السرقات الأدبية قديما

السرقة الأدبية، أصبحت من مستلزمات العصر الحديث، حيث يسرق بعض المتكاتبين كلام كاتب عرق الجبين، لينسبه إلى نفسه أو يشعر القارئ بأنه هو الكاتب، من دون رادع أو حياء، ظنا منه أن ذلك يخفى على الزمن.. وإن الزمان لناقد حذق!

كانت طريقة التأليف عند الأكثر من القدامى تعتمد على النقل دون عزو، لذلك نجد تشابها كبيرا في المؤلَّفات، حيث ينقل اللاحق عن السابق، وكأنَّهما أخذا من مصدرٍ واحد.

وقد كتب السخاوي مؤلف (الضوء اللامع) ناقلا عن شيخه ابن حجر تحت عنوان (فصل فيمن أخذ تصنيف غيره فادّعاه لنفسه، ونقّص منه قليلا أو زاد، ولكنّ أكثره مذكور بلفظ الأصل).

قال ابن حجر: (كتاب البحر) للروياني أخذه من (الحاوي) للماوردي، و (كتاب الأحكام السلطانية) لأبي يعلى أخذه من كتاب الماوردي، وكتاب (الكلام على تراجم البخاري) للبدر ابن جماعة أخذه من تراجم البخاري لابن المنير باختصار، و (كتاب علوم الحديث) لابن أبي الدم أخذه عن علوم الحديث لابن الصلاح بحروفه، وزاد فيه كثيرا، و (كتاب محاسن الإصلاح، وتضمين كتاب ابن الصلاح) لشيخنا البلقيني مأخوذ من ابن الصلاح، وكلُّ ما زاد عليه مأخوذ من (إصلاح ابن الصلاح) لمغلطاي، و (كتاب شرح البخاري) لابن الملقن جمع النصف الأول من عدة شروح، وأما النصف الثاني فلم يتجاوز فيه النقلَ من شرحَيْ ابن بطّال وابن التين.

قال السخاوي: وقرأتُ بخطّه ـ خط العلّامة ابن حجرـ أنّ طبقات الشافعية لابن الملقن جمع فيها بين الأسنوي والتاج السبكي، ولم يزد إلا ترجمة واحدة، و (كتاب الإصابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) للزركشي من كتاب لأبي منصور البغدادي، وللزركشي بعضُ الزيادات، و(كتاب شرح العُمدة) للبرماوي مشى فيه المؤلّف على شرح ابن الملقن من أوّله إلى آخره.

هذا بعضُ ما كتب السخاوي ناقلا عن شيخه العلامة ابن حجر، وإذن؛ فالدّاء قديم.. 

 

براعة حفني ناصف

كتاب (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين) هو أول كتاب ألّفه المؤرخ الكبير الأستاذ محمد الخضري رحمه الله، وقد جاء سرداً مباشرا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تقريبا لأذهان العامة من القرّاء، وقد قرأه صديقه وزميله الشاعر الأديب حفني ناصف، فلاحظ أن الفصل الأخير مأخوذ من كتاب (الشفاء) للقاضي عياض، دون أدنى إشارة إليه في الطبعة الأولى، فكتب في صحيفة يومية يقول ما موجزه:

نعلم أن (اللوح المحفوظ) في الملإ الأعلى، يضمّ ما يفعل الناس وما يقولون، ومن محتوياته كلًّ ما كتبه وسيكتبه المؤلفون من لدن آدم حتى يقوم الناس لرب العالمين، كما نعلم أنّ القاضي عياض مؤلف كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) كان من كبار الأولياء المقرّبين، وبفضل هذه الولاية اطَّلع على (اللوح المحفوظ) فقرأ كتاب (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين) للشيخ الجليل محمد الخضري، وأعجب به إعجابا شديدا، حتى حفظ الفصل الأخير، وكتبه برمّته في كتاب (الشفاء) نقلا عن الشيخ الخضري، وقِصار النظر من النقاد سيتوهّمون أن الشيخ الخضري قد نقل الفصل الأخير من كتاب (الشفاء)؛ لأنه قد تأخّر عنه عدة قرون! هؤلاء هم قصار النظر، أما الأئمة العارفون فيفهمون أنّ الشيخ الخضري منزَّهٌ عن السطو، بل عن الاقتباس! كما يعلمون أن القاضي عياض هو الذي نقل وأخذ، فليفهم هذا خصوم الشيخ قبل أن ينتقدوه!.

وكانت دعابةً فكهة، دام التعليق عليها في الصحف وقتا طويلا!

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن

اكتب معنا


يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

أرسل من هنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024