القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 84
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي / وَعِدينا بِالتَداني وَاِمطُلي
وَإِذا لَم تُسعِدي الشاكي بِما / يَرتَجيهِ أَسعِدي بِالأَمَلِ
كَم سَأَلنا وَقَنِعنا أَنَّنا / نَأمَلُ البَذلَ وَإِن لَم تَبذلي
وَرَضينا مِنكِ لَو أَجدى الرِضا / بِتَمنِّي الوَصلِ إِن لَم تَصِلي
فَاسأليهِ مَرّةً ما سُقمُه / حَسبُ مَن أَسقَمتِهِ أَن تَسأَلي
حَسبُهُ عِلمُك عَنهُ أَنَّهُ / مَسَّهُ الحُبُّ بِداء مُعضِلِ
حَسبُهُ الظَنُّ إِذا لَم تُوقِني / أَنَّهُ حُمِّلَ ما لَم يحمَلِ
أَخطِري وَهمَك فيهِ مَرّةً / خَطرَةَ الشَجوِ عَلى بالِ الخَلي
وَالمَحيهِ لَمحَ بَرقٍ خُلَّبٍ / يُطمِعُ الصادي وَإِن لَم يُسبِلِ
آهِ لَو أَصغَيت لِي أَشكو الَّذي / شَفَّ جِسمي آه لَو أَصغَيتِ لي
رُبَّ يَومٍ قُلتُ أَشكو فَرَنَت / نَظرَ العَطفِ وَإِن لَم تَفعَلِ
لَم تَكد تَعطِفُ حَتّى رَدَّها / عَن حَديثِ العَطفِ صَمتُ الخَجَلِ
وَجَرى بَينَ يَديها مَدمعي / فاتِحاً أَبوابَ قَلبٍ مُقفَلِ
فَأَجالت عَبرَةً تُمسكُها / خَشيَةَ الواشي فَلَم تَنهَملِ
لَستُ أَخشى عاذِلاً مِن غَيرِها / إِنَّ تِيهَ الغِيدِ أَقوى العُذَّلِ
لَيسَ في قَلبي لعَذلٍ مَوضِعٌ / أَنا عَن عَذلِهم في شُغُلِ
خُلِقَ الحُسنُ سَلاماً فَاِبسُطي / ظلَّه الوارِفَ رَحبَ المَنزلِ
لَم يَكُن سَيفاً تَصُولين بِهِ / نَزِقَ الحَدِّ رَهيبَ المُنصُلِ
لِمَ تُدعى أَسهُماً قاتِلَةً / فِتنَةُ الحُسنِ بِتِلك المُقَلِ
إِنَّما الحُسنُ حَياةٌ وَحَياً / فَاِبعَثي المَيتَ بِهِ لا تَقتُليِ
هُوَ ذاكَ المنهلُ الصافي فَلا / تَمنَعي الظامئَ صَفوَ المَنهلِ
إِنَّهُ مِن رَحمَةِ اللَهِ فَلا / تَجعَلي الجَنّةَ نارَ المُصطَلِي
لَكِ عَرشُ الحُسنِ فاِقضي حَقَّه / وَاِستَديمي مُلكَه أَن تَعدِلي
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا / فَسَلامٌ عَلى غَرامٍ تَوَلّى
وَخَلا لِلهَوى الجَديدِ فُؤادٌ / مَرحَباً بِالهَوى الجَديد وَأَهلا
لَيتَ شِعري هَل المُنى فيهِ تَدنُو / فَكَفاني ما ذُقتُ في الحُبِّ قَبلا
يا لقَلبٍ ما قَرَّ حَتّى تَداعى / وَلِدَمعٍ ما غاضَ حَتّى اِستَهَلا
فَدعِي يا حَبيبةَ الأَمسِ قَلبي / لِوصُولٍ تَجزي المَودَّةَ مِثلا
تَعرفُ الصَبَّ كَيفَ يَقتلُهُ الحُبُّ / فَرقَّت وَلَم تَزِد فيهِ قَتلا
لَم تُطِع فيهِ عاذِلاً وَإِذا ما / صدقَ الحُبُّ لَم يُطع فيهِ عَذلا
وَإِذا ما بَذلتُ غالِيَ حُبٍّ / بَذَلَت مِن فُؤادِها الحُبَّ أَغلى
وَإِذا ما نَما هَواها بِقَلبٍ / لَم تُمِته بِالصَدِّ تِيهاً وَدَلا
لا كَتِلك الَّتي إِذا نَبتَ الحُبُّ / بِقَلب أَذوَتهُ ضَنّاً وَبُخلا
تَحسَبُ الصَدَّ وَالجَفاءَ يَزيدانِ / فُؤادي بِها غَراماً وَشُغلا
ما دَرَت أَنّ صَدَّها وَطَّنَ القَل / بَ عَلى طُولِ بُعدِها فَتَسَلّى
فَاطويا ذِكرَ ذَلِكَ العَهد عَنّي / نَهِلَ القَلبُ بِالسُلوِّ وَعَلا
إِيه يا جفنُ كَم تُساهِدُ نَجمَ ال / لَيلِ حَتّى مَلِلتَ وَالنجمُ مَلا
إِيهِ يا لَيلُ كَم حَمَلتَ مِن الشَكوى / وَبَثِّ الشُجونِ ما شَقَّ حَملا
فَأَطلتَ المُقامَ تَرثي لِحُزني / وَحَشَدتَ النُجومَ حَولي أَهلا
كَم تُؤاسِ المَحزونَ بِالدَمعِ حَتّى / تَدَعَ الزَهرَ بِالنَدى مُخضَلا
فَكِلانا راثٍ لِبثِّ أَخِيه / وَكِلانا عَن عَهدِهِ ما تَخلّى
إِيهِ يا دَمعُ كَم تَفيضُ لِذِكرى / لَمحَةٍ لَن تَرى لَها الدَهرَ ظِلا
ذَهَبَت كَالحَبابِ أَو مِثلَما جَف / فَفَ حَرُّ الشُعاعِ في الرَوضِ طَلا
وَمَضَت كَالخَيالِ في غَفوَةِ العُم / رِ فَهلا عَزَّيتَ قَلبَكَ هَلا
إِيهِ قَلبي كَم فرقَةٍ ذُقتَ حَتّى / كِدتَ تَسلُو الهَوى فِراقاً وَوَصلا
غَيرَ أَنَّ الهَوى حَياةٌ لِقَلبٍ / غُرِسَ الحُبُّ فيهِ مُذ كانَ طِفلا
إِن قَلباً لَم يُحيِهِ الحُبُّ مَيتٌ / لا تَرَى فيهِ لِلحياةِ مَحَلا
وَإِذا الشِعرُ لَم يُفِضهُ غَرامٌ / يَصهَرُ النَفسَ بِالجَوى كانَ هَزلا
فَأَعِزّي بِصادِق الحُبِّ شِعري / كَم أَهنتُ القَريضَ في حُبِّ مَن لا
وَأَفيضي عَلَيَّ صَفواً مِنَ الحُب / بِ أُفِضهُ صَفواً مِن الشِعرِ جَزلا
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ / نَفسي فِداؤُكِ مِن بَنانِ
وَشَدَت بِعاجٍ مِن أَنا / مِلِها عَلى عاجِ البيانِ
مَرَّت عَلَيهِ مِثلَما / مَرَّت عَلى القَلبِ الأَماني
أَو مِثلَما مَرّ الخَيا / لُ يُعيدُ تذكارَ المَغاني
واِفتَنَّ في سِحر النُهى / شَدوُ الأَنامِلِ وَاللِسانِ
وَهَفا بِلُبِّكَ في أَفا / نِينِ الصَبابَةِ ساحِرانِ
رَنّاتُ ساحِرَةِ الغِنا / ءِ تُجيبُ رَناتِ المَثاني
بَثَّت إِلى الأَوتارِ مِن / حَرِّ الصَبابَةِ ما تُعاني
كَم أَودَعَت أَلحانَها / في الشَوقِ مِن سِحرِ المَعاني
فَتُحِسُّ أَوتارَ البيا / نِ وَقَلبها يَتَشاكَيان
لَم يَعرِفِ الحُبَّ المُبر / رحَ مِثل أَفئِدَةِ الغَواني
فَلرُبَّ حابِسَة الدُمو / عِ وَدَمعُها في الصَدرِ قاني
حَبَس الحَياءُ بُكاءَها / فَبَكَت بِتَرجيعِ الأَغاني
نَشَرَت صَحيفَةَ لَحنِها / رَمزاً يَدِقُّ عَلى البَيان
رَمَزُوا إِلى أَلحانِهِم / صَوناً لَها عَن الامتهانِ
وَاللَحنُ مِن سِرِّ المَلا / ئِكِ غَيرُ مُبتَذَلِ الصِيانِ
وَحيٌ تَنزَّلَ مِن سَما / ءِ قَريحَةٍ ذاتِ افتِنانِ
تُنسِي الوَقُورَ وَقارَهُ / طَرَباً وَتَمضي بِالجَبانِ
وَتَخالُ بِالأَوتارِ نا / رَ الشَوقِ تُضرِمُها اليَدان
لاقَت أَنامِلُها البيا / نَ كَما تَلاقى عاشِقان
يَتَضاحَكانِ مِن السُرو / رِ وَفي الأَسى يَتباكَيانِ
في نَغمَةٍ أَحسَستُ مِن / طَرَبٍ بِها طَربَ المَكان
وَتَجاذَبا ذِكرَ الهَوى / وَحَديثَ أَيّامٍ حِسان
وَلَيالياً طابَت وَأَث / مارُ المُنى فيها دَواني
وَمَجالِساً هَبَطت إِلى الد / دُنيا بِها عُليا الجِنان
زَمنٌ تَولّى صَفوُهُ / أَيَعودُ صَفوُكَ يا زَماني
آناءُ لَهوٍ خَلَّفَت / حُزناً عَلَيها كُلَّ آنِ
لَم أَنسَها يا صاحِبي / وُدّي وَلَكن ذَكِّراني
إِني لَيُطرِبُني الحَدِي / ثُ وَإِن مَلَأتُ بِها جَناني
زِيدا فُؤادي لَوعَةً / لا تَطَمَعا أَن تُسلِياني
مَن لَم يَذُق أَلَمَ الحَيا / ةِ قَضى سِنِيها وَهوَ فانِ
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ / وَمِنَ الذِكرى نَعيمٌ وَعَذابُ
لا تَقُل تَعزية عَن فائِتٍ / كَم عَزاءٍ في ثَناياهُ المُصاب
وَإِذا الدارُ جَفاها أُنسُها / فَمَغانيها مَعَ التُربِ تُراب
وَإِذا الرَوضُ ذَوَت أَوراقُه / فَغِناءُ الوُرقِ في الرَوضِ اِنتِحاب
وَإِذا ما الزَهرُ وَلّى حُسنُهُ / فَبَقاياهُ عُبوسٌ وَاِكتِئاب
وَاِحمِرارُ الشَمسِ في مَغرِبِها / دَمعُها القاني أَو القَلبُ المُذاب
إِنَّما الذِكرى شُجُونٌ وَجَوى / يَسكُنُ القَلبُ لَها وَهيَ حِراب
رُبَّ نَفسٍ عَشِقَت مَصرَعَها / كَفَراشِ النارِ يُغريهِ الشِهاب
وَلَكَم أُنسٍ وَفيهِ وَحشَةٌ / وَاِقتِرابٍ هُوَ نَأيٌ وَاِغتِراب
عَلِّلي القَلبَ بِذكراكِ وَإِن / كانَ لا يُغني عَن الماءِ السَراب
وَصِلينا في الكَرى أَو في المُنى / مَن أَباهُ الصِدقُ أَرضاهُ الكِذاب
أَو عِدينا عِدَةً مَمطُولَةً / قَد يُشامُ البَرقُ إِن ضَنَّ السَحاب
كَم تَمَنَّينا عَقيماتِ المُنى / وَدَعَونا وَصَدى الصَوبِ جَواب
وَرَضينا بِقَليل مِنكِ لَو / أَنَّ مُشتاقاً عَلى الشَوق يُثاب
لا أَرى بَعدَكِ شيئاً حَسَناً / آهِلُ الأَرضِ بِعَينيَّ يَباب
رَنَّةُ العُودِ بِسَمعي أَنَّةٌ / وَسُلافُ الخَمرِ في الأَقداحِ صاب
يا زَماناً صَفِرت مِنهُ يَدي / غَيرَ ما تُبقي الأَمانيُّ العِذاب
لَيتَ نَفسي ذَهَبَت في إِثرِهِ / فَذهابُ الصَفوِ لِلمَرءِ ذَهاب
مَن لِقَلبٍ حامِلٍ مِن وَجدِهِ / ما يَذُوبُ الصَخرُ مِنهُ وَالهِضاب
حَمَلَ الأَيّامَ ذِكرَى وَمُنىً / ضاقَتِ الدُنيا بِها وَهيَ رِحاب
وَالمُنى عُذرُ الليالي إِن جَنَت / وَهيَ لِلشاكي عَلى الدَهرِ عِتاب
وَنَعيمٌ يَعِدُ القَلبُ بِه / نَفسَهُ حينَ المقاديرُ حِجاب
لَيتَها دامَت عَلى خُدعَتِها / أَحسبُ الخَيرَ وَيَعدوني الحِساب
رُبَّما رَفَّهَ ظَنٌّ خاطِئٌ / وَلَقَد يَجني عَلى النَفسِ الصَواب
غَيرَ أَنَ اليَأسَ قَد أَبقى بِها / مِثلَما يُبقي مِن الشَمسِ الضَبّاب
لَم يَدَع لي اليَأسُ ما أَحيا بِهِ / غَيرَ قَد كُنّا وَقَد كانَ الشَباب
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي / أَبَت شِفاءَكِ حَتّى بِالمَواعيدِ
سِحريَّةُ الفَمِ لَو مَسَّت بِقُبلَتِها / فَمَ العَيِيِّ لَحَلَّت كُلَّ مَعقودِ
تَكادُ مِن رِقَّةٍ تُغري مُقبِّلَها / أَن يَحتَسيها رَحيقاً غَيرَ مَورُودِ
قَد صاغَها اللَهُ لَمّا أَشرَكَت أُمَمٌ / بِهِ فقالَ اِشهَدوا بُرهانَ تَوحيدي
قُل لِلبَخيلَةِ جُودي لا لَقِيتِ جَوىً / إِن كانَ يَشفَعُ لي قَولي لَها جُودي
وَساعَةٍ تَحتَ أَفياءِ الهَوى سَلَفَت / يا ساعَةً تَحتَ أَفياءِ الهَوى عُودي
ما ضَرَّ لَو أَنَّها في قُبلَةٍ سَنَحت / مَنَّت بِوَعدٍ وَإِن ضَنَّت بِمَوعودِ
هَل حاذَرَت حَرَّ شَوقي حينَ أَلثمها / أَن تُذبِلَ الوَردَ أَنفاسٌ بِتَصعيدِ
رُحماكِ لِليائِسِ المَمطولِ يُقنِعُه / مِن الوُجودِ خَيالٌ غَيرُ مَوجودِ
ظَمآنُ لا رَشَفاتُ الماءِ صافِيَةً / تُروي صَداهُ وَلا بِنتُ العَناقيدِ
شِفاؤُهُ قُبلَةٌ لَو أَنّ مُحتَضَراً / داوى بِها المَوتَ رَدَّت غَيرَ مَردُودِ
فَكَم أمَثِّلُ ثَغرَ الزَهرِ مِن شَبَهٍ / بِثَغرِك العَذبِ في حُسنٍ وَتَوريدِ
عَينٌ مِن الخُلدِ مَن يَنهل بِكَوثَرِها / وِردَ الحَياةِ يَفُز مِنه بِتَخليدِ
صَوتٌ مِن القَلبِ أُمليهِ عَلى فَمِها / وَعَهدُ حُبٍّ عَلى الأَيامِ مَمدودِ
وَلِلقُلوبِ لُغاتٌ لَيسَ يُدركُها / سِوى فُؤادٍ بِنارِ الوَجد مَعمودِ
حَديثُ شَوقٍ بِلا حَرفٍ وَلا كَلِمٍ / تُفضي بِهِ شَفَتي لِلخَدِّ وَالجيدِ
مَعنىً مِن الحُبِّ يَسمُو أَن أُؤَدِّيَه / بِكُلِّ لَفظٍ مِن الأَلفاظِ مَحدودِ
اللَفظُ يَثقُل بِالتَرديدِ مَوقعه / وَتِلكَ تَحلو مَعانيها بِتَرديد
دَعِ الرَسائِلَ فيما لا تُحيطُ بِهِ / تِلكَ اللُغاتُ وَدَع صَوغَ الأَناشيد
فَلِلشِفاهِ عَلى أَمثالِها لُغَةٌ / أَحلى عَلى السَمع مِن مِزمار داود
أَدَّت عَن القَلبِ ما يَعيا اللِسانُ بِهِ / كَمَنطِق الطَيرِ غِرِّيد لِغرِّيد
كَم قُبلَةٍ لا أَرى الدُنيا لَها ثَمَناً / فَلا تَبِع غَيرَ مَعدودٍ بِمَعدودِ
مِسَرَّةٌ تُسعِفُ المحبّا
مِسَرَّةٌ تُسعِفُ المحبّا / تَرُدُّ بُعد المزارِ قُربا
إِذا أَدَرتَ البنانَ خَمساً / بِها نَهَبتَ الفَضاءَ نَهبا
إِلى الَّذي كَم ظَلَلتَ تَرجُو / لِقاءهُ وَالزَمانُ يَأبى
تُذَلِّلُ البَرقَ تَمتَطيهِ / وَقَد سَلَكتَ الهَواءَ دَربا
لَم تَتَّخِذ لِلسِفارِ زاداً / وَلَم تَذُق في الرحيل خَطبا
وَلا جَهَدتَ المطيَّ حَتّى / شَكَت لِعَرضِ الفَلاةِ كَربا
كَأَن عرضَ الفَضاءِ فيها / نادٍ يَضُمُّ الرِفاقَ صَحبا
أَمينَةٌ لا تُذيعُ سِراً / لِمَن قَلى أَو لِمَن أَحَبّا
حَفيظةٌ لا تُضِيع حَرفاً / وَلا تَزيدُ الكَلامَ كِذبا
فَجدَّ في أُذنِها أَو اهزِل / وَقُل ثَناءً بِها وَثَلبا
فَلا تَراها تَسدُّ أُذنا / مَهما تُطِل لَو قَرَأتَ كُتبا
وَقاطعُ القَولِ عَن أَخيهِ / تردُّه بِالصَغير سَلبا
فَيا لَها آلَةً تُرَبّي / ذا الجَهلِ بِالذَوقِ لَو يُربّى
وَكَم تَحايا تَحمَّلتها / أَدنَت لِقَلبِ الصَديق قَلبا
وَكَم سَمعنا بِها حَديثاً / سَرى لِقَلب المَشُوق طبّا
وَكَم ثَقيل الحَديثِ لَولا / جُمودُها أَوسَعَته سَبّا
تَكادُ ممّا يُطيلُ فيها / تَفرُّ مِمن دَعا وَلَبّى
أَلقى عَلَينا بِها رُجُوما / مِثل الصَفا أَو أَشَدَّ ضَربا
وَكَم نَراها تُثير سُخطا / وَكَم نَراها تُجدُّ حُبّا
فَذَلِكَ العلمُ لا قُشورٌ / نَلهو بِها لا تُفيدُ لُبّا
أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ
أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ / وَالطيبُ في الزَهر يُوحي طَيِّب الخُلُقِ
رَقَّت رَسائِلُها في الكَونِ فَاِتَخذَت / مِن النَسيم بَريداً شاعَ في الأُفُقِ
وَما رَأَيتُ بَريداً خَفَّ مَحمَلُه / مِثلَ النَسيمِ حَكى المَعنى بِلا وَرَقِ
أَنباؤُهُ كَحَديثِ الحُبِّ عاطِرَة / أَو ذِكرَياتِ شَبابٍ ناعِمٍ أَنِقِ
ظَلَّت تُنَسِّقُها كَفٌّ مُنعَّمةٌ / تَكادُ تَحسبُها مِن ذَلِكَ النَسقِ
تداعبُ الزَهرَ في رِفق أَناملُها / كَالنَومِ داعَبَ جَفنَ الساهِرِ الأَرِق
كِلاهُما بِالهَوى يَرنُو لِصاحِبِهِ / فَاِعجب لِمُختلفٍ بِالحُب مُتَّفِق
تَحنو عَلَيهِ فَتُنسيهِ مَنابِتَه / في الرَوض يَندى بِمنهلّ الحَيا الغَدِق
كِلاهُما زَهَرٌ في كَفِّ صاحبه / فَاِنعَم بِزَهرين مَلثومٍ وَمُنتَشَق
هَذا يُعيد بريّا نَفحِهِ رَمَقاً / وَذاكَ بِالوَجدِ لا يُبقي عَلى رَمَقِ
هَذا عَلى الصَدر يَسبي العَينَ مَنظَرُه / وَذاكَ في القَلبِ يُغرى لاعِجَ الحُرَق
كَم صوّرَ الزَهرُ مِن مَعنىً يَجيشُ بِهِ / قَلبُ الشَجيِّ وَيُعيي فِطنَةَ اللَبِق
وَكَم لَهُ في الهَوى نُعمى تَقلَّدها / صَرعى الغَرام مَكانَ الطَوق في العُنق
وَكَم يُحمِّلُهُ العُشاقُ لَوعتَهُم / صَوناً لِمَكنونِها عَن طائِشٍ نَزِق
كَم حَمَّلوها إِلى أَحبابِهم قُبَلاً / يا طِيبَ مُصطَبحٍ مِنها وَمُغتَبِق
وَاِستَودَعوهُ حَديثاً مِن صَبابَتِهم / فَصانَ سرَّ الهَوى عَن سَمع مُستَرِق
وَكَم رَوى دَمعَةً عَن عَينِ والِهَةٍ / وَكَم حَوى زَفرَةً عَن قَلب مُحتَرق
وَكَم عَلى صَفحاتِ الزَهر مِن كُتُبٍ / في الشَوقِ يَعيا بِها ذو المَنطقِ الذَلِق
كَم زَهرَةٍ وَصَلت في الحُبِّ مُنقَطِعا / وَجَدَّدت في حِبال الوُدِّ مِن خَلَق
وَللأَزاهير لُطفٌ في سِفارتها / كَم أَلَّفَت في هَواها كُلَّ مُفتَرِق
لامَسَت في النَفسِ أَوتارَ هَواها
لامَسَت في النَفسِ أَوتارَ هَواها / غادَةٌ بِالسحرِ تَغزُو من غَزاها
كُلَّما مَسَّت يَداها وَتَراً / حسدَ الآخرُ ما مَسَّت يَداها
تَمنحُ الأَوتار كَفّاً رَخصةً / أَشجَتِ الأَوتارَ مِن قَبل شجاها
وَيَكادُ العُودُ يُدمي كَفَّها / قُبَلاً لَو أَنَّ لِلعُودِ شِفاها
لَحنُها يَبعَثُ في مَيتِ المُنى / نَضرَةَ العُمر وَمَعسول صِباها
خَفقاتٌ يَخفُق القَلبُ لَها / هِيَ أَنّاتُ فُؤادي أَو صَداها
وَحَنينٌ كادَ مِن رِقتِهِ / أَن يُذيب اللَحنَ في العُودِ مِياها
وَشُجونٌ طالَما أَخفَيتُها / نَفَذ العُودُ إِلَيها فَحَكاها
وَاِستَشَفَّ النَفس عَن أَسرارِها / لَم يَدَع خافيَةً إِلا جَلاها
صوَّرَ اللَوعَةَ في مَكمَنها / كَيفَ تَخبو ثُمَ يَشتَدُّ لَظاها
وَدَبيبَ الحُبِّ في أَوَّله / وَالجَوى مُلتَهِباً حِينَ تَناهى
وَفَناء النَفسِ فيمَن هَوِيَت / وَتَرى كُلَّ وُجودٍ في فَناها
وَشَقاءَ الحُبِّ في نعمَتِهِ / وَنَعيمَ النَفسِ فيهِ بِشَقاها
وَرضَا العُشاقِ مِن أَحبابِهم / بِالتِفاتٍ أَو خَيالٍ في كَراها
كُلُّ هَذا نطقَ العُودُ بِهِ / وَتَناجى هُوَ وَالنَفسُ شِفاها
لُغَةُ الأَوتارِ في عُجمَتها / تقصر الأَلسُنُ عَن دَركِ مَداها
تُسعدُ المَحزونَ في حُرقَتِهِ / وَتُؤاسي داءهُ إِن قالَ آها
أَلهمَ العودَ بكاءَ المُشتكي / مُلهمُ الطَير عَلى الأَيكِ بُكاها
تَحسَبُ الأَوتارَ فاضَت أَدمُعاً / وَتباريحَ الهَوى أَوهَت قُواها
يا لَها مِن ناحِلاتٍ نَحَلت / مِن جُسومٍ لاعِجُ الشَوقِ بَراها
وَضَعيفاتٍ وَفيها قُوةٌ / تَصرَعُ الأسد فَلا تَحمي حِماها
جلَّ مَن يَبعَثُ في الضعفِ قُوىً / أَخضَعَت مَن بِقُواه يَتَباهى
كُلَّما شَدَّت عَلى أَطرافِها / أَمعَنت في النَفس بِالسحر خُطاها
لا تَسَل سَمعيَ عَن أَلحانِها / سَبَقَ القَلبُ إِلَيها فَوَعاها
مَن لِقَلبٍ بَينَ الجَوانح عانِ
مَن لِقَلبٍ بَينَ الجَوانح عانِ / جَمَع اليَأسَ وَالمُنى في مَكانِ
شاعِرٌ في الضُلوعِ يَخفق بِالمعنى / فَيَعيا عَنهُ بَيانُ اللِسانِ
كَم خَيالٍ لَهُ يَضيق بِهِ اللَفظ / فَيسمُو إِلَيهِ بِالخَفَقانِ
وَأَمانيَّ فيهِ كَالزَهر مِنها / ما ذَوى وَالقَليلُ في رَيعان
فَهوَ راثٍ لما ذَوى مِن أَما / نيهِ وَمُستَبشِرٌ بِباقي الأَماني
باكياً شَجوَه وَآناً تَراهُ / يَتَغَنّى بِأَعذَبِ الأَلحانِ
فَهوَ كَالعُودِ في يَدِ الدَهرِ يَشدو / بِالَّذي شاءَ دَهرُهُ مِن أَغاني
قَطَعَ العَيشَ بَينَ خَوفٍ وَأَمنٍ / وَرَجاءٍ ناء وَآخَر دانِ
فَتَراهُ حِيناً يَلِجُّ بِهِ الوَج / دُ وَحيناً يَلوذ بِالسُلوان
وَتَراهُ يَسيلُ كَالماءِ لُطفاً / وَتَراهُ كَالنارِ في الثَوَران
صامِتٌ وَهوَ لا يَني عَن حَديثٍ / مُطمئِنٌّ في ثَورَةِ البُركانِ
يا لسُلطانِهِ القَويِّ وَلا شَي / ءَ عَلَيهِ في الأَرضِ ذُو سُلطانِ
لا تَلُمني إِذا اِتَّبعتُ هَواهُ / هُوَ بَعضي وَآخِذٌ بِعناني
كَم حَداني إِلى هَوىً لَم يَدَعني / فيهِ أُصغي لِفكرَتي وَجَناني
قادَني لِلهَوى وَلَو كانَ يَدري / ما يُلاقيهِ في الهَوى لَنَهاني
لَجَّ فيهِ فَكانَ شَرّاً عَلَيهِ / لَيتَني قَد عَصَيتُهُ إِذ عَصاني
عَصَف الحُبُّ بِالقُلوب فَقلب ال / لَيثِ في حَربِهِ كَقَلبِ الجَبانِ
مُضغةٌ في الضُلوعِ يُؤلِمُها ال / مَسُّ غَدَت نُهيةً لِصَرفِ الزَمانِ
فَوقَ مَوجِ الآلامِ تَذهَبُ حَيرى / كَسَفينٍ تَسري بِلا رُبّانِ
فَهيَ بَينَ الأَحزانِ تَفنى وَيُح / ييها خَيالُ التَعليلِ وَالنسيانِ
جَلَّ مَن صاغَها مُيولاً وَأَهواءً / وَلَم يَعدُ طِينَةَ الإِنسانِ
وَبَراها مِن المَلائِكِ نُوراً / تَتَراءى في صُورة الجُثمان
فَهيَ بَينَ الضُلوع لا تَملأ ال / كفَّ وَفيها صَحيفةُ الأَكوانِ
معَ الزَمانِ دائِرَه
معَ الزَمانِ دائِرَه / وَبِالحِسابِ سائِرَه
من عَمَد العُمران وَالد / دُنيا إِلَيها ناظِرَه
قَد قُنِّعت ناحيةٌ / مِنها وَأُخرى حاسِرَه
نَقّارة لا تُخطئ الوَز / نَ تَقولُ شاعِرَه
تَحوي الزَمانَ كُلَّه / أَوَّلَهُ وَآخرَه
تُريكَ ما تُعنى بِهِ / مِن الزَمانِ حاضِرَه
آتيهِ في الغَيبِ وَما / مَضى طلولٌ دائِرَه
تَبدَأُ حَيثُ تَنتَهي / دائِبَةً مُثابِرَه
تَظَلُّ طُولَ عُمرِها / قادِمَةً مُسافِرَه
حائِرَةً وَهَديُها / في أَن تَظَلَّ حائِرَه
صَديقُها الرفقُ بِها / كَذاتِ دَلٍّ نافِرَه
دَعها تَسِر آمِنةً / مِن عَنَتٍ أَو بادِرَه
إِن لَم تُصَن مِن عَبَثٍ / مَشَت خُطاها عاثِرَه
قاضٍ إِلى قَضائِهِ / كُلُّ العُيونِ ناظِرَه
إِن صَدَقَت فَصِدقُها / تُوحيهِ غَيرَ آمِرَه
أَو كَذَبَت فَكِذبُها / بِلا يَمين فاجِرَه
لِسانُها عَقارِبٌ / تَزحفُ غَيرَ غادِرَه
حَسبُكَ مِن وَفائِها / نَومُك وَهيَ ساهِرَه
تَحُفُّها مَعالِمٌ / حَولَ الطَريقِ دائِرَه
قَد قَدَّرت ما بَينَها / تِلكَ العُقولُ القادِرَه
وَغَيرَها كَم أَبدَعَت / مِن مُعجِزاتٍ باهِرَه
وَاللَهِ لَولا عِلمُنا / بِها لَقُلنا ساحِرَه
يا حُسنَها في المِعصم ال / عاجيِّ وَهيَ سافِرَه
مُعجِزَةُ الحُسنِ بِها / لكُلِّ عَينٍ ظاهِرَه
أَسيرَةً في طَوقِها / وَكَم تَروحُ آسِرَه
وَكَم يُصابُ سَيرُها / بِعِلَّةٍ مُساوِرَه
وَالصدقُ من طَبيبها / بُعدَ السَماءِ العاشِرَه
كَم يَدَّعي كَسراً وَلَو / يَصدُق كانَ كاسِرَه
أُجرتهُ عَلى السَقي / مِ والصَحيحِ وافِرَه
ترى لَهُ عِيادَةً / في كُلِّ حينٍ عامِرَه
لا يخرُجُ الساعَةَ إِل / لا كَي تَعودَ زائِرَه
نَفَّرتَ طَيفَ السُرورِ عَنّي
نَفَّرتَ طَيفَ السُرورِ عَنّي / بِحرمَةِ الفَنِّ لا تُغَنِّ
رَخاوَةٌ في الغِناء كادَت / تُذهِبُ عَزمَ الرِجالِ مِنّي
أَرَدتَ بينَ الغِناءِ مَزجاً / فَجاءَ خَلطاً بِغَيرِ فَنِّ
ما بَينَ شَرقٍ وَبَينَ غَربٍ / حَيَّرتَ في حالتَيك ظَنّي
في كُلِّ مَعنىً تَنُوحُ قُل لي / أَنادِبٌ أَنتَ أَم مُغَنّي
تَبكي إِذا ما الحَبيبُ وافى / ما أَشبَهَ الوَصلَ بِالتَجَنِّ
تَبلّدَ الحسُّ مِنكَ حَتّى / يَئستَ في مَوضِع التَمَنّي
تُعذَرُ في النَوح إِذ تُعَزّى / قُل لي فَما العُذرُ إِذ تُهني
أقسِمُ لَم أَهجُهُ وَلَكِن / يَقولُ لي الحَقُّ لا تَخُنّي
حِمارٌ لا يَمَلُّ مِن النَهيقِ
حِمارٌ لا يَمَلُّ مِن النَهيقِ / يَضيقُ بِهِ التَجَلُّدُ أَيَّ ضيقِ
مُغَنّ يَجلب السَلوى وَيفني / بَقايا الشَوقِ في قَلبِ المشَوقِ
مُنى الأَوتارِ لَو أَمسَت سِياطاً / يُضَبُّ بِها عَلى الجِلد الصَفيق
بِطانتهُ حماكَ اللَهُ رَهطٌ / كَأَنَّ صِياحَهُم جَرسُ الحَريقِ
دَعاني لِلسَماع رَفيقُ سُوءٍ / فَقُلتُ عَرَفتَ عُذري يا رَفيقي
وَكانَت لَيلة يا لَيتَ أَنّي / دُفِعتُ بِها لِقُطّاعِ الطَريق
وَأَوسَعنا مُغَنِّيها عَناءً / يُزيلُ السكرَ مِن كَأسِ الرَحيقِ
جَزى اللَهُ المغنّي كُلَّ خَيرٍ / عَرَفتُ بِهِ عَدوِّي مِن صَديقي
حَبَوهُ بِها أَم حَبَوها بِهِ
حَبَوهُ بِها أَم حَبَوها بِهِ / لَقَد حِرتُ أَيُّهما يَزدَهي
وَما فَخرُ مَن لَيسَ بِالمُنتَهي / عُلاً إِن تَقَلَّدَ ما يَنتَهي
لَقَد نِلتَ ما تَشتَهي مِن فَخارٍ / وَنالَ بِكَ الفَخرُ ما يَشتَهي
قَد سَحَرتَ النُهى بِسحرٍ مُبِينِ
قَد سَحَرتَ النُهى بِسحرٍ مُبِينِ / فاتَّقِ اللَهَ يا يَراعَ أَمينِ
وَسَلَبتَ القُرّاءَ أَفضَل ما أَو / دَعهُ اللَهُ في سَليلِ الطينِ
وَعَجيبٌ لِسارِقٍ حَدُّهُ الشَر / عيُّ فينا تَقبيلُ تِلكَ اليَمينِ
جَنَّةٌ في يَراعِكَ الخِصبِ تُؤتي / أُكلَها طَيِّبَ الجَنى كُلَّ حِينِ
قَلَمٌ لَم يَقُدهُ في الطِرس إِلا / دَفعُ شَكٍّ أَو اِجتِلابُ يَقِينِ
ما جَرى مَرَّةً بِغِلٍّ وَلا تُب / صِر يَوماً بِحَدِّهِ مِن طَعِينِ
وَيَميناً لَو أَنَّهُم أَنصَفوهُ / كَتَبُوا فَيضَهُ بِماءِ العُيُونِ
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه / وَتَكادُ تَجنَح لِلفرار كَتائِبُه
بِكراً تُضِيءُ إِذا بدَت في كَأسِها / حَتّى يَكادَ الأُفقُ يُشرِقُ جانِبُه
مَحبوسَةً في دَنِّها حَتّى غَدَت / كَالشَكِّ في أَمرٍ تَحَيَّر صاحِبُه
أَمسَت خَيالاً ما تَكادُ تبينُها / أَتَرى خَيالَ الراح يَأثَمُ شارِبُه
لَطُفَت كَثافتُها فَتِلكَ بَشاشَةٌ / مِنها لِعَيشِكَ إِن تَجهَّم قاطِبُه
صَهباءُ لَو أَسَدُ العَرينِ حَسا بِها / خَمساً لأَلفَيتَ الظِباءَ تُداعِبُه
يَسعى بِها عَذبُ اللَمى مُتَأَوِّداً / كَالغُصنِ تَثنيهِ الصَبا وَتُلاعِبُه
يَمشي وَيُوشكُ أَن يَذوبَ مِن الخُطا / فَكَأَنَّما كَسَلُ الدَلالِ يُجاذِبُه
بَدرٌ يُديرُ مِن الكُؤوسِ كَواكِباً / تَعنو لَها شُهُبُ الدُجى وَكَواكِبُه
في لحظه حَوَرٌ وَبَينَ شَتِيتِه / خَصرٌ مُقَبَّله فَيروى شارِبُه
لاحَظتُه فاحمرَّ زاهرُ خَدِّهِ / خَجَلاً وَأَطرَقَ وَالفُؤادُ يُعاتِبُه
نَفحُ العَبيرِ يَضُوعُ مِن أَعطافِهِ / يُزري بِرَوضٍ باكَرته سَحائِبُه
ما إِن شَربتُ وَلا شَهِدتُ وَإِنَّهُ / شِعرٌ تَأَنَّقَ في التَخيلِ كاتِبُه
عَجباً أَأَشربُها وَذاكَ محمَّدٌ / راحُ النُهى آراؤُهُ وَمَذاهِبُه
أَفريدُ أَوضحتَ الطَريقَ لأمّةٍ / تَعشُو بِلَيلٍ ما تَرِيمُ غَياهِبُه
عَمَرَت رُبوعَ العِلم قَبلُ وَأَطلَعَت / نَجماً تَأَلَّقَ في الغَياهِبِ ثاقِبُه
كانَت مَوارِدُها تفيض فَما لَها / غاضَ المَعينُ بِها وَخُلّيَ طالِبُه
عَبِثَت بِها أَيدي الزَمانِ وَطَوَّحَت / بِتُراثِها أَحداثُهُ وَنَوائِبُه
بَشّت بِكَ الدُنيا لِمصرٍ بَعدَ ما / أَروَته بِالدَمعِ الهَتُونِ نَوادِبُه
أَهلاً بِدائِرَةِ المَعارِفِ إِنَّها / ثَمَرُ النُهى تُجنى لِمصرَ أَطايِبُه
عِلمٌ كَما فاضَ النَميرُ وَمَنطِقٌ / فَصلٌ إِذا ما البُطلُ أَوهَمَ كاذِبُه
حُجَجٌ قَواطِعُ لَو رَميتَ بِبَعضِها / جَبَلاً مِن الشُبُهاتِ هُدِّمَ غارِبُه
وَمَباحِثٌ فاضَت بِما يَشفي الصَدى / فَكَأَنَّها بَحرٌ تَجِيشُ غَوارِبُه
لَم تَبغِ مَرتَبَةً وَلا جاهاً بِها / ما كانَ مِن حُسنٍ فَإِنَّكَ كاسِبُه
وَكَذا الفَتى إِن لَم يَشُب أَعمالَه / دَنَسُ الهَوى فَالباقِيات مَراتِبُه
أَفنى لَها شَرخَ الصِبا لَم يَثنِه / عَنها صُروفُ زَمانِهِ وَمصاعِبُه
وَمَضى يَجِدُّ إِلى الهُدى مُستَبطِناً / عَزماً تَنُوءُ بِمَن سِواهُ مَتاعِبُه
فَلو انَّ لِلعَضبِ الصَقيلِ مَضاءَهُ / لَم تَنبُ في كَفِّ الجَبانِ مَضارِبُه
ولَو انَّ لِلأَيامِ نُورَ ذَكائِهِ / كانَ الظَلامُ ضُحاً تُضيءُ جَوانِبُه
وَلَو انَّ أُمَّتَه جَزَته بِفَضلِهِ / مَلأت نَواحِيَ أَرضِ مصر مَواكِبُه
لا تَلحَهم إِن هُم أَساءوا إِنَّهُم / كانُوا ذَوي فَضل فَمُكِّنَ غاصِبُه
وَالشَعبُ إِن يُسلِم مَقالِدَ أَمرِه / لِسواهُ أَودَت في الإِسارِ مَواهِبُه
يَهنِيكَ ما أُوتيتَه مِن حِكمَةٍ / وَسَدادِ رَأَيٍ لَيسَ يُخطِئُ صائِبُه
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ / فَأَميرُ دَولَتِهِ فَرِيدُ
أُستاذُ هَذا الفَنِّ مُب / تَكِرٌ وَكلُّهُمُ مُعِيدُ
يَمشون إِثرَ خُطاه لَو / يَقفو خُطا النَجمِ الصَعِيدُ
يَدنو لِفكرَتِهِ إِذا / ما راقَهُ المَعنى البَعيدُ
يَسمُو بِأَجواءِ الخَيا / لِ وَلَيسَ يُجهِدُه الصُعودُ
مُتَنَقِّلاً في أُفقِهِ / يَختارُ مِنهُ وَيَستَجيدُ
يَتَأَلَّفُ المَعنى إِلى / أَن يَطمَئِنَّ لَهُ الشَرِيدُ
مُتَلَطِّفاً حَتّى تَرا / هُ لِلبَراعَةِ يَستَقيدُ
وَيَصُوغُه في لَفظِهِ ال / عالي كَما تُزهى العُقُودُ
صَوغ المُقَدِّرِ لا يَقل / لُ اللَفظُ عَنهُ وَلا يَزيدُ
أَلفاظُهُ في جِيدِ مَع / ناهُ قَلائِدُ لا قُيودُ
نَثرٌ بِهِ تَذكو الطُرُو / سُ كَأَنَّهُ الزَهرُ النَضِيدُ
فَتنَت رَوائِعُه العُقو / لَ فَلَيسَ يَبلُغُهُ قَصيدُ
يَومٌ نَشَرتَ بِهِ جُحا / يَومٌ عَلى القُرّاءِ عيدُ
أَدرَكتُما غايَةَ الإِعجابِ وَالعَجَبِ
أَدرَكتُما غايَةَ الإِعجابِ وَالعَجَبِ / بِذَلِكَ الفَتحِ في التَأليفِ وَالأَدَبِ
عَرَضتُما قِصّةَ الآدابِ رائِعَةً / تُزهى بِسحرِ بَيانٍ غَيرِ مُقتَضبِ
لَم تَتَركا أَدَباً مِن حِين نَشأَتِهِ / حَتّى نَما وَسَما في سالِف الحقبِ
جَلَوتُما حُسنَهُ في صُورَةٍ تَرَكَت / ما صوَّرُوا غَيرَها ضَرباً مِن اللَعبِ
وَكَيفَ غَيَّره ما مَرّ مِن زَمَنٍ / وَمَن تَعاقَبَ مِن عُجم وَمِن عَرَبِ
وَكَيفَ أَثَّرت البِيئاتُ فيهِ وَما / قَد زادَهُ عَقِبٌ يَرويهِ عَن عَقِبِ
تَبِعتُما خَطوَه في كُلِّ ناحِيَةٍ / أَوى إِلَيها اِتِّباعَ القائِفِ الدَرِبِ
جَمَعتُما الدَهرَ وَالأَقطارَ في صُحُفٍ / مَعدودَةٍ تَزدَهي في ثَوبِها القَشِبِ
مَرَرتُما مَرَّ منطادٍ بِعالَمِه / يُصَوِّر الناسَ وَالأَشباحَ عَن كَثَبِ
فَهاتِيا ما تَبَقَّى مِن كُؤُوسِكما / فَقَد سَكِرنا وَلَم نَشرَب سِوى الحَبَبِ
مَوكِبٌ لِلرَبيعِ في أَزهارِهِ
مَوكِبٌ لِلرَبيعِ في أَزهارِهِ / أَم بَديعُ البِشرِيِّ في مُختارِه
وَعُقارُ الكُؤوسِ مالَت بِلُبّي / أَم يَراعٌ سَبى النُهى بِعُقارِه
إِيهِ يا بالِغاً مِن النَثرِ ما عَز / زَ عَلى البُحتريِّ في أَشعارِه
إِيه يا كاتِباً يُحَدِّثُه الوَحي / بِما في الوُجودِ مِن أَسرارِه
ما رَأَينا التِيجانَ تُنثَرُ في الطِر / سِ فَيُزهى بدُرِّه وَنُضارِه
يَدخُل القَلبَ نافِذاً في ثَنايا / هُ نُفوذَ الشُعاعِ في أَستارِه
لَم تَرُم مَقصِداً يَعزُّ عَلى الأَق / لامِ إِلا جَلَّيتَ في مضمارِه
فَتقبَّل يا كاتِبَ العَصرِ حَمداً / مِن مَعري القَريض أَو بشّارِه
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ / فَليَفخروا بِيَراعِ ذاكَ الكاتِب
قَلَمٌ بِتَصوير السَرائِرِ مُولَعٌ / غَيبُ النُفوسِ عَلَيهِ لَيسَ بِغائِب
يَسري إِلى طَيِّ الصُدورِ شُعاعُهُ / أَمضَى وَأَثقَبُ مِن شِهابٍ ثاقِب
يَصِفُ النُفوسَ كَما بَراها رَبُّها / وَيُميطُ عَنها كُلَّ ثَوبٍ كاذِب
فَكَأَنَّما يَدعو النُفوسَ فَتَلتَقي / في الطِّرسِ سافِرَةً سفُورَ الكاعِب
سحرُ البَيانِ يُبينُ كُلَّ خَفِيَّةٍ / أينَ المُصَوِّرُ مِن يَراعِ الكاتِب
إِيهٍ أَديبَ الشَرقِ هاتِ رَوائِعاً / قِصَصاً تُوَشِّيها بِظَرفٍ خالِب
وَأَفِض عَلى اللُغة الكَريمَةِ ثَروَةً / فَالعُربُ أَشكَرُ أُمّةٍ لِلوَاهِب
يا مُؤنِسَ المَسجونِ في سِجنِه
يا مُؤنِسَ المَسجونِ في سِجنِه / وَسَلوَةَ المَحزونِ مِن حُزنِه
إِن كُنتَ في السجنِ لَهُ صاحِباً / فَسِجنُهُ الجَنَّةُ في حُسنِه
أَساءَ بِالعالَمِ ظَنّاً وَلَو / أَدرَكتَهُ حَسَّنَ مِن ظَنِّه
وَجادَ بِالدُنيا اِحتِقاراً لَها / وَلَو رآكَ اِشتَطَّ في ضَنِّه
فَلَم يَجد سِحراً بِجَنّاتِه / كَسِحرِ هَذا النَثرِ في فَنِّه
وَكَم تَمَنّى لَو تَحِلُّ الطِلا / تُنسيهِ دَهراً لَجَّ في غَبنِه
فَدُونَهُ نَثركَ فَليَصطَبِح / مِن كَأسِهِ وَليَروَ مِن دَنِّه
خَلَّدتَه أَكثَرَ مِن شِعرِه / فَصارَ عُمرُ الدَهرِ في سِنِّه
لَو أَنَّهُ خُيِّرَ في عَينِه / وَفيكَ لاختارَكَ عَن عَينِه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025