المجموع : 380
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ / وزلتُ وما عهد الرعاية زائلُ
يُمثِّل لي قلبي على البعد شخصَه / فتمثاله لي حيثُ ما كنتُ ماثلُ
رعى اللَه مَن روحي قرينة روحِهِ / وما بين جسمَينا تُعَدُّ المَراحلُ
وقد فَصَل التفريق بين أحبَّةٍ / وليس لأرواح الأحبَّة فاصلُ
سقى اللَهُ أياماً نعمنا بظلِّها / إذ العيشُ غَضٌّ والحبيب مُواصِلُ
تغازلني منه الإشارات عابثاً / فيصطادني ذاك الغزال المُغازِلُ
فحيث رمى منّي يصادف مقتلاً / كأني علي حين ترمى مَقاتلُ
وليلة وصلٍ ليلةُ القدر أُختُها / تجلَّت بها الظلماءُ والبدرُ آفلُ
وأبصرتُ وجهاً قلتُ لمّا رأيتُه / ألا ليت شعري ما تقول العواذلُ
وما صَبَغَت صِبغَ الخدود مدامةٌ / بها صُبِغَت قبل الخدود الأناملُ
وسكرانة سكرى دلالٍ وقوَّةٍ / إذا هي قامت لم تَخُنها المفاصلُ
تثنَّت بغصنٍ ذابلٍ عند سكرها / وذا عجبٌ غصنٌ من الريِّ ذابلُ
فإن لم أقُل ما كانَ في ضرِّه المنى / فواهاً له إنَّ الحَنينَ لقائلُ
ولم أطوِ سرّي عنكمُ لاتِّهامكم / ولكن لإفشاء الحديث غوائلُ
نُجاملُ مَن يُبقي على مَن نحبُّه / ولن تخلصَ البُقيا لمن لا يُجامِلُ
وحيثُ أرى إلفاً لإلفٍ مُصَافياً / فَثَمَّ حَسُودٌ لا ينام وعاذلُ
إقبالُهُنَّ بشارةُ الإقبالِ
إقبالُهُنَّ بشارةُ الإقبالِ / وحضورُهنَّ حضورُ حُسنِ الحالِ
هُنَّ الغواني بالجمال عن الحُلى / فجمالُهنَّ يفوق حَليَ الحالي
إنعامُهنَّ لنا طليعة نعمةٍ / موصولةٍ بمقدّماتِ وصالِ
شُبنَ الملاحةَ بالدلال وأُشرِبَت / بقلوبهن حلاوةُ الإدلالِ
ذُلُّ اليَسير بطرفهنَّ وفوقه / عَقدُ الحواجب فيه تِيهُ الغالي
واذا اهتزَزنَ لنا تهزُّ قلوبَنا / هيفُ الخصور ورُجَّحُ الأكفالِ
يُشفى العليلُ بأُنسهن كمثل ما / تُشفى العِطاشُ ببارد السلسالِ
فالشَّيب أسخطهنَّ من بعد الرضا / والعُدم علَّمهنَّ صفح الحالِ
قد يُستَفاد المالُ بعد نفاده / والشَّيب أعيا حيلةَ المحتالِ
فطمعتُ في نصف الرضا ويئستُ من / نصفٍ لإعدامي وشيب قذالي
قُم يا غلام فسلِّ قلبي بالتي / فيها السلوُّ عن الملول السالي
كيف الصلاح وقد بُليتُ بشادنٍ / في الحسن منفردٍ بغير مثال
لم أُنصِف المعشوقَ إذ شَبَّهتُه / قَدَّ القضيب وصورةَ التمثال
فإذا تلفَّت أو رنا فارغب به / عن جيد مُغزِلةٍ وعين غزال
وطراز طُرَّتِه ونور جبينهِ / يُنسيكَ كلَّ دجىً وكلَّ هلال
وتشعشع الخدَّين من ماء الحيا / كرحيق خمرٍ مُشرَبٍ بزلال
نزه العيون جلاؤهنَّ من الحيا / ولكل قلبٍ في البصيرة خالِ
تَبلى الرياضُ وكلُ روضٍ وافرٍ / وندى البَريديينَ ليس ببال
عزُّ البريديين أحسن منظراً / للناس فيه حدائق الآمال
إقبالُ دولتهم على كلِّ الورى / مُتَتابِعٌ بعوائد الإقبال
قد كادت الأرزاق تُقفَل فانبرت / بركاتُهم بمفاتح الأقفالِ
وهُمُ الثلاثة شَبَّ فيهم رابعٌ / من ذي المعالي وهو جدٌّ عال
أيّامُكم في العالمين كأنَّها / من حسنها مصقولة بصقال
عظمت كفايتُكم وجلّ غَناؤكم / فبكم تسير سوائرُ الأمثالِ
في الأرض ذلك في السماوات العُلى / تُدعَونَ سادةَ سادةِ العُمّالِ
ما قلتُ زوراً إنَّ بَسطَ نوالكم / في الأرض أفضلُ صالح الأعمالِ
مَن شاء فليقتل لذلك نفسَه / أسفاً وربَّ تأسُّفٍ قَتّالِ
فليرغم الحسّادُ إنَّ خدودهم / حُطَّت لمَوطَأكم نِعَالَ نِعَالِ
هلا أتوا بخلائقٍ كخلائق / فيكم مبرزة بكل كمالِ
لم ينقموا إلا التيقظ منكمُ / وتحفُّظ الغَفَلات والإغفالِ
فرأوا مساعيَهم قرارةَ وهدةٍ / ورأوا مساعيَكم سماءَ معالِ
فبمثل ذا عنَد الحسود وإنما / بسَخى القلوبِ تفاوُتُ الأحوالِ
أوَ ما ترى رجلاً يقوم مقامةً / ما إن يقوم بها ألُوفُ رجالِ
هذا أبو عبد الإله يمدُّه / شكرُ الإله بفضله المتوالي
لو ضُمَّت الدنيا إليه بأسرها / لاقتادها من نعله بقِبالِ
ما ذاك في القرطاس نِقساً إنما / هو كشف كربٍ أو حلول وَبالِ
وإذا سمعتَ صرير أقلامٍ له / فزئير أُسدٍ في حمى الأشبالِ
ويبعثر الجيش العرمرم واصفاً / كيداً يصاول صولةَ الأبطالِ
ما أشرف القلم المشرِّفَ أهله / ضخم المَريرة وهو نِضو هُزالِ
يمشي مُكِبّاً والخُطا من مشيه / طُرق الغنى وطوارق الأهوال
ويمجُّ رَعفاً لا يملُّ لسانُهُ / ويفيض بالآمالِ والآجالِ
يا أحمد بن محمدٍ حمداً لمن / جعل الفضائلَ في ذوي الإفضالِ
قال النَّبيُّ يدُ الذي يعطي هي ال / عليا وأنت على الأنام العالي
ويداك قد عَلَتا على أيدي الورى / بجلال قدرك فوق كلِّ جلالِ
ولقد حرستَ مواهبَ اللَه التي / أُوتيتَ بالإحسانِ والإجمالِ
فاللَه بالبركات خصَّك إذ رأى / نعماك قد كَلِفَت بهَدِّ جِبالِ
فمؤمَّل العافين أنت وأنت ذخ / ر الأولياء وكنز بيت المالِ
واللَه يحمل ذاك عنك بأسره / شكراً لأنك حامل الأثقالِ
واللَهُ يؤتي فضلَه ومزيدَه / من شاء غير مُدافَع الأفعالِ
لا زلتَ في نعمٍ تُزاد بشكرها / مدداً من الإعظام والإجلالِ
إقبالُ عامٍ بشكر الخير مقبولُ
إقبالُ عامٍ بشكر الخير مقبولُ / عيدُ الأمير بعيد البرِّ موصولُ
يوم العَرُوبة والنَّيروز قد جُمِعا / فاليومُ يومٌ له تاجٌ وإكليلُ
يومٌ من الجُمعة الغرّاء غُرَّتُه / وفيه من بهجة النيروز تحجيلُ
يومٌ تألَّف من عيدَينِ عيد تقىً / وعيد مُلكٍ فذا فضلٌ وتفضيلُ
فانعم بنيروزك الميمون طائره / وبالسعادة حبل الحظِّ مفتولُ
وعشتَ ما عشتَ فيما شئتَ من نعمٍ / فيها عليك لظلِّ العزِّ تظليلُ
فاليوم عظّمَهُ وبجَّلَهُ / فحظه منك تعظيم وتبجيل
يومٌ تُصاغ به التيجانُ من زَهَرٍ / لابن الملوكِ وللجيش الأكاليلُ
لقد تزيَّنت الدنيا بزخرفها / فالروض قد مُثِّلَت فيه التماثيلُ
فالغيم يبكي إذا ما الروض ضاحَكَهُ / وناظِرُ النبت بالأنداء مكحولُ
يومٌ له زَفَّت الدنيا عرائسَها / لهنَّ من سندسٍ خُضرٍ سرابيلُ
مُعَمَّمات بوَشيٍ من جواهرها / مرصَّعات وفي الترصيع تفصيلُ
هذا الربيع من الجنّات مُستَرَقٌّ / ففيه منهنَّ تَميِيلٌ وتمثيلُ
فالورد من وجنة المعشوق صبغتُه / والطِّيبُ من نكهة المعشوق معلولُ
وردُ الحبيب مصونٌ ليس يقطفه / إلا العيون وورد الروض مبذولُ
طيبوا فما طيب هذا اليوم مُدَّغَمٌ / يخفى ولا فضل هذا اليوم مجهولُ
أمّا النهار فلا حَرٌّ ولا خَصَرٌ / والليل لا قِصَرٌ فيه ولا طُولُ
فلا طلائع جيش القيظ طالعة / كذاك سابق جيش القرِّ مغلولُ
فيا لعيشٍ لفيض الروح رَعرَعَةٌ / وللنسيم مع الأشجار تطفيلُ
فلا البَنَانُ مع التجميش منقبِضٌ / ولا العناق لكُثر الحَرِّ مملولُ
طاب الهواءُ لتعديل النهارِ به / فللذاذات في الأرواح تعديلُ
فالنَّورُ يزهِر في خُضر الرياض كما / يُزهِرنَ في ظُلَم الليل القناديلُ
فشيِّعوا يومَكم واستقبلوا غدَه / فقسمة العيش تقديم وتأجيلُ
فما انتظاركمُ والعيشُ مقتبلٌ / والورد مبتسمٌ والروض معلولُ
لنا ربيعانِ من وقت ومن كرَمٍ / وسيدٌ ماجد الأخلاق بُهلول
هو الأمير ابن يزدادَ الذي سهلت / به الخطوبُ فللخيرات تسهيلُ
حُسناه راضت قلوبَ الناس كلِّهمُ / فودُّه في قلوب الناس مقبولُ
إحسانُه عَمَّ أهلَ الشرق كلَّهم / فرَبعُه أبداً بالشكر مأهولُ
إليه أقبلت الآمال أجمعُها / تصدى فما غيره في الناس مأمولُ
لو عُدَّ في الخَلق مَن يُغذى بنعمته / ما كان يُروِيهم جَيحَانُ والنِّيلُ
له دلائل إقبالٍ يوافقها / يمنٌ ورأي على التوفيق مدلولُ
والحاسب الشهم لا تجري أناملُه / بحَسب ما أنت مشكور ومسؤولُ
لم يبقَ طاغٍ وباغٍ لم يمسّهما / من بسط كفَّيك تكليلٌ وتنويلُ
فيا ابن يزدادَ مَن ولاك بانَ له / من بَدوِ أمرِك تكميلٌ وتكفيلُ
فالحمد لله لا حُسناك ضائعةٌ / كلا ولا عِقدُ شُكرِ اللَه محلولُ
فليس ما زاد فيه الشُّكر مُنتقَصاً / ولا لما أثبتَ الإحسانُ تحويلُ
من سُنَّة اللَه إمداد الشَّكور له / وما لسُنَّتِه في الخلق تبديلُ
إنّي أقول فإن أكثرتُ في مِدَحي / في جنب إحسانك التكثيرُ تقليلُ
يا غارساً شجر الإحسان كُلْ ثمراً / لكنَّه ثمر بالسمع مأكولُ
مدح يلذُّ من الأفواه مَرشفُه / كما يلذ من المعشوق تقبيلُ
يومٌ أتى بنسيم الرِّيح موسوما
يومٌ أتى بنسيم الرِّيح موسوما / مباركٌ بزمام المُلك مزموما
المهرجان الذي كانت تبجِّله / ملوك تبجيلاً وتعظيما
فاليمن طائرُه والسعد طالعُه / تفاؤلاً يوجب الزلفى وتنجيما
جاءتك عافيةٌ فاز الأنامُ بها / فوزاً عظيماً فمخصوصاً ومعموما
من بعدما شَنَّقَ الإرهاقُ أنفسَهم / وضُرِّمَت جمراتُ الخوف تضريما
وَعكُ الأمير وقاه اللَه كلَّ أذىً / أنشا سحاباً من الأحزان مركوما
لم يبق في الأرض لا روحٌ ولا بدنٌ / إلا وقد كان من حُمّاك محوما
حُمّاك نغَّصتِ اللذات فانقلبت / من التنغُّص غِسليناً وزقُّوما
حتّى حسبنا نسيمَ الريح صار لظىً / يشوي القلوب وصار الظلُّ يحموما
قسمتَ حُسناك بين الناس كلِّهمِ / فصار وَعكُك بين الناس مقسوما
لقد أبارَت قلوبَ الناس من جزعٍ / أنفاسُ كربٍ يُفَكِّكنَ الحيازيما
فقد كفى اللَه ما خافوا وما حذروا / فعاد مستبشراً مَن كان مهموما
من بعدما اصفرَّ وجهُ العيش حين رأى / خدَّ السرور بكفِّ الحزن ملطوما
وأقبل الجودُ كالولهان حين بدا / دمعُ المكارم والإحسانِ مسجوما
كانت لعلَّتك الدنيا على وجلٍ / خوفاً وكان لك الإسلامُ مغموما
سبحان مَن كشف البلوى وفرَّجَها / من بعدما صمَّم المكروهُ تصميما
فنحمد اللَه في تجديد نعمته / حمداً يحقِّق للتجديد تتميما
هذا الأمير ابن يزدادَ الذي ملأت / آثارُه وأياديه الأقاليما
والناس قد علموا مقدارَ سيرته / منهم وزادهم الإشفاقُ تعليما
يا عصمة الدين والدنيا وزينتها / لا زلتَ من نكبات الدهر معصوما
وكيف لا يتمنّى الناسُ كلُّهم / حياةَ مَن قد أماتَ الجورَ واللُّوما
عدلُ الأمير وإحسانُ الأمير هما / رَدّا الزمانَ عن الأحرار مخصوما
لا تعد مَنَّك دنياً أنت واحدُها / إذ كان شبهُك في ذا الدهرِ معدوما
صارت بك البصرة المأوى وقد غَنِيَت / وصار معنومها في الناس معنوما
عهدي بها وهي إقليم الشقاق فقد / صَيَّرتَها أنت للتأليف إقليما
فزادك اللهُ تمكيناً ومقدرةً / وزاد أنفَ الذي عاداك ترغيما
صَيَّرتَ حُسناك حتماً منك مفتَرَضاً / فصار حبُّك مفروضاً ومحتوما
صنائعٌ لك في الدنيا مشهَّرةٌ / تكاد بالشكرِ أن يفُصِحنَ تكليما
زحزحت عن كلِّ مظلومٍ ظُلامَتَهُ / فصار مالُكَ للراجين مظلوما
فحين حُكِّمتَ في الدنيا وزخرفها / حَكَّمتَ دِينك في دنياك تحكيما
أقبلتَ تخدم تقوى اللَه مجتهداً / فصرت باليمن والإقبال مخدوما
يستنشق الناس طِيباً إن ذكِرتَ لهم / كأنَّ أسماعهم صارت خياشيما
يا مَن إذا ما رأى المحرومُ طلعتَه / فلن يُرى ذلك المحروم محروما
لا زال ركنك موطوداً تُشيِّده / ولم يزل ركنُ مَن ناواك مهدوما
من رام يبغيك لم يظفر ببغيته / حتّى يرى الزِّنج في ألوانهم رُوما
اني لأكتم حاجاتٍ تُثَقِّلني / وأثقلُ السقمِ سقمٌ كان مكتوما
ما حيلة العبد في إذكار سيِّدِه / بعد التغافلِ عمّا كانَ معلوما
بَينا أُؤمِّل أن أزداد نافلةً / حتّى مُنِعتُ الذي قد كان مرسوما
والموت أجمل بالإنسان منزلةً / من أن يُرى بخِطام الذلِّ مخطوما
لِم أخَّرَ الكاتبُ الإنجازَ في عِدَتي / وكيف لا يجعل التأخير تقديما
هذا على أنَّه المرضيُّ مذهبُه / في السرِّ والجهر تعديلاً وتقويما
قد هذَّبَته بتقويمٍ صرامَتُه / وزاده النصح تهذيباً وتصريما
ولا يُلام فتىً يحتاط منتصحاً / ليس احتياطُ الفتى في النصح مذموما
لكن أرى المطلَ داءً في تطاولِهِ / وبالعناية يُلقى الداءُ محسوما
هل غير إحسانِ فعلٍ أو إساءَته / يبقى جزاؤهما في الصُّحف مرقوما
لا خير في القول معسولاً مذاقَتُه / حتّى إذا اختبروه كان مسموما
لا بدَّ من نفثة المصدور ينفثها / لولا الكلام لكان القلب مكلوما
ريحُ شوقٍ للبَين كانت سَموما
ريحُ شوقٍ للبَين كانت سَموما / ثم عادت عند اللقاء نسيما
فهي بالأمس نار نمرود كانت / وهي اليوم نار إبراهيما
ما أمرَّ الخروج من بلدة في / ها حبيبي وما ألذَّ القدوما
سُمِّيَت وقفةُ التفرُّق تسلي / ماً كما سُمِّيَ اللَّديغُ سليما
ذقتُ طعمَي تفرُّقٍ ولقاءٍ / كدتُ من فرط ذا وذا أن أهيما
وكأنّي ولم أرَ النارَ والجَن / نَةَ ذقتُ الغِسلينَ والتسنيما
ففراقُ المعشوقِ والهلكُ سيّا / ن وإن كان ذا وذاك عظيما
ليس فقدان مَن يُفِيدُ الصَبابا / تِ كفقدان مَن يُفيد النعيما
كن عنياً فإن كلَّ حبيبٍ / لم يزل قاسياً يكون رحيما
ما تراني عند الأنام جميعاً / صرتُ بالسيِّد الكريم كريما
خدمَتني القلوبُ حتّى كأنّي / مت باللحد خلتني مخدوما
يا أبا القاسم المهيب المرجّى / بك أُكرِمتُ ظاعناً ومُقيما
وحَقيقٌ لعُظم قدرك أن يُظ / هرَ في أوليائك التعظيما
ما ترى الشمسَ حين يحجبها الأف / قُ يمدُّ الضياءُ منها النجوما
أنتَ صَحَّحتَ لي مودَّةَ أيّا / مي وقد كان ودُّهنَّ سقيما
أنت آويتَني وقد طرد النا / سُ رجائي طردَ الوصيِّ اليتيما
ورَمَمتَ الرجاءَ وهو رميمٌ / ثم أنتجتَه وكان عقيما
فيقول الذي يرى كشفَ ضرّي / إن ربي يُحيي العظام الرميما
قد زكت لي بك الأماني وصارت / همماً ترتقي وكانت هموما
فغدا اسمي مُحجَّلاً بأيادي / ك أغرّاً وكان قبلُ بهيما
ألبستني نعماك ثوباً غدا باس / مك في الناس كلِّهم مرقوما
فلو اَنِّي سكتُّ عن شكر آثا / رِكَ كلَّمنَ ذا الورى تكليما
مَسَّني حظُّك الجسيم فأعدا / نيَ حتى رأيتُ حظي جسيما
لو رأى في المنام طيفَك محرو / مٌ لأغنى خيالُك المحروما
وسجاياك تقتضي نفسَك الجو / دَ كما يقتضي الغريمُ الغريما
صُنتَنا حين أهملَتنا الليالي / فحمدنا بك الزمانَ الذميما
شكرَتكَ الدنيا فأعطَتكَ تنبي / هاً مشاعاً ونائلاً مقسوما
أنت زَيَّنتَها فأظهرتَ فيها / كرماً حين أظهر الناسُ لُوما
كلّما قيل دام خيرُك قال ال / جُودُ آمِينَ رغبةً أن يدوما
لا عدمنا ظِلال نعماك تغشى ال / أرضَ أو لا ترى عليها عَدِيما
وعذب المقبَّل والمبتسمْ
وعذب المقبَّل والمبتسمْ / لذيذ المراشف والملتَثَمْ
فتىً هو في حُسنه أُمَّةٌ / تحكِّمه في جميع الأمَم
فأحسب عُبّاد أصنامهم / رأوها بصورة هذا الصنم
بطرفٍ يصحُّ له سحرُه / إذا كان صحَّتُهُ من سقم
وخصرٍ تظلُّمُه يُشتَهى / وردفٍ يُحَبُّ لما قد ظلم
مصون تجنَّبتُ في حُبِّه / جميعَ الفواحش إلا اللمم
تقاضيتُه الوصلَ في خلسةٍ / بلطف الإشارات لا بالكلم
فتقطيبُ حاجبه قال لا / وفترة أجفانه إي نعم
فلم أرَ أحسنَ من لحظةٍ / تطعَّمتُ فيها سرورَ النِّعَم
وأحلى المنى عممان الهوى / إذا ما اختُلسنَ خلال البُهم
ونحن معاشر أهل الهوى / جوارحه كطراف الخدم
فمن دام بالعهد دُمنا له / ونستودع الله مَن لم يَدم
رأيت غنى النفس خيرَ الغنى / كذا عدم الصبر شر العَدَم
وخير الأخلاء مَن إن رأى / جميلاً أشاعَ وعيباً كتم
أرى ابنَ عتيقٍ عتيقَ النِّجارِ / كريمَ الطِّباع حميد الشِّيَم
تقدَّم في أمر طُلابه / تَقَدُّمَ آبائه في القِدَم
عليه يُعَوَّل عند الخطوب / وفي النائبات به يُعتَصَم
وفي المُشكِلات قريب الخُطا / وفي المكرمات بعيد الهِمَم
أبا عُمَرٍ عمرت ساحَتاكَ / بغوث اللَّهيف ورعي الذِّمَم
ولي حاجة لم أُطِق بَثَّها / حياءً وقد أخذت بالكَظَم
أهابك فيها لأن الكريم / يُهاب وإن كان لا يُحتَشَم
لساني تلجلج عن حاجتي / فترجمتُها بلسان القلم
وبِشركَ بشرّني بالمنى / وحُسنُ اللقاء افتتاحُ الكرَم
وقد جَدَّ عزمي على رحلةٍ / أُجدِّد فيها صلات الرَّحِم
فأتمِم أياديك في رحلتي / فحقُّ أياديك أن تستتمّ
فرفدُك جارٍ على مَن أقامَ / وبرُّك زادٌ لمَن لم يُقِم
وفي ابنك جودٌ وتوفيقُه / ليتلو أباه على ما رسم
إذا كان بدرُ الدجى مشرقاً / فلن يُستضاء بنجمٍ نجم
وحُسناك تكسوك حُسنَ الثنا / ونُعماك تُبقي عليك النِّعَم
لا شيء أحسن من إلفَينِ قد قسما
لا شيء أحسن من إلفَينِ قد قسما / حسنَ الرعاية والإخلاص بينهما
تقاسما الحسن والإحسان فامتزجا / على الصفات فصارا في الهوى عَلَما
كأنَّما قلمٌ قد خطَّ شكلَهما / بل كان ذلك لطفَ اللَه لا قلما
ترى الفكاهة والآداب بينهما / حدائقاً ورياضاً تنبت الحِكَما
قد أُعطِيا من فنون الشكل ما اشتهيا / وحُكِّما في صروف الدهر فاحتكما
وحين يسلم هذا يزدهي فرحاً / لعِلمِه أنَّ مَن يهواه قد سلما
لو حُرِّكا انتثرا شكلاً وإن نطقا / تناثرا لؤلؤاً نظماً وما نُظِما
صار الحفاظُ لعين العيب مُتَّهِماً / فلن ترى منهما بالعَيب مُتَّهَما
تراضَعا بوفاءٍ كان عيشهما / منه ولو فُطِما ماتا وما انفطما
كأنَّ رُوحَيهما روح فأنت ترى / وهميهما واحداً في كلِّ ما وَهِما
وليس يحلم ذا حلماً برقدته / إلا وهذا بذاك الحلم قد حلما
أعجبْ بإلفَينِ لو بالنار عُذِّبَ ذا / وذاك في جنَّة الفردوس قد نعما
لكان ينعم هذا من تنعُّم ذا / وكان يألم هذا ذلك الألما
حُسن اتِّفاقٍ بظهر الغيب بينهما / في كلِّ حالٍ تراه الدهرَ ملتئما
لو مسَّ ذا سَقَمٌ قامت قيامتُه / لعِلمه أنَّ مَن يهواه قد سقما
كذا يكون وداد الأصفياء كذا / تصفو القلوبُ فيجلو نورُها الظُّلَما
سَقياً لإلفَين لو هَمّا بمَقلِيَةٍ / ما همَّ أن يبلغا من حيرةٍ نَدَما
تشاكلا في دوام العهد فائتلفا / والختل والغدر من هذا وذا عَدِما
استخلصا خلوات الأُنس بينهما / محضاً فلو أبصرا ظلَّيهما احتشما
لو خُلِّيا سرمدَ الدنيا قد انفردا / عند التغازل ما مَلّا وما بَرِما
ولا أرادا اعتزالاً طول عمرهما / كأنما شَرِبا من ذا وقد طَعِما
يلتذُّ هذا لشكوى ذا ويَعلَمه / وفي التذاذهما تصديق ما عُلِما
كلٌّ له حَرَمٌ من صون صاحبه / ولن يُصاد مصونٌ يألف الحَرَما
فكلُّ ما فعلا قبل اعتصامهما / بالودِّ قد طهرا منه مذ اعتصما
كالجاهليَّة بالإسلام قد غُسِلت / ذنوبُها ونفى الإسلامُ ما اجتُرِما
صار الهوى لهما دِيناً فصانهما / عن المساءة ما عِيبا ولا اتُّهِما
إنَّ المُحبين إن داما على ثقةٍ / تَهنَّيا العيشَ والدنيا صفت لهما
كُلٌّ لصاحبه تُبلى سرائرهُ / بكلِّ ما أظهرا من بعد ما كتما
فللمحبِّينَ في صفو الهوى نِعَمٌ / إن يشكروهنَّ يزدادوا بها نِعَما
يا ربّ إنَّ الهوى لا كاد يحمله / إلا الكرام فزِد أهلَ الهوى كرما
بوصل الحبيب تطيب الحياةُ
بوصل الحبيب تطيب الحياةُ / وعقلُ الحبيب تمام النِّعَمْ
أيا واحد الحسن يا من غدا / لهُ الحسنُ مُتَّبِعاً مُقتَسَمْ
بردف الكثيب وقدِّ القضيب / وعين الغزال ووجه الصنمْ
إذا أنت سارَرت في مجلسٍ / فإنك في أهله مُتَّهَمْ
فهذا يقول قد اغتابنا / وذا يستريب وذا يحتشمْ
يقولون لو كان هذا السّرا / رُ خيراً لمَا كان بالمُتَّهمْ
ولن يُخدَع المرءُ في مجلسٍ / كما لا تُصاد الظِّبا في الحرَمْ
كذاك الرعاءُ تُسِيءُ الظنونَ / إذا ما الذئاب خلت بالغَنَمْ
ومن يتعدَّ حدودَ الظِّراف / خشيتُ عليه حلولَ النِّقَمْ
فضربُ العصا مؤلمٌ ساعةً / وضربُ اللسان طويل الألمْ
أخيَّ أذابَني هَمٌّ قديمٌ
أخيَّ أذابَني هَمٌّ قديمٌ / وصيَّرني كعرجونٍ قديمِ
وخفتُ من الهموم ذهابَ عقلي / فطارِدني بطاردة الهمومِ
على أن ليس لي فيها نديمٌ / ولكن ذِكرُ مَن أهوى نديمي
كم استغاث السقامُ من سقمي
كم استغاث السقامُ من سقمي / في ليلةٍ لم أنَم ولم أُنِمِ
ما زلتُ أبكي والليلُ مُعتكِرٌ / حتّى بكت لي حنادسُ الظُّلَمِ
لا تنصحوني فإنني كَلِفٌ / أرى نصيحي بعين مُتَّهِمِ
لم أرَ مثلَ الهوى له نِقَمٌ / يذاق منها حلاوةُ النِّعَمِ
من أين للبدر مثل مبسِمِهِ
من أين للبدر مثل مبسِمِهِ / واللؤلؤ الرَّطبِ لُؤلؤٍ بفَمِه
من أين للغصن حُسن قامته / أصبح بدرُ السماء من خَدَمه
وأين حدُّ الحسام من نظرٍ / يحكم في لحم عبدِهِ ودَمِه
نورٌ من النور لم تأمَّله / لقمانُ يوماً لظلَّ من حَشَمِه
هبوني قد أسأتُ أنا ال
هبوني قد أسأتُ أنا ال / مُقِرُّ به كما زعما
تراه يريد سفكَ دمي / بلا جرمٍ لقد ظَلما
فلستُ بجاعلٍ اللَ / هَ فيما بيننا حَكَما
حذارٍ أن يعاقِبَه / فيُصبح هالكاً نِقَما
أتَتنا بليلٍ والنجومُ كأنَّها
أتَتنا بليلٍ والنجومُ كأنَّها / قلادةُ جَزعٍ حُلَّ منها نظامُها
فما برحت حتى حللتُ إزارَها / وقَبَّلتُها عشراً وقلَّ احتشامُها
سألتُ وما أدري حياءً وحَيرةً
سألتُ وما أدري حياءً وحَيرةً / أباذِلَ وجهي كنتَ أم سافِكاً دمي
ولا عذر لي إن لم أسَلكَ ولم يكن / لواجد ماءٍ يجتزي بالتيمُّمِ
وما شرف الإنسانِ إلا فعالُه / فكلُّ امرئٍ يُؤتي المكارم مُكرمِ
وكلُّ امرئٍ لا يُرتجى لعظيمةٍ / ولو أنه خير الورى لم يُعَظَّمِ
يا قمراً صار حُسنُه عَلَما
يا قمراً صار حُسنُه عَلَما / قتلتَ خَلقاً وما سفكتَ دَما
قاسمت بدرَ الدجى محاسنَه / وازددتَ طَرفاً ومبسماً وفما
لو كان في جاهليَّةٍ سلفت / صُوِّرَ تمثال حُسنِه صَنَما
أرِبَت مودَّتُكم على الأيّامِ
أرِبَت مودَّتُكم على الأيّامِ / فَتَرَ الإخاءُ لفترة الإسلامِ
وإذا أضاع الناسُ ذِمَّةَ دينهم / لم يحفظوا بمودةٍ وذِمامِ
لو أنها دارُ المقام لَعُدِّلَت / لكنها خُلِقت لغير مقامِ
اجعل فؤادي دواةً والمدادَ دمي
اجعل فؤادي دواةً والمدادَ دمي / وهاك فابرِ عظامي موضعَ القَلَمِ
وامدد جفونيَ قرطاساً فإن ألِمَت / ممّا تخطُّ فزد في ذلك الألَمِ
ياذا الذي أضحك العُذّال بي وبكوا / ممّا بقلبي وعينيه من السَّقِمِ
ترى العواذل لم يدروا بمن دنفي / وأنت أشهرُ في الديوان من عَلَمِ
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ / يا هلال الدجى على غصن بانِ
يا مريض الجفون أمرضتَ جسمي / مرضاً من تمرُّض الأجفانِ
يا غزالَ الجنان لا تحرمنّي / جنّةَ الوصل يا غزالَ الجنانِ
جَمَعَ اللهُ فيك يا قرَّة العي / ن جميعَ الصفات والإحسَانِ
فكأني من حُسن وجهك أرعى / ناظري في حدائق البستانِ
وكأني من غُنج ألحاظ عَينَي / كَ أناغي لواحظَ الغزلانِ
وكأني من شَكل قدِّك في شك / ل تثنيّ نواعم الأغصانِ
وكأني من ظَرف لفظك في لَف / ظِ نفيسِ الياقوت والمرجانِ
وكأني عند انبساطك نحوي / زلتُ عن مالكٍ إلى رضوانِ
وكأني عند انتشاقي لأنفا / سِكَ أشتَمُّ نكهة الضيمرانِ
وكأني من طيب ريحك في طي / ب نسيم الأزهارِ والريحانِ
وكأني من وجنتيك أُحَيّا / بجَنَاةِ التُّفّاح من لبنانِ
وكأني من نبت خَدَّيك في نب / تِ رياضِ النسيم والزعفرانِ
مَلَكٌ أَنت لا يُشَكُّ فلن تُج / مَعَ هذي الصفاتُ في إنسانِ
سمرةٌ فوق رقّةٍ تحت طِيبٍ / خَلطُ مسكٍ بماءِ وردٍ وبانِ
خُتِمت هذه الصفات بخالٍ / يصرف العينَ عنك عند العيانِ
سيدي أنتَ معدن الحسن ما ضَر / رَكَ لو كنتَ معدنَ الإحسانِ
يا طبيبَ القلوب قلبي عليلٌ / فتلطّف وافطن لبعض المعاني
ومتى يرتجي العليلُ شفاءً / وهو يلقى الطبيبَ بالكتمانِ
ما تركتُ الشكوى لصبري ولكن / في فؤادي ما لا يؤدّي لساني
فتعطّف بخَلوةٍ تبسط الأُن / سَ ببَثِّ العتاب والأشجانِ
فعسى أن تنالني رحمةُ الوَص / لِ فأنجو من سَخطة الهجران
أستودِعُ الرَّحمنَ بَه
أستودِعُ الرَّحمنَ بَه / جَةَ ذل الوجهِ الحَسَنْ
لم أدرِ بعد فراقِهِ / كيف التلذُّذ بالوسَن
يا سالبي ثوبَ السرو / رِ ومُلبسي ثوبَ الحَزَن
خَلَتِ المنازِلُ منكمُ / فخلا من الرُّوحِ البَدَن
أنا الغريب وإن أصبحتُ في وطني
أنا الغريب وإن أصبحتُ في وطني / إذا تغيّبتَ عنّي يا أبا الحَسَنِ
أوحى إليَّ فؤادي حين أخبرني / بأنَّ لي فَرَجاً من ذلك الحَزَنِ
تاللهِ لا سكنت روحي إلى أحَدٍ / حتّى يعود إلى أوطانه سَكَني
هذا وإن تسلك الأجسامُ ثانيةً / على الحقيقة والأرواحُ في قَرَنِ
راح التناسخ عني يومَ ودَّعَني / وراحَ مُحتَمِلاً روحَين في بَدَنِ