المجموع : 504
تعوّد الطردَ بها والطِرادْ
تعوّد الطردَ بها والطِرادْ / أيُّ جوادٍ فوق متنِ الجوادْ
وكفّ بالنجدةِ أعطافَه / وإنما النجدةُ حيثُ النِجادْ
إن لم يشِبْ فَوْداهُ من هولِها / فدونَها ما شابَ منهُ الفؤادْ
لله ما أسْرى أحاديثَه / بين حِدالٍ سنّهُ أو جِلادْ
إما معان مُروَياتُ الحَيا / أو عزَماتٌ مُورَياتُ الزِنادْ
قد سمعَ الليلُ بأخبارِه / مشروحةً من لهَواتِ الوهادْ
حيثُ امتطى النكْباءَ ذيّالةً / واحتقَبَ الغيمُ عليها مزادْ
والجوّ في مأتمِ إصباحِه / قد لبسَ الليلَ عليه حِدادْ
هذا هو المجدُ ومن ذا الذي / سادَ وقد لازم طيَّ الوِسادْ
بالله يا شوكَ السِبال احتجِبْ / عن ناظرٍ مُعرىً بشوكِ القتادْ
لا رأيَ في الغيّ له بعدَما / شادَ معاليْهِ بأيدي الرّشادْ
ما أبعدَ النُقصانَ من حامدٍ / لأحمدَ الكافلِ بالازديادْ
أيُّ فَخارٍ قد عَلا متنَهُ / فجاوزَ النجمُ عليه وكادْ
نادِ بأعلى الصوتِ إن زُرْتَه / بك المعالي عسرَتْ كلَّ نادْ
في طيّ يُمناهُ مَرادُ الغِنى / فاستَهْدِ من ذاك المَرادِ المُرادْ
متّقدٌ منتَقِدٌ يا له / من انتقاد كامنٍ في اتّقادْ
لا يرسلُ الأسنادَ إلا إذا / كان له بالهاشميّ استِنادْ
روايةٌ مطّرّدٌ متنُها / في صحةِ الإتقانِ أيَّ اطّرادْ
وإنما فُتياهُ فهيَ التي / تحكُمُ منا عُقَدَ الاعتقادْ
يرقِمُ من راحتِه أرقَمٌ / يمجّ في الطُرْسِ لُعابَ المِدادْ
مسفِّعُ الأقلامِ فيما حبَتْ / ظبى السُيوفِ المُرهَفاتِ الحِدادْ
يتّبِعُ السلطانُ أغراضَهُ / فردّهُ الحاكمُ فيما أرادْ
فلو حَواهُ زمنٌ أولٌ / مع أنّه الأولُ في الاعتمادْ
لكان للنُعمانِ مُستَشْفِعاً / بذكرِه فيما حباهُ زيادْ
هذا لسان الطُرسِ مسترسِلٌ / يخبِرُنا عمّا أحنّ الفؤادْ
ألبسَهُ الأسعدُ ألفاظَهُ / فانصرفَ الحبُّ له عن سُعادْ
وانظُرْ الى سحبانَ في وائلٍ / منه وقسٍّ خاطباً في إيادْ
فصاحةٌ كادت لإفراطها / تهزُّ بالنشوةِ عِطفَ الجَمادْ
ذا خبرٌ شاعَ وقد عايَنوا / إذ حضروا ما زادَ عنه وزادْ
ما قدّم الأصحابَ إلا اسمَهُ / ومعشراً ذكرُهُمُ لا يُعادْ
تقرّبوا من ملِكٍ رُوحُه / من روحِه دانيةٌ في البِعادْ
وقائلٌ ما لكَ لم ينتظِمْ / في سِلْكِ مَنْ مرّ كريماً وعادْ
قلت له عُذريَ أني امرؤ / له على حكمِ الزّمانِ انقِيادْ
وقولُ رعبٍ لا ترُمْ إننا / نخفى إذا ما أضمرتْكَ البِلادْ
خُذها فقد جاءَتْكَ من خاطرٍ / يهيمُ من حُبِّك في كلّ وادْ
من بحرِ تحريرٍ سَجا فاغْتَدى / بحرانُ تحريرٍ لديهِ ثَمادْ
لو أنها سمحَتْ بطيفٍ عائدِ
لو أنها سمحَتْ بطيفٍ عائدِ / نصبَ الرُقادُ لها جِبالةَ صائدِ
لكنها حجَبَتْهُ فاحتجبَ الكرى / عن شاهدٍ وافى بدمعِ شاهدِ
يا ليتَهُ متعاهِدٌ ذا صبوةٍ / لم يُبقِ منه الحبُّ غيرَ مَعاهَدِ
عدِم السُلوّ وما أراهُ بواجدٍ / سبباً يبلّغُهُ لقلب واجِدِ
ومريضةُ الأجفانِ إلا أنها / أعدَتْ شكايتُها فؤادَ العائدِ
أهدى إليّ البينُ وصلَ وداعِها / فمنحتُه ذمّاً بألسُنِ حامدِ
ما زِلْتُ أخدعُها على علاّتِه / حتى قرنْتُ حمائلاً بقلائدِ
ولقد ظمِئْتُ وما ظفِرْتُ ببلّةٍ / من ذاكَ العذْبِ الشنيبِ الباردِ
كان الفراقُ هو التلاقي فانظُروا / ضدّيْنِ قد جُمِعا بحالٍ واحدِ
ونديِّ أُنْس وشّحَتْ أعطافَه / دُرَرُ الكؤوسِ فهزّ معطَفَ ناهِدِ
عاطيتُ فيه الشمسَ تحت نُجومِها / بدراً تبلّجَ في قضيبٍ مائدِ
وظفرْتُ من ذهبِ المُدامِ بسائلٍ / يحتلّ من ماءِ الكؤوسِ بجامِدِ
في ظلِّ أيامِ السُرورِ كنايةً / عن ظلِّ أيام الأجلِّ الماجدِ
عمرو الحُروبِ لديه غيرُ معمِّرٍ / بل خالدُ المعروفِ ليس بخالدِ
شيمٌ تقسّمتِ المكارمَ فاغتدتْ / فرحَ الوليّ ورُغْمَ أنفِ الحاسدِ
غصبَ الكواكبَ وصفُها فلمجدِه / في صولةِ المرّيخِ ظرفُ عُطاردِ
ذو العَضْبِ والعذْبِ اللذَيْن تكفّلا / قطعَ الوريدِ ووصْلَ ريِّ الوارد
من معشرٍ عقَدوا المعاقِدَ للوغى / وتكفّلوا فيها بحدِّ مَعاقِدِ
ركبوا الجيادَ الجُرْدَ واعتقلوا القنا / فكأنّهمْ أُسْدٌ سطَتْ بأساوِدِ
أغنَتْهُمُ الأرماحُ حملَ مَخاصرٍ / وكفتْهُمُ الأدراعُ لبس مجاسِدِ
ظفَروا لأن أبا المظفّرِ صائلٌ / فيهم بأطولِ ساعدٍ ومُساعدِ
وذكيةُ النفَحات زادَك نشرُها / أرَجاً على طولِ المدى المُتباعِدِ
من قاصدٍ لك والمنازلُ غُربةٌ / بقصائدٍ ملقنّةٍ بقصائدِ
وارَتْكَ من ثغرٍ يسرّكَ أهلُه / عبَروا رُبوعَ جوامعٍ ومَساجدِ
أجريتَ ماء العدْلِ فيهمْ سَلْسَلاً / وأبحْتَهُم منهُ أجلّ موارِدِ
وكسوتَهُم حُللَ الحُنوّ عليهمُ / فغدوتَ أشفقَ فيهمُ من والدِ
منهم بحمدِك والثناءِ جميعهمْ / متوافقون على لسانٍ واحدِ
هذا مَقامُ أبيكَ فاسْمُ بمجدِه
هذا مَقامُ أبيكَ فاسْمُ بمجدِه / فالشّهمُ يروي عن أبيه وجدِّهِ
ما إن ركبْتَ مقلِّداً بحُسامِه / حتى مشَيْتَ موشِّحاً في بُردِه
ولقد أشَمْتَ الثغر منك مهنّداً / خِلناهُ ذاك العَضْبَ رُدَّ لغِمْدِه
فكأنّ عدلَك أُقحوانةُ ثغرِه / وكأن بأسكَ جُلّنارة خدّه
فاعْقُدْ عليه البدرَ تاجاً وانتظِمْ / زهرَ الكواكب لؤلؤاً في عِقدِه
واسحَبْ بعسكرك السحابَ فبيضَهُ / من برقِه وصهيلَه من رعدِه
من كلِّ مشحوذِ الظُبى كلسانه / أو كل ممتدّ اللواءِ كقدّه
يهدَونَ منكَ بضوءِ بدرٍ أقسمَتْ / أن لا تفارقَهُ كواكبُ سعدِه
جيشٌ تولى النصرُ حملَ لوائه / واستوثَقَ الإقبالَ مُحكمُ عقدِه
حتى إذا صرفَ الصُروفَ وردّها / فجرَتْ بطاعةِ صِرفِه في ردّه
وأفاضَ بين مسائلٍ أو سائلٍ / عذْباً بحارَ الأرضِ نُطفةُ ثَمْدِه
فاستطْعمَ العُلماءَ من أوصافِه / ما لم يبِنْ صبرُ الزمان بشهدِه
حتى لقد رجعوا هناك ورجّعوا / قُلْ كلُّ خيرٍ عندنا من عِندِه
من ندِّه ولو انّهُ متصوّر / من عنبرِ المَلكوتِ أو من ندِّه
متزيّنٌ من نفسه بمحاسِنٍ / هي في الحُسامِ العضْبِ ماءُ فِرنْدِه
ليس الزمانُ لديهِ سُنْدُسُ آسِه / وتذهّبَتْ أعلامُه من وردِه
كفى أميرَ المؤمنينَ مناقِباً / أنّ المعظَّم واحدٌ من جُندِه
هو واحدٌ بالعين إلا أنه / يُربي على الآلافِ ساعة عدِّه
لبسَتْ به الإسكندريةُ لأمَةً / ردّتْ على داودَ مُحكمَ سردِه
فحمى مسارحَها وكانتْ قبلَه / كالغيلِ فارقَهُ مقدَّمُ أُسْدِه
لا تبكِ للإسكندَرِ الماضي فذا ال / إسكندرُ الماضي أتى من بعدِه
يُغنيكَ عن أعراقِه أخلاقُه / كالعضْبِ يُشبه حدَّهُ في حدِّه
شرفاً لدهرٍ قد أتى بك مالكاً / ودّ الزمانُ الحرُّ رتبةَ عبدِه
أصبحتَ تاجاً يستنيرُ برأسه / وغدوْتَ حُلياً تستبينُ بزَندِه
وخلُصْتَ كالذهبِ الخلاصَ ولم يزَلْ / أبداً يَزيدُ بسَبْكِه في نقْدِه
مرضُ الأسودِ الاجتمامُ ورعدةُ الصم / صامِ تُطربُ قدّهُ في قدِّه
والروضُ أفوحُ بالنسيم وطالما / نفحَتْ بطيبِ العودِ لفحةُ وتْدِه
فلكَ الهناءُ وللعُلا بسلامةٍ / لا ينتهي فهْي الهناءُ لحدّه
وإليكَ من حوكِ البديعِ قصيدةً / صمِتَتْ ولكنْ ترجمَتْ عن قصدِه
جاءَتْكَ كالترَفِ الشمائلُ واعِداً / بوصالِه متحفِّزاً من صدّه
دأبَ البديعُ بها فسلسلَ لفظُها / راحاً تؤمّنُ شارباً من حدِّه
فاسلَمْ فذكرُك عارضٌ متعرِّضٌ / ينهلُّ في غورِ المديحِ ونجدِه
ماسَتْ فقيل هي القضيبُ الأملَدُ
ماسَتْ فقيل هي القضيبُ الأملَدُ / ورنَتْ فقيلَ هي الغزالُ الأغيَدُ
ورأتْ بديعَ جمالِها فتبسّمتْ / عن لؤلؤ بمثالِه تتقلّدُ
بيضاءُ روضُ الحُسْنِ منها أخضرٌ / ومدامِعي حُمر وعيشيَ أسوَدُ
فعلَتْ سيوفُ الحُسنِ في أجفانِها / ما يفعلُ الصَمصامُ وهْو مجرّدُ
ومؤنّبٌ فيها كأنّ فؤادَهُ / مما أطالَ هو المشوقُ المُكمَدُ
كاتمتُه أصلَ الصبابةِ جاحداً / وعلى المحبِّ دلائلٌ لا تُجحَدُ
يا هذه إن كنتُ دونَكِ ثانياً / طرْفي ففي قلبي المقيمُ المُقعَدُ
دافعتُ في صدرِ الظنونِ ولم يكنْ / بسوى الثُريّا يُسترابُ الفرقدُ
هل عندَ ليلِ الشعرِ أني نائمٌ / ولصَبوَتي طرفٌ عليه مسهَّدُ
يا ضيفَ طيفٍ ما هَداهُ لمَضجَعي / إلا لهيبٌ في الحشى يتوقّدُ
واللهِ لولا أنني بكَ طامعٌ / ما كنتُ كلَفي بحبّك أرقُدُ
هذي النجومُ وأنت من إخوانها / بجميع ما نصّبته لك تشهد
كم فيكَ عن بلقيسَ من نبأ فهلْ / قلبي سليمانٌ وطرْفي الهدهد
لا تنفِ همّي بالعُقارِ فإنها / أبداً يُثارُ بشُربِها ما يوجَدُ
لي روضةٌ من خاطري ومُدامةٌ / وُرْقُ القوافي بينهنّ تغرِّدُ
وكفاك في فخرِ الأئمةِ أحمدٌ / إنْ قُلْتَ يا فخرَ الأئمةِ أحمدُ
حبْرٌ لنا في راحتيهِ سَحابةٌ / ذابَ اللُجينُ بها وسالَ العسجَدُ
متنوّعُ الأوصافِ من أفكاره / نارٌ مضرّمةٌ وبحرٌ مُزبِدُ
هو واحدُ العَليا وواحدُها الذي / ألقابُه وصفاتُه تتعدَّدُ
فَقْرٌ يُلينُ المشكلاتِ فيستوي / في العِلمِ نِظّارٌ بها ومقلِّدُ
وروايةٌ صحّتْ وسحّتْ فارتوى / من جانبيْها مرسَلٌ أو مسنَدُ
الحمدُ في الطرفين منها واضحٌ / أوَ ليسَ فيها أحمدٌ ومحمّدُ
وفصاحةٌ دعْ عنك ذكرَك من مضى / إنّ المبرِّدَ عندَها لمُبرَّدُ
وإصابةٌ في الرأي تشهدُ أنّهُ / سهمٌ لشاكلةِ الرميّ مسدَّدُ
هذي أحاديثُ الكمال ولم تزَلْ / لجلالِه تُعزى وعنهُ تُسنَدُ
متملِّكٌ في الفُرسِ هضبةَ نِسبةٍ / ما بينَها إلا العُلا والسؤْدَدُ
يا ماجداً قذَفَتْ بحارُ صفاتِه / دُرّاً بلبّاتِ القريضِ تنضَّدُ
لبسَتْ بك الأعوامُ ثوبَ فضائلٍ / خلقَ الزمانُ وذكرُها يُتجدَّدُ
فاهنأ به حولاً يعيدُك يمنه / حولاً تُشدُّ به العُلا وتشيَّدُ
وسمعتَ أنّ القمحَ خُصَّ بقِسمةٍ / ضيزى وتلك قضيةٌ لا تُحمَدُ
لا يستوي الطرَفانِ قومٌ غُيَّبٌ / عند الدروسِ بها وقومٌ شُهّدُ
فارجِعْ الى فضلِ الحُكومةِ بينَنا / هذي الدفاتِرُ والمحابرُ تشهَدُ
شقّ الكمالُ عليه جيبَ سوادِه
شقّ الكمالُ عليه جيبَ سوادِه / وأفاضَ طرْفَ المجدِ ماءُ فؤادِهِ
وتيقّنَتْ رُتبَ المفاخرِ أنها / خفضت وقد رفعوه في أعوادِه
وانهلّ دمعُ الغيثِ بعد مُصابِه / أسفاً عليه وكان من حُسّادِه
واعتاضتِ الأطيارُ من تعريدِها / نوحاً يُبين الحزنَ في تَردادِه
ويدُ الدجى منذ استقلّ سريرَه / نفضَتْ على الإصباحِ صِبغَ حِدادِه
خلعَ الشبابَ وما انقضتْ أيامُه / وأبى لباسَ الغصن من أبرادِه
وأظنّهُ هزّ السماحَ بعطفِه / كرَماً فقسّمَهُ على عُوّادِه
بدرٌ تغشّاهُ الكُسوفُ وطالما / ضاءَتْ سيادتُه بأفْقِ سوادِه
ومهنّدٌ ما كُنتُ أحسَبُ قبلها / أنّ التُرابَ يكونُ من أغمادِه
صالَتْ عليه يدُ الزمانِ ولم يزَلْ / بنَوالِه يحنو على أولادِه
وتحكمتْ فيه المنونُ وطالما / حكمتْ ببيضِ ظُباهُ في أضدادِه
بالأمس كنت أقولُ أُنشدُ مدحَه / وأرجّع النَغَماتِ في إنشادِه
فبأي لفظٍ أستطيعُ رثاءَهُ / إن لم أمُتْ فخرِسْتُ عن إيرادِه
أما الزمانُ فقد تعطّلَ جيدُه / قُلْ من فرائدِه ومن إفرادِه
كم صارمٍ ملقًى بعاتقِ صارمٍ / بصُعودِه أو دافعٌ بصِعادِه
كم صارم ملقى بعاتق صارمٍ / أنخشى عليه ونجده ونجاده
هيهاتَ أن يَثْني المنيّةَ مانعٌ / بصعوده أو دافع بصعاده
شدّتْ فخلِّ الدهرَ عن شُدّادِه / وعدَتْ فخلِّ قبيلةً عن عادِه
سفرٌ جميعُ الناسِ ممتحَنٌ به / ويفوزُ فيه من التُقى من زاده
عجباً لمغرورٍ بدارِ سفاهةٍ / عما يبلّغُه لدارِ رشادِه
أيرى البقاءَ وقد رأى ما كان منْ / آبائه الماضينَ أو أجدادِه
هذا أبو عبد الإلهِ مخلَّدٌ / إنْ كان خُلِّدَ سيّدٌ لسَدادِه
ولقد يموتُ المرءُ قبل مماتِه / ولقد يعودُ المرءُ قبل مَعادِه
ذهبَ الذي كنا نقولُ لضيفِه / روحٌ نفوسُ الخلقِ من أجسادِه
ما أحسنَ الذكرَ الجميلَ فإنه / روحٌ نفوسُ الخلقِ من أجسادِه
ذهب الذي كنّا نقولُ لمنْ رَوى / خبرَ الأفاضلِ نُصَّ عن إسنادِه
من للمُسائلِ في المسائل بعدَه / عُرْفاً ومعرفةً بقدْرِ مُرادِه
لولا رجاءٌ في رجاءٍ ما اعتلى / للشّرْعِ ضوءُ عَمودِ وعِمادِه
حملَتْ به أمُّ السيادةِ ماجداً / رسمةُ الرئاسةِ فيهِ من ميلادِه
ومهذّبِ الألفاظِ يُنسي دهرَهُ / سحبانَ وائلِه وقَسَّ إيادِه
كذبَ الذي يرمي الزمانَ بأنّه / نزْرُ الفضائلِ وهو من أمجادِه
يا من يعلّمنا العزاءَ بعلمِه / خُذْ بالعزاءِ وأَعفِ من تَرْدادِه
واعْلَمْ بأن محمّداً لم يطْوِه / موتٌ وأنت نشرْتَ من إحمادِه
صلّى الإله على صَداهُ فإنّه / من سِرِّ صفوتِه ومنْ عُبّادِه
وسقى ثراهُ من الغمائمِ صيِّبٌ / ضحِكُ المعاهِدِ من بُكاءِ عِهادِه
أرحِ المطيّةَ برهةً يا حادي
أرحِ المطيّةَ برهةً يا حادي / قد كلَّ هاديها من الإسآدِ
هذا اللوى وبه شفاءُ صبابَتي / لو أنه أجرى على المُعتادِ
يا مُسقطَ العلمينِ هل من مُخبرٍ / عن مستقرّي زينب وسعادِ
حلّتْ مطاياهم بملتفِّ الغضى / فكأنّما شبّوهُ في الأكبادِ
قلبي من الشُعراءِ أصبحَ هائماً / من حبّهم في كل مسرحِ وادِ
ولقد عذلْتَ فما عدلْتَ عن الهوى / ورأيتَ غيّي فيه عينَ رشادي
وجعلتَ للعُذّالِ عزَّ تمنّعي / عنهمْ وللأحبابِ ذُلَّ قِيادي
علّ النوى يُدْنيكَ من ذي لوعةٍ / أضحى سقيمَ حشىً صحيحَ وِدادِ
بل عل طفَكَ إن يمنَّ بزورَةٍ / فأبثّهُ ما قد أجنّ فؤادي
إمّا أقمتُ فإن حبّك لم يزَلْ / حظّي وإن أرحلْ فذكرُك زادي
ومن العجائب أنني من مدمعي / أصبحتُ في بحرٍ وقلبي صادِ
وأما ولمعُ البيضِ ماءً سلسلاً / ما بين أغصانِ القَنا المُنآدِ
لأكلفنّ العيسَ طيّ مهامهٍ / تُردي كواهلَها به والهادي
فأروحُ والسيرُ المُجدُّ مُسامِري / منهنّ والأكوارُ لينُ مِهادي
لك يا جمالَ الملكِ هزّتْ معطَفي / ريحانُ ريحِ ندًى وريحُ ودادِ
فشقَقْتُ أثوابَ الدُجى عن مهمهٍ / عافى المسالكَ ما به من هادِ
بعرَنْدَسٍ كالطودِ خَلْقاً لم يزلْ / وقفاً على الإتهامِ والإنجادِ
أطربْتَها وهْناً بذكركَ فانبرتْ / كالجأبِ أُنسّ بنائه المرتادِ
قالت وما قالت ولا شكتِ السُرى / حسبي وحسبُك ذكرُه من حادِ
حتى إذا جنّ الظلامُ وبحْتَ في / أسدافِه كالكوكبِ الوقّادِ
مادَتْ بناظرنا إليك وإنما / مادتْ بناظرنا الى مُمتادِ
فرأيتُ ليثَ الغابِ منك شهامةً / وحَيا السحاب ندًى وبدرَ النّادي
ونطقْتَ بالليثِ البديعِ فلم يدعْ / فضلاً يبينُ به خطيبُ إيادِ
ولطالَما أنطقتَ في هام العِدى / يومَ الكريهةِ ألسُنَ الأغمادِ
فافخَرْ بعزِّ فضائلٍ أحرزْتَها / إرثاً عن الآباءِ والأجدادِ
الله جمّع فيك أشتاتَ العُلا / ومن العجيبِ تجمّعُ الأضدادِ
فتكبرُ العلماءُ فيك جلالةً / شبّهتُه بتواضعِ الزُهّادِ
وحِجاكَ يهنو للندى ولربّما / قربُوا به طوْداً من الأطوادِ
أشكو إليك دعيّ شعري ماله / حظّي من الإصدارِ والإيراد
لولاك مزّقتِ الأهاجي عِرضَهُ / مني بألسنةِ لديّ حِدادِ
لا يغرُرَنْكَ تجاوُزي عن فعلِه / فلقد أثارَ كمائنَ الأحقادِ
أأحبِّرُ المدْحَ البديعَ وينثَني / هو بالحُبورِ يُفيضُ بيضَ أيادِ
من كان في الناس ذا حبٍّ وصفْتُ له
من كان في الناس ذا حبٍّ وصفْتُ له / إن كان في غفلةٍ أو كان لم يجِدِ
الحبُّ أولُهُ عذبٌ وآخرُه / مثلُ الحرارةِ بين القلبِ والكبِدِ
سلني عن الحب يا من ليس يعرفُهُ
سلني عن الحب يا من ليس يعرفُهُ / ما أطيبَ الحُبَّ لولا أنه نكِدُ
طعامنِ مرٌّ وحلوٌ ليس يعدِلُه / في حلقِ ذائقهِ مُرٌّ ولا شُهُدُ
وإني لأهواها وأهوى لقاءَها
وإني لأهواها وأهوى لقاءَها / كما يشتهي الصادي الشرابَ المبرَّدا
علاقةُ حبٍّ لجّ في زمنِ الصِبا / وأبلى وما يزدادُ إلا تجدُّدا
أبدى شمائلَ جفوةٍ وبِعادِ
أبدى شمائلَ جفوةٍ وبِعادِ / خِلٌّ عهدْناهُ أخا إسعادِ
وأطاعَ سُلطانَ الهوى ولطالما / أعيا نُهاهُ مكائدَ الحُسّادِ
وازورّ منه جانبٌ وتقلّصتْ / تلك الظلالُ وجفّ ذاك الوادي
وتكدرتْ تلك المناهلُ بعدما / صفتِ المياهُ بها على الإيراد
عفّى رسومَ مودةٍ قد شادها / قِدْماً برأي نُهًى وفرطِ سَدادِ
وا رحمتاه لواثقٍ بودادكم / خجِلٍ أضلّ مناهجَ الإرشادِ
ظنّ الزمانُ بمخلصٍ في ودّه / سمْجاً فضنّ وجاءَ بالمُعتادِ
عجباً لذاك البشْرِ عادَ تجهّماً / ومن المُحالِ نتائجُ الأضدادِ
أهملتُ حفظُكمُ مَعيني قانعاً / بتحمّلٍ بين العشيرةِ بادِ
فجبهتموني بالقبيح مِلالةً / هذا جزاءُ المُكثرِ المتمادي
ليستْ بأوّلِ وقفةٍ مذمومةٍ / خابتْ لديها صفقةُ الأمجادِ
ما كنتُ أولَ من تكلّفَ عِشرةً / تَسْبي برونقها نُهى المرْتادِ
دعوى التصابي في الأنامِ كثيرةً / لكنّ صدقَ الودّ في آحادِ
ما كنتُ بالزَيْف الرديّ وإنما / قلّتْ فديتُك خِبرةُ النُقّادِ
لا تُكرِهَنّ على المودةِ إنها / ليستْ تجودُ لعاشقٍ بقيادِ
هي شيمةٌ منه احتوتْ متغرِّباً / وصبَتْ لمؤثرِ هجرةٍ وبِعادِ
بدرٌ تجلّى للكُسوفِ وطالما / جلّى دياجي كلِّ خطب عادِ
وسراجُ هَدْيٍ كنتُ آنسُ قربَه / فخَبا سناهُ بعدما إيقادِ
شِمْتُ اعتزامُك بارقاً ومهنّداً / ذُخْراً ليومِ جَدا ويومِ جِلادِ
فانهلّ ذاك وما ظفِرْتُ ببَلّةٍ / منه لأشهرَ ذا عليّ أعادي
قلبي جَنى يا غادرين فما لكمْ / عذبتُمُ جَفْني بطول سُهادِ
أتنوحُ ورقاءُ الحَمام وإلفُها / يشدو بفرع أراكِها المُنآدِ
يبكي وما يطوي الضلوعَ على جوى / حُرَقٍ تلظّى في صميمِ فؤادي
وألوذُ بالصبرِ الجميلِ ولم أفُزْ / من عذْبِ خالصِ ودِّكُم بِبرَادِ
لا قرّ طرفي بالوصالِ ولا دَنا / بدُنوّ داركُمُ إليّ مُرادي
إن صنتُ دمعَ العينِ بعد عظيم ما / لاقيتُ من فَجْعي بأهلِ وِدادي
متى يملكُ الحِلْمُ الدنوّ على البُعْدِ
متى يملكُ الحِلْمُ الدنوّ على البُعْدِ / ويمضي حسامُ المُلكِ في غاربِ الصّدِّ
فأرعى رياضَ الفضلِ مطلولة الندى / وأُسْقى رياضَ العِلمِ واضحةَ المدِ
وألحظُ خلاً لا يُخِلُّ بودِّه / ولا يرتضي إلا الثبوتَ على العَهْدِ
وأشهدُ من أفكاره نارَ فِطْنةٍ / تصَعَّدُ من أنفاسِه عبقَ النَّدِ
فيا عَرْفَ ريحٍ عاجَ من جانب اللِّوى / يجرُّ على الأزهارِ ضافيةَ البُرْدِ
غدا راشفاً ريقَ الأقاحي معانقاً / مَدودَ غصونٍ لاثماً وجنةَ الورْدِ
تلذّذْ بمصر فهيَ ربعُ أحبّتي / وخبِّرْ فتاها عن غرامي وعن وجدي
وقلْ عاد ذاك الجوّ بعدَك مُظْلما / فلُحْ طالعاً تجلوهُ يا قمرَ السّعْدِ
إذا لم تكن هندٌ بنجدٍ مقيمةً / فلا هطلَتْ عينُ الغوادي على نجْدِ
أما وحديثٌ كالمُدامِ رشفْتُه / فغادرَ قلبي لا يُعيدُ ولا يُبدي
ودُرُّ قريضٍ رُمْتُ إذ ذاكَ شأوَهُ / فقصَّرَ عنهُ ساعدي ونَبا كدّي
وما لك في سمعي وطرفي وخاطري / من الصيتِ والمرأى المعظَّم والودِّ
وما انهلّ من مجرى دموعيَ من دمٍ / وأُضْرمَ في مَحْنى ضلوعي من وَقْدِ
وقوّضَ عن قلبي من الصبرِ بعدَكم / وخيّم في طرْفي عليكُمْ من السُهْدِ
فحبُكَ أوفى في فؤادي من المُنى / وذكرُك أحلى في لساني من الشّهْدِ
ما يقولُ الفقيهُ أبقاه ذو العر
ما يقولُ الفقيهُ أبقاه ذو العر / شِ بقاءً يقضي له بالخلودِ
والذي ما لَنا إذا هجمَ الفق / رُ سوى ظلِّ جودِه الممدودِ
في أناسٍ تجمّعوا ليس فيهِمْ / أحدٌ ينطوي على موجودِ
يشتكون الظما وقد عكفوا من / كَ على صفْوِ باردٍ مورودِ
رفعوا أمرَهُم إليكَ وقالوا / ليس نهجُ السَدادِ بالمَسْدود
أتَرى نجمَ طيرِهم بسُعودِ / قد جرى الآن أم بغير سُعودِ
الجوابَ الجوابَ يرحمُك الل / هُ على رُغمِ أنفِ كلِّ حَسودِ
ترى النجمَ مكحولاً بمَيلِ سُهادِه
ترى النجمَ مكحولاً بمَيلِ سُهادِه / نعم وأُعيرَ البرقُ خفْقَ فؤادِهِ
كذاك على عينيهِ عهدَهُ مدمعٍ / يعلِّمُ دمعَ الغيثِ سحّ عِهادِه
ليس الحُسامُ حساماً
ليس الحُسامُ حساماً / وإنما هو غِمْدُ
يشدو فكم من فؤادٍ / تحت السياطِ يشُدُّ
قد قلتُ إذ تاهَ فينا / بتصرماً لا يُحَدُّ
عليكَ ولو كا / نَ مُعبدٌ لك عَبْدُ
قالوا لقد صار في مُهذّبكم
قالوا لقد صار في مُهذّبكم / شيءٌ به الآن شاعَ في بلدِهْ
يفعلُ في جوفِ / فعلَ سواهُ تلذّذاً بيدِهْ
فقلتُ يا قومُ عنهُ معتذراً / لكي أقيمَ المعوجّ من أوَدِهْ
ميراثُه ذاك عن أبيهِ ولنْ / يبرحَ حتى يصيرَ في ولَدِهْ
وأمردٍ يعقِدُ زنارَهُ
وأمردٍ يعقِدُ زنارَهُ / قُسِّم فيه أمرد أم رَدى
يكشف لي عن متنِ فضيّةٍ / ما خلتُها لابسةً عسجدا
أدت يدي الريقَ لبابِ / وعاودتْ يبغي الهدى
فقال لي أنظر لحالاتها / قد حنّكتْني قبلَ أن أشهدا
ومزنرٍ أضحى يقول ثلاثةً
ومزنرٍ أضحى يقول ثلاثةً / وأقول من وجهين لا بل واحدُ
حتى إذا علِقَتْ بنا يدُ مُنكرٍ / كانت لنا فيما يقولُ مقاصدُ
هذي مناظرةٌ نتيجةُ فقهِها / منّي ومنه راكعٌ أو ساجدُ
أستغفر الله العظيمَ فإنّني / بالزورِ معترفٌ وقلبي جاحدُ
أرَوْهُ الجلّنارَ من الخُدودِ
أرَوْهُ الجلّنارَ من الخُدودِ / واخفَوْا عنه رمّان النهودِ
وحلَّوْا مقلتيه بدُرِّ دمعٍ / تبسّم في المخانِقِ والبرودِ
وهم نظَموا الفريدَ على نُحورٍ / فدمعُ العينِ يجري كالفَريدِ
وما غرَسوا نخيلَ العيسِ إلا / وهمْ فيها من الطَلْعِ النضيد
يُثنّين المعاطفَ في قيامٍ / ويُفعِمْنَ الروادفَ في قُعودِ
وكثبانٌ ترجْرجَ في مُروطٍ / وقضبانٌ ترنّحُ في بُرودِ
ويكسرن الجفونَ على لِحاظٍ / هي الأسيافُ تحفل بالغُمودِ
بعثْن على النوى جيشَ التداني / وسلّطْنَ الوصالَ على الصُدودِ
فبات الطيفُ يقضي الطرفَ دَيْناً / تقاضتْهُ كفالاتُ الهُجودِ
وكم جذبَ الصبا طرفَيْ عِناني / فغادرَهُ بسالفتَيْ شُرود
سقى مصراً وساكنُها مُلِثٌّ / صليلُ البرقِ صخّابُ الرعودِ
ولو أني وجدتُ لقلت سُقْيا / يعاورُها على نايٍ وعودِ
مواردُ بي لها عطشٌ شديدٌ / ولكنْ لا سبيلَ الى الورودِ
هل الرأي السديدُ البعدُ عنها / نعم إنْ كان للشيخِ السديد
إليكَ قطعتُ لا طوفانَ نخْل / ليُنزلَني على جوديّ جُودِ
فصحّ وقد رأيتُك كلُّ وعدٍ / ملكتُ به مناجزةَ الوُعودِ
معي خِلَعُ الثناء وليس منها / خليعٌ إن عزَمْتُ على الجديدِ
أما إنه لولا الخيالُ المعاوِدُ
أما إنه لولا الخيالُ المعاوِدُ / لأقْلعَ مشتاقٌ وأقصرَ واجدُ
ألمْ وقلبُ البرقِ في الجوّ خافقٌ / حَذاراً وطرفُ النجمِ في الأفْقِ شاهدُ
وفي جيدِ زنجيِّ الدجى من خلاله / وأنجمُهُ طوقٌ له وقلائدُ
فلا وجدَ إلا وهو عندي مخيّمٌ / ولا صبْرَ إلا وهْو عنيَ شاردُ
ولو علمتُ أنّ الخيالَ يزورُني / لجادتْ به عن ناظريّ الولائدُ
فليتَ الغواني منْ قتلْنَ يعُدْنَهُ / وليس لمقتولِ الصبابةِ عائدُ
عسى جُمَلُ المشتاقِ تجمُلُ في الهوى / فيقرُبُ منه أو سعادُ تُساعد
ويومَ شربنا فيه كاساتِ فرقةٍ / يغصُّ بها صبُّ وينعُمُ حاسدُ
عشيةَ صادَتْنا ظباءٌ نوافرٌ / وأعجبُ شيءٍ نافراتٌ صوائد
وفي كنَسِ الأحداج جؤذَرُ كلَّةٍ / تقاربُه عشّاقُهُ وتُباعِدُ
لئن عمّرت منه القلوبُ علاقةً / لقد أقفرتْ بالرُغْمِ منه المعاهدُ
ومن لأسير الحب منهُ بعطفَةٍ / تخفّفُ عنه في الهوى ما يكابدُ
شكا ظمأ ترويهِ والموتُ دونَه / لمى عذُبَتْ منه المراشفُ باردُ
وهل يُبرد الصادي حرارةَ جوفِه / إذا كان ما بين الشفاهِ المواردُ
فطوراً نرى منه الجفونَ وتارةً / تُطاعنُه تلك الثُّديُّ النواهدُ
فكم من قتيلٍ قُدْنَه لمَنُونِه / وليس له من مذهبِ الحبِّ قائدُ
سقَتْهم وإن ضنّوا عليّ بوقْفةٍ / سقاني فيها البارقاتُ الرواعِدُ
ولا نزلوا إلا حدائقَ تلتقي / توائمٌ من النوّارِ فيها وفاردُ
كأنّ الأثيرَ المُستَماحَ أعارَها / شمائلَهُ فالطيْبُ منها يُعاود
هُمامٌ يردُّ الجيشَ وهوَ عرَمْرَمٌ / بنجدته يوم الوغى وهو واحد
إذا ما تشكّى السيفُ في كفِّه الظَما / أتاحَ له ماءَ الطِلى فهوَ وارِدُ
من القومِ ما غيرُ السيوفِ مخاصِرٌ / لديهمْ وما غيرُ الدورعِ مُجاسِدُ
إذا عقَلوا الخطيّةُ السُمرَ خلتَهم / أُسوداً بأيديهمْ هناك أساوِدُ
وإن ركعتْ بيضُ الظُبى في أكفّهمْ / بحَرْب فهاماتُ الأعادي سواجِدُ
غُيوثٌ لُيوثٌ نائلاً وشجاعةً / إذا أجدبَ المَرعى وصالَ المُعاند
تميمٌ به حازتْ تماماً فذكرُها / وإن درجتْ في جبهةِ الدهرِ خالدُ
يريكَ بهاءً في ذكاءٍ كأنّما / تجمعُ فيه المشتري وعُطاردُ
فتى للكبير ابنٌ مُبرُّ وللفَتى / أخٌ لا يُداجيه وللطفْل والدُ
لقد علّم الأقوامَ شرقاً ومغرباً / قريبُهُمُ والنازحُ المتباعدُ
بأنك بذّالُ العوارفِ حافظُ ال / معارفِ دفّاعُ المخاوفِ ماجدُ
وأنك أهدى والبصائرُ ضلّةٌ / وأندى وأخلافُ السَحابِ جَوامد
وأوفى ذماماً والحقوقُ مُضاعةٌ / وأعْفى وأحناءُ الضُلوعِ حَواقِدُ
هنيئاً مريئاً بالصيامِ وفضلِه / فكلّكما وقْفٌ عليه المحامدُ
بوجهكَ آفاقُ الكمالِ منيرةٌ / لنا وبه فينا تضيءُ المساجد
وأيامُه في لُبِّه العامِ سَمْطُها / وفعلُك في جيد الزمانِ فرائد
بقيتَ وكفّيْتَ المُنى في محمدٍ / ففي وجهِه للسؤدِد الفردِ شاهد
وهل نال أسباب العُلا مثلُ راحةٍ / لها عضُدٌ في المكرُمات وساعدُ
كأنّ دارين لها دارُ
كأنّ دارين لها دارُ / فروضها المِعطالُ معطارُ
تحملُ عنه نفحاتُ الصَبا / نشراً به للصبِّ إنشارُ
فكلما استنشقتَهُ شاقَه / لنازحِ الأوطانِ أوطارُ
تلك شِفاءُ الوجدِ لو أنهم / صاروا بها من بعد ما ساروا
علّقْتُ قلبي بذِمامِ الهوى / وهْو خفير منه إخفارُ
وكان قلباً فغدا طائراً / له من الأكوارِ أوكارُ
في سُندسِ الكَلّة حوريّةٌ / تسكنُ قلبي وهو النار
أحدقتِ الشمسُ بها مثلَ ما / تحدِقُ بالمُقلةِ أشْفارُ
يا كوكباً يمنعُ أن يُجتلَى / غيثُ مَهىً أوطَفُ مِدرارُ
ودرّةً يحجُبُ عن نيلها / بحرُ وغًى بالبأسِ زخّارُ
أغريتِ بي الوجدَ وغررتِ بي / إنّ الغريرَ الطرْفِ غرّار
لا تحسَبي أن ثرت فتاكة / كلُّ قتيلٍ ما لهُ ثارُ
جورُكِ يمضي فيّ لو لم يكن / من أحمدَ المختارِ لي جارُ
حِبْرٌ له خُطَّ يَراعٌ به / يراعُ خطّيٍّ وخطّار
يبسِمُ منه الطرفُ عن سؤدد / ضاحكَ فيه النورَ أنوارُ
دوحٌ من المُعْجِزِ لا يجتَني / منهُ بغير السَمْعِ أثمارُ
لفظٌ عَوانٌ بين أحشائه / من المعاني العُقْم أبكارُ
يَبيتُ ساري النّهْجِ في فِكرها / رهنَ ضلالٍ وهْي إقْمارُ
حظُّ الموالي والمَعادي به / نفعٌ كما شاءت وإضرار
يرجو ويخشى حالتَيْها الوَرى / كأنها الجنّةُ والنارُ
وراحةٍ دينارُها درهمٌ / ودرهمُ الباخلِ دينارُ
لا يُمتَرى في أنها تمترى / أخلافَ نُعماها وتُمْتارُ
شادَ بها ربعُ الندى بعدما / أرداهُ إعصار وإعصار
ومنظرٌ عزّ نظيرٌ له / والناسُ أشكال وأنظارُ
في صفحتيهِ لمياهِ الحَيا / مُطّرِدَ الإجراءِ تيّار
للبِشْرِ برقٌ بين أرجائه / وللندى الفائضِ أمطارُ
وليس يُجدي الأثْرُ في صارمٍ / ما لِشَبا حدّيْهِ آثارُ
يا بنَ الألى طابتْ أحاديثُهُم / على التَمادي فهْي أسْمار
خذ مِدَحاً سحرُ بلاغاتِها / في سُدَف الأشعارِ أسحارُ
قصائدٌ أرسلَها خاطرٌ / في سُبُلِ الإحسانِ خطّارُ
تثني البلاغاتُ بمنطوقها / مستعبداتٍ وهْي أحرار
أغليتُها بَذْلاً وأعليتُها / فضلاً وللأشعارِ أسعارُ
فليَهْنِكَ الشهرُ الأصمّ الذي / أسمعُهُ للمَدْحِ تَكْرار
وليَبْقَ في المجدِ مقيماً فلي / جوّالُ مدحٍ منكَ سيّارُ