المجموع : 591
ماذا جَنَتْه ليلةُ التّعريفِ
ماذا جَنَتْه ليلةُ التّعريفِ / شغفتْ فؤاداً ليس بالمشغوفِ
ولو اِنّني أدري بما حُمِّلتُهُ / عند الوقوفِ حذرتُ يومَ وقوفي
ما زال حتّى حلّ حَبَّ قلوبنا / بجماله سِرْبُ الظِّباءِ الهِيفِ
وَأَرَتْكَ مُكْتَتمَ المحاسن بعدما / أَلقى تُقَى الإحرامِ كلَّ نَصيفِ
وقنعت منها بالسّلامِ لو اِنّه / أروى صَدى أو بلّ لَهْفَ لهيفِ
وَالحبُّ يُرضي بالطّفيفِ معاشراً / لم يرتضوا من قبله بطفيفِ
ويُخِفُّ من كان البطيءَ عن الهوى / فكأنّه ما كان غير خفيفِ
يا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما / عرّفتَه ما ليس بالمعروفِ
قد كان يرضى أن يكون محكّماً / في لُبِّهِ لو كنتَ غيرَ عنيفِ
أطرحتِ يا ظمياءُ ثِقْلَكِ كلَّه / يومَ الوَداِع على فقارِ ضعيفِ
يقتادُه للحبِّ كلُّ مُحَبَّبٍ / ويروعه بالبين كلُّ أَليفِ
وكأنّنِي لمّا رجعتُ إلى النّوى / أبكي رَجعتُ بناظرٍ مطروفِ
وبزفرةٍ شهد العذولُ بأنّها / من حاملٍ ثِقْلَ الهوى ملهوفِ
ومتى جَحَدْتُهُمُ الغرامَ تصنُّعاً / ظهروا عليه بدمعيَ المذروفِ
وعلى مِنىً غُرَرٌ رمين نفوسَنا / قَبْلَ الجِمارِ من الهوى بحُتُوفِ
يسحبن أذيالَ الشّفوفِ غوانياً / بالحُسنِ عن حَسَنٍ بكلِّ شُفوفِ
وعدلْنَ عن لبس الشُّنوفِ وإنّما / هنّ الشّنوفُ محاسناً لشنوفِ
وتعجّبتْ للشّيب وهي جنايةٌ / لدلالِ غانيةٍ وصدِّ صَدوفِ
وأناطت الحسناءُ بِي تَبعاتِهِ / فكأَنّما تفويفُهُ تفويفي
هو منزلٌ بُدّلتُهْ من غيره / وهو الغِنَى في المنزلِ المألوفِ
لا تُنكرِيه فهو أبعدُ لُبْسةً / من قذفِ قاذفةٍ وقَرْفِ قَروفِ
وبعيدة الأقطارِ طامسة الصُّوى / من طولِ تَطْوافِ الرّياحِ الهوفِ
لا صوتَ فيها للأنيسِ وإنّما / لِعصائبِ الجنَّانِ جَرْسُ عزيفِ
وكأنّما حُزُقُ النّعامِ بدوّها / ذَوْدٌ شردن لزاجرٍ هِنِّيفِ
قَطَعَتْ ركابي وهي غيرُ طلائحٍ / مع طولِ إيضاعي ونطِّ وَجِيفي
أبغي الّذي كلُّ الورى عن بَغْيهِ / من بين مصدودٍ ومن مصدوفِ
والعزُّ في كلّ الرجال ولم يُنَلْ / عزٌّ بلا نَصَبٍ ولا تكليفِ
والجَدْبُ مغنىً للأعزّةِ دارِهٌ / والذّلُّ بيتٌ في مكانِ الرّيفِ
ولقد تعرَّفَتِ النّوائبُ صَعْدَتي / وأجاد صَرْف الدّهرِ من تشفيفي
وحللتُ من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ / لا لَوْمتي فيها ولا تعنيفي
فبدار أنديةِ الفخار إقامتي / وعلى الفضائل مَربَعي ومصيفي
وسرى سُرَى النَّجمِ المحلِّق في العُلا / نَظْمِي وما ألّفتُ من تصنيفي
ورأيتُ من غَدْرِ الزّمانِ بأهلِهِ / مِن بعد أن أمِنوهُ كلّ طريفِ
وعجبتُ من حَيْدِ القويّ عن الغِنى / طولَ الزّمانِ وخطوةِ المضعوفِ
وعَمَى الرّجال عن الصّواب كأنّهمْ / يعمون عمّا ليس بالمكشوفِ
وفديتُ عِرْضِي من لئامِ عشيرتي / بنزاهتِي عن سَيِّئِي وعزُوفِي
فبقدر ما أحميتُهمْ ما ساءهمْ / أعطيتُهمْ من تالِدِي وطريفي
كم رُوّع الأعداءُ قبل لقائهمْ / ببروقِ إيعادي ورعدِ صَريفِي
وكأنّهمْ شَرَدٌ سوامُهُمُ وقد / سمعوا على جوّ السّماء حفيفي
قَومي الّذين تملّكوا رِبَقَ الورى / بطعانِ أرماحٍ وضربِ سيوفِ
ومواقفٍ في كلِّ يومِ عظيمةٍ / ما كان فيها غيرُهمْ بوَقوفِ
ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عُداتهمْ / بقذىً لأجفانٍ ورغمِ أُنوفِ
همْ خوّلوا النِّعَمَ الجسامَ وأمطروا / في المُمْلقين غنائمَ المعروفِ
وكأنّهمْ يومَ الوغى خَلَلَ القنا / حيّاتُ رَمْلٍ أو أُسودُ عَزيفِ
كم راكبٍ منهم لغاربِ سَدْفَةٍ / طرباً لجودٍ أو مهينِ سَديفِ
ومُتَيَّمٍ بالمكرُماتِ وطالما / ألِفَ النّدى مَن كان غيرَ ألُوفِ
وحللتُ أنديةَ الملوكِ مُجيبةً / صوتي ومصغيةً إلى توقيفِي
وحميتُهمْ بالحزمِ كلَّ عَضِيهةٍ / وكفيتُهمْ بالعزمِ كلَّ مخوفِ
وتراهُمُ يتدارسون فضائلي / ويصنّفون من الفخار صُنوفي
ويردّدون على الرُّواةِ مآثري / ويعدُّدون من العَلاءِ أُلوفي
ويسيّرون إلى ديار عدوّهمْ / من جُنْدِ رأي العالمين زُحوفي
وإذا هُمُ نَكِروا غريباً فاجئاً / فَزِعوا بنُكرهمُ إلى تعريفي
دفعوا بِيَ الخطبَ العظيمَ عليهمُ / واِستَعصموا حَذَرَ العدى بكنُوفي
وصحبتُ منهمْ كلّ ذي جَبْرِيّةٍ / سامٍ على قُلَل البريَّةِ موفِ
ترنو إليه وقد وقفتَ إزاءَه / بين الألوف بناظِرَيْ غِطْرِيفِ
فالآن قلْ للحاسدين تنازحوا / عن شمس أُفقٍ غير ذاتِ كسوفِ
ودعوا لِسيلِ الواديين طريقَه / فالسّيلُ جرّافٌ لكلّ جَروفِ
وتزوّدوا يأْسَ القلوب عن الذُّرا / فمنيفةٌ دارٌ لكلِّ مُنيفِ
وأرضَوْا بأنْ تمشوا ولا كرمٌ لكمْ / في دار مجد الأكرمين ضيوفي
مَن دَلَّنِي اليومَ على صاحبٍ
مَن دَلَّنِي اليومَ على صاحبٍ / لم يُقذَ في شيءٍ له طَرْفي
إِذا طلبتُ النَّصْفَ من غيره / لم ألْفِ مَن جاء على النَّصْفِ
ما عاج في وعدٍ ولا موعدٍ / قطّ بتسويفٍ ولا خُلْفِ
كأنّما صِيغَ لبذلِ المُنى / أو طُبِعَتْ كفّاه للعُرفِ
مدحتُكمُ علماً بأنّ مدائحي
مدحتُكمُ علماً بأنّ مدائحي / تضيع وتُذْرى في الرّياحِ العواصفِ
فلم أكُ إلّا موقداً في ظهيرةٍ / بلا صَرَدٍ أو هاتفاً في تنائفِ
وإنّ لكمْ عندي حقوقاً كثيرةً / أبى لِي حِفاظِي مَحْوَها من صحائِفي
جزيتُكمُ عنها ولم تشعروا بها / مراراً بأسبابٍ خِفاءٍ لطائفِ
وَشاطرتُكمْ منّي المودّةَ كلَّها / شطارِيَ ما بين الشّريك المناصفِ
فإنْ لم توفّوا حقَّ ما قيل فيكُمُ / فلم تُبتلوا إلّا بنقصِ العوارفِ
وليتكُمُ لمّا تركتمْ حقوقَها / رَجعتمْ إلى عرفانِ بعض المعارفِ
فما ضرَّ لو أعظمتُمُ ما أتاكُمُ / فلم يَكُ مُولٍ للجميلِ بآسِفِ
وَإلّا تَجمّلتمْ على غير خبرةٍ / فكم ذا غَطَى التّحسينُ سوأَةَ زائفِ
فإن عِفتُمُ ما لم تكونوا عرفتُمُ / فكمُ بُلِيَ العَذْبُ الرِّواءُ بعائفِ
فيا ضيعةً للطّالعاتِ إليكُمُ / طلوعَ المطايا من خلالِ النّفانِفِ
أبيتُ أَروضُ الصَّعْبَ منها وإنّها / تحيصُ شِمَاسَ المائِلِ المتجانِفِ
وأُكرِهها سَوْقاً إليكمْ ولم تزلْ / تحايَدُ عنكمْ بالطُّلى والسّوالِفِ
كأنِّيَ أهديهِنَّ نحو بيوتكمْ / أقود إلى العهّارِ بعضَ العَفائِفِ
أبَيْنَ ولم يأبَيْنَ شيئاً سواكُمُ / وَما كُنّ إلّا ليّناتِ المعاطِفِ
وكنتُ وقد وصّفتُ ما تاه عندكمْ / أوَدُّ وداداً أنّني غيرُ واصفِ
وَما غرّنِي إلّا مشيرٌ بمدحكمْ / وكم عارفٍ يقتادُهُ غيرُ عارفِ
فخالفتُ حزمي سالكاً غيرَ مذهبي / وما كنتُ يوماً للحِجى بمخالفِ
وَكيف اِمتِداحُ المرءِ مَن ليس عنده / مفارقةٌ ما بين مُثنٍ وقاذفِ
له العِرْضُ لا سِلْمٌ به لمديحةٍ / ولا كان يوماً للثّناء بآلفِ
وكم لِيَ فيكمْ من صديقٍ كأنّه / سرابٌ على قِيعانِ بُعدٍ صفاصِفِ
متى يُدعَ يوماً للوغى فهشيمةٌ / تصفّقها أيدي الرّياحِ الرّفارِفِ
أودُّ إذا ما سُمتُهُ النَّصْرَ أنّنِي / أُبدَّلُ منه بالعدوِّ المكاشفِ
وقد كنتُ أرجو طوعَه بنصيحتي / فلا خيرَ في نصحٍ يُساق بعانفِ
فيا لك من ودٍّ تعلّق منكُمُ / سَفاهاً بأسبابٍ ركاكٍ ضعائفِ
سُرِرْتُ به حيناً فلمّا بلوتُهُ / بكيتُ عليه بالدّموعِ الذّوارفِ
وكنتُ إذا ما رابنِي وُدُّ صاحبٍ / وناءَ بأخلاقٍ لئامٍ سخائفِ
قذفتُ جميلاً كان بيني وبينه / وإنْ كنتُ ذا ضنٍّ به في القواذفِ
تريدون مِنّا أن نُسِرّ ولاءكمْ / وفي أنّنا نُبديه كلُّ التّكالُفِ
فلا تسألونا ما تجنّ قلوبُنا / فإِنّ بناتِ الصّدرِ غيرُ خفائفِ
وداويتُمُ منّا خدوشَ جلودِنا / وأعْرَضتُمُ عن أسْوِكُمْ للجوائفِ
فماذا وأنتمْ في الحضيض غباوةً / إذا ضُرِبتْ خيْماتُكمْ في المشارفِ
ولمّا وقفنا ظلّةً بطلولكمْ / رجعنا ولم نظفرْ بمُنْيةِ واقفِ
كأنِّيَ منكمْ فوق غبراءَ قفرةٍ / على ظالعاتٍ من مطيٍّ عجائفِ
يَعُدْنَ عشيّاتٍ ذواتَ تسادُكٍ / وَقد كنّ أصباحاً ذواتَ عجارفِ
فلا تطمعوا في مثلهنّ فإنّما / يصلْنَ لطُلّاعِ الثّنايا الغطارفِ
أُناسٌ يخوضون الرّدى وأكفُّهمْ / تهزّ أنابيبَ القِنيِّ الرّواعفِ
كرامٌ فلا ساحاتُهمْ مستضامةٌ / ولا جارهمْ في النّائباتِ بخائفِ
وَلم يَسكنوا إلّا ظِلالَ عظيمةٍ / وَلَم يأمنوا إلّا خلالَ المخاوفِ
دعِ الذّلَّ في دار الثَّواءِ ولا تُقِمْ / على أَمَلٍ بين البِطاءِ الخوالفِ
وكنْ آنِفاً مِن أنْ تُقيمَ على أذىً / بجنبِ غِنىً فالميتُ ليس بآنِفِ
فخيرٌ من القصر المشيد بجنّةٍ / سُرىً في ظهور اليَعْمَلاتِ الخوانِفِ
إذا ما هَبَطْن الرّملَ رمْلَ مُغَمَّسٍ / زحفن ولا زَحْفَ الصّلالِ الزّواحفِ
حَمَلْن الرَّجا والخوفَ فينا على الوَجا / ونقّلنَ مِنّا كلَّ شاتٍ وصائفِ
لهنّ على وادي مِنيً كلَّ حجّةٍ / بروكٌ وقد قضّين كلَّ المواقفِ
فكمْ قد نجونا من ردىً ذُقْنَ دونه / ليُنجيننا منه ذُعافَ المتالِفِ
لعلّ اللّيالي أنْ يَعُدْنَ فربّما / يعود حبيبُ النّفس بعد التّقاذُفِ
قلْ لِخلٍّ له وإنْ كان لا يْد
قلْ لِخلٍّ له وإنْ كان لا يْد / ري جميعي وتالدي وطريفي
لِمَ لمّا أردتَ بيعي ولم أُحْ / وِجْ إلى البيع بعتنِي بالطّفيفِ
إنْ تكن جاهلاً بحُبِّي فخذ عِلْ / ماً بُحبّي من دمعِيَ المذروفِ
ليتنِي كنتُ في أماكِنِ أطوا / قِكَ أوْلا ففي مكان الشّنوفِ
لِيَ خوفَ الوشاة ظاهرُ قالٍ / غيرَ أنّي بباطنٍ مشغوفِ
كلُّ شيءٍ ولا كعنفِ قويٍّ / في الهوى عامداً لصبِّ ضعيفِ
مَن ذَلّ لِي عيناً على غُمضها
مَن ذَلّ لِي عيناً على غُمضها / ليلةَ ضاعَ الغمضُ من كفّي
أسهرنِي في حُبِّهِ راقداً / وَاِستَلب الرّقدةَ من طَرْفي
مَن يعشقُ الظّلمَ فما عنده / لعاشقٍ شيءٌ من النَّصْفِ
ويمقُتُ الوَعْدَ فإنْ أمَّهُ / نَغَّصَه بالمَطْلِ والخُلْفِ
عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ
عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ / فمُرُّ الحياةِ لمن قد عَرَفْ
فها أنَا ذَا طولَ هذا الزّما / نِ بين الجَوى تارةً والأسَفْ
فمنْ راحلٍ لا إِيابٌ له / وماضٍ وليس له من خَلَفْ
فلا الدّهرُ يُمتِعُنِي بالمقيمِ / ولا هو يُرجِعُ لي من سَلَفْ
أرونِيَ إنْ كنتُمُ تقدرو / نَ من ليس يكرع كأسَ التّلَفْ
ومَن ليس رَهْناً لداعي الحِمامِ / إِذا ما دعى باِسمه أو هَتَفْ
وَما الدّهرُ إلّا الغَرورُ الخَدوعُ / فماذا الغرامُ به والكَلَفْ
وَما هو إلّا كلمحِ البُروقِ / وإلّا هبوب خريفٍ عَصَفْ
ولم أرَ يوماً وإن ساءني / كيومِ حِمامِ كمالِ الشَّرَفْ
كأنِّيَ بعد فراقٍ له / وقَطْعٍ لأسبابِ تلك الأُلَفْ
أخو سَفَرٍ شاسِعٍ ما له / منَ الزّادِ إلّا بقايا لَطَفْ
وعوَّضَني بالرّقادِ السُّهادَ / وأبدلنِي بالضّياءِ السَّدَفْ
فراقٌ وما بعده مُلتقىً / وصدٌّ وليس له مُنعَطَفْ
وبعتُك كرهاً بسومِ الزّما / نِ بيعَ الغبينِ فأين الخَلَفْ
وعاتبتُ فيك صُروفَ الزّمانِ / ومَن عاتبَ الدّهرَ لم ينتصفْ
وقد خطف الموتُ كلَّ الرّجالِ / ومثلك من بيننا ما خَطَفْ
وَما كنتَ إلّا أبِيَّ الجَنانِ / عن الضَّيْمِ محتمياً بالأَنَفْ
خَلِيّاً من العار صِفْرَ الإزارِ / مدى الدّهرِ من دَنَسٍ أو نَطَفْ
وأذرى الدّموعَ ويا قلّما / يَرُدُّ الفوائتَ دمعٌ ذَرَفْ
ومن أين ترنو إليك العيونُ / وأنت ببَوْغائها في سُجُفْ
فبِنْ ما مُلِلْتَ وكم بائنٍ / مضى موسعاً مِن قِلىً أو شَنَفْ
وسقّى ضريحَك بين القبورِ / من البِرِّ ما شئته واللُّطُفْ
ولا زال من جانبيه النَّسِيمُ / يعاوده والرّياضُ الأُنُفْ
وصيّرك اللّهُ من قاطِنِي ال / جنانِ وسكّانِ تلك الغُرَفْ
تُجاور آباءك الطّاهرين / ويتّبعُ السّالفين الخَلَفْ
يَهون عندكُمُ أنّي بكم أَرِقُ
يَهون عندكُمُ أنّي بكم أَرِقُ / وأنّ دمعاً على الخدّين يستبقُ
وأنّ دَيْناً عليكمْ لا قضاءَ له / وأنّ رَهْناً عليكمْ تائِهٌ غَلِقُ
وكيف ينفعنا صدقُ الحديثِ وقد / قبلتُمُ قول أقوامٍ وما صدقوا
وهلْ دنُوُّكُمُ مُسلٍ ونحن إذا / كنّا جميعاً بطولِ الصَّدِّ نفترقُ
كلُّ المودّةِ زورٌ غيرَ وُدِّكُمُ / وكلُّ حبٍّ سوى حبّي لكمْ مَلَقُ
يا صاحِبَيَّ اِمتِحاني من عيونكما / فأنّ لِي مُقْلَةً إنسانُها غَرِقُ
واِستَوضحا هل حمولُ الحيِّ زائلةٌ / والرَّكْبُ عن جَنَباتِ الحيِّ منطلقُ
وفي الحدوج الّتي حفّ القَطينُ بها / ظبْيٌ بما شاء من أَلبابنا عَلِقُ
ودِدْتُ منه وَقد حَفّ الوشاةُ بنا / أنّا بعِلّةِ قرْبِ البينِ نعتنِقُ
قُل للّذي بات محروماً يُثبّطُهُ / عن مطمحِ العزِّ منه الرُّعْبُ والشَّفَقُ
يرعى الهشيمَ مُلِظّاً قعرَ أوديةٍ / غرثَى المسالكِ لا ماءٌ ولا ورقُ
إنّي علقتُ بفخر الملكِ في زمنٍ / ما كان لِي منه في الأقوامِ مُعتَلِقُ
مردّدٌ كلَّ يومٍ في مواهبِهِ / متوَّجٌ منه بالنعماءِ مُنْتَطِقُ
يا صَفْونا في زمانٍ كلُّهُ كَدَرٌ / وفجرَنا في زمانٍ كلُّه غَسَقُ
وحامِلَ العِبْء كلّتْ دونه مُنَنٌ / وقائدَ الجيشِ ضاقتْ دونه الطُّرُقُ
ورابطَ الجأْشِ والأبطالُ هائبةٌ / والهامُ بين أنابيب القنا فَلِقُ
في موقفٍ حَرِجٍ يُلقَى السّلاحُ به / والقِرْنُ من ضيقه بالقرن معتنقُ
قد كان قبلك قومٌ لا جميل لهمْ / كأنّهمْ من خمول الذّكرِ ما خُلِقوا
فوتُ الأمانِيَ ما شادوا ولا كرموا / نُكْدُ السّحائبِ ما اِنهلّوا ولا بَرِقوا
فَما نَفَقنا عَليهم من غَباوَتهمْ / وما علينا بشيءٍ منهُمُ نفقوا
وأين قبلك يا فخرَ الملوك فتىً / مُستَجْمَعٌ فيه هذا الخَلْقُ والخُلُقُ
ومَنْ إذا دخل الجبّارُ حضرتَهُ / يزداد عزّاً إذا ذَلّتْ له العُنُقُ
وأيُّ مُخْتَرِقٍ يُضحِي وَلَيس بهِ / إلى الفضيلةِ منك النَّصُّ والعَنَقُ
وأيُّ مُقصىً عن المعروف ليس له / مُصْطَبحٌ بين ما تُولِي ومُغْتَبَقُ
شِعْبٌ به لذوي الأنضاء مُرتَبَعُ / وجانبٌ فيه للمحروم مُرتَزَقُ
مُستَمْطَرُ الجود لا فقرٌ ولا جَهَدٌ / ومُستجارٌ فلا خوفٌ ولا فَرَقُ
ومشهدٌ ليس فيه من هوىً جَنَفٌ / ولا يُطاشُ به طيشٌ ولا خُرُقُ
لا يألف الحِقْدُ مَغْنىً من مساكنِهِ / ولا يُلَبِّثُ في أبياتِهِ الحَنَقُ
قد قلتُ للقومِ لم يخشوا صَريمَتَهُ / وربّما خاب بغياً بعضُ مَنْ يَثِقُ
حذارِ من غَفَلاتِ اللّيث يَخْدَرُ في / رأي العيونِ وفي تاموره النَّزَقُ
يُغضِي كأنَّ عليه من كرىً سِنَةً / وإنّما حشُوه التّسهيدُ والأَرَقُ
ولا تراه وإنْ طال المِطالُ به / إلّا مُكِبّاً على الأوصال يعترِقُ
أوْ مِن ضئيلٍ كجُثمانِ الفظيعِ له / في كلّ ما ذَرَّ نجمٌ أوْ هوى صَعِقُ
أُرَيْقِطٌ غيرَ أرفاغٍ نَجَوْنَ كما / مسّ الفتى من نواحي جلده البَهَقُ
تراه في القيظِ مُلتفّاً بسَخْبَرَةٍ / كأنّما هو في تدويره طبَقُ
فاِفخَرْ فما الفخرُ إِلّا ما خُصصتَ به / وفخرُ غَيرك مكذوبٌ ومُختَلَقُ
فالمجدُ وَقْفٌ على دارٍ حللتَ بها / وما عداك فشيءٌ منك مُستَرَقُ
وَاِسعَدْ بِذا العيد والتّحويلِ إنّهما / توافقا والسّعودُ الغُرُّ تتَّفقُ
عيدانِ هذا به فِطْرُ الصّيامِ وذا / زار البسيطةَ فيه الوابلُ الغَدَقُ
وقتٌ به السّعدُ مقرونٌ ومُلتبسٌ / وطالعٌ وَسْطَه التوفيقُ مُرتِفقُ
وليلةٌ صقل التحويلُ صبغتَها / فإنّما هي للسَّاري بها فَلَقُ
ومن رأى قبل أنْ ضوّأتَ ظُلمَتَهُ / ليلاً له في الدّآدي منظرٌ يَقَقُ
ضاقَ القَريضُ عن اِستيفاء فضلك يا / ربَّ القريض وعَيَّتْ ألسُنٌ ذُلُقُ
وإنّما نشكر النُّعمى وإِنْ عظمتْ / فكم أُناسٍ بما أُولُوهُ ما نطقوا
فَاِسلَمْ ودُمْ فزِنادُ الملك وارِيةٌ / وكلُّ مختلفٍ في الخلقِ مُتّسِقُ
وعشْ كما شئتَ عمراً ما لنائبةٍ / به محالٌ ولا فيه لها طُرُقُ
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ / قبلَ التّفرّقِ أنّني أُستاقُ
إن كان يومُ البينِ شتّت شملَنا / فخلالَه قُبَلٌ لنا وعناقُ
لا تطمعوا في الصَّبر منّى بعدكمْ / فلَقَلّما تتصبَّر العشّاقُ
لأَنتُمُ آلُ خير النَّاسِ كلِّهِمُ
لأَنتُمُ آلُ خير النَّاسِ كلِّهِمُ / المنهلُ العَذْبُ والمستوردُ الغَدَقُ
وليس للّهِ دينٌ غير حبّكُمُ / ولا إليه سواكمْ وحدَكمْ طُرُقُ
وَإِنْ يَكُن من رسول اللَّه غيركُمُ / سوى الوجود فأنتمْ عنده الحدَقُ
رُزِقتُمُ الشّرفَ الأعلى وقومُكُمُ / فيهمْ غضابٌ عليكمْ كيف ما رُزقوا
وأنتمُ في شديداتِ الورى عُصُرٌ / وفي سواد الدّياجي أنتمُ الفَلَقُ
ما للرّسول سوى أولادكمْ وَلَدٌ / ولا لنَشْرٍ له إلّا بكمْ عَبَقُ
فَأَنتمُ في قُلوب النَّاس كلّهمُ / السَّمْتُ نقصده والحبلُ نَعْتَلِقُ
هل يَستوي عند ذي عينٍ رُبىً ورُبىً / أو الصّباح على الأوتادِ والغَسَقُ
وُدّي عليه مقيمٌ لا بَراحَ له / من الزَّمان ورَهْني عندكم عَلِقُ
وثقتُ منكمُ بأن تستوهبوا زَلَلِي / عند الحساب وحسبي مَنْ به أثقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ / أنّى وليس له هنالك مَطْرَقُ
زار الهجودَ وَلم يَنَلْهُ ولا اِهتدى / منّا إليه مُسهَّدٌ ومؤرَّقُ
لو كان حقّاً زار في وَضَحِ الضُّحى / فالزَّوْرُ وَهْناً كاذبٌ لا يصدقُ
زرتَ الّذين توهّموها زَوْرَةً / ومضيتَ لمّا خفتَ أن يتحققوا
وقرُبتَ قرباً عاد وهو تبعُّدٌ / ووصلتَ وصلاً آب وهو تفرُّقُ
وَخَدعتَ إلّا أنَّ كلَّ خديعةٍ / رَوَّتْ صدى كَلِفٍ يُحبّ ويعشِقُ
ما كان عندي والرّقادُ مجانبٌ / لجفونِ عيني أنّ طَيْفَكَ يطرُقُ
كَيفَ اِهتَدى والبعدُ منّا واسعٌ / لرحالنا هذا العَناقُ الضيّقُ
أم كيف طاف مُسَلَّمٌ بمكلَّمٍ / أم كيف عاج على الأسير المطلقُ
ومُجَدَّلٍ بيد الكَلالِ كأنّه / في الرِّيِّ يُصبح بالمُدامِ ويَغبُقُ
أمسى موسّده وقد سكن الكرى / في مُقلتيه ساعدٌ أو مِرْفَقُ
وإذا ترفّعت الحدوجُ فقل لما / واراه عنّا الوَشْيُ والإستبرقُ
حتّى متى عطشانُكمْ لا يرتوي / من مائكمْ ومريضُكمْ لا يُفرقُ
لم تعرفوا شوقاً فلم تأووا لمن / يُضحِي ويُمسِي نحوكم يتشوّقُ
أقسمتُ بالبيتِ العتيق تزورهُ / بالشّاحطين من الرّجال الأينُقُ
لمّا أتوه خائفين تشبّثوا / بستاره ليجُيرهم وتعلّقوا
والقومُ في وادي مِنىً فمجرّدٌ / أو لابسٌ ومُلَبِّدٌ ومُحَلِّقُ
والبُدنُ يُهرَق ثَمَّ من أوداجها / ما لم يكن لولا العبادةُ يُهرَقُ
والموقِفَين ومن تراه فيهما / يرنو إلى عفو الإله ويرمُقُ
لبسوا الهجير محرّقين جلودهمْ / من خوف نارٍ في الجحيم تُحرِّقُ
إنّ الّذين أعدّهمْ من عنصري / وبهمْ إذا فاخرتُ يوماً أعلقُ
شَجعوا فمِنْسَرُهمْ يروّع جَحْفَلاً / ووحيدُهمْ يومَ الكريهةِ فَيْلَقُ
ولهمْ إذا جمدتْ أكفٌّ في ندىً / أو في وغىً أيد هناك تَدَفَّقُ
قلْ للّذين تطامحوا أنْ يفخروا / بمفاخرٍ ببنائهمْ لا تَعْلِقُ
غُضّوا اللِّحاظَ فقد عَلَتْ تَلْعاتِكمْ / في مفخرٍ منّا الجبالُ الشُّهَّقُ
وإذا تسابقت الجيادُ إلى مدىً / أو غايةٍ أخذ الرّهانَ السُّبِّقُ
ولنا وليس لكم سوى الثَّمْدِ الّذي / لم يروِ ظمآناً بُحورٌ فُهَّقُ
كم ذا نكصتمْ عن طلابِ فضيلةٍ / أنا من جوانبها أخُبُّ وأَعنِقُ
وفررتُمُ ووقفتُ في ملمومةٍ / فيها القنا بيد الطّعانِ تُدَقَّقُ
وخرستُمُ ونطقتُ في النّادي الّذي / يُعطَى المقادَةَ فيه مَن هو أنطقُ
ورُزقتُ لمّا أن سعيتُ إلى العُلا / فاِسعوا كما أنّي سعيتُ لتُرزقوا
وفريتُ لمّا أنْ خلقتُ فما لكمْ / والفَريُ ناءٍ عنكُمُ أن تخلقوا
والنّاسُ في الدنيا إذا جرّبتَهمْ / إِمّا هباءٌ أو سرابٌ يبرقُ
إمّا صديقٌ كالعدوِّ تقاعداً / عن نصرتي أو فالعدوّ المُحْنَقُ
لا مَخبَرٌ يُرضِي القلوبَ ولا لهمْ / مرأَى به ترضى النّواظرُ يُونِقُ
في كلِّ يومٍ لِي ديارُ أخوَّةٍ / تخلو وشملُ مودّةٍ يتفرّقُ
والقلبُ منّي بالكروبِ مُقَلْقَلٌ / والجلدُ منّي بالنّيوبِ مُمَزَّقُ
وعَرِيتُ من ورق الإخاءِ وطالما / كانت غصوني بالأخوّةِ تورقُ
فاليوم ما لِي من خليلٍ أرتَضي / منه الإِخاءَ ولا صديقٌ يصدقُ
أعطاهُمُ زمنٌ مضى فتجمّعوا / واِبتزّهمْ زمنٌ أتى فتفرّقوا
فلقد قطعتُ العمرَ في قومٍ لهمْ / في كلّ مكرُمةٍ جبينٌ مشرقُ
وعليهمُ من كلّ ما زان الفتى / في العين أو في القلب منّا رَوْنَقُ
ما فيهمُ إلّا مُحَلّىً بالعُلا / ومَسَوَّرٌ ومتوّجٌ ومطوَّقُ
وتراهُمُ سامين في طرقِ العُلا / فإذا رأوْ سُبْلَ العضيهة أطرقوا
فالآن والسّبعون تعطِفُ صَعْدَتِي / وتُرِثُّ مِنّي ما تشاءُ وتُخلِقُ
وتألّقتْ لِي لِمَّةٌ كان الهوى / كلّ الهوى إنْ لم تكنْ تتألّقُ
واِسودّ منّي كلُّ ما هو أبيضٌ / بالرّغمِ لمّا اِبيضّ منّي المَفْرقُ
طوّحتُ بين معاشرٍ ما فيهمُ / خُلُقٌ ولا خَلْقٌ يُحَبُّ ويومَقُ
من دونهمْ أبداً لكلّ فضيلةٍ / سَترٌ وبابٌ للكريمةِ مغلقُ
فالظّنّ فيهمْ للجميل مكذِّبٌ / والظّنّ فيهمْ للقبيح مصدّقُ
فَإِلامَ يرمينِي بسهمٍ صائبٍ / مَن ليس لِي منهم إليه مفوِّقُ
فَعلى الّذين مَضوا وعينِي بعدهمْ / تجري وقَلبي نحوهم يتشوّقُ
منّي التحيّةُ غدوةً وعشيّةً / ووكيفُ منخرقِ العَزالِي مُغْدقُ
وعلى مساكنهمْ وإنْ سكنوا الثّرى ال / أَرَجُ الذكيُّ أو النّسيمُ الأعبقُ
دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ
دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ / لا صبوةَ اليومَ ولا مَعْشَقُ
ولا دموعٌ خَلْفَ مستوفِزٍ / تجري ولا قلبٌ له يخفقُ
ولو درى أهلُ الهوى بالّذي / جَنَى الهوى من قبل لم يعشِقوا
يا جَمْلُ لا أبصرني بعدها / أرنو إليه وجهُكِ المُشرِقُ
لو لم أُعرّضْ للهوى مهجتي / ما كان قلبي بالهوى يُسْرَقُ
لا فرعُكِ الفاحمُ يقتادني / ولا اِطّبانِي غُصنُك المورقُ
كنت أسيراً بالهوى عانياً / فالآن قلبي من هوىً مطلقُ
سَلْوانُ تجتاز به دائباً / روائحُ الحبِّ فلا يَعبقُ
فمَنْ يكن من حبّكمْ مُثْرِياً / فإنّنِي من بينهمْ مُمْلِقُ
لا طَرَقَ الطّيفُ الّذي كان مِنْ / أكبر همّي أنّه يطرُقُ
حَدَّثَ قلبي وهْوَ طوعُ الهوى / محدّثٌ باللّيل لا يصدقُ
وكيف لولا أنّه باطلٌ / يسري ولا سارتْ به الأيْنُقُ
زار وما زار سوى ذكرِهِ / وبيننا داوِيَّةٌ سَمْلَقُ
غرّاءُ لا يُمسي بِأَرجائِها / إلّا ظَليمٌ خلفه نِقْنِقُ
لَولا مَطِيٌّ كَسفينٍ بها / لكان مَن يركبها يَفْرَقُ
مَن عاذري مِن زَمنٍ كلّما / طلبتُ منه راحةً أَخفِقُ
يخصّ بالضّرّاءِ أحرارَه / ويَرزقُ السَّرّاءَ من يَرزقُ
صحبتُه أعوجَ لا ينثنِي / ومعجلاً بالشّرِّ لا يرفقُ
طوراً هو الموسعُ أقطارَه / وتارة أخرى هو الضيّقُ
لو أنّني أُنفقُ عِرْضِي به / كنتُ عليه أبداً أَنفُقُ
عزّ الفتى يكظِمُ حاجاتهِ / والنّاسُ مُستثرٍ ومسترزقُ
فما يبالِي حاقرٌ للمنى / جِيدَ اللّوى أم سُقِىَ الأبرقُ
وكلّما هوّم في سَبْسَبٍ / وَسَّدهُ السَّاعدُ والمِرفقُ
عِرْضٌ جديدٌ لا ينال البِلى / منه وثوبٌ مُنهَجٌ مُخلَقُ
وربّما نال الفتى وادعاً / ما لم ينله المزعَجُ المُقْلَقُ
ودون نيلِ المرءِ أوطارَه / فتقٌ على الأيّامِ لا يُرتَقُ
وكلُّ شيءٍ راقنا حسنهُ / فهْوَ سرابٌ في الضحى يبرقُ
وحبُّ هذي الدّارِ خوّانةً / داءٌ دويٌّ ما له مُفرِقُ
أين الأُلى حلّو قِلالَ العُلا / فُمزِّقوا من بعد أن مَزَّقوا
كأنّهمْ من بعد أن غرّبوا / لم يطلعوا قطّ ولم يشرقوا
داسوا بأقدامهم شُمَّخاً / تُرامُ بالأيدي ولا تُلْحَقُ
وكلَّ نجمٍ بالدّجَى ساطعٍ / يرميه نحو المغربِ المشرقُ
كأنّه من قَبَسٍ جذوَةٌ / أو عن لهيبٍ خلفه يُفتَقُ
كم أوضعوا في طُرُقاتِ العُلا / وحلّقوا في العزّ إذْ حلّقوا
حتّى إذا حان بلوغُ المَدى / قِيدوا إلى المكروه أو سُوِّقوا
طاحوا إلى الموتِ وكم طائحٍ / لم يُغنِ عنه حَذِرٌ مُشفِقُ
نحن أناسٌ لطِلابِ العُلا / نخُبُّ في الأيّامِ أو نَعْنِقُ
ما خَلقَ اللَّه لَنا مُشبهاً / في غابر الدّهرِ ولا يخلُقُ
كم رام أن يصعد أطوادَنا / بَواذِخاً قومٌ فلم يرتقوا
أَو يَلحقوا ما اِمتدَّ من شَأْوِنا / في طلب العزّ فلم يلحقوا
قد قلت للقوم وكم طامعٍ / يُصبِحُ بالباطل أو يغبُقُ
أين من البَوْغاءِ أسماكُنا / ومن ثِمادٍ بحرُنا المُفْهَقُ
في الغاب والغابُ مجازٌ لكمْ / ليثٌ بلا عذر الكرى يُطرِقُ
في كفّه مثلُ حِدادِ المُدى / يفرِي بها الجلدَ ولا تَخْلِقُ
يَغتالُ طولَ البعد إرقالُه / فَمُنْجِدٌ إنْ شاء أو مُعْرِقُ
فكم صريعٍ عنده للرّدَى / وكم نجيعٍ حوله يُهرقُ
كأنّما خيط على غضبةٍ / فهوَ مغيظٌ أبداً مُحنَقُ
خلّوا الّتي سكّانُها معشرٌ / هُمُ بها من غيرهمْ ألْيَقُ
قناتُهمْ في المجد لا تُرتَقَى / وجُردُهم في الجود لا تُسبَقُ
قومٌ إذا ما سنحوا في الوغى / سالوا دماً أو قدحوا أحرقوا
بكلِّ مشحوذِ الظُّبا أبيضٍ / وأسمرٍ يعلو به أزرقُ
لا باسلٌ يشبهه ناكِلٌ / ولا صميمٌ مثلُه مُلْحَقُ
ولا سواءٌ عند ذي إِرْبَةٍ / باطنُ رجلِ المرءِ والمَفْرقُ
وقد زلقتُم في مطافٍ له / بابٌ إلى العزّ ولم يزلقوا
وخلتُمُ أنّ العُلا نُهْزَةٌ / يعلقها بالكفّ مَن يَعْلِقُ
حتّى رأيناها بأيديكُمُ / تزِلُّ أو تَزلقُ أو تَمْرُقُ
ودونكمْ من لؤمِ أفعالكمْ / بابٌ إلى ساحاتها مُغلَقُ
إنّ أناساً طلبوا حُوَّماً / وِرْداً شربنا صفوَه ما سُقوا
لَيسوا منَ الفخرِ ولا عنده / ولا لهمْ في رَبْعِه مَطْرَقُ
إنْ سُئلوا في مَغْرَمٍ بَخَّلوا / أو جُمعوا في معركٍ فُرِّقوا
وليس يجري أبداً في الورى / إلّا بِما ساءَهمُ المنطقُ
قل لرواةِ الشّعر جوبوا بها / فجّاً من الإحسانِ لا يُطرَقُ
كأنّها في ربوةٍ روضةٌ / أو من شبابٍ ناعمٍ رَيِّقُ
صِينتْ عن اللّين على أنّها / غانٍ بها الإشراقُ والرَّوْنَقُ
فكم أُناسِ بقيتْ منهُمُ / محاسنُ الشِّعر وما أنْ بقوا
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ / شُروقٌ لأفقٍ غابَ عنه شُروقُ
كأنّ نجومَ الليل دُرٌّ وبينها / تلألؤ إيماضِ الوميضِ بروقُ
وَما خلتُ إلّا الوَرْسَ في الأفقِ إنّه / متى لم يَكُنْهُ الورس فَهْوَ خَلوقُ
كأنّ نجيعاً خالط الجوَّ أو جَرَتْ / لنا بين أثناء الغمامِ رحيقُ
يلوح ويخفى ثم يدنو وينتئي / ويوسع من مجراه ثمّ يضيقُ
فما خفقتْ إِلّا كذاك جوانحٌ / ولا نبضتْ إلّا كذاك عروقُ
وشوّقنِي إيماضُه نحو أوجهٍ / لهنّ سناءٌ والمشوقُ مشوقُ
ودون اللّوى ظبْيٌ له كلُّ ما هوى / عَلوقٌ بحبّاتِ القلوب لَصوقُ
له حكمُهُ منّي ومن دون عَطفه / عليَّ غزيرُ اللُّجَّتين عميقُ
وأولَعُ بالبُقيا عليه وما له / إلى جانب البُقيا عليَّ طريقُ
وما وَعدُهُ إلّا اِختلاجةُ خُلَّبٍ / وَإِلّا سرابٌ بالفلاةِ خَفوقُ
فمن لستُ مودوداً إليه أودّه / وَمَن ليس مشتاقاً إليَّ يشوقُ
وإنّي على مَن لا هوادَة عنده / ولا شَفَقٌ منه عليَّ شفيقُ
فيا داءَ قلبي ما أراك تُغِبُّنِي / ويا سُكرَ قلبي ما أراك تفيقُ
بنفسِيَ من ودّعتُه يومَ ضارجٍ / وجَفنِيَ من فيضِ الدّموعِ غريقُ
وكلّفنِي من ثِقْلِ يومِ وداعِهِ / بلابلَ لا يسطيعهنَّ مطيقُ
يُغِلْنَ اِعتزامَ المرءِ وهْوَ مصمّمٌ / ويَهْدِمْنَ ركن الصّبر وهو وثيقُ
وليلةَ بِتْنا وهو حانٍ على الهوى / بعيدُ النّوى شَحْطَ الأذاة سحيقُ
وقد ضلَّ فيه الكاشحون وقُطّعتْ / عوائقُ كانت قبل ذاك تعوقُ
ونحن كما شاء العدوّ فإنّه / شَجٍ بالّذي نهوى وشاء صديقُ
فعَرْفُ الوصالِ يومَ ذاك مُنَشَّرٌ / وعذبُ المُنى صِرْفٌ هناك مَذوقٌ
فَلم تَك إلّا عفّةٌ ونزاهةٌ / وَإِلّا اِشتكاءٌ للغرامِ رقيقُ
وَإِلّا اِنتجاءٌ بالهوى وتحدّثٌ / صقيلُ حواشي الطُّرَّتين أنيقُ
عليه من الجاديّ فَغْمةُ نَشرةٍ / وَفيهِ ذكيُّ المَنْدَلِيِّ سَحيقُ
فَما زالَ منّا ظامئُ الحبِّ ناقعاً / إلى أن تبدّتْ للصّباحِ فتوقُ
وَأَقبل مَوْشِيَّ القميص إذا بدا / وكلّ أسيرٍ بالظّلام طليقُ
يقوِّض أطنابَ الدّياجي كأنّما / ترحّل من بعض الدّيار فريقُ
فَما هو إلّا قُرحةٌ لدُجُنَّةٍ / وَإلّا فَرأسٌ للظّلامِ حليقُ
وَشُرِّد بِالبطحاءِ حتّى كأنّه / بِكارُ فلاةٍ راعهنَّ فنيقُ
فإن لم يكن ثغرُ الدُّجى متبسّماً / فسيفُك يا أُفقَ الصّباحِ ذَلوقُ
وإن لم يكن هذا الصّباح بعينه / فجانبُ شرق الرّكب فيه حريقُ
فلم يبقَ للسّاري سُرىً في لبانةٍ / ولا لِطَروقٍ للرِّحالِ طُروقُ
شاقك البرقُ اليماني
شاقك البرقُ اليماني / ي دجىً فيما يشوقُ
صبغ الأفقَ فقلنا / عَنْدَمٌ ذا أم خَلوقُ
أم غدا كاليَمَنِ اليو / مَ به هذا العقيقُ
وشككنا وهو بالأف / قِ عَلوقٌ وشَروقُ
هَل أُطيرَ اللّيلُ حتّى / حان للشّمسِ شُروقُ
أم بطاحُ الشّجرِ الغَرْ / بيِّ في الدَّوِّ حريقُ
والمطايا كالحنايا / غالها البعدُ السَّحيقُ
وجَليدُ الرّكبِ يوماً / ثَمِلٌ لا يستفيقُ
من رآه قال هذا / قد سرَتْ فيه الرّحيقُ
وعلى العِيسِ وركبُ ال / عِيسِ في البيد طريقُ
شاحطُ القُطرين ناءٍ / عائر اللُّجِّ عميقُ
والفتى من ركب الهَوْ / لَ ولم يدرِ الرّفيقُ
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه / فألّا وضوءُ الصّبحِ للعين مُشرِقُ
وزِدْتَ مِطالاً عن لقاء مُصَحَّحٍ / وأوْسَعَنا منك اللّقاءُ المُزَوّقُ
فأَحْبِبْ به من طارقٍ بعد هَدْأَةٍ / على نَشوةِ الأحلامِ لو كان يصدقُ
ولمّا تفرّقنا ولم يكُ بيننا / هُنالك لولا النّومُ إلّا التفرُّقُ
تطايَرَ وصلٌ غرّنا فكأنّه / رداءٌ سحيقٌ أو مُلاءٌ مُشَبْرَقُ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ / ومن دونَ مسراه اللّوى والأبارِقُ
ألمّ بنا لم ندر كيف لِمامُهُ / وقد طالما عاقته عنّا العوائقُ
فلّلهِ ما أولَى الكرى في دُجُنَّةٍ / جَفَتْها الدّراري طُلَّعٌ وبوارقُ
نَعِمْنا به حتى كأنّ لقاءنا / وَما هو إلّا غايةُ الزُّورِ صادقُ
فما زارني في اللّيل إلّا وصبحُنا / تُسَلُّ علينا منه بِيضٌ ذَوالِقُ
فَكيفَ اِرتَضيتَ اللّيلَ واللّيلُ مُلْبِسٌ / تَضِلُّ به عنّا وعنك الحقائقُ
تُخيّل لِي قُرْباً وأنتَ بنجوةٍ / وتوهمني وصْلاً وأنت المفارقُ
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا / واِحذرْ بجُهدك ما يقول المنطقُ
يبقى الكلامُ وكلُّ كَلْمٍ مؤلمٍ / يمحوه ليلٌ أو نهارٌ مشرقُ
والقولُ إمّا كان في عِرْضِ الفتى / كذباً فكم كذب الرّجال وصدّقوا
قل للّذي جمع التِّلادَ وعنده / أنّ التِّلادَ ثَنِيَّةٌ لا تُطْرَقُ
إنّ الحِمامَ لِمَا نَظَمْتَ مُشتِّتٌ / ولما جمعتَ مبدّدٌ ومفرّقُ
والمالُ بعد الموتِ من خُزّانِهِ / شِلْوٌ على أيدي الرّجالِ يُمزَّقُ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / وقلبي بمن فيها رهينٌ معلّقُ
وَأَقريهمُ منّي السّلامَ وبيننا / رِتَاجٌ ومسدولٌ من الترب مُطبَقُ
ولو أنّنِي أنصفتُ مَنْ في ترابها / لما رحتُ عنه مُطلقاً وهو موثَقُ
وأنّ له منّي قليلاً جوانحٌ / خَفَقْنَ وعينٌ بالدّموع تَرَقْرَقُ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ / وقلتَ لنا هم خيرُ مَنْ أنَا خالقُ
وإنْ كنتُ قد قصّرتُ سعياً إلى التُّقى / فإنّي بهمْ إنْ شئتَ عندك لاحقُ
هُمُ أنقذوا لمّا فَزِعتُ إليهمُ / وقد صَمّمت نحوي النُّيوبُ العوارقُ
وهم جَذَبوا ضَبْعي إليهمْ من الأذى / وقد طرقتْ بابي الخطوبُ الطّوارقُ
ولولاهُمُ ما نلتُ في الدِّينِ حُظوَةً / وَلا اِتّسَعَتْ فيه عليَّ المضائقُ
ولا سيّرتْ فضلي إليها مغاربٌ / ولا طَيَّرَتْهُ بينهنّ مشارقُ
ولا صَيّرتْ قلبي من النّاسِ كلّهمْ / لَها وَطَناً تأوي إليه الحقائقُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ / وخِلٌّ نآنِي ما نَبَتْ بي خَلائِقُهْ
ومُضطجِعٌ في ريبِ دهرٍ مُسَلَّطٍ / تُطالعني في كلّ فجٍّ طوارقُهْ
ومُلتَفِتٌ في إثْرِ ماضٍ مُغَرِّبٍ / تراماهُ أجراعُ الرّدى وأبارقُهْ
فثَلْمٌ على ثَلْمٍ وزُرْءٌ مضاعفٌ / على فتقِ رُزْءٍ ضلّ بالدّهرِ راتقُهْ
مصائبُ لو أُنزِلْنَ بالشّمسِ لم تُنِرْ / وَبالبدر لم تُمْدَدْ بليلٍ سُرادِقُهْ
فمُعْتَبَطٌ خولِسْتُهُ ومؤجَّلٌ / تلبّث حتّى خِلتنِي لا أُفارقُهْ
تجافَى الرّدى عنه فلمّا أمِنْتُهُ / سقانِيَ فيه مُرَّ ما أنا ذائِقُهْ
فسُرَّ به قلبي فغال مسَرَّتِي / زمانٌ ظلومٌ للسّرورِ يسارقُهْ
أرى يومَه يومي وأشعرُ فقدَه / بأنّي وإنْ طال التّلَوُّمُ لاحقُهْ
وكم صاحبٍ عُلِّقْتُهُ فتقطّعَتْ / بأيدي المنايا من يديَّ علائقُهْ
وكيف صفاءُ العيش للمرء بعدما / تغيّبَ عنه رَهْطُهُ وأصادِقُهْ
فللّهِ أعوادٌ حَمَلْنَ عشيّةً / خبِيئةَ بيتٍ لا يرى السّوءَ طارقُهْ
على الكرمِ الفَضْفاضِ لُطَّتْ ستورُهُ / وبالبرِّ والمعروفِ سُدَّتْ مخارقُهْ
وَليسَ بهِ إلّا العفافُ وما اِنطَوَتْ / على غير ما يُرضي الإلهَ نمارِقُهْ
قيامُ سوادِ اللّيل يَندى ظلامُهُ / وصومُ بياضِ اليومِ تُحمى ودائِقُهْ
فدَتْني كما شاءتْ وما شئتُ أنّها / فَدَتْنِي ولا كانَ الّذي حُمَّ سابقُهْ
وَلَو أَنّني أَنصَفتُها من رعايتي / وقابلتُه رُزءاً بما هو لائقُهْ
لأكرعتُ نفسي بعدها مَكرعَ الرّدى / تصابحه حزناً لها وتغابقُهْ
سقى جَدَثاً أصبحت فيه مُجَلْجلٌ / رواعدُهُ ما تنجلي وبوارقُهْ
يُطيحُ الصَّدا الدّفَّاعُ منه وتَرْتوي / مغاربُهُ من فيضه ومشارقُهْ
لئِن غبتِ عن عيني فربّ مُغيَّبٍ / يروحُ وأبصارُ القلوبِ روامقُهْ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ / وقولوا له إذْ ضلّ أين طريقُهُ
فما الشّوقُ والأشجانُ إلّا صَبوحُهُ / وما الهمُّ والأحزانُ إلّا غَبوقُهُ
فإنْ أنتما لم تُسعداه بعبرةٍ / فلا تُنكرا إن سحّ بالدّمعِ مُوقُهُ
طوَى الموتُ أهلي بد طيِّ أصادِقي / ولمّا يُقِمْ مَن بانَ عنه صديقُهُ
فثُكلٌ على ثُكْلٍ ورُزْءٌ يسوقُهُ / إلى الكَبِدِ الحَرَّى عليه سَؤوقُهُ
وَما المَرءُ إِلّا عرضةٌ لمصيبةٍ / فطوراً بنوهُ ثم طوراً شقيقُهُ
وَما الدّهرُ إلّا تَرْحَةٌ بعد فرحةٍ / فلا كان منه بِرُّهُ وعقوقُهُ
أتاني من الطّرّاقِ ما يَقرحُ الحَشا / وكم طارقٍ لي لا يُوَدُّ طُرُوقُهُ
وقالوا معزُّ الدّينِ تاه به الرّدى / وسُدَّ به في وَسْطِ قاعٍ خُروقُهُ
فأَلْهَبَ خوفاً ليس يخبو حريقُهُ / وأعقب سكراً ليس يصحو مُفيقُهُ
وذاك ذهابٌ ليس يدنو إيابُهُ / وَوَشكُ غروبٍ ليس يُرجى شُروقُهُ
كأنّي وقد فارقتُهُ شِعْبُ منزلٍ / تحمّل عنه راغمين فريقُهُ
وإِلّا فصَدْيانٌ على ظهر قفرةٍ / وَما ماؤه إلّا السّرابُ ورِيقُهُ
فَليسَ الّذي تَجري به العينُ ماؤها / ولكنّه ماءُ الحياةِ أُريقُهُ
فمنْ لسرير الملك يركب متنَهُ / فيعلو به إِشرافُهُ وسُموقُهُ
ومَنْ لصفيحِ الهند يُنْثَرُ حولَه / فديغُ رؤوسٍ في الوغى وفليقُهُ
ومَنْ للقنا تحمرّ منه ترائبٌ / كأنّ خَلوقَ المعرسات خَلوقُهُ
ومَنْ للجيادِ الضُّمَّرِ القُودِ قادَها / إلى موقفٍ دَحْضُ المقامِ زليقُهُ
ومَنْ يحمل العِبْءَ الرّزينَ تكرّماً / إذا كَلَّ عن حَمْلِ الثّقيلِ مُطيقُهُ
ومَنْ لثغور الملك يرتُقُ فتقَها / إِذا اِلتاث ثَغْرٌ أو تراءَتْ فتوقُهُ
فتىً كان رنّاتِ السّيوفِ سَماعُهُ / وفيضَ نجيع الذّابلاتِ رحيقُهُ
وَلَم تُلفِهِ إِلّا وَفوق فَقارِهِ / جَليلُ الّذي يَقتادنا ودقيقُهُ
وقد علم الأملاك أنّك فُتَّهُمْ / وإلّا فقلْ مَن ذا الّذي لا تفوتُهُ
فإن نزلوا في الفخر هضباً رفيعةً / فمنزلُك الأعلى من الفخرِ نِيقُهُ
وأنّك من قومٍ كفى الخطبَ بأسُهمْ / وقامتْ بهمْ في معظم الأمر سوقُهُ
إذا ما جرى منهم كريمٌ إلى ندىً / مضى لم يَعُقْهُ دونه ما يَعوقُهُ
وفيهمْ شعابُ الملك تجري وعندهمْ / إذا وَشَجَتْ أغصانُه وعروقُهُ
وإن تنكُص الأقدامُ جُبناً فما لهمْ / إلى المجدِ إلّا شَدُّهُ وعنيقُهُ
قَضى اللَّهُ لِي من بعدك الحزنَ والأسى / وليسَ بمردودٍ قضاءٌ يسوقُهُ
وما كنتُ أخشى أنْ تَبِيتَ وبيننا / بعيدُ المدا شَحْطُ المزارِ سحيقُهُ
وأنِّيَ موفورٌ وأنتَ مُحَمَّلٌ / بثِقْلِ الثَّرى ما لا أراك تُطيقُهُ
يُفيقُ الرّجالُ الشّاربون من الكَرى / وسكرك من خمر الرّدى لا تُفيقُهُ
ولِمْ لا أقيك السّوءَ يوماً وطالما / وقيتَ من الأمر الذُّعاف مَذوقُهُ
ولمّا عرانِي ما عرانِيَ واِلتَوى / عليَّ أخٌ فيما عرا وشقيقُهُ
تشمّرتَ لِي حتَّى أضاء ظلامُهُ / وطاوعَ عاصيه وأرحَبَ ضيقُهُ
فَإنْ تمضِ فالأنواءُ تمضي وإِنْ تَغِبْ / فقد غاب عنّا من زمانٍ أنيقُهُ
وإن تَعْرَ منّا اليومَ فالغصنُ يُغتَدى / وريقاً زماناً ثُمّ يَعْرى وريقُهُ
فما لفؤادي بعد يومك بهجةٌ / ولا شاق قلبي بعده ما يشوقُهُ
ولا لسلوٍّ خَطْرَةٌ في جوانحي / ولا لجفوني طعمُ يومٍ أذوقُهُ
سلامٌ على قبرٍ حَلَلْتَ ترابَه / وهبّ عليه من نسيمٍ رقيقُهُ
وَمِن حوله وَشيُ الرّياض مُنَشَّرٌ / وفيه من المسك الذّكيّ فتيقُهُ
فإنْ ضاقت الأرضُ الفضا بعد فقده / فقد وسعته تربةٌ لا تضيقُهُ
مررنا عليه منشئين لقبره / غمامَ دموعٍ والحنينُ يسوقُهُ
ومِن قلّةِ الإنصافِ عيشيَ بعده / وفي الكفّ منّي لو أردتُ لُحوقهُ