المجموع : 899
أَتاني كِتابٌ مِنكَ يَنفُثُ بِالسِحرِ
أَتاني كِتابٌ مِنكَ يَنفُثُ بِالسِحرِ / وَلَكِنَّهُ بِالعَتبِ مُنتَفِخُ السَحرِ
يَضُمُّ عِتاباً مِن عُبابِكَ ذاخِراً / وَلا عَجَبٌ إِذ ذاكَ مِن لُجَّةِ البَحرِ
فَأُشعِرتُ مِن تَعريضِهِ بِسِعايَةٍ / رَمَتني بِها الرَعداءُ مِن حَيثُ لا أَدري
فَإِن يَكُ حَقّاً فَاِجعَلِ العَفوَ كَيدَهُم / وَإِن يَكُ زَوراً فَاِتَّقِ اللَهَ في أَمري
أُنظُر إِلى المَجدِ كَيفَ يَنهَدِمُ
أُنظُر إِلى المَجدِ كَيفَ يَنهَدِمُ / وَعُروَةِ المُلكِ كَيفَ تَنفَصِمُ
وَاِعجَب لِشُهبِ البُزاةِ كَيفَ غَدَت / تَسطو عَلَيها الحِداةُ وَالرَخَمُ
قَد كُنتُ أَختارُ أَن أُغَيَّب في ال / تُربِ وَتَبلى عِظامِيَ الرِمَمُ
وَلا أَرى اليَومَ مِن أَكابِرِنا / أُسداً وَفيها الذِئابُ قَد حَكَموا
ظَنّوا الوِلاياتِ أَن تَدومَ لَهُم / فَاِقتَطَعوا بِالبِلادِ وَاِقتَسَموا
وَاِقتَدَحوا بِالوَعيدِ نارَ وَغىً / وَرُبَّ نارٍ وُقودُها الكَلِمُ
لَم يَعلَموا أَيَّ جُذوَةٍ قَدحَوا / وَأَيَّ أَمرٍ إِلَيهِ قَد قَدِموا
بَل زَعَموا أَن يَصُدَّنا جَزَعٌ / كانَت يَدُ اللَهِ فَوقَ ما زَعَموا
لا عُرِفَ العِزُّ في مَنازِلِنا / وَأَنكَرَتنا الصَوارِمُ الخُذُمُ
إِن لَم نَقُدها شُعثاً مُضَمَّرَةً / تَذوبُ مِن نارِ حِقدِها اللُجُمُ
بِكُلِّ أَزرٍ في مَتنِهِ أُسُدٌ / وَكُلُّ طَودٍ مِن فَوقِهِ صَنَمُ
مِن فِتيَةٍ أَرخَصوا نُفوسَهُمُ / كَأَنَّهُم لِلحَياةِ قَد سَئِموا
إِن زَأَروا في الهِياجِ تَحسِبُهُم / أُسداً عَليها مِنَ القَنا أَجَمُ
شوسٌ تَظُنُّ العِدى سِهامَهُمُ / شُهُباً بِها المارِدونَ قَد رُجِموا
صَغيرُهُم لا يَعيبُهُ صِغَرٌ / وَشَيخُهُم لا يَشينُهُ هَرَمُ
فَفي القَضايا إِن حُكِّموا عَدَلوا / وَفي التَقاضي إِن حوكِموا ظُلِموا
إِن صَمَتوا كانَ صَمتُهُم أَدَباً / أَو نَطَقوا كانَ نُطقُهِم حِكَمُ
ما عُذرُنا وَالسُيوفُ قاطِعَةٌ / وَأَمرُنا في العِراقِ مُنتَظِمُ
وَحَولَنا مِن بَني عُمومَتِنا / كَتائِبٌ كَالغَمامِ تَزدَحِمُ
بِأَيِّ عَينٍ نَرى الأَنامَ وَقَد / تَحَكَّمَت في أُسودِنا الغَنَمُ
أَمّا مَماتٌ وَذِكرُنا حَسَنٌ / أَما حَياةٌ وَرَبعُنا حَرَمُ
لا شاعَ ذِكري بِنَظمِ قافِيَةٍ / تَلوحُ حُسناً كَأَنَّها عَلَمُ
وَلا اِهتَدَت فِكرَتي إِلى دُرَرٍ / يُشرِقُ مِن ضَوءِ نورِها الكَلِمُ
وَشَلَّ مِنّي يَدٌ عَوائِدُها / يَجولُ فيها الحُسامُ وَالقَلَمُ
إِن لَم أُخَضِّب مَلابِسي عَلَقاً / يُصبَغُ مِن سَيلِ قَطرِها القَدَمُ
وَآخِذُ الثَأرَ مِن عِداكَ وَلو / تَحَصَّنوا بِالحُصونِ وَاِعتَصَموا
في وَقعَةٍ تُسلَبُ العُقولُ بِها / وَأَنفُسُ الدارِعينَ تُختَرَمُ
إِن بِاشَرَتها أَقارِبي بِيَدٍ / يَوماً فَلي دونَهُم يَدٌ وَفَمُ
يا صاحِبَ الرُتبَةِ الَّتي نُكِصَت / مِن دونِ إِدراكِ شَأوِها الهِمَمُ
قَد كُنتَ لي ذابِلاً أَصولُ بِهِ / ما خِلتُهُ في الهِياجِ يَنحَطِمُ
ما كُنتُ أَخشى الزَمانَ حينَ غَدا / خَصمي لِعِلمي بِأَنَّكَ الحَكَمُ
كَفَفتَ عَنَّ كَفَّ الخُطوبِ فَمِن / بَعدِكَ أَمسى الزَمانُ يَنتَقِمُ
ما أَلبَسَتنا الأَيّامُ ثَوبَ عُلىً / إِلّا وَأَنتَ الطِرازُ وَالعَلَمُ
عَزَّ عَلى المَجدِ أَن تَزولَ وَأَن / تُخلِقَ تِلكَ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
تَبكي المَواضي وَطالَما ضَحِكَت / مِنكَ وَأَمسَت غُمودَها القِمَمُ
فَاليَومَ قَد أَصبَحَت صَوارِمُها / وَشَملُها في الهِياجِ مُنصَرِمُ
يُذكِرُني جودَكَ الغَمامُ إِذا / أَصبَحَ دَمعُ الغَمامِ يَنسَجِمُ
إِذ كُنتَ لي ديمَةً تَسُحُّ وَلا / يَنساكَ قَلبي ما سَحَّتِ الدِيَمُ
لا جَمَدَت أَدمُعي وَلا خَمَدَت / نارُ أَسىً في حَشايَ تَضطَرِمُ
وَكَيفَ يَرقا عَليكَ دَمعُ فَتىً / وَلَحمُهُ مِن ثَراكَ مُلتَحِمُ
جِبالٌ بِأَرياحِ المَنِيَّةِ تُنسَفُ
جِبالٌ بِأَرياحِ المَنِيَّةِ تُنسَفُ / غَدَت وَهيَ قاعٌ في الوَقائِعِ صَفصَفُ
مَحَتها رِياحٌ لِمَنونِ عَواصِفٌ / عَلى أَنَها لا تُتَّقى حينَ تَعصِفُ
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلمَنِيَّةِ غارَةٌ / تُغيرُ عَلى سِربِ النُفوسِ فَتَخطَفُ
كَأَنَّ حِبالَ الساحِرينَ نُفوسُنا / وَتِلكَ عَصا موسى لَها تَتَلَقَّفُ
أَغارَت عَلى الأَقيالِ مِن آلِ سِنبِسٍ / فَأَصبَحَ فيهِم صَرفُها يَتَصَرَّفُ
رِجالٌ لَوَ اَنَّ الأُسدَ تُخشى دِيارُهُم / لَكُنتُ عَلَيها مِنهُمُ أَتَخَوَّفُ
شُموسٌ أَرانا المَوتُ في التُربِ كَسفَها / وَما خِلتُ أَنَّ الشَمسَ في التُربِ تَكسِفُ
أَتاها فَلَم تُدفِع مِنَ السَيفِ وَقعَةٌ / وَلَم يُغنِ مِنهُ السابِريُّ المُضَفَّفُ
وَلا الخَيلُ تَجري بَينَ آذانِها القَنا / تُقَرَّطُ مِن خُرصانِهِ وَتُشَنَّفُ
وَلا رَدَّ عَن نَفسِ اِبنَ حَمزَةَ جاشُها / وَلا الجَيشُ مِن أَمواجِهِ الأَرضُ تَرجُفُ
وَلا صارِمٌ ماضي الغِرارِ بِكَفِّهِ / مَضارِبُهُ في الرَوعِ بِالدَمِ تَرعَفُ
عَروفٌ بِأَحوالِ الضِرابِ تُؤَمُّهُ / عَزيمَةُ شَهمٍ مِنهُ بِالضَربِ أَعرَفُ
أَلا في سَبيلِ المَجدِ مَصرَعُ ماجِدٍ / ثِمارُ الأَماني مِن أَياديهِ تُقطَفُ
إِذا ما أَرادَ الضِدُّ غايَةَ ذَمِّهِ / تَوَصَّلَ حَتّى قالَ في الجودِ مُسرِفُ
تَصَدَّعَ قَلبُ البَرقِ يَومَ مُصابِهِ / أَلَستَ تَراهُ خافِقاً حينَ يَخطَفُ
وَما زالَ بَدرُ التَمِّ يَلطُمُ وَجهَهُ / عَلى فَقدِهِ حَتّى اِغتَدى وَهوَ أَكلَفُ
فَيا هالِكاً قَد أَطمَعَ الخَطبَ هُلكُهُ / وَكانَ بِهِ طَرفُ النَوائِبِ يُطرَفُ
لَقَد كُنتَ حِصناً مانِعاً بِكَ نَلتَجي / حِذارَ العِدى وَاليَومَ بِاِسمِكَ نَحلِفُ
فَإِن كُنتَ في أَيّامِ عَيشِكَ كَعبَةً / يُلاذُ بِها فَاليَومَ ذِكرُكَ مُصحَفُ
فَبَعدَكَ لا شَملُ اللُهى مُتَفَرِّقٌ / بِجودٍ وَلا شَملُ العُلى مُتَأَلِّفُ
سَأَبكيكَ بِالعِزِّ الَّذي كُنتَ مُلبِسي / وَكُنتُ بِهِ بَينَ الوَرى أَتَصَرَّفُ
وَأَنزِفُ مِن حُزني دَمي لا مَدامِعي / وَأَيُّ دَمٍ أَبقَيتَ فِيَّ فَيَنزِفُ
سَقى اللَهُ تُرباً ضَمَّ جِسمَكَ وابِلاً / يُنَمَّقُ رَوضاً بَردُهُ وَيُفَوِّفُ
إِذا أَنكَرَت أَيدي البِلى عَرَصاتِه / يَنَمُّ عَلى أَرجائِهِ فَيُعَرِّفُ
سَفَهاً إِذا شُقَّت عَلَيكَ جُيوبُ
سَفَهاً إِذا شُقَّت عَلَيكَ جُيوبُ / إِن لَم تُشَقَّ مَرائِرٌ وَقُلوبُ
وَتَمَلُّقاً سَكبُ الدُموعِ عَلى الثَرى / إِن لَم يُمازِجها الدَمُ المَسكوبُ
يا حَمزَةَ الثاني الَّذي كادَت لَهُ / صُمُّ الجِبالِ الراسِياتِ تَذوبُ
إِن ضاعَ ثارُكَ بَينَ آلِ مَحاسِنٍ / تِلكَ المَحاسِنُ كُلَّهُنَّ عُيوبُ
لَم أَبكِ بِالحُزنِ الطَويلِ تَمَلُّقاً / حُزني عَليكَ وَقائِعٌ وَحُروبُ
فَلَأَبكِيَنَّكَ بِالصَوارِمِ وَالقَنا / حَتّى يُحَطَّمَ ذابِلٌ وَقَضيبُ
لا يَأمَلَنَّ بَنوا أَبي الفَضلِ البَقا / إِنَّ الفَناءَ إِلَيهِمُ لَقَريبُ
وَوَراهُمُ مِن آلِ سِنبِسَ عُصبَةٌ / مُردٌ وَشُبّانٌ تُهابُ وَشيبُ
قَومٌ إِذا غَضِبوا عَلى صَرفِ القَضا / جاءَ الزَمانُ مِنَ الذُنوبِ يَتوبُ
وَإِذا دُعوا يَوماً لِدَفعِ مُلِمَّةٍ / بَسَموا وَفي وَجهِ الزَمانِ قُطوبُ
إِن خوطِبوا فَحَديثُهُم وَخِطابُهُم / يَومَ الجِلادِ حَوادِثٌ وَخُطوبُ
فَليَبكِيَنَّكَ طَرفُ كُلِّ مُثَقَّفٍ / يُزهى بِحَملِ سِنانِهِ الأُنبوبُ
يَبكيكَ في يَومِ الهِياجِ بِأَعيُنٍ / خُزرٍ مَدامِعُها الدَمُ المَصبوبُ
وَالصُبحُ لَيلٌ بِالعَجاجِ وَقَد بَدا / بِالبيضِ في فَودِ العَجاجِ مَشيبُ
وَلَقَد رَضَيتَ بِأَن تَعيشَ مُنَزَّهاً / لا غاضِباً فيها وَلا مَغصوبُ
في مَنصِبٍ لِلَّهِ فِيهِ طاعَةٌ / تُرضي وَلِلفُقَراءِ فيهِ نَصيبُ
سَتُثيرُ ثارَكَ يا اِبنَ حَمزَةَ عَصبَةٌ / شُمَّ الأُنوفِ إِلى القِراعِ تَثَوبُ
نُجَباءُ مِن آلِ العَريضِ إِذا سَطوا / يَوماً أَفادوا الدَهرَ كَيفَ يَنوبُ
سَمِعَت بِمَصرَعِكَ البِلادُ فَأَرجَفَت / وَتَواتَرَ التَصديقُ وَالتَكذيبُ
وَبَكى لِرُزئِكَ صَعبُها وَذَلولُها / وَشَكا لِفَقدِكَ شاتُها وَالذَيبُ
تَبكي العِتاقُ إِذا نَعَتكَ عَواتِقٌ / وَيَحِنَّ بينَكَ إِذ أَبانَ النُوَّبُ
فَجُعَت بِكَ الدُنيا فَلا وَجهُ العُلى / طَلُقٌ وَلا صَدرُ الزَمانِ رَحيبُ
إِذ أَنتَ في يَومِ الجِلادِ عَلى العِدى / خَطبٌ وَفي يَومِ الجِدالِ خَطيبُ
يا شَمسَ أُفقٍ لَم يَكُن مِن قَبلِها / لِلشَمسِ في طَيِّ الصَعيدِ غُروبُ
إِن عُيَّبَت تِلكَ المَحاسِن في الثَرى / فَجَميلُ ذِكرِكَ في البِلادِ يَجوبُ
حُزتَ المَحامِدَ بِالمَكارِمِ مَيِّتاً / فَغَدا لَكَ التَأبينُ لا التَأنيبُ
فَاِبشِر فَإِنَّكَ بِالثَناءِ مُخَلَّدٌ / ما غابَ إِلّا شَخصُكَ المَحجوبُ
حَيّا الحَيا جَدثاً حَلَلتَ بِتُربِه / حَتّى تَعَطَّرَ نَشرُهُ فَيَطيبُ
لازالَ تَبكيهِ عُيونُ سَحائِبٍ / لِلبَرقِ في حافاتِهِنَّ لَهيبُ
تَهمي عَليهِ لِلسَحابِ مَدامِعٌ / فَتُشَقَّ فيهِ لِلشَقيقِ جُيوبُ
يا قَضيباً ذَوى وَكانَ نَضيرا
يا قَضيباً ذَوى وَكانَ نَضيرا / ما رَأَينا لَهُ الغَداةَ نَظيرا
أَظلَمَت بَعدَهُ الدِيارُ وَقَد كا / نَ سِراجاً بِها وَبَدراً مُنيرا
غَيَّبَتهُ الأَرضونَ عَنّا وَما خِل / تُ أَديمَ التُرابِ يَحوي البُدورا
لا وَلا خِلتُ أَنَّ شُهبَ الدَراري / بَعدَ أَوجِ العُلى تَحِلُّ القُبورا
يا حَبيباً فِراقُهُ أَخرَبَ القَل / بَ وَقَد كانَ مَنزِلاً مَعموراً
فاجَأَتنا بِالنَدبِ أَصواتُ ناعي / كَ وَكادَت قُلوبُنا أَن تَطيرا
فَنَفَينا الرُقادَ عَن كُلِّ عَينٍ / فَجَّرَتها دُموعُها تَفجيرا
ما رَأى الناسُ قَبلَ مَثواكَ يَوماً / كانَ بِالبَينِ شَرَّهُ مُستَطيرا
وَلَقَد خِفتُ مِن فِراقِكَ يَوماً / باكِياً بِالثَبورِ يَنعى ثَبيرا
فَبِرُغمي أَن لا أَرى مِنكَ وَجهاً / يَرجِعُ الطَرفُ مِن سَناهُ حَسيرا
كُنتَ ريحانَةَ القُلوبِ فَقَد دا / رَ بِكَ التُربُ عَنبَراً وَعَبيرا
كُنتَ شَهماً مَعَ الحَداثَةِ في السِن / نِ وَجَلداً عَلى البَلاءِ صَبورا
وَحَمَلتَ الأَثقاكَ عَنّي فَأَمسى / بِكَ طَرفي بَينَ الأَنامِ قَريرا
فَجَزاكَ الإِلَهُ عَن ذَلِكَ الصَب / رِ عَلى الهَولِ جَنَّةً وَحَريرا
وَأَراكَ الإِلَهُ في جَنَّةِ الخُل / دِ نَعيماً بِها وَمُلكاً كَبيرا
أَدِرها بِأَمنٍ لا يُغَيِّرُكَ الوَهَم
أَدِرها بِأَمنٍ لا يُغَيِّرُكَ الوَهَم / وَزُفَّ عَلى الجُلّاسِ ما خَلَّفَ الكَرمُ
وَداوِ أَذاها بِالسَماعِ فَإِنَّها / بِلا نَغَمٍ غَمٌّ بِلا دَسَمٍ سُمُّ
مُعَتَّقَةٌ لَو غَسَّلوا مَيِتاً بِها / لَما ذابَ مِنهُ المُخُّ وَاِنهَشَمَ العَظمُ
وَلولا اِتِّقاءُ اللَهِ قُلتُ بِأَنَّها / بِها تَنطِقُ الأَمواتُ أَو تَسمَعُ الصُمُّ
فَلَم يَرَ يَوماً كاسَها مَن رَأى الأَذى / وَلا مَسَّها بِالكَفِّ مَن مَسَّهُ الهَمُّ
فَخُذها عَلى طيبِ السَماعِ فَإِنَّها / بَشاشَةُ وَجهِ العَيشِ إِن عَبَسَ الهَمُّ
وَلا تَخشَ مِن إِثمٍ إِذا ما شَرِبتَها / لِظاهِرِ قَولِ الناسِ إِنّ اِسمَها الإِثمُ
فَما كُلُّ وَصفٍ في الحَقيقَةِ ذاتُه / وَليسَ المُسَمّى في حَقيقَتِهِ الاِسمُ
وَلَو أَنَّ وَصفَ الشَيءِ عَينٌ لِذاتِهِ / أَوِ الذِكرَ لِلشَيءِ المُرادِ هُوَ الجُرمُ
لَمّا ماتَ مَن سَمّوهُ بِاللَفظِ خالِداً / وَلا خَرَّ مَلِكٌ في الثَرى وَاِسمُهُ نَجمُ
كَما خَرَّ نَجمُ الدينِ مِن عَرشِ مُلكِهِ / وَلَم يُغنِ عَنهُ الباسُ وَالعَزمُ وَالحَزمُ
مَضى المَلِكُ المَنصورُ مِن دَستِ مُلكِهِ / وَلَم يُنجِهِ المُلكُ المُمَنَّعُ وَالحُكمُ
مَليكٌ أَفاضَ العَدلَ في كُلِّ مَعشَرٍ / فَلَيسَ لَهُ إِلّا لِأَموالِهِ ظُلمُ
وَما غَيَّبَتهُ الأَرضُ إِلّا لِأَنَّها / لِأَقدامِهِ ما كانَ يُمكِنُها اللَثمُ
وَخَلَّفَ أَشبالاً سَعَوا مِثلَ سَعيِهِ / لِئَلّا يَعُمُّ الناسَ مِن بَعدِهِ اليُتمُ
مُلوكاً حَذَوا في الجودِ حَذوَ أَبيهِمُ / فَفي كُلِّ وَصفٍ مِن نَداهُ لَهَم قِسمُ
وَأَشرَقَ في الشَهباءِ في الدَستِ مِنهُم / وَقَد غابَ عَنها نَجمُها بِدرُها التَمُّ
هُوَ الصالِحُ المَلكُ الَّذي لَبِسَ البَها / وَلِلناسِ مِنهُ فَوقَ ثَوبِ البَها رَقمُ
جَميعُ أَماراتِ الشَهيدِ ظَواهِرٌ / عَليهِ تَساوى الباسُ وَالرَأيُ وَالفَهمُ
وَأَهوَنُ شَيءٍ عِندَهُ الخَيلُ وَاللُهى / وَأَنفَقُ شَيءٍ عِندَهُ النَثرُ وَالنَظمُ
وَأَحسَنُ أَيّامِ السَماحِ وَلودُها / إِذا أَعجَبَ النُجالَ أَيّامُها العُقمُ
وَرَبُّ حَديثٍ مِن عُلاهُ سَمِعتُهُ / لِحُلوِ جَناهُ مِن حُلوقِ النُهى طَعمُ
وَفَيضِ نَوالٍ مِن يَديهِ أَفَدتُهُ / لَهُ في قُلوبِ الناسِ مِن جَسَدي وَسمُ
وَلَمّا أَرادَ الدَهرُ كَيدي فَزُرتُهُ / وَبِتُّ وَلِيَ في صُحُفِ إِنعامِهِ رَسمُ
فَأَخَّرَ صَرفَ الدَهرِ عَنّي فَلا يَرى / مُقابَلَتي لَمّا دَرى أَنَّهُ الخَصمُ
هَجَرَت بَعدَكَ القُلوبُ الجُسوما
هَجَرَت بَعدَكَ القُلوبُ الجُسوما / حينَ أَمسَت مِنكَ الرُبوعُ رُسوما
وَخَلَت مِن سَناكَ زُهرُ المَغاني / فَاِستَحالَ النَهارُ لَيلاً بَهيما
يا هِلالاً أَودى بِهِ الخَسفُ لَمّا / صارَ عِندَ الكَمالِ بَدراً وَسيما
وَقَضيباً رُمنا لَذيذَ جَناهُ / فَذَوى حينَ صارَ غُصناً قَويما
ما ظَنَنّا المَنونَ تَرقى إِلى البَد / رِ وَأَنَّ الحِمامَ يَغشى النُجوما
هَدَّ قَلبي مَن كانَ يُؤنِسُ قَلبي / إِذ نَبَذناهُ بِالعَراءِ سَقيما
وَنَأى يوسُفي فَقَد ذَهَبَت عَي / نايَ مِن حُزنِهِ وَكُنتُ كَظيما
يا صَغيراً حَوى عَظيمَ صِفاتٍ / أَوجَبَت في قُلوبِنا التَعظيما
خُلُقاً طاهِراً وَكَفّاً صَناعاً / وَلِساناً طَلقاً وَطَبعاً سَليما
كُنتَ رَقّي فَصِرتَ مالِكَ رِقّي / بِحِجىً مِنكَ يَستَخِفُّ الحُلوما
وَيَدَينِ ثَنَت عِنانَ يَراعٍ / أَنبَتَت في الطُروسِ دُرّاً نَظيما
وَمَقالٍ إِذا دَعاهُ لَبيبٌ / ظَنَّ أَنّي مِنكَ اِستَفَدتُ العُلوما
وَإِذا ما تَلَوتُ نَظمي وَنَثري / خالَني مِنكَ أَطلُبُ التَعليما
يا خَليلَاً مازالَ خَصماً لِخَصمي / كَيفَ صَيَّرتَ لي الغَرامَ غَريما
كَيفَ جَرَّعتَني الحَميمَ مِنَ الحُز / نِ وَقَد كُنتَ لي صَديقاً حَميما
نِمتَ عَن حاجَتي فَأَحدَثتَ عِندي / لِتَنائيكَ مُقعِداً وَمُقيما
وَتَرَحَّلتَ عَن فِنائي رَحيلاً / صَيَّرَ الحُزنَ في الفُؤادِ مُقيما
لَستُ أَنساكَ وَالمَنِيَّةُ تُخفي / مِنكَ نُطقاً عَذباً وَصَوتاً رَخيما
وَمَسَحتُ الجَبينَ مِنكَ بِكَفّي / فَأَعادَ المَسيحُ قَلبي كَليما
كُنتُ أَمَّلتُ أَن تُشَيّعَ نَعشي / وَتَواري في التُربِ عَظمي الرَميما
وَتَوَقَّعتُ أَن أَرُدَّ بِكَ الخَط / بَ فَأَمسى نَواكَ خَطباً جَسيما
قَد تَبَوَّأتَ قاطِناً جَنَّةَ الخُل / دِ فَأَورَثتَ في فُؤادي الجَحيما
وَتَفَرَّدتَ بِالنَعيمِ مِنَ العَي / شِ وَأَبقَيتَ لي العَذابَ الأَليما
فَسَقى عَهدَكَ العِهادُ فَقَد فُز / تَ بِزُلفى الجِنانِ فَوزاً عَظيما
وَعَلَيكَ السَلامُ حَيّاً وَمَيتاً / وَرَضيعاً وَيافِعاً وَفَطيما
يا بُدوراً تَغيبُ تَحتَ التُرابِ
يا بُدوراً تَغيبُ تَحتَ التُرابِ / وَجِبالاً تَمُدُّ مَرَّ السَحابِ
إِنَّ في ذَلِكَ اِعتِباراً وَذِكرى / يَتَوَعّى بِها ذَوُو الأَلبابِ
قُل لِصادي الأَمالِ لا تَرِدِ العَي / شَ فَإِنَّ الحَياةَ لَمعُ سَرابِ
أَينَ رَبَّ السَريرِ وَالجيزَةِ البَي / ضاءُ ذاتِ النَخيلِ وَالأَعتابِ
عَرَصاتٌ كَأَنَّهُنَّ سَماءٌ / قَد تَوارَت شَموسُها في الحِجابِ
أَينَ رَبُّ الآراءِ وَالرُتبَةِ العَل / ياءِ وَالماجِدُ الرَفيعُ الجَنابِ
وَالَذي لَقَّبوهُ بِالأَبلَجِ الوَه / هابِ طَوراً وَالعابِسِ النَهّابِ
لَيثُ إِبنا أُرتُقَ المَلِكُ المَن / صورُ رَبُّ الإِحسانِ وَالأَنسابِ
صاحِبُ الرِتبَةِ الَّتي نَكَصَ العا / لِمُ مِن دونِها عَلى الأَعقابِ
وَمُجَلّي لَبسَ الأُمورِ إِذا بَر / قَعَ قُبحُ الخَطا وُجوهَ الصَوابِ
حازَ حِلمَ الكُهولِ طِفلاً وَأَعطي / وَرَعَ الشَيبِ في أَوانِ الشَبابِ
جَلَّ عَن أَن تُقَبِّلَ الناسُ كَفَّي / هِ فَكانَ التَقبيلُ لِلأَعتابِ
لَم تُرَنَّح أَعطافَهُ نَشوَةُ المُل / كِ وَلا يَزدَهيهِ فَرطُ اِعتِجابِ
رافِعُ النارِ بِالبِقاعِ إِذا أَخ / مَدَ بَردُ الشِتاءِ صَوتَ الكِلابِ
وَمُحيلُ العامِ المَحيلِ إِذا اِعتا / دَ لِسانُ الفَصيحِ نُطقَ الذُبابِ
عَرَفوا رَبعَهُ وَقَد أُنكِرَ الجو / دُ بِرَفعِ اللِوا وَنَصبِ العِتابِ
وَقُدورٍ بِما حَوَت راسِياتٍ / وَجِفانٍ مَملُوَّةٍ كَالجَوابي
مَلِكٌ أَصبَحَ الخَلائِقُ وَالأَي / يامُ وَالأَرضُ بَعدَهُ في اِضطِرابِ
فَاِعتَبِر خُضرَةَ الرِياضِ تَجِدها / أَثَرَ اللَطمِ في خُدودِ الرَوابي
حَمَلوهُ عَلى الرِقابِ وَقَد كا / نَ نَداهُ أَطواقَ تِلكَ الرِقابِ
ما أَظُنُّ المَنونَ تَعلَمُ ماذا / قَصَفَت بَعدَهُ مِنَ الأَصلابِ
يا رَجيمَ الخُطوبِ فَاِستَرِقِ السَم / عَ فَأُفقُ العُلى بِغَيرِ شِهابِ
فَليَطُل بَعدَهُ عَلى الدَهرِ عَتبي / رُبَّ ذَمٍّ مُلَقَّبٍ بِعِتابِ
أَيُّها الذاهِبُ الَّذي عَرَّضَ الأَم / والَ وَالناسَ بَعدَهُ لِلذَهابِ
طارَ لُبُّ السَماحِ يَومَ تُوَفّي / تَ وَشُقَّت مَرائِرُ الآدابِ
وَعَلا في المَلا عَويلُ العَوالي / وَنَحيبُ اليَراعِ وَالقِرضابِ
لَو يُرَدُّ الرَدى بِقوَّةِ بَأسٍ / لَوَقَيناكَ في الأُمورِ الصِعابِ
بِأُسودٍ بيضِ الوُجوهِ طِوالِ ال / باعِ شُمِّ الأُنوفِ غُلبِ الرِقابِ
تَرَكوا اللَهوَ لِلغُواةِ وَأَفنوا / عُمرَهُم في كَتائِبٍ أَو كِتابِ
وَجِيادٍ مِثلِ العَقارِبِ نَحوَ ال / رَوعِ تَسعى شَوائِلَ الأَذنابِ
كُلِّ طِرفٍ مُطَهَّمٍ سائِلِ الغُر / رَةِ جَعدِ الرِسغَينِ سِبطِ الإِهابِ
كُنتَ ذُخراً لَنا لَوَ اَنَّ المَنايا / جُنِّبَت عَن رَفيعِ ذاكَ الجَنابِ
لَم أَكُن جازِعاً وَأَنتَ قَريبٌ / لِبُعادِ الأَهلينَ وَالأَنسابِ
كانَ لي جودُكَ العَميمُ أَنيساً / في اِنفِرادي وَمَوطِناً في اِغتِرابي
ما بَقائي مِن بَعدِ فَقدِكَ إِلّا / كَبَقاءِ الرِياضِ بَعدَ السَحابِ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ
عُيونٌ لَها مَرأى الأَحِبَّةِ إِثمِدُ / عَجيبٌ لَها في عُمرِها كَيفَ تَرمَدُ
وَعَينٌ خَلَت مِن نورِ وَجهِ حَبيبِها / عَجِبتُ لَها مِن بَعدِهِ كَيفَ تَرقُدُ
وَلي مُقلَةٌ قَد أَنكَرَ الغَمضَ جَفنُها / وَعَرَّفَها صَرفُ النَوى كَيفَ تَسهَدُ
تَراعي النُجومَ السائِراتِ كَأَنَّما / تَمَثَّلَ فيهِنَّ المَليكُ مُحَمَّدُ
تُحاوِلُهُ بَينَ النُجومِ لِأَنَّهُ / لِرُتبَتِهِ فَوقَ الكَواكِبِ مَقعَدُ
مَليكٌ لَوَ اَنَّ الريحَ تُشبِهُ جودَهُ / لَما أَوشَكَت يَوماً مِنَ الدَهرِ تَركُدُ
مُبَدِّدُ شَملِ المالِ وَهوَ مُجَمَّعٌ / وَجامِعُ شَملِ الحَمدِ وَهوَ مُبَدَّدُ
فَلا نَمَّقَ الأَعذارَ يوماً لِسائِلٍ / وَلا قالَ لِلوُفّادِ مَوعِدُكُم غَدُ
دَهَتهُ المَنايا وَهيَ مِن دونِ بَأسِهِ / كَذا الصارِمُ الصَمصامُ يَفنيهِ مِبرَدُ
فَيا مَلِكاً قَد أَطلَقَ الجودُ ذِكرَهُ / وَكُلُّ نَزيلٍ مِن نَداهُ مُقَيَّدُ
لَقَد كُنتَ لِلوُفّادِ وَبلاً وَلِلعَدى / وَبالاً بِهِ تَشقى أُناسٌ وَتَسعَدُ
فَكَم أَنشَأَت كَفّاكَ في المَحلِ عارِضاً / وَخَدُّ الثَرى مِن عارِضِ الخَطبِ أَمرَدُ
وَكَم أَرسَلَت يُمناكَ في الحَربِ لِلعِدى / سَحابَ نَكالٍ بِالصَواهِلِ يَرعُدُ
إِذا ما وَنى مَسراهُ ثِقلاً يَحُثُّهُ / جَوادٌ وَعَضبٌ أَجرَدٌ وَمُجَرَّدُ
فَيَنظِمُ فيها الرُمحُ ما السَيفِ ناثِرٌ / وَيَنثُرُ فيها العَضبُ ما اللَدنُ يَنضِدُ
فَمُفرَدُها مِن نَثرِ سَيفِكَ تَوأَمٌ / وَتَوأَمُها مِن نَظمِ رُمحِكَ مُفرَدُ
وَفي مَعرَكِ الآدابِ كَم لَكَ مَوقِفٌ / لِأَهلِ الحِجى مِنهُ مُقيمٌ وَمُقعَدُ
وَلَم يَبقَ مِن آيِ المَفاخِرِ آيَةٌ / وَلا غايَةٌ إِلّا وَعِندَكَ توجَدُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ لا زالَ سَرمَداً / كَجودِكَ حَتّى بَعدَ فَقدِكَ سَرمَدُ
فَلَو خَلَّدَ المَعروفُ قَبلَكَ ماجِداً / لَكُنتَ بِإِسداءِ الجَميلِ مُخَلَّدُ
بَكى عَلَيكَ الحُسامُ وَالقَلَمُ
بَكى عَلَيكَ الحُسامُ وَالقَلَمُ / وَاِنفَجَعَ العِلمُ فيكَ وَالعَلَمُ
وَضَجَّتِ الأَرضُ فَالعِبادُ بِها / لا طِمَةٌ وَالبِلادُ تَلتَطِمُ
تُظهِرُ أَحزانَها عَلى مَلكٍ / جُلُّ مُلوكِ الوَرى لَهُ خَدَمُ
أَبلَجُ غَضُّ الشَبابِ مُقتَبِلُ ال / عُمرِ وَلَكِنَّ مَجدَهُ هَرِمُ
مُحَكَّمٌ في الوَرى وَآمِلُهُ / يَحكُمُ في مالِهِ وَيَحتَكِمُ
يَجتَمِعُ المَجدُ وَالثَناءِ لَهُ / وَمالُهُ في الوُفودِ يُقتَسَمُ
قَد سَئِمَت جودَهُ الأَنامُ وَلا / يَلقاهُ مِن بَذلِهِ النَدى سَأمُ
ما عُرِفَت مِنهُ لا وَلا نَعَمٌ / بَل دونَهُنَّ الآلاءُ وَالنِعَمُ
الواهِبُ الأَلفِ وَهوَ مُبتَسِمٌ / وَالقاتِلُ الأَلفِ وَهوَ مُقتَحِمُ
مُبتَسِمٌ وَالكُماةُ عابِسَةٌ / وَعابِسٌ وَالسُيوفُ تَبتَسِمُ
يَستَصغِرُ العَضبَ أَن يَصولَ بِهِ / إِن لَم تُجَرَّد مِن قَبلِهِ الهِمَمُ
وَيَستَخِفُّ القَناةَ يَحمِلُها / كَأَنَّها في يَمينِهِ قَلَمُ
لَم يَعلَمِ العالِمونَ ما فَقَدوا / مِنهُ وَلا الأَقرَبونَ ما عَدِموا
ما فَقدُ فَردٍ مِنَ الأَنامِ كَمَن / إِن ماتَ ماتَت لِفَقدِهِ أُمَمُ
وَالناسُ كَالعَينِ إِن نَقَدتَهُمُ / تَفاوَتَت عِندَ نَقدِكَ القِيَمُ
يا طالِبَ الجودِ قَد قَضى عُمَرٌ / فَكُلُّ جودٍ وُجودُهُ عَدَمُ
وَيا مُنادي النَدى لِيُدرِكَهُ / أَقصِر فَفي مَسمَعِ النَدى صَمَمُ
مَضى الَّذي كانَ لِلأَنامِ أَباً / فَاليَومَ كُلُّ الأَنامِ قَد يَتموا
وَسارَ فَوقَ الرِقابِ مُطَّرَحاً / وَحَولَهُ الصافِناتُ تَزدَحِمُ
مُقَلَّباتِ السُروجِ شاخِصَةٌ / لَها زَفيرٌ ذابَت بِهِ اللُجُمُ
وَحَلَّ داراً ضاقَت بِساكِنِها / وَدونَ أَدنى دِيارِهِ إِرَمُ
كَأَنَّهُ لَم يَطُل إِلى رُتَبٍ / تَقصُرُ مِن دونِ نَيلِها الهِمَمُ
وَلَم يُمَهِّد لِلمُلكِ قاعِدَةً / بِها عُيونُ العُقولِ تَحتَلِمُ
وَلَم تُقَبِّل لَهُ المُلوكُ يَداً / تَرغَبُ في سِلمِها فَتَستَلِمُ
وَلَم يَقُد لِلحُروبِ أُسدَ وَغىً / تَسري بِها مِن رِماحِها أَجَمُ
وَلَم يَصِل وَالخَميسُ مُرتَكِبٌ / عَبابُهُ وَالعَجاجُ مُرتَكِمُ
أَينَ الَّذي كانَ لِلوَرى سَنَداً / وَرُحبُ أَكنافِهِ لَها حَرَمُ
أَينَ الَّذي إِن سَرى إِلى بَلَدٍ / لا ظُلمَ يَبقى بِهِ وَلا ظُلَمُ
أَينَ الَّذي يَحفَظُ الذِمامَ لَنا / إِن خُفِرَت عِندَ غَيرِهِ الذِمَمُ
يا ناصِرَ الدينِ وَاِبنَ ناصِرِهِ / وَمَن بِهِ في الخُطوبِ يُعتَصَمُ
وَصاحِبَ الرُتبَةِ الَّتي وَطِئَت / لَها عَلى هامَةِ السُهى قَدَمُ
تُثني عَليكَ الوَرى وَما شَهِدوا / مِنَ السَجايا إِلّا بِما عَلِموا
يَبكيكَ مَألوفُكَ التُقى أَسَفاً / وَصاحِباكَ العَفافُ وَالكَرَمُ
لَم يَشقَ يَوماً بِكَ الجَليسُ وَلا / مَسَّ نَداماكَ عِندَكَ النَدَمُ
أَغنَيتَني بِالوِدادِ عَن نَسَبي / كَأَنَّما الوُدُّ بَينَنا رَحِمُ
لَولا التَسَلّي بِمَن تَرَكتَ لَنا / أَلَمَّ بي مِن تَدَلُّهي لَمَمُ
وَفي بَقاءِ السُلطانِ تَسلِيَةٌ / لِكُلِّ قَلبٍ بِالحُزنِ يَضطَرِمُ
المَلِكُ الصالِحُ الَّذي ظَهَرَت / مِنهُ السَجايا وَطابَتِ الشِيَمُ
لازالَ يُغني الزَمانَ في دَعَةٍ / وَالذِكرُ عالٍ وَالمُلكُ مُنتَظِمُ
يا لَيتَ شِعري وَقَد أَودى بِكَ القَدَرُ
يا لَيتَ شِعري وَقَد أَودى بِكَ القَدَرُ / بِأَيِّ عُذرٍ إِلى العَلياءِ يَعتَذِرُ
وَكَيفَ جارَ عَلَيكَ الدَهرُ مُعتَدِياً / أَما تَعَلَمَّ مِنكَ العَدلَ يا عُمَرُ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى كانَ الزَمانُ لَهُم / طَوعاً وَأَقبَلَ صَرفُ الدَهرِ يَأتَمِرُ
يا ناصِرَ الدينِ يا مَن جودُ راحَتِهِ / بَينَ الأَنامِ عَلى الأَيّامِ يَنتَصِرُ
أَنتَ الجَوادُ الَّذي لَولا مَكارِمُهُ / لَأَصبَحَ الجودُ عَيناً ما بِها بَصَرُ
تُعطي وَتَبسُطُ بَعدَ البَذلِ مَعذَرَةً / وَعُذرُ غَيرِكَ دونَ البَذلِ يُبتَدَرُ
فُقتَ المُلوكَ جَميعاً في عَطاً وَسَطاً / فَأَنتَ كَالبَحرِ فيهِ النَفعُ وَالضَرَرُ
وَحُزتَ أَخلاقَ شَمسِ الدينِ مُكتَسِباً / وَالشَمسُ مُكتَسِبٌ مِن نورِها القَمَرُ
خاطَرتَ في طَلَبِ العَلياءِ مُجتَهِداً / وَما يُخاطِرُ إِلّا مَن لَهُ خَطَرُ
رَفَعتَ ذِكرَكَ بِالإِنعامِ مُنتَجِداً / بِهِ وَغَيرُكَ بِالأَموالِ يَفتَخِرُ
قَد كانَ جودُكَ لي عَينَ الحَياةِ إِذا / وَردَتُهُ وَحَواني رَبعُكَ الخَضِرُ
أَعزِز عَلَيَّ بِأَن أَدعوكَ ذا أَمَلٍ / فَلا يُجابَ بِرِفدٍ مِنكَ يَنهَمِرُ
وَأَن يُحَثُّ إِلى مَغناكَ وُفدُ ثَناً / وَليسَ مِنكَ بِهِ عَينٌ وَلا أَثَرُ
طابَت مَراثيكَ لي بَعدَ المَديحِ وَمَن / بَعدَ السُرورِ بَراني الحُزنُ وَالفِكرُ
كَأَنَّ حُزنَكَ مِن أَسمائِهِ سَقَرٌ / فَذاكَ في القَلبِ لا يُبقي وَلا يَذَرُ
سَقى ضَريحَكَ صَوبُ المُزنِ مُنبَجِساً / حَتّى يُدَبِّجَ أَقصى تُربِهِ الزَهَرُ
وَكَيفَ أَسأَلُ صَوبَ المَزنِ رَيَّ ثَرىً / حَلَلتَ فيهِ وَفيهِ البَحرُ وَالمَطَرُ
نُفوسُ الصيدِ أَثمانُ المَعالي
نُفوسُ الصيدِ أَثمانُ المَعالي / إِذا هَزَّت مَعاطِفَها العَوالي
وَأَبدَت أَوجُهُ البيضِ اِبتِساماً / يُطيلُ بُكاءَ آجالِ الرِجالِ
وَمَن عَشِقَ العَلاءَ وَخافَ حَتفاً / غَدا عِندَ الكَريهَةِ وَهوَ سالي
وَلَم يَحُزِ العُلى إِلّا كَمِيٌّ / رَحيبُ الصَدرِ في ضيقِ المَجالِ
تَيَقَّنَ أَنَّ طيبَ الذِكرِ يَبقى / وَكُلَّ نَعيمِ مُلكٍ في زَوالِ
لِذاكَ سَمَت بِرُكنِ الدينِ نَفسٌ / تَعَلَّمَ رَبُّها طَلَبَ الكَمالِ
سَمَت فَأَرَتهُ حَرَّ الكَرَّ بَرداً / وَيَحمومَ المَنِيَّةِ كَالزَلالِ
فَأَلبَسَ عِرضَهُ دِرعاً حَصيناً / وَصَيَّرَ جِسمَهُ غَرَضَ النِبالِ
تَبَوَّأَ جَنَّةَ الفِردوسِ داراً / وَحَلَّ عَلى الأَرائِكِ في ظِلالِ
وَخَلَّفَ كُلَّ قَلبٍ في اِشتِغالٍ / وَكُلَّ لَهيبِ صَدرٍ في اِشتِعالِ
بِروحي مَن أَذابَ نَواهُ روحي / وَأَفقَدَ فَقدُهُ عِزّي وَمالي
وَلَم أَكُ قَبلَ يَومِ رَداهُ أَدري / بِأَنَّ الطُربَ بُرجٌ لِلهِلالِ
وَقالَوا قَد أُصِبتَ فَقُلتُ كَلّا / وَما وَقَعُ النِبالِ عَلى الجِبالِ
وَلَم أَعلَم بِأَنَّ الرَمسَ يُمسي / بِمَوجِ الحَربِ مِن صَدَفِ اللَآلي
أَيا صَخرَ الجَنانِ أَدَمتَ نَوحي / فَها أَنا فيكَ خَنساءُ الرِجالِ
وَفَت لي فيكَ أَحزاني وَدَمعي / وَخانَ عَلَيكَ صَبري وَاِحتِمالي
بَذَلتَ النَفسَ في طَلَبِ المَعالي / كَبَذلِكَ لِلُّهى يَومَ النَوالِ
تُسابِقُ لِلوَغى قَبلَ التَنادي / كَسَبقِكَ بِالعَطا قَبلَ السُؤالِ
شَدَدتَ القَلبَ في خَوضِ المَنايا / وَوَبلِ النُبلِ مُنحَلَّ العَزالي
لَبِستَ عَلى ثِيابِ الوَشيِ قَلباً / غَنيتَ بِهِ عَنِ الدِرعِ المُذالِ
تَهُزُّ لِمُلتَقى الأَعداءِ عِطفاً / يَهِزُّ رَطيبَهُ مَرَحُ الدَلالِ
فَعِشتَ وَأَنتَ مَمدوحُ السَجايا / وَمُتَّ وَأَنتَ مَحمودُ الخِلالِ
أَرُكنَ الدينِ كَم رُكنٍ مَشيدٍ / هَدَدتَ بِفَقدِ ذُيّاكَ الجَمالِ
رُبوعُكَ بَعدَ بَهجَتِها طُلولٌ / وَحاليها مِنَ الأَنوارِ خالِ
تَنوحُ لِفَقدِكَ الجُردُ المَذاكي / وَتَبكيكَ الصَوارِمُ وَالعَوالي
يَحِنَّ إِلى يَمينِكَ كُلُّ عَضبٍ / وَتَشتاقُ الأَعِنَّةُ لِلشَمالِ
أَتَسلُبُكَ المَنونُ وَأَنتَ طَودٌ / وَتَرخِصُكَ الكُماةُ وَأَنتَ غالِ
وَتَضعَفُ عَزمَةُ البيضِ المَواضي / وَتَقصُرُ هِمَّةُ الأَسَلِ الطِوالِ
وَلَم تُحطَم قَناةٌ في طِعانٍ / وَلَم تُفلَل صِفاحٌ في قِتالِ
وَلا اِضطَرَمَت جِيادٌ في طِرادٍ / وَلا اِعتَرَكَت رِجالٌ في مَجالِ
وَلا رَفَعوا بِوَقعِ الخَيلِ نَقعاً / وَلا نُسِجَ الغُبارُ عَلى الجِلالِ
وَتُمسي اللاذِخِيَّةُ في رُقادٍ / تَوَهَّمُ فِعلَها طَيفَ الخَيالِ
وَلَم تُقلَع لِقَلعَتِهِم عُروشٌ / إِذا اِستَوَتِ الأَسافِلُ وَالأَعالي
وَلا وادي جَهَنَّمَ حينَ حَلَّوا / بِهِ أَمسى عَليهِم شَرَّ فالِ
سَأَبكي ما حَييتُ وَلَستُ أَنسى / صَنائِعَكَ الأَواخِرَ وَالأَوالي
وَلَو أَنّي أُبَلَّغُ فيكَ سُؤلي / بَكَيتُكَ بِالصَوارِمِ وَالعَوالي
بِكُلِّ مُهَنَّدِ الحَدَّينِ ماضٍ / تَدُبُّ بِهِ المَنِيَّةِ كَالنَمالِ
يُريكَ بِهِ رُكامُ المَوتِ مَوجاً / وَتَمنَعُهُ الدِماءُ مِنَ الصِقالِ
وَأَسمَرَ ناهَزَ العِشرينَ لَدنٍ / رُدَينيِّ المَناسِبِ ذي اِعتِدالِ
يُضيءُ عَلى أَعاليهِ سِنانٌ / ضِياءَ النارِ في طَرَفِ الذُبالِ
وَأَشقي مِن دِماءِ عِداكَ نَفساً / تَنوطُ القَولَ مِنها بِالفِعالِ
لَعَلَّ الصالِحَ السُلطانَ يَجلو / بِغُرَّةِ وَجهِهِ ظُلمَ الضَلالِ
وَيُجريها مِنَ الشِعبَينِ قُبّاً / إِلى الهَيجاءِ تَسعى كَالسَعالي
يُحَرِّضُها الطَرادُ عَلى الأَعادي / كَأَنَّ الكَرَّ يُذكِرُها المَخالي
عَلَيها كُلُّ ماضي العَزمِ ذِمرٍ / كَمِيٍّ في الجِلادِ وَفي الجِدالِ
وَيَشفي عِندَ أَخذِ الثَأرِ مِنهُم / نُفوساً لَيسَ تَقنَعُ بِالمَطالِ
وَأَعلَمُ أَنَّ عَزمَتَهُ حُسامٌ / وَلَكِنَّ التَقاضي كَالصِقالِ
لَو يُرَدُّ الرَدى بِبَذلِ الأَيادي
لَو يُرَدُّ الرَدى بِبَذلِ الأَيادي / أَبقَتِ المَكرُماتُ كَعبَ الإِيادي
وَلَأَبقَت فَتى المُهَذَّبِ أَيدٍ / طَوَّقَت بِالنَدى رِقابَ العِبادِ
وَلَوَ اَنَّ الحِمامَ يَدفَعُ بِالبا / سِ وَبيضِ الظُبى وَحُمرِ الصِعادِ
لَحَمَتهُ يَومَ الهِياجِ حُماةٌ / تُرعِفُ البيضَ مِن نَجيعِ الأَعادي
وَكُماةٌ يُظِلُّها مِن وَشيجِ ال / خَطِّ غابٌ يَسيرُ بِالآسادِ
بِصِفاحٍ تُخالُ مَوجَ المَنايا / في صَفا مَتنِها عُيونُ الجَرادِ
كُلُّ صافي الفِرِندِ بِالماءِ رَيّا / نِ وَلَكِنَّهُ إِلى الدَمِ صادي
غَيرَ أَنَّ الأَيّامَ بِالخَلقِ تَجري / لِبُلوغِ الآجالِ جَريَ الجِيادِ
كَيفَ تَرجو المَقامَ وَالخَلقُ سُفرٌ / نَحنُ رَكبٌ وَحادِثُ الدَهرِ حادي
أَينَ رَبَّ السَريرِ وَالحيرَةِ البَي / ضاءِ أَم أَينَ رَبُّ ذاتِ العِمادِ
إِنَّ أَسبابَ فاصِلاتِ المَنايا / قَد أَبادَت فِرعونَ ذا الأَوتادِ
ما اِعتِمادي عَلى الزَمانِ وَقَد أَو / دى بِمَولىً عَلَيهِ كانَ اِعتِمادي
بِمَديدِ الظِلالِ مُقتَضَبِ الرَأ / يِ بَسيطِ النَدى طَويلِ النِجادِ
مُسرِفٌ في السَماحِ يوهِمُهُ الجو / دُ بِأَنَّ الإِقصادَ في الإِقتِصادِ
لَم تُرَنَّح أَعطافَهُ نَسمَةُ الكِب / رِ وَلا اِقتِادَهُ عِنانُ العِنادِ
حاكِمٌ حَكَّمَ المُؤَمِّلَ في الما / لِ وَقاضٍ قَضى بِحَتفِ الأَعادي
وَسَرَت مِنهُ سيرَةُ العَدلِ في النا / سِ مَسيرَ الأَرواحِ في الأَجسادِ
شَمسُ دينِ اللَهِ الَّذي ضَبَطَ الأَح / كامَ ضَبطَ الأَموالِ بِالأَعدادِ
رُبَّ حِلمٍ لِلبَطشِ فِيهِ كُمونٌ / كَلَظى النارِ كامِناً في الزِنادِ
سَطوَةٌ تُظمِئُ الرُواةَ مِنَ الرُع / بِ وَنُطقٌ يَروي النُفوسَ الصَوادي
وَاِنتِقادٌ إِذا جَلَت ظُلمَةُ الشَك / كِ جَلاهُ بِنورِهِ الوَقّادِ
وَجِدالٌ مَعسولُ أَكمَنَهُ اللَف / ظُ كَأَنَّ العِدى فيهِ في جَلادِ
ذو يَراعٍ رَطبِ المَشافِرِ يَبسِ ال / مَتنِ جَمِّ الضَميرِ خُلوِ الفُؤادِ
خَدَمَتَهُ البيضُ الحِدادُ وَإِب كا / نَ صَبِياً كَمِبضَعِ الفَصّادِ
فَإِذا ماجَرى بِحَلبَةِ طَرسٍ / رَكَضَ الرُعبُ في قُلوبِ الأَعادي
يُطلِقُ اللَفظَ في السِجِلِّ فَيَأتي / بِالمَعاني مَقرونَةً في صِفادِ
ما رَأَينا مِن قَبلِ مَجراهُ خَطّاً / ساطِعَ النورِ في ظَلامِ المِدادِ
كُلُّ خَطٍّ سَوادُهُ في بَياضٍ / وَتَراهُ بَياضُهُ في السَوادِ
أَينَ خَصبُ الأَكنافِ في الزَمَنِ الما / حِلِ وَالسُبطُ في السِنينَ الجِعادِ
وَالجَوادُ السَهلُ اللِقاءِ إِذا ما / كانَ سَهلُ اللِقاءِ غَيرَ جَوادِ
سَلَبَتهُ الأَيّامُ غَدراً وَكانَت / طَوعَ كَفَّيهِ في الأُمورِ الشِدادِ
وَأُصيبَت لِفَقدِهِ فَلِهَذا / أُلبِسَت بَعدَهُ ثِيابَ حِدادِ
كانَ عَضداً لِلآمِلينَ فَأَمسى / بِنَواهُ يَفُتُّ في الأَعضادِ
كانَ زَينَ الأَولادِ وَالمالِ إِن زي / نَ سِواهُ بِالمالِ وَالأَولادِ
يا حُساماً ما خِلتُ إِنَّ أَديمَ ال / أَرضِ يُمسي لَهُ مِنَ الأَمجادِ
كُنتَ يَومَ النَدى سَريعاً إِلى البِر / رِ وَيَومَ الرَدى أَبِيَّ القِيادِ
أَيُّ نادٍ لِلجودِ لَم تَكُ فيهِ / حاضِراً بِالنَدى وَذِكرُكَ بادِ
أَصبَحَت بَعدَكَ المَكارِمُ فُقراً / وَالمَعالي عَواطِلَ الأَجيادِ
وَتُوُفّي السَماحُ يَومَ تُوُفِّي / تَ فَهَل كُنتُما عَلى ميعادِ
فَعَزيزٌ عَلى المَكارِمِ أَن تَخ / فى وَفي الناسِ طيبُ ذِكرِكَ بادِ
أَو يُنادى لِلمَكرُماتِ فَلا يَس / بِقُ مِنكَ النَدى نِداءَ المُنادي
رَقدَةٌ ما نَراكَ مِن قَبلِها ذُق / تَ عَنِ المَكرُماتِ طَعمَ رُقادِ
ما شَهِدنا مِن قَبلِها لَكَ حالاً / كُنتَ فيها خِلواً مِنَ الحُسّادِ
أَحسَنَ اللَهُ عَنكَ صَبرَ المَعالي / وَعَزاءَ الإِنشاءِ وَالإِنشادِ
وَأَطالَ الإِلَهُ عُمرَ مَراثي / كَ فَإِنّي فيها حَليفُ اِجتِهادِ
وَسَقَت قَبرَكَ الغَوادي وَإِن كا / نَت دُموعي رَوائِحاً وَغَوادي
فَلَعَمري لَقَد عَهِدتُ إِلى الدَم / عِ لِيُغنيهِ عَن دُموعِ العِهادِ
ما دامَ جَريُ الفَلَكِ الدائِرِ
ما دامَ جَريُ الفَلَكِ الدائِرِ / لَم يَبقَ مِن بَرٍّ وَلا فاجِرِ
ما عَطفَ الدَهرُ عَلى حاتِمٍ / كَلّا وَلا قَصَّرَ عَن مادِرِ
إِنَّ خُيولَ الدَهرِ إِن طارَدَت / أَتبَعَتِ الأَوَّلَ بِالأَخِرِ
لا تَحرِصَن مِنهُ عَلى مَورِدٍ / فَغايَةُ الوارِدِ كَالصادِرِ
أَبعَدَ عَبدِ اللَهِ بَحرِ النَدى / لِزَلَّةِ الأَيّامِ مِن غافِرِ
مُجري النَدى في الأَرضِ حَتّى نَهى / بَسيطُها مِن بَحرِهِ الوافِرِ
وَمُخصِبٌ في بَلَدٍ ماحِلٍ / وَعادِلٌ في زَمَنٍ جائِرِ
وَمَن غَدَت سَيدَةُ إِنعامِهِ / تَملَأُ سَمعَ المَثَلِ السائِرِ
أَصبَحَ دَستُ المُلكِ مِن بَعدِهِ / خِلواً بِلا ناهٍ وَلا آمِرِ
وَأَصبَحَ العَينُ بِلا ناظِرٍ / كَأَنَّها العَينُ بِلا ناظِرِ
هُوَ الدَهرُ مُغرىً بِالكَريمِ وَسَلبِهِ
هُوَ الدَهرُ مُغرىً بِالكَريمِ وَسَلبِهِ / فَإِن كُنتَ في شَكٍّ بِذاكَ فَسَل بِهِ
أَرانا المَعالي كَيفَ يَنهَدُّ رُكنُها / وَكَيفَ يَغورُ البَدرُ مِن بَينِ شُهبِهِ
أَبَعدَ غِياثِ الدينِ يَطمَعُ صَرفُهُ / بِصَرفِ خِطابِ الناسِ عَن ذَمِّ خَطبِهِ
وَتَخطو إِلى عَبدِ الكَريمِ خُطوبُهُ / وَيُطلَبُ مِنّا اليَومَ غُفرانُ ذَنبِهِ
سَليلُ النَبِيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَنَجلُ الوَصِيِّ الهاشِمِيِّ لِصُلبِهِ
فَتىً كانَ مِثلَ الغَيثِ يُخشى وَبالُهُ / وَيُرجى لِطُلّابِ النَدى وَبلُ سُحبِهِ
رَقيقُ حَواشي العَيشِ في يَومِ سِلمِهِ / كَثيفُ حَواشي الجَيشِ في يَومِ حَربِهِ
فَلا يَتَّقي الأَسيافَ إِلّا بِوَجهِهِ / وَلا يَلتَقي الأَضيافَ إِلّا بِقَلبِهِ
وَلا يَنظُرُ الأَشياءَ إِلّا بِعَقلِهِ / وَلا يَسمَعُ الأَنباءَ إِلّا بِلُبِّهِ
إِذا جالَ في يومِ الرَدى قيلَ مَن لَهُ / وَإِن جادَ في يَومِ النَدى قيلَ مَن بِهِ
أَمِن بَعدِ ما تَمَّت مَحاسِنُ بَدرِهِ / وَدارَت عَلى كُلِّ الوَرى كاسُ حُزنِهِ
دَهَتهُ المَنايا وَهيَ في حَدِّ سَيفِهِ / وَصَرفُ اللَيالي وَهوَ مِن بَعضِ حُبِّهِ
كَأَن لَم يَقُدها كَالأَجادِلِ سُرَّباً / وَيَرفَعُ قُبَّ اللَيلِ مِن نَقعِ قُبِّهِ
وَلَم يَقرَعِ الأَسماعَ وَقعُ خِطابِهِ / وَلَم يَطرُقِ الهَيجاءَ مَوقِعُ خَطبِهِ
وَلا كانَ يَومَ الدَستِ صاحِبَ صَدرِهِ / وَلِلجَيشِ يَومَ الحَربِ مَركَزُ قُطبِهِ
أَتَعتَزُّهُ الأَعداءُ في يَومِ لَهوِهِ / فَهَلّا أَتوهُ جَحفَلاً يَومَ حَربِهِ
وَلَم أَرَ قَبلَ اليَومِ لَيثَ عَريكَةٍ / أَذاقَتهُ طَعمَ المَوتِ عَضَّةُ كَلبِهِ
وَلَو كانَ مابَينَ الصَوارِمِ وَالقَنا / وَفَوقَ مُتونِ الخَيلِ إِدراكُ نَحبِهِ
لَكانَ جَميلَ الذِكرِ عَن حُسنِ فِعلِهِ / يُنَفِّسُ عَن قَلبِ الفَتى بَعضَ كَربِهِ
أَبِيُّ قِيادِ النَفسِ آثَرَ حَنفَهُ / وَلَم يُبدِ يَوماً لِلعِدى لَينَ جَنبِهِ
كَأَنَّ بَني عَبدِ الحَميدِ لِفَقدِهِ / ذُرى جَبَلٍ هُدَّت جَلامِدُ هَضبِهِ
أَتَسلُبُهُ الأَعداءُ مِن بَينَ رَهطِهِ / وَتَغتالُهُ الأَيّامُ مِن دونِ صَحبِهِ
وَتَفقُدُهُ في دَولَةٍ ظاهِرِيَّةٍ / بِها الذِئبُ يَعدو رائِعاً بَينَ سِربِهِ
بِدَولَةِ مَلكٍ يَغصِبُ اللَيثَ قُوتَهُ / وَيَقتُلُ مَن يَلقاهُ شِدَّةُ رُعبِهِ
فَلَو كانَ شَمسُ الحَقِّ وَالدينِ شاهِداً / لِمَصرَعِ ذاكَ النَدبِ ساعَةَ نَدبِهِ
بَكاهُ بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ وَالظُبى / بِدَمعٍ مِنَ اللَبّاتِ مَسقِطُ سَكبِهِ
وَشَنَّ عَلى عُربِ العَذارينَ غارَةً / يَضيقُ بِها في البَرِّ واسِعُ رَحبِهِ
فَتَعجَبُ لَبّاتُ الكُماةِ بِطَعنِهِ / وَيُعرِبُ هاماتِ الحُماةِ بِضَربِهِ
فَلا نَقطَ إِلّا مِن سِنانِ قَناتِهِ / وَلا شَكلَ إِلّا مِن مَضارِبِ عَضبِهِ
أَبا الحَربِ بادِر وَاِتَّخِذها صَنيعَةً / تُبَدِّلُ مُرَّ القَولِ فيكُم بِعَذبِهِ
فَكَم لِغِياثِ الدينِ مِن حَقِّ مِنَّةٍ / تُطَوِّقُ بِالأَنعامِ أَعناقَ صَحبِهِ
قَضى نَحبَهُ وَالذِكرُ مِنهُ مُخَلَّدٌ / بِأَفواهِنا لَم يَقضِ يَوماً لِنَحبِهِ
وَمُذ رَجَعَت أَترابُهُ مِن وَداعِهِ / تَلَقّاهُ في أَكفانِهِ عَفوُ رَبِّهِ
سَقى قَبرَهُ مِن صَيِّبِ المُزنِ وابِلٌ / يَجُرُّ عَلى أَرجائِهِ ذَيلَ خَصبِهِ
وَمِن عَجَبٍ أَنَّ السَحابَ بِقَبرِهِ / وَأَسأَلُ مِن صَوبِ الحَيا رَيَّ رَبِّهِ
حَبلُ المُنى بِحِبالِ اليَأسِ مَعقودُ
حَبلُ المُنى بِحِبالِ اليَأسِ مَعقودُ / وَالأَمنُ مِن حادِثِ الأَيّامِ مَفقودُ
وَالمَرءُ ما بَينَ أَشراكِ الرَدى غَرَضٌ / صَميمُهُ بِسِهامِ الحَتفِ مَقصودُ
لا تَعجَبَنَّ فَما في المَوتِ مِن عَجَبٍ / إِذ ذاكَ حَدٌّ بِهِ الإِنسانُ مَحدودُ
فَالمُستَفادُ مِنَ الأَيّامِ مُرتَجَعٌ / وَالمُستَعارُ مِنَ الأَعمارِ مَردودُ
وَلِلمَنِيَّةِ أَظفارٌ إِذا ظَفِرَت / رَأَيتَ كُلَّ عَميدٍ وَهوَ مَعمودُ
لَم يَنجُ بِالبَأسِ مِنها مَع شَراسَتِهِ / لَيثُ العَرينِ وَلا بِالحيلَةِ السيدُ
قَد ضَلَّ مَن ظَنَّ بَعضَ الكَائِناتِ لَها / مَكثٌ وَلِلعالَمِ العُلوِيَّ تَخليدُ
أَلَم يَقولوا بِأَنَّ الشُهبَ خالِدَةٌ / طَبعاً فَأَينَ شِهابُ الدينِ مَحمودُ
مَن كانَ في عِلمِهِ بَينَ الوَرى عَلَماً / يُهدى بِهِ إِن زَوَت أَعلامَها البيدُ
وَمَن رَوَت فَضلَهُ حُسّادُ رُتبَتِهِ / وَعَنعَنَت عَن أَياديهِ الأَسانيدُ
فَضلٌ بِهِ أَوجُهُ الأَيّامِ مُشرِقَةٌ / كَأَنَّهُ لِخُدودِ الدَهرِ تَوريدُ
مُهَذَّبُ اللَفظِ لا في القَولِ لَجلَجَةٌ / مِنهُ وَلا عِندَهُ في الرَأيِ تَرديدُ
لا يَهدِمُ المَنُّ مِنهُ عُمرَ مَكرُمَةٍ / وَلا يُعَمَّدُ بِالمَطلِ المَواعيدُ
إِن كانَ يُقصَدُ مَقصودٌ لِبَذلِ نَدىً / فَإِنَّهُ لِلنَدى وَالفَضلِ مَقصودُ
لَهُ اليَراعُ الَّذي راعَ الخُطوبَ بِهِ / في حَلبَةِ الطَرسِ تَصويبٌ وَتَصعيدُ
أَصَمُّ أَخرَسُ مَشقوقُ اللِسانِ إِذا / طارَحتَهُ سُمِعَت مِنهُ الأَغاريدُ
إِن شاءَ تَسويدَ مُبيَضِّ الطَروسِ فَمِن / إِنشائِهِ لِبَياضِ الناسِ تَسويدُ
لَو خَطَّ سَطراً تَرى عَكسَ القِياسِ بِهِ / الشَمسُ طالِعَةٌ وَاللَيلُ مَوجودُ
وَالسائِراتُ الَّتي راقَت لِسامِعِها / أَلفاظُها وَحَلَت مِنهُ الأَناشيدُ
رَشيقَةُ السَبكِ لا المَعنى بِمُبتَذَلٍ / مِنها وَلا لَفظُها بِالعَسفِ مَكدودُ
يا صاحِبَ الرُتبَةِ المَعذورِ حاسِدُها / إِنَّ السَعيدَ عَلى النَعماءِ مَحسودُ
ما شامَ بَعدَكَ أَهلُ الشامِ بارِقَةً / لِلفَضلِ حينَ ذَوى مِن رَبِّهِ العودُ
إِلَيكَ قَد كانَ يُعزى العِلمُ مُنتَسِباً / وَاليَومَ فيكَ يُعَزّى العِلمُ وَالجودُ
كَم خُطبَةٍ لَكَ راعَ الخَطبَ مَوقِعُها / وَكَم تُقُلِّدَ مِنهُ الدَهرَ تَقليدُ
وَلَفظَةٍ لا يَسُدُّ الغَيرُ مَوضِعَها / غَرّاءَ تُحسَبُ ماءً وَهيَ جُلمودُ
وَجَحفَلٍ لِجَدالِ البَحثِ مُجتَمِعٌ / كَأَنَّهُ لِجِلادِ الحَربِ مَحشودُ
قَد جَرَّدَ الشوسُ فيهِ قُضبَ أَلسِنَةٍ / في مَعرَكٍ يَومُهُ المَشهورُ مَشهودُ
عَقَرتَ كُلَّ كَمِيٍّ في عَقيرَتِهِ / بِهِ وَأَزرُكَ بِالتَحقيقِ مَشدودُ
بِصارِمٍ لا يَرُدُّ الدِرعُ ضَربَتَهُ / وَلَو سَنى نَسجَهُ المَردودَ داوودُ
حَتّى إِذا نَكَصَ القَومُ الكَمِيُّ بِهِ / وَأَعوَزَت عِندَ دَعواهُ الأَسانيدُ
أَلقوا مَقاليدَهُم فيهِ إِلى بَطَلٍ / شَهمٍ إِلى مِثلِهِ تُلقى المَقاليدُ
يا مُفقِدي مَع وُجودي فَيضَ أَنعُمِهِ / هَمّي وَمَوجودُ وَجدي وَهوَ مَفقودُ
وَجاعِلَ الفَضلِ فيما بَينَنا نَسَباً / إِذ كانَ في نَسَبِ الآباءِ تَبعيدُ
قَد كانَ يُجدي التَناسي عَنكَ دَفعُ أَسىً / لَو أَنَّ مِثلَكَ في المِصرَينِ مَوجودُ
قَد أَخلَقَت ثوبَ صَبري فيكَ حادِثَةٌ / أَضحى بِها لِثِيابِ الحُزنِ تَجديدُ
بِرُغمِ أَنفِيَ أَن يَدعوكَ ذو أَمَلٍ / فَلا يَسُحُّ عِهادٌ مِنكَ مَعهودُ
وَأَن يُرى رَبعُكَ العافي وَليسَ بِهِ / مَرعىً خَصيبٌ وَظِلٌّ مِنكَ مَمدودُ
أَبكي إِذا ما خَلا أَوصافُ مَجدِكَ لي / فِكري وَأَطلُبُ صَبري وَهوَ مَطرودُ
وَأَلتَجي بِالتَسَلّي أَن سَتُخلِفُها / أَبناؤُكَ الغُرُّ أَو أَبناؤُكَ الصيدُ
فَسَوفَ تَرثيكَ مِنّي كُلُّ قافِيَةٍ / بِها لِذِكرِكَ بَينَ الناسِ تَخليدُ
وَأُسمِعُ الناسَ أَوصافاً عُرِفتَ بِها / حَتّى كَأَنَّكَ في الأَحياءِ مَعدودُ
فَلا عَدا الغَيثُ تُرباً أَنتَ ساكِنُهُ / مَع عِلمِنا أَنَّ فيهِ الغَيثَ مَلحودُ
وَدامَ وَالظِلُّ مَمدودٌ بِساحَتِهِ / وَالسِدرُ وَالطَلعُ مَحصورٌ وَمَنضودُ
كانَ الزَمانُ بِلُقياكُم يُمَنّينا
كانَ الزَمانُ بِلُقياكُم يُمَنّينا / وَحادِثُ الدَهرِ بِالتَفريقِ يَثنينا
فَعِندَما صَدَقَت فيكُم أَمانينا / أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا /
خِلنا الزَمانِ بِلُقياكُم يُسامِحُنا / لِكَي تُزانَ بِذِكراكُم مَدائِحُنا
فَعِندَما سَمَحَت فيكُم قَرائِحُنا / بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا /
لَم يُرضِنا أَن دَعا بِالبَينِ طائِرُنا / شَقُّ الجُيوبِ وَما شُقَّت مَرائِرُنا
يا غائِبينَ وَمَأواهُم سَرائِرُنا / تَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
يَقضي عَلينا الأَسى لَولا تَأَسّينا /
حَمَدتُ أَيّامَ أُنسٍ لي بِكُم سَعِدَت / وَأَسعَدَت إِذ وَفَت فيكُم بِما وَعَدَت
فَاليَومَ إِذ غِبتُمُ وَالدارُ قَد بَعُدَت / حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت
سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا /
فُزنا بِنَيلِ الأَماني مِن تَشَرُّفِنا / بِقُربِكُم إِذ بُرينا مِن تَكَلُّفِنا
حَتّى كَأَنَّ اللَيالي في تَصَرُّفِنا / إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
وَمَورِدُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا /
كَم قَد وَرَدنا مِياهُ العِزِّ صافِيَةً / وَكَم عَلَلنا بِها الأَرواحَ ثانِيَةً
إِذ عَينُها لَم تَكُن بِالمَنِّ آنِيَةً / وَإِذ هَصَرنا غُصونَ الأُنسِ دانِيَةً
قُطوفُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا /
يا سادَةً كانَ مَغناهُم لَنا حَرَما / وَكانَ رَبعُ حَماةٍ لِلنَزيلِ حِمى
كَم قَد سَقَيتُم مِياهَ الجودِ رَبُّ ظَما / لِيَسقِ عَهدَكُمُ عَهدُ الغَمامِ فَما
كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا /
هَل يَعلَمُ المُسكِرونا مِن سَماحِهِمُ / بِرَشفِ راحِ النَدى مِن كاسِ راحِهِمُ
أَنّا لَبِسنا الضَنا بَعدَ اِلتِماحِهِمُ / مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
ثَوباً مِنَ الحُزنِ لا يَبلى وَيُبلينا /
إِذا ذَكَرنا زَماناً كانَ يُدرِكُنا / بِالقُربِ مِنكُم وَفي اللَذّاتِ يُشرِكُنا
لا نَملِكُ الدَمعَ وَالأَحزانُ تَملِكُنا / إِنَّ الزَمانَ الَّذي قَد كانَ يُضحِكُنا
آناً بِقُربِكُمُ قَد صارَ يُبكينا /
نَعى المُؤَيَّدَ قَومٌ لَو دَرَوا وَوَعوا / أَيَّ المُلوكِ إِلى أَيَّ الكِرامِ نَعوا
أَظُنُّهُ إِذ سَقانا الوُدَّ حينَ سَعوا / غَيظَ العِدى مِن تَساقينا الهَوى فَدَعوا
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا /
لَمّا رَأوا ما قَضينا مِن مَجالِسِنا / وَسِبطَ أُنسٍ رَأَينا مِن مَجالِسِنا
دَعَوا لِنُفجَعَ في الدُنيا بِأَنفُسِنا / فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
وَاَنبَتَّ ما كانَ مَوصُلاً بِأَيدينا /
أَينَ الَّذينَ عَهِدنا الجودَ يوثِقُنا / في رَبعِهِم وَلَهُم بِالشُكرِ يُنطِقُنا
وَكانَ فيهِم بِهِم مِنهُم تَأَنُّقُنا / وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا /
يا غائِبينَ وَلا تَخلو خَواطِرُنا / مِن شَخصِهِم وَإِنِ اِشتاقَت نَواظِرُنا
وَاللَهِ لا يَنقَضي فيكُم تَفَكُّرُنا / لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
إِن طالَ ما غَيَّرَ النائي المُحِبّينا /
إِنّا وَإِن زادَنا تَفريقُنا غُلَلاً / إِلى اللِقا وَكَسانا بَعدَكُم عِلَلاً
لَم نَدعُ غَيرَكُمُ سُؤلاً وَلا أَمَلاً / وَاللَهِ ما طَلَبَت أَرواحُنا بَدَلاً
مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا /
إِذا ذَكَرتُ حِمى العاصي وَمَلعَبِهِ / وَالقَصرَ وَالقُبَّةَ العُليا بِمَرقَبِهِ
أَقولُ وَالبَرقُ سارٍ في تَلَهُّبِهِ / يا سارِيَ البَرقِ غادي القَصرَ فَاِسقِ بِهِ
مَن كانَ صَرفَ الهَوى وَالوُدَّ يَسقينا /
يا غادِيَ المُزنِ إِن وافَيتَ حِلَّتَنا / عَلى حَماةَ فَجُد فيها مَحَلَّتَنا
وَاِقرَ السَلامَ بِها عَنّا أَحِبَّتَنا / وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا
مَن لَو عَلى البُعدِ مُتنا كانَ يُحيينا /
سُلطانُ عَصرٍ إِلَهُ العَرشِ بَوَّأَهُ / مِنَ المَعالي وَلِلخَيراتِ هَيَّأَهُ
بَراهُ زَيناً وَمِمّا شانَ بَرَّأَهُ / رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ
مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طَينا /
نَحنُ الفِداءُ لِمَن أَبقى لَنا خَلَفاً / مِن ذِكرِهِ وَإِنِ اِزدَدنا بِهِ أَسَفاً
وَإِن نَكُن دونَ أَن يُفدى بِنا أُنُفاً / ما ضَرَّ إِن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً
وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا /
يا مَن يَرى مَغنَمَ الأَموالِ مَغرَمَةً / إِن لَم يُفِد طالِبي جَدواهُ مَكرُمَةً
إِنّا وَإِن حُزتَ أَلقاباً مَكَرَّمَةً / لَسنا نُسَمّيكَ إِجلالاً وَتَكرِمَةً
وَقَدرُكَ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا /
كَم قَد وُصِفتَ بِأَوصافٍ مُشَرِّفَةٍ / في خَطِّ ذي قَلَمٍ أَو نُطقِ ذي شَفَةٍ
فَقَد عَرَفناكَ مِنها أَيَّ مَعرِفَةٍ / إِذا اِنفَرَدتَ وَما شورِكتَ في صِفَةٍ
فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاً وَتَبيينا /
خَلَّفتَ بَعدَكَ لِلدُنيا وَآمِلِها / نُجلاً يُسَرُّ البَرايا في تَأَمُّلِها
فَلَم تَقُل عَنكَ نَفسٌ في تَمَلمُلِها / ياجَنَّةَ الخُلدِ أَبدِلنا بِسِلسَلِها
وَالكَوثَرِ العَذبِ زُقوماً وَغِسلينا /
كَم خَلوَةٍ هَزَّنا لِلبَحثِ باعِثُنا / فَلَيسَ يُؤنِسُنا إِلّا مَباحِثُنا
فَاليَومَ أُخرِسَ بِالتَفريقِ نافِثُنا / كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا
وَالدَهرُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا /
وَلَيلَةٍ قَد حَلا فيها تَنادُمُنا / وَالعِزُّ يَكنِفُنا وَالسَعدُ يَقدُمُنا
وَنَحنُ في خَلوَةٍ وَالدَهرُ يَخدُمُنا / سِرّينَ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا
حَتّى يَكادُ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا /
لِلَّهِ كَم قَد قَضَينا مِنكُمُ وَطَراً / قَد كانَ عَيناً فَأَمسى بِعدَكُم خَبَراً
لا تَعجَبوا إِن جَعَلنا ذِكرَكُم سَمَراً / إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَرا
مَتلُوَّةً وَاِتَّخَذنا الصَبرَ تَلقينا /
كَم مِن حَبيبٍ عَدَلنا مَع تَرَحُّلِهِ / إِلى سِواهُ فَأَغنى عَن تَأَمُّلِهِ
وَصَعبِ وِردٍ عَدَلناهُ بِأَسهَلِهِ / أَمّا هَواكَ فَلَم يُعدَل بِمَنهَلِهِ
شُرباً وَإِن كانَ يَروينا فَيُظمينا /
تَشكو إِلى اللَهِ نَفسٌ بَعضَ ما لَقِيَت / غِبَّ النَعيمِ الَّذي مِن بَعدِهِ شَقِيَت
فَيا سَحاباً بِهِ كُلُّ الوَرى سُقِيَت / عَليكَ مِنّي سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت
صَبابَةٌ مِنكَ تُخفيها وَتُخفينا /
بَكَيتُ دَماً لَو كانَ سَكبُ الدِما يُغني
بَكَيتُ دَماً لَو كانَ سَكبُ الدِما يُغني / وَضاعَفتُ حُزني لَو شَفى كَمَداً حُزني
وَأَعرَضتُ عَن طيبِ الهَناءِ لِأَنَّني / نَقِمتُ الرِضى حَتّى عَلى ضاحِكِ المُزنِ
أَرى العَيشَ في الدُنيا كَأَحلامِ نائِمٍ / فَلَذّاتُها تَفنى وَأَحداثُها تُفني
فَمِن حادِثٍ جَمٍّ صَفَقتُ لَهُ يَدي / وَمِن فادِحٍ صَعبٍ قَرَعتُ لَهُ سِنّي
أَفي السِتِّ وَالعِشرِينَ أَفقُدُ سِتَّةً / جِبالاً غَدَت مِن عاصِفِ المَوتِ كَالعِهنِ
فَقَدتُ اِبنَ عَمّي وَاِبنِ عَمّي وَصاحِبي / وَأَكبَرَ غِلماني بِها وَأَخي وَاِبني
مَتى تُخلِفُ الأَيّامُ كَاِبنِ مُحَمَّدٍ / وَنَجلِ سَرايا بَعدَهُ وَفَتى الرُكنِ
رِجالاً لَوَ اَنَّ الشامِخاتِ تَساقَطَت / عَلَيهِم لَكانَ القَلبُ مِن ذاكَ في أَمنِ
فُجِعتُ بِنَدبٍ كانَ يَملَأُ ناظِري / فَأَصبَحَ ناعي نَدبِهِ مالِئاً أُذني
عَفيفُ نَواحي الصَدرِ مِن طَيِّ ريبَةٍ / سَليمُ ضَميرِ القَلبِ مِن دَنَسِ الضَغنِ
قَريبٌ إِلى المَعروفِ وَالخَيرِ وَالتُقى / بَعيدٌ عَنِ الفَحشاءِ وَالإِفكِ وَالأَفنِ
جَبانٌ عَنِ الفَحشا شَحيحٌ بِعِرضِهِ / إِذا عَيبَ بَعضُ الناسِ بِالشُحِّ وَالجُبنِ
وَمَن أَتعَبَ اللُوّامَ في بَذلِ بِرِّهِ / فَلائِمُهُ يَثني وَآمِلُهُ يُثني
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ وَالنَفسِ وَالخُطى / عَفيفَ مَناطِ الذَيلِ وَالجَيبِ وَالرَدنِ
وَلَم يَبقَ مِن تَذكارِهِ غَيرُ زَفرَةٍ / تُفَرِّقُ بَينَ النَومِ في اللَيلِ وَالجَفنِ
وَلَو سَلَبَتهُ الحَربُ مِنّي لَشاهَدَت / كَما شاهَدَت في ثارِ أَخوالِهِ مِنّي
وَأَبكَيتُ أَجفانَ الصَوارِمِ وَالقَنا / نَجيعاً غَداةَ الكَرِّ في الضَربِ وَالطَعنِ
فَيا اِبنَ أَبي وَالأُمِّ قَد كُنتَ لي أَباً / حُنوّاً وَلَكِن في الإِطاعَةِ لي كَاِبني
لِيَهنِكَ إِنَّ الدَمعَ بَعدَكَ مُطلَقٌ / لَفَرطِ الأَسى وَالقَلبَ بِالهَمِّ في سِجنِ
جَعَلتُ جِبالَ الصَبرِ بِالحُزنِ صَفصَفاً / وَصَيَّرتُ أَطوادَ التَجَلُّدِ كَالعِهنِ
وَحاوَلتُ نَظمَ الشِعرِ فيكَ مَراثِياً / فَأُرتِجَ هَتّى كِدتُ أُخطىءُ في الوَزنِ
بَنَيتُ عَلى أَن أَتَّقِ بِكَ شِدَّتي / وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ يَنقَضُ ما أَبني
وَبُلَّغتُ ما أَمَّلتُ فيكَ سِوى البَقا / وَما رُمتُهُ إِلّا الوُقوفَ عَلى الدَفنِ
سَبَقتَ إِلى الزُلفى وَما مِن مَزيَّةٍ / مِنَ المَجدِ حَتّى كِدتَ عَنهِ لَنا تُغني
خَلَفتَ أَباكَ النَدبَ في كُلِّ خِلَّةٍ / مِنَ المَجدِ حَتّى كِدتَ عَنهُ لَنا تُغني
سَرايا خِصالٍ مِن سَرايا وَرِثتَها / عَلى أَنَّ هَذا الوَردَ مِن ذَلِكَ الغُصنِ
جَزاكَ الَّذي يَمَّمتَ سَعياً لِبَيتِهِ / وَلَبَّيتَ فيهِ مُحرِماً جَنَّتَي عَدنِ
وَوَفّاكَ مَن لَم تَنسَ في الدَهرِ ذِكرَه / شَفاعَتَهُ وَالناسُ في الحَشرِ كَاللُكنِ
فَقَد كُنتَ تُحيي اللَيلَ بِالذِكرِ ضارِعاً / إِلى اللَهِ حَتّى صِرتَ بِالنُسكِ كَالشَنِّ
فَيُؤنِسُني تَرتيبُ نَفلِكَ في الضُحى / وَيُطرِبُني تَرتيلُ وِردِكَ في الوَهنِ
أَمِنتُ صُروفَ الدَهرِ بَعدَكَ وَالأَذى / فَمَن ذا رَأى مِن صارَ بِالخوفِ في أَمنٍ
سَأَبكيكَ بِالعِزِّ الَّذي كُنتَ مُلبِسي / لَديكَ وَثِقلٍ كُنتَ تَحمِلُهُ عَنّي
وَأَعلَمُ أَنَّ الحُزنَ وَالمَوتَ واحِدٌ / عَلَيَّ فَذا يُضني القُلوبَ وَذا يُفني
فَإِن كانَ عُمرُ البَينِ قَد طالَ بَينَنا / كَما طالَ في آناءِ مُدَّتِهِ حُزني
فَحُبُّكَ في قَلبي وَذِكرُكَ في فَمي / وَشَخصُكَ في عَيني وَلَفظُكَ في أُذني
لا عَبدَ يُغني عَنهُ وَلا وَلَدُ
لا عَبدَ يُغني عَنهُ وَلا وَلَدُ / ما كُلُّ عَبدٍ عَلَيهِ يُعتَمَدُ
وَلا سَليلٌ يَسُرُّهُ تَلفي / كَناضِحٍ في رِضايَ يَجتَهِدُ
ذا يَتَمَنّى فَقدي لِكَي يَجدَ ال / مالَ وَهَذا لِحُزنِهِ يَجِدُ
رَبيبُ بَيتي بَل رَبُّ نِعمَتِهِ / وَمَن بِهِ في الأُمورِ أَعتَضِدُ
يَسعى لِنَفعي بِالطَبعِ مِنهُ وَلا / يَقصُرُ في فِعلِهِ وَيَضطَهِدُ
قَد يَقطَعُ الصارِمُ المُهَنَّدُ بِال / طَبعِ وَيَمضي بِرُغمِهِ الوَتَدُ
وَهوَ القَويُّ الأَمينُ إِن عَرَضَت / لي أَزمَةٌ كانَ مِنهُ لي مَدَدُ
مَنظَرُهُ صالِحٌ وَمَخبَرُهُ / فَالبَدرُ في بُردَتَيهِ وَالأَسَدُ
كانَ لِساناً لي ناطِقاً وَيَداً / طُولى وَظَهراً إِلَيهِ أَستَنِدُ
لَم تَكُ لي دارُ مَيَّةٍ غَرَضاً / إِذ لِيَ مِنهُ العَلياءُ وَالسَنَدُ
كَفَلتُهُ يافِعاً فَكُنتُ لَهُ / كَالوالِدِ البِرِّ وَهوَ لي وَلَدُ
مُعتَقِداً فيهِ ما تَحَقَّقَ لي / مِن وُدِّهِ وَهوَ فِيَّ مُعتَقِدُ
فَقَدتُهُ فَاِرتَضَيتُ هِمَّتَهُ / وَالناسُ مِثلُ النُضارِ تُنتَقَدُ
وَظَلتُ أَغذوهُ بِالعُلومِ وَما / يَزينُهُ وَهوَ فيهِ مُجتَهِدُ
فَجاءَ مُستَعذَبَ الخَلائِقِ وَال / لَفظِ وَمِصباحُ فَهمِهِ يَقِدُ
مُهَذَّبُ اللَفظِ ما بِمَنطِقِهِ / زَيغٌ وَلا في خِلالِهِ أَوَدُ
يُعرِبُ أَلفاظَهُ فَيَنفُثُ في / سِحرِ المَعاني وَما بِها عُقدُ
إِن خَطَّ طَرساً فَالدُرَّ مُنتَظِمٌ / أَو قالَ لَفظاً فَجَوهَرٌ بَدَدُ
لِلَّهِ قَلبٌ رَثَّت عَلائِقُهُ / بِهِ وَأَثوابُ حُزنِهِ جُدَدُ
قَطَعتُ مِن غَيرِهِ الرَجاءَ فَما / وَجَدتُ مِثلاً لَهُ وَلا أَجِدُ
أَصَفيحُ ماءٍ أَديمُ أَم سَماءِ
أَصَفيحُ ماءٍ أَديمُ أَم سَماءِ / فيهِ تَغورُ كَواكِبُ الجَوزاءِ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَ مَوتِكَ موقِناً / أَنَّ البُدورَ غُروبُها في الماءِ
وَلَقَد عَجِبتُ وَقَد هَوَيتَ بِلُجَّةٍ / فَجَرى عَلى رُسلٍ بِغَيرِ حَياءِ
لَو لَم يُشَقُّ لَكَ العُبابُ وَطالَما / أَشبَهتَ مَوسى بِاليَدِ البَيضاءِ
أَنِفَ العَلاءُ عَليكَ مِن لَمسِ الثَرى / وَحُلولِ باطِنِ حُفرَةٍ ظَلماءِ
وَأَجَلَّ جِسمَكَ أَن يُغَيِّرَ لُطفَه / عَفَنُ الثَرى وَتَكاثُفُ الأَرجاءِ
فَأَحَلَّهُ جَدَثاً طَهوراً مُشبِهاً / أَخلاقَهُ في رِقَّةٍ وَصَفاءِ
ما ذاكَ بِدَعاً أَن يَضُمَّ صَفاؤُهُ / نوراً يُضَنُّ بِهِ عَلى الغَبراءِ
فَالبَحرُ أَولى في القِياسِ مِنَ الثَرى / بِجِوارِ تِلكَ الدُرَّةِ الغَرّاءِ
يا مالِكي إِنّي عَلَيكَ مُتَيَّمٌ / يا صَخرُ إِنّي فيكَ كَالخَنساءِ
وَلَقَد أَلوذُ بِكَنزِ صَبري طالِباً / حُسنَ العَزاءِ وَلاتَ حَينَ عَزاءِ
وَأَعافُ شُربَ الماءِ يَطفَحُ لُجُّهُ / فَأَصُدُّ عَنهُ وَأَنثَني بِظَماءِ
وَإِذا رَأَيتُ مَدامِعي مُبيَضَّةً / مِثلَ المِياهِ مَزَجتُها بِدِماءِ
لا يُطمِعِ العُذّالَ حُسنُ تَجَلُّدي / فَلِذاكَ خَوفَ شَماتَةِ الأَعداءِ
فَلَئِن خَفَضتُ لَهُم جَناحَ تَحَمُّلي / فَالقَلبُ مَنصوبٌ عَلى الإِغراءِ