كُنْ صاحبَ مشروع!
کُنْ صاحبَ مشروع!
فطر الله الإنسان على أن يكون صاحب همة عالية، وخطة دقيقة، ومنحه القدرة على أن يسلك طريق الإنجاز والإنتاج والعمل، وغرس فيه التطلع إلى ما هو أسمى، واستشراف ما هو أعلى، وحثَّه على الارتقاء والصعود، وأن يكون توَّاقًا إلى السبق والتفرد والريادة، ويرتقي بهمته وقدراته نحو المعالي، هذه خاصية فريدة وميزة مأمولة، لا تتوفر بكاملها إلا في المسلم.
فهو يتُوقُ إلى معالي الأمور، ويستشرف المشاريع العظيمة، ويقدّم من حياته الحافلة بالإيمان نموذجًا وقدوة وأسوة، ويجعل أثرًا إيجابيًّا عن شخصيته، وذکری طيبة عن نفسه، ويصبح بذلك كوكبًا مضيئًا في سماء الأمة المسلمة التي هي روح الدنيا وقلبها النابض لها، وتشرب الدنيا من معينها الصافي.
إن المسلم جاء لعمارة الأرض وصناعة التاريخ، وخُلق ليُهبَّ طامحًا إلى المعالي، ويتنفس مشروعه الذي يأمله لحظة بلحظة في حياته، ولا يضيع عمره سدًى؛ فإن عمر الإنسان عصره وزمانه.
وقد عرف اللغويون العصر بأنه: ضغط الشيء وعصره حتى يتحلب ويخرج ما فيه؛ ولذلك فکل من هو صاحب مشروع، يجيد الاستفادة من عصره، ويحسن استغلاله، وينتفع بما فيه من أيام وشهور وساعات، ويبذل قصارى جهده في ذلك.
وقد ورد أهمية الانتفاع من العصر في القرآن الکريم؛ فقال تعالی: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾؛ [العصر]. هذه السورة رغم أنها من أقصر سور القرآن، لكنها قد وردت فيها حقائق واضحة لا تُنكر، فقد بيَّن الله تعالى فيها خصالًا لا بد من كل إنسان أن يزيّن عصره بها، ویضعها نصب عينيه، ثم يداوم عليها؛ لأن النجاح ليس إلا فيها.
فالمسلم يرحل إلى حيث يجد مشروعه ومهمته الكبرى، ويستنفر كل ما يملك في ذلك، حتى يعثر على مشروعه، وتظل حياته بذلك حافلة ممتلئة بالسعادة والسرور.
وکما قالوا: "الميلاد الحقيقي للإنسان ليست تلك اللحظة التي يخرج فيها صارخًا إلى الدنيا من رحم أمه، وإنما يولد الإنسان حقيقة في اللحظة التي يعثر فيها على مشروعه".
ولولا هذه اللحظة واللحظات، لَما وجد الإنسان لنفسه معنًى، وفقد معناه كإنسان، ولم يجد طعم الحياة اللذيذ، آهٍ ثم آهٍ على اللحظات التي تذهب في غير مشروع، وتذهب لغير غاية، ويصبح الإنسان فيها عبئًا ثقيلًا على الأرض.
اسأل نفسك هذه الأسئلة:
من أنت؟ ولماذا تعيش في الحياة؟ وبماذا تُعرف بين الناس؟ هل حقًّا تعيش حياتك لكتابة الأحداث؟ وهل أفرغت حياتك في المشاريع العظيمة أم ضيعتها سدًى؟ كل هذه الأسئلة تبعثها نفوس العظماء، والذين هم أصحاب الهمم العالية والآمال العظيمة، ويستنفرون جهودهم ليحصلوا على تلك اللحظة...
ألا وهي لحظة الحصول على المشروع.