المجموع : 318
لا غَرْوَ أنْ رَحَل الشبابُ وبانا
لا غَرْوَ أنْ رَحَل الشبابُ وبانا / ما كان أولَ من صَحِبتُ فخانا
فكذا عَهِدتُ الدهرَ منذ عرفتُه / والمالَ والإِخوان والْخُلاّنا
ما كنتُ أَحسَبُ ياشباب زيادتي / بالشيبِ تُوجِب بعدَك النقصانا
أحسنتَ مبتدِئاً وسُؤْت مُعقِّبا / ببياض شيبٍ ليتَه ما كانا
قد كنتُ أستجفِي النوائبَ آنفا / والآن أَصعبُها بقربك هانا
ما الشيبُ للإِنسان إلا غايةٌ / فيها يَزُمّ اللهوُ عنه عنانا
كم قد جريتُ مع الصِّبا في حَلْبةٍ / ولزمتُ فيها ذلك الميدانا
حتى سبقتُ السابقين لشَأوِها / وحويت أوطارا وحُزْتُ رِهانا
وقَنَصتُ مُقْتَنِصِى بمثل نبالِه / حتى تَساوى في الهوى قلبانا
غصنٌ على حِقْفٍ فهذا مُخْجِلٌ / يَبْرِينَ حين بدا وذا نَعْمانا
إنْ ماج أسفُله حَقَرْتَ له النَّقا / أو ماس أعلاه حَقَرْتَ البانا
فكأنما هو صَعْدَةٌ مهزوزة / حَملت من الطرف الضعيفِ سِنانا
والحبُّ يأمر والصَّبابةُ بالذي / عنه المروءةُ والتقى تَنْهانا
إلا حديثاً مثلَ ما سَرتِ الصَّبا / سَحَرا تُنبِّه زاهِرا رَياّنا
والطيرُ مُطْرِبةٌ كأنّ حنينَها / سَلَبَ الغَريضَ ومَعْبدَ الألحانا
يا من مضى فاعتضْتُ عن أيامه / أَوْفى نظامِ المدحِ في مولانا
الحافظُ الدينَ الذي غَمَر الورى / عدلا وعَمَّ جميعَهم إحسانا
هو رحمةُ اللهِ التي أحيا بها الْ / ثَقَليْنِ حتى الجودَ والإيمانا
إنْ قالتِ الشعراءُ فيه فأَفْصحتْ / فالله أنزل مدحَه قرآنا
ولئن أطال المادحون فلم يَدَعْ / لهمُ كلامُ اللهِ فيه مكانا
يا حجةَ اللهِ التي أبدتْ لنا / بكمالها الآياتِ والبرهانا
من كان يلتمس الدليلَ فقد بدتْ / حُجَجٌ مَلأَنَ مَسامِعا وعِيانا
أنتَ ابنُ من ركب البُراق إلى العُلا / ليلا يَؤمُّ عيانُها الأعيانا
وأمامه جبريلُ حتى استفتحا / بابَ السماءِ فجاوزاه وبانا
حتى حَوى أقصى مقامٍ ما حَوى / من قبله ملكا ولا إنسانا
ودَنا فكان كقاب قوسَيْ حاجبٍ / في القربِ بل أدنَى هناك قِرانا
يا أهلَ بيتِ الوحيِ أما مدحُكم / معْ فرطِ دُرْبتنا فقد أعيانا
تتنافسُ الفصحاءُ فيه وفضلُكم / أَحْلى وأفصحُ مِقْوَلا ولسانا
سِيما أبو الميمون إنّ صفاتِه / أَعْيَيْنَ قُسَّ وأفحمتْ سَحْبانا
أخلاقُه نبوية عَلَويّة / حُسَنِيّة أعظِمْ بها مِن شانا
حسناتُ منظرِه كمَخْبرِه فقد / ساوتْ مَحاسنُ سِرِّه الإعلانا
يا بْنَ البَتولِ لقد سَما بك منصبٌ / في المجد فاق تُرابُه كَيْوانا
وَدَّ النجومُ على مَعاليها بأنْ / تَضْحَى لأخْفِض رِجْلِه جيرانا
أغليتَ سعرَ الشعرِ بل أَعليتَه / لما بذلتَ لأهله الأثمانا
أَجرتْ لُهاك بفَيْضِها لهَواتِنا / مدحا فكلٌّ قد حَوى طوفانا
وكأنّ جودَك دِيمةٌ ومديحنا / نَشْر ونحن الزَّهْر حين سقانا
من فضل مدحى فيك أنّ مَقالتي / يُذْكِي العقول وتَفْتح الأذهانا
لو لم نَقُلْه لَقام فضلُك ناظما / يكسو القوافي حكمةً وبيانا
يا شمسَ أفلاكِ الجلالِ لقد جَلَتْ / أنوارُك الظلماتِ والأشجانا
وبدتْ كواكبُك المُنيرةُ في العُلى / والبدرُ يملأ ناظِرا وعيانا
ودعوتَه بوَليَّ عهدِك فاغتدَى / قلبُ العدو يُكابد الخَفَقانا
واستسلمتْ صِيدُ الملوكِ وأيقنتْ / إنْ لم تُطِعْه أطاعَت الخِرصانا
واهتزتِ البيضُ الرِّقاق لكفه / شوقا فكادت ترفض الأجفانا
وتَأطَّرتْ سُمْرُ العَوالي واغتدتْ / جُرْدُ المَذاكِي تَجذِب الأرسانا
لا زلتَ أصلا وهْو فرع يستِقي / منك الحياةَ ومنكما سُقْيانا
حتى يعمَّ الأرضَ مُلْككُما فلا / يبقَى عليها موضعٌ ما دانا
ها قد مضى رجبٌ وودّع وجهَك ال / باقي وقد هَنّى به شعبانا
شهرٌ له ولنا الهَناءُ بنظرةٍ / لضياءِ غُرَّتك الذي يَغْشانا
في موقفِ فَخَر الملوكُ بأنها / أبدا تُعَفرِّ عندَه التِّيجانا
فاسلمْ وعِشْ مسقبِلا ومُودِّعا / والدهرُ يطلب من يديك أمانا
أنت الحياةُ وفي يديك مَقرُّها / ونَداك يُحْيِي منهما الحيوانا
أَلاَ ليتَ صبرِي لم يَبِنْ مثلَما بانُوا
أَلاَ ليتَ صبرِي لم يَبِنْ مثلَما بانُوا / لقد كان نِعْمَ المُسْتَعانُ إذا خانُوا
ولكنْ أطاع البينَ مني أربعٌ / فؤادٌ ونوم واصطبار وسُلوان
ولازَمني وَجْدٌ إذا حلّ بعضُه / بساحةِ سِرٍّ لم يُجاوِرْه كتمان
ودمعٌ إذا كَفْكَفْتُه فهْو وابِلٌ / وشوقٌ إذا أخفيتُه فهْو إعلان
وسُقْمٌ إذا أخفيتُ ما بي تأكدتْ / به حُجَجٌ للعاشقين وبرهان
فكم ليلةٍ ظلَّ اصْطبارِي كصُبْحِها / يُسامِرني فيها على الأَيْكِ حَنّان
غريبٌ نأَى عنه حبيبٌ ومنزل / كما قد نأى عني حبيب وأوطان
دعتْنِي وإياه فَريدةُمَهمهِ / أَنافتْ بها في ساحةِ الرمل أغصان
ينوح وأبكي غيرَ أنّ مدَامِعي / تَجود وما تَنْدَى لعينيه أجفان
إذا خفَّ عني الشوقُ هزَّ جوانحي / بنوحٍ كما هزَّتْه في تِيكَ أَفْنان
ولو ساعدتْني عزمةٌ من جناحِه / ليَمَّمتُ أحبابي بها حيثُ ما كانوا
رَعَى اللهُ عيشاً ناعماً سَمَحتْ به / لنا في ظهورِ الظاهرية أَزْمان
فكان كما زار الخيالُ مسلِّما / وودَّع إلا أنني فيه يقظان
فكم لي تلك الرُّبا من عشيةٍ / تُغازِلني فيها لدى البان غزلان
قُدودٌ حَكَتْهنَّ الغصون تهزُّها / روادفُ تَحكِيها من الرمل كثبان
دُمىً عَبَدتْهُنَّ القلوبُ صَبابةً / كما عُبِدت في الجاهلية أَوْثان
توافقَ الناسُ في النسيان واختلفوا
توافقَ الناسُ في النسيان واختلفوا / فكلُّ ناسٍ له جنسٌ وأشباهُ
إلا أبا عامرٍ لم يَحْوِ خاطرُه / مذْ كان لفظا ولا معنى فينساه
إذا تَصعَّد لفظٌ من ضَمائرِه / ينساه من قبلِ أنْ يُجْرِي به فاه
يَصدُّ كلَّ حديثٍ في مَسامعِه / عن قلبه فكأنّ اللفظَ يَشْناه
ما مَرَّ قطُّ به خيرٌ فأَضْحَكه / ولا أَلمَّ به شرٌّ فأبكاه
لا فرطُ حلمٍ بل سهوٌ يُزِيلُهما / من قبلِ يَبْسِم أو تَنهلُّ عيناه
كأنه جاحد مُذْ قَطِّ وهْو على / حقٍّ ولكنْ بسرٍّ لاح معناه
إذا تَشَّهد أَبْدَى لا إله ولا / يتمُّها ثم ينسى بعدُ إلا هُو
يا مَنْ صَفا لي ظاهِرا ونِيَّهْ
يا مَنْ صَفا لي ظاهِرا ونِيَّهْ / ومَنْ يدي بِوُدِّه غَنِيَّةْ
وَقَتْك نفسي وافدَ المَنِيَّة / هَلُمَّ عندي تحفةٌ سَنِية
وأكلةٌ طيبة هَنِيّة / بنتُ نخيلٍ حلوةٌ جَنِيّة
أحلَى من الفرصةِ بالأُمنيَّة / بالغ فيها النُّضجُ وهْي نِيَّة
لا تُتِعب الضرس ولا الثَّنِيَّة / كأنها تُشْتَفُّ في الصِّينية
يا قوتة حمراء معدنية / في طمعها وزيها مكّية
كأنما البرنية البرنية / فهْي لها شَبيهة كَنِيَّة
هي الدنيا فلا يَحْزُنْك منها
هي الدنيا فلا يَحْزُنْك منها / ولا من أهلها سَفَهٌ وعابُ
أتطلبُ جيفةً وتنال منها / وتنكرُ أنْ تُهارشَك الكلاب
زيادةُ المالِ بابُ الهمُّ والتعبِ
زيادةُ المالِ بابُ الهمُّ والتعبِ / فكلَّما زدت مالا زدت في السَّبب
فالنفسُ تزداد فقرا بالغنى أبداً / كمُطْفِىء النارِ عندَ الوهْج بالحطب
لو أقنع المرءَ من دنياه منزلةٌ / ينالُها كان معذورا على الطلب
لكنْ إذا حَصَّلتْ آمالُه أَرَبا / رَقَى به أملٌ ثانٍ إلى أَرب
نهيتُ الحبيبَ عن المروحَةْ
نهيتُ الحبيبَ عن المروحَةْ / لمعنىً وحَسْبُك أنْ أشرحَهْ
لقد خِفتُ إنْ مرَّ فيها النسيم / فلامَسَ خَدَّيْه أن يجرحه
ثغْرٌ لاحْ يَسْتأسِرُ الأرواحْ
ثغْرٌ لاحْ يَسْتأسِرُ الأرواحْ / لما فاحْ ما الخمرُ ما التفاحْ
أَلْجانِي / ذا التائهُ الجانِي
أَنْساني / نظرةَ إنساني
أفناني / طيرٌ بأَفْناني
أحياني / في بعض أحياني
لما صاحْ ما خِلْتُه يا صاحْ / للأَرواحْ ذا نشوةٍ من راحْ
قلبي مالْ / فيه إلى الآمالْ
مالي حالْ / يا قوم لما حالْ
لولا الخالْ / ما كنتُ إلا خالْ
لما غالْ / قلبي فصبري غالْ
ذا المزّاحْ عاتبتُه ما زاحْ / والإِصلاحْ أن أتركَ الإِصلاحْ
أَعْلَى لي / موتي بأعلالي
أوصى لي / نيرانَ أوصالي
بل بالي / أَوْلَى ببَلبالي
يا حالِ / انظرْ إلى حالي
ما قد ساحْ من مُقلتي سَحّاح / ذو إفصاح بالسرِّ بالإفصاح
بدرٌ بانْ / في مثل خُوطِ البانْ
وجهٌ زانْ / قَدّا كعودٍ زان
فالإخوانْ / في اللومِ لي خُوّان
والعينانْ لما جَفا عينان /
جسمٌ راح يُدْميه لَمْسُ الراحْ / لما لاحْ لم أحتفل باللاح
يا فَتّاكْ / بالقتلِ من أَفتاكْ
ما أَسراك / ليلا إلى أَسْراك
ما أَحْلاك / سبحانَ من أَحْلاك
ما اسناك / وجها وما اسناك
كالمصباحْ نورا بلِ الإصباحْ / كم أرتاحْ للقرب لو ترتاح
قُلْ للحبيبِ الذي طالتْ قَطيعتُه
قُلْ للحبيبِ الذي طالتْ قَطيعتُه / ولجّ في الهجر معْ حبي وإشفاقي
لَتَقْرَعنَّ علىَّ السنَّ من ندمٍ / إذا تذكرت يوما صَفْوَ أخلاقي
لا تَشكوَنَّ إلىّ وَجْدَا بعدها
لا تَشكوَنَّ إلىّ وَجْدَا بعدها / هذا الذي جَرَّتْ عليك يداكا
توَالَى عليّ الغدرُ منكم وأخْلقتْ
توَالَى عليّ الغدرُ منكم وأخْلقتْ / حَبائلُ ودي وانقضى منكم وَجْدِي
وقد كنتُ أُغِضي جفنَ عِيني على القَذَى / حِفاظا وأُخفِي منكمُ بعضَ ما أُبدي
إلى أنْ أفادتْني التجاربُ والنُّهى / سبيلَ التسلِّى فاستمرّ بها قَصْدي
ليَهْنِ فؤادي أنه قد سَلاكمُ / وآمَن من خوف القَطيعةِ والصَّدَّ
يا مُذْنِبا أضحتْ لدىّ ذنوبه
يا مُذْنِبا أضحتْ لدىّ ذنوبه / حسنا وإحساني إليه جرائرْ
عَجَبا لأهِلك كيف أهلك بينهم / وأموت لم يشعر بقتلي شاعر
ليلِي كفرْعِك ظلمةً وتَطاوُلا / لاينتهي ولكل ليلٍ آخر
وكأنّ وجهَ الصبح وجهُك صَدَّه / عني رقيُبك فهْو ناءٍ نافر
لي ضَعفُ صبرٍ مثلُ خصرك شَفَّه / هجرٌ كردفك فهْو جافٍ جائر
يا لاحِ في سُمْرٍ كالسُّمْرِ
يا لاحِ في سُمْرٍ كالسُّمْرِ / مهلا فإن صبري كالصَّبْرِ
لم تُغْمِض مذ جَفاني / أجفاني
وصار دمعي شاني / في شاني
والحب مذ بلاني / أبلاني
يا صاح كم أَسْرِي معْ أسرِي / اعذِرْ فوجه عُذْري معْ عذري
أود لك خفضا / لا خفضا
ها قد رجعت أرضى / كي ترضى
ديني لعلّ يُقْضَى / أن يُقْضَى
هلا اغتنمت أجرى كم أجرِي / واعلم بأن هجري كالهجر
يا ليت من بَراني / أَبْراني
أوليت من عَداني / أعْداني
من ريقه الجاني / للجاني
مخامر لخمري كالخمر / محصن بثغر كالثغر
انظر لسوء حالي / يا حال
ملكتني بخالي / يا خال
ها فاسمع مقالي / يا قال
قد دق عليك مالشَّعر / موشح بزهر كالزهر
قُمْ نَصْطِبح عند نَقْرات النَّواقيسِ
قُمْ نَصْطِبح عند نَقْرات النَّواقيسِ / واشربْ على حسنِ ألحانِ الشَّمامِيس
فدير شَهْران مشهور الجمال على / ما فيه من عُظْمِ تقديسٍ وتنكيس
قد قلتُ لما تَبدَّت لي هَيا كلُه / كالروض من كل شَمّاس وقِسّيس
أغاب رضوانُ أم كَلَّت عزيمتُه / عن غلق أبواب جَنات الفَراديس
فاخلعْ عِذارَك معْ من لا عِذارَ له / ما دام حظُّك فيه غيرَ منحوس
رقَّتْ حواشيّ هذا اليوم وابتسمتْ / لأهله بِيعةٌ من كل قِسيس
على الغصون قيامٌ من حمائمه / وما اقترحتَ عليها غيرُ محبوس
وللنَّواعيرِ نَعْراتٌ عَلَتْ فحَكتْ / على الجداولِ أحداقَ القَواديس
والطلُّ يَنْفَحُ مسكا من أزاهره / والأرضُ تفتح أذنابَ الطواويس
فلو تَصاممت عن داعي السرور به / أجاب دونَك سكان النواويس
وليلةٍ مثل عين الظْبيِ سرتُ بها / في راحةٍ مثلِ ظهر الطِّرس مطموس
حتى اهتديتُ إلى دير القَصير فما / قَصَرتُ دمعي بشيء غير تَعْريس
وقلت للقس جُدْ لي من مُعتَّقةٍ / بها اهتديتُ عليها في الحَناديس
ولا تَجُدْ بمدامٍ غيرِ قانيةٍ / في جنة الخلد كانت شرب إبليس
فنَفَّس الدنّ عن صهباءَ صافيةٍ / عن القناديل أَعنتْ والفوانيس
حتى أتى بعد يأسٍ وهْي في يده / كأنه أسد في جوف عرّيس
وإنْ أتْتك عروس الدنِّ مُسِفرةً / فانثرْ على الكأس فيها فَضْلةَ الكيس
انظرْ إلى مُستنزَه الأَنفُسِ
انظرْ إلى مُستنزَه الأَنفُسِ / والبركةِ الغَنّاء في المَجْلِس
كأنها والنبتُ من حولها / في مَغْرِس ناهِيكَ من مَغْرِس
جامٌ من البلّور قد حَفَّه / غشاؤه الأخضر من سُنْدس
زَيَّنها التوفيقُ للآمر ال / منصور بالأَنْفَس فالأَنْفَس
حتى غَدْت كالشمس عند الضحى / والبدرِ حسنا في دُجَى الحِنْدِس
حَوى الملكَ مَلْكٌ أغاث النفوسا
حَوى الملكَ مَلْكٌ أغاث النفوسا / فأيُّ نفيسٍ تَولَّى نَفيسا
فإنْ تكُ أفعالُ آبائه / بُدورا فقد بثَّ فينا شموسا
هداياه أهدتْ لأرواحنا / بإحسانه أَنْعُما بعد بُوسا
فأحيا نفوسا وأذهب بوسا / وأخلى حُبوسا وأجلى مُكوسا
وشاع الأمانُ فكادت تعيش / به الرِّممُ الساكنات الرُّموسا
فيا رحمةٌ أُسْكِنتْ في البلاد / فعادتْ رياضا وكانت يَبيسا
ملكتَ القلوب فأما عِداك / فسعدُك يُلقِي عليهم نُحوسا
فإنْ أَضْمروا غدرَ فرعونَ فيك / فسيفُك مثل العصا عند موسى
وحَقِّك يا ثانيَ الأَفْضَلَيْنِ / يمينا تُرَى بَرَّةً لا غَموسا
لقد سُسْتما الملك في العالمين / وأعجزتما مَلِكا أن يسوسا
أَعِدَّ جيوشك للمشرقَيْنِ / وللمغربينِ لكيما تجوسا
فإنك إسكندر المُحْدَثين / فهل خَضِرٌ تصطفيه جليسا
يُذمُّ من الشَّعَر الأبيضُ
يُذمُّ من الشَّعَر الأبيضُ / فمنظرُه أبداً يُبْغَضُ
ويُحمَد أسودُه فهْو لا / يُملُّ بحالٍ ولا يرفض
وما ذاك إلا لأن الشباب / بدا مقبل وغدا مُرِض
ولو صاحَب الشيبُ عصرَ الشباب / لكانت محبتُه تُمحَض
وزيُّ السوادِ لباسُ الحزين / على ما يُمِضُّ وما يُرْمِض
وزي البياض لباس السرور / كذا العُرْفُ لكنْ هنا يُنْقَض
إذا قبض الدهرُ عنك الشبابَ / فروحُك ذاك الذي يقبض
أَمَا والهوى لو أن أحكامه قِسْطُ
أَمَا والهوى لو أن أحكامه قِسْطُ / لما اجترأتْ أنْ تملك العربَ القِبْطُ
وخَطَّتْ على لَبّاتها البيضِ أَسْطُرا / يكون بأطراف الوَشيجِ لها نَقْط
بأيدي رجالٍ تعرف الحربُ صبرهم / كأنهمُ من نَسْجِ عِثْيَرِها شمْط
بجُرْدٍ يُطير النار كالقاعِ رَكْضُها / كأنْ قد توارَى في سنابكها النِّفْط
وإلا فِلمْ تُنْمَى المَذاكي وتنتمي / شِفار المَواضي أو لما يُرْكَزُ الخَطّ
مَيَّزتُ ساقط ما سرّحتُ من شَمَطي
مَيَّزتُ ساقط ما سرّحتُ من شَمَطي / فما تَساقط إلا سودُهُ فقطِ
فقلتُ لا شكَّ هذا زهوُ مرِتحلٍ / وتلك غبطةُ ثاوٍ جدِّ مغتبِط
وكان ذلك أَوْفَى ما وُعِظتُ به / لو كنت أرجع عن غىٍّ غلط
عسى الجانبُ الغربيُّ يُهدي نسيمَه
عسى الجانبُ الغربيُّ يُهدي نسيمَه / من الثَّغْر بالعَرْفِ الذي كنتُ أعرفُ
به من ظهور الظاهرية نشوةٌ / يُولِّدها روضٌ مُطِلٌّ مُفوَّف
فيُخبِر هل آثارُ لهوِى كعَهْدِها / هناك إذِ الأيامُ تُعطِي وتُنصِف
فما اعتضْتُ من تلك الرُّبا غيرَ حسرةٍ / عليها ودمعُ العينِ يستهلُّ فيَذْرِف
وسُكْناي بالفسطاط عزٌّ وإنما / محلُّ فؤادي فيه أَسْنَى وأَشْرَف
صحبتُ به عيش الشبيبةِ خالعا / عذارى ولم أحِفلْ بلاحٍ يعُنِّف
وأهلٌ وإخوان وبشر وغبطة / وأمن ومحبوب وجاه ومُسْعِف
يخلّفتُ عن تلك الديار ضرورةً / وبالرغم مني دونَهن التخلف