القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 377
يا إمام الهدى ويا صفوة الله
يا إمام الهدى ويا صفوة الله / ويا من هَدَى هُداه العبادا
يا ابن بنتِ الرسول يا ابن عليٍّ / حيّ هذا النادي وهذا المنادى
قد أتينا بثوب جدّك نسعى / وأتيناك سيّدي وفّادا
فأتيناك راجلين احتراماً / واحتشاماً وهيبة وانقيادا
نتهادى به إليك جميعاً / وبه كانت المطايا تهادى
راميات سهم النوى عن قسيٍّ / قاطعات دكادكاً ووهادا
طالبات موسى بن جعفر فيه / وكذا القدوة الإمام الجوادا
من نبيٍّ قد شَرَّف العرشَ لمَّا / أن ترقَّى بالله سَبعاً شدادا
شرف في ثياب قبر نبيّ / عَطَّرتْ في ورودها بغدادا
ومزايا الفخار أورثتموها / شرف الجد يورث الأولادا
أنتم عِلَّةُ الوجود وفيكم / قد عَرَفنا التكوين والإيجادا
ما ركنتم إلى نفائس دنيا / ولقد كنتم بها أفرادا
وانتقلتم منها وأنتم أناس / ما اتخذتم إلاَّ رضا الله زادا
ولقد قمتمُ الليالي قياماً / واكتحلتم من القيام السهادا
إن يكونوا كما أذاعوا فمن ذا / مهّد الأرض سطوة والبلادا
ومحا الشرك بالمواضي غزاةً / وسطا سطوة الأسوة جهادا
حيث إنَّ الإله يرضى بهذا / بل بهذا من القديم أرادا
فجزيتم عن أجركم بنعيم / تتوالى الأرواح والأجسادا
وابتغيتم رضا الإله ولا ز / لتمُ بعزٍّ يصاحب الآبادا
أنتم يا بني البتول أناسٌ / قد صَعَدْتُم بالفجر سبعاً شدادا
آل بيت النبيّ والسادة الطُّ / هْرِ رجال لم يبرحوا أمجادا
فَضَلوا بالفضائل الخلق طرًّا / مثلما تَفْضلُ الظبا الأغمادا
ليس يحصي عليهم المدح منِّي / ولو أنَّ البحار صارت مدادا
أنتم الذخر يوم حشر ونشر / ومعاذاً إذا رأينا المعادا
كاظم الغيظ سالم الصدر عافٍ / وما هوى قطّ صدره الأحقادا
قد وقفنا لدى علاك وأل / قينا إلى بابك الرفيع القيادا
مع أنَّ الذنوب قد أوثقتنا / نرتجي الوعد نختشي الإبعادا
ومددنا إليك أيدي محتاج / يرجِّي بفضلك الإمدادا
وبكينا من الخشوع بدمع / هو طوراً وطوراً فرادى
قد وَفَدنا آل النبيَّ عليكم / زوّدونا من رفدكم إرفادا
بسواد الذنوب جئنا لنمحو / ببياض الغفران هذا السوادا
وطلبنا عفو المهيمن عنَّا / وأغظنا الأعداء والإلحادا
موطن تنزل الملائك فيه / ومقام يَسُرُّ هذا الفؤادا
أيُّها الطاهر الزكيّ أغِثْنا / وأنِلْنا الإسعاف والإسعادا
وعليٌّ أباك يا ابن عليّ / كي ينال المنى بكم والمرادا
مستزيداً بفضلكم حيث كنتم / منهلاً ما استزيد إلاَّ وزادا
فعليك السلام يا خيرة الخلق / سلامٌ يبقى ويأبى النفادا
أهاجها حادي المطي فمالَها
أهاجها حادي المطي فمالَها / ولم يَهجْ لمَّا حدا أمثالَها
فهل عرفت يا هذيمُ ما بها / وما الَّذي أورثها بلبالها
غنَّى لها برامةٍ والمنحنى / وبالديار ذاكراً أطلالها
وما درى أيَّ جوىً أثاره / وعبرة بذكره أسالها
ذكّرها مناخها برامة / فكان ذكر رامة خيالها
ذكرها مراعياً من شيحها / ووردها من مائها زلالها
ذاقت نميراً في العُذَيب ماءه / وقد أُذيقَتْ بعده وبالَها
لو كانَ غير وجدها عقالها / بدار ميٍّ أطلقت عقالها
تسأل عن أحبابها دوارساً / من الرسوم لم تجب سؤالها
وكلَّما عاد لها عيد الهوى / هيَّج منها عيده بلبالها
تالله تنفك وقد تظنّها / لما بها من الضَّنى خيالها
حريصة على لقاء أوجُهٍ / غالى بها صرف النوى واغتالها
هي الظعون قوَّضت خيامها / وأزعجت يوم النوى جمالها
وأوقدت في قلب كل مغرمٍ / نيران وجد تضرم اشتعالها
وقاطعتنا بالنوى مواصلاً / لو أنصفت ما قطعت وصالها
وعن يمين الجزع شرقيّ الحمى / متى أراني ناشقاً شمالها
بيوت حيّ أحكموا ضيوفها / وحذَّروا عدوها نزالها
وللمغزال دونها ملاعب / لو اقتنصت مرة غزالها
وقد رمتني عينها نبالها / فما وقتني أدرُعي نبالها
إنِّي لأهوى مجتنى معسولها / وأختشي من قدّها عسّالها
تلك ربوع كنت في رباعها / طوع هواها عاصياً عذالها
فيا سَقت تلك الربوع ديمةٌ / تصبُّ من صوب الحيا سجالها
ساحبة على الحمى سحابها / تجر في دياره أذيالها
قد قطبت طلقها وبشّرت / من شام بالغيث العميم خالها
من مثقلات المزن ما إن جلجلت / بالرعد إلاَّ وضعت أثقالها
شاكرة آثارها منها لها / إدبارها بالريّ أو إقبالها
وربّ ليلٍ أطبقت ظلماؤه / بحيث لا يهدى امرؤ خلالها
قلقلت في الموقرات في السرى / حتَّى لقد كدت أرى كلالها
ولست أنفكّ ولي مآرب / أرجو إذا أرفعت أن أنالها
تحملني لابن النبيّ ناقة / إنْ بلغته بَلغت آمالها
فإنَّ إبراهيم حيث يَمَّمتْ / كانَ مناها إن يكن مآلها
تكاد من وفر نوال فضله / تطمع أن يبلغها محالها
نفسٌ له زكيّةٌ عارفة / بالغة بدركها كمالها
وتستمدّ العارفون فيضها / وترتجيها جاهها ومالها
لو لم في الأرض من أمثاله / زلزلت الأرض إذاً زلزالها
إذا دعا الله لكشف حادث / أهالها أمَّنها أحوالها
هو الشفاء لعضال أمَّة / يبرئ من أدوائها عضالها
واتخذته المسلمون إنْ دَعت / ضراعها لله وابتهالها
من النجوم المشرقات بالهدى / المدحضات بالهدى ضلالها
ما برحوا في الأرض بين خلقه / أقطابها الأنجاب أو إبدالها
إذا دعوا إلى الجميل أسرعوا / ولن ترى لغيره استعجالها
واقتحموها عقبات أزمة / إلى علىً توقَّلوا حبالها
هم الغيوث ابتدروا نوالها / هم الليوث ابتدروا نزالها
قائلة فاعلة بقولها / سابقة أفعالُها أقوالَها
إن قربت من الأعادي قرَّبت / إلى الهدى همتهم آجالها
هم الذين ذلّلوا صعابها / هم الذين دوَّخوا أقيالها
وحرَّموا من ربهم حرامَها / وحَلَّلوا بأمره جلالها
بحر من العلم طمى خضمه / وارد كل وارد نوالها
سل ما تشاء عن عويص مشكل / فإنَّه لموضح إشكالها
أين الأعادي من علوِّ قدره / إنّ طاولته في المعالي طالها
لو رام أعلى بُغيةٍ يرومها / ولو غدت مثل النجوم نالها
تسكرنا عذوبة من لفظه / إذا أدار لفظه جريالها
له التصانيف التي كأنَّها / تروي بحسن صبّها جمالها
رقّت حواشيها فلو قرأتها / على الغصون مرةً آمالها
مثل السماء بالسناء والسنا / قد طلعت خلاله خلالها
كم حجة أوردها قاطعة / وحكمة في كلمات قالها
خذها إليك سيّدي مقطوعة / واجعل رضاك سيّدي إيصالها
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى / ومحلاًّ عفى لبين ألمَّا
تُنكِر العين بعد معرفةٍ من / ها طلولاً كأنَّما كنَّ رقما
فسقى الأرسم الدوارسَ دمعٌ / لم يغادر من أرسُم الدار رسما
قد ذكرنا بها العصور الخوالي / عهد هندٍ ودار سعدى وسلمى
ووقوفي على المنازل ممَّا / خضب الطرف بالنجيع وأدمى
وأذاعت سرَّ الهوى عبراتٌ / هي لا تستطيع للحب كتما
يوم هاجت بالإدكار قلوباً / أصبحت من صوارم البين كلمى
أين أيَّامنا وتلك التصابي / صرمتها أيدي الحوادث صرما
يا ابن وُدّي إنَّ المودةَ عندي / أن أراني أُرمي بما أنت تُرمى
أفتروى وما تبلّ غليلاً / مهج يا هذيم بالوجد تظما
سلبت صحَّتي مراض جفون / ما كستني إلاَّ غراماً وسقما
حكمت بالهوى على دنف الق / لب وأمضت على المتيم حكما
وبنفسي عدل القوام ظلوم / ما اتّقى الله في دم طُلَّ ظلما
لا تلمني على هواه فلا أس / مع عَذلاً ولا أعي منك لوما
ظعن الظاعنون فاستمطر ال / دَمع فؤادي سحًّا عليهم وسجما
أعِدُ النفس منهم بالأماني / وأعدُّ الأيام يوماً فيوما
أنصِفونا من هجركم بوصول / أنا راضٍ منكم بحتّى ولمّا
وهبوا النوم أن يمرّ بجفني / فلعلّ الخيال يطرق نوما
رب ليل قطعته بمليح / أشْهَدَ البدر من محيَّاه تمَّا
وإذا وسوست شياطين همٍ / رجمتها شهب المدامة رجما
فكأنَّ الهلالَ نصفُ سوارٍ / والثريا كأنَّها قرط أسما
بِتُّ حتَّى انبلج الصبح منه / أرشف الراح من مراشف ألمى
ذاك عيش مضى ولهو تقضَّى / أبدل الجهل بالتصرم حلما
ذقت طعم الحياة حلواً ومراً / وبلوت الزمان حرباً وسلما
وتحنكت بالتجارب حتَّى / كشفت لي عن كلِّ أمرٍ معمَّى
قد تقلَّبتُ في البلاد طويلاً / وقتلت الخطوب عزماً وحزما
لم يطش لي سهم إذا أنا س / دَّدْتُ إلى غاية المطالب سهما
لي بآل النبيّ كلّ قصيدٍ / أسمعت بالفخار حتَّى الأصمّا
حجج تفحم المجادل فيها / وتردّ الحسَّاد صمًّا وبُكما
وإذا عاند المعاند يوماً / أرغمت أنفَ من يعاند رغما
سرَّني في الأشراف نجل عليّ / وهو عبد الرحمن فضلاً وفهما
علويٌّ يريك وجهاً حييًّا / وفؤاداً شهماً وأنفاً أشما
ناشئ بالتقى على صهوات ال / خيل عزًّا وفي المدارس علما
طائع خاشع تقيٌّ نقيٌّ / ينقضي دهره صلاة وصوما
بأبي الناسك الأبيَّ فلا يح / مل وِزراً ولا يُحَمَّل ضيما
كم رمى فكره دقيق المعاني / فأصاب المرمى البعيد وأصمى
لا ترى في الإنجاب أثقب زنداً / منه في صحبه وأبعد مرمى
عنصر طيب وأصل كريم / وجميل قد خصّ منهم وعمَّا
سادة أشرف الأنام نجاراً / ثم أذكى أباً وأطهر أمَّا
شَرَّفَ الله ذاتهم واجتباهم / واصطفاهم على البريّة قوما
لا يزالون يرفعون بيوتاً / للمعالي لا تقبل الدهر هدما
تستخفّ الجبالَ منهم حلومٌ / طالما استنزلت من الشمّ عصما
وإذا اعتلت العلاء بداءٍ / حسموا داءها على الفور حسما
وعلى سائر البرية فضلاً / سال سيل النوال منهم فطمَّا
قسموا العمر للعبادة قسماً / منذ عاشوا وللمكارم قسما
شربوا خمرة المحبَّة في الله / وفضّوا عنها من المسك ختما
وسرت من وجودهم نفحات / كنّ روح الوجود إن كانَ جسما
تنجلي فيهم الكروب إذا ما / لُحْنَ غُبراً أنّى يَلُحْنَ وَقُتْما
ما تجلّت وجوههم قط إلاَّ / وجَلَت ليل خطبها المدلهمّا
هِمَمٌ في بني النبيّ كفتنا / من جميع الأمور ما قد أهمّا
يا ابن من لا تشير إلاَّ إليه / أنمل العزّ إن أشار وأومى
يا عليّ الجناب وابن عليٍّ / طابق الاسم بالصفات المسمى
رضي الله عنكم من أناسٍ / شيّدوا للعلى مناراً وإسما
أوجبت مدحكم عليَّ أيادٍ / في زمان من حقّه أنْ يُذمّا
أبتغي الفوز بالثناء عليكم / وأراه فيما أحاول غنما
حيث أمحو وِزراً وأثبت أجراً / فائزاً بالمنى وأمحق إثما
والقوافي لولا جزيل عطاياك / شكتنا بفقدها الأهل يتما
قد تحلّت بكم فكنتم حلاها / وحلت في الأذواق نثراً ونظما
وإليكم غرّ المناقب تعزى / وإليكم جلّ المكارم تنمى
ما استطاع الإنكار منهنّ شيئاً / حاسدٌ عن محاسن الصبح أعمى
فخار الملوك بأعوانها
فخار الملوك بأعوانها / وخير البلاد بعمرانها
وما ثبّت الله من دولة / بغير عدالة سلطانها
ألست ترى دولة المسلمين / وما كانَ من آل عثمانها
وما رفع الله من قدرها / وما عظّم الله من شأنها
وما بلغت فيه من قوة / تضاف لقوة إيمانها
فدان الأنامُ إلى حكمها / ولا حكم إلاَّ بقرآنها
فكان الفتوح على عهدها / وسعد البلاد بأزمانها
فيا لك من دولة أسِّسَتْ / قواعد أركان بنيانها
بما شرع الله بين العباد / وأبطل سائر أديانها
وما جاءنا سيّد المرسلين / وقام الدليل ببرهانها
إلى عهد أيام عبد العزيز / مجدّد أحكام إتقانها
فولّى الأمور لأربابها / وأهدى السيوف لأجفانها
فنعم الرجال ونعم الكمال / بأفكارها وبأذهانها
فلم تر يوماً كآرائها / ولا للحروب كشجعانها
صناديد أبطالها في الوغى / وأبطال أقيال فرسانها
وقد صدقته بما عاهدت / عليه العلى جهد إيمانها
ومن نعمة شكرت للمليك / وقد أوجبت حق شكرانها
أحال العراق إلى نامقٍ / ليصلح ما شان من شانها
فذلّل منها صعاب الأمور / وقاد المعالي بأرسانها
إذا افتخرت دولة بالرجال / وباهت محاسن أقرانها
فمن فخر دولتنا نامق / بحسن المزايا وإحسانها
وما زال نائله مَنْهلاً / لصادي الحشاشة ظمآنها
أباد الطغاة وأفنى العصاة / ودمّرها بعد عصيانها
وألبَس بغداد تاج الفخار / وقرّب أشراف قطانها
فكانت إليه أحبَّ الديار / وحبّ الديار لسكانها
ومكّنه الله من عِزَّةٍ / من الأمن غاية إمكانها
فلاحت عليه سطور الهنا / قرأنا السرور بعنوانها
وكم فتنة أوقدت قبله / فكان الخمود لنيرانها
أحلّ رعيته في أمان / أقرّ الجميع بأوطانها
وكلٌّ له منه ما يستحق / بوزن الرجال ورجحانها
لدولته صارم باتر / يبت الخطوب بإيمانها
وحزب من الله في عونها / وذلك أكبر أعوانها
ومنذ تولى أمور العراق / وكفَّ يَدَيْ ظلم عدوانها
أراح البلاد وسرّ العباد / وكان جلاءً لأحزانها
وفي البصرة الآن سعد السعود / يلوح لها من سليمانها
أميرٌ عليها رؤوف بها / حريص على جلب أعيانها
محبَّته مُزِجَت بالقلوب / مزاج النفوس بجثمانها
تريك فصاحة ألفاظه / مجاني فصاحة سحبانها
وإنَّ البلاغة حيث انتمت / إليه قلائد عقيانها
وتعرف من لفظه حكمةً / تُفَسِّرُ حكمة لقمانها
عقول الرجال بأقلامها / وفضل العقول بعرفانها
كأنَّ ترسله خمرةٌ / تطوف النوادر في حانها
ويبعث إملاؤه نشوةً / فيهدي السرور لنشوانها
وإنَّ القوافي لدى فضله / تباع بأنفس أثمانها
فمن ثمَّ يقطف نوارها / ويجني أزاهير بستانها
وفي البصرة الفصل في حكمه / لعهد المسرة إبانها
ولما أراد بها أنْ تكون / كروح الجنان وريحانها
تسبّب في حفر أنهارها / ومنع خبائث جيرانها
وعادت هنالك ماءً طهوراً / وعذباً فراتاً لعطشانها
وكانت لعمرك فيما مضى / تشاب بأقذار أدرانها
عسى أنْ تكون لسلطانها / مليك الملوك وخاقانها
إليها برأفته لفته / بسد المياه وطغيانها
فحينئذ لم نجد آفةً / بدفع مضرة طوفانها
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا / وجسمٌ كخصرِك يشكو النحولا
وأضناه حبُّكِ حتّى اغتدى / كما تبصرين ضعيفاً نحيلا
فرفقاً به إنَّه في هواك / على حالة في الهوى لن تحولا
يبيت بطرْفٍ كثير السهاد / فلم يذق الغمض إلاَّ قليلا
وشوّقه البرق جنح الدُّجى / وندب الحمامة ليلاً هديلا
فأصبح يشكو حريق الفؤاد / ويقذف من مقلتيه سيولا
وتسكرني نسمات الشمال / فأغدو كأَنّي سُقيت الشمولا
وكم شرب الصب من عبرة / بذكر الأحبَّة دهراً طويلا
فما بلَّ فيها غليل الحشا / وكيف تبلّ الدموع الغليلا
قتلتم أحبَّتنا المستهام / وكم راح مثل المعنّى قتيلا
وروَّضتموا روض هذا الهوى / وربع التصبّر أمسى محيلا
ولمَّا أخذتم بترحالكم / أخذتم فؤاديَ أخذاً وبيلا
غداةَ استقلَّت حُداة الظعون / تجوب المهامه ميلاً فميلا
فهلاَّ بعثتم إلينا النسيمَ / فكانَ النسيمُ إلينا رسولا
بَخِلْتُم بطيف يزور المحبّ / وما كنت أعهد فيكم بخيلا
سددتم سبيل خيال الكرى / فما وجد الطيف نحوي سبيلا
قفا يا خليليَّ دون الغُوَير / ولا يتركنَّ الخليل الخليلا
لنقضي حقوق ديار عفت / ونبكي الديار فنسقي الطلولا
وكانتْ بروجاً لتلك البدور / فيا ليتها لم تلاق الأُفولا
فيا دارنا لا عداك الحيا / وجرَّت عليكِ الغوادي ذيولا
لعينيك قد ذلَّ أختَ المها / فهان وكانَ عزيزاً جليلا
إلى كم أداري وأرضي الوشاة / وأسمعُ في الحبِّ قالاً وقيلا
لقد لامني في هواك العذولُ / وألقى على السمعِ قولاً ثقيلا
فضلَّ العذولُ ضلالاً بعيداً / وحاول أمراً غدا مستحيلا
إذا المرءُ ضلَّ سبيل الغنى / فأنوار عثمان تهدي السبيلا
إلى بذل نائله المستفاد / نؤمُّ إليه قبيلاً قبيلا
متى أنكرت فضله الحاسدون / أقامت عليه المعالي دليلا
وإن حلَّ نائله موطناً / ينادي الهنا بالعناء الرحيلا
سريع الإِجابة سؤّاله / وما زالَ في كلِّ خيرٍ عجولا
نما فرعُه إذ زكا أصلُه / فطاب فروعاً وطابَ أُصولا
وفيه نمتْ روضات المكرمات / ولم يرد عود الأماني ذبولا
وقد رفع الفضل بعد الخمول / فلا شهد الفضل فيه الخمولا
وجدَّ فنالَ بما قد سعى / مقاماً عليًّا ومجداً أثيلا
ولِم لا ينال العُلى ماجد / يمدُّ إلى المجد باعاً طويلا
ولما استظلَّ به الخائفون / رأوه لذلك ظلاًّ ظليلا
أخو البأس يمنع صرف الزمان / ويعطي المقلّ عطاءً جزيلا
يُنيل وإن لامه الَّلائمون / ومن يمنع الغيث أن لا ينيلا
تعشَّقْتُ علويَّ فضل العلوم / فما تبتغي بالمعالي بديلا
لقد جئت في معجزات الكمال / وها أنت تعيي بهنَّ الفحولا
وحيَّرت فيها فهوم الرجال / فأبهتَّ فيما أتيت العقولا
عزائمك الكاشفات الكروب / تكاد الجبال بها أن تزولا
ولله من هِمَمٍ في عُلاك / تعيد الحزون سريعاً سهولا
فلو رمت قلع الرَّواسي بها / أعدت الرَّواسي كثيباً مهيلا
وأفنت يمينك جمع الحطام / لكي تستحقَّ الثناء الجميلا
وأبقيت في الدهر ذكراً حميداً / تذاكره الناس جيلاً فجيلا
بخطّك صيَّرت طرف العُلى / كحيلاً وخدّ الأماني أسيلا
أتى بقوافٍ إليك العُبَيْدُ / تجول بمدحك عرضاً وطولا
أجزني عليها الرضا بالقبول / فأقصى المنى أن أنال القبولا
طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ
طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ / وجوًى تكادُ به الجوانح تُحْرَقُ
ومع الذين أودّهم لي في الدُّجى / عتب يرقّ وعبرة تترقرق
إنِّي لأذكرهم على شحط النوى / فتظلّ عيني بالمدامع تشرق
يا سعد قد ألف السهاد متيَّمٌ / دامي الحشاشة مستهام شيّق
ماذا تقول وكيف ظنّك بالكرى / أيراجع الأَجفان وهو مطلَّق
أمْ هل يعود لنا الزمان بما مضى / من لهوه والعود غضّ مورق
أيَّام ترفل بالشباب وعيشنا / فيما تسرُّ به النُّفوس منمّق
واهاً لعيشك بين أكناف الحمى / وأحبَّة بالجزع لم يتفرَّقوا
في منزلٍ نشأت به زهر الرّيا / وسقاه ريقته السحاب المغدق
والورق تطربنا بسجع لحونها / والبان يرقص تارةً ويصفّق
أمَّا خمائله وأيّ خمائل / فالسندسُ المخضرُّ والإستبرق
كشفَ الربيعُ لنا مخايل وجهه / فيها وطابَ صبوحنا والمغبق
فرياضنا زهر النجوم وكأسنا / يسعى بها ساقٍ أغنُّ مقرطق
برزت بنوَّار الشقيق فلم يزل / بدر الدجنة عندها يتشقَّق
فكأَنَّ كأس الرَّاح برق لامع / وكأَنَّ جنح الليل غيم مطبق
ومهفهف الأعطاف تحسب أنَّه / قمر بدُريّ النجوم ممنطق
يرنو إليك بمقلة سحَّارة / تهوى ملاحتها القلوب وتشفق
أرأيت ما فعلت نواظر شادن / لم يلتفت لدم يطل ويهرق
يا أيُّها الرشأ الذي ألحاظه / ترمي بأسهمها القلوبَ وترشق
قلبي أسيرٌ في هواك معذَّب / فأنا المقيَّد في هواك المطلق
ولقد أرقْت لك الدموع بأسرها / شوقاً فما لك لا ترقّ وترفق
هلاّ رجعت إلى وصال متيَّم / شبَّ الغرام وشاب فيه المفرق
فامنن عليَّ بقبلةٍ تسخو بها / كرماً كما يتصدَّق المتصدِّق
هيهات فاتت بعد فائتة الصبا / لذاتنا الّلاتي لها أتشوَّق
ذهبتْ ولم تذهب عليها حشرة / في كلِّ يوم تستجدّ وتخلق
وعفت منازل للهوى ومعالم / كانَ الزمان بها عليه رونق
أعِدِ الحديث عن الديار وقل لنا / بأبيك ما فعل الحمى والأَبرق
لا جاز أرضك يا منازل مرعد / من عارضٍ يسقي ثراك ومبرق
واعشوشبت منك البقاع وأينعت / منك الأزاهير التي تتأنَّق
أنَّى تغيَّرت البلاد وأهلها / وأتى عليها الدهر وهو مفرق
وتبدَّلت تلك الوجوه بغيرها / غربت بدور ما هنالك تشرق
نعم الذين شقيت من أدبي بهم / فيما لقيت فما نعمت ولا شقوا
هذي هي الدنيا كما تريانها / حرم اللبيب بها وفازَ الأَحمق
فصبرت فيها والخطوب متاحة / لا ضاجر منها ولا أنا مشفق
حتَّى رأيت النائبات تقولُ لي / عجباً لصبرك كيف لا يتمرق
ومذ امتدحت أبا الجميل فلا يدي / صفر ولا أنا من نداه مملّق
حملت مناقبه الرواة بأسرها / فمغرّب بثنائه ومشرّق
من مبلغ الشّعراء عنِّي أنَّني / في الجدِّ شاعره المجيد المفلق
وسواي في الشُّعراء عن ممدوحه / راوٍ بمثل حديثه لا يوثق
غرَّدت فيه مطوَّقاً بجميله / إنَّ الحمام كما علمت مطوق
أنبأت عنه وكنت أصدق لهجة / ويسرّني أني أقول فأصدق
نبأٌ عن المجد الأَثيل ومنبئٌ / تصغي إليه أُذُنُ الزَّمان فيطرق
لو بارز الليل البهيم أعانه / من صبح غرَّته عليه فيلق
يسطو على الأَرزاء سطوة ضيغمٍ / إحدى براثنه السنان الأَزرق
متصرّف في البأس حيث وجدته / ما زالَ يفتق ما يشاء ويرتق
ويروق عند لقائه وعطائه / غيث يصوب وبارق يتألَّق
فكأنَّما العافون منه بروضة / أنهارها من كفِّه تتدفَّق
فانظر إلى الأَحرار وهي عبيده / بالبرِّ إلاَّ أنَّها لا تُعتَق
خلق الجميل بذاته لوجوده / خلقاً وها هو في سواه تَخَلُّقُ
كرم على عسر الزَّمان ويسره / لا يستقرُّ المال حتَّى ينفق
ولقد كفاني الله فيه عصابة / لا أرتجيهم أبرقوا أم أرعدوا
واللهُ يعلم أنَّ قدرك فوقهم / وعلاك في جوِّ السَّماء مُحَلِّقُ
يا لابساً بُرْدَ الأُبوَّة والعُلى / أرج الثناء بطيِّ بردك يعبق
فلكم يضوع مكارماً ومفاخراً / يحيا بطيب أريجه المستنشقُ
لم تبصرِ العينان مثلك لاحقاً / للأَوَّلين وسابقاً لا يُلحق
أحييتَ مجداً رمّ بعد فنائه / فالمجد حيٌّ في حياتك يرزق
تفديك ممَّا تشتكيه من الأَذى / خَلقٌ وددت لوَ انَّهم لم يخلقوا
وُفِّقت للفعل الجميل وصنعه / إنَّ الموفّق للجميل موفَّق
فسعى إلى جدواك كلُّ مؤمَّلٍ / باب المواهب دونه لا يغلق
تملي عليك الشكر ألسِنةٌ لها / يحلو لها لفظ ويعذب منطق
أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا
أهاج الجوى برقاً أغارَ وأنجدا / أرَقْتُ عليه الدمع مثنًى وموحدا
وبتُّ وفي قلبي لهيبٌ كنارِهِ / تضرَّمَ في جنح الدُّجى وتوقَّدا
تذود الكرى عن مقلتي عبراتها / فتشرق فيها العين والقلب في صدى
فكيف وكم لي زفرة بعد زفرة / تثيّر منِّي فضَّة الدمع عسجدا
أحاول من سَلمى زيارة طيفها / وأنَّى يزور الطَّيف جفناً مسهَّدا
وما أطولَ الليلَ الذي لم تصل به / كأنْ جعلت ليل المتيَّم سرمدا
إلامَ أداري لوعتي غير صابر / وتمنعني يا وَجْدُ أن أتجلَّدا
أما آن للنار الَّتي في جوانحي / من الوجد يوماً أن تَقَرَّ وتخمدا
ولو كانَ غير الوجد يقدح زنده / بأحشاي من تذكار ظمياء أصلد
وما هو إلاَّ من سنا بارق بدا / أقام له هذا الفؤاد وأقعدا
يذكرني تبسام سُعدى فلم أجد / على الوجد إلاَّ مدمع العين مسعدا
وأيامنا الَّلاتي مَرَرْنا حوالياً / بعقد اجتماع الشَّمل حتَّى تبدَّدا
ولله هاتيك المواقيت إنَّها / مضتْ طرباً فالعمر من بعدها سدى
ورَدْنا بها ماءَ المودَّة صافياً / وكنَّا رعينا العيشَ إذ ذاك أرغدا
شربنا نمير الماء عن ثغرِ العس / غداة اجتنينا الورد من خدّ أغيدا
وما كانَ عهدُ الخَيف إلى صبايةً / فيا جاده عهد المواطر بالجدا
وصبَّتْ عليه الغاديات ذنوبها / وأبرقَ فيها حيثُ شاءَ وأرعدا
وساقَ إلى تلك المنازل باللّوى / من المُزن ما ليستْ تميلُ إلى الحدا
تجعجع مثل الفحل هاج وكلَّما / أُريعَ بضرب السَّوْط أرغى وأزبدا
فحيّى رسوم الدار وهي دوارسٌ / إلى أن تراها العين مخضلّة النَّدى
على الدار أنْ تستوقف الركب ساعةً / بها وعلى الأَحزان أن تتجدَّدا
وليل كأَنَّ الشُّهب في أخرياته / تمزّق جلباباً من اللَّيل أسودا
كأَنّي أرى الآفاق في حالك الدُّجى / تذرّ به في مقلة النجم إثمدا
هصرت به غصناً من البان يانعاً / وقلتُ لذات الخال روحي لك الفدا
يلين إلى حلو الشمائل جانبي / على أنَّني ما زلتُ في الخطب جلمدا
تقلّد أجياد الكرام قلائدي / وتكسو لئيم القوم خزياً مؤبَّدا
وإنِّي متى ما شئتُ أن أنل الغنى / وأبلغ آمالي مدحت محمَّدا
فتًى من قريش لم تجد ما يسرّه / سوى أنْ تراه باسطاً للندى يدا
تودّد بالحسنى إلى كلِّ آملٍ / وشأن كرمِ النفس أن يتودَّدا
إذا جئته مسترفداً نيل برّه / أنال وأولاك الجميلَ وأرفدا
فلو أنَّني خُيِّرت بالجود مورداً / لما اخترت إلاَّ جود كفَّيْهِ موردا
وما كانَ قطر المُزن يوماً على الظما / بأمرا نميراً من نداه وأبردا
وما زال يسعى سعيَ آبائه الأُلى / مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى
فأضحى بحمدِ الله لمَّا اقتدى بهم / لمن شمل الدِّين الحنيفي مقتدى
وما كانَ إلاَّ مثل ما صارَ بعدَها / وما ضرَّ قدرَ العضب إنْ كانَ مُغْمَدا
وهب أنَّ هذا البدر يحكيه بالسنا / فمن أينَ يحكيه نجاراً ومحتِدا
تنقَّل في أوج المعالي منزلاً / وشاهد في كلٍّ من الأمر مشهدا
فما اختار إلاَّ منزل العزِّ منزلاً / ولا اختار إلاَّ مقعد المجد مقعدا
له الله مسعود الجناب مؤيّداً / زجرت إليه طائر اليمن أسعدا
يساعدني فيما أرومُ بلوغه / إذا لم يكن لي ساعد الدهر مسعدا
وجرّدت منه المشرفيَّة ولم يزلْ / على عاتق الأيام عضباً مجرّدا
فتى هاشم قد ساجد بالجود والنَّدى / فيا سيِّداً لا زالَ بالفضلِ سيِّدا
لكَ الهمَّة العلياء في كلِّ مطلبٍ / فلو كنت سيفاً كنت سيفاً مهنَّدا
أبى الله إلاَّ أنْ تُسَرَّ بك العُلى / وتحظى بها حتَّى تغيظ بها العدى
بلغت الأَماني عارفاً بحقوقها / فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حُسَّدا
وصيَّرتني بالرقّ فيما أنلتني / وقد تصبح الأَحرار بالفضلِ أعْبُدا
فما راح من والاك إلاَّ منعّماً / ولا عاشَ من عاداك إلاَّ منكدا
وهذا لساني مطلق لك بالثنا / عليك وفي نعماك أمسى مقيَّدا
يصوغ لك المدح الَّذي طاب نشره / يخلّد فيك الذكر فيمن تخلّدا
فمن ثمَّ أقلامي إذا ما ذكرتها / تخرُّ له في صفحة الطرس سجّدا
مناقب إحسانٍ حسانٌ ضوامِنٌ / لعلياك أن تثني عليك وتحمدا
فدتك الأَعادي من كريمٍ مهذَّبٍ / غزارٍ أياديه وقلّ لك الفدا
نُصِرْتُ على خصمي به ولطالما / خذلت به خصمي علاءً وسؤددا
وأرغمتُ أنف الحاسدين بمجده / فلا زالَ في المجد العزيز الممجَّدا
بارق الشام إلى الكرخ سرى
بارق الشام إلى الكرخ سرى / فروى عن أهل نجد خبرا
وبنا هبَّت له بارقة / أضرمت بالريّ منها شررا
وإلى الله فؤاد كلَّما اس / تعرت نار الطلول استعرا
غنّ لي يا حادي العيس ولا / تهمل السَّير فقد طال السرى
وأعِدْ أخبار نجد إنَّها / تجبر القلب إذا ما انكسرا
آه كم ليلة طالتْ وقد / ذكروا نجداً وهمٍّ قصرا
كيف لا أعشق أرضاً أهلها / شملت ألطافُهم كلَّ الورى
قلْ بهم ما شئت واذكر فضلهم / إنَّ كلّ الصيد في جوف الفرا
كَرُموا أصلاً وطابوا مغرساً / وعَلَوْا قدراً وجادوا عنصرا
إنْ تَرَ منهم فتًى ظنَّيت في / ذاته كلّ الكمال انحصرا
قسماً بالزُّهر من أجدادهم / من به طابَ ثرى أمّ القرى
مدحهم ذخري وديني حبُّهم / يا ترى هل يقبلون يا ترى
يشهد الله بأنِّي عبدهم / تحت بيع إن أرادوا وشرا
وإذا انجرت أحاديثُهُم / لا تسل عن مقلتي عمَّا جرى
وهبوا عيني الكرى واحسرتا / ودلالاً أحرموا جفني الكرى
وتراني حينما قد نفروا / ألفت عيني البكا والسهرا
شرفوا الأرض ومن هذا نرى / منهمُ في كلِّ حيٍّ أثرا
كأبي القدر المعلى والهدى / والندى والعلم مرفوع الذُّرا
بضعة السادات من أهل العبا / كوكب الإشراق تاج الأُمَرا
وارث القطب الرفاعيّ الَّذي / صيته أملى الملا واشتهرا
عَلَمُ الأشياخ سلطان الحمى / غوث أهل الشرق شيخ الفقرا
يا لها والله من سلسلة / كلما طالت نداها انحدرا
عصبة من آل خير الأنبيا / عَزَّ من يغدو بهم مفتخرا
سيّدي يابا الهدى يا ابن الَّذي / خضعت ذلاً له أُسْدُ الشرى
يا كريم الطبع يا كنز التقى / يا شريف القدر أنّى حضرا
لك وجه لمعت من وجه / شمس رشد نورها لن ينكرا
مظهر أيّده الله وكم / أرجو منه فوق هذا مظهرا
لك من مجد الرفاعي رفعةٌ / ترجع الطرف كليلاً حسرا
ويد روحي فداها من يدٍ / تخجل الغيث إذا الغيث جرى
ولسان راح يروي قلبه / ما به بحر الفتوح انفجرا
لك طرف أحمديٌّ إنْ رمى / نبله العزم يشق الحجرا
لك صدر طاهر من دنس / عن مياه الحقد طبعاً صدرا
بأبيك ابن الرفاعي وبالأ / وصيا نعمَ الجدودُ الكُبَرا
لا ترى من حاسد إنكاره / مثل هذا عن أبيكم ذكرا
وأسلم الدهر رفيعاً سيّداً / مرشداً لم تلق يوماً كدرا
وأقبل العبد محبًّا خالص ال / قلب لا زال بكم مفتخرا
فهو عن مدح سواكم أخرسٌ / وبكم أفصحُ حزبِ الشُّعرا
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي / بَرْقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال
وترنم الورقاء في أفنانها / ما زاد هذا الصب غير خبال
وأُشيمُ من برقِ الغُوَير لوامعاً / فإخاله تبسام ذات الخال
زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها / زوراً وما خطر السلوّ ببالي
ما بال أحداق المها من يعرب / فتكت بغير صوارم ونصال
يرمين في المهج الهوى فتظنها / ترمي القلوب بنافذات نبال
هيف من الغيد الحسان سوانح / من كل داء يا أميم عضال
لله ما فعل الغرام بأهله / والحب في أهليه ذو أفعال
ولقد أقول لأبلج لا أهتدي / إلاَّ بصبح جبينه لضلال
أبلى هواك حشاشتي وأذابها / لولاك ما أصبحت بالي البال
بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه / جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي
حمّلتني ما لا أُطيق وإنَّما / حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي
كيف احتيالك في سلوّ متيّم / أعْيَتْ عليه حيلة المحتال
إنّي أحِنُّ إلى مراشف ألعسٍ / تغني مذاقتها عن الجريال
ويشوقني زمن غصبت سروره / رغماً على الأنكاد والأنكال
أيام نتّخذ المَسرَّة مغنماً / فنبيت نرفل في برود وصال
ومليكة الأفراح تبرز بيننا / قد كُلِّلَت تيجانها بلال
يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ / فترى الغزالة في يمين غزال
ويحضّنا داعي السرور على طلاً / زفت على الندمان بالأرطال
ألهو فيطرب مسمعي من غادة / نغم الحليّ ورنة الخلخال
وألذّ ما يلقى الخليع سويعة / خفيت عن الرقباء والعذال
أيامها مرّت ولا ندري بها / فكأنها مرّت مرور خيال
أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى / قد حال من بعد الأحبّة حالي
سارتْ ظُعونهم وما أدَّت لنا / حقًّا على الأَزماع والترحال
أَقمار أَفلاك الجمال تغيَّبت / بعد الطلوع على حدوج جمال
وما كنت أدري لا دريت بأنَّه / هول الوداع نهاية الأَهوال
وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى / حتَّى بليت بحبِّكِ القتَّال
سكان وجرة والعذيب وبارق / تحريمكم للوصل غير حلال
أنتم أسرتم قلب كلّ متيّم / بلحاظ أحوى مائل لملال
أو يطلقون من الأسار عصابة / غلّتهم الأَشواق في أَغلال
ما جرّدت فينا صوارمها النوى / إلاَّ لقطع حبالهم وحبالي
أسفي على عمرٍ تقضَّى شطره / في خيبة المسعى إلى الآمال
وبنات أفكار لنا عربيَّة / رخصت لدى الأَعاجم وهي غوالي
يا هذه أينَ الذين عهدتهم / آساد معترك وغيث نوال
عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ / متشابهِ الأَشراف بالأَنذال
تقذى نواظره بأوجه معشر / لا يعثرون بصالح الأَعمال
وَلِعَت بهم أيامهم من دوننا / ما أولعَ الأيامَ بالجهَّال
لولا خبال الدهر ما نال الفنى / في الناس ذو بَلَهٍ به وخبال
هم كالبحور الزاخرات وإنَّني / لم أنتفع من وردهم ببلال
ذهب الملوك الباذلات أكفّهم / بذل الغمام بعارض هطال
حتَّى عفت أطلال كلّ فضيلة / فليبك من يبكي على الأَطلال
وأرى النقيصة شأن كلّ مبجلٍ / فكمال فضل المرء غير كمال
وكأنَّما الأيام آلت حلفة / أن لا أرى في الدهر غير نكال
وأنا الَّذي حَلَّيْتُ أجياد العُلى / بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي
إنْ كنت من حلل الفضائل ناسجاً / أبرادها فانسج على منوالي
ما فضل أبناء الزَّمان فضيلتي / كلاّ ولا أمثالهم أمثالي
إنَّا لنسمع بالكرام فأين هم / هيهات ما هم غير لمع الآلِ
لولا وجود ابن الجميل وجوده / قلت الزَّمان من الأكارم خالي
قرم لراحته وشدَّة عزمه / جود السحاب وصولة الرئبال
يعطي ولم يُسأل نداه وهكذا / يعطي الكريم ولو بغير سؤال
وأحق خلق الله بالمدح امرؤ / كثرت عطاياه من الإِقلال
خوَّاض ملحمة الأُمور بهمَّةٍ / جالت سوابقها بكلِّ مجال
ضربت به الأَمثال في عزماتها / حتَّى غدا مثلاً من الأَمثال
لا زالَ يُطلِعُ في سموات العُلى / أقمار مجدٍ أو نجوم خلال
خُلُقٌ يمازجه الندى فطلاهما / كالرَّاح مازجها غير زلال
يفتر عن وبل المكارم مثلما / يفتر عن وطفاء برق الخال
وعن المروءة وهي شيمة ذاته / ما حال عند تقلّب الأَحوال
يحمي النزيل بنفسه وبماله / يسخو بها كسخائه بالمال
والخوف يوم الطعن من وشك الردى / كالخوف يوم البذل من إقلال
إنَّ الشجاعة والسَّماحة حلَّتا / منه بأفضل سيِّد مفصال
يرتاح للمعروف إذ هو أهله / فيهش للإِنعام والإِفضال
مثل الجبال الرَّاسيات حلومه / أمنَ الأنام به من الزلزال
عوّل عليه في الشدائد كلّها / واسأل فثَمَّ محل كلّ سؤال
حيث المحاسن قُسِّمت أشطارها / فيه على الأَقوال والأَفعال
ومهذب سبق المقال بفعله / حيث الفعال نتيجة الأَقوال
ولطالما وعد العفاة فبادرت / يمناه الحسنى على استعجال
ويمدّها بيضاءَ يهطلُ وبلها / ويسيل شامل برها السيال
يعطي ولا منٌّ ويجزي بالذي / هو أهله وينيل كلّ منال
سامٍ إذا ما قست فيه غيره / قست الهضاب بشامخات جبال
قيل تعاظم كالرَّواسي شأنه / وكذاك شأن السَّادة الأَقيال
عزّت أبوَّته وجلَّ فنفسه / في العزِّ ذات أُبوَّة وجلال
يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنَّه / لمناخ مجد أو محطّ رحال
آل الجميل وأهله ومحلّه / سادوا البريَّة في جميل خصال
الصائنون من الخطوب نزيلهم / والباذلون نفايس الأَموال
فغلت نفوسهم ببذل مكارم / للوفد ترخص كلّ شيء غال
فترى على طول المدى أيَّامهم / يومين يوم ندى ويوم نزال
يا من سرت عنه سباق محامد / تجتاب بين دكادك ورمال
فَسَرَت كما تسري نسايمها الصبا / عبقت بطيب نوافج وغوالي
عن روضة غنَّاء باكرها الحيا / فوهت بقطر الصيّب المنهال
ولقد قربت من المعالي قربك ال / داني من العافين بالإِيصال
فبعدت عن قرب الدنيَّة في الدنى / بعد المكارم من يد الأَرذال
وترفَّعت بك شيمة علويَّة / لم ترضَ إلاَّ بالمحلِّ العالي
سبق الكرام الأَوَّلين فقولنا / سبق الأُلى هذا المجلّي التالي
ممَّن يذلّ لديه صعب خطوبها / بأساً ويبطل غيلة المغتال
فكأنَّ حدَّة عزمه صمصامه ال / ماضي وفيصل عضبه الفصَّال
طلاّب شأو الفخر بين الورى / في المجد بين صوارمٍ وعوالي
والمجد يطلب في شفير مهنَّد / ماضي الغرار وأسمرٍ عسَّال
والفخر في فضل الفتى وكماله / والعزّ صهوة أشقرٍ صهَّال
لك منطقٌ يشفي القلوب كأَنَّه / بُرْءٌ من الأَسقام والإِعلال
ومناقب كست القوافي بردة / في الحسن ترفل أيّما إرفال
أضحى يغرِّد فيك مطرب مدحها / لا بالعقيق ولا بذات الضال
فاقبل من الدَّاعي قصيدة شعره / لأعدها من جملة الإِقبال
فعليك يا فخر الوجود معوَّلي / وإليك من دون الأنام مآلي
لولا علاقتنا بمدحك سيِّدي / لتعلَّقت آمالنا بمحال
فاغنم إذَنْ أجر الصّيام ولم تزلْ / تهنا بعَوْرِ العيد من شوال
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ / وقامت به بالمكرمات دعائمُ
فثمَّ المعالي والرياسة والعلى / نوالٌ وإقدامٌ ورمحٌ وصارم
وليس يسود المرءُ إلاَّ بنفسه / وإن نجبت فيه أُصولٌ أكارم
ولا حرَّ إلاَّ والزَّمان كما أرى / يحاربه طوراً وطوراً يسالم
شديدٌ على الأيام يقسو إذا قستْ / وإنْ عَبست أيَّامهُ فهو باسم
أخو الحزم يقظان البصيرة لم تنم / له أعينٌ والجاهل الغمر نائم
ذرّ اللَّوم إنِّي بالمعالي متيَّمٌ / وإن لامني فيها على الحبِّ لائم
تركت الهوى بعد المشيب لأهله / وراجعني حلم لسَلمى يصارم
وما أنْسَ لا أنسى زماناً قضيته / وعود الصبا ريَّان والعيش ناعم
أشيمُ به برق الثنايا وأصطلي / سنا نار كأس والحبيب ملائم
طروقاً إلى من كنتُ أهوى بليلةٍ / كأَنَّ دجاها عارض متراكم
بحيث المواضي والأَسنَّة شرَّعٌ / وموج المنايا حوله متلاطم
إذا زأرَ الليث الهزبر بحيّة / يجاوبه ريم من السرب باغم
واسمرَّ نفَّاث المنون سنانه / كما نفث السمَّ الزعاف الأَراقم
يسامرني إذ لا سمير اعتقلته / وجنح الدُّجى في مهلك البيد فاحم
وعانقني ما نمت عضب مهنَّد / من البيض لا البيض الحسان النواعم
ولي من رياض القول كلّ حديقة / زها ناظم فيها وأعْجَب ناظم
سقتها يد من ناصر فتفتَّحت / بنوَّار أزهار الكلام كمائم
تترجم عن إحسانه وجميله / فيا حسنَ ما أبدته تلك التراجم
بمتّخذ زرق الأَسنَّة سلَّماً / على المجد والسّحر العوالي سلالم
من العالم العلويّ نفساً وهمَّة / رفيع المباني والأنام دعائم
رزقت من النعماء أرفع سؤدد / من العزّ ما تنحطّ عنها النعائم
فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسَّداً / لأنف الأَعادي حدّ سيفك راغم
أبا فالح سُدْتَ الأُمور بحكمةٍ / وأنت خبيرٌ بالسِّياسة عالم
ورأي يريك الأمر قبل وقوعه / فما ريع ذو لبّ من الأَمر حازم
أمستعصمَ الملهوف ممَّا ينوبه / لك الله من شرّ النوائب عاصم
وترعاك من عين الإِله عناية / تصاحب من صاحبته وتسالم
فمن ناله منك الرضا هو رابحٌ / ومن فاته منك الرضا فهو نادم
رفعت منار المجد فيها وحلَّقت / خوافٍ إلى جوِّ العُلى وقوادم
إليك انتهى الفعل الجميل بأسره / وما تنتهي إلاَّ إليك المكارم
مكارم ترتاح النفوس لذكرها / وفيها الغنى يرجى ومنها الغنائم
غياث غوث كلَّما انهلَّ ساجم / تتابع في آثارها منك ساجم
يميزك الإِقدام والبأس والندى / وما تستوي أُسْدُ الشرى والبهائم
وما قَعَدت عمَّا أمرتَ قبيلةٌ / وأنت عليها بالمهنَّد قائم
وإنَّك لو دمَّرت قوماً بذنبهم / فإنَّك مأمورٌ وما أنتَ آثم
لقد أعرَبتْ عنك الصوارم والقنا / وقد أفصحت شكراً وهنَّ أعاجم
وقد ترجمت عن طول باعك في الوغى / وشاعت وذاعت عنك تلك التراجم
فيا لك من يشقى لديه عدوّه / لك السعد والإِقبال عبد وخادم
وكم لك ما بين الخميسين وقفة / وقد أحجمت عنها الأُسود الضراغم
وردت المنايا والسّيوف مناهل / وما لك في ذاك الورود مزاحم
تركت بها القتلى تمجّ دماؤها / وللطير منها والوحوش ولائم
فللأرض من تلك الدّماء مشارب / وللوحش من تلك اللّحوم مطاعم
بطشت بمن يبغي عليك بكيده / وأنت رؤوفٌ بالرعيَّة راحم
وأبقيت دار المفسدين بلاقعاً / خلا عالم منها وأقوت معالم
وأنصفْتَ بين الناس بالحكم عادلاً / فلا ثَمَّ مظلوم ولا ثَمَّ ظالم
يُمَدُّ عليها منك ظلٌّ مظلِّلٌ / إذا لفحتها بالخطوب سمايم
أعدت شباب الدهر بعد مشيبه / فعاد علينا عهده المتقادم
لئن ذكروا في الجود كعباً وحاتماً / فأنت لهذا العصر كعب وحاتم
وما بَرِحَتْ تنهلُّ جوداً ونائلاً / يمينُك لا ما تستهلّ الغمائم
ولله منها عارض سحّ ممطراً / دنانيرها من قطرها والدراهم
تطوّقني نعماك تترى بمثلها / بأحسن ممَّا طوّقته الحمائم
وكم لي بكم يا آل سعدون مدحة / من القول يستوفى بها الشكر ناظم
إذا أُنْشِدَتْ سرَّت نفوساً وطأطأت / رؤوساً ومالت من رجال عمائم
وإنِّي بكم يا آل سعدون شاعر / وها أنا في وادي ثنائك هائم
بطلعتك الغرَّاء موسم ثروتي / ولي منك في نيل الثراء مواسم
فأنت لعمري للمكارم فاتح / وأنت لعمري للأكارم حاتم
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا / بقدومٍ منك إقبالاً وسَعْدا
وإذا أصبحتَ في أحسائها / قيل للشرّ عن الأَحساء بُعْدا
أقبل الخير عليها كلُّه / منجزاً فيك بلطف الله وعدا
وأَراد الله أنْ يعصمها / من شرار كادتْ الأَخيار كيدا
كانَ كالضائع ملكاً هُملاً / فاستردَّ الملك أهلوه فَرُدَّا
إذ تصدَّيت لأمرٍ لم نجد / قبل علياك له من يتصدَّى
منجداً مستنجداً أنقذته / بفريق صالح سارَ مجدا
ورجالٍ أنت قد أعددتهم / يوم تلقى الأُسدُ في الهيجاء أُسْدا
كلّ مقام إلى الحرب يرى / شكر نعمائك فرضاً أنْ يؤدَّى
كاللواء المقدم الشهم الَّذي / كانَ في الهيجاء لا يألوك جهدا
وفريق نفذت أحكامه / بالَّذي تأمره حلاًّ وعقدا
والسَّعيد السّيّد الشهم الَّذي / كانَ من اسعد خلق الله جدا
إنَّما التوفيق والإِسعاد ما / برحا سيفاً لعلياك وزندا
جرّبوا الأيام سخطاً ورضاً / وَبَلَوْا أهوالها شيباً ومردا
بذلوا أنفسهم في خدمة / أورَثَتْهم بعدها عزًّا ومجدا
بعقول لم تزل مشرقة / وسيوف تحصد الأَعمار حصدا
فعلت آراؤهم ما لو جرى / معها العضب اليمانيّ لأكدى
عامَلوا باللّطف منهم أمَّةً / لم تجد من طاعة السلطان بدَّا
جلبت طايعهم عن رغبة / حين أقصت من أبى الطَّاعة طردا
صدقوا الله على ما عاهدوا / إنَّهم لم ينقضوا في الله عَهْدا
شَمِلَتْهُمْ منك باستخدامهم / أنْعُمٌ تترك حُرَّ القوم عبدا
ولَعمري ليس بالمغبون من / يشتري منك الرضا بالروح نقدا
لمزايا خصَّك الله بها / أكثرَ الناسُ لها شكراً وحمدا
يا مشيراً بالذي يرشدنا / إنَّما أنتَ بطرق الرُّشد أهدى
كلّ ما جئت به مبتكر / من عموم النفع فعلاً يتعدَّى
فاركب البحرَ وخض لُجَّتَهُ / يا شبيه البحر يوم الجود مدَّا
وانظر الملك الَّذي استنقذته / واجرِ ترتيبك فيه مستبدا
يتلقَّاك بأعلى همَّةٍ / فتُحيَّا بالتَّهاني وتُفدَّى
قد أقَرَّتْ واستقرَّت عندما / زجرت طائرك الميمون سعدا
أصْبَحْت في عيشة راضية / وبأيَّامك نلقى العيش رغدا
يسَّر اللهُ لم الأمر كما / ينبغي لطفاً وإحساناً وقصدا
لا دم سالَ ولا دمعٌ جرى / وكفاها ربّك الخصمَ الألدَّا
يهنك السيف الَّذي أُهدي من / ملك أهداه إنعاماً وأسدى
لستُ أدري سيِّدي أيَّكما / هو أمضى إذ يكون الروع حدا
كلَّما جرّدته من غمده / كانَ برقاً في أياديك ورعدا
وإذا أغْمَدْتَهُ كانَ له / هام من يعصيك في الهيجاء غمدا
دُمْتَ للدَّولة عَيناً ويَداً / والحسامَ العضبَ والركنَ الأشدَّا
دولة قد أيَّدت واتَّخذت / من جنود الله أنصاراً وجندا
ويميناً إنَّها إن صَدَمَتْ / جبلاً بالبأس منها خرَّ هدَّا
أَو أَتَت نار عدوٍّ أُوقِدَت / لأَحالت حَرَّ تلك النار بردا
يا لك الله هماماً بالذي / يَدْحَضُ الغيَّ وما جانب رشدا
مرُّ طعم السُّخط حلويّ النَّدى / يجتني المشتار من أيدي شهدا
ما رأتْ عيناي أندى راحة / منك في الجود ولا أثقب زندا
راحة الدُّنيا وناهيك به / مخلصٌ لله ما أخفى وأبدى
فلوَ انِّي فُزت في أنظاره / جعلت بيني وبين البؤس سدَّا
أنت كالدُّنيا إذا ما أقبلَتْ / لامرئٍ والدهر إعراضاً وصَدَّا
أنتَ أسنى نِعَم الله الَّتي / نحنُ لا نحصي لها حصراً وعدَّا
لك في النَّاس على الناس يدٌ / نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
فقدت وجدان ما نحذره / لا أراعتنا بك الأيام فقدا
فعلى الأَقطار مُذْ وُلِّيتَها / ظلُّك الضافي على الأَقطار مُدَّا
فتوجَّه حيثُ ما شئت لكَي / تملأَ السَّاحل إحساناً ورفدا
في أمان الله محفوظاً به / تصحب النصر ذهاباً ومردَّا
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير / كئيبٍ ذي فؤاد مستطيرِ
يقلِّبُه الأَسى ظهراً لبطنٍ / ويُسْلِمُهُ إلى حرِّ الزفير
وكيفَ يَقَرُّ بالزفرات صبٌّ / وفي أحشائه نار السَّعير
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً / يصوبُ للوعة القلب الأَسير
وكم في الحيِّ من ليثٍ هصورٍ / صريع لواحظ الرشأ الغرير
وكنت على قديم الدهر أصبو / بأشواقي لربَّات الخدور
وكنت إذا زأرت بأسد غيل / رأيت الأُسْدَ تفزع من زئيري
فغادرني الزَّمان كما تراني / عقيراً في يد الخطوب العقور
فأَغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ / وما لي غير همِّي من سمير
فآهاً يا أُميمة ثمَّ آهاً / لما لاقيت من دهرٍ مبير
محا من أُسرتي الأَشراف منهم / كما مُحيت حروفٌ من سطور
لقد بعد الكرام النجب عنِّي / فليلي بعدهم ليل الضرير
على أنِّي دفعت إلى زمان / يخاطر فيه ذو المجد الخطير
تشبّهت الأَسالف بالأَعالي / وقد تاه الصغير على الكبير
وأمستْ هذه الدُّنيا تريني / حوادثها أعاجيب الأُمور
ولا زالتْ تتوقُ لذاك نفسي / إلى يومٍ عبوسٍ قمطرير
لعلِّي أنْ أبُلَّ به غليلاً / ويهدأ بعض ما بي من زفير
أراني إنْ حلَلْتُ بدار قومٍ / أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري
وذي عجب أضرَّ الجهل فيه / وأنفٍ مشمخرٍ بالغرور
يرى من نفسه ربّ المعالي / ولا ربّ الخورنق والسدير
ضريت بوجهه وصددت عنه / كما صدَّ العظيم عن الحقير
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ / وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور
وكم رفع الزَّمان وضيع نفس / فنال الحظَّ بالباعِ القصير
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض / وكان محلُّه فوقَ الأَثير
أصونُ عن الأَرذال عزَّ نفسي / وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً / إلى من لا يزال بلا شعور
وكم في الناس من حيٍّ ولكنْ / يُرى في الناس من أهل القبور
أتيتُ البصرة الفيحاء أسعى / وحبَّكِ سَعْيَ مقدام جسور
أزورُ بها من العلماء شيخاً / حباه الله بالعِلم الغزير
إلى عَلَمٍ من الأَعلام فردٍ / تفيض علومه فيض البحور
لأحمد نخبة الأَنصار يغدو / مسيري إنْ عزمت على المسير
إذا ما عدّدت أعيان قومٍ / وقابلنا نظيراً بالنَّظير
فعين أُولئك الأَعيان منهم / وقلب في صدور بني الصُّدور
وإنِّي مذ ركنتُ إلى عُلاه / كأنِّي قد ركنت إلى ثبير
رَغِمْتُ بودّه آناف قوم / رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور
إذا أخَذَت بغاربهم يميني / أخذتُ بغارب الجدّ العثور
رعيت لديه روض العزّ غضًّا / وأنهلني من العذب النمير
إلى منهاج شرعته ورودي / وعن مورود نائله صدوري
ركنت إلى المناجيب الأَعالي / ولم أركنْ إلى وغدٍ شرير
أبار بنور تقوى الله وجهاً / وقد يزهو على القمر المنير
غنيٌّ عن جميعِ الناس عفٌّ / رؤوفٌ بالضَّعيفِ وبالفقير
ترى من وجهه ما قد تراه / على وجه الصَّباح المستنير
يُعَدُّ من الأَوائل في تقاه / وإنْ وافاك بالزَّمن الأَخير
وهل يخفى على أبصار بادٍ / شموس علاه بادية الظهور
فخُذْ عنه العلوم فقد حباه / إله العرش بالفضلِ الشهير
ولم نظفر بمثل علاه يوماً / بمطّلع بصير بالأُمور
فسل منه الغوامض مشكلاتٍ / فإنَّك قد سقطت على الخبير
تحومُ عليه أهل الفضل طرًّا / كما حامَ الظماءُ على غدير
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ / يقي بظلاله حرَّ الهجير
ويغنيني عن الأَنصار مولًى / نصيري حين يخذلني نصيري
له محض المودَّة من خلوصي / ومحض الودّ إخلاص الضَّمير
سأجزيه على النعماء شكراً / بما يرضيه من عبدٍ شكور
لمطبوع على كرم السجايا / ومجبول على كرم وخِير
زهتْ في حسن مدحتك القوافي / كما تزهو القلائد في النحور
وطابَ بك الثناء وإنَّ شعري / تضمَّخَ من ثنائك بالعبير
فدمْ واسلمْ على أبد اللَّيالي / وعشْ ما دمت حيًّا في سرور
إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي
إلى العزّ خوري يا نياقي وأنجدي / ويا همَّتي قومي إلى الجود واقْعُدي
فلا عزّ حتَّى أترك النوق ترتمي / بنا وجياد الخيل تكدم باليد
عليها من الفتيان كلُّ مجرَّدٍ / من الضَّيم أمضى من حسامٍ مجرَّد
يذود الكرى عن مقلةٍ طمحت به / إلى شيم برق من فخارٍ وسؤدد
تعوَّد أنْ لا يشرب الماءَ بالقذى / ولم ترضَ نفس المرء ما لم تعوّد
فجرَّدَها مثلَ القسيّ حوانياً / لقطع الفيافي فدفداً بعد فدفد
يبيت الدُّجى ما بين نوم مشرّد / لفقدان من يهوى ودمع مبدَّد
يُعالج همًّا بين جَنْبَيْه للعُلى / ويَحْسِرُ عن باعٍ لأروع أصيد
رفضت الهوى بالكرخ واللَّهو بالدمى / وأعرضتُ عن بيضٍ من الغيد خرَّد
وراح كعين الدِّيك صفواً تديرها / نظيرة قدّ البانة المتأوّد
مورّدة في الكأس بعد مزاجها / كأنْ مزجت من ماء خدٍّ مورّد
تعاطيتها صِرفاً ينمُّ أريجها / عليها فما استغنيتُ عن ريقِ أغيد
وما كانَ باقي اللَّيل إلاَّ كأَنّه / على حَدَق الآفاق آثارُ إثمد
ذكرتك يا ظمياءُ والنار في الحشا / ولولاك تلك النار لم تتوقَّد
وإنِّي إذا مضَّت بقلبي مضاضةٌ / من الوجد داريتُ الأسى بالتجلُّد
وما سرت عمَّن سرت إلاَّ لمطلبٍ / أسُرُّ به صحبي وأكبت حُسَّدي
وأصفَرَ ذي وجهين من غير علَّةٍ / يروح كما راحَ اللَّئيم ويغتدي
على وجهه من خالص اللؤم شاهد / متى استشْهَدَتْهُ رؤية العين تشهد
وشيبة سَوْءٍ أنبت الله شعرها / على عارضَي وغدٍ ومستجهلٍ ردِي
أعرّفه فضلي ويَعْلَمُ أنَّني / أنا الشمس لا تخفى على عين أرمد
فهاتيك أخباري وتلك قصائدي / لها نشرُ طيِّ الذكر في كلِّ مورد
تمزّق أعراض اللِّئام كأنَّها / تصول عليها بالحسام المهنَّد
يروح عليها القوم من نفثاتها / بها السُّمُّ مدحورٌ بخزي مؤبّد
تسير بها الرُّكبان شرقاً ومغرباً / فمن مُنْشِدٍ يشدو بها ومغرّد
تركت لكم أعيان بغدادَ منزلاً / تجور عليه النائبات وتعتدي
ففيم مقامي عندكم ظامئ الحشا / ولا أنا بالواني ولا بالمقيَّد
وإنِّي عزيز النَّفس لو تعرفونني / ولي بينكم ذلّ الأَسير المصفَّد
تمنَّون إذ تعفون عن غير مذنب / فتبَّت يداً مغوٍ لكم غلَّ من يد
ظلمتم عباد الله حين رفعتمُ / أرذالَ قومٍ من خبيثٍ ومن رَدِي
وما البصرة الفيحاء من بعد فعلكم / بها غير أطلال ببرقة ثهمد
رفعتم على السادات منها أراذلاً / لهم في حضيض الذلّ أسوأَ مَقْعَدِ
فعلتم كما تبغون لا فعلَ منصفٍ / وقلتم ولا عن رأي هادٍ ومرشد
هَبوا أنَّكم لا تتَّقوها مآثماً / فهلاّ اتَّقيتم من ملام المفنَّد
بذلتُ لكم نصحي وما تجهلونه / ولكن لما في النَّفس من مترصّد
فقوضت والتقويض عن مثل أرضكم / إذا لم يطب عيشي ويعذب موردي
وقلت لعيسي أخذك الجدّ بالنوى / وإيَّاك بعد اليوم أن تتبغددي
فأوردتها نهر المجرَّة والعُلى / تحدّثني أنْ قَرِّبِ السَّيرَ وابعد
فما أربي من بعد فهدٍ وبندرٍ / من البصرة الفيحاء غير محمَّد
نجيب ابن أنجاب الزهير الَّذي به / أفاخر جمعَ الأَكرمين بمفرد
فتى القوم من يأوي إلى ظلِّ بيته / يعِشْ عيشة من فضله لم تنكّد
فيا أيُّها الظَّامي وتلك شريعة / من الجود فاصدر حيثما شئتَ أوْ رِدِ
رفيع عماد المجد مستمطر الندى / أخو المنهل الصافي وذو المنهل الندي
وما حَمَلَتْهُ غيرُ أُمٍّ نجيبةٍ / وإن كانَ من قوم أغرّ ممجد
لئن قلّد النعماء من كانَ منعماً / فما غيره في الناس كانَ مقلّدي
تسبّب بالإِحسان للحمد والثنا / ومن يتسبَّب للمحامد يُحْمَدِ
إذا نلت منه اليوم سابغ نعمةٍ / ترقَّبت أمثالاً لها منه في غدِ
على سنن الماضيين من غرِّ قومه / بآبائه الغرِّ الميامين يقتدي
هو القوم يروون المكارم عن أبٍ / وجدّ عريق سيِّداً بعد سيِّد
تسودهم نفس هناك أبيَّة / فكانوا إذنْ ما بين نَسْرٍ وفرقد
وهزَّتهُمُ يوم الندى أريحيَّة / كأنْ شربوا من كأس صهباء صرخد
تطرّبهم سجع الصوارم والقنا / بيوم الوغى لا ما ترى أُمُّ معبد
إذا أوعدوا الطاغين بالبأس أرهبوا / وإنْ أحْسَنوا الحسنى فعن غير موعد
كرامٌ إذا استمطرتَ وبل أكفّهم / أراقَتْه وبلاً من لجينٍ وعسجد
يقال لمن يروي أحاديث فضلكم / أعِدْ واستعد ذكر الكرام وورّد
ألَذُّ من الماءِ النمير ادّكارهم / على الكبِد الحرَّى من الحائم الصَّدي
سقاهم وحيَّاهم بصيبه الحيا / وجادهم من مبرق المزن مرعد
فكم تركوا في المادحين أخا ندًى / قديم العُلى يسعى الممجد ممجّد
إذا همَّ لا تثنيه عن عوماته / إلى المجد يوماً حيرة المتردِّد
يرى رأيه ما لا ترى عين غيره / وبالرأي قد يهدى المضلّ فيهتدي
ومن لابسٍ بُرْدَ الأُبوَّة كلَّما / تقادم قالت نفسه ويك جدِّدِ
بَنَوْها ولكن بالسيوف معالياً / فكانت ولكنْ مثل طودٍ موطَّد
وكم بذلوا من أنفَس الماس ما غلا / فلم يرغبوا إلاَّ بذكر مخلَّد
فهذا ابنُ عثمان المهذَّب بعدهم / يشيد على ذاكَ البناء المشيَّد
فلا زالَ محفوظ الجناب ولا رمى / له غرضاً إلاَّ بسهمٍ مسدَّدِ
تَنَقَّلْتَ مثلَ البَدْر يا طلعةَ البَدْر
تَنَقَّلْتَ مثلَ البَدْر يا طلعةَ البَدْر / فمن منزل عزٍّ إلى منزل فخرِ
بأمر وليِّ الأَمر سرت ولم تزل / كما أنت تهوى صاحب النهي والأَمر
دعاكَ إليه فاستجبت كأنَّما / دعاك وزير العصر دعوة مضطرِّ
ومثلك من يُدعى لكلِّ مُلِمَّةٍ / من الدهر مقدام على نوب الدهر
تعدّك للخطب الملوك ذخيرة / وإن الرجال الشوس من أنفس الذخر
فإمَّا إلى حربٍ وقد شبَّ جمرها / لها شرر ترمي به الجمع كالقصر
وإمَّا إلى بأسٍ شديدٍ وقدرة / وإمَّا إلى عالٍ رفيع من القدر
طلعت على بغداد يوماً فشاهدت / بوجهك يا مولى الورى طلعة البدر
تباشرتِ الأَشراف حين تحقَّقَت / قدومك بالإِكرام والنائل الوفر
إذا قيلَ وافى بندر قال قائلٌ / من البشر وافاكم إذَنْ وابلُ القطر
فأغمرتهم بالفضل حتَّى ملكتهم / ببرِّك إنَّ الحُرَّ يُمْلَكُ بالبرِّ
قضت بك أعياد المسرَّة والهنا / وهاتيك أعيادٌ تُعَدُّ من العمر
وشدّ وزيرٌ أزره بك فاغتدى / لعمري قويَّ الأزر منشرح الصدر
ولمَّا نشدت العدل من بعد طيِّه / وأحسنتَ طيَّ الجور في ذلك النشر
ذُكرت لسلطان السلاطين كلّها / وقد قيلَ إنَّ الأُذّنَ تَعْشَقُ بالذكر
فأهدى إلى علياك ما أنت أهله / فقارن بدر التّمِّ بالكوكب الدرّي
وأرغمت آنافاً وأكبتَّ حُسَّداً / وحاقَ بأهل المكر عاقبة المكر
وقد جئت مسرور الفؤاد مؤيّداً / من الله بالتوفيق والفتح والنصر
تجرُّ ذيول الفخر تيهاً على العدى / ألا إنَّ خفض العيش من ذلك الجرِّ
تحفُّ بك الفرسان من كلِّ جانبٍ / وتدعو لك الأَملاك بالسِّرِّ والجهر
ولمَّا رأيت الماء طمَّ على القُرى / وأصبحَ في إفساده أبداً يجري
طغى والَّذي يطغى وقد مدَّ باعه / ليُفْسِدَ أمسى مَدُّه منك في جزر
وما سالَ مثل السَّيل إلاَّ رَدَدْتَهُ / وخَلَّيت منه سائل البحر في مهمهٍ قفرِ
حشرت لسدّ الماء كلَّ قبيلةٍ / لها وقفة ترضيك في وقفة الحشر
تسدُّ ثغوراً لا تُسَدُّ ولم يكنْ / سواك سداد في الحقيقة للثغر
فكيف إذنْ بحرٌ أضرَّ وإنَّما / فَعَلْتَ بهذا البحر فعلك في البرِّ
وما زلت مدعوَّ الجناب لمثلها / فتكشف ما قد حلَّ بالناس من ضُرِّ
تدافع عن مُلك العراق وأهله / مدافعة المغتار عن ربَّة الخدر
يضرب ظباً بيض تأجَّجُ بالرَّدى / وطعنِ قناً سمرٍ أحرّ من الجمر
وأنتم أُباة الضَّيم ما ذلَّ جاركم / ولا نظرتكم أعين الضَّيم عن شزر
لكم واللَّيالي حيثُ تمضي وتنقضي / على كلِّ حالٍ كانَ في العسر واليسر
بيوتٌ على شطِّ الفرات رفيعة / يرى نارها تبدو لمن حلَّ في مصر
ولولا طروق الضَّيف من كلِّ وجهةٍ / لما بنيت إلاَّ على الأَنجم الزهر
وما ضلَّ ساري اللَّيل إلاَّ اهتدى بها / كنور سنا الإِسلام في ظلمة الكفر
إلى الغاية القصوى إلى الجود والنَّدى / إلى منزلٍ رحب إلى نائل وفر
فللضيف فيها مشهد الحجّ في منًى / وللنوق فيها للقِرى مشهد النحر
مكارم قد أورثْتُمُوها قديمةً / وتلك مواريث لآبائك الغرِّ
سلكت بتلك الخيم ما سلكت به / وما سلكت إلاَّ بمسلكها الوعر
تسلُّ السيوف البيض كفك للورى / فكفُّك للجدوى وسيفك للقهر
وعلّمتها ضربَ الرقاب فأصبَحَتْ / تقدُّ رقاب الفاجرين ولا تدري
ملأت فؤاد الضدّ رعباً ورهبةً / وأوَّل ما ترمي أعاديك بالذعر
فهابك من خلَّ العراقَ وراءه / فكيف بمن لا يستنزل عن الوكر
ولم تنج من صمصام صولتك العدى / ولو أنَّها طارتْ بأجنحة النَّسر
لك الله ما شيّدت بيتاً من العُلى / على غير سمر الخطّ والقضب البتر
لك المدح منَّا والثناء بأسره / على أنَّ في الأُخرى لك الفوز بالأجر
على النعم الَّلاتي بلغنا بها المنى / وبيض أيادٍ منك في الأَزمن الغبر
تجلّ عن التعداد إنْ هي أُحصيت / فيا ليت شعري ما أقول من الشعر
عجزت بأن أقضي لها حقَّ شكرها / فليسَ يعني نظمي بذاك ولا نثري
نَبَّهَتِ الورقاءُ ذاتُ الجناح
نَبَّهَتِ الورقاءُ ذاتُ الجناح / من غفلة الصحو إلى شرب راحْ
واللَّيل قد أجفل من صبحه / فأكثر الدِّيك عليه الصياح
مهفهف الأَعطاف من قدّه / وطرفه الفتَّان شاكي السلاح
فقامَ يسقيها ويهدي إلى / روح الندامى بالمدام ارتياح
وما ألذَّ الرَّاحَ من شادنٍ / مهفهف القدِّ وخود رداح
تستنطق العود لدى مجلس / ألسنة الأَوراق فيهِ فِصاح
والوُرق في الأَوراق ألحانها / مطربة بين الغِنا والنواح
وربَّ يوم كانَ عيد المنى / نحرت فيه الذق نحر الأَضاح
ورحتُ في الحبّ على سكرتي / بالغيِّ لا أُصغي إلى قول لاح
ومن يلمني بالهوى قوله / يمرُّ بي مثل هبوب الرِّياح
فاصطلح القوم على أنَّه / ما بين عذَّالي وبيني اصطلاح
يا صاحِ ما أنت وطيب الكرى / فبادر اللَّذَّات بالاصطباح
واشرب ولا تصغِ إلى قائلٍ / هذا حرام ولهذا مباح
ما وجد الرَّاحة إلاَّ امرؤٌ / أعرض عن عاذله واستراح
تنفَّسَ الصبحُ فقم قائماً / نحو صراحية ماء صراح
وابتسم الورد ودمع الحيا / في وجنة الورد وثغر الأقاح
فاقطع علاقات الأسى بالطلى / وَصِلْ بكاسات الغدوّ الرواح
وانفِق نفيس العمر في قهوة / تقضي على الهمّ قضاءً متاح
مستنشقاً منها عبير الشذا / تفوح كالمسك إذا المسك فاح
مع كلّ نَدمانٍ كبدر الدجى / ما افتض بكر الدن إلاَّ سفاح
حَيَّ على الراح وقم هاتها / وقل لمن لاح الفلاح الفلاح
وَلْتكُ من ريقك ممزوجة / لا أشرب الراح بماء قراح
يا أيها الساقي الَّذي أثْخَنَتْ / أحداقه في القلب مني الجراح
يشكو إليك القلب من ضعفه / فتور عينيك المراض الصحاح
ما خطر السلوان في خاطري / بلائمٍ فيه فسادي صلاح
يجدّ بالنصح فألهو به / وأدفع الجدّ ببعض المزاح
من سرّه شيء فما سرّني / في الدهر شيء كوجوه الملاح
أو فضح الصبُّ فكم مغرم / أسلَمَه الحب إلى الافتضاح
وما يرى كتمان سر الهوى / من كتم الحب زماناً وباح
إذا وضعت الشعر في أهله / فلي بزند الافتخار اقتراح
إنّي أرى المنصف في أهله / يمدح عبد الله أيّ امتداح
قد أثبت الوُدُّ بقلبي له / محبة لم يمحها قط ماح
فيا رعاه الله من ماجد / طاب به المغدى وطاب المراح
قيّدني في البرّ من فضله / فليس لي عن بابه من براح
أطرب إن شاهدته مطرباً / وما على المطرب فيه جناح
ولم أزَلْ في القرب من وُدِّه / أقرع بالأفراح باب النجاح
تالله ما شِمْتُ له بارقاً / إلاَّ ولاح الجود من حيث لاح
يلوح لي في الحال من وجهه / بشر ميامين الندى والسماح
يفعل بالأموال يوم النَّدى / ما تفعل الأبطال يوم الكفاح
أغرّ صافي القلب مستبشر / بالأنس مرهوب الظبا والصفاح
قد خصّه الله وقد زانه / برفعةِ القدر وخفض الجناح
لا يعرف الهمَّ سميراً له / ولا يلاقيه بغير انشراح
لم يُبقِ لي في أرَبٍ بغيةً / ولا على نيل الأماني اقتراح
من الذين افتخرت فيهم / بيض ظبا الهند وسمر الرماح
يُصانُ من لاذ بعلياهمُ / وما لهم من جودهم مستباح
لهم من العلياء إنْ سوهموا / سهم المعلّى من سهام القراح
محاسن المعروف يبدونها / وأوجه الأيام سود قباح
كما استهلّت ديمة أمطرت / على الرّوابي قطرها والبطاح
تشقّ يوم الروع أيمانُهم / قلب الأعادي بصدور السلاح
ترعرعوا في حجر أمِّ العلى / وأرضِعوا منها غريب اللقاح
وزاحموا الأنجم في منكب / يزيح في الأخطار ما لا يزاح
كم قدموا للحرب في موطن / فقربوا بين خطاها الفساح
وأرعفوها من دماءٍ دناً / تمرد بالطعن عيون الجراح
أسد الوغى لا زال أسيافهم / تنحًرُ بالهيجاء كبش النطاح
من كلّ من تبعثه همة / تطمح للغايات كل الطماح
لم تنبُ في مضربها عزمة / منهم ولم تصلد لدى الاقتداح
آل زهير الأنجم الزهر في / سماءِ أفلاك العلى والسماح
إن أمسكوني فبإحسانهم / أو سرَّحوني فجميل السراح
لا برحت تكسى بأمداحهم / ذات الغواني حسن ذات الوشاح
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ / ومن لا يعي للقول كيف خطابُهُ
وقفتِ وما يغنيكِ في الدار وقفة / سقى الدار غيث مستهل سحابُهُ
غناؤكِ في تلك المنازل ناظر / بدمع توالى غربُه وانسكابه
إلى طلل أقوى فلم يك بعدها / بمغنيك شيئاً قربه واجتنابه
ذكرتِ كأيام الشبيبة عهده / وهل راجع بعد المشيب شبابه
وقد كانَ ذاك العيش والغصن ناعم / يروق ويصفو كالرحيق شرابه
وجدت لقلبي غير ما تجدينه / أسىً في فؤادي قد أناخ ركابه
يفض ختام الدمع يا ميَّ حسرة / ذهاب شباب لا يرجّى إيابه
ودهرٍ أعاني كل يوم خطوبه / وذلك دأبي يا أميم ودأبه
مسوقٌ إلى ذي اللب في الناس رزؤه / ووقفٌ على الحر الكريم مصابه
وحسبك مني صبر أروع ماجد / بمستوطن ضاقت بمثلي رحابه
يبيتُ نجيَّ الهم في كل ليلة / يطول مع الأيام فيها عتابه
قضى عجباً منه الزمان تجلُّداً / وما ينقضي هذا الزمان عجابه
تزاد عن الماء النمير أسوده / وقد تلغ العذب الفرات كلابه
ألم يحزن الآبي رؤوس تطامنت / وفاخر رأس القوم فيها ذنابه
وأعظِمْ بها دهياء وهي عظيمة / إذا اكتنف الضرغامَ بالذل غابه
متى ينجلي هذا الظلام الَّذي أرى / ويكشف عن وجه الصباح نقابه
وتلمع بعد اليأس بارقة المنى / ويصدق من وعد الرجاء كذابه
ومن لي بدهر لا يزال محاربي / تُفلُّ مواضيه وتنبو حِرابُهُ
عقور على شِلوي يعضُ بنابه / وتعدو علينا بالعوادي ذئابه
رمته الروامي بالسباب مذمَّة / وما ضرّ في عِرضِ اللئيم سبابُه
تصفحت إخواني فلم أر فيهمُ / قويماً على نهج الوفاء اصطحابه
أفي الناس لا والله من في إخائه / تُشدُّ على العظم المهيض عصابه
يساورني كأس الهموم كأنّما / يمجُّ بها السمَّ الزعاف لعابه
وأبعد ما حاولت حرًّا دنوُّه / دنوك مما يرتضي واقترابه
نصيبك منه شهده دون صابه / إذا كانَ ممزوجاً مع الشهد صابه
يريك الرضا والدهر غضبان معرض / وترجوه للأمر الَّذي قد تهابه
ورأيك ليست في المشارع شرعة / ولا منهل عذب يسوغ شرابه
وما الناس إلاَّ مثلما أنت عارف / فلا تطلبنَّ الشيء عز طلابه
بَلَوتُ بهم حلوَ الزمان ومرَّه / فسيّان عندي عذبه وعذابه
كأنّي أرى عبد الغني بأهله / غريب من الأشراف طال اغترابه
يميّزه عنهم سجايا منوطة / بأروع من زهر النجوم سخابه
ثمين لئالي العقد حالية به / من الفضل أعناق الحجى ورقابه
إذا ناب عن صرب الغمام فإنه / إذا لم يصب صوب الغمام منابه
تألق فانهلّت عزاليه وارتوى / به حزن راجيه وسالت شعابه
أتعرف إلاَّ ذلك القرم آبياً / على الدهر يقسو أو تلينُ صلابه
تسربل فضفاض الأبوة كلَّها / وزُرَّت على الليث الهصور ثيابه
ولم ينزل الأرض الَّتي قد تطامنت / ولو أن ذاك الربع مسكاً ترابه
لقد ضربت فوق الرواسي وطنَّبَتْ / على قُلَل المجد الأثيل قبابه
فأصبحتِ الشُّم العرانين دونه / وحلَّق في جوّ الفخار عُقابه
أبى الله والنفس الأبيَّة أن يُرى / بغير المعالي همُّه واكتئابُه
فدانت له الأخطار بعد عتوِّها / وذلّت له من كل خطب صعابه
ولو شاء كشف الضرّ فرّق جمعه / وما فارق العضبَ اليماني قرابه
ومجتهدٍ في كلّ علم أبيّةٍ / فلا يتعداها لعمري صوابه
بفكرٍ يرى ما لا يرى فكر غيره / يشقّ جلابيب الظلام شهابه
مقيم على أنْ لا يزال قطاره / يصوب وهذا صوبه وانصبابه
وإمّا خلا ذاك الغمام فمقلع / وعمّا قليل يضمحل ضبابه
وناهيك بالندب الَّذي إنْ ندبته / كفاك مهمّات الأمور انتدابه
ذباب حسام البأس جوهر عضبه / وما الصارم الهندي لولا ذبابه
عليم بما يقني الثناء وعامل / وداعٍ إلى الخير العظيم مجابه
إذا انتسب الفعل الجميل فإنَّما / يكون إلى رب الجميل انتسابه
هل الفضل والإحسان إلاَّ صنيعة / أمْ الحمد والشكران إلاَّ اكتسابه
وإنّي متى أخليتُ من ثروة الغنى / وأغلق من دون المطامع بابه
بدا لي أن أعشو إلى ضوء ناره / وأصبو إلى ذاك المريع جنابه
فأصدرني عنه مصادر وارد / من اليمّ زخّار النوال عبابه
وأصبحُ مرموق السعادة بعدما / خَلَتْ ثُمَّ لا زالت ملاءً وطابه
إذا ذهب المعروف في كل مذهب / إليك برغم الحادثات مآبه
فلست تراني ما حييت مؤملاً / سواك ولم يعلق بي النذل عابه
ولا مستثيباً من دنيٍّ مثوبةً / حرام على الحرِّ الأبيّ ثوابه
وغيرك لم أرفع إلى شيم برقه / ولا غرّني في الظامئين سرابه
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر / فاسلم ودُم سالماً بالعزِّ وافتَخِر
زلزلتَ بالسيف أركاناً مشيدة / تكاد تلحق بعد العين بالأثر
أنت المنيب إلى الله العزيز به / والمتّقي منه في أمنٍ وفي خطر
بطشتَ بطش شديد البأس منتقم / من بعد ما كنت قد بالغت في النذر
إنَّ الخوارج عن أمر أمرت به / جاءت إليك لعمري غير مفتقر
هم عاهدوك على أن لا تُمَدَّ لهم / يدٌ إلى شجر عَدْواً ولا عشر
ولا ينالون منها غير ما ملكت / أيمانهم بعدما يودى من العُشُرِ
لو أنهم صدقوك القول يومئذٍ / قبلت بالعفو عنهم عذر معتذر
كفى بما كانَ منك اليوم تبصره / لو يعقلون لذي سمع وذي بصر
لبَّتك أبناء نجد إذ دعوتهم / فأقبلت زمراً تأوي إلى زمر
جاءت إليك كأسْدِ الغاب عادية / على أعاديك تحمي البيض بالسمر
تهون دونك منهم أنفسُ كَرُمَتْ / في عزّةِ الموت أو في لُجَّة الخطر
كأنما تنتضيها من عزائمهم / صوارماً طبعوها آفة العمر
والحرب قائمة منهم على قدم / والنقع يكحل عين الشمس بالحور
وللمدافع إرعاد وزمجرة / ترمي جهنَّمُها الطاغين بالشرر
إذا قضى الحتف من أبطالها وطراً / ففي سليمان منها لذة الوطر
بغلمة كسيوف الهند مصقلة / ما شيب منها صفاء الود بالكدر
لا ينزلون على كرهٍ بمنزلة / ولا يضامون في بدو وفي حضر
وكم جمعت وشجّعت الرجال وكم / علّمتها الحرب بعد الجبن والخور
نفخت فيهم فقاموا يهرعون إلى / حرب تشبّ بنار من لظى سقر
علّمتهم كيف يمضي السيف شفرته / وليس يغني حذار الموت عن قدر
سرت بهم نفحات منك تبعثهم / إلى الشجاعة بعث النادر الحذر
وأنت وحدك فيهم عسكر لجب / سود الوقائع من راياتك الحمر
وأنت بالله لا بالجيش منتصر / فيا لمستنصر بالله منتصر
قد أفلح الناس باديها وحاضرها / من آمرٍ بالذي تهوى ومؤتمر
وأنت هادٍ لها في كل مشتَوَرٍ / وأنتَ مقدامُها في كل مشتجر
ورُبَّ أمرٍ مهول من عظائمه / أنْ ليس تفعله بالصارم الذكر
وإنّك العضب راع العين منتظراً / من صنعة الله لا من صنعة البشر
ترقّ للناس ما تصفو ضمائرها / برقّةٍ كنسيم الروض في السحر
والغلّ يكمن من تلك الخوارج في / قلوبها ككمون النار في الحجر
عادوا فَعُدت إلى ما كنت تفعله / في حالك من ظلام النقع معتكر
والخيل تفعل بالقتلى سنابكها / لعب الصوالج يوم الروع بالأكر
وقمت تخطب في حد الحسام على / منابر الهام بالآيات والسور
والسيف أصدق ما تنبيك لهجته / بموجز من لسان الحال مختصر
دانوا لأمرك بعد الذل وامتثلوا / وكان عفوك عنهم عفو مقتدر
كم من يدٍ لهم طولى تطول على / سمر العوالي رماها الله بالقصر
ومنذ عادوا فقد عادوا لمهلكة / لِما نُهوا عنه من بغيٍ ومن وطر
في كل عام لهم حرب ومعترك / وموعد للمنايا غير منتظر
وهم متى شئت كانوا منك يومئذ / لدى المنيّة بين الناب والظفر
لا يبلغ الشر منهم مثل مبلغه / في عامهم ذلك الماضي ولم يثر
قابلتهم بجنود أمطَرَتْ بدمٍ / كما يصوب مصاب المزن بالمطر
وربَّ أحمقَ معروفٍ لشهرته / وافاك من قومه الأعجام في نفر
لا يعرفون وجوه الموت ترهقهم / ذلاً وتوسعهم طرداً إلى الغرر
أخزاهم الله في الأدبار إذ ذبحوا / قبل الخلائف ذبح الشاة والبقر
وفرّ قائدهم من خوفه هرباً / حتَّى تحجَّب بالحيطان والجدر
ليت المنيّة غالته بمهلكة / وقد أصيبَ لحاهُ الله من دير
إن الأباعد لم يوثَقْ بخدمتهم / هم العدوُّ فكن منهم على حذر
أبْعِدْ عن العسكر المنصور منزلهم / فشرّهم غير مأمون من الضرر
لا يصلح الجاهل المغرور في نظر / إلاَّ إذا كانَ مصروفاً عن النظر
المفسدون بأرض ينزلون بها / والبارزون بقبح الفعل والصور
لله درك لم تسبق بما فعلت / منك العزائم في ماض من العصر
بعثت للبصرة الفيحاء تحفظها / بصارم البأس من أحداثها الغير
طهّرتها من فساد كانَ يكنفها / ولم تدع باغياً فيها ولم تذر
وصنتها عن شرار الناس قاطبة / صون الجنين لدى الإنفاق بالبدر
فعَلْتَ فَعْلاتك اللاّتي فَعَلْتَ بها / تبقى مع الدهر في الأخبار والسير
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ / ببرهانه بين البرية مفحما
فألزمه بالحقّ والحقّ قوله / فأسْلَمَ من بعد الجحود وسلّما
فطوراً تراه للأمور مسدّداً / وطوراً تراه للعلوم معلّما
فلله ما صنّفت كل مصنّف / سرى منجداً في العالمين ومتهما
ومن مشكلات بالعلوم عرفتها / فأعربت عما كانَ فيهم معجما
وأبكيت أقلام البراعة والنهى / فأرضيت حد السيف حتَّى تبسما
وما نلت عما شان بالمجد خالياً / وما زلت بالعلم اللّدنيّ مفعما
تفرَّدت في علم وفهم وحكمة / فها أنت والعلياء أصبحت توأما
وإن جئتَنا في آخر الدهر رحمة / إذا عُدَّت الأمجاد كنت المقدما
وحسبك ما في الناس مثلك سيد / أنال مقلاًّ أو تكرّم معدما
وكم نثرت نثراً بلاغتك الَّتي / أردت بها دُرَّ المعالي منظما
وقد أخرستني من علاك فصاحة / ألست تراني أخرس النطق أبكما
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي / تَصوبُ غمامةٌ ويسيل وادي
وهل يسقي الغمامُ بني زبيدٍ / فتنقع غلة ويبلّ صادي
لتصدى بعده الورّاد طرا / وأين الماء من غلل الصوادي
شديد البأس أروع مستشيط / يرد شكيمة الكرب الشداد
فكيف يقوده صرف المنايا / وكنت عهدته صعب القياد
قريباً كانَ ممَّن يَرْتَجيه / رماه الحتفُ منّا بالبعاد
وذخر الأنجبين وكلّ ذخر / ستسلِمه الخطوبُ إلى النفاد
فقدنا صبحَ غرَّته بليل / كسا الأيام أردية السواد
وروّعت النجوم الزهر حتَّى / برزن من الدجنّة في حداد
كأنَّ له من الأحشاء قبراً / فؤادي لو شققت على فؤادي
يعز على العوالي والمعالي / وسمر الخط والخيل الجياد
أسيرٌ بين أيديها المنايا / فلا يُفدى وإن كثر المفادي
يغضّ الطرف لا عن كبرياء / ولم يشغل بمكرمة ودادي
فليس القول منه بمستعاد / وليس الجود منه بمستفاد
يبيت بلا أنيس بين قومٍ / نيامٍ لا تَهُبُّ من الرقاد
ولو يفدى فدته إذَن رجال / عوادٍ بالسيوف على الأعادي
وحالت دونه بيض حداد / شفعن بزرقة السمر الصعاد
ولاجتهدت بمنعته عقول / لها في الرأي حقّ الاجتهاد
ولكن قد أصيبَ بسهم رامٍ / قضى أن لا يرد عن المراد
وليس لما قضاه الله ردٌ / وأمرُ الله يجري في العباد
أرى الآجال تطلبنا حثيثاً / ونحن من الغواية في تهاد
وأعمار تناكَصُ بانتقاص / وآمال تهافت بازدياد
وقد غلبت لشقوتنا علينا / وكاد الغيُّ يمكر بالرشاد
ونطمع بالبقاء وما برحنا / نُرَوَّعُ بالتفرّق والبعاد
نودّع نائياً بالرغم منا / إلى سفر يطول بغير زاد
ونسلو عن أحبتنا ولسنا / بملتقيين إلاَّ في المعاد
لقد عظم المصاب وجل رزءٌ / بفقد المكرمين من البلاد
فقدنا وادياً فيها فقلنا / على الدنيا العفا من بعد وادي
وفلَّ الموت مضرب هندوانٍ / وأرزى بالحمائل والنجاد
أذوب عليك بالحزن إدّكاراً / وأشرقَ منك بالماء البراد
ولي نفسٌ تَلهبُ عن زفيرٍ / كما طار الشَّرار عن الزناد
على ليث هزبر تكاد منه / ليوث الغاب تصفد في صفاد
يماط عن الثياب وكان يكسو / غداة الروع سابغة الدؤادي
قد انقشعت سحابة كلّ عافٍ / بوبل القطر في السنة الجماد
وكدرت المشارب بعد صفو / وما يجديك رفق من ثماد
هي الأيام لا تصفو لحيًّ / ولا تبقي الموالي والمُعادي
ألَمْ تنظر لما صنعت بعادٍ / وأقيالٍ مضت من بعد عاد
وما أدري على أيّ اتكال / وثقنا بالسلامة واعتماد
فكم نطأ الرماد ونحن ندري / ونعلم أنَّ جمراً في الرماد
وهبنا مثل نبت الزرع ننمو / فهل زرع يدوم بلا حصاد
وتهلِكُ أمَّة وتجيء أخرى / ويخفى ذا وهذا اليوم بادي
على هذا اطّراد الدهر قِدماً / فكيف نروم عكس الاطراد
لقد كانت بيوت بني زبيد / ولا أرمٌ بها ذات العماد
فراحت كالسوام بغير راع / وضلّت كالجمال بغير حاد
فمن للجود بعدك والعطايا / ومن للحرب يقدم والجلاد
فلا تستسقيا غيثاً مريعاً / وقرّي يا صوارم في الغماد
فقد فَقَدَ المكارم ناشدوها / فلا جود يؤمل من جواد
بربك هل سمعت لنا نداءً / وما يغني النداء ولا التنادي
أما أنتَ المجيب لكل هول / ببيض الهند والزرق الحداد
ومنتدب الكماة ومقتداها / إذا انتدب الفوارس للطراد
ووابل صوبها المنهل تندى / بنائله الروائح والغوادي
فمن يدعى وقد صمَّ المنادي / فوالهف الصريخ عن المنادي
بللتك بالنجيع نجيع دمعي / وأقلامي بمسود المداد
وقد قلت الرثاء وثَمَّ قولٌ / يثير لظى حشاً ذات اتقاد
فليتك كنت تسمع فيك قولي / وما أبديه من محض الوداد
تشق لها قلوب لا جيوب / ولو كانت أفظّ من الجماد
قوافٍ تقطر العبرات منها / وتستسقى لك الديم الغوادي
إذا ناحت عليك بكلّ نادٍ / بكينا المكرمات بكل ناد
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ / على دارٍ لنا أمست خلاءا
نردد زفرة ونجيل طرفاً / يجاذبنا على الطلل البكاءا
وقفنا والنياق لها حنين / كأن النوق أعظمنا بلاءا
هوىً إنْ لم يكن منها وإلا / فمن إلْفٍ لنا عنا تناءى
وقفنا عند مرتبع قديم / فجدَّدنا بموقفنا العزاءا
وقلت لصاحبي هل من دواء / فقد هاج الهوى في الركب داءا
ودار طالما أوقفت فيها / فغادرت الظِّماء بها رواءا
لها حق على المشتاق منا / فأسرع يا هذيم لها الأداءا
أرق يا سعد دمعك إنَّ دمعي / دمٌ إنْ كانَ منك الدمع ماءا
وما لك لا تريق لها دموعاً / وإنِّي قد أرقت لها دماءا
تكاد تميتني الأطلال يأساً / بأهليها وتحييني رجاءا
هوىً ما سرَّها إذ سرّ يوماً / وكم سرّ الهوى من حيث ساءا
كأن العيس تشجيها المغاني / فتشجينا حنيناً أو رغاءا
وقد عاجت مطايانا سراعاً / فما رحّلتها إلاَّ بِطاءا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025