المجموع : 152
تبسم كالبرق لما ائتلق
تبسم كالبرق لما ائتلق / رشاً خاتل القلب حتى اعتلق
ولاح لنا مرسلاً شعره / فكان الضياء وكان الغسق
كأن سنا نوره صارم / أصيب الصباح به فانفلق
فما حاك من شعره مطرفاً / من الليل إلا وفيه انخرق
بدا والثريا بأفق السماح / كعنقود فاكهة في طبق
فاخجل بدر السما وجهه / فذا الطل راشح ذاك العرق
وحن سهيل إلى وجنتيه / فها هو في الأفق رهن القلق
يجور النطاق على خصره / فها هو منذعر المتنطق
بخديه روض زها زهره / لما قد سقته القلوب العلق
أقام به خاله حارسا / يذود عن الزهر سرح الحدق
فصنه بهذين هب أنه / صلى نار خديك حتى احترق
فقد ماج ماء الصبا فيهما / ألم تخش أن يعتريه الغرق
رشا خمر السكر من صدغه / هما علماني عطف النسق
فبت ومن ريقه خمرتي / ولم أحتس كاس ساقٍ دهق
إذ الزق طير أفراخه / كؤوساً بكف الندامى تزق
ولم أسأم الراح لكنني / تركت الرقيق بأخذ الأرق
سقى بقعة الكرخ من ملعب / ملث القطار مديم الغدق
سكوب يحاكي بتسكابه / غروب السواقي إذا ما اندفق
فلي عندها لا درت عذلي / فتاة تضيء ضياء الفلق
على أنها لم تنلني سوى / شهي المقبل والمعتنق
وكنا رضيعي لبان الهوى / لنا كل ما راق منه ورق
ومذ جاء حق الحجى بالمشيب / وكان الصبا باطلاً قد زهق
لوت حدها والهوى عاكف / وذلك باق بقاء الرمق
ومذ فلق الشيب قد حف بي / تلت قل أعوذ برب الفلق
وتجفو إذا أدكرت من أبي / حروب قريضة والمصطلق
وتطلب عندي قديم الذحول / فتدرك بي وتر من قد سبق
ألا قاتل اللَه ورد الخدود / فكيف استرق وكيف استرق
رمتني ولم أتخذ جوشنا / وهل حدق تتقي بالحلق
فقد أجتني الورد من وجنة / تكاد إذا قبلت تمتحق
وقد أرد الماء محمرة / مذانبه سيط فيها العلق
واملك بالعنف حافاته / إذا لم يرد منهلاً من رفق
وقد أركب العيس زيافة / تشق القفاز وتطوي الشقق
فإن المطايا عشقن السرى / فهن يعانقنه العنق
كم اعتسفت بي ديمومة / إذا اصطبحت لم تجد مغتبق
سباسب لم تند غدرانها / وأشجارها حت عنها الورق
تخال النجوم حباب المياه / فترنو إليها سواهي الحدق
ولو وجدت مصعداً لارتوت / على بعدها من دماء الشفق
إذا نزلت منزلاً قوضت / ومنها به سمة تمتشق
تنوش القشاعم من جلدها / بقية ما بالهجير احترق
لقد أكلت لحمها الهاجرات / فللنسر من عظمها ما اعترق
فقل للمطايا إلا أنما / يطيب الكرى بعد مر الأرق
إلى كاظم الغيظ وجهتها / ليصفو لها الوردُ بعد الرنق
فتى لم يزل ربعه للملا / محط الرحال ومأوى الفرق
يسوق الركاب شذى ذكره / ولولا شذى ذكره لم تسق
عظيم الجدود كريم الجدود / أمام الفريق أمان الفرق
منيع الجوار منيع الذمار / رفيق النجار رفيع الرتق
يطيش ابن قيس لدى حلمه / ويحصر قس إذا ما نطق
فللروض من بشره زهره / وللغيث من جوده مندفق
وللورد من خلقه نفحة / وفي أذفر المسك منها عبق
وللريح من خيله مركض / وللبرق من سيفه مؤتلق
يؤم الوغى طاميا جيشه / إذا ما اللواء عليه خفق
أرى الفضل في الخلق لكن به / تجمع ما في سواه افترق
وحاز المعالي جيمعاً فقل / له كل ما راق منها ورق
هزبر سعى في مراقي العلى / إذا الناس ثاغية في زلق
ومرت على الشح أيديهم / بأفئدة نضجت من حنق
زكام الورى سد آنافهم / فما للمعالي بها من عبق
ترى كل ذي لهجة شأنه / يزخرف من إفكه ما اختلق
وقد كان سوم العلى غاليا / فأرخصه أخذهم بالحمق
ويصبح لوسيم في درهم / ولو أمطروا عسجداً ما نفق
وإن أبصروا المال أبصرتهم / وقد ركبوا طبقاً عن طبق
وقد علموا أن أرزاقهم / يقسمها بينهم من رزق
ورب فتى رزقه عاكف / عليه أطل وفيه التصق
فقل لمجاريه قف واتئد / فحوز الرهان إلى من سبق
وكم أوفت البزل في حلبة / وما أدركت شأوهن الحقق
بشرى العراق بمن وافاه بشرانا
بشرى العراق بمن وافاه بشرانا / بطلعة عاد فيها المجد جذلانا
إذ شع نور شعاع في مطالعه / وطبق الأرض إنجاداً وغيطانا
سرت بمقدمك الأيام فابتدرت / تزجي بشائرها مثنى ووحدانا
قد كنت كالغيث لا ترفض عن بلد / إلا وطبقتها سهلاً وأحزانا
قد أذنب الدهر ذنباً جاء معتذراً / منه إليك يرجى منك غفرانا
اليوم أصبح وجه الدهر مبتسما / وعاد طلق المحيا مثلما كانا
فالبدر قد تم بدراً في تنقله / ولو أقام ببرج زاد نقصانا
منح الصبابة أضلعاً وفؤادا
منح الصبابة أضلعاً وفؤادا / وعصته سلوة مقصر فتمادى
وطغى عليه الحب وهو أميره / فأطاع جامح قلبه وانقادا
ولهان يفرح إن دنا أهل الحمى / منه ويحزن أن نأوه بعادا
بعثوا الخيال وما رقدت فيلتهم / بعثوا إلي مع الخيال رقادا
أحيي الدجى أرقاً كأن نواظري / خلقت محاجرها قذى وسهادا
قلق الوساد كأن من أهواه قد / أهدى وشاحيه إلي وسادا
قدف العيون الورد من وجناته / غرس المضاجع للمحب قتادا
يا غارساً بالجزع روضة حسنه / ومخيف رائدها ظبى وصعادا
كنيت عنك بمن سواك موريا / بهوى سعاد وما هويت سعادا
أعرضت عني وادعيت مودتي / أرأيت إعراضاً يكون ودادا
إن لم تساعف بالوصال فربما / عودت قلبي للجفا فاعتادا
ولقد أزورك بالمنى وخداعها / وأجوب في فكري إليك وهادا
أترك فؤادي جمرة لا تطفه / فالنار إن خمدت تعود رمادا
إني تعبدني الهوى لمغنجٍ / دان الجمال لعزه وانقادا
كبر الوقور إذ مشى يعتاده / حتى إذا غلب الدلال تهادى
فكأن في برديه ملكاً ظافراً / جذلان أبدى زهوه وأعادا
قاسٍ رقيق نال من زهر الربى / خدا ومن زبر الحديد فؤادا
فإذا هزرت هزت منه أراكة / وإذا سألت سألت منه جمادا
لا يستجيب ولا ينيب ولا يثيب / ولا يقيل ولا ينيل مرادا
ينأى فلا يعد الدنو فإن دنا / يوماً نوى لك فرقة بعادا
وتريبه عيني تخالس لحظه / وضنىً طلى جسدي عليه جسادا
إني لأستر خفتي بخلاعة / وأريد فيما أتنحيه مرادا
والضد قد يبدو بمظهر ضده / أو ما ترى نور العيون سودا
بذمام ذياك الغزال حشاشة / أسرت ولم يقبل فدى فتادى
أخذ الحشاشة ثم ضن بردها / وأبى البخيل بأن يكون جوادا
للَه يوم وداعه من عصبة / وقفت وقد سرت الجمال وخادا
وقفت بهم أقدامهم أن يقتفوا / أثر النياق فأركضوا الأكبادا
فوق الركائب أنجم لا تجتلي / وريضا حسن تمنع الروادا
عرب معاطف غيدهم ورماحهم / سيان كل ينثني ميادا
سلو لواحظهم فكن صوارماً / وغدت ذوائبهم لهن نجادا
فتخال كلاً في المحاسن يوسفا / وتخال من مصر له بغدادا
يا ربع لذاتي ومربع جيرتي / روى معاهدك الغمام وجادا
لا أبتغي للوصل فيك نهاية / أبداً ولا للعيش فيك نفادا
لا والَّذي سمك السموات العلى / وأقامهن وما أقام عمادا
ودحا البسيط صحارياً وصحاصحا / وسباسباً وفدافداً ووهادا
لا أرتضي غير الأكارم معشراً / يوماً ولا غير العراق بلادا
كلا ولا أنشي لغير المصطفى / وأخيه قافية تروق نشادا
الباذلين لكل ثاوٍ بلغة / والمتبعين لكل ركب زادا
والسابقين بكل حلبة مفخر / والحائزين من العلى الآمادا
سلكاً من العلياء نهج أبيهما / إن الشبول لتقتفي الآسادا
علمي هدىً قمري دجى مطري جدى / إن أرشدا أو أشرقا أو جادا
وتجاريا فتباريا وتساويا / في كل ما قد أبديا وأعادا
الكل يأبى ما أباه شقيقه / خلق الكرام ووما أراد أرادا
كالناظرين على الزمان تراهما / يتشاركان معاً كرى وسهادا
لم تغتمض عين إذا ما أختها / أرقت ولا هي تستطيع رقادا
فهما يد العلياء ساعة بطشها / أو ناظراها المبصران رشادا
من معشر ضربوا رواق بيوتهم / فوق السماك وغادروه مهادا
وإذا الفخار غدا هنالك حلبة / ركبوا مساعيهم فكن جيادا
ومن العزائم ينتضون صوارما / ومن الحفائظ يشرعون صعادا
مادت لبشرهم البسيطة بهجة / فرست حلومهم بها أطوادا
أأبا الغني وتلك أسمى كنية / تدعى بها بين الورى وتنادي
شكرت مساعيك البلاد وأهلها / وإليك قد القى الزمان قيادا
طأ فوق هام الفرقدين بأخمص / واسحب لى فرقيهما الأبرادا
إن أعرقت عيس إليك أرحتها / وكفيتها الأتهام والإنجادا
وإلى أبي الهادي انتهت جمل الثنا / وأحاط فيها طرفاً وتلادا
المخصم البلغاء والمعييهم / حججاً تسل على الخصوم حدادا
يتهلل النادي ببهجة بشره / كالروض راوحه الغمام وغادى
يبدو بمنبلج الجبين تخاله / شمس الضحى والكوكب الوقادا
تسمو لطلعته العيون تشوقا / لترود أحسن منظر مرتادا
يتباشرون إذا رأوه كأنه / برق وراء المحل زف عهادا
شرف القائل في مواقف فخرها / إذ طوقت بهباته الأجيادا
أخوي إن ضاقت بوصف علاكما / سعة القريض وما بلغت مرادا
فلي القوافي الشاردات كأنها / سمط الجمان يقلد الأجيادا
من كل معربة المتون تناسقت / مثنى فرائد درها وفرادى
لولاكما ما كنت أنظم عقدها / يوماً ولا أعطيتها الإنشادا
أخوي فلتشرق شموس علاكما / بسنا المكارم تصحب الآبادا
خطرت فجد وشاحها بخفوق
خطرت فجد وشاحها بخفوق / فكأنها اتشحت بقلب مشوق
وعلى الدلال تماسكت فتلاعبت / كف النسيم بقدها الممشوق
سمة الوقور إذا مشت تعتادها / لولا الصبا وتدلل المعشوق
شربت بوجنتها دمي واستخدمت / لخضاب أنملها دم الراووق
ترتج من أردافها في جدول / متعلق من خصرها بدقيق
وتعلم الناقوس نغمة جرسها / فأهل للقسيس والبطريق
يا أسم جادكم الغمام إذا سرى / متجللاً برواعد وبروق
جونٌ إذا احتلج المهب ضروعه / هدرت رواعده هدير فنيق
إني وثقت بحبكم فتكاثرت / علل تقلله فقل وثوقي
كان الشباب الغض موسم لذتي / وراج سوق عكاظه في سوقي
فطوى المشيب سجله طي الدجى / حشدت عليه الشمس جيش شروق
ويلي على عصر الشباب وغادة / بخلت علي بزورة وطروق
بيضاء ألبسها النعيم بهاءه / تصبي الحليم لحسنها الموموق
قمن الولائد إذ تهب من الكرى / من حول واضحة كنار فريق
قربن قضبان الأراك فخللت / برداً تقيده لثات عقيق
وغدا يموج بها رضاب مفلج / خصر كصوب المزنة المدفوق
وظفرن جثلان من أثيث عثا كل / نضدن فوق المتن نضد عذوق
وتنفست أرج اللطيمة عن شذا / مسك بمجمر خدها مسحوق
الحسن حوزتها وأما غيرها / بالمستعار حظى وبالمسروق
والحب من دون البرية كلها / ديني الذي وشجت عليه عروقي
والفضل للمولى أبي الفضل الذي / أرسى مضاربه على العيوق
المنطق الخرس اليراعة بالذي / أوحى لها والمخرس المنطيق
الممتطي للمجد أرفع غارب / والمقتدي من عهده بوثيق
ريح الصبا انطبعت برقة طبعه / وتضمخت من خلقه بخلوق
فشذاه أطيب من شذاه لناشق / أحبب بذياك الشذى المنشوق
لي من مكارمه أبر أبوه / برت ولو قابلتها بعقوق
أمسددي للقصد إما رافعاً / علماً وأما مرشدي لطريق
لي عندكم أبداً حشاشة عالق / وحنينها أبداً حنين علوق
من ذاق من سلسال ريقك جرعة / لم يلو عنك لآسن مطروق
جاد السحاب ولو كجودك لم يكن / لحيا يؤججه الأسى ببروق
وجه كمنبلج الصباح وراحة / تزري بصوب المزنة المدفوق
أصبحت سابق أول في غاية / عفواً ومعي آخرٍ بلحوق
حاولت كنه علاك أعمل فكرة / فرمقت شأواً ليس بالمرموق
وجدت أدناه نهاية خاطري / فقعدت عجزاً عن قضاء حقوقي
فإليكها مثل الخميلة أزهرت / أو لا فمثل اللؤلؤ المسنوق
غراء معربة المتون حدا بها / لحماك حاديها حداء النوق
هي فوق مجهودي ودون علا الذي / قصدت وخير القول قول صدوق
طلعت ألوكته عليك بأسعد
طلعت ألوكته عليك بأسعد / وأتتك تحسبها سبيبكه عسجد
وكأن أحرفها على وجناتها / آسٍ العذار يشق خدي أمرد
ولقد أتت والكتب بيض قبلها / ورديةً تجلو خدود مورد
وتبسمت تفتر عن كلماتها / كالخود تبسم عن خمار أسود
كاللؤلؤ المنثور وشي حروفها / لو لم تكن صبغت بماء زبرجد
بالشمأل الشمل استقل نسيمها / وأريجها قد ضاع بالند الندي
حتى كأنك قد كتبت سطورها / دون اليراع بمندل متوقد
فلثمتها في ناظري لا في فمي / وحملتها في صبوتي لا في يدي
وطفقت مطرفي تمايلاً / فكأنني خامرت نشوة صرخد
فكأن معناها سلافة قرقف / وكأنما يسقي السلافة منشدي
أمشرفاً قدري برائق لفظه / ومطوق جيدي به ومقلدي
قل كيف تختلس المداد مقدراً / كفٌ قد انبجست ببحر مزبد
وتشكل الكلمات في رشحاتها / وهي السحابة تستهل لمجتدي
يا ساكني الزوراء حسبكم النوى / فلقد وهى جلدي لكم وتجلدي
أمرضتموني بالبعاد وإنما / أقصى شفائي أن أراكم عودي
ألقيت إقليدي إليكم طائعاً / ولكم تقاعس عن سواكم مقودي
كثرت على النائحات صوارخا / إن لم أكثر في هواكم حسدي
موهت عنك بحاجر وبلعلع / ولأنت من تلك العبارة مقصدي
فليح بالزوراء عيشك سائغا / إني أغص بكل عيش أرغد
ولهن أعينك الرقاد فإن لي / عيناً إذا رقد الملا لم ترقد
إن أسلمتك يد الغرام فإنني / ملقى بقبضتها أورح وأغتدي
أو تنس لي العهد القديم فإنما / نسيان عهدي حين أقوى معهدي
فلو أن لي للكرخ أوبة راجع / لتخذت مغناه مقدس مشهدي
دموعي وهي حمرٌ مرسلات
دموعي وهي حمرٌ مرسلات / وشت بي عند أهلك لا الوشاة
أتنكر يا أخا القمرين لثمي / وفي خديك من شفتي سمات
فسل عطفيك كم طعنا فؤادي / إذا علمت بموقعها القناة
أتحكي السمر قدك باعتدال / وما ثقفت وهن مثقفات
وسل كبدي ففي كبدي سهام / بأهداب الجفون مريشات
فلو نزعت لحاظك عن قسي / لما حملت سواهن الرماة
لقد وقعت على كبدي كأني / لأحداق المها عندي ترات
فصلني إن وصلت أخا غرام / فشملي كاد يصدعه الشتات
وإن نظر الزمان إلي شزراً / وكادت أن تفارقني الحياة
فقد أحيا بوصلك لي وتحيا / بجود محمد الحسن العفاة
فعنعن في مدائحه حديثاً / فذاك أصح ما نقل الرواة
قد اختلفت طباع الناس نوعاً / كما اختلفت بألسنها اللغات
فكان أجلها شأناً همام / تغنت في مدائحه الحداة
فتى قد أعوزت كفاه شبها / وإن زعمته دجلة والفرات
هما قد شرقا سيراً فخصا / مسيلاً لم تسل منه الفلاة
وقد عمت بداه الكون جوداً / قد امتلأت به الست الجهات
طما نهر المجرة من نداه / فأنجمه أقاحٍ نابتات
هلا خبر الحمى لمن استهلا
هلا خبر الحمى لمن استهلا / فهلهل بالبراعة مستهلا
أعد ذكر الحمى ليعود أنسي / وكرره علي فلن يملا
وشبب في أهيل منى قصيدي / معرضة بسكان المصلى
وصرح لي بعذرك لي حنوا / فقد أضجرتني فندا وعذلا
فلي بين القباب فتاة خدر / يمد لها القنا الخطي ظلا
تريك تقاليا وتسر حبا / فتحسن منظراً وتسوء فعلا
إذا وصلت فقد وعدتك هجرا / وإن هجرت فما وعدتك وصلا
صبا لك يا ابنة البكري قلبي / فمهلاً لا عدمت هواك مهلا
جعلت لك القضا أمراً ونهيا / فما شئت أحكمي جوراً وعدلا
وقلت فتاك مقتول فقالت / إذا ما الحب أفراط كان قتلا
بروحي من بروحي أفتديها / وقل لها الفدى مالا وأهلا
إذا عانقتها عانقت خوداً / منعمة رشوف الثغر كحلا
كأن الأقحوانة قبلتها / بمبسمها فأبقت فيه شكلا
وإن سفرت فقد أبدت شقيقا / أجادته يد النعمان صقلا
تريك الصبح غرتها انبلاجا / إذا ما الليل طرتها أطلا
إذا خطرت وإن نظرت نظرنا / لها ولجفنها رمحاً ونصلا
كأن ببردها نقوي كثيب / يهزان القوام إذا استقلا
وإن نزعت حواجبها قسيا / رمتك فواتر الألحاظ نبلا
تصوغ التبر منطقة وطوقا / وأقراطاً وأسورة وحجلا
فجاءت كالأراكة أثقلتها / ثمار الحلي فهي تنوء ثقلا
حبسنا دونها الألحاظ خوفا / على تلك المحاسن إن تسلا
أرق من الحميا في يديها / وأطيب من مذاقتها وأحلى
بحيث الزهر ترضعه الغوادي / بحجر خميلة حضنته طفلا
وقامت فيه ما شطة النعامى / تسرح من جعود آلاس جثلا
وثغر الأقحوان افتر حسنا / لأعين نرجس ينظرن نجلا
وأعطاف الأراك مرنحات / كأعطاف الحسان تميل دلا
فكم خاتلت ثم وخاتلتني / جآذر ما ظفرت بهن ختلا
فيا شهب الثريا سامريني / فلو كان السمير سواك ملا
كأن الصبح سيف في جفير / تقلده الجبان فلن يسلا
ولو أني تصدقني الأماني / لكنت اليوم أجمع منك شملا
مضى زمن الوصال وكان وافي / كظل غمامة ثم اضمحلا
فقرب صاح عنسك واعتقدها / مخبسة تعد الحزن سهلا
متوقة علنداتا أمونا / جسوراً ذعلبا ختماء بزلا
تمثل لي بأوب من يديها / يدي نصفٍ تجيد اللطم ثكلى
ولي بك حاجة فقف أتنظرني / كلوث البرد عمرك أو أقلا
تحملها رسالة مستهام / يكلف من نسيم الريح رسلا
على الحسن الزكي سلام صب / مقيم ما أقام وما استقلا
محضت لك المودة يا ابن ودي / وقد أشهدت قلباً منك عدلا
ألست مطيل أبنية المعالي / وخير قبيلها فرعا وأصلا
لك الفرس المسوم حيث يسمو / رعيل الخيل والسيف المحلى
فحزت رهانها في كل مجرى / وفزت هناك بالقدح المعلى
يحيي الوافدين نداك غيثا / فيحيي ممحلاً ويميت محلا
طلعت عليهم طلق المحيا / كأنك منهم أوتيت سؤلا
ولم تمنن وإن أعطيت جماً / وقد أوسعتهم بشراً وبذلا
كأنك إذ تجيز الوفد تقضي / ديوناً أسلفوك بهن قبلا
أخو ورعٍ أو يسي وفهم / أياسي وحد لن يفلا
وخلق كالأزاهر باكرتها / يد الأنواء فهي ترش طلا
وقد نطقت شواهد بيناتٍ / بأنك عيلم العلماء فضلا
لك القلم المترجم عن علوم / يهتك سترها نقلاً وعقلا
إذا مشيته في الطرس رضيعا / فإن فطم استكن وعاد حملا
إذا اعتنق الأنامل أولدته / على مهد من القرطاس نسلا
تراه لدق قامته كصبٍ / أضر به المقام فما أبلا
بقيت فهاكها غراء يحلو / بمدحك جيدها ويروق شكلا
قصيد زفها لعلاك فكري / فها هي كالعروس لديك تجلى
وإن ينل القبول فخير مهر / به أصدقتها كرما وفضلا
يا ريم حسبك مهجتي مرعى
يا ريم حسبك مهجتي مرعى / لا شيح كاظمة ولا الجرعا
وكفاك عن وردٍ تلم به / عين تفيض غروبها دمعا
فارحم جوانح قد حللت بها / دون الحمى وسكنتها ربعا
ترمي لحاظك والسهام رميت به / فأصاب لا غرباً ولا نبعا
كانت حواجبك القسي له / وبغمزهنة نزعته نزعا
ريشته بالهدب مرتميا / فتركت آساد الشرى صرعى
يرعاك من لم ترع ذمته / ولكم رعيت لغير من يرعى
كم ليلة أرسلت غيهبها / لك بردة فنشرته فرعا
فإذا طلعت طلعت شمس ضحى / وإذا انثنيت فبانة الجرعا
فبأضلعي وبما تضم رشا / كابدت في كبدي له صدعا
أرخى الجعود لردفه فغدت / فوق الكثيب أراقما تسعى
وبعقربي صدغيه وجنته / شاكت مقبل وردها لسعا
من لي بأغيد راح محترب / بالعقرب الحجناء والأفعى
أحمامة الوادي عداك جوى / لو حل فرعك أحرق الفرعا
إني اتخذتك لي منامة / ولقد شربت فغردي سجعا
يا ربع أين الساكنون فقد / أضحت خدودك بعدهم سفعا
فلقد بكيت لبينهم بدم / حتى صبغت ملابسي ردعا
لو صح للمشتاق مرتجع / لربوعهم لرأي بها الرجعى
وأقام خمساً من فرائضه / ولطاف حول حماهم سبعا
إن يقطعوا فهواي متصل / لم يلف منصرماً ولا قطعا
إن أهوهم فتطبع وأرى / لمحمد الحسن الهوى طبعا
قرم كأن السيف في يده / برق أضاء بمزنة لمعا
وعلى المجرة قد جرت خببا / أفراسه فأثرنها نقعا
لو سابقته الشمس ما لحقت / ولأدركت بسباقه الضلعا
ومتوج بالفخر ترمقه / شمس النهار إذا الضحى شعا
يخشاه حتى السيف في يده / فيكاد يقطع حده قطعا
يا من أبحت له الفؤاد هوى / وحجبته عن غيره منعا
وإذا نظرت وجدته بصرا / وإذا وعيت وجدته سمعا
ما راجحتك الراسيات حجى / يا من يخف على الصبا طبعا
قسماً بشعث قد حدا بهم / حادي الحجيج ويمموا جمعا
بمجو شنات قد قطعن بهم / شقق الفلا جزعا يلي جزعا
ومعطفات كالقسي سرت / رمي السهام تفلتت نزعا
حتى أجزن بذي الأراك ضحى / وعلى المطاف حبسن والمسعى
لقد انقلبت لبينكم بجوى / وضنى اضيق بوصفه ذرعا
إني اتخذت هواكم حسباً / أعزى إليه وحبكم شرعا
حسبي من الدنيا هواك وما / نولت إن ضراً وإن نفعا
وإليك ما وشت إليك يدي / ما ليس تصنع مثله صنعا
بأنامل لم تقض حقكم / ولو أنني أعلقتها شمعا
بلوى الرقمتين من أم أوفي
بلوى الرقمتين من أم أوفي / طلل بان أهله فتعفى
غيرته الأعصار يوماً وليلا / وشمالاً يعصفن بالربع عصفا
ومحاه مسرى الرياح حنوبا / واهطال السماء سحا ووكفا
وثلاث لم يبلها صوب قطر / لا ولا كابدت من البين صرفا
قربت بينها ولائد بكرٌ / وارتضتها مواقد الحي إلفا
بين تؤيين خلت ظمياء ألقت / من حلي لها سواراً ووقفا
قال لي صاحبي وقد أخضل الدم / ع ردائي ومزنة الشوق وطفا
طارحا بالطلول عبء دموع / أثقلت ناظري عسى أن يخفا
أو تبكيك باللوى عرصات / دارسات الطلول من أم أوفى
صاح دعني في أربع نعمتني / بلعوب لطفيفة الخصر هيفا
كان عهدي بها قريبة عهد / لم ترعني في موعد الوصل خلفا
تتمشى مدلة بين بيتي / جارتيها ممكورة تتكفا
بقضيب يهزه اللين قدا / وكثيب يرجه الثقل ردفا
هي روض الجمال يرتادها الطر / ف اختلاساً وتمنع الكف قطفا
مبسماً واضحاً ووجهاً أغرا / وحشا مخطفاً وزنداً ألفا
وثنايا كأنهن لئالٍ / نسقتها نساقة الغيد رصفا
هي أحلى من الرحيق إذا ما / خلطوها بالزنجبيل المصفى
وجفوناً أودى بها السقم حتى / كدن يحكينني سقاماً وضعفا
فتنت نرجس البطاح إذا ما / نبهته الصبا وقد كان أغفى
ريشت نبلها وريشت نبلي / فمضى لحظها وأرعشت كفا
وارتمينا فكنت أكذب مرمى / وانثنينا فكنت أصدق حتفا
هز منها الصبا قضيبي أراك / للتصابي ولفنا الشوق لفا
إن تعشقتها هوى لعمري / أنا ممن إذا تعشق عفا
أدعي حبها لينصل مني / رب مبدٍ أبدى هواه ليخفى
أهلها قربوا الجمال وخطوا / حجبها للنوى حجلاً وسجفا
فتبدت من القطيفة شمساً / واستقلت على الرحالة خشفا
فبعيني ظعائناً جزن بالرم / ل وراء الهضاب يحدون عنفا
أيها الراكب التي أنتجوها / من ظليم أصاب وجناء حرفا
فهي خلق ما بين ذاك وهذا / أعلمت للسرى جناحاً وخفا
عج إذا جزت أرض بدرة واقصد / شعب جصان جادها الغيث وكفا
واخلع النعل في مقدس واد / لو أتاه المشوق يوماً تحفى
واقرأن السلام عني خليلا / قد قرأنا هواه حرفاً فحرنا
علوياً حاز المعالي لا بل / زانها مبسماً وجيداً وطرفا
يا أبا الفضل كنية قد أبانت / لك فضلاً فأصبحت لك وصفا
وعميد الوغى إذا هيج يوماً / وحليف الإبا إذا سيم خسفا
رف شوقاً إلى لقاك فؤادي / عمرك اللَه هل فؤادك رفا
لم يزل بي إلى لقائك لوح / ولو أني أفنيت دجلة رشفا
إن تسلني كيف استمرت حياتي / فبطي الكتاب جاءتك لفا
أم تراك الغداة تذكر عهداً / قد تقضى ومعهداً قد تعفى
أزعجتنا النوى وكنا جيمعا / بربي الكرخ في نعيم وزلفى
في مشيد من القصور منيف / أوطأته حمراء دجلة كتفا
فسما تحسب البسيطة رامت / إن تشم السما فمدته أنفا
شامخ الركن والأزاهير تزهو / جهتي أرضه أماما وخلفا
تحت وردية إذا ضربها / رفعت تشتكي إلى اللَه طرفا
هي في طرحها سدى وإذا ما / ضربت جللت على الجو سقفا
ضربوها وهل تحد فتاة / ما رمى عرضها الكواشح قذفا
زانها الفرس بالتصاوير حتى / مثلت إلى الظباء صنفا فصنفا
ورواها البديع نوعين منه / دون كل الفنون نشراً ولفا
فانتظمنا عقداًوواسطة العق / د أغر قد راق طبعاً وشفا
ذاك من علم الهيام فؤادي / وسقاني مدامة الحب صرفا
ذاك معنى الثنا بكل لسان / ملأ الدهر من مزاياه صحفا
ذاك خلي محمد الحسن الأخ / لاق والخلق أحسن الخلق وصفا
لم نفه باسمه المطيب إلا / وفضحنا أرواح دارين عرفا
فعليك السلام منه ومني / ما تغنى الحمام يشتاق إلفا
إذا بابن موسى جاء من نحو أرضكم
إذا بابن موسى جاء من نحو أرضكم / بما لو أتى عيسى به لتجملا
رسالة شوقٍ مذ فضضت ختامها / وجدت بها للدر عقداً مفصلا
فقبلت منها أحرفاً وحسبتني / أقبل من كفيك في الطرس أنملا
وشاهدت معناكم بها ولربما / بدا المرء في آياته متمثلا
فقلت أراني لست أهلاً لمثلها / فقال جواد قد حنا وتفضلا
وإني لم أبعث إليه رسالة / سوى الريح إن هبت جنوباً وشمالا
عليك سلام اللَه ما غردت ورق
عليك سلام اللَه ما غردت ورق / وما انهل وسمي وما أومض البرق
وما نظرت في الروض مقلة نرجس / جرى من ضروع المزن مدمعها الودق
وما حن مشتاق إلى من يشوقه / وما دام للقلب العلوق بكم خفق
وما غربت شمس النهار وأشرقت / وما دام من أوطانها الغرب والشرق
أحبك حباً لست أدري خواطر / من الخبل تعروني لذكرك أم عشق
فاخرس عن نطقي وتجري محاجري / بسري وكاد القلب إذ ذاك ينشق
فرب لسان كالعيون له بكا / ورب عيون كاللسان لها نطق
لمحياك اجتليت القمرا
لمحياك اجتليت القمرا / وبذكراك عقدت السمرا
وعلى حبك أطوي أضلعا / لو جرى الماء بها لاستعرا
ينقضي العمر وما أقضي بكم / وطرا حتى قضيت العمرا
ما لدمعي في تعاطي ذكركم / لارتياح ما جرى إلا جرى
وكأن العين تدمي بعدكم / فجرى دمعي عقيقاً أحمرا
ما رأت في البعد مرأى حسنا / ليت شعري لم أجيل النظرا
لا ترى بغض الكرى لكنها / حلفت بعدكم أن تسهرا
اسأل الركب احتفالاً بكم / وصبا الريح فتروي خبرا
وبآداب استماعي ذكركم / كنتم سمعي فكونوا البصرا
وإذا حدثت في سوانكم / ربما كان حديثاً مفترى
سلامٌ غدا وسلامٌ يروح
سلامٌ غدا وسلامٌ يروح / عليك وإن نال مني النزوح
بعثت الريح واليعملات / ومؤتلق البرق ما إن يلوح
فبرق يشب وعيس تخب / وريح تهب وطيب يفوح
وشوقي إليك بقلبي غدا / كروح لجسم وجسم لروح
فهاك متون الهوى جملة / أبت أن تفصلهن الشروح
سلامٌ يفوق الزهر ما افتر زهره
سلامٌ يفوق الزهر ما افتر زهره / ويزري بنشر المسك ما ضاع نشره
وما هو ذاك اللؤلؤ الرطب خلته / أنيط بأعناق الصحائف نثره
ولكن ثم القلب خضخضة الهوى / إلى أن طفا فوق الألوكة دره
كم يجتديني الغيث غيث الأدمع
كم يجتديني الغيث غيث الأدمع / وتشب نار البين بين الأضلع
وأبيت لا يحظى المنام بناظري / إلا كما يحظى الملام بمسمعي
كيف المنام ودون من أنا صبه / خرط القتاد وشوقه في مضجعي
وأعود يوحشني الأنيس كأنني / وحدي وإن مارست حاشد مجمعي
يا نازحاً بعدك شرعة منسوخة / والوجد بعدك شرعة المتشرع
لو كنت بعد البين شاهد موقفي / موسى لما شاهدت إلا مصرعي
باللَه يا ريح الصبا تحملي
باللَه يا ريح الصبا تحملي / تحية لم ترض غير الشمأل
تطيب في نشر الهوى ترغب عن / نشر الخزامى وشذا القرنفل
وسوف يعلو حظها إن قبلت / كفاً بها يحظى فم المقبل
كفاً يغاث الناس من غيومها / بصيبات لقبت بالأنمل
عودت البسط فلم تقبض على / غير عنان فرس أو فيصل
إليك أبا الهادي تحية شيق
إليك أبا الهادي تحية شيق / تضمخ فيها شمأل وشمول
فآية تليمي إذا ضاع عنبر / شذاه وما هبت صبا وقبول
فكل أريج ضاع فهو تحية / وكل نسيم هب فهو رسول
أهدي إليك مع النسيم تحية
أهدي إليك مع النسيم تحية / تدع النسيم من التلهب بارقا
فاصحر لها ما تهب مجيزة / بربى ديارك شائماً أو ناشقا
فلكم جلسنا مجلساً
فلكم جلسنا مجلساً / فيه الأنيس جميل ذكرك
هذا بمدحك آخذٌ / ويروح ذا بمزيد شكرك
من نازح يحدو العراق ظعونه
من نازح يحدو العراق ظعونه / قلب سرى لما أهاج شجونه
ومودع للركب ود بأنه / لو قد أسال مع الدموع عيونه
لم تقطع الأظعان ميلاً في السرى / إلا وكحل بالسهاد جفونه
قطعت بهم سهل الغميم وحزنه / فسقى الغميم سهوله وحزونه
من كل أوطف ما تغنى رعده / إلا وأرخص بالدموع شؤونه
فترى الدموع تخالها بحراً طمى / وترى الحمول تخالهن سفينه
وذكرت في ذي البان ميس قدودهم / فغدوت من شغف أضم غصونه
قالوا أشاب البين مفرق رأسه / كذبوا ولكن قد أشاب عيونه
يا قلب حسبك بالغرام رهينة / شط الغريم وما قضاك ديونه
لم يسلني عنه السرور بعودتي / إن سر من خلق الهوى محزونه
كلا ولا النكبات تطرق ساحتي / إذا ليس ما لاقيت إلا دونه
وكأنني من حي ليلى سامر / حسب النقا بالأجرعين حجونه
وإذ لثمت الترب فيه تسليا / عمن به سحب الدلال قرونه
فلأنهكن القلب من حسراته / يوم الترحل أو يجن جنونه
ما عاطش أورى الأوام بقلبه / لهباً وقد شرب الأوام عيونه
حتى إذا وجد المعين بقربه / وجد الركي وقد أضل معينه
فغدا يعض على الأنامل حسرة / ندماً ويصفق بالشمال يمينه
ظمآن ظن حياته مشمونة / فغدا يكذب بالحياة ظنونه
يوماً بأوجد من فؤادي لوعة / لما حدا حادي الظعون ظعونه