المجموع : 591
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا / زرناك ظلمةُ ليلٍ فيه مستترُ
فقلت من كان هجري الدّهرَ عادتُه / ما إن له ببياض الشّيبِ مُعتَذَرُ
لا تسخطيه فهذا الشّيب مظهرةٌ / على عيوبٍ بضدّ الشّيبِ تستترُ
تَرَيْنَ منِّي وضوءُ الشيب يفضحني / ما زاغ عنه ورأْسي أسودُ البصرُ
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده / وإن أساء إلى الأقوام معذورُ
وَيلُ اِمّ مَن في الورى أَكدتْ مطالبَه / فإنّه بسحاب اللّومِ ممطورُ
وَكَيف يُعزى إلى عجزٍ وليس بهِ / مَن خاب سعياً وخانته المقاديرُ
حَلَفت بِمَن لاذتْ قريشٌ ببيتهِ
حَلَفت بِمَن لاذتْ قريشٌ ببيتهِ / وَطافوا بِهِ يومَ الطّواف وَكَبّروا
وَبِالحُصَياتِ اللّات يُقذَفْنَ في مِنىً / وَقَد أَمّ نحوَ الجَمرةِ المتجمّرُ
وَوادٍ تَذوق البُزْلُ فيه حِمامَها / فَلَيسَ بهِ إلّا الهديُّ المُعَفّرُ
وَجَمْعٍ وَقَد حَطّتْ إليهِ كَلاكلٌ / طَلائحُ أَضنَتها التّنائفُ ضُمَّرُ
يُخَلْن عليهنّ الهوادجُ في الضّحى / سفائنَ في بحرٍ من الآلِ يزخَرُ
وَيوم وقوفِ المحرمين على ثرىً / تطاحُ بهِ الزلّاتُ منهم وتُغفَرُ
أَتوهُ أسارى الموبقاتِ وودّعوا / وَما فيهمُ إلّا الطّليقُ المحرّرُ
لَقَد كُسِرتْ للدّين في يومِ كَربلا / كسائرُ لا توسى ولا هِيَ تُجبَرُ
فإمّا سبيٌّ بالرّماحِ مسوّقٌ / وإمّا قتيلٌ في التّراب مُعَفَّرُ
وَجَرحى كَما اِختارَت رِماحٌ وَأَنصُلٌ / وَصَرعى كَما شاءَت ضباعٌ وأنسُرُ
لَهُم وَالدّجى بِالقاعِ مُرخٍ سدولَه / وجوهٌ كأمثال المصابيح تزهَرُ
تُراح بريحانٍ ورَوْحٍ ورحمةٍ / وتُوبَل من وبلِ الجِنانِ وتُمطَرُ
فقل لبنِي حَربٍ وفي القلب منهمُ / دفائنُ تبدو عن قليلٍ وتظهرُ
ظَنَنتمْ وَبعضُ الظنّ عَجزٌ وغفلةٌ / بأنّ الّذي أسلفتُمُ ليس يُذكرُ
وهيهاتَ تأبى الخيلُ والبيضُ والقنا / مجاري دمٍ للفاطميين يُهدَرُ
وَلَستمْ سواءً والّذين غَلبتُمُ / ولكنّها الأقدار في القومِ تُقدَرُ
وَإِن نِلتُموها دَولةً عَجرفيَّةً / فَقَد نالَ ما قَد نالَ كِسرى وَقيصرُ
وَلَيسَ لَكُم مِن بعد أَن قد غدرتُمُ / بمن لم يكن يوماً من الدّهرِ يغدُرُ
سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومَكم / وإلّا هِجاءٌ في البلادِ مُسَيَّرُ
تقطّع وصلٌ كان منّا ومنكمُ / ودانٍ من الأرحامِ يَثنِي ويَسطُرُ
وَهَل نافِعٌ أَنْ فَرّقتنا أصولُكمْ / أصولٌ لنا نأوي إليها وعنصرُ
وَعُضو الفَتى إن شلّ ليس بعضوهِ / وليس لربّ السّرب سربٌ مُنَفَّرُ
وَلا بدَّ مِن يَومٍ به الجوّ أغبرٌ / وفيه الثرى من كثرةِ القتلِ أحمرُ
وَأَنتُمْ بِمجتاز السّيولِ كأنّكمْ / هَشيمٌ بِأَيدي العاصِفاتِ مطيَّرُ
فَتَهبِطُ مِنكم أَرؤُسٌ كنّ في الذُّرا / ويخبو لكم ذاك اللّهيب المُسَعَّرُ
ويثأرُ منكم ثائرٌ طال مطلُهُ / وقد تُظفر الأيّام من ليس يَظفرُ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ / وصاحبني صاحبٌ لا يغارُ
صموتُ اللسان بعيد السّماعِ / فسرِّيَ مُكتَتَمٌ والجهارُ
وَضاق العناقُ فصار الرّداء / لها ملبساً ولباسي الخمارُ
وَما لفّنا كاِلتفافِ الغصونِ / جَميعاً هنالك إلّا الإزارُ
وطاب لنا بعد طولِ البعادِ / رُواء الحديث وذاك الجِوارُ
شَربتُ بريقَتها خَمرةً / ولكنّها خمرةٌ لا تُدارُ
كأنّ الظّلامَ بإشراق ما / أنالَتْ وأعطته منها نهارُ
وَأَثّر في جيدِها ساعدي / وأثّر في جانبيَّ السِّوارُ
فَلو صُبَّتِ الكأس ما بَيننا / لما خرجت من يدينا العُقارُ
وناب منابَ ليالٍ طوالٍ / تقصّر هذي الليالي القصارُ
أَتَدري مَن بها تلك الديارُ
أَتَدري مَن بها تلك الديارُ / وتعلم ما غطا ذاك الخمارُ
أقامتْ ضرّةُ القمرين فيها / فكلُّ بلاد ساكنها نهارُ
فتاة حُكّمتْ في كلّ حسنٍ / وليس لغيرها فيه الخيارُ
ففي كلّ القلوب لها وجيبٌ / كما كلُّ القلوبِ لها ديارُ
فحسبك يا زمانُ فمنك عندي / قبيحٌ لا يحسّنهُ اِعتذارُ
أَأَنسى الغدرَ منك وَأنت إلْفِي / وغِشَّكَ لي وَأنتَ المُستشارُ
وعندي من حديثك ما لوَ اِنّي / سمرتُ به لشاب له الصّغارُ
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا / كأنّ أوّله في ذاك آخرُهُ
كأنّ نَجمَ الثريّا مَلَّ مَجمعَنا / فَما اِستَطاعَ مقاماً وهو ناظرُهُ
ومَهْمَهٍ جُبتُه وحدي على قَلقٍ / معوّدٍ لِيَ خوضَ البحرِ حافِرُهُ
مِن لَونهِ يَستمدّ اللّيلُ ظلمتَه / والفجرُ من وجهه لاحت عساكرُهُ
مُعانِقاً نَبعةً سَمراء ما حُملتْ / إلّا ليومٍ جريءٌ من يباشرُهُ
ولا فَرَتْ يدُها نحراً فتتركَهُ / إلّا وقد نُشرتْ منه نواشرُهُ
وَصاحِبٍ ما نَبَتْ منه مضاربُه / في كلّ خطبٍ ولم تُؤمَن محاذِرُهُ
يَظَلُّ شَوقاً إلى الأعناقِ مُنتَصباً / لنفسه قبل أن يرتاحَ شاهرُهُ
ولِي جَنانٌ كأنّ الأرضَ ساحتُهُ / فما يضيق لمرهوبٍ يُخامرُهُ
يَستنزرُ الكَثْرَ من هذا الزّمان له / فكلُّ ما حلّ فيه فهو حاقرُهُ
لَيت أنّا لا نعرف القومَ فيهمْ
لَيت أنّا لا نعرف القومَ فيهمْ / حَيَدٌ عن ودادنا واِزوِرارُ
وَلَبِئس الصّديقُ هبّ نسيماً / بمقالٍ وبالحُشاشةِ نارُ
وإذا سمتُهُ نهوضاً بثِقْلٍ / خاننِي منه عودُهُ الخَوّارُ
فعفاءٌ على وداد أُناسٍ / هو ما بينهمْ غبارٌ مُثارُ
إنَّ قوماً كانوا الكرامَ لدينا / أوحشتْ منهمُ علينا الدّيارُ
لم يَبِتْ بينهمْ قبيحٌ ولا عر / رَجَ فيهم فيما يُعرّجُ عارُ
هم ليوثٌ إذا اِستحرَّت وَفي يو / مِ عطاءٍ هُمُ عطاءً بحارُ
خلّفونا وعرّسوا في محلٍّ / هَجَرتْهُ الخُطا فليس يُزارُ
ما لهمْ مؤنِسٌ سوى عَرفجِ الدو / وِ سقاهمِ كما سقاه القُطارُ
فتراهمْ في القاع صرعى كَرَكْبٍ / هجّروا عندنا قليلاً وساروا
ظَننتم مَحلّ الأمر فيكم وعندكمْ
ظَننتم مَحلّ الأمر فيكم وعندكمْ / ولم تعلموا ماذا تجرّ المقادرُ
وَغَرّ نُفوساً ظاهراتٍ غرورُه / وَمن دون ما يقضي به اللّهُ ساترُ
وَفاتكمُ ما كنتمُ تَحسبونه / وطار به والشّكرُ للّه طائرُ
وَرمتمْ ضِراراً لم يُرِدْهُ مليكُهُ / وليس لمن يُقضى له النفعُ ضائرُ
وَرفّعتُمُ مِنكم رؤُوساً فطُؤطِئَتْ / بأيدٍ عزيزاتٍ وكُبّتْ مناخِرُ
فَلا تولعوا مِن بعدها بطماعةٍ / ففيما مضى عن مثل ذلك زاجرُ
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا / وقَصارُه وقد انتأوْا أن يُقصِرا
أَفَكلّما راعَ الخليطُ تصوّبتْ / عبراتُ عينٍ لم تقلَّ فتكثُرا
قَد أوقدتْ حُرَقُ الفراق صبابةٍ / لَم تَستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى
شَعَفٌ يُكتّمه الحياءُ ولوعةٌ / خفيتْ وحُقّ لمثلها أن يظهرا
وأبي الركائبِ لم يكن ما عُلنه / صبراً ولكن كانَ ذاك تصبّرا
لَبَّيْنَ داعيةَ النّوى فأريننا / بين القِبابِ البيض موتاً أحمرا
وَبعدن بِالبينِ المشتّت ساعةً / فكأنّهنّ بعدن عنّا أشهُرا
عاجوا على ثَمدِ البِطاحِ وحُبّهمْ / أجرى العيونَ غداة بانوا أبحُرا
وَتَنكّبوا وَعْرَ الطّريق وخلّفوا / ما في الجَوانحِ من هَواهمْ أوعرا
أمّا السّلوُّ فإنّه لا يهتدِي / قصد القلوب وقد حُشِينَ تذكّرا
قد رُمتُ ذاك فلم أجده وحقُّ مَنْ / فقدَ السّبيلَ إلى الهُدى أن يُعذَرا
أهلاً بطيفِ خيالِ مانعة الحِبَا / يَقْظى ومُفضلةٍ علينا في الكرَى
ما كان أنعمنا بها من زَورَةٍ / لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدَرا
جزعتْ لوخْطاتِ المشيب وإنّما / بلغَ الشّبابُ مدى الكمال فنوّرا
وَالشيب إِنْ فكّرتَ فيه مَورِدٌ / لا بدّ يوردَهُ الفتى إن عُمِّرا
يَبيضُّ بَعدَ سَواده الشّعرُ الّذي / لو لم يزره الشّيبُ واراه الثّرى
زَمنَ الشبيبةِ لا عدَتْك تحيّةٌ / وسقاك مُنهمِرُ الحَيا ما اِستُغزِرا
فَلَطالَما أَضحى رِدائي ساحباً / في ظلّك الوافي وعودِيَ أخضرا
أَيّامَ يَرمُقنِي الغَزالُ إِذا رنا / شَعَفاً ويطرُقني الخيالُ إذا سرى
وَمرنّحٍ في الكُورِ يُحسَبُ أنّه اِصْ / طبح العُقار وإنّما اِغتبق السُّرى
بَطلٌ صَفاهُ للخداع مَزلّةٌ / فَإِذا مَشى فيه الزّماعُ تَغَشمَرا
إمّا سألتَ به فلا تسألْ بِهِ / ناياً يناغِي في البَطالة مِزْمَرا
وَاِسأَلْ بِهِ الجُرْدَ العِتاقَ مغيرةً / يخبطن هاماً أو يَطأن سَنَوَّرا
يَحمِلنَ كلَّ مُدجَّجٍ يَقرِي الظُّبا / عَلَقاً وأنفاسَ السّوافي عِثيَرا
قَوْمِي الّذين وَقَد دَجَتْ سُبُلُ الهدى / تركوا طريقَ الدّين فينا مُقمِرا
غَلبوا على الشّرَفِ التّليد وجاوزا / ذاك التّليدَ تَطرُّفاً وتخيُّرا
كم فيهمُ من قسْوَرٍ مُتخمّطٍ / يُردِي إذا شاء الهِزَبْرَ القَسْوَرا
متنمّرٍ والحربُ إن هتفت به / أدّته بسّامَ المُحيّا مُسفِرا
وملوَّمٍ في بذلهِ ولطالما / أضحى جديراً في العُلا أن يُشكرا
ومُرَفَّعٍ فوق الرّجال تخالُه / يوم الخطابة قد تسنّم مِنبرا
جَمعوا الجَميلَ إلى الجمالِ وإنّما / خَتَموا إِلى المرأى المُمدَّحِ مَخبَرا
سائلْ بهمْ بَدْراً وأُحداً والّتي / ردّتْ جبينَ بني الضّلال مُعفَّرا
للَّه دَرُّ فَوارسٍ في خيبرٍ / حملوا عن الإسلام يوماً منكرا
عَصَفوا بِسُلطانِ اليهودِ وأَوْلجوا / تلكَ الجَوانح لوعةً وَتحسُّرا
وَاِستَلحموا أَبطالهمْ وَاِستَخرَجوا ال / أَزلامَ من أيديهمُ والمَيسِرا
وَبِمرحبٍ أَلوى فتىً ذو جمرةٍ / لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُعتَرى
إِنْ حزّ حزّ مُطبّقاً أو قال قا / لَ مصدَّقاً أو رام رام مطهَّرا
فَثَناهُ مُصفرَّ البَنان كأنّما / لطخ الحِمامُ عليه صِبْغاً أصفرا
تهفو العُقابُ بشِلوِهِ ولقد هَفَتْ / زمناً به شُمُّ الذّوائبِ والذُّرا
أمّا الرّسولُ فقد أبان ولاءَه / لو كان ينفع جائراً أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً / وأشاد ذكراً لم يشده مُغَرِّرا
وَثَنى إليهِ رِقابهمْ وأقامهُ / عَلَماً على باب النّجاة مشهَّرا
ولَقد شَفى يومُ الغديرِ مَعاشراً / ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأدوى معشرا
قَلِقَتْ بهمْ أحقادهمْ فَمُرجّعٌ / نَفَساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا
يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيَّةٌ / أشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا
عُجْ بالغَرىِّ فإنّ فيه ثاوياً / جبلاً تطأطأ فاِطمأنّ به الثّرى
وَاِقرا السّلامَ عليه من كَلِفٍ به / كُشفتْ له حجبُ الصّباح فأبصرا
فَلو اِستَطعتُ جعلتُ دار إقامتِي / تلكَ القبور الزُّهرَ حتّى أُقبرا
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ / كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا
ذَكرتُ بِها نزواتِ الصّبا / بساحاتها والشّبابَ المُعارا
وَقَوماً يَشنّون لا يفتُرو / ن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا
أَبَوْا كلّما عُذلوا في الجمي / لِ إلّا اِنبِعاقاً وإلّا اِنفِجارا
أَمِنتُ على القلبِ خوّانةً / تطيع جهاراً وتَعصِي سِرارا
أُقادُ إليها على ضَنّها / ولولا الهوى لملكتُ الخيارا
وقالوا وقد بدَّلَتْ حادثاتُ / زمانِيَ ليلَ مشيبي نهارا
أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ / فقلت لهمْ ما أردتُ الوَقارا
فيا ليت دهراً أعار السّوا / دَ إذ كان يَرجِعه ما أعارا
وَلَيتَ بَياضاً أراد الرّحيلَ / عقيب الزّيارة ما كان زارا
وَمفترشٍ صَهَواتِ الجيادِ / إذا ما جرى لا يخاف العِثارا
تَراهُ قَويماً كصدر القنا / ةِ لا يَطعَمُ الغُمضَ إلّا غرارا
سرى في الظّلام إلى أن أعا / دَ مرآةَ تلك اللّيالي سِرَارا
فَلمّا ثناه جنابُ الأجل / لِ نَفّض عن مَنكِبيهِ الغُبارا
وشرَّد عنه زَماعَ الرّحيل / فألقى عصاه وأرخى الإزارا
مَزارٌ إذا أمّه الرائدونَ / أَبَوْا أن يؤمّوا سواه مزارا
وَمَغنىً إذا اِضطربتْ بالرّجالِ / رحالُ الرّكائب كان القرارا
فَللّهِ دَرُّك من آخذٍ / وقد وُتِرَ المجدُ للمجد ثارا
وَمن جبلٍ ما اِستجار المَروعُ / بهِ في البوائقِ إلّا أَجارا
فَتىً لا ينام على رِيبةٍ / ولا يأخذُ الغَمَّ إلّا اِقتِسارا
وَلا يصطفِي غيرَ سيّارةٍ / مِنَ الذّكرِ خاضَ إلَيها الغِمارا
وَقَد جَرّبوك خِلالَ الخطو / ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا
فَما كنتَ للرّمح إلّا السّنانَ / وَلا كنت للسّيف إلّا الغِرارا
وَإِنّك في الرّوع كالمَضْرَحِيِّ / أضاق على الطائرات المطارا
وَكَم لكَ دونَ مليك المُلوك / مقامٌ ركبتَ إليه الخِطارا
وَمُلتبسٍ كَاِلتِباسِ الظّلا / م أضرمتَ فيه من الرّأي نارا
وَكُنتَ اليَمينَ بِتلكَ الشُّغوب / وكان الأنام جميعاً يسارا
وَلَمّا تَبيّن عُقبى الأمورِ / وأسفَر دَيجورُها فَاِستَنارا
دَرى بَعدَ أَن زال ذاكَ المِرا / ءُ مَن بالصّواب عليه أَشارا
وَلَولا دِفاعُك عَمّن تراهُ / رَأَينا أَكفّ رجالٍ قصارا
وَلِي نَفثةٌ بينَ هَذا المديحِ / صبرتُ فلم أُعطَ عنها اِصطِبارا
أَأَدنو إِليك بمحض الوِداد / وتبعُدُ عنّي وداداً وَدارا
وَأُنسى فَلا ذكرَ لِي في المغيبِ / وَما زادَني ذاك إلّا اِدّكارا
وَإنّي لأخشى وَحوشيتَ من / هُ أنْ يحسب النّاسُ هذا اِزوِرارا
وَلَستُ بمتّهِمٍ للضميرِ / وَلَكنّني أَستزيد الجِهارا
وَلَو قَبل النّاسُ عُذر اِمرئٍ / لأوسعتُهم عَن سِواي اِعتِذارا
فَلَيسَ لَهمْ غير ما أبصروهُ / عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا
وَكانَت جَوابات كتبي تجيئ / إليَّ سِراعاً بفخرٍ غِزارا
فَقَد صرنَ إمّا طوين السّنين / وإمّا وردن خفافا قصارا
وَكيفَ تَخيب صِغارُ الأمورِ / لَدَىْ مَن أَنال الأمورَ الكبارا
وَكمْ لِيَ فيك من السّائرا / تِ أنجد سارٍ بها ثمّ غارا
وَمن كَلِمٍ كنبال المصيبِ / وبيتٍ شَرودٍ إذا قيل سارا
يغنّي بهنّ الحداةُ الرِّكابَ / ويُسقى بهن الطَّروبُ العُقارا
وَأَنتَ الّذي لِمَليك المُلو / كِ صيَّرته راعياً لي فصارا
وَلَمّا بَنيتَ بِساحاتِهِ / أَطلتَ الذُّرا وَرَفعتَ المَنارا
فَلا زِلتَ يا فارجَ المشكلاتِ / تنالُ المرادَ وتُكفى الحذارا
وَهُنّئتَ بالمهْرَجانِ الّذي / يعود كما تبتغيه مِرارا
يَعودُ بِما شِئتَ شوقاً إليك / مراراً وإنْ لم تُعِره اِنتظارا
ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ / ك فضلاً لأيّامه وَاِفتِخارا
أَما تَرى الرَّبع الّذي أَقفرا
أَما تَرى الرَّبع الّذي أَقفرا / عراهُ من ريب البِلى ما عَرا
لَو لَم أَكن صبّاً لِسكّانهِ / لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيتُه بعد تمامٍ له / مقلّباً أبطُنَهُ أَظهُرا
كأنّنِي شكّاً وَعِلماً بهِ / أقرأ من أطلالهِ أسطُرا
وقفتُ فيه أينُقاً ضُمَّراً / شذّب من أوصالهنّ السُّرى
لي بِأُناس شُغُلٌ عن هوىً / ومعشري أبكي لهم معشرا
أَجِلْ بأرض الطَفّ عينيك ما / بين أناسٍ سُربلوا العِثيَرا
حكّم فيهم بغيُ أَعدائِهمْ / عليهم الذُّؤبانَ والأنسُرا
تَخال من لألاءِ أَنوارِهمْ / ليلَ الفيافي لهمُ مقمرا
صَرعى وَلَكن بَعد أَن صَرّعوا / وَقطّروا كلَّ فتىً قَطّرا
لَم يَرتَضوا درعاً ولم يلبسوا / بِالطّعن إلّا العَلَقَ الأحمرا
مِن كُلّ طيّانِ الحشا ضامرٍ / يَركَبُ في يومِ الوغى ضُمَّرا
قُل لِبَني حَربٍ وكم قولةٍ / سطّرها في القوم من سطّرا
تِهتُمْ عَنِ الحقِّ كَأنَّ الَّذي / أَنذَركم في اللَّهِ ما أَنذرا
كَأنّهُ لم يَقرِكم ضُلَّلاً / عن الهدى القَصْدَ بأمّ القُرى
وَلا تَدرّعتم بِأَثوابهِ / من بعد أن أصبحتُم حُسّرا
وَلا فَريتم أدَماً مرّةً / ولم تكونوا قطّ ممّن فرى
وَقُلتُمُ عنصرنا واحدٌ / هَيهاتَ لا قربى ولا عنصرا
ما قدّم الأصلُ اِمرءاً في الورى / أخّره في الفرع ما أخَّرا
وَغرّكم بِالجهلِ إمْهالُكم / وَإنّما اِغترّ الّذي غُرِّرا
حَلّأْتُمُ بالطفّ قَوماً عن الْ / ماءِ فحُلّئتُمْ به الكَوثرا
فَإِنْ لقوا ثَمَّ بكم مُنكَراً / فَسوفَ تلقونَ بِهم منكرا
في ساعَة يحكم في أَمرها / جدُّهم العدل كما أُمِّرا
وَكَيفَ بِعتمْ دينَكمْ بالّذي اِس / تنزره الحازمُ واِستحقرا
لَولا الّذي قُدّر مِن أَمركمْ / وَجدتم شأنَكمُ أحقرا
كانَت منَ الدّهر بكم عثرةٌ / لا بدّ للسّابق أن يَعثُرا
لا تَفخروا قطُّ بِشيءٍ فما / تَركتُمُ فينا لَكم مفخرا
وَنِلتموها بَيعةً فلتةً / حَتّى تَرى العين الّذي قُدِّرا
كأنّنِي بالخيلِ مثلُ الدّبى / هَبّتْ بِهِ نَكباؤهُ صَرْصَرا
وَفوقها كلُّ شديدِ القُوى / تَخالُهُ مِن حَنَقٍ قَسْورا
لا يُمطرُ السُّمر غداةَ الوغى / إلّا بِرشِّ الدّمِ إنْ أمطرا
فَيَرجعُ الحقّ إلى أهلهِ / ويُقبِلُ الأمر الّذي أَدبرا
يا حججَ اللَّهِ عَلى خلقهِ / ومَن بهم أبصَرَ من أبصَرا
أَنتُمْ عَلى اللَّه نزولٌ وإن / خالَ أُناسٌ أنّكمْ في الثَّرى
قَد جَعَل اللَّه إِلَيكمْ كما / علمتُمُ المبعثَ والمحشرا
فَإِن يَكُن ذَنبٌ فَقولوا لِمن / شَفَّعكمْ في العَفو أن يَغفِرا
إِذا تَولّيتُكُمُ صادقاً / فليس منِّي مُنكَرٌ مُنكِرا
نَصَرتُكم قَولاً على أنّنِي / لآملٌ بالسّيفِ أن أَنصُرا
وَبَينَ أَضلاعي سرٌّ لَكمْ / حوشِيَ أن يبدو وأن يظهرا
أَنظر وَقتاً قيل لي بُحْ به / وحقّ للموعود أن ينظرا
وَقَد تبصّرتُ وَلكنّني / قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وَأيُّ قَلبٍ حملت حزنكم / جوانحٌ منه وما فُطِّرا
لا عاشَ مِن بعدكُم عائشٌ / فينا ولا عُمِّر من عمَّرا
وَلا اِستقرَّت قَدمٌ بَعدكم / قرارةً مبدى ولا محضَرا
وَلا سقَى اللَّهُ لَنا ظامِئاً / من بعد أن جُنِّبتُمُ الأبحرا
وَلا عَلت رَجلٌ وقد زُحزِحت / أرجُلُكمْ عن متنهِ مِنبرا
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي / شَننتَ بهنّ عليَّ السّرورا
وكنت لدَيجُورِهِنّ الصّباحَ / وفي سَهَكاتٍ لهنّ العبيرا
فضاقتْ عليَّ سُهوبُ الدّيار / وصارتْ سهولتُهنّ الوعورا
وأظلمَ بينِي وبين الأنام / وما كنت من قبل إلّا البَصيرا
وَطالَ عليّ الزّمانُ القصيرُ / وكان الطّويلُ عليَّ القصيرا
فَها أَنا منك خليّ اليَدين / وفيكَ كليلَ الأمانِي حسيرا
فقدتُك فقدَ الزّمان الحبيبِ / إليَّ وفقدي الشّبابَ النّضيرا
وهوّن رُزءَك مَن لم يُحِطْ / بأنّي أعالجُ منه العسيرا
فَظنّوا وَما عَلِموا أنّه / صغيرٌ وما كان إلّا كَبيرا
فَقُل للّذي في طَريق الحِمامِ / يرعى البدور ويُعلي القُصورا
وَيغفل عَن وَثَباتِ المنون / يَدعن الشّوى ويُصبن النّحورا
إلى كم تظلّ وأنت الطّليقُ / بأيدي الطّماعةِ عبداً أسيرا
إذا ما أريثُ أريثُ الرّحالَ / وأمّا قرِبتُ قربتُ الغرورا
وإن نلت كلّ الّذي تَبتغيه / فَما نِلت إلّا الطفيفَ الحقيرا
وما أخذ الدّهرُ إلّا الّذي / أعاد فكيف تلوم المُعيرا
وَكَم في الأسافلِ تَحتَ الحَضيض / أخامص قَومٍ علون السّريرا
وَكَم ذا صحبنا لأكل التّراب / أناساً ثَوَوْا يلبسون الحريرا
وكم أغمد التّربُ في لحْدِهِ / حُساماً قطوعاً وليثاً هصورا
أُخَيَّ حسينُ ومَن لي بأن / تجيب النّداء وتبدي الضّميرا
عَهدتك تَطرد عنّي الهموم / وتُذكرني بالأمورِ الأمورا
أُخانُ فآخذُ منك الوفاءَ / وأظما فأكرع منك النّميرا
وكم ليلةٍ كنتَ لِي ثانياً / بِظلمائِها مؤنساً أَو سميرا
سَقى اللَّه قبرَك بين القبورِ / سحاباً وَكِيفَ النّواحي مطيرا
تَخال تَراكمه في السّما / ءِ عِيراً بطاءً يزاحمنَ عِيرا
كأنّ زَماجرَه المصعِقاتِ / ضَجيجُ الفحولِ عَزمن الهديرا
تُعَصفرهُ وَمضاتُ البروقِ / فَتحسبه مِن نجيعٍ عصيرا
مجاورَ قومٍ بأيدي البِلى / تمزّقهمْ يرقُبون النّشورا
ولا زال قبرُك من نوره / بجُنحِ الظّلام يضيء القبورا
ولا زلتَ ممتلئ الرّاحتين / نعيماً ولاقيتَ ربّاً غفورا
خَلِّ مَن كانَ لِلجنادلِ جارا
خَلِّ مَن كانَ لِلجنادلِ جارا / لا تُعِرهُ تلهّفاً واِدّكارا
فَغبين الرّجال مَن سلَبَتْهُ / نُوَبُ الدّهرِ في المصابِ اِصطبارا
وَاِعتَبر بِالّذين حلّوا من العل / ياءِ وَالكِبرياء داراً فدارا
مَلَكوا الأرضَ كلّها ثمّ مَن كا / نَ عَلى الأرضِ في الزمانِ مرارا
فترى دورهمْ وكنّ مِلاءً / بالمسرّات بعدهنّ قفارا
مُظلماتٍ مِن بعدِ أَن أوقدت في / ها اللّيالي نوراً يلوح ونارا
وأكفَّا يوابساً طالمَا فِضْ / ن على الخلق عَسْجَداً أو نُضارا
أين قومٌ كنّا نراهمْ على الأط / واد حلّوا ثرى الصّعيد اِنتِشارا
وَحَموا الأنجمَ العُلا غير راضي / نَ لَهم ذلك الجوارَ جِوارا
كلُّ قَرْمٍ قد طاب أصلاً وفرعاً / وقديماً وحادثاً ونِجارا
ضمَّ ملكاً وبسطةً بيديهِ / طيّعاتٍ إلى البراري البحارا
وتراه يجرّ في كلِّ فجٍّ / طَلبَ العزِّ جيشَه الجرّارا
لَم يَزل آنس المفارقِ حتّى / خَلعَ الموتُ تاجَه والسِّوارا
ثُمّ وَلّى ممكِّناً مِن رَداه / فيه تلك الأنيابَ والأظفارا
إِنّ هَذا الزّمان يأخذ منّا / كلَّ يومٍ خِيارنا والخِيارا
وَأعزّاؤنا إِذا لَم يَفوتو / نا صغاراً فاتوا وماتوا كبارا
وكأنّ الّذي تهالك في الفَج / عاتِ حُزناً تظلَّمَ الأقدارا
حاشَ للَّه أَن تَكونوا وقد سِي / طَتْ بنا القارعاتُ فينا جُبارا
وَإِذا لَم تُطقْ ثقيلَ الرّزايا / فعلى ما نعجّزُ الأغمارا
عَزّ مَن بزّ مَن أراد وأفنى / حِمْيَراً تارةً وأخرى نِزارا
فَتَراهمْ مِن بعدِ عزٍّ عزيزٍ / في بطون الهُوى غُباراً مُطارا
وإذا ما أجَلْتَ بين ديارٍ / لَهُمُ اللّحظ لَم تَجِدها دِيارا
لم تَدعْ حادثاتُ هذي الليالي / منهُمُ أعيُناً ولا آثارا
وطَوَتْ عنهُمُ ومنهمْ إلى الأح / ياءِ منّا الأنباء والأخبارا
ورأينا من واعظاتِ المواضِي / لِلبواقي ما يَملأ الأبصارا
غَير أَنّا نَزدادُ في كلّ يومٍ / خُدَعاً مِن زَماننا وَاِغتِرارا
فَإِلى كَم نصدّق المَيْنَ منه / كلَّ يومٍ ونأمنُ الغَرّارا
وَنَسومُ الأرباحَ والرّبح يا صا / حِ إذا ما مضيت كان خسارا
يا اِبنَ عبد العزيز ليتك ما بِنتَ / ولا سار سائرٌ بك سارا
كان حِذري عَليك يستلب الغُمْ / ضَ سُهاداً فقد كفيتُ الحِذارا
إِنّما المَرءُ طائرٌ سكن الوَكْ / رَ قليلاً مهجّراً ثمَّ طارا
وَطِوال السّنين بعدَ تقضٍّ / وَنفادٍ ما كنّ إلّا اِستدارا
وَظلامٍ ما جاء غِبَّ صباحٍ / ملأ الأرضَ كلَّها وَاِستنارا
لَيسَ عاراً هَذا المصابُ وكان ال / ضَعفُ عنه بين الأجالدِ عارا
إِنّما العَيشُ لو تأمَّلتَ ثوبٌ / خِيل مُلكاً لنا وكان مُعارا
أيّها الثّاكل المحبّةَ لا تث / كلْ جزاءً عنها طويلاً كُثارا
وَاِصطَبر مؤثراً تفُز بِثَوابٍ / لا تُضِعْهُ بِأَن صَبرتَ اِضطِرارا
فَدَع الشَّكوَ مِن جروحِ اللّيالي / فجروح الأيَّام كنّ جُبارا
لا تشكّنَّ بالّذي قَسَمَ الأع / مارَ فاللَّهُ قسّمَ الأعمارا
وَبلغتَ الأوطارَ قِدْماً فما را / بَكَ يوماً أن تحرم الأوطارا
قَد مَضى رائداً أَمامك بِشْرِي / لك في عرْصةِ الجنانِ قرارا
أَيُّ نَفعٍ في أَن تُقيم وتمضِي / حَيَداً عن ثَوابِهِ وَاِزوِرارا
وَإِذا ما وزنتَ ذاكَ بِهذا / كنتَ معطىً فيما عراك الخِيارا
وَلَو اِنّي اِستَطعتُ دفعاً لدافع / ت ولكن جاراك مَنْ لا يُجارى
كنْ وَقوراً على مضاضةِ خطبٍ / حطّ عن مَنْكِبَيْ سواك الوَقارا
وَاِصحُ كي تُدرك الثّوابَ فكلّ ال / ناسِ في هذه الخطوبِ سُكارى
وَاِستَمعْ ما أَقوله ودعِ الأَقْ / والَ فالقولُ ما صفا وأنارا
وَإِذا ما سواك كان دِثاراً / كنتَ لِي بالوِدادِ منك شِعارا
وَسَقى اللَّه قَبره كلّما اِرفض / ضَ قُطارٌ ثنى إليه قُطارا
وَتَولّى به الغمامُ يُسقّي / هِ متى شاء ظُلمةً ونهارا
وَتَرى بَرقَه ضَحوكاً وإِن كا / نَ عَبوساً ورعده النقّارا
وعَدَته الجدوبُ في كلِّ مَحْلٍ / وكَسَتْهُ أنوارهُ الأنوارا
خيالُك يا أُميمَةُ كيف زارا
خيالُك يا أُميمَةُ كيف زارا / على عَجَلٍ وما أمِنَ الحِذارا
سرى يطأ الحتوفَ إليَّ وهْناً / ومن تبع الهوى ركب الخِطارا
أتى ومضى ولم يَنقَعْ غليلاً / سوى أن هاج للقلبِ اِدّكارا
وكم من ليلةٍ نادمتُ فيها / سَنا قمرٍ كُفيتُ به السِّرارا
جلوتُ بصبح طلعته الدّياجي / فعاد اللّيلُ من وَضَحٍ نهارا
ولمّا أن رجوتُ له اِنعطافاً / وَلم أَخَفِ اِنحرافاً وَاِزوِرارا
نَظرتُ إِليه نَظرةَ مُستميحٍ / أحالتْ وردَ وجْنَتِه بَهارا
دعِ الدِّرّاتِ يحلبُها اِحتكاراً / رجالٌ لا يرون الذُّلَّ عارا
وعدِّ عن المطامع في حقيرٍ / يَزيدك عندَ واهبهِ اِحتِقارا
وَإِن كانَ اليَسارُ يجرّ مَنّاً / عليك به فلا تُرِدِ اليَسارا
وَلا تَخشَ اِلتواءَ الدّهر يوماً / فإنّ الدّهرَ يَرجعُ ما أعارا
عَلى ملكِ الملوك سلامُ مولىً / يَخوضُ إِلى وِلايتهِ الغِمارا
تقلقلَ دهره في النّاس حتّى / علقتَ به فكنتَ له القَرارا
حلفتُ بمعشرٍ شُعثِ النّواصي / غداةَ النّحرِ يرمون الجِمارا
ومضطجعِ النّحائر عند وادٍ / أُمِيرَ نجيعِهنّ به فمارا
ومن رَفعتْ لزائره قريشٌ / سراعاً عن بنيّتهِ السِّتارا
ومَن لبّى على عرفات حتّى / توارى من ذُكاءٍ ما توارى
لقد فُقتَ الأُلى سلفوا ملوكاً / كما فاقتْ يمينُهُمُ اليَسارا
وجُزتَهُمُ وما كانوا بِطاءً / وطُلتَهُمُ وما كانوا قِصارا
وَكانَ الملكُ قَبلك في أناسٍ / وَما بَلَغوا الّذي لِيديك صارا
وَلو أَنّ الأُلى مِن آلِ كسرى / رَأوك تَسوس بالدّنيا اِقتِدارا
لما عَقدوا على فَوْدَيهِ تاجاً / ولا جعلوا بمِعصَمِه السِّوارا
وأنتَ أشفُّهُمْ خَلْقاً وخُلقاً / وأكرمُهمْ وأزكاهمْ نِجارا
وأظهرهم وقد ظفروا اِمتناناً / وأطهرهم وقد قدروا إزارا
وَأطلقهمْ يداً بندىً وبؤسٍ / وأمنعهمْ وأحماهمْ ذِمارا
وأَطعَنهمْ بذي خَطَلٍ وريداً / وأضربُهمْ بذي فِقَرٍ فِقارا
فَللّهِ اِنصلاتك نحو خَطبٍ / خلعتَ إلى تداركه العِذارا
وحولك كلُّ أبّاءٍ حَرونٍ / يُحرّم في معاركه الفِرارا
إذا ما هجتَه هيّجتَ منه / وقد حَدَق العُداة به قِطارا
وَإِنْ أَيقظتَه في ليل شَغْبٍ / فقد أوقدتَ منه فيه نارا
عِمادَ الدّين خلِّ عنِ الهوينى / فإنّ لكلّ جاثمةٍ مَطارا
وَداوِ الدّاءَ قبل تقول فيه / طبيبُ الدّاءِ أعيا فَاِستَطارا
فَإنّ الحربَ منشؤُها حديثٌ / وكان الشرُّ مبدؤه ضِمارا
وربَّ ضغائنٍ حَقُرتْ لقومٍ / رَأينا مِن نَتائِجها الكبارا
فَماذا غرّهم وَسِواك ممَّنْ / يَزيد به مجرِّبه اِغتِرارا
وَقَد شَهِدوا بفارسَ منك يوماً / ومِرجَلُ قومها بالبغيِ فارا
جَنوا حَرباً وَظنَّوا الرِّبح فيها / وكم ربحٍ جَررتَ به الخسارا
شَكا الظّمأَ الحديدُ ضحىً فرَوَّتْ / بسالتُك الأسنَّةَ والشِّفارا
وصُلتَ على جموعِهُمُ بجُرْدٍ / أطارتهم سَنابِكُها غُبارا
قتيلهُمُ رأى الموتَ اِغتِناماً / وأمُّ قتيلهمْ تهوى الإسارا
أزَرْتُك يا مليكَ الأرض منِّي / ثناءً ما اِستلبتُ به الفَخارا
فَمدحُك قد كَساني الفخرَ بُرداً / وأسكنني من العَلْياءِ دارا
يخال النَّاظرون إليَّ أنّي / كَرَعْتُ وقد سمعت به عُقارا
فدونك كلَّ سيَّارٍ شرودٍ / يزيد على مدى الدهرِ اِنتِشارا
تُطيف به الرُّواةُ فكلُّ يومٍ / يَرون له خَبيئاً مُستثارا
إِذا شَربوه كانَ لَهمْ زلالاً / وإن نَقَدوه كان لهمْ نُضارا
وإنْ قرنوه يوماً بالقوافي / مضى سَبْقاً وولّاها العِثارا
أَدام اللَّهُ ما أَعطاك فينا / وخوَّلك المحبّةَ والخيارا
ولا زالت نواريزُ اللّيالي / تعود لما تُرجّيه مزارا
وأسعدك الإلهُ بكلِّ يومٍ / سعوداً لا تُحطّ له مَنارا
وَلا أَعرى لكم أبداً شعاراً / ولا أقوى ولا أخلى ديارا
ولا أمضى بغير رضاك حُكماً / ولا أجري به فَلَكاً مُدارا
يا دِيارَ الأحبابِ كيفَ تحوَّل
يا دِيارَ الأحبابِ كيفَ تحوَّل / تِ قفاراً وَلَم تَكوني قِفارا
ومحتْ منك حادثاتُ اللّيالي / رغم أنفي الشّموسَ والأقمارا
وَاِستَردّ الزمانُ منك وَما سا / ور في ذاك كلّه ما أعارا
وَرَأتكِ العيونُ لَيلاً بهيماً / بَعدَ أَن كنتِ للعيون نهارا
كَم لياليَّ فيك همّاً طوالٌ / وَلَقد كُنّ قَبل ذاك قصارا
لِمَ أصبحتِ لي ثماداً وقد كن / تِ لمن يبتغي نَداكِ بحارا
ولقد كنتِ برهةً لِي يميناً / ما توقّعتُ أن تكوني يَسارا
إِنّ قوماً حلّوكِ دهراً وولَّوْا / أَوحشوا بالنّوى علينا الدّيارا
زوَّدونا ما يمنع الغُمْضَ للعي / ن ويُنبي عن الجُنوبِ القرارا
يا خليلي كن طائعاً لِيَ ما دُم / تَ خليلاً وإن ركبتَ الخِطارا
ما أُبالي فيك الحِذارَ فلا تخ / شَ إِذا ما رضيتُ عنك حِذارا
عُج بأرضِ الطّفوفِ عيسك واِعْقِلْ / هُنَّ فيها ولا تجزهنَّ دارا
وَاِبكِ لِي مُسعِداً لحزنِيَ وَاِمنح / ني دموعاً إن كنّ فيك غِزارا
فَلنا بالطّفوف قتلى وَلا ذَنْ / بَ سوى البغيِ من عدىً وأُسارى
لَم يَذوقوا الرّدى جُزافاً ولكنْ / بَعدَ أَن أكرهوا القنا والشِّفارا
وأطاروا فَراشَ كلِّ رؤوسٍ / وأماروا ذاك النجيعَ المُمارا
إنّ يوم الطّفوف رنّحني حُزْ / ناً عليكم وما شربتُ عُقارا
وإذا ما ذكرتُ منه الّذي ما / كنتُ أنساه ضيّق الأقطارا
وَرَمى بي عَلى الهمومِ وَأَلقى / حَيَداً عَن تنعّمي وَاِزوِرارا
كِدتُ لمّا رَأيتُ إقدامهمْ في / هِ عليكم أن أهتِك الأستارا
وأقول الذي كتمتُ زماناً / وتوارى عن الحشا ما توارى
قُل لِقومٍ بنوا بغيرِ أَساسٍ / في ديارٍ ما يملكون مَنارا
وَاِستَعاروا مِنَ الزّمان وَما زا / لَتْ لَياليهِ تَستَرِدُّ المُعارا
ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً / لا ولا منزلٌ سكنتمْ قرارا
أيُّ شيءٍ نَفعاً وضرّاً على ما / عوّد الدّهرُ لم يكن أطوارا
قَد غَدَرتمْ كَما عَلِمتم بِقومٍ / لم يكن فيهم فتىً غدّارا
وَدَعوتمْ مِنهمْ إِلَيكم مُجيباً / كرماً منهُمُ وعُوداً نِضارا
أمِنوكمْ فما وفيتمْ وكم ذا / آمنٌ من وفائنا الغدّارا
ولكُمْ عنهُمُ نجاءٌ بعيدٌ / لو رضُوا بالنّجاء منكم فرارا
وَأَتوكمْ كَما أَرَدتمْ فلمّا / عاينوا عسكراً لكمْ جرّارا
وَسُيوفاً طوَوْا عَليها أكفّاً / وقناً في أيمانكمْ خطّارا
عَلِموا أنّكم خَدعتمْ وقد يخ / دَعُ مكراً من لم يكن مكّارا
كانَ من قبل ذاكَ سترٌ رقيقٌ / بَيننا فَاِستَلبتُمُ الأستارا
وَتَناسيتُمُ وما قَدُمَ العه / دُ عهوداً معقودةً وذمارا
وَمَقالاً ما قيل رَجماً مُحالاً / وكلاماً ما قيل فينا سِرارا
قَد سَبرناكُمُ فكنتم سَراباً / وخبرناكُمُ فكنتمْ خَبارا
وهديناكُمُ إلى طُرُقِ الحق / قِ فكنتمْ عنّا غفولاً حَيارى
وَأَردتمْ عزّاً عَزيزاً فما اِزددْ / تمْ بِذاك الصّنيع إلّا صَغارا
وَطَلبتم رِبحاً وَكَم عادتِ الأر / باح ما بيننا فعدن خسارا
كانَ ما تضمرون فينا من الشر / رِ ضِماراً فالآن عاد جهارا
في غدٍ تبصر العيونُ إذا ما / حُلنَ فيكمْ إقبالَكمْ إدبارا
وتودّون لو يفيد تمنٍّ / أنّكم ما ملكتُمُ دينارا
لا ولا حُزتُمُ بأيديكُمُ في ال / ناس ذاك الإيراد والإصدارا
عدِّ عن معشرٍ تناءوا عنِ الحَق / قِ وعن شَعبه العزيز مَزارا
لَم يَكونوا زيناً لِقومهمُ الغر / رِ ولكن شيناً طويلاً وعارا
وَكأنّي أثنيكمُ عن قبيحٍ / بمقالي أزيدكم إصرارا
قَد سَمِعتمْ ما قالَ فينا رسول ال / له يَتلوهُ مَرّةً وَمِرارا
وَهوَ الجاعل الّذين تَراخوا / عن هوانا من قومه كفّارا
وإذا ما عصيتُمُ في ذويه / حال منكمْ إقرارُكمْ إنكارا
ليس عذرٌ لكم فيقبله اللّ / ه غداً يوم يقبل الأعذارا
وغُرِرتمْ بالحلمِ عنكم وما زِي / دَ جهولٌ بالحلم إلّا اِغتِرارا
وَأَخَذتم عَمّا جرى يومَ بدرٍ / وَحُنينٍ فيما تخالونَ ثارا
حاشَ للَّه ما قَطعتم فَتيلاً / لا ولا صرتُمُ بذاك مصارا
إِنّ نورَ الإِسلامِ ثاوٍ وَما اِسطا / عَ رِجالٌ أَن يَكسِفوا الأَنوارا
قَد ثَلَلْنا عروشَكمْ وَطَمَسنا / بِيَدِ الحقّ تلكُمُ الآثارا
وَطَردناكُمُ عنِ الكفرِ باللّ / ه مُقاماً ومنطقاً وديارا
ثمّ قُدناكُمُ إِلَينا كَما قا / دتْ رُعاةُ الأنعام فينا العِشارا
كَم أَطَعتمْ أَمراً لَنا وَاِطّرَحنا / ما تَقولون ذِلَّةً وَاِحتِقارا
وَفَضَلْناكُمُ وما كنتُمُ قط / ط عنِ الطّائلين إلّا قِصارا
كَم لَنا منكمُ جروحٌ رِغابٌ / وجروحٌ لمّا يكنّ جِبارا
وضِرارٌ لولا الوصيّة بالسِّلْ / مِ وبالحلم خاب ذاك ضِرارا
وَاِدَّعَيتمْ إلى نِزارٍ وأنّى / صدقكمْ بعد أن فضحتمْ نِزارا
وإذا ما الفروع حِدنَ عن الأص / ل بعيداً فما قَرُبن نِجارا
إِنّ قَوماً دَنوا إِلَينا وشبّوا / ضَرَماً بيننا لهمْ وأُوارا
ما أَرادوا إلّا البَوارَ وَلَكنْ / كَم حَمى اللَّهُ مَن أَرادَ البَوارا
فَإِلى كَم والتجرِباتُ شعاري / ودثاري ألابس الأغمارا
وَبَطيئينَ عَن جَميلٍ فإن عَن / نَ قَبيحٌ سَعوْا لَه إِحضارا
قسماً بالّذي تُساقُ له البُدْ / نُ ويُكسى فوق السّتار ستارا
وَبِقومٍ أتوا مِنىً لا لشيءٍ / غير أن يقذفوا بها الأحجارا
وبأيدٍ يُرفَعْنَ في عَرَفاتٍ / داعياتٍ مخوِّلاً غفّارا
كم أتاها مخيَّبٌ ما يُرجّى / فَاِنثَنى بالغاً بها الأوطارا
والمصلّين عند جَمْعٍ يرجّو / ن الّذي ما اِستجيرَ إلّا أَجارا
فَوقَ خُوصٍ كللن مِن بعدِ أَن بل / لَغنَ تلك الآمادَ والأسفارا
وَأَعاد الهجيرُ والقُرُّ والرَّوحا / تُ منها تحت الهِجار هِجارا
يا بَني الوحي والرّسالة والتَّط / هير من ربّهمْ لهمْ إكبارا
إنّكم خيرُ من تكون له الخَض / راءُ سقفاً والعاصفاتُ إزارا
وَخيار الأنيسِ لَولاكُمُ في / ها تُحِلُّون من يكونوا خِيارا
وَإِذا ما شفعتُمُ مِن ذنوب ال / خلق طرّاً كانت هباءً مُطارا
وَلَقد كُنتُمُ لِدين رَسولِ ال / له فينا الأسماعَ والأبصارا
كُم أُداري العِدا فَهل في غيوب ال / لَه يومٌ أخشى بِه وأدارى
وأُصادِي اللّئامَ دَهري فهل يق / ضى بأن بتّ للأكارم جارا
وأقاسي الشّدّاتِ بُعداً وقرباً / وأخوض الغمار ثمّ الغمارا
وَأُموراً يعيينَ لِلخَلقِ لَولا / أنّني كنت في الأذى صبّارا
أَنا ظامٍ وليس أَنقع أَن أُب / صِرَ عَيني في الخلقِ إلّا الشّرارا
لَيتَ أنّي طِوالَ هَذي اللّيالي / نلتُ فيهنّ ساعةً إيثارا
وَإِذا لَم أَذق منَ الدّهر إحلا / ءً مدى العمر لم أذق إمرارا
مَيُّ أنَّى لِي أن أقصُر اليومَ عن كل / لِ الأماني إن أملك الإقصارا
سالياً عن غروس أيدي اللّيالي / كيف شاءت وقد رأيت الثّمارا
أَيُّ نَفعٍ في أَن أراها دياراً / خالياتٍ ولا أرى دَيّارا
وسُكارى الزّمان بالطّمع الكا / ذب فيه أعيوا عليَّ السّكارى
فَسَقى اللَّه ما نَزلتُم من الأر / ض عليه الأنواءَ والأمطارا
وَإِذا ما اِغتَدى إِليها قِطارٌ / فَثَنى اللَّه لِلرّواح قُطارا
ما حَدا راكبٌ بركْبٍ وما دب / بَ مَطيُّ الفلاة فيها وسارا
لَستُ أَرضى في نَصركمْ وَقد اِحتج / تمْ إلى النّصر مِنِّيَ الأشعارا
غَيرَ أنّي مَتى نُصرتمْ بطعنٍ / أو بضربٍ أسابق النّصّارا
وإلى أن يزول عن كفَّيَ المن / عُ خذوا اليوم من لساني اِنتِصارا
وَاِسمَعوا ناظرينَ نَصر يميني / بشبا البِيض فَحْلِيَ الهدّارا
فلساني يحكي حسامي طويلاً / بطويلٍ وما الغِرار غِرارا
وَأُمرنا بِالصّبر كي يأتِيَ الأم / رُ وما كلّنا يطيق اِصطِبارا
وَإِذا لَم نَكُن صَبرنا اِختياراً / عَن مرادٍ فقد صبرنا اِضطِرارا
أَنا مَهما جريت في مَدحكمْ شأ / واً بعيداً فلن أخافَ العثارا
وَإِذا ما رَثيتكمْ بقوافي / يَ سراعاً فمُرْجَلُ الحيِّ سارا
عاضَني اللَّه في فَضائِلكم عل / ماً بِشكٍّ وَزادني اِستِبصارا
وأراني منكم وفيكم سريعاً / كلَّ يومٍ ما يُعجب الأبصارا
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ / وأدركتُ من طلب الثّأر ثارا
قوافي ما كنّ إلّا الغمام / سقى بعد غُلّتهنّ الدّيارا
إذا ما نُقِدن وُجدن النُّضارَ / وإِمّا كُرعن حُسبن العُقارا
وهنّأنني بأيادي الإمام / كسون الجمال وحُزن الفخارا
لبستُ بهنَّ على مَفْرقي / يَ تاجاً وفي معصميَّ سِوارا
ولو شئت لمّا تيسّرْن لِي / لنالتْ يداي المحيط المُدارا
وما كُنَّ إلّا لِشكٍّ يقيناً / ولُبْسٍ جلاْءً وليلٍ نهارا
وَلِمْ لا أَصول وقد صار لي / شعار إمام البرايا شعارا
ولمّا تعلّق زين القضا / ة قلبيَ صار لمثواي جارا
غفرتُ له هفواتِ الزّمان / وكنّ الكبار فصرن الصِّغارا
ولبّاه منّي الإخاءُ الصّري / حُ حين دعا أو إليه أشارا
فإن تفتخر بأبيك الرّشيد / ملأتَ لنا الخافقين اِفتخارا
وأنّك من معشرٍ خُوّلوا / من المَأثُرات الضّخام الكبارا
يسود وليدهُمُ الأشيبين / ويعطون في المعضلات الخِيارا
تمازج ما بيننا بالودادِ / وعانق منّا النِّجارُ النِّجارا
ونحن جميعاً على الكاشحين / فكنتَ السّنانَ وكنّا الغِرارا
فخذها تطول قِنانَ الجبال / وإن كنّ للشّغل عنها قصارا
ولا زلتُ فيك طوال الزّما / ن أُعطي المرادَ وأُكفى الحِذارا
تزوريننا وهناً ولو زرتِ في الضّحى
تزوريننا وهناً ولو زرتِ في الضّحى / لأطلقتِ من ضيق الوِثاق أسيرا
وما كانَ ما أَشعَرتنيهِ زِيارةً / ولكنّها كانت لقلبِيَ زُورا
فإنْ لم تكن حقّاً فإنّي جنيتُها / إلى أنْ بدا ضوء الصّباح سرورا
فجاءَتْ إلى ليلِي الطّويل فخيّلتْ / لعينِيَ أو قلبي فعاد قصيرا
لقاءٌ شفى بعض الغليل ولم أكنْ / عليه وإن كنتُ القديرَ قديرا
وَما كانَ إلّا فكرةً لمفكّرٍ / وذكراً جنى منه الظّلام ذَكورا
وَلَمّا اِنقَضى ما صرتُ إلّا كَأنّني / محوتُ بضوء الصّبح منه سطورا
إذا ما حذرتَ الأمر فَاِجعَل إزاءَه
إذا ما حذرتَ الأمر فَاِجعَل إزاءَه / رجوعاً إلى ربٍّ يقيك المحاذرا
وَلا تَخشَ أَمراً أَنتَ فيهِ مفوِّضٌ / إِلى اللَّه غاياتٍ له ومصادرا
وَلا تُنهِضَنْ في الأمرِ قَوماً أذلّةً / إِذا قعدوا جنباً أقاموا المعاذرا
وَكنْ للّذي يَقضي بِهِ اللَّه وَحدَه / وإنْ لم توافقه الأمانيُّ شاكرا
وَلا تَفخَرنْ إلّا بِثوبِ صيانةٍ / إذا كنت يوماً بالفضيلة فاخرا
وَإنّي كَفيلٌ بِالنّجاء منَ الأذى / لِمن لَم يَبتْ يدعو سوى اللَّه ناصرا
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ / وإِذ أنَا في الورق النّاضرِ
أُجرّر ذيل الصّبا جامحاً / بلا آمرٍ وبلا زاجرِ
إلى أنْ بدا الشّيبُ في مَفرقي / فكانت أوائله آخري
وزَوْرٍ تخطّى جَنوبَ المَلا / فناديت أهلاً بذا الزّائرِ
أتاني هدوّاً وَعينُ الرّقي / ب مطروفةٌ بالكرى الغامرِ
فأعجب بهِ يُسعف الهاجعينَ / وتُحرمه مُقلةُ السّاهرِ
وعهدي بتمويه عين المحبّ / تنُمُّ على قلبه الطّائرِ
فَلَمّا اِلتَقينا برغم الرّقا / دِ مَوّه قلبي على ناظري
وبيضُ العوارضِ لمّا برز / ن برّحن بالقمر الباهرِ
يُعِرْن الحليمَ خُفوفَ السّفيهِ / ويحلُلْن عَقْدَ الفتى الماهرِ
وفيهنّ آنسةٌ بالحديثِ / وفي البذل كالرَّشأِ النّافرِ
بطَرْفٍ فَتورٍ ويا حَرَّما / بقلبيَ من ذلك الفاترِ
ويا عاذلي لو تذوق الهوى / لكنتَ على حبّها عاذري
تلوم وقلبُك غيرُ الشجيِّ / ألا ضلّ أمرُك من آمرِ
أقول لركبٍ أرادوا المسير / وقد أخذوا أُهْبَةَ السّائرِ
وَقَد وَقَفوا مِن لَهيبِ الوَداعِ / على حرِّ مستعرٍ فائرِ
فَمِن مَدمعٍ جامدٍ للفِراق / وآخرَ واهي الكُلى قاطرِ
إِذا ما مَرَرتمْ عَلى واسِطٍ / فَعوجوا عَلى الجانِبِ العامرِ
وَأَهدوا سَلامي إلى غائبٍ / بها وهْوَ في خاطري حاضري
إلى كم أسوّف منه اللقاءَ / وكم أرتدي بُردةَ الصّابرِ
وقد ضاق بي مُذ نأيتَ العراقُ / كما ضاق عِقْدٌ على شابرِ
كأنِّيَ لمّا حماك البِعا / دُ عَن ناظرَيَّ بلا ناظرِ
وَإِنّيَ مِن فَرْطِ شَوقي إليك / ووجدي كسيرٌ بلا جابرِ
كئيب الضّمير وإن كنت بالت / تجلّد مبتسمَ الظّاهرِ
ويُحسَبُ بين الضّلوع الفؤاد / وقد طار في مِخْلَبَيْ طائرِ
فيا لك من مُجرِمٍ مُسْلمٍ / تغيّب عنه شبا النّاصرِ
ومن واترٍ ظَفِرَتْ عنوةً / بأثوابه قبضةُ الثّائرِ
ولولا الوزيرُ ابنُ حَمْدٍ لَما / سألتُ وصالَ امرئٍ هاجرِ
وَما كنتُ إلّا قَليلَ الصّدي / قِ في النّاس كالضّيغمِ الخادرِ
أيا من تملّك منّي الفؤا / دَ حوشيتَ من سُنّةِ الجائرِ
وَيا نافِعي بِزمانِ الوِصا / لِ لِمْ عاد نفعُك لي ضائري
تفرّدتَ بي دون هذا الأنام / وشورِكتُ في قَسْمِكَ الوافرِ
ومن عجبٍ أن يرومَ البطيءُ / عَن الودّ منزلةَ الباكرِ
وقد علم القومُ إذْ وازنو / ك أين الجَهامُ من الماطرِ
وأين الحضيضُ من الفرقدين / وأين الخبيث من الطّاهرِ
وإنّك وحدَك في ذا الزّما / ن تستنتج الفضلَ من عاقرِ
وتصبو على نفحاتِ الخطو / ب سمعاً إلى منطق الشّاكرِ
أهزّك بالشّعر هزَّ الشّجا / عِ يومَ الوغى ظُبَتَيْ باترِ
وأمري وصالَكَ بالنَّاظماتِ / سموطاً على مَفرَقِ الفاخرِ
وأعلمُ إنْ كان غيري لدي / ك كالجَفْن إنِّي كالنَّاظرِ
ولستُ إذا فُتَّنِي ثمّ نلتُ / جميع المنى لستُ بالظّافرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ / وإليك مرجع كلّ مدحٍ سائرِ
وَأراكَ أَفضل مَن تَعاور فضلَه / إخفاءُ مخفٍ أو إشادةُ ذاكرِ
هَذي الخِلافةُ مُذْ مَلأت سَريرها / في بُردة الزَّمن الأنيق النَّاضرِ
سكنتْ إليك وأكثبَتْ لكفيئها / وهي القصيَّة عن رجاء الخاطرِ
غادرتمُ مُستامَها في غيركمْ / نَهْباً حصيدَ أسنّةٍ وبواترِ
وَإِذا اِنتَمى شَرفٌ إلى أعقابهِ / أغناك أوّل سُودَدٍ عن آخرِ
ضَمِنتْ همومُك كلَّ خطبٍ موئدٍ / وأقام عدلُك كلَّ رأيٍ جائرِ
وَنَأى بِمَجدكَ عَن تقبُّلِ ماجدٍ / كرمٌ يبرّح بالغمام الماطرِ
وَمواطنٌ لكَ لا تَقلّ مُزَنِّداً / صَهَواتِ جُرْدٍ أو ظهور منابرِ
خَبُثَ الزّمانُ فَمُذ غَمرتَ فِناءَه / أضحى سلوكَ مناقبٍ ومآثرِ
فَاِفخرْ أَمير المُؤمنين فما أرى / بعديل عزّك في الورى من فاخرِ
وتهنَّ بالشّهر الجديد فقد أتى / في خير آونةٍ بأسعد طائرِ
تنتابك الأيّامُ غيرَ مُذمّمٍ / يَلقى اِمتنانَك واردٌ عن صادرِ
وَأَنا الّذي يرضيكَ باطنُ غَيبهِ / وكفاك في الأقوامِ حسنُ الظاهرِ
أَفضى إلى خَلَدِي وِدادُك مِثلما / أفضى الرّقادُ إلى جفون السّاهرِ
ما لي يُتيّمني لقاؤك وهْو لِي / شَطَطٌ وغيري فيه كلُّ القادرِ
وَلَربّما أَلغى حقوقك واصلٌ / وأتاك يشرح في رعاية هاجرِ
وَأَحقّ ما أَرجوه منك زيارةٌ / أُدعى لها في النّاس أيمنَ زائرِ
أَرَبٌ متى قضَّيبَه ببلوغه / كثّرتَ شَجْوَ مُكاثري ومفاخري
هَل لي عَلى تلكَ المَمالكِ وقفةٌ / في ذلك الشّرف المنيف الباهرِ
أم هل لساني يوم ذاك مترجمٌ / عَن بَعضِ ما اِشتَمَلَتْ عليهِ ضَمائري
وَتيقُّني أنْ ليس جِدّي نافعي / إنْ لم يكن جَدّي هنالك ناصري
وَإِذا التحيّة لِلخَليفة أعرضتْ / فهناك أُمُّ القول أبخلُ عاقرِ
فَاِمنُنْ بِإذنٍ في الوصول فإنّني / أُلفى بفَرْطِ الشّوق أوّلَ حاضرِ