القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 591
صَبرتُ ولولا أن يقولوا سَفاهةً
صَبرتُ ولولا أن يقولوا سَفاهةً / لآيستُ عذّالاً على الصّبر من صبري
وقالوا لَهَا عنها فقلتُ لأنّكم / جهلتمْ حَزازاتٍ لها سكنتْ صدري
يقلّبنَ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ / على جمراتٍ ليتهنّ من الجمرِ
بنفسِيَ مَن لا وصلَ مِن بعد هجرهِ / وَلا أَوْبَةٌ منه ترجَّى مع السَّفرِ
ومن لا سبيلٌ لِي إلى أنْ أزورَه / بِطرفي وإِنْ لَم يُخلِهِ اللَّهُ من ذكري
فَإِنْ لَم تَكُن أَفنت جميعي فلم تَرِمْ / مُودّعةً إلّا وَقد سكبتْ شطري
وولّتْ بعمري إذ تولّتْ بطيبه / فها أنا ذا حيٌّ أعيش بلا عمرِ
سألتُك ربّةَ الوجه النّضيرِ
سألتُك ربّةَ الوجه النّضيرِ / وذاتَ الدَّلِّ والطَّرْفِ السَّحورِ
صِلِي دَنِفاً ببذلِكُمُ مُعنّىً / وَيُقنِعهُ القَليلُ منَ الكثيرِ
أَيحسُنُ صدُّكمْ وبكمْ حياتي / وأنْ أظما وعندكُمُ غديري
وَإِنّي أَستطيل إِذا هَجرتمْ / وسادي مدّةً اللّيلِ القصيرِ
وجأشُكمُ كما تهوون منِّي / وجأشي منكُم قلقُ الضّميرِ
إذا لَم أَستَجِرْ بكُمُ فمن ذا / يَكون عَلى صَبابتكمْ مُجيري
أمِنكِ سرى طيفٌ وقد كان لا يسري
أمِنكِ سرى طيفٌ وقد كان لا يسري / ونحن جميعاً هاجعون على الغَمْرِ
تعجّبتُ منه كيف أمَّ رِكابنا / وأرحُلَنا بين الرِّحال وما يدري
وَكيف اِهتدى والقاعُ بيني وبينه / ولمَّاعةُ القُطرين منَّاعةُ القَطْرِ
وأفضى إلى شُعثِ الحقائب عرّسوا / على منزلٍ وَعْرٍ ودَوِّيّةٍ قَفْرِ
وقومٍ لَقُوا أعضاد كلِّ طَليحةٍ / بهامٍ مَلاهنَّ النُّعاس من السُّكْرِ
سَرَوْا وسِماكُ الرُّمح فوق رؤوسِهمْ / فَما هَوّموا إلّا عَلى وَقعة النّسرِ
وَباتَ ضَجيعاً لي ونحن منَ الكرى / كأنّا تُروّينا العتيقُ من الخمرِ
أضمّ عليه ساعديَّ إلى الحشا / وأُفرشُهُ ما بين سَحْرِي إلى نحري
تمنّيتُهُ والليلُ سارٍ بشخصِهِ / إِلى مَضجعي حتّى اِلتَقينا على قَدْرِ
وَبيضٍ لَواهنَّ المشيبُ عنِ الهوى / فأَنْزَرن مِن وصْلي وَأَوسعنَ مِن هَجري
وَأَلْزَمنَني ذنبَ المَشيب كَأنّني / جَنَتْهُ يدايَ عانداً لا يدُ الدَّهرِ
أَمِن شَعراتٍ حُلنَ بيضاً بمَفْرقي / ظَننتنَّ ضَعْفي أو أَيِسْتُنَّ من عمري
مَحاكنَّ ربّي إنّما الشّيبُ قسمةٌ / لما فات من شرخِ الشّبيبة من أمري
سَقى اللّهُ أَيَّامَ الشّبيبةِ رَيِّعاً / ورَعْياً لعصرٍ بان عنِّيَ من عصرِ
لياليَ لا تَعدو جماليَ مُنيتي / ولا تَرْدُدُ الحسناءُ نهيي ولا أمري
وليلُ شبابي غاربُ النَّجم فاحمٌ / ترى العينَ تسري فيه دهراً بلا فجرِ
وإذ أنا في حُبّ القلوب محكَّمٌ / وأفئدة البيض الكواعب في أسري
ألا يا بني فِهْرٍ شَكيَّةَ مُثقَلٍ / من الغيظ ملآنِ الضّلوع من الوِتْرِ
تسقّونه في كلّ يومٍ وليلةٍ / بلا ظمأٍ كأس العداوة والغدرِ
وَأَغضبكم ما طوّل اللّهُ في يدي / وأعلاه من مجدي وأسناه من فخري
وَإنّيَ مِمَّنْ لا تُحَطُّ رِكابهُ / على البلد النابِي المُجَلَّهِ بالحسْرِ
وإنَّ لساني عازبٌ قد علمتُمُ / عن العُورِ أن أُجريهِ والمنطق الهُجْرِ
وكم ساءَكمْ نفعي ولم يك منكُمُ / وسرَّكُمُ ما قيَّض الدّهرُ من ضَرِّي
وأرضاكُمُ عسري وإن كان عُسركمْ / وأسخطكمْ يُسري وإن لم يكن يسري
وَقَد كُنتُ أَرجوكمْ لِجَبري فَها أَنا / أخافكُمُ طولَ الحياةِ على كسري
وَكانَ لَكم منّي جَميعي فَلَم يَزلْ / قبيحكُمُ حتَّى زوى عنكُمُ شطري
وَغرّكُمُ أنِّي غَمَرتُ عُقوقكمْ / وَأَخفيته عن أعين النَّاس بالبِرِّ
أُزَمِّلُهُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ / كما زَمَّلَ المقرورُ كشحَيْهِ في قُرِّ
وأكظِمُهُ كَظْمَ الغريبة داءَها / وَلَولا اِتّساعي ضاقَ عن كَظْمِه صدري
وكيف أُرامي من ورائي عدوَّكمْ / وفيكم ورائي مَن أخاف على ظهري
وأنَّى أرجِّيكمْ لبُرْءِ جُراحتي / وَما كانَ إلّا عَن سهامكُم عَقْرِي
وَإنّي لأَرضى منكُمُ إنْ رضِيتمُ / بأن تبخلوا بالحلو عنّي وبالمُرِّ
وَأَن لا تَكونوا لِلعَدوِّ مخالباً / إذا لم تكونوا يوم فَرْيي بكم ظُفْرِي
وَهَل فيكُمُ إلّا اِمرؤٌ شاع ذكرهُ / لما شاع ما بين الخلائق من ذكري
وَمن هو غُفْلٌ قبل وَسْمِي وعاطلُ ال / تَرائب لولا دُرُّ نَظْميَ أو نثري
وَشَنعاءَ جاءَت مِن لسانِ سَفيهكمْ / تَصاممتُها عمداً وما بِيَ من وَقْرِ
وَأَعرضتُ عَنها طاوِيَ الكَشح دونها / وَطيُّ اليماني البُرد أبقى على النَّشرِ
رَعى اللَّهُ قَوماً خلّفوني عليكُمُ / شددتُ بهمْ في كلّ مُعضلةٍ أزري
بَطيئينَ عَن سِلْمي فَإِن عَزم العدا / مُحارَبتي كانوا سِراعاً إلى نصري
وَلِي دونَهمْ حقّي وَفوقَ ظُهورهمْ / إذا عضّني المكروه ثِقْلِيَ أَو وِقْري
صحبتُهُمُ أستنجد الشّكر فيهمُ / وقد كنتُ في الأقوام مستنجداً صبري
هُمُ أخصبوا مرعايَ فيهمْ ومسرحي / وهمْ آمنوا ما بين أظهرهمْ وَكْري
وهم بَرَدوا في النّائبات جوانحي / وهمْ تركوا ذنبي غنيّاً عن العُذرِ
وَقَد كنتُ أَلقى فيهمُ كلَّ مُتْرَعٍ / مِنَ الحُسنِ مَعقولِ الأسرّةِ كالبدرِ
أَمين الخُطا لم يسرِ إلّا إِلى تُقىً / وَلا دَبّ يَوماً لِلأخلّاءِ بِالمَكرِ
تَراه مليّاً وَالعوالِي تنوشُه / بأنْ يولج المَجْرَ العظيمَ على المجْرِ
وَيُمسِي حَديثُ القَومِ عنهُ وَيغتدي / ذَكيّاً شَذاهُ بَينهمْ أرِجَ النَّشرِ
كَأنّهُمُ شنّتْ ثَناهُ شِفاههمْ / يشنّون في النّادي سحيقاً من العِطْرِ
مَضَوا بَدَداً عنّي وَحلّق بَعدهمْ / بما سرّني في العيش قادمتا نَسْرِ
فَلا أغمضُ العينين إلّا عَلى قذَىً / وَلا أَقلب الجَنبين إلّا عَلى جَمْرِ
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري / وفي ولائك إعلاني وإسراري
وأنت مِنْ بين مَن بتنا نسوّدُهُ / صِفْرٌ من العابِ عُريانٌ من العارِ
أَوْليتَ ما لم يكن أرجوه مبتدئاً / وحُزْتَ غايةَ تأميلي وإيثاري
وَكيفَ يَبلغ شكرِي مَن أَطالَ يَدي / مدّاً وَأَعلق بالعلياءِ أَظفاري
إِنّ الأجلَّ أَبا الخطّابِ أَسكَنَني / في عَرْصَةِ العزِّ داراً أيَّما دارِ
أَعلى بِحَضرَةِ مَلْكِ الأرضِ مَنزِلَتي / عَفواً وَرَفَّع في مَثواهُ مِقداري
وَقامَ لا حَصَرٌ منه ولا عَجَلٌ / يجلو على سمعه أبكارَ أشعاري
فالآن قِدْحِي المعلّى في مجالِسهِ / إذا ذُكِرتُ وزندي عنده الواري
فقُدْ جزاءً لِما أَوليتَ من مِنَنِي / زمامَ كلِّ شَرودِ الذّكر سيّارِ
ما كانَ قَبلك مِطواعاً إلى أحدٍ / وَلا لِغَيرك في الدّنيا بزوّارِ
فَخُذْ إليكَ مَقاليدي مُسلَّمَةً / فلَستُ أُرخصُ إلّا فيك أَشعاري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري / أو أنت في نَصَب الكآبة عاذري
هيهات ما رأف الصّحيحُ بمُبْتَلٍ / يوماً ولا وقف الحثيثُ لعاثرِ
يا قاتل اللَّهُ الغَواني في الهَوى / باعَدْنَنِي لمّا سكنّ ضمائري
ما زِلن بي حتّى اِلتفتّ إلى الصِّبا / مِن بعدِ إِعراض العَزوف النّافرِ
فَعَرفتُ حينَ صَبوتُ كيف مواردي / لَكِنَّني لم أَدرِ كَيفَ مَصادري
ما لِي وَلِلبيضِ الكَواعبِ هِجْنَ لِي / بِلوى الثّوِيّة ذُكرةً من ذاكرِ
شيّبنَنِي وَذَمَمن شَيبَ مَفارقي / خُذها إليكَ قضيّةً من جائرِ
لا مَرحباً بِالشّيب أَظلم باطني / لَمّا تجلّلنِي وأشرق ظاهري
شَعَرٌ أَبى لِي في الحسان إصاخةً / يوم العتاب إلى قبول معاذري
مثلُ الشَّجاةِ مُلِظَّةً في مَبْلَعٍ / أو كالقَذاة مقيمةً في النّاظرِ
لا ذنبَ لي قبل المشيب وإنّني / لمؤاخذٌ من بعده بجرائرِ
يا سائق الأظعانِ يومَ سُوَيقَةٍ / رفقاً بقلبٍ في الظّعائن سائرِ
جسدٌ أقام على اللّوى ففؤادُهُ / بعد التفرّق في مخالب طائرِ
ما كان ضرّك لو وقفتَ على الأُلى / في الحبّ بين مجاهرٍ ومساترِ
وَمتيّمٍ جَحد الهَوى فَوَشى بهِ / يومَ الوداع لسانُ دمعٍ قاطرِ
وعلى الرّكائب يومَ وَجْرَةَ غائبٌ / لا نفعَ لي من بعده بالحاضرِ
أشهى إليَّ من المنى غِبَّ المُنى / وأعزّ من سمعي عليَّ وناظري
عاصي الوشاة وَزارَني متستِّراً / باللّيل بعد هجوع طرف السّاهرِ
عَجلانَ يَستلبُ الحَديثَ كأنّه / جانٍ يخالس غفلةً من ثائرِ
يا راكباً ظهر المطيّةِ مُوجِفاً / في الصّبحِ بين هواجرٍ وظهائرِ
أبلغْ بني خَلَفٍ بأنّ مودّتي / أُنُفٌ لهمْ وذرائعي وأواصري
أَنتُمْ وَإن لم تُدننا رَحِمٌ بما / أَخلَصتُموه أَقاربي وَمَعاشري
وَأَصاحبي دونَ الرّجالِ إِذا اِلتَوى / خطبٌ يُبرّئُ غائباً من حاضرِ
لا تَحسبوا منّي التغيّرَ بعدكمْ / فأوائلي في حبّكمْ كأواخري
هَل تَذكُرونَ فَإنّني لم أنسَه / ذاك التّداني في الزّمان العابرِ
إذ نحن في أرض التّصابي جيرةٌ / في ظلّ أيامٍ هناك نضائرِ
كم فيكُمُ من طالعٍ شَرَفَ العُلا / أو قامعٍ شَرَفَ العدا أو قاهرِ
ومُرَفّعون تخالهمْ لجميلهمْ / بين الرّجال على ظهور منابرِ
طالوا إلى نيل العُلا وثيابهمْ / تُلوى بمثل متالعِ وقَراقِرِ
يا أيّها الأستاذ طُلتَ تفضّلاً / قولاً فخذ عنه جواب الشاكرِ
قولاً كما رقّ النسيم على ثرىً / عَطرِ النبات عقيب غيثٍ ماطرِ
وافى كما طرق الرّقادُ تعلّقَتْ / بعد الكلال به جفون السّاهرِ
ما خِلتُهُ إلّا عَطيّةَ مانعٍ / نَقَعَ الجوانحَ أو زيارةَ هاجِرِ
وكأنّه بعد المشيب مبشّرِي / بإيابِ آونةِ الشّبابِ الناضِرِ
وظللتَ تنعتُ لي جميلَ مآثرٍ / لولا ثناؤك لم يكنّ مآثري
فمدائحي مشفوعةٌ بمدائحي / ومفاخري مجموعة بمفاخري
لا ترهبَنْ منّي الملالَةَ في الهوى / وَاِرهَبْ مَلالَةَ من لقيتَ وحاذرِ
وَاِعلَمْ بأنّي لا أحول عن الّذي / لكَ في الجوانح من محلٍّ عامرِ
وَبَلوتُ بعدك للرّجال خلائقاً / عُوجاً تُبرِّح بالبصير الخابرِ
لا مرتَعٌ فيها ولا مستمتَعٌ / كسراب قاعٍ أو زجاجة كاسرِ
يَتكالَبونَ عَلى القَبائح بَينهمْ / كَلَبَ الذّئابِ رأين عَقْرَ العاقِرِ
لَم يَبتنوا شَرَقاً ولا بَحثوا على / كَسبِ المَحامِد منهمُ بأظافرِ
وَكأنّ جارَهُمُ مقيمٌ بينهمْ / في منزلٍ قَفْرٍ ورسمٍ داثرِ
فَدعِ التشكّي للفراقِ فَقَد مَضى / وَخذِ الوِصال مجاهراً لمجاهرِ
إِنّي أَغارُ عَلى زَمانٍ بيننا / يمضي بغير تجاورٍ وتحاورِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ / وأحقَّ مُولٍ في الزّمان لشاكرِ
وأشقَّ من وطأ الكواكب مُرتقىً / وأعزَّ من ليث العرينِ الخادرِ
قد جاءني التّشريفُ منك كأنّه / قِطعُ الرّياض عقيبَ غيثٍ ماطرِ
وكأنّه بُرْدُ الشّبابِ نضارةً / أو بِشْرُ آونةِ الرّبيع الزّاهرِ
أثوابُ عزٍّ لم يكنّ للابسٍ / إلّا رِياشَ مفاخرٍ ومآثرِ
يُجرَرْنَ فوق ذُرا المجرّةِ عزّةً / ويُطَرْنَ فوق النَّسْرِ ذاك الطّائرِ
وَلَقد سننتَ شَريعةً لِلجودِ في / غير الهديّةِ أنّه للحاضرِ
لَم تَرض ما شَرع الكِرامُ وكم لنا / من ناقصٍ عن غايةٍ أو قاصرِ
حتّى جعلتَ لحاضرٍ أو ناظرٍ / كلَّ الّذي رَمَقَتْه عينُ النّاظرِ
شاطَرتَنِي تلك النّفائسَ قاسماً / بيني وبينك كلَّ عِلْقِ فاخرِ
فَكأنّنا مُتساهمان بضاعةً / حُطّتْ إلينا من ظهور أباعرِ
أرسلتَها مثلاً شروداً في النّدى / يسري بها لك كلُّ بيتٍ سائرِ
جاءَتْ كَما اِقتَرح التكرّمُ ما مشى / فيها اللّسان ولا سَرَتْ في خاطرِ
هَيهات مِنكَ الأوّلون وإنْ هُمُ / صاروا من المعروف خيرَ مصايرِ
سبقوا وجُزتَ مداهُمُ متمهّلاً / سَبْقَ الكريمة للهجين العاثرِ
فمتى أضفناهمْ إليك فإنّما / قسنا الثّماد إلى الخِضَمّ الزَّاخرِ
فَاِفخَرْ وتِهْ فخرَ الملوك على الورى / وعلى الطّوالع في المحيط الدَّائرِ
فلقد فَضَلْتَ جميعهمْ بفضائلٍ / وفواضلٍ ومكارمٍ ومكائرِ
ومحاسنٍ نَظَمَ الزّمانُ لمَفرقَي / ملكِ الملوك بها سُموطَ جواهرِ
وَاِسلَمْ وَإِن لفّتْ صروفُ زَمانِنا / هذا الأنامَ معاشراً بمعاشرِ
في ظلِّ مَلْكٍ ضلَّ عن أيدي الرّدى / وَاِزورَّ عَن سَنَنِ الحمامِ الزَّائرِ
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري / والمرءُ من كلّ شيءٍ حازه عارِ
يزهى بجارٍ ودارٍ وهي آهلةٌ / حتّى يصير بلا جارٍ ولا دارِ
وسيق سوقاً عنيفاً غير مُتّئِدٍ / إلى الّتي نَبَشَتْها كفُّ حَفّارِ
في قَعرِ شاحطةِ الأعماقِ حالكةٍ / سُدَّتْ مطالعُها منها بأحجارِ
هَوى إِلَيها بلا زادٍ سوى أَرَجٍ / مِن مَنْدَلٍ عَبِقٍ أَو سُحْقِ أطمارِ
ذاقَ الرّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ به / وناعمٌ بين جنّاتٍ وأنهارِ
لم يُغنِ عنه وقد همّ الحمامُ به / أن بات من دون أردامٍ وأستارِ
أمّا الزَّمان فغدّارٌ بصاحبهِ / وما الشّقاوةُ إلّا حبُّ غدَّارِ
فَبينما هوَ يعطيني ويُوسِعُ لي / حتّى يكون به فقري وإعساري
فَليسَ ينصفُني مَن عادَ يَظلمني / وليس ينفعني من كان ضرّاري
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ / ما كانَ إلّا بِه حِرمانُ أوطاري
نَدورُ في كلّ مَخشاةٍ ومَرْغَبَةٍ / مِن تَحتِ مُستعجل الوثباتِ دوّارِ
كَأنّنا تَتَرامانا نوائبُهُ / عَصْفٌ ترامى به سَوْراتُ تيَّارِ
ظِلٌّ وشيكٌ تلاشِيهِ وأفنِيَةٌ / موضوعةٌ نَصْبَ إخرابٍ وإفقارِ
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مُغمِضَةً / إغماضَ ليثٍ من الأرواح مُمتارِ
الدَّهرُ سالبُ ما أعطى ومانِعُهُ / فما الصّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ
نُقيمُ منهُ عَلى عَوجاءَ زائلةٍ / ومائلٍ مُزلقِ الأرجاء مُنهارِ
وَالمرءُ ما دام مأسوراً بشهوتِهِ / معذّبٌ بين إحلاءٍ وإمرارِ
طوراً جديباً وطوراً ذا بُلَهْنِيةٍ / فمن عذيريَ من تاراتِ أطواري
من عائدي من جوى همٍّ يؤرّقني / نفى رُقادي وجافى بين أشفاري
أرعى نجومَ الدّجى أنّى مسالكُها / ولا نديمَ سوى بثّي وأفكاري
لحادثٍ في أخٍ ما كنت أحذره / وأين من حادثاتِ الدهر إحذاري
لَمّا دَعا بِاِسمهِ النّاعي فَأَسمَعني / ضاقَتْ عليَّ هُموماً كلُّ أوطاري
وَلُذْتُ عنهُ بِإِنكاري منيّتَهُ / حتّى تحقّق شرّادٌ بإنكاري
فَالآنَ بَينَ ضُلوعي كلُّ لاذعةٍ / تُدمي وحشو جفوني كلُّ عُوَّارِ
رُزِئتُهُ حاملاً ثِقْلي ومضطلعاً / شُحّاً عليها من الأقوام أسراري
فَيا دُموعيَ كوني فيه واكِفةً / وَيا فؤادي اِحتَرقْ جرّاه بالنّارِ
عَرّجْ على الدّار مُغبرّاً جوانبُها / فَاِسأل بها عَجِلاً عن ساكِني الدّارِ
كانَتْ تَلألأُ كالمصباح وهي بما / جنى عليها الرّدى ظلماءُ كالقارِ
وقل لها أين ما كنّا نراهُ عَلى / مَرِّ النّدى بكِ من نقضٍ وإمرارِ
وَأَينَ أَوعيةُ الآدابِ فاهقةً / تَجري خِلالك جَرْيَ الجدول الجاري
وَأَين أبكارُ فضلٍ جِئن فيك وقد / جاء الرّجال بعُونٍ غيرِ أبكارِ
وَأَين طيبُ ليالٍ فيك ناعمةٍ / كأنّهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ
يا أَحمد بن عليٍّ والرّدى عرَضٌ / يزور بالرّغم منّا كلَّ زوّارِ
نأى يشقُّ مداهُ أن تُقرّبهُ / قلائصٌ طالما قرّبن أسفاري
علقتُ منك بحبلٍ غيرِ مُنتَكِثٍ / عند الحفاظِ وعُودٍ غيرِ خوّارِ
وَقَد بلوتُك في سُخْطٍ وَعند رضىً / وبين طيٍّ لأنباءٍ وإظهارِ
فَلم تُفِدْنيَ إلّا ما أضنُّ بهِ / وَلَم تَزدنيَ إلّا طيبَ أخبارِ
لا عارَ فيما شربتَ اليومَ غُصّتَهُ / من المنونِ وهل بالموتِ من عارِ
ولم يَنَلْكَ سوى ما نال كلّ فتىً / عالي المكان ولاقى كلّ جبّارِ
فلو وَقَتْكَ من الأقدار واقيةٌ / حماك كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ
إذا دَعَتْهُ من الهيجاء داعيةٌ / سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكب السّاري
ما كان ثاري بِناءٍ عَن مَنالِ يدي / لو كان في غير أثناء الرّدى ثاري
فَاِذهَبْ كما ذهبتْ سرّاءُ أفئدةٍ / أو أمنُ خائفةٍ أو نيلُ أوطارِ
عُريانَ من كلّ ما عِيبَ الرّجالُ به / صِفْرَ الحقيبةِ من شيءٍ من العارِ
ولا يزلْ خَضِل الهُدّابِ يقطره / على ترابك سحّاً ذاتُ إعصارِ
حتّى يُرى بين أجداثٍ يجاورها / رِيّانَ ملآنَ من زهرٍ ونُوّارِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ / فَلستَ تَأخذ إلّا مِن يَدِ القدرِ
وَما أَصابكَ وَالأقدارُ كافلةٌ / بأن يصيبك لا تَلْويه بالحذَرِ
وَقَد رَأيتُ الّذي تَذوي القلوبُ بهِ / لَو لَم يَكن ليَ قلبٌ صِيغ من حَجَرِ
فَكّرْ بِقَلبكَ فيما أَنت تُبصرُهُ / فَالأرضِ مَملوءةُ الأقطار بالعِبَرِ
وَلا تَبِتْ جَذِلاً بِالشّيء يتركُهُ / عليك خطبٌ جفا عمداً ولم يَذَرِ
ولا تقلْ فاتتِ الأخطارُ إنْ عَزَبَتْ / فَلَم يَفتْ خَطَرٌ إلّا إلى خَطَرِ
كَيفَ القرارُ لِمَن يُمسِي ويُصبح في / كُلّ الّذي هوَ آتيهِ على غَرَرِ
يَبيتُ إِمّا على شَوكِ القَتادِ له / جَنبٌ وإمّا على فَرْشٍ من الإبَرِ
أجِلْ لِحاظَكَ في الأقوامِ كلِّهمُ / فَلَستَ تُبصِرُ إلّا سَنْحةَ البَصَرِ
أَما ترى ما أراهُ من عيوبِهُمُ / وليس فيها لهمْ عذرٌ لمعتذِرِ
في كُلِّ يَومٍ تراني بين أظهرهمْ / أحتال في نفعِ من يحتال في ضرري
قالوا اِصطَبِرْ قلت قد جُرِّعتُ قبلكُمُ / من التصبّرِ كاساتٍ من الصَّبِرِ
وَما اِنتَفَعتُ وطولُ الهمّ يَصحبُنِي / عمرَ الحياة بما قد طال من عُمُري
وقد غرستُ غُروساً غيرَ مثمرةٍ / وعاد بالكدِّ من لم يَحظَ بالثَّمَرِ
مِن أَينَ لِي في جميع النّاس كلّهِمُ / حلوُ الشّمائل منهم طيّبُ الخَبَرِ
أَحلى لِقَلبِيَ مِن قَلبي وأعذبُ في / مَذاقِهِ لِيَ من سمعي ومن بَصرِي
وكلّما غَمَزَت كفّي جوانبَه / غمزتُ منه أنابيباً بلا خَوَرِ
أبثُّهُ عُجَرِي حتّى يكون لها / كفيلَها وأُقضِّي عنده بُجَرِي
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ / يومَ الوداع بطلعة البدرِ
ووشى إليك بوَشْكِ فُرقتِها / صوتُ الغراب وأنتَ لا تدري
فذُهِلتُ لولا نظرةٌ عرضتْ / وَوَجَمْتُ لولا دمعةٌ تجري
وكأنّنِي لمّا وطأتُ على / حرّ النّوى أمشي على جمرِ
ومخضّب الأطراف ماطَلَنِي / بوصالهِ عَصْراً إلى عَصْرِ
حَتّى أَزارتنِي محاسنُهُ / بعد الهدوّ سُلافَةَ الخمرِ
ما كان عندي أنّنِي أبداً / مُتَخمِّلٌ مَنّاً مِن السُّكرِ
وكأنّما لعفافِ خَلْوَتِنا / ذاك التّلاقي كان في الجهرِ
لا رِيبةٌ في كلّ ذاك ولا / قُرْبٌ ولا قُبَلٌ على ثَغْرِ
والقربُ من خاشٍ عواقبَهُ / مِثل النَّوى والوصل كالهجرِ
تراءَتْ لنا يومَ الأُبَيْرِقِ في الدّجى
تراءَتْ لنا يومَ الأُبَيْرِقِ في الدّجى / ونحن بلا بدرٍ فنابتْ عن البدرِ
وَأَغنَتْ بِريّاها وما إنْ تعطّرتْ / عن العِطْرِ حتّى ما تحنّ إلى العِطْرِ
وَقامَ مُحيّاها ضياءً وبهجةً / مَقامَ طلوعِ الفَجرِ أَو لؤلؤ البحرِ
وَحَكّمها فينا الهوى فَتلاعَبَتْ / بنا أريحيّاتُ الجوى وهْيَ لا تدري
أتاك الرّدى من حيث لا تحذر الرّدى
أتاك الرّدى من حيث لا تحذر الرّدى / وغافصني فيك الحِمامُ ولا أدري
فإنْ يَنْسَك الأقوامُ بعد تذكّرٍ / فإنِّيَ معمورُ الجوانح بالذكرِ
وَإِنْ كانَ عُمري ما اِنقَضى بَعد أنْ مضى / مَداك فقد نغّصتَ لِي باقِيَ العمرِ
فلا زال ما وُسّدتَ فيه من الثّرى / يعاوده ما شاء من سَبَلِ القَطْرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ / وحُرِمتَها من حيثُ لا تدري
وطلبتَ عذراً للزّمان فلمْ / تعرف له شيئاً من العذرِ
وفجعتَ في ظلماءَ داجيةٍ / بالنيّراتِ معاً وبالفجرِ
وَمَضى الّذي طَمس الحِمامُ به / وَضَحَ الصّباح وغُرّةَ البدرِ
وطوى الرَّدى رغماً لآنِفِنَا / كلَّ المحاسن منه في القبرِ
فَكَأنّنا مِن بعدِ مَصرعهِ / سَفْرٌ بلا زادٍ ولا ظهرِ
أَو مُرهَقون بكلِّ بائقةٍ / غُلبوا وقد جَهَدوا على الصَّبرِ
هِيمٌ يماطِلها الورودُ وقد / بَعُدَ المدى عشراً إلى عشرِ
من ذا لمرْغَبةٍ ومَرْهَبَةٍ / فينا ومن للنّهي والأمرِ
ومُرَوّعِ شرد الحِذارُ به / ملآن من خوفٍ ومن ذُعْرِ
ومكارمٍ تدعُ الزَّمان بلا / شيءٍ من الإملاقِ والفقرِ
والخيلُ تنزو في الأعنّةِ كال / سيدان في دَيْمومةٍ قَفْرِ
معروقةً بالشَّدِّ تحسبها ال / أشطانَ هاويةً إلى جَفْرِ
أُثنِي عَلَيكَ بِما صَنعتَ وكمْ / فاتَ الصّنيعُ مواقعَ الشّكرِ
وأكفُّ غَرْبَ الدمع مصطبراً / لو كان دمعٌ كُفَّ لا يجري
أَنتَ الّذي لَم تَرضَ في شرفٍ / إلّا بِغُرِّ عقائلِ الفخرِ
ومحوتَ محوَ الطِّرْسِ عن زمنٍ / أصبحتَ فيه مجاثمَ العُسرِ
وجعلتَ مُعدِمَه كواجده / ومُقِلّه بالفضل كالمثري
مِن مَعشرٍ لَم يَرتَضوا وَطَراً / في العزِّ إلّا قِمَّةَ النَّسْرِ
وَإِذا دَعوتهُمُ لنازلةٍ / حشدوا عليك بقُرَّحٍ ضُمْرِ
وَبِكلّ مُلتَهبِ العزيمة في ال / بأساء صبّارٍ على الضُّرِّ
لَم يَمتَطوا كَتَدَ المَعابِ ولا / عقدوا مآزهم على وِزْرِ
وإذا علا لهبُ الجمال بهمْ / وهبوا رُواءَ الحسن للبدرِ
يُعطون في الإعسار من كَرَمٍ / مِثلَ الّذي يُعطونَ في اليُسرِ
وهّابُ مَشْبَعةٍ لمسغَبةٍ / غازونَ ظلّامونَ للجُزْرِ
فَتَرى على حسّادِ نعمَتهمْ / يتلاحظون بأعينٍ شُزْرِ
يا صاحبيَّ على طَماعِيَةٍ / في العيش تُركبنا قَرا وَعْرِ
لا تَحسبا في الدّار عدْوَتَهُ / إنّ الرّدى أعدى من العُرِّ
هي عادةٌ للدّهر واحدةٌ / فَاِصبِرْ لمُرِّ عوائد الدّهرِ
بَقّى الّذي يبقى ويرجع في / كلّ الّذي أولى من البِرِّ
إنْ كان سرّ فقد أساء شجىً / أو كان راش فإِنّه يَبْرِي
سوّى الرَّدى بين المطاح على / طرق الرَّدى ومشيّد القصرِ
يا من يُقيل عِثارَ أرحُلِنا / كيفَ اِستَجبتَ لزلَّة العَثْرِ
ألّا دَفعتَ وَقَد دَفعت إلى / وِرْدِ المنون بمالك الأَثْرِ
وَبأذرعٍ تَهوي بمُصْلَتَةٍ / بيضٍ وطائشةِ الخُطا سُمْرِ
أَوَلستَ ولّاجاً على حَذرٍ / تكفيه خرّاجاً مِنَ القَهرِ
هَيهاتَ لَيسَ لِمن يُطيف بهِ / جيشُ المنيَّةِ عنه من فَرِّ
ما لي أراك بدار مَضْيعةٍ / تسري الرّفاقُ وأنت لا تسري
في هُوَّةٍ ظَلماءَ بين هُوىً / سُدَّتْ مطالعُهنَّ بالصَّخْرِ
وَكأنَّما سُقّيتَ مُنعَقِراً / لا تَستَفيق سلافةَ الخمرِ
زوَّدتنِي ومضيتَ مُبْتدِراً / حزّ المُدى ولواذعَ الجمرِ
وَتَركتَني والدّهرُ ذو دُوَلٍ / أعشى اللّحاظِ مقلَّمَ الظُّفْرِ
أَرمي فَلا أصمي فإنْ رُمِيَتْ / جهتي رُميتُ معرّضاً نحري
وأُصدُّ عن لُقيا العدوِّ وهل / ألقى العدوّ ولستَ في ظهري
وَإِذا مَضى مَن كانَ يَعضدني / ويشدّ يومَ كريهةٍ أزْري
ويردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / ويخوض كلَّ ردىً إلى نصري
فالحظُّ لِي أنْ لا أهيجَ وغىً / حتَّى أكون مسالماً دهري
كَيفَ اللّقاء وَأنتَ رَهْنُ بِلىً / لا يُرتجى إلّا معَ الحَشرِ
هَجرٌ وَلَكن لَيس يُشبِهُهُ / شيءٌ من الإعراضِ والهجرِ
وَقَطيعةٍ ما كُنتُ أَحذَرها / إلّا عَليك فلم يَفِدْ حِذْري
لا مُتعةٌ لي في الحَياةِ فَما / أَحياه بَعدكَ لَيسَ مِن عمري
إِن لَم يَكُن كُلّي علَيكَ قضى / لمَّا قضيتَ فقد قضى شطري
فَاِذهَبْ كَما ذَهبَ الغَمام فَقدْ / مَلأ المذانِبَ منه بالقَطْرِ
وَخَلوتَ مِن عَيني بغير رضاً / منّي ولمّا تخلُ من سرّي
ما زلتُ أَكتم منك شاجيةً / وبلابلاً صُمّاً عن الزّجرِ
وَأُجِلُّه عَن أَن أَبوح بهِ / في نَظمِ قافيةٍ من الشّعرِ
حَتّى اِنقَضى صَبري وَجاشَ كَما / جاش الهدير يهدّه صدري
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ / فكاشفُ العيب من همٍّ على خطرِ
ولا تكنْ بجميلٍ علَّلوك به / مستسلمَ القلب مشغولاً عن الحَذَرِ
فالسّوءُ يظهر من دانٍ ومُنْتَزِحٍ / والنّارُ تخرج من قَدْحٍ من الحجرِ
وَالمرتضى في إخاءٍ لستَ واجدَهُ / ومَنْ عداه فمثلُ الشّوك والشَّجَرِ
وكلّ مَن أنتَ لاقيه وآلفُهُ / مفرّقٌ فيه بين الخُبْرِ والخَبَرِ
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري / ثمّ اِنقَضيتَ وما قضّيتُ أوطاري
أَنّى يَزور عَلى الظّلماءِ مِنْ شَحَطٍ / مَنْ كانَ صُبْحاً وَقُرباً غيرَ زَوَّارِ
وَلَيسَ يَنفَعُ مَن يُضحِي بمَجْدَبَةٍ / أَنْ باتَ ما بَينَ جنّاتٍ وأنهارِ
قَد زارَني قَبلكَ الشّيبُ المُلِمُّ ضحىً / فما هَشِشْتُ له ما بين زوّاري
وكنتُ أعذرُ نفسي قبل زَوْرتِهِ / فَالآنَ ضاقَتْ عَلى اللّذّاتِ أعذارِي
لَوامِع لَم تكنْ للغيث جاذبةً / وأنجُمٌ لم تُنِرْ للمُدْلِجِ السَّاري
لا مرحباً ببياضٍ لم يكن وَضَحاً / لغُرّةِ الصُّبحِ أو لمعاً لنُوّارِ
أبَعْدَ أنْ سَمَقَتْ في العزِّ أبنيتِي / وجالتِ الأرضَ آثاري وأخباري
ونِلتُ ما ذِيدَ عنه كلُّ مُلتَمِسٍ / عفواً وطامَنْ عنه كلُّ جبّارِ
وداس بي أُفُقَ الجوزاء مُنتعلاً / ما شِيد من فضل أقداري وأخطاري
يَروم شَأوي وقد عزّ اللّحاقُ به / طمّاعةٌ مِن قَصيرِ الخطو عثّارِ
أَضَلَّهُ اللّؤمُ عن ذمِّي وجنّبهُ / خُمولُهُ وَقْعَ أنيابي وأظفاري
وَقَد عَجَمْتُم أنابيبي فلم تجدوا / فيهنّ إلّا صَليباً غيرَ خَوّارِ
وَما نَهَضتمْ بأعباءٍ نهضتُ بها / ولا أحطتمْ بأطرافي وأقطاري
وَلا ضرَبتمْ ونَقْعُ الحَربِ مُلتبِسٌ / في فَيلقٍ كَزُهاءِ اللّيل جرّارِ
لا يبعدِ اللَّهُ أقواماً مضوا سَلَفاً / كانوا على نَبَواتِ الدّهرِ أنصاري
شموسُ دَجني ومقْباسِي على غَسَقٍ / وفي الحَنادِسِ أنواري وأقماري
قومٌ إذا نزلوا داراً على عَجَلٍ / كانوا نزولاً مع النّعمى على الدّارِ
وإن أهَبْتُ بهمْ في يومِ معركةٍ / جاؤوا ولم يمطُلوا عنها بأعذارِ
لا يَرهبونَ سِوى إيلامِ لائمةٍ / وَلا يَخافونَ إلّا جانبَ العارِ
كَأنّهمْ وُلدوا في الحَربِ وَاِرتَضعوا / بسائلٍ من نجيع الطّعن موّارِ
لا يعرفُ المالَ إلّا حين يجعلُهُ / سداً لثلْمٍ وإغناءً لإفقارِ
جِفانُهُ كجوابِي الماءِ فاهقةٌ / وخُلْقُهُ كزلالٍ بينها جارِ
كَم قَد بلغتُ بهمْ في مطلبٍ أَرَبِي / وكم أحذتُ بهمْ من معشرٍ ثاري
وكم جَرَرْتُ حقوفي بعد ما شَحَطَتْ / بنصرهم من لَهاةِ الضّيغمِ الضّاري
المُطعمين على خَصْبٍ ومَسْغَبَةٍ / والمنعمين على عُسرٍ وإيسارِ
طاحوا وما طاح حزني بعدهمْ ونأَوْا / عنّي وما نزحوا من بين أفكاري
رُزِئتُهُم فيدِي من بعدهم صَفِرتْ / من النّفيس وقلبي من هوىً عارِ
وَلَم يَفتهمْ وقَد حازوا الكمال على / كلّ الخَلائق إلّا طولُ أَعمارِ
وَقَد مَررنا بدارٍ بعدهمْ خَشَعَتْ / بعدَ اِعتِلاءٍ وأقْوَتْ بعد أعمارِ
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً / وَلا تنظري إلّا إِلى حُسنِ مَخْبَرِي
فَإنّي وَخَيرُ القولِ ما كانَ صادِقاً / لَدى الفَخر سبّاقٌ إلى كلِّ مَفْخَرِ
أعرِّسُ في دار الحِفاظ وإنْ نأى / وشَمَّرَ عنها كلُّ ماضٍ مُشمِّرِ
وَإِن حالَ قَومٌ عَن هُدىً وَتَغيّروا / فَإنّي بسمتِ القَصْدِ لم أتغيَّرِ
وَأَعلَمُ أَنّ الدّهرَ يَعْبَثُ صَرْفُهُ / بِما شاءَ مِن مالِ البَخيلِ المُقَتِّرِ
فَإِنَّ الرّدى دَيْنٌ علينا قضاؤُهُ / فبين مُسقَّى كأسِهِ ومؤخّرِ
وَلَيسَ كَقومي في ندىً وسماحةٍ / ولا معشرٌ في يوم رَوْعٍ كمعشري
هُمُ ضربوا لِلطارِقينَ خِيامَهمْ / وهمْ رفعوا النّيرانَ للمُتَنوِّرِ
وهمْ كشفوا يومَ الوَغى طَخَياتِهِ / بكلّ طويل السَاعدين عَشَنْزَرِ
فَإِنْ كُنتِ لا تَدرينَ بَأسي ونَجْدَتي / فَقومي اِسأَلِي عَن نَجدتي كلَّ عِثْيرِ
وَكلَّ صَفيحٍ بِالضّرابِ مُثَلَّمٍ / وكلَّ وشيجٍ بالطّعان مكسَّرِ
وَأَينَ مُقامي إِن جهلت إِقامتي / وجَدِّك إلّا في قَطا كلِّ ضُمَّرِ
عَذلتَ عَلى تَبذير مالي وَهل ترى / نجمّعُ إلّا لِلجؤور المبذِّرِ
أفرّقُهُ من قبل أن حال دونه / رحيلِيَ عنه بالحِمامِ المقَدَّرِ
ومن قبل أنْ أُدْلى بملساءَ قفْرَةٍ / إلى جَدَثٍ ضَنْكِ الجوانب أغبرِ
مَضى قَيصرٌ من بعد كسرى وخلَّيا ال / تَلاعب في أموال كسرى وقيصرِ
وجال الرّدى في دور آل مُحرّقٍ / وزال بأجيالٍ لأبناء منذرِ
رَدُوا لَم يُجاروا من حِمامٍ سطا بهمْ / بمالٍ عريضٍ أو عديدٍ مُجَمْهَرِ
فَبين كَريم المفرقينِ متوَّجٍ / وَبينَ محلَّى المِعْصَمين مُسَوَّرِ
وَأصغوا إِلى داعي الرّدى وَتَهافتوا / تَهافُتَ خَوَّارِ الأباءِ المسَعَّرِ
وَطَرّدهمْ عمّا اِبتَنوه كَما هَفَتْ / خريقُ رياحٍ بالسّحاب الكنَهْوَرِ
أَزالَ فَما أَبقى لَهُمْ مِن تَكبّرٍ / وَأَخشَعَ ما خلَّى لهمْ من تجبُّرِ
وكانوا زماناً بهجةً لتأمّلٍ / فآبوا اِنقلاباً حَسْرَةً لتذكّرِ
مَرّ علينا فكَنفْنا بهِ
مَرّ علينا فكَنفْنا بهِ / مِن بين مَن مرّ ولا يدري
تَزيدُ في العمرِ مُناجاتُهُ / إن كان شيءٌ زاد في العمرِ
كأنّما صيغ من المشتري / فَاِختالَ أَو صيغَ منَ البدرِ
قُلتُ لَهُ يَوماً وقد زارني / معطَّرَ الجلد بلا عِطْرِ
مَلَكتَني حسناً وَكَم مالكٍ / بحسنه ناصيةَ الحُرِّ
لا تَبلِني مِنك بإعراضةٍ / فإنّني أُنفق من صبري
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ / يأوِي إليه بنو الإشفاقِ والحَذَرِ
لولاكُمُ سنداً لي والعدا أَثَري / ما كُنتُ مِن مَكرِهمْ إلّا عَلى غَرَرِ
قَد كُنتُمُ نِلتُمُ ما يَبتَغيهِ لكمْ / ذَوو المَودّةٍ لولا عائقُ القدرِ
سَطا عَلى شَملِكُمْ يَوماً فمزّقهُ / كلَّ التمزّقِ نَبْواتٌ من الغِيَرِ
فَمَن يَكُن عندهُ يا قومُ مُصطَبَرٌ / فإنّني طولَ عمري غيرُ مصطبرِ
عرّجْ على الدّارسة القَفْرِ
عرّجْ على الدّارسة القَفْرِ / ومُرْ دموعَ العين أن تجري
فلو نهيتُ الدّمعَ عن سَحِّهِ / والدّار وحشٌ لم تُطِعْ أمري
منزلةٌ أسلمها للبِلى / عَبْرُ هبوبِ الرّيح والقَطْرِ
فُجِعْتُ في ظلمائها عنوةً / بطلعةِ الشّمسِ أو البَدرِ
لهفانُ لا من حرّ جمرِ الجَوى / سكرانُ لا من نَشْوَةِ الخَمرِ
كأنّنِي في جاحمٍ من شجىً / ومن دموع العين في بحرِ
عُجتُ بها أُنفِقُ في آيِها / ما كان مذخوراً من الصّبرِ
في فِتْيَةٍ طارتْ بأوطارهمْ / في ذيلهمْ أجنحةُ الدَّهرِ
ضِيموا وسُقّوا في عِراص الأذى / ما شاءت الأعداء من مُرِّ
كلِّ خميصِ البطن بادي الطَّوى / ممتلئِ الجلد من الضُّرِّ
يَبْرِي لِحا صَعْدَتِهِ عامداً / بَرْيَ العَصا من كان لا يبري
كأنّه من طول أحزانِهِ / يُساق من أمنٍ إلى حِذْرِ
أو مفردٌ أبعده أهلُهُ / عن حَيّهِ من شَفَقِ العُرِّ
يا صاحبي في قعر مطويّةٍ / لو كان يرضى لِيَ بالقَعْرِ
أما ترانِي بين أيدي العِدا / ملآنَ من غيظٍ ومن وِتْرِ
تسري إلى جلدِيَ رُقْشٌ لهمْ / والشَّرُّ في ظلمائها يسري
مردّدٌ في كلّ مكروهةٍ / أُنقلُ من نابٍ إلى ظُفرِ
كأنّني نَصْلٌ بلا مِقْبَضٍ / أو طائرٌ ظلّ بلا وَكْرِ
بالدّار ظلماً غيرُ سكّانها / وقد قرى من لم يكن يَقْرِي
والسَّرحُ يرعى في حميم الحِمى / ما شاء من أوراقه الخُضْرِ
وقد خبا لِي الجمرَ في طيّهِ / لوامعٌ يُنذرنَ بالجَمْرِ
لا تَبكِ إنْ أنتَ بكيتَ الهدى / إلّا على قاصمةِ الظَّهرِ
وَاِبكِ حُسَيناً والأُلى صُرِّعوا / أمامَه سطراً إلى سطرِ
ذاقوا الرّدى مِن بعد ما ذوّقوا / أمثالَهُ بالبيضِ والسُّمْرِ
قتلٌ وأسْرٌ بأبي منكُمُ / من نيل بالقتل وبالأسرِ
فقلْ لقومٍ جئتَهم دارَهمْ / على مواعيدٍ من النَّصرِ
قَرَوْكُمُ لمّا حللتُمْ بها / ولا قِرى أوعيةَ الغَدْرِ
وَاِطّرحوا النَّهْجَ ولم يَحفِلوا / بما لكمْ في محكم الذّكرِ
وَاِستَلبوا إِرْثَكُمْ منكُمُ / من غير حقٍّ بيدِ القَسْرِ
كسرتُمُ الدّين ولم تعلموا / وكسرةُ الدّين بلا جَبْرِ
فيا لها مَظْلَمَةً أُولِجَتْ / عَلى رَسولِ اللَّه في القبرِ
كَأنّهُ ما فكّ أعناقكمْ / بكفّهِ من رِبَقِ الكُفرِ
وَلا كَساكمْ بَعد أَن كنتُمُ / بلا رِياشٍ حِبَرَ الفَخرِ
فَهو الّذي شادَ بِأَركانِكمْ / من بعد أن كنتم بلا ذِكْرِ
وَهوَ الّذي أَطلَعَ في لَيلكمْ / من بعد يَأْسٍ غُرّةَ الفجرِ
يا عُصُبَ اللَّه وَمَن حبُّهمْ / مخيّمٌ ما عشتُ في صدرِي
وَمَن أَرى وُدَّهُمُ وحدَهُ / زادي إذا وُسّدتُ في قبري
وَهوَ الّذي أعددتُهُ جُنَّتِي / وعصمتي في ساعةِ الحَشرِ
حَتّى إذا لم أكُ في نصرَةٍ / من أحدٍ كان بكمْ نصري
بموقفٍ ليس به سلعةٌ / لتاجرٍ أنفقُ من بِرِّ
في كلّ يومٍ لكُمُ سيّدٌ / يُهدى مع النِّيبِ إلى النَّحْرِ
كم لكُمُ من بعد شِمْرٍ مرى / دماءَكمْ في التربِ من شِمْرِ
وَيْحَ ابنِ سَعْدٍ عُمَرٍ إِنَّهُ / باع رسولَ اللّهِ بالنَّزْرِ
بَغى عليهِ في بنِي بنتِهِ / وَاِستلّ فيهم أنصُلَ المَكْرِ
فهْوَ وإنْ فازَ بِها عاجلاً / مِن حَطَبِ النّار ولا يدري
متى أرى حقَّكُمُ عائداً / إليكُمُ في السّرِّ والجَهْرِ
حَتّى مَتى أُلْوى بموعودكمْ / أُمطَلُ من عامٍ إلى شهرِ
لولا هَناتٌ هنّ يلويننِي / لبُحتُ بالمكتومِ من سرّي
وَلَم أَكُن أَقنع في نَصركمْ / بنَظْمِ أبياتٍ من الشّعرِ
فَإِنْ تَجلَّتْ غُمَمٌ رُكَّدٌ / تَركنني وَعْراً على وَعْرِ
رَأَيتُمونِي وَالقنا شُرَّعٌ / أبذُلُ فيهنَّ لكمْ نَحْرِي
على مَطا طِرْفٍ خفيفِ الشَّوى / كأنّه القِدْحُ من الضُّمْرِ
تَخالُهُ قَد قدَّ مِن صَخرةٍ / أو جِيبَ إذْ جِيبَ من الحَضْرِ
أعطيكُمُ نفسي ولا أرتضِي / في نصركمْ بالبذل للوفْرِ
وَإِنْ يَدُمْ ما نَحنُ في أَسرِهِ / فاللّهُ أَولى فيهِ بِالعذرِ
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي / قَصيرُ القُوى والبّطشِ عن سِلَعِ الشكرِ
فإنْ كان شكري وهْوَ ذا مُتَقَبَّلاً / فمَنٌّ على مَنٍّ وبِرٌّ على بِرِّ
وَأَعلَنتُ شُكري وَهوَ عنك مُقصّرٌ / لأخرج في النَّعماء عن حَيِّزِ الكُفرِ
وإنّي لأرجو أنْ تكون عطيّتِي / على قدر مَن أولى العطيَّةَ لا قدري
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ / مِنَ الذمّ إلّا ما ثوى في الضَمائرِ
فَلَيتكُمُ لمّا أتيتُمْ بسَوءَةٍ / ولا عاذرٌ منها أتيتمْ بعاذرِ
وما كنتُ أخشى منكُمُ مثلَ هذهِ / وكم من عجيبٍ بين طيّ المقادِرِ
ولمّا قدرتُمْ بعد عَجْزٍ أسأتُمُ / وكم عفّ عن سوءٍ بنا غيرُ قادِرِ
وما نافعٌ منّا وحشوُ قلوبنا / قبيحٌ من البغضاءِ حسنُ الظّواهرِ
فلا بَرِحَتْ فيكمْ خطوبُ مَساءَةٍ / ولا حُجِبَتْ عنكمْ نُيوبُ الفواقِرِ
وما زلتُمُ في كلّ ما تحذورنَهُ / وإن حاص قومٌ عن أكفِّ المحاذِرِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025