القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صَفِيّ الدِّين الحِلّي الكل
المجموع : 899
لَو أَفادَتنا العَزائِمُ حالا
لَو أَفادَتنا العَزائِمُ حالا / لَم نَجِد حُسنَ العَزاءِ مَحالا
كَيفَ يولي العَزمُ صَبراً جَميلاً / حينَ وارى التُربُ ذاكَ الجَمالا
ما ظَنَنّا أَنَّ ريحَ المَنايا / تَنسِفُ الطودَ وَتُردي الجِبالا
جارَ صَرفُ الدَهرِ فينا بِعَدلٍ / لَم نَجِد لِلقَولِ فيهِ مُؤالا
أَفَما تَنفَكُّ أَيدي المَنايا / تَسلُبُ المالَ وَتُفني الرِجالا
فَإِذا أَبدى لَها المَرءُ سِلماً / جَرَّدَت عَضباً وَراشَت نِبالا
كُلَّما رُمنا نُمُوّ هِلالٍ / غَيَّبَت بَدراً أَصابَ الكَمالا
فَإِذا ما قُلتُ قَد زالَ حُزنٌ / أَبدَلَت أَحداثُها اللامَ دالا
كَيفَ دَكَّت طودَ حِلمٍ نَداهُ / سَبَقَ الوَعدَ وَأَفنى السُؤالا
كَيفَ كَفَّ الدَهرُ كَفّاً كَريماً / لِيَمينِ الدَهرِ كانَت شِمالا
ثَمِلٌ مِن نَشوَةِ الجودِ أَضحى / لِليَتامى وَالأَيامى ثِمالا
نِعَمٌ لِسائِليهِ جَوابٌ / لَم يَصِل يَوماً إِلى لَن وَلا لا
دَوحَةٌ مِن عِرقِ آلِ وِشاحٍ / قَد دَنَت لِلطالِبينَ مَنالا
قَد رَسَت أَصلاً وَطابَت ثِماراً / وَزَكَت فَرعاً وَمَدَّت ظِلالا
أَزعَجَ النادي بِنَجواهُ ناعٍ / كَم نُفوسٍ في دُموعٍ أَسالا
فَسَمِعنا مِنهُ نَدباً لِنَدبٍ / أَبعَدَ الصَبرَ وَأَدنى الخَيالا
باتَ يُهدِ لِلقُلوبِ اِشتِغالا / وَلِنيرانِ الهُمومِ اِشتِعالا
قَد مَرَرنا في مَغانيهِ رَكباً / وَغَوادي الدَمعِ تَجري اِنهِمالا
وَسَأَلنا النارَ عَنهُ فَقالَت / كانَ تاجُ الدينِ رُكناً فَزالا
كانَ وَبلاً لِلعُفاةِ هَتوناً / وَلِأَحزابِ العُداةِ وَبالا
كانَ تاجُ الدينِ لِلدَهرِ تاجاً / زادَ هامُ الدَهرِ مِنهُ جَمالا
كانَ زِلزالاً لِباغٍ عَصاهُ / وَلِباغِ الرِفدِ مِنهُ زُلالا
كانَ لِلأَعداءِ ذُلّاً وَبُؤساً / وَلِراجِ الجودِ عِزّاً وَمالا
كانَ لِلناسِ جَميعاً كَفيلاً / فَكَأَنَّ الخَلقَ كانوا عِيالا
راعَ أَحزابَ العِدى بِيَراعٍ / طالَما أَنشى السَحابَ الثِقالا
ناحِلِ الجِسمِ قَصيرٍ دَقيقٍ / دَقَّ في الحَربِ الرِماحَ الطِوالا
يَجعَلُ النَومَ عَلَيهِم حَراماً / كُلَّما أَبرَزَ سِحراً حَلالا
فَإِذاما خَطَّ أَسوَدَ نَقشٍ / خِلتَهُ في وَجنَةِ الدَهرِ خالا
يا كَريماً طابَ أَصلاً وَفَرعاً / وَسَما أُمّاً وَعَمّاً وَخالا
وَخَليلاً مُذ شَرِبتُ وَفاهُ / لَم أَرِد نَبعاً بِهِ أَو خِلالا
وَإِذا ما فُهتُ بِاِسمِ أَبيهِ / كانَ لِلميثاقِ وِالعَهدِ فالا
إِن أَسَأنا لَم يَرُعنا بِلَومٍ / وَإِذا لُمناهُ أَبدى اِحتِمالا
كانَ عَصرُ الأُنسِ مِنكَ رُقاداً / وَلَذيذُ العَيشِ فيهِ خَيالا
مَن لَدَستِ الحُكمِ بَعدَكَ قاضٍ / لَم يَمِل يَوماً إِذا الدَهرُ مالا
مَن لِإِصلاحِ الرَعايا إِذا ما / أَفسَدَت مِنها يَدُ الدَهرِ حالا
مَن لِإِطفاءِ الحُروبِ إِذا ما / صارَ آلُ المَرءِ بِالكَرِّ آلا
وَإِذا صارَ الجِدالُ جِلاداً / أَخمَدَ الحَربَ وَأَفنى الجِدالا
رُبَّ يَومٍ مَعرَكُ الحَربِ فيهِ / حَطَّمَ السَمرَ وَفَلَّ النِصالا
ذَكَرَ الأَحقادَ فيهِ رِجالٌ / حَبَّبَ الطَعنُ إِلَيها النِزالا
في مَكَرٍّ واسِعِ الهَولِ ضَنكٍ / لا يُطيقُ الطِرفُ فيهِ مَجالا
أَلبَسَ الجَوَّ العَجاجُ لِثاماً / وَكَسا الخَيلَ الغُبارُ جِلالا
شِمتُ في إِصلاحِهِم غَضبَ عَزمٍ / زادَهُ حَزمُ الأُمورِ صِقالا
بِكَ كَفَّ اللَهُ كَفَّ الرَزايا / وَكَفى اللَهُ الأَنامَ القِتالا
فَلَئِن وارَتكَ أَرضٌ فَها قَد / سارَ مِنكَ الذِكرُ فيها وَجالا
لَم يَمُت مَن طابَ ذِكراً وَأَبقى / بَعدَهُ شِبهاً لَهُ أَو مِثالا
أَسَدٌ خَلَّفَ شِبلَي عَرينٍ / شَيَّدا مَجداً لَهُ لَن يُنالا
ظَلَّ زَينُ الدينِ لِلدَهرِ زَيناً / وَجَمالُ الدينِ فيهِ جَمالا
فَأَرانا اللَهُ أَقصى الأَماني / فيهِما إِن جارَ دَهرٌ وَمالا
وَحَباكَ اللَهُ في الخُلدِ رَوحاً / وَنَعيماً خالِداً لَن يُزالا
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ
صُروفُ اللَيالي لا يَدومُ لَها عَهدُ / وَأَيدي المَنايا لا يُطاقُ لَها رَدُّ
تُسالِمُنا سَهواً وَتَسطو تَعَمُّداً / فَإِسعافُها عَسفٌ وَإِقصادُها قَصدُ
عَجِبتُ لِمَن يَغتَرُّ فيها لِجَنَّةٍ / مِنَ العَيشِ ما فيها سَلامٌ وَلا بَردُ
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلنَوائِبِ غارَةٌ / يُشَقُّ عَليها الجَيبُ أَو يُلطَمُ الحَدُّ
أَرى كُلَّ مَألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ / فَما بالُ فَقدِ الإِلفِ لَيسَ لَهُ فَقدُ
فَقَدتُ رِجالاً كانَ في البُؤسِ بَأسُهُم / هُوَ الظَهرُ لي وَالباعُ وَاليَدُ وَالزِندُ
يَزيدُهُمُ لَيلُ الخُطوبِ إِذا دَجا / ضِياءً وَحُسنُ الضِدِّ يُظهِرُهُ الضِدُّ
أَرى كُلَّ مَن يَستَخلِصُ الشُكرَ بَعدَهُم / مِنَ الناسِ نَحراً لا يَليقُ بِهِ عِقدُ
لِذاكَ هَجَرتُ الإِلفَ أَعلَمُ أَنَّني / لَكَ السَيفُ لا يُبليهِ إِن بَلِيَ الغِمدُ
وَزُرتُ بِلاداً يُنبِتُ العِزَّ أَرضُها / وَيَنجَحُ في أَبناءِ أَبياتِها العَقدُ
مَخافَةَ أَن أُضحي مِنَ الخَلِّ خالِياً / وَحيداً وَأُمسي عِندَ مَن ما لَهُ عِندُ
وَلَمّا عَطَفتُ العَيسَ آخِرَ رِحلَةٍ / إِلى مَعهَدٍ لي وَالحَبيبُ بِهِ عَهدُ
وَشارَفتُ أَعلامَ الطَويلَةِ ذاكِراً / عُهودَ الصِبا وَالشَيبُ لَمّا يَلُح بَعدُ
سَأَلتُ حِمى الفَيحاءِ ما بالُ رَبعِها / جَديباً وَقَد كانَت نَضارَتُهُ تَبدو
وَما بالُها لَم يُروَ مِن مائِها الصَدى / لِظامٍ وَلا يوري لِقاصِدِها زَندُ
فَقالَت قَضى مَن كانَ بِالسَعدِ لي قَضى / وَصَوَّحَ نَبتُ العِزِّ وَاِنهَدَمَ المَجدُ
فَأَصبَحَ مَجدُ الدينِ في التُربِ ثاوِياً / وَزالَ السَماحُ السِبطُ وَالرَجَلُ الجَعدُ
فَتىً عَلَّمَتهُ غايَةَ الزُهدِ نَفسُهُ / فَأَصبَحَ حَتّى في الحَياةِ لَهُ زُهدُ
وَلَم أَرَ بَدراً قَبلَهُ حازَهُ الثَرى / وَلَم أَرَ بَحراً قَبلَهُ ضَمَّهُ اللَحدُ
سَليلُ صَفِيِّ المُصطَفى وَاِبنُ سِبطِهِ / لَقَد تابَ مِنهُ الأُمُّ وَالأَبُّ وَالجَدُّ
فَصيحٌ إِذا الخَصمُ الأَلَدُّ تَعالَمَت / دَلائِلُهُ كانَت لَهُ الحُجَجُ اللُدُّ
إِذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القَولَ فِعلُهُ / فَليسَ لَهُ يَوماً وَعيدٌ وَلا وَعدُ
لَئِن أَخطَأَت أَيدي الرَدى بِمُصابِهِ / لَعَمرُ أَبي هَذا هُوَ الخَطَأُ العَمدُ
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ وَالجِسمِ وَالحَشى / لَهُ الشُكرُ دِرعٌ وَالعَفافُ لَهُ بُردُ
وَأَبقى لَنا مِن طيبِهِ طيبَ وُلدِهِ / يَنوبُ كَما أَبقى لَنا ماءَهُ الوَردُ
هُمُ القَومُ فاهوا بِالفَصاحَةِ رُفَّعاً / وَشابَت نَواحي مَجدِهِم وَهُمُ مُردُ
إِذا حَلَّ مِنهُم واحِدٌ في قَبيلَةٍ / يُشارُ إِلَيهِ إِنَّهُ العَلَمُ الفَردُ
كَفاهُم فَخاراً أَنَّهُ لَهُمُ أَبٌ / وَيَكفيهِ أَن أَمسى وَمِنهُم لَهُ وُلدُ
فَيا نازِحاً يُدنيهِ حُسنُ اِدِّكارِهِ / فَفي بُعدِهِ قُربٌ وَفي قُربِهِ بُعدُ
لَكَ اللَهُ كَم أَدرَكتَ في المَجدِ غايَةً / تَقاعَسَ عَن إِدراكِها الأَسَدُ الوَردُ
إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يَوماً بِمَجدِهِم / فَإِنَّكَ مِن قَومٍ بِهِم يَفخَرُ المَجدُ
تَعَوَّدَ مَتنَ الصافِناتِ صَغيرُهُم / إِلى أَن تَساوى عِندَهُ السُرجُ وَالمَهدُ
حَموا لِجُنودِ الجَأشِ حَولَ بُيوتِهِم / مِنَ المَجدِ مالَ يَحمِهِ الجَيشُ وَالجُندُ
بُيوتُ كُماةٍ دونَها تُحطَمُ القَنا / وَغاباتُ أُسدٍ دونَها تُفرَسُ الأُسدُ
أَقاموا وَبَردُ العَيشِ عِندَهُمُ لَظىً / وَصالوا وَحَرُّ الكَرَّ عِندَهُمُ بَردُ
وَعَزّوا إِلى أَن سالَمَتهُم نُجومُها / فَلا نَجمَ إِلّا وَهوَ في رَبعِهِم سَعدُ
وَرَثتَ عُلاهُم وَاِقتَدَيتَ بِفَضلِهِم / فَأَنتَ إِذاً نِدَّ الكِرامِ لَهُم نِدُّ
فَإِن شاقَ صَدرُ الخَودِ وَالنَهدُ مَعشَراً / يَشوقُكَ صَدرُ الدِستِ وَالفَرَسُ النَهدُ
فَبِالرَغمِ مِنّي أَن يُغَيّبَكَ الثَرى / وَيَرجَعَ مَردوراً بِخَيبَتِهِ الوَفدُ
وَيُعرِضَ عَن رَدِّ الجَوابِ لِسائِلٍ / وَقَد كُنتَ لَم يَعرَف لِسائِلِكَ الرَدُّ
سَأَبكيكَ جُهدَ المُستَطيعِ مُنَظَّماً / رِثاكَ وَهَذا جُهدُ مَن ما لَهُ جُهدُ
فَإِن رَمِدَت أَجفانُ عَينِيَ بِالبُكا / فَكَم جُلِيَت مِنّا بِكَ الأَعيُنُ الرُمدُ
لَئِن كُنتَ قَد أَصبَحتَ عَنّا مُغَيَّباً / فَقَد نابَ عَنكَ الذِكرُ وَالشُكرُ وَالحَمدُ
وَما غابَ مَن يَقصو وَمَعناهُ حاضِرٌ / وَلازالَ مَن يَخفى وَآثارُهُ تَبدو
صالَ فينا الرَدى جَهاراً نَهاراً
صالَ فينا الرَدى جَهاراً نَهاراً / فَكَأَنَّ المَنونَ تَطلُبُ ثارا
كُلَّما قُلتُ يَستَتِمُّ هِلالٌ / سَلَبَتنا أَيدي الرَدى أَقمارا
يا لِقَومي ما إِن وَجَدتُ مِنَ الخَط / بِ مَحيداً وَلا عَليهِ اِنتِصارا
كُلَّ حينٍ أَلحى الخُطوبَ عَلى فَق / دِ حَبيبٍ وَأَعتِبُ الأَقدارا
يا هِلالاً لَمّا اِستَتَمَّ ضِياءً / قَد أَغارَت فيهِ المَنونَ فَغارا
قَمَرٌ أَسرَعَت لَهُ الأَرضُ كَسفاً / وَكَذا الأَرضُ تَكسِفُ الأَقمارا
أَذهَلَ العَقلَ رُزؤُهُ فَتَرى النا / سَ سَكارى وَما هُمُ بِسَكارى
ما رَأَينا مِن قَبلِ رُزئِكَ بَدراً / جَعَلَ المُكثَ في التَرابِ سِراراً
كُنتُ أَدري أَنَّ الزَمانَ وَإِن أَس / عَفَ بِالصَفوِ يُحدِثُ الأَكدارا
غَيرَ أَنّي غُرِرتُ أَن سَوفَ تَبقى / فَلَقَد كُنتَ كَوكَباً غَرّارا
يا قَضيباً ذَوى وَصَوَّحَ لَمّا / أَظهَرَ الزَهرُ غُصنَهُ وَالثِمارا
قَد فَقَدنا مِن طيبِ خُلقِكَ أُنساً / عَلَّمَ النَومَ عَن جُفوني النِفارا
خُلُقاً يُشبِهُ النَسيمَ وَلُطفاً / سَلَبَ الماءَ حُسنَهُ وَالعُقارا
أَيُّها النازِحُ الَّذي مَلَأَ القَل / بَ بِأَحزانِهِ وَأَخلى الدِيارا
لَستُ أَختارُ بَعدَ بُعدِكَ عَيشاً / غَيرَ أَنّي لا أَملِكُ الإِختِيارا
كُلَّما شامَ بَرقٌ مَغناكَ قَلبي / أَرسَلَت سُحبُ أَدمُعي أَمطارا
وَإِذا ما ذَكَرتُ ساعاتِ أُنسي / بِكَ أَذكى التِذكارُ في القَلبِ نارا
فَكَأَنَّ التِذكارَ حَجَّ بِقَلبي / فَهوَ بِالحُزنِ فيهِ يَرمي الجِمارا
فَسَأَبكيكَ ما حَيِيتُ بِدَمعٍ / لا تُقالُ الجُفونُ مِنهُ عِثارا
لَيسَ جُهدي مِن بَعدِ فَقدِكَ إِلّا / أَرسِلَ الدَمعَ فيكَ وَالأَشعارا
سَقى اللَهُ قَبراً حَلَّ فيهِ اِبنُ مُقبِلٍ
سَقى اللَهُ قَبراً حَلَّ فيهِ اِبنُ مُقبِلٍ / تَوالِيَ أَمطارٍ بِها البَرقُ ضاحِكُ
فَتىً غابَ عَنّا شَخصُهُ دونَ ذِكرِهِ / فَأَصبَحَ فينا حاضِراً وَهوَ هالِكُ
غَريبٌ عَنِ الأَوطانِ قَد حَلَّ حُفرَةً / مِنَ الحُزنِ يَعلوهُ الصَفا وَالدَكادِكُ
فَيا رَبُّ قَد وافاكَ ذا أَمَلٍ فَجُد / عَليهِ بِرُضوانٍ فَإِنَّكَ مالِكُ
رَحِمَ الإِلَهُ جَوارِحاً ضَمَّ الثَرى
رَحِمَ الإِلَهُ جَوارِحاً ضَمَّ الثَرى / في مارِدينَ بِأَيمَنِ الصَمّانِ
فَلَقَد تَمَتَّعتِ النَواظِرُ بُرهَةً / مِن رَبِّها بِالحُسنِ وَالإِحسانِ
وَعَلِمتُ أَنَّ ذُنوبَهُ مَغفورَةٌ / مِن دَفنِهِ بِمَقابِرِ الرِضوانِ
وَفى لِيَ فيكَ الدَمعُ إِذ خانَني الصَبرُ
وَفى لِيَ فيكَ الدَمعُ إِذ خانَني الصَبرُ / وَأَنجَدَ فيكَ النَظمُ إِذ خُذِلَ النَصرُ
وَأَضحَت تَقولُ الناسُ وَالدِستُ وَالعُلى / كَذا فَليَجَلُّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعدَ مُحَمَّدٍ / وَأَصبَحَ في شُغلٍ عَنِ السَفَرِ السَفرُ
وَزالَت حَصاةُ الحِلمِ عَن مُستَقَرِّها / وَأَصبَحَ كَالخَنساءِ في قَلبِهِ صَخرُ
وَساوى قُلوبَ الناسِ في الحُزنِ رُزؤُهُ / كَأَنَّ صُدورَ الناسِ في حُزنِها صَدرُ
فَإِن أَظلَمَت أَرضُ الشَآمِ لِحُزنِهِ / فَلَم يَخلُ مِن ذاكَ الصَعيدُ وَلا مِصرُ
قَضى الناصِرُ السُلطانُ مِن بَعدِ ما قَضى / فُروضَ العُلى طُرّاً وَسالَمَهُ الدَهرُ
وَلَم يُغنِ عَنهُ الجَأشُ وَالجَيشُ وَاللُهى / وَفَرطُ النُهى وَالحُكمُ وَالنَهيُ وَالأَمرُ
وَلا الخَيلُ تَجري بَينَ آذانِها القَنا / لِحَربِ العِدى وَالدُهمُ مِن دَمِهِم حُمرُ
لَدى مَعرَكٍ خاضَت بِهِ الخَيلُ في الوَغى / مِنَ الدَمِ فيما خاضَتِ البيضُ وَالسُمرُ
كَأَن لَم يَقُدها في الهِياجِ عَوابِساً / بِكُلِّ كَميٍّ ضَمَّ في قَلبِهِ الصَدرُ
وَلَم تَرجِعِ البيضُ الصِفاحُ مِنَ العِدى / مُخَضَّبَةً وَالبَرُّ مِن دَمِهِم بَحرُ
وَلَم يَترُكِ الأَبطالَ صَرعى وَغِسلُها / دَماها وَأَحشاءُ النُسورِ لَها قَبرُ
وَلا صَنَعَت فيها ظُباهُ مَآدِباً / فَأَصبَحَ مِن أَضيافِهِ الذِئبُ وَالنَسرُ
وَلا أَخَذَت مِنهُ المُلوكُ لِسِلمِهِ / زِمامَ الرِضى مِمّا يُقَلقِلُها الذُعرُ
وَلا مُهِّدَ الإِسلامُ عِندَ اِضطِرابِهِ / فَأَصبَحَ مَشدوداً بِهِ ذَلِكَ الأَزرُ
وَلا قَلَّدَ الأَعناقَ مِن فَيضِ جودِهِ / قَلائِدَ بِرٍّ لا يَقومُ بِها الشُكرُ
وَلا جَبَرَت كَفّاهُ في كُلِّ بَلدَةٍ / كَبيرَ كِرامٍ ما لِكَسرِهِمُ جَبرُ
أَلا في سَبيلِ المَجدِ مُهجَةُ ماجِدٍ / يُشارِكُنا في حُزنِهِ المَجدُ وَالفَخرُ
كَريمٌ أَفادَ الدَهرُ مِنهُ خَلائِقاً / فَأَيّامُهُ مِنهُ مُحَجَّلَةٌ غُرُّ
يَروعُ جُيوشَ الحادِثاتِ يَراعُهُ / وَيُفني الأَعادي قَبلَ أَسيافِهِ الذِكرُ
إِلى بابِهِ تَسعى المُلوكُ فَإِن عَدَت / تَعَدّى إِلَيها القَتلُ وَالنَهبُ وَالأَسرُ
لَقَد شَهِدَت أَهلُ المَمالِكِ أَنَّهُ / مَليكٌ لَهُ مِن فَوقِ قَدرِهِمُ قَدرُ
قَوِيٌّ إِذا لانوا سَريعٌ إِذا وَنوا / صَؤولٌ إِذا كَرّوا ثَبوتٌ إِذا فَرّوا
كَأَنَّ أَديمَ الأَرضِ قُدَّ مِنِ اِسمِهِ / فَما وُجِدَت إِلّا وَفيها لَهُ ذِكرُ
يَجولُ ثَناهُ في البِلادِ كَأَنَّهُ / وِشاحٌ وَمَجموعُ البِقاعِ لَهُ خَصرُ
وَما كانَ يَدري مَن تَيَمَّمَ جودَهُ / وَنَكَّبَ لُجَّ البَحرِ أَيَّهُما البَحرُ
مَفاتِحُ أَرزاقِ العِبادِ بِكَفِّهِ / فَيُمنى بِها يُمنٌ وَيُسرى بِها يُسرُ
فَتىً كانَ مِثلَ الدَهرِ بَطشاً وَبَسطَةً / يُرَجّى وَيُخشى عِندَهُ النَفعُ وَالضُرُّ
فَتىً طَبَّقَ الأَرضَ البَسيطَةَ جودُهُ / فَفي كُلِّ قُطرٍ مِن نَداهُ بِها قَطرُ
فَتىً لَفظُهُ مَع رَأيِهِ وَنَوالِهِ / يَجيءُ اِرتِجالاً لا يُغَلغِلُهُ الفِكرُ
فَتىً لَم تُرَنِّح نَشوَةُ الكِبرِ عِطفَهُ / وَمِن بَعضِ ما قَد نالَهُ يَحدُثُ الكِبرُ
فَتىً يَكرَهُ التَقصيرَ حَتّى تَظُنَّهُ / يَكونُ حَراماً عِندَهُ الجَمعُ وَالقَصرُ
فَتىً لَم يَدَع في مُهجَةِ المَجدِ حَسرَةً / مَدى الدَهرِ إِلّا أَن يَطولَ لَهُ العُمرُ
فَتىً ذَخَرَ الحُسنى فَأَعقَبَ فِعلُهُ / عَواقِبَهُ الحُسنى فَقَد نَفَعَ الذُخرُ
تَقاصَرَتِ الأَشعارُ عَن وَصفِ رُزئِهِ / لَقَد جَلَّ حَتّى دَقَّ عَن وَصفِهِ الشِعرُ
طَواهُ الثَرى مِن بَعدِ ما شَرُفَ الثَرى / بِوَطأَتِهِ وَالتَختُ وَالدِستُ وَالقَصرُ
وَلَم نَرَ بَدراً قَبلَهُ غابَ في الثَرى / وَلَم نَرَ طَوداً قَبلَهُ ضَمَّهُ القَبرُ
وَقَد كانَ بَطنُ الأَرضِ يَغبِطُ ظَهرَها / عَلَيهِ فَأَمسى البَطنُ يَحسُدُهُ الظَهرُ
أَحاطَ بِهِ الآسونَ يَبغونَ طِبَّهُ / وَقَد حارَتِ الأَفهامُ وَاِشتَغَلَ السِرُّ
وَراموا بِأَنواعِ العَقاقيرِ بُرأَهُ / وَهَل يُصلِحُ العَطّارُ ما أَفسَدَ الدَهرُ
وَكَيفَ يَرُدُّ الطِبُّ أَمراً مُقَدَّراً / إِذا كانَ ذاكَ الأَمرُ مِمَّن لَهُ الأَمرُ
وَمِمّا يُسَلّي النَفسَ حُسنُ اِنتِقالِهِ / عَفيفَ إِزارٍ لا يُناطُ بِهِ وِزرُ
وَإِنَّ لَنا مِن بَعدِهِ مِن سَليلِهِ / مَليكاً بِهِ عَن فَقدِهِ يَحسُنُ الصَبرُ
فَإِن غابَ ذاكَ البَدرُ عَن أُفقِ مُلكِهِ / فَقَد أَشرَقَت مِن نَجلِهِ أَنجُمٌ زُهرُ
وَسَرَّ العُلى ما أَسمَعَ الناسَ عَنهُمُ / وَقالَ الوَرى قَد صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبرُ
فَإِن فَلَّتِ الأَيّامُ حَدَّ مُحَمَّدٍ / فَقَد جَرَّدَت سَيفاً بِهِ يُدرَكُ الوِترُ
وَإِن أَحدَثَت بِالناصِرِ المَلكِ زَلَّةً / فَبِالمَلِكِ المَنصورِ قامَ لَها العُذرُ
فَيا دَوحَةَ المَجدِ الَّذي عِندَما ذَوَت / سَمَت وَنَمَت في المَجدِ أَغصانُها الخُضرُ
لَكَ اللَهُ كَم قَلَّدتَنا طَوقَ مِنَّةِ / فَتِلكَ كَعَدَّ القَطرِ لَيسَ لَهُ حَصرُ
لَقَد عَزَّ فينا بَعدَ وُجدانِكَ الغِنى / كَما ذَلَّ فينا قَبلَ فِقدانِكَ الفَقرُ
تَرَتَّبَتِ الأَحزانُ فيكَ مَراتِباً / بِقَلبي وَرَقمُ الصَبرِ مِن بَينِها صِفرُ
وَلَمّا نَظَمتُ الشِعرَ فيكَ قَلائِداً / تَمَنَّت نُجومُ اللَيلِ لَو أَنَّها شِعرُ
سَأَبكيكَ بِالأَشعارِ حَتّى إِذا وَهَت / سُلوكُ عُقودِ النَظمِ أَنجَدَني النَثرُ
عَليكَ سَلامُ اللَهِ ما ذُكِرَ اِسمُكُم / وَذَلِكَ بَينَ الناسِ آخِرُهُ الحَشرُ
ما لِلجِبالِ الراسِياتِ تَسيرُ
ما لِلجِبالِ الراسِياتِ تَسيرُ / أَفآنَ بَعثٌ لِلوَرى وَنُشورُ
أَم زالَتِ الدُنيا فَيَذبُلُ يَذبُلٌ / مِنها وَيَدعي بِالثَبورِ ثَبيرُ
أَم أَخبَرَت أَنَّ اِبنَ أَيّوبٍ قَضى / فَتَكادُ مِن حُزنٍ عَليهِ تَمورُ
الأَفضَلُ المَلِكُ الَّذي لِفَخارِهِ / ذَيلٌ عَلى هامِ السُهى مَجرورُ
ذو الرُتبَةِ العَلياءِ وَالوَجهِ الَّذي / مِنهُ البُدورُ تَغارُ ثُمَّ تَغورُ
يَسخو وَصَوبُ المُزنِ يَحبِسُ قَطرَهُ / عَنّا وَيَعدِلُ وَالزَمانُ يَجورُ
فَإِذا سَخا ذَلَّ النُضارُ بِكَفِّهِ / كَرَماً وَعَزَّ لَهُ الغَداةَ نَظيرُ
يَروي حَديثَ الجودِ عَنهُ مَعَنِّفاً / فَحَديثُهُ بَينَ الوَرى مَأثورُ
جَمَعَ الثَناءَ وَإِنَّهُ إِلّا عَلى / جَمعِ النُضارِ إِذا يَشاءُ قَديرُ
مِن مَعشَرٍ ما شَكَّ طالِبُ جودِهِم / أَنَّ الثَناءَ عَليهِمُ مَحصورُ
قَومٌ إِذا صَمَتَ الرُواةُ لِفَضلِهِم / أَثنى عَليهِم مِنبَرٌ وَسَريرُ
أَخَنَت عَلَينا الحَدِثاتُ بِرُزئِهِ / وَالرُزءُ بِالمَلِكِ الكَبيرِ كَبيرُ
وَعَلا النَعيَّ لَهُ وَكانَ إِذا بَدا / يَعلو لَهُ التَهليلُ وَالتَكبيرُ
عَمَّ الخَلائِقَ حُزنُهُ فَقُلوبُهُم / بِالحُزنِ مَوتى وَالجُسومُ قُبورُ
عَفُّ الإِزارِ فَلا يُلاثُ بِزَلَّةٍ / فَيُقالَ إِنَّ هِباتِهِ تَكفيرُ
طالَت إِلى الحُسنى يَداهُ وَخُطوُه / نَحوَ المَعاصي وَاللِسانُ قَصيرُ
يَتَطَهَّرُ الماءُ القَراحُ بِغَسلِهِ / وَبِطيبِهِ يَتَعَطَّرُ الكافورُ
أَينَ الَّذي كَسَبَ الثَناءَ بِسَعيِهِ / لِتِجارَةٍ في المَجدِ لَيسَ تَبورُ
أَينَ الَّذي ساسَ البِلادَ بِخاطِرٍ / كَالبَحرِ لَيسَ لِصَفوِهِ تَكديرُ
أَينَ الَّذي عَمَّ الأَنامَ بِأَنعُمٍ / يُطوى الزَمانُ وَذِكرُها مَنشورُ
يا غائِباً أَخفى التُرابُ جَمالَهُ / عَنّا وَأَنعُمُهُ لَدَيَّ حُضورُ
وَمُسافِراً وَلّى فَطَوَّلَ نَأيَهُ / وَنَرى المُسافِرَ فَرضُهُ التَقصيرُ
لَقَدِ اِستَقَمتَ كَما أُمِرتَ وَأَمرُكَ ال / عالي فَأَنتَ الآمِرُ المَأمورُ
رَأيٌ حَمَيتَ بِهِ حُماةَ وَأَهلَها / وَرَعى المَمالِكَ سَعيُكَ المَشكورُ
ما زالَ وَفرُكَ لِلعُفاةِ مُعَرَّضاً / أَبَداً وَعَرضُكَ بَينَهُم مَوفورُ
ما خِلتُ أَنَّ نَداكَ تُقلِعُ سُحبُهُ / عَنّا وَيَنضُبُ بَحرُهُ المَسجورُ
أَفَإِن أُصِمُّ صَداكَ عَنّي إِنَّ لي / مِنكَ الصَدى المَهموزُ وَالمَقصورُ
سَمِعَت بِمَقدِمِكَ الجِنانُ فَزَخرَفَت / وَتَباشَرَت وَلَدانُها وَالحورُ
لَم تَثنِ عَنكَ الغاسِلونَ عِنانَها / إِلّا أَتاكَ مُبَشِّرٌ وَبَشيرُ
وَغَدَت تَقولُ العالِمونَ وَقَد بَكَت / عِلماً بِلَذَّةِ ما إِلَيهِ تَصيرُ
تَبكي عَلَيهِ وَما اِستَقَرَّ قَرارُهُ / في اللَحدِ حَتّى صافَحَتهُ الحورُ
اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وَاِنهَدَما
اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وَاِنهَدَما / فَحَقُّ لِلخَلقِ أَن تَذري الدُموعَ دَماٍ
ما مِن وَفِيٍّ بَكى دَمعاً بِغَيرِ دَمٍ / إِلّا غَدا في الصَفاءِ الوِدُّ مُتَّهَما
يا فَجعَةً أَحدَثَت في المَجدِ مُعضِلَةً / تُبلي الصَميمَ وَفي سَمعِ العُلى صَمَما
شَقُّ الجُيوبِ بِلا شَقِّ القُلوبِ بِها / خُلقٌ ذَميمٌ لِمَن يَرعى لَها الذِمَما
حَتّامَ أَحزانُ في تَوديعِ مُرتَحِلٍ / وَأَقرَعُ السِنَّ في آثارِهِ نَدَما
مَن خالَطَ الناسَ كانَ الحُزنُ غايَتَهُ / مَن أَكثَرَ النَومَ لا يَستَذنِبُ الحُلُما
أَماتَني الحُزنُ إِلّا أَنَّ نُطقَ فَمي / يَحكي الصَدى لِنَعيٍّ خَطبُهُ عَظُما
فَالناسُ تَعجَبُ إِذ نَظَّمتُ مَرثِيَةً / وَهَل سَمِعتَ بِمَيّتٍ نَظَّمَ الكَلِما
أَينَ الَّذي كانَ مَغناهُ لِآمِلِهِ / حِصناً وَظَلَّ فِناهُ لِلنَزيلِ حِمى
أَينَ الَّذي كانَ مَسعاهُ وَبَهجَتُهُ / بَينَ المَمالِكِ تَجلو الظُلمَ وَالظُلَما
أَينَ الَّذي كانَ نِعمَ المُستَشارُ بِهِ / إِذا تَراكَمَ مَوجُ الشَكِّ وَالتَطَما
وَإِن غَدَت لِمُلوكِ الأَرضِ مُشكِلَةٌ / غَدا لَها حَكَماً تَرضى بِها حِكَما
يَقظانُ يُرضيكَ نَجواهُ وَخاطِرُهُ / إِن قالَ أَفهَمَ أَو أَسمَعتَهُ فَهِما
مَضى الأَميرُ عِماُدُ الدينِ عَن أُمَمٍ / قَد كانَ مِنها سَناهُ وَالنَدى أَمَما
فَما أَرَتنا اللَيالي عِندَهُ نِعَماً / حَتّى قَضى فَأَرَتنا عِندَهُ نِقَما
قَضى دُيونَ العُلى في عَزَّةٍ وَقَضى / عَفَّ الإِزارِ بِحَبلِ اللَهِ مُعتَصِما
ما مالَ إِلّا عَلى مالٍ يَجودُ بِهِ / عَلى الوَرى وَلِغَيرِ الخَيلِ ما ظَلَما
وَلَم يُحَرِّك لِساناً في أَذى أَحَدٍ / مِنَ العِبادِ وَلا أَجرى بِهِ قَلَما
يا ناصِرَ الحَقِّ لَمّا عَزَّ ناصِرُهُ / وَذَلَّ مَن لَم يَكُن بِالجاهِ مُلتَزِما
ما كُنتَ إِلّا طِرازاً راقَ مَنظَرُهُ / عَلى ثِيابِ العُلى وَالمَجدِ قَد رُقِما
ماتَت لِمَوتِكَ خَلقٌ كُنتَ غَيثَهُمُ / وَهَدَّ فَقدُكَ مِن أَهلِ الرَجا أُمَما
لَبَّيتَ داعِ الرَدى لَمّا فُجِئتَ بِهِ / طَوعاً وَلَم تَرَ مِنهُ عابِساً وَجِما
رَمَيتَ بِالذُلِّ قَوماً أَنتَ عِزَّهُمُ / وَما رَمَيتَ وَلَكِنَّ الإِلَهَ رَمى
حَلَّ الرَدى بِكَ ضَيفاً فَاِنبَسَطتَ لَهُ / وَجُدتَ بِالنَفسِ لَمّا رامَها كَرَما
قَد سالَمَتكَ اللَيالي في تَصَرُّفِها / حَتّى المَنِيَّةُ أَلقَت دونَكَ السَلَما
فَفاجَأَتكَ بِرِفقٍ لَم يُذِقكَ ضَنىً / وَلَم تُقاسِ بِها في مَرضَةٍ أَلَما
يا اِبنَ الأَئِمَّةِ وَالقَومِ الَّذينَ سَمَوا / عَلى الأَنامِ فَكانوا لِلهُدى عَلَما
مَثواكَ في يَومِ عاشوراءَ يُخبِرُنا / بِقُربِ أَصلِكَ مِن آبائِكَ الكُرَما
وَخُلقُكَ السَبطُ يا اِبنَ السِبطِ حَنَّ لَهُ / فَيَومَ مَصرَعَهِ مِن بَينِنا اِختُرِما
قَد كانَ وَجهُكَ في الإِقبالِ قِبلَتِنا / فَأَصبَحَ اُسمُكَ فيما بَينَنا قَسَما
وَكانَ مالُكَ في الأَقوامِ مُنقَسِماً / فَصارَ حُزنُكَ بَينَ الناسِ مُقتَسَما
كُنّا نُعَزّيكَ في الأَموالِ تُتلِفُها / فَاليَومَ فيكَ نُعزي المَجدَ وَالكَرَما
أَرضَعَتنا ثَديَ أُنسٍ مِنكَ تَألَفُهُ / فَاليَومَ مِنكَ رَضيعُ الأُنسِ قَد قُطِما
تُبدي التَواضُعَ لِلإِخوانِ مُنبَسِطاً / وَإِن وَضَعتَ عَلى هامِ السُها قُدَما
بَسَطتَ لي مِنكَ أَخلاقاً وَتَكرِمَةً / حَتّى غَدا الوُدُّ فيما بَينَنا رَحِما
فَكَيفَ نَحيا وَقَد زالَ الحَياةُ لَنا / فَإِن نَمُت بَعدَهُ حُزناً فَلا جُرَما
أَبكي عَليهِ وَهَل يَشفي البُكا كَمِداً / وَلَو مَزَجتُ دُموعي بِالدِماءِ لَما
وَكَيفَ نَبكِيَ أَمراً كانَ الإِلَهُ لَهُ / في المالِ وَالآلِ وَالخَيراتِ قَد خَتَما
مَضى وَأَبقى لَنا مِن بَعدِهِ خَلفاً / شَملُ العَلاءِ بِهِ قَد عادَ مُلتَئِما
ما ماتَ مَن أَنتُمُ أَغصانُ دَوحَتِهِ
ما ماتَ مَن أَنتُمُ أَغصانُ دَوحَتِهِ / فَالذِكرُ مِنهُ مُقيمٌ بَينَ أَحياءِ
لَمّا اِقتَضى الدَهرُ مِنهُ وَترَهُ وَقَضى / عَفَّ الإِزارِ حَميدَ الفِعلِ وَالرَأيِ
كُنتُم لَهُ خَلَفاً يُهدي الثَناءَ لَهُ / كَالماءِ لِلوَردِ أَو كَالوَردِ لِلماءِ
خَفِّض هُمومَكَ فَالحَياةُ غُرورُ
خَفِّض هُمومَكَ فَالحَياةُ غُرورُ / وَرَحى المَنونِ عَلى الأَنامِ تَدورُ
وَالمَرءُ في دارِ الفَناءِ مُكَلَّفٌ / لا قادِرٌ فيها وَلا مَعذورُ
وَالناسُ في الدُنيا كَظِلٍّ زائِلٍ / كُلٌّ إِلى حُكمِ الفَناءِ يَصيرُ
فَالناسُ وَالمَلكُ المُتَوَّجُ واحِدٌ / لا آمِرٌ يَبقى وَلا مَأمورُ
عَجَباً لِمَن تَرَكَ التَذَكُّرَ وَانثَنى / في الأَمنِ وَهوَ بِعَينِهِ مَغرورُ
في فَقدِنا المَلِكَ المُؤَيَّدَ شاهِدٌ / أَلّا يَدومَ مَعَ الزَمانِ سُرورُ
مَلِكٌ تَيَتَّمَتِ المُلوكُ بِرَأيِهِ / فَكَأَنَّهُ لِصَلاحِهِم إِكسيرُ
مِن آلِ أَيّوبَ الَّذينَ سَماحُهُم / بِحرٌ بِأَمواجِ النَدى مَسجورُ
أَضحَت مَدائِحُهُ الحِسانُ مَراثِياً / لِلناسِ مِنها رَنَّةٌ وَزَفيرُ
وَبَكَت لَهُ أَهلُ الثُغورِ وَطالَما / ضَحِكَت لِدَستِ المُلكِ مِنهُ ثُغورُ
أَمسى عِمادُ الدينِ بَعدَ عُلومِهِ / وَلِطِبِّهِ عَمّا عَراهُ قُصورُ
وَإِذا القَضاءُ جَرى بِأَمرٍ نافِذٍ / غَلِطَ الطَبيبُ وَأَخطَأَ التَدبيرُ
وَلَوَ اَنَّ إِسماعيلَ مِثلُ سَمِيِّهِ / يُفدى فَدَتهُ تَرائِبٌ وَنُحورُ
إِن لُمتُ صَرفَ الدَهرِ فيهِ أَجابَني / أَبتِ النُهى أَن يُعتَبَ المَقدورُ
أَو قُلتُ أَينَ تُرى المُؤَيَّدُ قالَ لي / أَينَ المُظَفَّرُ قَبلُ وَالمَنصورُ
أَم أَينَ كِسرى أَزدَشيرُ وَقَيصَرٌ / وَالهُرمُزانِ وَقَبلَهُم سابورُ
أَينَ اِبنُ داوُدٍ سُلَيمانُ الَّذي / كانَت بِجَحفَلِهِ الجِبالُ تَمورُ
وَالريحُ تَجري حَيثُ شاءَ بِأَمرِهِ / مُنقادَةً وَبِهِ البِساطُ يَسيرُ
فَتَكَت بِهِم أَيدي المَنونِ وَلَم تَزَل / خَيلُ المَنونِ عَلى الأَنامِ تُغيرُ
لَو كانَ يَخلُدُ بِالفَضائِلِ ماجِدٌ / ما ضَمَّتِ الرُسلَ الكِرامَ قُبورُ
كُلٌّ يَصيرُ إِلى البِلى فَأَجَبتُهُ / إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
لِدوا لِلمَوتِ وَاِبنوا لِلخَرابِ
لِدوا لِلمَوتِ وَاِبنوا لِلخَرابِ / فَما فَوقَ التُرابِ إِلى التُرابِ
كَذَلِكَ قالَ خَيرُ الخَلقِ طُرّاً / رَسولُ اللَهِ ذو الأَمرِ المُجابِ
فَمَرجِعُ كُلِّ حَيٍ لِلمَنايا / وَغايَةُ كُلِّ مُلكٍ لِلذَهابِ
بَنو الدُنيا فَرائِسُ لِلمَنايا / وَنابُ المَوتِ عَنها غَيرُ نابِ
وَمَن يَغتَرُّ في الدُنيا بِعَيشٍ / فَقَدطَلَبَ الشَرابَ مِنَ السَرابِ
دَعا اِبنَكَ لِلرَدى مَن لَيسَ يُعصى / وَداعي المَوتِ مَمنوعُ الجَوابِ
أَرانا فَقدُهُ الأَيّامَ سوداً / وَنادي الأُنسِ مُغبَرَّ الجَنابِ
وَما طيبُ الحَياةِ بِغَيرِ بِشرٍ / وَلا حُسنُ السَماءِ بِلا شِهابِ
فَلُذ بِالصَبرِ في اللَأئي وَأَحسِن / عَزاءَكَ وَاِغتَنِم حُسنَ الثَوابِ
فَإِنَّكَ مِن أُناسٍ لَيسَ يَخفى / عَلى آرائِهِم وُجهُ الصَوابِ
كَذا فَليَصبِرِ الرَجُلُ النَجيبُ
كَذا فَليَصبِرِ الرَجُلُ النَجيبُ / إِذا نَزَلَت بِساحَتِهِ الخُطوبُ
يَسُرُّ النَفسَ ثُمَّ يُسِرُّ حُزناً / يَضيقُ بِبَعضِهِ الصَدرُ الرَحيبُ
وَيُبدي البَأسَ لِلأَعداءِ كيلا / تُؤَنِّبَهُ الشَوامِتُ أَو تَعيبُ
وَمِثلُ عُلاكَ نورَ الدينِ مَن لا / يُقَلقِلُ قَبلَهُ نُوَبٌ تَنوبُ
فَإِنَّكَ في جِلادِ المُلكِ خَطبٌ / وَفي يَومِ الجَدالِ لَهُ خَطيبُ
تَخافُكَ حينَ تَزجُرُها الرَزايا / وَتُجلى حينَ تَلحَظُها الكُروبُ
بِقَلبٍ كُلِّ فِكرَتِهِ عُيونٌ / وَطَرفٌ كُلِّ نَظرَتِهِ قُلوبُ
وَإِنَّ يَدَ الرَدى وَوُقيتَ مِنها / سِهامُ خُطوبِها أَبَداً تُصيبُ
أَرَتكَ بِفَقدِ فَخرِ الدينِ رُزءاً / تُشَقُّ لَهُ المَرائِرُ لا الجُيوبُ
كَريمٌ ما بِسَمعِ نَداهُ وَقرٌ / وَلا في وَجهِ نائِلِهِ قُطوبُ
وَلَو أَنَّ الوَغى سَلَبَتهُ مِنّا / وَبَزَّتهُ الوَقائِعُ وَالحُروبُ
لَقامَ بِنَصرِهِ مِنّا رِجالٌ / تُزَرُّ عَلى دُروعِهِمُ القُلوبُ
بِبيضٍ يَغتَدي نَملُ المَنايا / لَهُ مِن فَوقِ صَفحَتِها دَبيبُ
وَخَيلٍ كُلَّما رَفَعَت عَجاجاً / جَلاهُ الدِرعُ وَالسَيفُ العَضيبُ
كَأَنَّ مُثارَ عِثيَرِها سَحابٌ / حَدَتهُ مِن سَنابِكِها جَنوبُ
أَفَخرَ الدينِ كَم أَعلَيتَ فَخراً / لِآلِكَ حينَ تَشهَدُ أَو تَغيبُ
بِرُغمي أَن تَبيتَ غَريبَ دارٍ / وَعِشتَ وَأَنتَ في الدُنيا غَريبُ
وَتَخلو مِنكَ أُمنِيَةُ المَعالي / وَيَمحَلُ ذَلِكَ المَرعى الخَصيبُ
وَتَدعوكَ الكُفاةُ وَلا تُناجي / وَتَسأَلُكَ العُفاةُ فَلا تُجيبُ
وَيُقسَمُ في الأَنامِ زَكاةُ مَدحٍ / وَما لَكَ في نِصابِهُم نَصيبُ
خَفيتَ عَنِ العُيونِ وَأَيُّ شَمسٍ / تَلوحُ وَلا يَكونُ لَها مَغيبُ
فَصَبراً يا بَني إِسحَقَ صَبراً / فَرَبُّ العَيشِ بِالحُسنى يُثيبُ
وَخَفَّض عَنكَ نورَ الدينِ حُزناً / تَكادُ الراسِياتُ بِهِ تَذوبُ
فَإِنَّ قَريبَ ما تَخشى بَعيدٌ / وَإِنَّ بَعيدَ ما تَرجو قَريبُ
وَليسَ الحَتفُ في الدُنيا عَجيبُ / وَلَكِنَّ البَقاءَ بِها عَجيبُ
لا شَغَلَ اللَهُ لَكُم خاطِراً
لا شَغَلَ اللَهُ لَكُم خاطِراً / وَلا عَرَتكُم بَعدَها شائِبَه
وَلا أَرَتكُم لِصُروفِ الرَدى / حادِثَةً تُصمي وَلا نائِبَه
ظَنَّ قَومي أَنَّ الأُساةَ سَتَبري
ظَنَّ قَومي أَنَّ الأُساةَ سَتَبري / داءَ وَجدِيَ وَالعِلاجُ يُفيدُ
فَأَتَوا بِالطَبيبِ وَهوَ لَعَمري / في ذَوي فَنِّهِ مُجيدٌ مُجيدُ
مُذ رَأى عِلَّتي وَقَد لاحَ لِلمَو / تِ عَلَيها أَدِلَّةٌ وَشُهودُ
جَسَّ نَبضي وَقالَ ما أَنتَ شاكٍ / قُلتُ ناراً لَم يُطفِها التَبريدُ
فَغَدا يُخلِصُ الدَواءَ فَأَلفى / نارَ وَجدي مَعَ الدَواءِ تَزيدُ
قالَ ما كانَ أَصلُ دائِكَ هَذا / قُلتُ طَرفي وَذاكَ حالٌ شَديدُ
قالَ إِنَّ الهَوى قَدِ أَحدَثَ بَلوا / كَ فَقُلتُ المَقصورُ لا المَمدودُ
فَاِنثَنى حائِراً وَقالَ لِأَهلي / ما شِفاءُ العُشّاقِ إِلّا بَعيدُ
أَذابَ التِبرَ في كَأسِ اللُجَينِ
أَذابَ التِبرَ في كَأسِ اللُجَينِ / رَشاً بِالراحِ مَخضوبَ اليَدينِ
وَطافَ عَلى السَحابِ بِكَأسِ راحٍ / فَطافَت مُقلَتاهُ بِآخَرَينِ
رَخيمٌ مِن بَني الأَعرابِ طِفلٌ / يُجاذِبُ خَصرُهُ جَبَلَي حُنَينِ
يُبَدِّلُ نُطقَهُ ضاداً بَدالٍ / وَيُشرِكُ عُجمَةً قافاً بِغَينِ
يَطوفُ عَلى الرِفاقِ مِنَ الحَمَيّا / وَمِن خَمرِ الرُضابِ بِمُسكِرَينِ
إِذا يَجلو الحَمِيّا وَالمُحَيّا / شَهِدنا الجَمعَ بَينَ النَيِّرَينِ
وَآخَرَ مِن بَني الأَعرابِ حَفَّت / جُيوشُ الحُسنِ مِنهُ بِعارِضَينِ
إِلى عَينَيهِ تَنتَسِبُ المَنايا / كَما اِنتَسَبَ الرِماحُ إِلى رُدَينِ
تُلاحِظُ سَوسَنَ الخَدَينِ مِنهُ / فَيُبدِلُها الحَياءُ بِوَردَتَينِ
وَمَجلِسُنا الأَنيقُ تُضيءُ فيهِ / أَواني الراحِ مِن وَرَقٍ وَعَينِ
فَأَطلَقنا فَمَ الإِبريقِ فيهِ / وَباتَ الزَقُّ مَغلولَ اليَدَينِ
وَشَمعَتُنا شَبيهُ سِنانِ تِبرٍ / تُرَكَّبَ في قَناةٍ مِن لُجَينِ
وَقَهوَتُنا شَبيهُ شَواظِ نارٍ / تَوَقَّدُ في أَكُفِّ الساقَيَينِ
إِذا مُلِئَ الزُجاجُ بِها وَطارَت / حَواشي نورِها في المَشرِقَينِ
عَجِبتُ لِبَدرِ كَأسٍ صارَ شَمساً / يُحَفُّ مِنَ السُقاةِ بكَوكَبَينِ
وَنَحنُ نَزُفُّ أَعيادَ النَضارى / بِشَطِّ مُحَوِّلٍ وَالرَقمَتَينِ
نُوَحِّدُ راحَنا مِن شِركِ ماءٍ / وَنولَعُ في الهَوى بِالمَذهَبَينِ
وَقَد صاغَت يَدُ الأَزهارِ تاجاً / عَلى الأَغصانِ فَوقَ الجانِبَينِ
بِوَردٍ كَالمُداهِنِ في عَقيقٍ / وَأَقداحٍ كَأَزرارِ اللُجَينِ
وَقَد جُمِعَت لِيَ اللَذّاتُ لَمّا / دَنَت مِنها قُطوفُ الجَنَّتَينِ
وَما أَنا مِن هَوى الفَيحاءِ خالٍ / وَلا مِمَّن أُحِبُّ قَضَيتُ دَيني
إِذا ما قَلَّبوا في الحَشرِ قَلبي / رَأوا بَينَ الضُلوعِ هَوى حُسينِ
تَمَلَّكَ حُبُّهُ قَلبي وَصَدري / فَأَصبَحَ مِلءَ تِلكَ الخافِقَينِ
وَأَعوَزَ مَع ذُنُوّي مِنهُ صَبري / فَكَيفَ يَكونُ صَبري بَعدَ بَينِ
إِذا ما رامَ أَن يَسلوهُ قَلبي / تَمَثَّلَ شَخصُهُ تِلقاءَ عَيني
أَلا يا نَسمَةَ السَعديَّ كوني / رَسولاً بَينَ مَن أَهوى وَبَيني
وَيا نَشَرَ الصِبا بَلَّغ سَلامي / إِلى الفَيحاءِ بَينَ القَلعَتَينِ
وَحَيَّ الجامِعَينِ وَجانِبَيها / فَقَد كانَ لِشَملي جامِعَينِ
وَقُل لِمُعَذِّبي هَل مِن نَجازٍ / لِوَعدَي سالِفَيكَ السالِفَينِ
سَمِيُّكَ كانَ مَقتولاً بِظُلمٍ / وَأَنتَ ظَلَمتَني وَجَلَبتَ حَيني
وَهَبتُكَ في الهَوى رَوحي بِوَعدٍ / وَبِعتُكَ عامِداً نَقداً بِدَينِ
وَجِئتُ وَفي يَدي كَفَني وَسَيفي / فَكَيفَ جَعَلتَها خُفّي حُنَينِ
وَلِم صَيَّرتَ بُعدَكَ قَيدَ قَلبي / وَكانَ جَمالُ وَجهِكَ قَيدَ عَيني
فَصِرنا نُشَبِّهُ النَسرَينِ بُعداً / وَكُنّا أُلفَةً كَالفَرقَدَينِ
عَلِمتُ بِأَنَّ وَعدَكَ صارَ مَيناً / لِزَجري مُقلَتَيكَ بِصارِمَينِ
وَقُلتُ وَقد رَأَيتُكَ خابَ سَعيي / لِكَونِ البَدرِ بَينَ العَقرَبَينِ
فَلِم دَلَّيتَني بِحِبالِ زورٍ / وَلِم أَطعَمتَني بِسَرابِ مَينِ
وَهَلّا قُلتَ لي قَولاً صَريحاً / فَكانَ المَنعُ إِحدى الراحَتَينِ
عَرَفتُكَ دونَ كُلِّ الناسِ لَمّا / نَقَدتُكَ في المَلاحَةِ نَقدَ عَينِ
وَكَم قَد شاهَدَتكَ الناسُ قَبلي / فَما نَظَروكَ كُلُّهُمُ بِعَيني
وَطاوَعتُ الفُتوَّةَ فيكَ حَتّى / جَعَلتُكَ في العَلاءِ بِرُتبَتَينِ
فَلَمّا أَن خَلا المَغنى وَبِتنا / عُراةً بِالعَفافِ مُؤَزَّرَينِ
قَضَينا الحَجَّ ضَمّاً وَاِستِلاماً / وَلَم نَشعُر بِما في المَشعَرَينِ
أَتَهجُرُني وَتَحفَظُ عَهدَ غَيري / وَهَل لِلمَوتِ عُذرٌ بَعدَ دَينِ
وَقُلتُ الوَعدُ عِندَ الحُرِّ دَينٌ / فَكَيفَ مَطَلتَني وَجَحَدتَ دَيني
أَأَجعَلُ لي سِواكَ عَلَيكَ عَيناً / وَكُنتَ عَلى جَميعِ الناسِ عَيني
إِذا ما جاءَ مَحبوبي بِذَنبٍ / يُسابِقُهُ الجَمالُ بِشافِعَينِ
وَقُلتُ جَعَلتَ كُلَّ الناسِ خَصمي / لَقَد شاهَدتُ إِحدى الحالَتَينِ
فَكانَ الناسُ قَبلَ هَواكَ صَحبي / فَهَل أَبقَيتَ لي مِن صاحِبَينِ
بُعادي أَطمَعَ الأَعداءَ حَتّى / رَأوكَ اليَومَ خُزرَ الناظِرَينِ
وَهَلّا طالَعوكَ بِعَينِ سوءٍ / وَأَمري نافِذٌ في الدَولَتَينِ
وَما خَفَقَت جَناحُ الجَيشِ إِلّا / رَأوني مِلءَ قَلبِ العَسكَرَينِ
لَئِن سَكَنَت إِلى الزَوراءِ نَفسي / فَإِنَّ القَلبَ بَينَ مُحَرِّكَينِ
هَوىً يَقتادُني لِدِيارِ بَكرٍ / وَآخَرُ نَحوَ أَرضِ الجامِعَينِ
سَأُسرِعُ نَحوَ رَأسِ العَينِ خَطوي / وَأَقصُدُها عَلى رَأسي وَعَيني
وَأُسرِحُ في حِمى جَيرونَ طَرفي / وَأَربَعُ في رِياضِ النَيِّرَينِ
فَلَيسَ الخَطبُ في عَيني جَليلاً / إِذا قابَلتُهُ بِالأَصغَرَينِ
فَيا مَن بانَ لَمّا بانَ صَبري / وَحارَبَني رُقادُ المُقلَتَينِ
تَنَغَّصَ فيكَ بِالزَوراءِ عَيشي / وَبُدِّلَ زَينُ لَذّاتي بِشَينِ
وَما عَيشي بِها جَهماً وَلَكِن / رَأَيتُ الزَينَ بَعدَكَ غَيرَ زَينِ
تُرى سَكِرَت عِطفاهُ مِن خَمرِ ريقِهِ
تُرى سَكِرَت عِطفاهُ مِن خَمرِ ريقِهِ / فَماسَت بِهِ أَم مِن كُؤوسِ رَحيقِهِ
مَليحٌ يُغيرُ الغُصنَ عِندَ اِهتِزازِهِ / وَيُخجِلُ بَدرَ التَمِّ عِندَ شُروقِهِ
فَما فيهِ شَيءٌ ناقِصٌ غَيرَ خَصرِهِ / وَلا فيهِ شَيءٌ بارِدٌ غَيرَ ريقِهِ
وَلا ما يَسوءُ النَفسَ غَيرُ نِفارِهِ / وَلا ما يَروعُ القَلبَ غَيرُ عُقوقِهِ
عَجِبتُ لَهُ يُبدي القَساوَةَ عِندَما / يُقابِلُني مِن خَدِّهِ بِرَقيقِهِ
وَيَلطُفُ بي مِن بَعدِ إِعمالِ لَحظِهِ / وَكَيفَ يُرَدُّ السَهمُ بَعدَ مُروقِهِ
يَقولونَ لي وَالبَدرُ في الأُفقِ مُشرِقٌ / بَذا أَنتَ صَبٌّ قُلتُ بَل بِشَقيقِهِ
فَلا تُنكِروا قَتلي بِدِقَّةِ خَصرِهِ / فَإِنَّ جَليلَ الخَطبِ دونَ دَقيقِهِ
وَلَيلَةَ عاطاني المُدامَ وَوَجهُهُ / يُرينا صَبوحَ الشُربِ حالَ غَبوقِهِ
بِكَأسٍ حَكاها ثَغرُهُ في اِبتِسامَةٍ / بِما ضَمَّهُ مِن دُرِّهِ وَعَقيقِهِ
لَقَد نِلتُ إِذ نادَمتُهُ مِن حَديثِهِ / مِنَ السُكرِ ما لا نُلتُهُ مِن عَقيقِهِ
فَلَم أَدرِ مَن أَيَّ الثَلاثَةِ سَكرَتي / أَمِن لَحظِهِ أَم لَفظِهِ أَم رَحيقِهِ
لَقَد بِعتُهُ قَلبي بِخَلوَةِ ساعَةٍ / فَأَصبَحَ حَقّاً ثابِتاً مِن حُقوقِهِ
وَأَصبَحتُ نَدماناً عَلى خُسرِ صَفقَتي / كَذا مَن يَبيعُ الشَيءَ في غَيرِ سوقِهِ
لَولا الهَوى ما ذابَ مِن حَنينِهِ
لَولا الهَوى ما ذابَ مِن حَنينِهِ / صَبٌّ أَصابَتهُ عُيونُ عَينِهِ
مُتَيَّمٌ لا تَهتَدي عُوّادُهُ / إِلّا بِما تَسمَعُ مِن أَنينِهِ
أَصبَحَ يَخشى الظُبيَ في كِناسِهِ / وَلا يَخافُ اللَيثَ في عَرينِهِ
يَعتَذِرُ الرُشدُ إِلى ضَلالِهِ / وَيَقرَأُ العَقلُ عَلى جُنونِهِ
يا جيرَةَ الحَيِّ أَجيروا عاشِقاً / ما حالَ عَن شَرعِ الهَوى وَدينِهِ
باطِنُهُ أَحسَنُ مِن ظاهِرِهِ / وَشَكُّهُ أَوضَحُ مِن يَقينِهِ
لا تَحسَبوا ما ساحَ فَوقَ خَدِّهِ / مَدامِعاً تَسفَحُ مِن جُفونِهِ
وَإِنَّما ذابَ جَليدُ قَلبِهِ / فَطَرفُهُ يَرشَحُ مِن مَعينِهِ
غَيري بِحَبلِ سِواكُمُ يَتَمَسَّكُ
غَيري بِحَبلِ سِواكُمُ يَتَمَسَّكُ / وَأَنا الَّذي بِتُرابِكُم أَتَمَسَّكُ
أَضَعُ الخُدودَ عَلى مَمَرِّ نِعالِكُم / فَكَأَنَّني بِتُرابِها أَتَبَرَّكُ
وَلَقَد بَذَلتُ النَفسَ إِلّا أَنَّني / خادَعتُكُم وَبَذَلتُ ما لا أَملِكُ
شَرطي بِأَنَّ حُشاشَتي رِقٌّ لَكُم / وَالشَرطُ في كُلِّ المَذاهِبِ أَملِكُ
قَد ذُقتُ حُبُّكُمُ فَأَصبَحَ مُهلِكِي / وَمِنَ المَطاعِمِ ما يُذاقُ فَيُهلِكُ
لا تَعجَلوا قَبلَ اللِقاءِ بِقَتلَتي / وَصِلوا فَذَلِكَ فائِتٌ يُستَدرَكُ
وَلَقَد بَكَيتُ لِدَهشَتي بِقُدومِكُم / وَضَحَكتُ قَبلُ وَهَجرُكُم لي مُهلِكٌ
وَلَرُبَّما أَبكى السُرورُ إِذا أَتى / فَرطاً وَفي بَعضِ الشَدائِدِ يُضحِكُ
زَعَمَ الوُشاةُ بِأَن هَوَيتُ سِواكُمُ / يا قوتِلَ الواشي فَأَنّى يُؤفَكُ
عارٌ عَلَيَّ بِأَن أَكونَ مُشَرِّعاً / دينَ الهَوى وَيُقالُ إِنّي مُشرِكُ
جَلَّ الَّذي أَطلَعَ شَمسَ الضُحى
جَلَّ الَّذي أَطلَعَ شَمسَ الضُحى / مُشرِقَةً في جُنحِ لَيلٍ بَهيم
وَقَدَّرَ الخالَ عَلى خَدِّهِ / ذَلِكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليم
بَدرٌ ظَنَنّا وَجهَهُ جَنَّةً / فَمَسَّنا مِنها عَذابٌ أَليم
يَنفُرُ كَالريمِ أَلا فَاِنظُروا / إِلى بَخيلٍ وَهوَ عِندي كَريم
لَمّا اِنحَنى حاجِبُهُ وَاِنثَنى / يَهُزُّ لِلعُشّاقِ قَدّاً قَويم
عَجِبتُ مِن فَرطِ ضَلالي وَقَد / بَدا لِيَ المُعوَجُّ وَالمُستَقيم
داوِ حَبيبي يا طَبيبَ الهَوى / وَخَلِّني إِنّي بِحالي عَليم
فَخَصرُهُ واهٍ وَأَجفانُهُ / مَريضَةٌ وَاللَحظُ مِنهُ سَقيم
رَعى اللَهُ مَن لَم يَرعَ لي حَقُّ صُحبَةٍ
رَعى اللَهُ مَن لَم يَرعَ لي حَقُّ صُحبَةٍ / وَسَلَّمَ مَن لَم يَسخُ لي بِسَلامِهِ
وَفي ذِمَّةِ الرَحمَنِ مَن ذَمَّ صُحبَتي / وَلَم أَكُ يَوماً ناقِضاً لِذِمامِهِ
وَإِنّي عَلى صَبري عَلى فَرطِ هَجرِهِ / وَقُربِ مَغانيهِ وَبُعدِ مَرامِهِ
يُحاوِلُ طَرفي لَحظَةً مِن خَيالِهِ / وَيَشتاقُ سَمعي لَفظَةً مِن كَلامِهِ
وَيَومَ وَقَفنا لِلوَداعِ وَقَد بَدا / بِوَجهٍ يُحاكي البَدرَ عِندَ تَمامِهِ
شَكَوتُ الَّذي أَلقى فَظَلَّ مُقابِلاً / بُكايَ وَشَكوى حالَتي بِاِبتِسامِهِ
بِدَمعٍ يُحاكي لَفظَهُ في اِنتِثارِهِ / وَعَتبٍ يُحاكي ثَغرَهُ في اِنتِظامِهِ
فَما رَقَّ مِن شَكوايَ غَيرُ خُدودِهِ / وَلا لانَ مِن نَجوايَ غَيرُ قَوامِهِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025