَدَع هُمومك تَتَرى في تقلبها / إِذا بلغت بهذا خَير منقلب
وَاكشف عن العَين أستاراً تُحَجِّبُها / وَانظر لَهُ بفؤاد غَير محتجب
وَاسكب دُموعك حُمراً في مواطنه / فَطالَما صين عَنها غَيرَ منسكب
وَقُل عُيوني رَأَت حبّاً فَأفرحها / حسنُ اللقا فانجلت في زي مختضب
وَسل بِهِ تَوبةً سوّفتها سَفَهاً / وَأُبْ إِليه بِنَفسٍ خَلْت لَم تؤب
فَذاك مَوطن أَرواح مطهرةٍ / فَلا تعش عيش مطرودٍ وَمغترب
هذا الرَسول الَّذي أَرجو شفاعتَه / إِذا بَدَت سيئاتٌ سوّدت كتبي
هَذا النبي الَّذي لَولاه ما رُحِمت / نَفسٌ وَلا ظَل قَلبٌ غَيرَ مضطرب
هدى إِلى النُور أَهدى الخَير حَيث أَتى / بِالبينات وَعلمِ الدين وَالأَدب
فَما أَخسَّ حَياةً لَيسَ نصرفُها / في حبه حيث يدعونا فَلم نُجب
وَما أَضلَّ عُقولاً لَيسَ يَنفعُها / رشد الرشيد وَيُغويها غرورُ غبي
لبئس مَن قلبُه صنوُ الجماد وإن / نَصحتَه كان ما قد قلتَ في رجب
يا وَيح نفسيَ كَم تهوي إِلى تلفى / وَتتقيه وَهَذا غاية العَجب
هَيهات ما هي في ودّي بصادقة / ما لم تجرّد هواها عن عناً كَذِب
مالي وَللغير أَفنيت الحَياة وَقَد / أَصبحت كهلاً وهذا في الهَوى وَصَبي
فَيا نبيّ الهُدى عفواً ومرحمةً / أَقل عثاري وَكن عَوني عَلى النُوَب
عَليك أَزكى صَلاة اللَه دائِمةً / دومَ الوُجود عَلى الآباء وَالحقب
لصَبا الحجازِ بَكى وَإِن لَم يَطربِ
لصَبا الحجازِ بَكى وَإِن لَم يَطربِ / صبٌّ تمسك من شذاه الطيِّبِ
يشكو الهَوى مما به بلسانه / وَيعيذها من قلبه المتلهب
بالله يا ريح الصبا حيي الحِمى / وَببثِّ ما يشكو إِليهِ تقرّبي
وَتردّدي بَيني وَبين أَحبتي / فَإِذا بَلغت فِنا الديار فشبّبي
وَتحملي عني السَلام تحيةً / وَلِجي إِلى تِلكَ الرُبى وَتَأدّبي
وَتبتلي وَصفي مذلة والهٍ / للأكرم الثاوي بطيبة يَثرب
وَقفي عَلى الأَعتاب ثمَّ وَسلِّمي / منّي عَلى قَبرٍ تشرّف بالنبي
قولي عُبيدُك يا رسول اللَه قَد / عرف الحقيقة بَعدَ أَيّ تَشعُّب
فَلَكَم أَطاع النَفس حينَ عَصى الهُدى / جهلاً وَكَم أَرضى الغرور بمغضب
ما قدّمت أَيديه إِلا حَسرةً / لِلنفس شيمة مسرفٍ لم يحسب
أَفنى الليالي في سِوى ما ينبغي / وَأَضاع سحبَ رضاً ببرقٍ خُلَّب
صحب الزَمانَ وَأَهلَه حتى إِذا / وَضح الرَشاد كَأَنه لَم يصحب
وَصَلَ الغرورَ وَفصَّلَ الأَوقاتَ في / غَير الحَقائق شأنَ من لم يَدأب
في الحَزم فرّطَ حيث أَفرط في الهَوى / سُلبَ الفراغَ بغير شغل موجب
ذهب المذاهبَ في انتِقا رأَيِ السوى / بشؤونه يا ليته لم يذهب
وَلَكَمْ صبا حيث الصِّبا ومع الشبا / ب مضى يُشبِّبُ بالغرير الربرب
وَلَكَم قضى الليل الطويل مفكراً / في شأن كل أَخ كمثل الكَوكَب
وَلَكَم بكى زيداً وحنّ لخالد / وَرعى هوى هندٍ وَتاه بزينب
كَم أَحرِمُ الأَجفانَ من سنة الكَرى / للغير ما رَقَبَت وَما لم ترقب
كَم أُجهِدُ النفس الأَبيةَ في هَوى / مَن لَم يَكُن بِأَخي الشَقيق وَلا أَبي
وَلَكم سَطا نَحوي الظَلامُ بِأَدهم / مِن هَمه وَدَهى الصَباح بأشهب
حجبتني الأَغيار عن دَرَكِ الهُدى / حَتّى بَدَت فَإِذا بِها لَم تحجب
شُكراً لعاقبة التجارب إِنَّها / كشفت عن الدُنيا نقابَ الغيهب
فإليك يا خير البرية حاجتي / وَجَّهتُها وَلأنتَ أَولى الناس بي
قدّمتُ نفساً قَد تؤّمن خوفَها / آمالٌ معترفٍ ذليلٍ مذنب
وَعرضتُ وجهاً سوّدَتهُ جنايةٌ / سينال نوراً منك إِن تك تجتبي
وَبسطتُ بالأعتاب خدّاً خاضعاً / سيفوز منها بالمنى وَالمطلب
وَعَلى رحابك قَد أنختُ مطيةً / إِن لَم يكرّم نُزْلُها لم تركب
يا رحمة الرَحمن بَين عباده / ارحم ذليلاً في معزتكم رَبِي
ارحمه وهو الكهل شارف شيبه / فَلَكَم رأفت بِهِ وَقد كان الصبي
يا حجة الديان ما لي حجةٌ / إلا الوقوف بذلةٍ وتأدّب
فَأَقل عثاري وَقل نجوتَ فطالما / بكَ قَد أَراح اللَه بالَ المتعب
وَلئن مدحتُ سواك وَهِيَ ضلالة / لا لاجتلاب عُلاً وَلا لتكسُّب
وَلئن شكا قلمي الدجى وَأَناملي / يا بئس ما كتبت وَما لم تكتب
فلأمحون ذنوبَها بقصائدٍ / تسعى بمدحك وَالثنا في مَوكب
إِلى جاهك السامي سعت بي حَوائجي
إِلى جاهك السامي سعت بي حَوائجي / وَفي بابك العالي أُنيخت مطيتي
وَمثلك من لا يدرك اليأسُ جارَه / إِذا عَزَّ مَن يَرجوه في يَوم شدة
وَمن تك يا خير الخِليقة جاهَهُ / جديرٌ بِأَن لا يرجو كل الخليقة
رسول اللَه مالي إِن تَوالتْ
رسول اللَه مالي إِن تَوالتْ / هُموم أَو تهان قد تولتْ
سِواك مؤمّل فادرك كروبي / وَحقِّك يا رَسول اللَه جلّتْ
أَضاعني ساكنو الجرعاء كالعرجي
أَضاعني ساكنو الجرعاء كالعرجي / فَهل سَبيل إِلى مَغنى وَمنعرجِ
هم استباحوا دماً إذ حرّموا صلةً / وَحللوا الدَمع بَعدَ الهجر من مهج
وَكَم أَهاجوا لَظىً في مهجة بجوىً / وَكَم أَفاضوا شؤون العين كَاللجج
قضيت أَيام عمري في محبتهم / وَذقت كأس هواهم غيرَ ممتزج
لِلّه عهدٌ بذاك الحيّ ما برحت / بالقلب لوعته تدعو إِلى وَهج
واليَوم يسفر وضاحَ الجبين لَنا / وَالليل يذهلنا بالناظر الدعج
وَللربيع عَلى تلك الربوع يدٌ / قد زينتها بوشيٍ زاهرٍ بهج
تجري النُهور عَلى لبّاتها دررٌ / وَالظلّ يمزج صفوَ الدرِّ بالسبج
وَللأزاهر أَقمار مبرّجةٌ / تبدو عَلى حبك للأيك منتسج
أَوقاتَ لا العين فيها قرحُ ذي سهرٍ / وَلا القُلوب تردّت حالَ منزعج
وَللصبا وَصبابات الهَوى طربٌ / يلهو على نغمة العشّاق والهَزَج
كلٌّ تولّى فولّى العيشُ أَطيبه / وَعُدتُ أَنهجُ حُزناً غَير منتهج
فَما لعينيّ لا تنفكُّ جاريةً / وَما لقلبي عَنهُ إن أَتُب يَهج
ما آن أَن أَسلو ما باليأس أدّبني / عَلى أَقى ما بقي مِنهُ عَلى حرج
ضاق الوجود فدعني أَبتغي فرجاً / بِمَدح طَه ففيه غايةُ الفَرَج
عَلِّي أُدارِكُ روحاً بالردى فَنيت / أَو أَن أَقوّم نفساً مِن يَد العوج
فَإِن نفساً رجته صين جانبُها / وَإن عبداً تولى شأنه لنجي
شمس اليقين التي أَخفت أَشعَّتُها / جونَ الظَلام فَأغنتنا عن السُرُج
أَقام بِالسَيف وَالصمصام دعوتَه / مؤيد الحَق بالبرهان ذي البلج
بالحكم والحكمة القصوى دعى وَهدى / فشق ليل ظلام الكفر بالبلج
فلا حياة لمن لم يَحيَ فيه وَلا / موت لمن مات عنه وَهوَ غَير شجي
فَيا أَخا المِدَحِ المجهود في تعب / وَصاحب القول في وصف الرشا الغَنِج
خبّر سواك بِأَني في غِنىً أَبَداً / بِمدح مَولاي راقي العرش بالدرج
فهوَ الذخيرة لي يوم الزحام إِذا / نادى المنادي وجيء الناس بالحجج
حسبي شفاعته العظمى أَنالُ بها / خلدَ النعيم المقيم الطيّب البهج
وَفي حياتي حسبي أَن تَكُون له / قَصائدي تنفج الأَرجاء بالأرج
عليه صلى إلهي كلما طلعت / شمسٌ وَأَسفر بدرٌ في ظَلام دجي
حنّ المحبُّ إِلى الحَبيب فَناحا
حنّ المحبُّ إِلى الحَبيب فَناحا / وَغَدا عَلى حُكم الغَرام وَراحا
أَمسى هواه مؤانساً وهيامُه / خدناً وَكلٌّ بِالهَوى يتَلاحا
أَخذ الهَوى بفؤاده وعيونه / فَصَبا وَصبَّت واستباح وَباحا
فَالقَلب ضنّ بصبره وَجفونه / جادَت وَكانَت قبلَ ذاكَ شِحاحا
هَذا تكلَّم بِالسُكوت وَهذِهِ / بِلسانها الجاري رَأَت إفصاحا
لبست لياليه السواد لِأَنَّها / قَد بايعت من شَأنِهِ السفاحا
في جيدها نُظمت لآلئُ زُهرها / وَتوشحت نهر المجرّ وَشاحا
فكأنها طافت عَلى أَفلاكها / إِذ رقرقت بنجومها أَقداحا
أَو أَنها رصدت لهن مراصداً / أَو أَنها ضربت بهنّ قداحا
فقدت ضياء الشَمس فهي بقلبها / تبدي لنا شفقَ الغروب جراحا
عجباً لها تبكي لفرقة آيب / وَتريد سلوى للوفا فضّاحا
وَأَظنُّ ما بين الكواكب معركاً / وَلذاك تُبرزُ أترساً وَرِماحا
وَمِن العَجائب أن منها أَعزلاً / يبغي وَيأنف ذو اليدين كفاحاً
وَتَرى الثريّا قد بدت في هودج / وَبنات نعش يتَّبعنَ صياحا
يدأبن سيراً لا قرار يصدُّه / قلَّدن في ملك السما السُّوّاحا
وَلذاك لم تلق العصيَّ وَربّما / أَلقت إِذا بلغت مدى وَمداحا
أَسفاً لتلك الجاريات توقفت / في حيرة لي ما تروم سَراحا
وَلها الجَميل على التباعد بيننا / ثبتت وقد زال القريب وَطاحا
وَأَخالها قد أَوقدت من شهبها / لتزيل ظلمةَ حالتي مصباحا
أَرسلن لي طيبَ النسائم عائداً / فَأَراحني إِذ بثها أَرواحا
وَرَأى ضنى جسدي عليلاً قَد حوى / من جوهر الودّ القَديم صحاحا
قلباً عَلى جهدٍ يقلّبه النوى / ما بينَ بينِ مُنىً وَلاحٍ لاحا
أَمْلَت صبابتُه وَسطَّرَ دمعُه / في وَجنتيه بما جرى أَلواحا
ما مثّل الأَغصانُ قامةَ حبِّه / إِلا وَساجل بُلبلاً صياحا
أَبداً وَلا مرّ النسيم بطيبه / إلا تروّح بالهوى وارتاحا
وَلَواضحٌ عذرُ النَواظرِ إن تكن / نظرت أَحاسنَ ما سواه قِباحا
صبٌّ يزيدك أَدمعاً ما زدتَه / لوماً وَيحزن ما رأى الأفراحا
كم توضِحُ المكتومَ ذكرى توضحٍ / وَيزيد في القَلب الغضا إلفاحا
وَلَكم جَرى سبلُ العقيق بغربه / فَروى وَأَعشب شِعبَه الفيّاحا
غلب الجنون فنونه بفتونه / فغدى يرى جدَّ الوجود مزاحا
سحرته آرام بوَجْرَةَ حُسَّرٌ / فَغدا أَسير شعوبها ملتاحا
فاحذر نَصيحتهُ أَو انصح يا فَتى / سَتَرى لجاجاً أَن تُرِدْ إلحاحا
ماذا يُفيد النصح مَن في قَلبه / حكمَ الغَرامُ فَبَعَّدَ النُّصّاحا
عَجَباً تؤمّل مِنهُ سَلوى بَعد ما اع / تقدَ الفَسادَ مِن الغَرام صَلاحا
دَعني أُخَيّ مِن المَلامة إنَّني / لمتُ المَلام لِما هَويتُ مَلاحا
حَسبي بِأَعقاب التَجارب رادعاً / عَن غَيّ نَفسي وَاعظاً وَضّاحا
فَلَقَد لجأت إِلى النَبي مُحَمَدٍ / فَوَجَدتُ مِنهُ مَع النَجاة نَجاحا
وَلَزمت منّاع الجوار إِذا دَهَت / ظُلَمُ الخطوب وَلِلنَدا منّاحا
وَافيتُه وَالقَلب طمّاعاً لِما / يَهبُ الكَريم وَناظِريَّ طِماحا
وَقَدَمت وَالخسران يُثقلُ كاهلي / فَأَفادَني بَعد الجوار رباحا
وَقَصَدتهُ وَالأَمر ضنكٌ ضَيّقٌ / فَوَجدتُ ساحات الرَجاء فِساحا
وَلمثلها لا يُرتَجى إِلّا الَّذي / أَحيى النُفوسَ وَطَهّر الأَرواحا
إِن حرّمت يَوماً عَلَيك صُروفَها / صَفواً فَلُذ تَلقى المَنيع مُباحا
وَإِذا اكفهرّ الدَهرَ وَانبهم الهُدى / فَاطلب حماه تجد بِهِ إصباحا
وَمتى دَهى أَمرٌ وَراب غُموضُه / فَاطلُب بِهِ المنجاةَ وَالإيضاحا
لا تَخشَ ضَيماً أَنتَ فيهِ جارُه / وَاعلم بِأَنك قاصدٌ جحجاحا
إِن كانَ جسّاس بناقة جاره / أَنكى كُليباً وَاِجتَرى فَانداحا
فَلأَنت أَكرَم من سَراب وَشأوه / أَعلا فَلا تحمل بِهِ أَتراحا
وَلَكَم فَتى أَنضى مطيَّ رجائه / نَحوَ الحِمى حَتى أَناخ أَتاحا
قف مَوقف العَبد الذَليل تَنل بِهِ / صَفحاً يَصد مِن الهُموم صفاحا
كَم طائر الأَحشاء قرَّ لما هو ات / تخذ اليَقينَ إِلى النَجاة جَناحا
فَاخفض جَناح الذُلِّ وَاجنح وَابتعد / غش الجَوانح وَالق عَنكَ جُناحا
وَصن الجَوارح عَن جَوارح سَعيها / فَلطالَما اِجترحت عَليكَ جِراحا
وَإِذا اللَيالي أَغلقت باب المُنى / فاقصد بذكر جَنابِهِ مِفتاحا
وَقُل الصَنيعة يا رَسول اللَه في / عَبد دَعاك يَروم مِنكَ فَلاحا
إِن ساءَ في عَملٍ فَحسنُ ظُنونه / بكَ عَونُه فامنُن عَلَيهِ سراحا
فَفُؤاده بِكَ واثق وَلِسانُه / لَكَ مادحٌ وَرجاه أَمّ الساحا
وَلَأَنتَ أَكرَمُ مَن يَرجَّى فَضلُه / وَإِلَيهِ يَسعى غَدوة وَرَواحا
بِكَ خَصّنا المَولى فَعمَّ برحمة / فَبِذا نمدّ إِلَيكَ نَحنُ الراحا
وَإَلَيكَ بَعدَ اللَه نَجعل أَمرَنا / فَبِأَي عُذرٍ تَخذل الكدّاحا
وَلَديك أَنزلت القُلوب حمولَها / تَرجو القِرى وَلأَنتَ أَكرَم باحا
إِن الكِرام وَأَنتَ أَكرمهم تُجي / رُ المستجيرَ وَتَمنح المدّاحا
فَاجعل جَزائي ما كَمالك أَهلُه / وَهوَ الفَلاح لِمَن تَرى إفلاحا
صَلى عَليك اللَه جَل جَلاله / ما غنّى طَيرٌ في الرِياض وَناحا
بَدا فائحاً عَرفُ الصَبا وَهوَ فايخُ
بَدا فائحاً عَرفُ الصَبا وَهوَ فايخُ / فَأَوضَح وَجدي وَاللواحي تواضخُ
وَقَد برّحت دَمعاً كَما برّخت حَشى / غَدا بارحاً صَبري إِذ الجَزع بارخ
وَصحت رَسول اللَه أَشكو غوايةً / قَضتها عَلى ضعفي اللَيالي النَواسخ
دَعَوت وَما بَيني وَبَينك سَربَخٌ / مريع وَشمّاخُ العَرانين باذخ
وَوَجهت حاجاتي ليكفل نُجحَها / جَنابٌ رَفيع مِن مَعاليك شامخ
وَلم أَتخذ إلاك رُكناً وَمَلجأً / وَإَن زلخت بِالزائغين المزالخ
فَلم يَدهني جاهٌ خَطير وَختلاع / وَلم تُلهني دُعجٌ كِحالٌ فَواتخ
فَكُن لي إِذا ما حَشرجت يَومَ رَوعها / وَضمت عظامي للصدور البَرازخ
فَحَسبيَ مِن دَهري نَوائبُ محنةٍ / نَبالُ عَواديها لِقَلبي رَواضخ
فَكَم محنة لَم أَلقَ فيها مصاحباً / وَكَم مِن شدادٍ خانَني عِندَها أَخ
وَكَم صَدمة أَلقى وَأَثبت واثقاً / تَزلزَلُ عَنها الراسيات الرَواسخ
وَما جرّ وَيلي غير أَن حشاشَتي / تحبُّ وَجفني ناضح الشَأن ناضخ
وَهَل يُفلحنْ يَوماً إِن الدَهر عَضَّه / فَتى طايحٌ في البَغي بالغيّ طايخ
وَهَل طالح إِلا دَهاه مِن الرَدى / عَلى طُول ما يَرجو مِن الدَهر طالخ
وَهَل يَعلو ذو أنفٍ حميٍّ إِلى علا / فَيصبحَ إِلا وَهوَ في الترب تايخ
وَمَن يلتَزم قطب الغُرور فَإِنَّهُ / لَأوّل من تجني عليهِ الفَيالخ
وَإِن فَتى غَنَّت لَهُ قينةُ الهَوى / سَيردعُه مِن زهزج الرَوع صارخ
لَهُ يَوم بُؤس حَينما صخ وَقعه / تصم لَهُ عِندَ السَماع الصَمايخ
فَلا خَيرَ في الدُنيا إِذا ما تقاصرت / إِلَيكَ مطايا السَعي فيها دَخادخ
فَإِنك نُور في قُلوب حكيمة / يُقصّر عَنهُ في الكَلام المَشايخ
وَما أَنتَ إِلا كَنهُ طيبٍ محجبٍ / بِجَدواك عمَّ الوَجهَ في الكَون ضامخ
فصل سَبب الآمال مِنكَ بِنَظرة / فَقَد هَزُلت دُون الرِحاب الدَوالخ
وَأَعجبُ مِن نَفسي رَجت وَتقاعدت / وَلو صدقت ما أَعجزتها الفَراسخ
عَليكَ سَلام اللَه ما قُلت مُنشئاً / بَدا فائِحاً عَرفُ الصَبا وَهوَ فايخ
بَلغت أَفكارنا ما تُريدْ
بَلغت أَفكارنا ما تُريدْ / وَأَفادَ الجفن مَن يَستَفيدْ
وَاكتَفى اللاحي بما راعَنا / وَاشتفى مِنا فؤادُ الحَسودْ
وَاختفت أَعلام عَهد الهَنا / ثُم غاضَت عَين عَذب الورودْ
فَكَأن الكُلَّ طَيفٌ سَرى / في مَنام مِن دِيار بَعيدْ
لَن نكد نَستجلي حَتّى مَضى / ثُم صُرنا في خَيال جَديدْ
إِن نيل الودّ فَوق السُهى / وَنَراه دُون حَبل الوَريدْ
أَين زَيد صاحِبي خالد / ذُو وَفائي عَمرو حب وَدودْ
صرت فَرداً لا أَرى واحداً / وَلَكَم صادقت مِنهُم وَحيدْ
إِن خَير الناس شرٌّ من الشر / ر فحاذر كُل نَحس وَجيدْ
فَأَنا إِن عشت جازيت ود / داً بودّ نصفة لا تَزيدْ
وَإِذا ما مت حَق الجَفا / وَهوَ سَهل ثُم وَالبُعد عيدْ
عَن جَميع الخَلق أَخلصت لل / مصطَفى المُختار خَير الوُجودْ
إِن حَسبي مِنهُ نَيل الرضا / وَهوَ كفؤ بِالَّذي أَستَزيدْ
إِنَّني أَنزلتُ في بابه / حاجَتي وَالباب جم الوُفودْ
وَبِهِ حررت رقّي مِن ال / دهر لَما صرت ضمن العَبيدْ
فَهوَ وِردي حينَ أَظما وَإن / جار دَهري كان ركني الشَديدْ
ذاكَ مَولى ما شقيٌّ أَتى / بابه فارتدّ إِلّا سَعيدْ
رَحمة للعالمين اجتبا / ه إله العالمين المَجيدْ
فهوَ جار المرتجي وَهو جا / ه الملتجي وَالبر بالمستعيدْ
قَد كَفاني ما مَضى وَاِنقَضى / بِالَّذي كانَ الضَلال البَعيدْ
يا نَبي اللَه أَنتَ الرَجا / مِن شَقا يَبقى وَعمر يبيدْ
أَيا سائق الوَجناء في طَيّ فَدفَدِ
أَيا سائق الوَجناء في طَيّ فَدفَدِ / إِلى طيبة العليا تَروح وَتَغتَدي
لعمرُك إِن جئتَ الحجاز وَأَرضَه / وَجاوَزت أَميالاً إِلى خَير معهد
وَلاحَت لَكَ الأَعلامُ مِن طيبة الرضا / وَلاحَت لَكَ الأَقمار مِن أَوج مشهد
وَقُمت عَلى الأعتاب تَدعو تَبتُّلاً / فَبلِّغ سَلامي لِلنَبي محمد
وَقُل يا رَسول اللَه جئتك عَن فَتى / يَقول رَسول اللَه هَل أَنتَ منجدي
بأَعِتاب خَير الخَلق إِنيَ عائذُ
بأَعِتاب خَير الخَلق إِنيَ عائذُ / وَإِني لَهُ لاجٍ وَراجٍ وَلائذُ
أَردّ بِهِ رَوعاً عَن الرُوح رائِعاً / إِذا أُركزت يَوم النكال النَواجذ
أَمدّ لَهُ كَفَّ افتقارٍ وَفاقةٍ / وَإِني غَنيّ عَن سِواه وَنابذ
وَأَشكو إِلَيهِ ما جَنى الدَهر وَالهَوى / إِذا جاذبٌ مِنهُ تَولاه جابذ
وَآمل مِنهُ كُل خَير وَنعمة / يَجود بِها المعطي وَيهنأ آخذ
قَنعت بِهِ جاهاً وَذخراً وَملجأً / إِذا راقَ غَيري ذُو العُلا وَالجَهابذ
وَحَسبي بِهِ في مُبهَمِ الأَمر هادياً / إِذا ضلّ عَني العالِمون الأَساتذ
نَبيّ نَداه لَيسَ في الكَون نافداً / وَما شاءه أَمر مِن اللَه نافذ
فَيا نَفسُ قَرّي في رَحيب رحابه / فَقَد يَقصد الباب المبرّرَ شاحذ
بِهِ جَمع الرَحمن شَملَ عباده / عَلى الدين وَالأَلبابُ شَتى فَلائذ
فَلا يا رَسول اللَه جُد ليَ أَقترب / فَقَد أَخَذت مني اللَيالي الأَواخذ
عَليكَ صَلاة اللَه ما قُلت مُنشئاً / بِأَعتاب خَير الخَلق إِنيَ عائذ
بَعُدَ اللِّقا وَنأَى الصَفا عَن خاطِري
بَعُدَ اللِّقا وَنأَى الصَفا عَن خاطِري / فَوفى السُهادُ عَلى البِعاد لِناظري
وَجرت غُروبُ العَين وَجداً وَالتَظى / قَلبي لِطُول تَواصلٍ وَتهاجُر
لا الطَيف يَسمَح بِالمَزار وَلا الكَرى / يُدني وَلا دَهري يُعزّز ناصري
لِلّه ما أَلقى بِبُعدِ أَحبتي / وَبقربِ أَفكاري وَصَون سَرائري
أَجتابها وَأَجوز كُل تنوفةٍ / شَوقي نَديمي وَالخَيال مسامري
لا أَشتكي بَأسي لِغَير تَأمّلي / فَأَجولها فكراً بنظرة حائر
فَإِذا شَجى قَلبي حَنينُ حَمامة / أَو شاقَني مَرأى بَهيج ناضر
نادَيت وَا شوقي لسكان اللَوى / وَمعاهدٍ عَهدي بِها مِن حاجر
وَلّى الشَباب وَفيهمُ أَفنيتُه / وَمَضى فَخلّف ما تُكنّ سَرائِري
خانوا وَقَد خانَ الزَمان وَأَهله / وَغَدا الوَفاء رَهين حكم الغادر
لَم يَبقَ فيهِ مِن مَتاعٍ يُقتَنَى / إِلا التَوسل بِالنبي الطاهر
نُور الهِداية في البِداية وَالنِها / ية مُقتدَى الدُنيا لِيَوم الآخر
هُوَ أَشرف الأَكوان أَكرم مرسلٍ / وَمبشَّرٍ للمتقين وَزاجر
فَالعروة الوثقى لمُمتَسكٍ بِهِ / وَالغاية القُصوى بِهِ للفاخر
كَم جاءَنا بِالبينات مِن الهُدى / وَمحا الضَلالة بِاليَقين الظاهر
ذو الفَضل وَالجَدوى وَأَفضل مَن سَعى / وَدَعى وَلَبّى لِلعَزيز الغافر
أَسرى بِهِ لَيلاً فَأَعلى قَدرَه / حَتّى اِستَوى مِن فَوق عَرش القادر
أَدناه وَاستدناه جلّ جَلاله / فَرآه بِالأَبصار بَعد بَصائر
مَن مثله في المُرسلين وَما له / مِن مشبهٍ في فَضله وَمَناظر
صَلى عَليهِ اللَه خَير صَلاته / ما نَوّرت ذكراه مهجةَ ذاكر
إِذا كلبُ أَهل الكَهف نَجّاه سَيرُه
إِذا كلبُ أَهل الكَهف نَجّاه سَيرُه / عَلى إِثرهم وَقتاً وَجيزاً مِن الدَهرِ
فَهلا ينجّيني اتّباع محمدٍ / وَفيهِ مَضى ما قَد قضيت مِن العُمر
فَيا نَفس قَرّي لا تُراعي فَإِنما / رَجونا الَّذي يُرجَى وَحكم القَضا يَجري
من بارقٍ بارقٌ هاج الهَوى وَمَضى
من بارقٍ بارقٌ هاج الهَوى وَمَضى / فَأَرسل السُحْبَ مِن عَينيَّ إِذ وَمَضا
أَطار نَومي بتذكار الأَحبة مِن / وَادي الغَضا وَقَضى في مُهجَتي بغضا
لِلّه مَنزلنا حَيث الصِّبا نَضِرٌ / وَحيث عَهد الوَفا وَالحُب ما نُقِضا
أَيامَ صَفوُ شَبابي لَم يَشُبْه نَوىً / وَجَوهرُ الحُسن فِينا لَم يَكُن عَرَضا
هَل يَذكرنّ صَحابي بَينَهُم وَلهي / أَوقاتَ سَهم التَصابي بالغٌ غَرَضا
وَهَل رَعوا ودّنا الصافي وَسالفَه / أَم ضاعَ فَاتخذوا مِن بَعدنا عِوَضا
وَهَل رَضوا ما جَرى مِن جور هَجرِهمُ / وَنَحنُ لَم نَلقَ أَيام النَوى بَرَضا
لِلّه قَلبٌ وَجسم ذا بِهِمْ كَلِفٌ / شَتّى الهُمومِ وَذا أَضحى لَهُم حَرَضا
دَعهم وَإِن نَقضوا في الحُب ما عَهدوا / فَأيّ عَهد مَع الأَيام ما اِنتقَضا
لا خَير في الناس إِلّا أَنهم صور / أَو عارضٌ زائل يَوماً كَما عَرضا
فَدَع أَذاهم وَلا تَحزَن بذكرهمُ / لا تَستَجر بِسَعير مِن لَظىً رَمضا
وَلُذ بِأَعتاب خَير الخَلق تَلقَ بِهِ / عَن كُل شَيء سِوى رَب السَما عِوَضا
خَير البَرية وَالبرّ الرَؤف بِها / وَمَن إِذا ما دَجى لَيل الهُموم أَضا
مَن شيّد الدين وَالأَركانُ خاويةٌ / وَهدّم الكُفرَ إِذ بنيانُه نَهضا
هدى إِلى النُور وَالأَفكارُ مُظلمةٌ / مِن الضَلال وَبِالحَق المبين قَضى
أَحيى الحَقائق وَالأَلبابُ مَيتةٌ / وَأَوضح المنهج الناجي وَقَد غمضا
عز اليَقين لِما والاه فَارتفعت / أَعلامه وَأَذل الكُفر فانخفضا
كَم معجزات لَهُ آياتُها ظهرت / بحكمة أَعجزت إِنكارَ مِن بغضا
نُطقُ الجمادات وَالحَيْوان أَعجَبُ أَم / جُندُ المَلائك في بَدر يَغصُّ فَضا
حَسبي بِأَعتابه رُكناً أَلوذ بِهِ / فَغابة اللَيث تَحمي كُلّ مَن ربضا
يا حجةَ اللَه إِني جئت ملتجئاً / عَسى يَصحُّ فُؤاد بِالهَوى مرضا
يا رَحمة اللَه سَعْني إِنَّني رَجل / أَفرطت في بَسط فَرط الغيّ فَانقبضا
كَم أَتعبت راحَتي نَفسي بِحَمل هَوىً / حَيث اِنقَضى أَعقبت لذاتُه مَضضا
كَم بتُّ معتنقاً زورَ الخَيال وَكَم / أَصبَحت بَين عَوادي الزَهو مُعترضا
وَكَم جَهلت نُهىً لَما عَرفتُ هَوىً / وَكَم عَثرت وَفكري إِذ غَوى رَكضا
أَضنَى الفُؤاد وَأَنضى الجسم زخرفُه / حَتّى إِذا ما ضَفَى ثَوب الغُرور نَضا
ظَنَنت أَن نذيرَ المَرء شَيبتَه / وَفي الشَباب نَذيرٌ طالما محضا
وَكَيفَ يَنتظر المَرء المشيب وَكَم / رَأى الجَنين دَفينا قَبل ما نبضا
وَأَغفلتني شُؤونُ الغَير عَن طَلَبي / نَفسي فَأَخّرت مَسنوناً وَمفترضا
وَاليَوم بِاليَأس عَنهُم قادَني أَملي / إِلَيك فَاصفح عن الماضي فَذاك مَضى
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ / وَنَحت فَناحَت لي الطُيور السَواجعُ
وَأَسكرني مَسرى الصَبا عَن أَحبَتي / فَملت فَمالَت بي الغُصون اليَوانع
فَبت وَلَيلي لَيل يَأس وَوحدة / وَقَد شغلت عَني العُيون الهَواجع
أُردّدُ لِلأَعقاب رَأياً وَفكرةً / لَها بَين غارات الأَماني مَصارع
أُناجي ضَميري ذكر خل وَصاحب / وَقَد ذَهبت تَتَرى العُيون الهَوامع
فَشُكراً لِأَفكار الكِرام وَوَحدتي / لَقَد وَاصلاني وَالأَحبا قَواطع
فَللهمِّ عِندي أَيُّ أَيدٍ كَريمةٍ / أَقلّ وَفاها أنَّها لا توادع
وَيَعجب قَوم أنَّني لا أَذمها / وَتِلكَ الَّتي عَني الفَراغ تُمانع
نعم إِنَّها وَفّت وَقَد خانَ غَيرُها / فَأَمسَت لَها دُون السُرور الصَنائع
وَحَمداً لِدَمعٍ ردّ نارَ حشاشتي / وَإِن فَضحت أَهلَ الهُموم المَدامع
أَلا مَرحباً بِالهمِّ وَالوَقتُ وَقتُه / وَأَهلاً بِهِ قَد زارَ وَالغَير خاشع
وَبئساً لِأَوقات المَسرات إِنَّها / سَحابة صَيفٍ أَو بُروقٌ لَوامع
تُسيء إِذا وَلت بِتذكار أُنسها / وَإِن أَقبلت كانَت غُروراً تخادع
يَقولون لي إِن الشَدائد محنةٌ / فَقُلت وَلَكن الرَخاء مَصانع
بَلى إِنَّها تَهدي التَجارب لِلفَتى / فَتُعرَفُ أَخلاقٌ وَتصفو طَبائع
وَإِني أُوفّيها الصَحابةَ حَقَّها / وَآمل في الأَعقاب ما اللَه صانع
وَحَسبيَ ركناً في المَصاعب أَنَّني / لِأَعتاب سُلطان النبوّة راجع
فَهَل أَتّقي الدُنيا وَمَولاي قادرٌ / وَخَير البَرايا سَيد الخَلق شافع
ليقدم صَرفُ الدَهر ما شاء وَلْيُرِعْ / فَلي منهما رُكن شَديد مَدافع
أَثمت إِذاً إن لَم أُجابِهْ خَطوبَه / بِعَزمٍ يَردّ البَأس وَالبَأس خاضع
فَذاكَ حمى اللاجي العَزيز جواره / وَمَن يَرتجي مَغناه عاصٍ وَطائع
فَكَيفَ يَروع الخَطبُ مَن في أَمانِه / وَهَل تَخفض الدُنيا مِن اللَه رافع
أَما وَجلال اللَه لَيسَت تَروعني / خُطوب اللَيالي وَالصُروف الفَواجع
يَثبّتني أنَّ المهيمن مالك / وَأن الَّذي قَد شاءَ لا رَيب واقع
وَيقنعني أَني رَجَوت محمداً / نَبيَّ الهُدى وَالجار لا شَكَ مانع
أَنخت بِمَغناه رحالَ مَقاصدي / فَوطنت نَفسي وَاطمأنت مَضاجع
وَوَجهت آمالي لِمَولى يُنيلها / وَإِني بِما تَرضاه عَلياه قانع
فَلا يا رَسول اللَه إِنيَ مُقبلٌ / عَلَيكَ وَمستجدٍ نداك وَضارع
مَددتُ إِلى عَلياك كَفاً وَطالما / مَنحتَ الَّذي يَرجوك ما هوَ طامع
وَلَست أَراني آيباً أَوبَ خَيبةٍ / وَجاهك مَرجوّ وَفضلك واسع
عَلَيكَ صَلاة اللَه ما قُلت مُنشداً / أَرِقْتُ فَرَقَّتْ لي البُدورُ الطَوالع
أَيَنجو كَلب أَهل الكَهف مَعهم
أَيَنجو كَلب أَهل الكَهف مَعهم / وَيَهلك يا رَسول اللَه إِبنُكْ
عَزيز أن يَذل لَديك جارٌ / وَيضعفَ أَن يَقي الراجين رُكنُك
هَذي المَنازل يا وادي الأَراك فَما
هَذي المَنازل يا وادي الأَراك فَما / وادٍ به نَزلوا ساداتك القُدَما
عَهدي بِهم وَعوادي الدَهر غافية / عَنها بدوراً وَعَهدي بِالديار سَما
أَيامَ لا الدَهر مَرهوبٌ بواردِهِ / وَلا المباح مِن الأَوقات قَد حرما
أَيام زَهر الصبا غَضٌّ وَمائده / رطبٌ وَمنهله عَذبٌ يبلُّ ظَما
أَيام لا العُمر قَد مرّت حَلاوته / وَلا الحَياة وَجود يشبه العدما
أَيام لا الجَمع مَفروق أَحبته / وَلا العَواديَ تُبكي مِنهُ ما اِبتَسَما
أَيام لا البين ما بَين الجَميع وَلا / أَيديه قَد نَثرت لِلشَمل منتظما
فَيا أَراك أَراك اليَوم تُحزنني / وَكُنت تُفرحُ بِالترحاب من قَدِما
ما للمناهل قَد جفت هَوامرُها / ما للمنازل أَقوت لم تبن علما
دار الشَباب عَزيز أن أَراكَ عَلى / غَير الشَباب وَهَل في الأَرض ما هَرما
خَبّر عن الجيرة الغادين ما صَنعوا / بِعَهد صبٍّ رَعى عَهداً فنِي تيما
إِن العُيون الَّتي لَم يُبكها خَطرٌ / دَمعاً غَدَت بَعد ما بانوا تَجود دَما
فَاذكر لَنا عَهدك الماضي تعللنا / فَالذكر أَصبح يرضينا وَإِن عظما
اللَه أَكبر كَيفَ الدَهر غادرنا / وَكَيفَ فرّقنا صرفُ النَوى أمما
أَلم نَكُن فيكَ بِالأَمس الجموع صفت / أَيامُها أَو رَأَت مِما قَضت حلما
أَلم نَبت فيكَ ليلَ الآنسين أَلَم / نصبح صَباح الهَنا يُبدي المُنى خَدَما
أَصائلٌ وَبكورٌ كُلُّها غررٌ / لِلعَيش يا طيبَه لَو لَم يَعد أَلَما
بانوا وَبنّا فَلا وَاللَه ما سليت / تِلكَ الوُجوه وَلا أَنسى لَها ذمما
إِني أُجدد وَجدي كُلَّما قَدمت / تِلكَ العُصور وَأَزكى في الحَشا ضرما
فَالبُعد وَالقُرب أَيام مقدّرة / والفَصل وَالوَصل فيما قَد رَأى قسما
وَأَيّ جَمع مع الأَدهار ما افترقت / أَربابُه قَبلَنا أَو دام وَهوَ كَما
إِن اللقاء سَبيل للفراق فَما / غَنمتَ مِنهُ ستُعطي ضعفَه غرما
وَتِلكَ عادة هَذا الدَهر باديةً / لِمَن دراها وَلَكن قلّ من علما
فَطالَما أَنذرتنا حكمة وَلَكَم / أَبدى لِمَن قَبلَنا مِن مثلها الحكما
يا قَلب قَد خاننا الدَهر الوفي وَها / تِلكَ الغوايات أَبقى زَهوُها نَدَما
فَخلِّنا عَن هَوى الفاني الغرور فَمن / لَم يُعمل الرَأي فيهِ قلّ ما سلما
كَفى إِضاعة أَوقات الحَياة فَقم / نؤمَّ ساحة خَير الخَلق فَهوَ حِمى
يا سَيد الخَلق أَنتَ المستجار إِذا / عم المصاب وَماد الجاه فَانهدما
يا سَيد الخَلق أَنتَ المُستَعان بِهِ / إِذا دَهى الخَطبِ أَو بَأسُ العِناد هما
يا سَيد الخَلق أَنتَ العز نَطلبه / عِندَ المذلة وَالطود الَّذي عصما
يا سَيد الخَلق أَنتَ النُور نقصده / إِن أَظلم الرُشد للراجين وَانبهما
يا سَيد الخَلق أَنتَ الفَوز نأمله / إِذا سَطا البَأس وَالآمال فَانهزما
يا سَيد الخَلق أَنتَ المُستَجاب لِمَن / يَرجو نداك وَقَد ضَنَّ السَحابُ بِما
يا سَيد الخَلق إني مِنكَ في كنفٍ / اللَه حافظُ من أَدخلته كَرَما
يا سَيد الخَلق ذلَّ الخَلق كُلُّهُمُ / إِلا الَّذي حَلّ من عز الحِمى حَرَما
يا سَيد الخَلق إِني وافدٌ وَلِهٌ / أَشكو إِلَيكَ زَماناً طالَما اِجتَرَما
يا سَيد الخَلق إِني لائذٌ وَلَهُ / حَقُّ الرَجاء وَإِن أَكدى وَإِن أَثِما
يا سَيد الخَلق ما أَغنى سِواك وَلَم / أَقصد سِواك وَإِن أَسرفتها همما
يا سَيد الخَلق إِني مِن يعدُّ بها / ذل الخضوع إِلى عَلياك مغتنما
أَسرفت في مَدد أَسلفتها بِعَنا / زَيدٍ وَعَمروٍ وَكَم أَصبَحت متَّهما
نَفسي ظلمت وَأَعدائي أَطَعت وَفي / غَيي سَلَكت فَما أَجدى كَما ظلما
أَضعت عُمري وَكانَ الحفظ أَجدرَ بي / أَهملت زاد التُقى أَخرت ما لزما
أَتعبت بالي وَأَشغلت الفَراغ بِما / أَبقى الشَقاء وَلا وَاللَه ما نعما
جَهلت ما لو علمت الحَق أَرشدني / فَلم أَضَع قَبل تَقدير الخطا قَدَما
وَكَم تَرَكت الَّذي لَو بت أَطلبه / أَصبتُ نجحاً وَلكنّ الهَوى حكما
وَكَم أَصَبت هَوى كانَت إِصابته / في الحَزم أَنكى وَإِن دُلِّهْتُ بَينَهما
أَشكو إِلَيك هَوى نَفسي وَجهلتها / وَجور دَهر عَلى غَير الهَوى نَقما
أَشكو إِلَيك رَسول اللَه معترفاً / بِما مَضى آملا بِالخَير مختتما
أَرجوك يا رَحمة الرَحمَن مرحمةً / فَكُن ظَهيري عَلى نَفس أَبَت حكما
فَأَنتَ مظهر أَسرار الرَحيم وَمِش / كاةُ الهُدى نِعْمَ مَن يهدي وَمَن رحما
أَنتَ الَّذي أَحيت الأَلبابَ حكمتُه / وَأَبصر النُورَ مِنهُ كُلُّ ذات عَما
أَنتَ الَّذي سادَت الدُنيا بِطلعته / وَمنهج البدء وَالعُقبى بِهِ علما
أَنتَ الَّذي مَن رَجاه جاره أَبَداً / رَب السَماء وَمَن نال الجوار سَما
وَقَد جَعلت يَقيني صنوه أَملي / فَلَست أَرجع عَن ورد الرضا بظما