بوش خليفة غورباتشوف في تحطيم أمريكا

خليفة غورباتشوف في تحطيم أميريكا

 قد أظلت سحب الحرب على العراق، وكادت تُمطر بالنار والحديد، لما تحمل بين جوانبها من الأسلحة الفتاكة، والبارود المدمر الهادم، وهي تزجى من الغرب فتتراكم في العراق، فالصورة مذهلة، والتخطيط جد مهلك، والأعداء ألداء، وهم مغمورون بكل وسائل الحروب، قديماً وحديثاً، أسلحةً وإعلاماً، آلةً وتقنيةً، سياسةً ودهاءً، تفكيراً وتدبيراً، تجربة وخبرةً.

ولذلك أخذهم البطر والخيلاء لمظاهر طاقاتهم الظاهرية الدنيوية كما كان قد حدث لروسيا قبل زهاء عشرين عاماً، فإنها حتى الآن تلعق جرحها الذي أصيبت بها في أرض الأفغان.

وها هي أمريكا اليوم تتقدم وتخطو خطوات حذو روسيا في الظلم والطغيان، والبغي والعدوان، والتمرد والعصيان، وانتهاك حرمات الإنسان، وسفك دماء الأبرياء على ظهر الأرض في رابعة النهار؛ فيوماً في الشرق ويوماً في الغرب ويوماً في الجنوب ويوماً في الشمال، واليوم في وسط كرة الأرض أعني 'العراق'.

أتت أمريكا بجنودها وحشمها وخدمها وعتادها وأسلحتها، لتُقلِّب ظاهر العراق إلى باطنه وباطنه إلى ظاهره، رجاءً في البترول، وأملاً في تمديد سيطرة استعمارها إلى منطقة الخليج بالفعل، بعد ما كان موجوداً بالقوة، ولكن كما يقال: 'التقدير يضحك على التدبير'. ولله در الشاعر:

إذا تم أمر دنا نقصه ** توقّع زوالا إذا قيل: تم

فحسب سنن الله جل شأنه في الكون سنرى ـ أن أمريكا نهائياً تنهار حكومةً ونظاماً أثناء حربها مع العراق، وتكون بدايات انهيارها مع بدايات حربها بإذن الله عز وجل، وذلك لوجوه:

أولاً: إنها انهارت إقتصادياً ومالياً مع بدايات حربها بمنظمة 'القاعدة' ثم شن هجومها على 'طالبان' الذين كانوا هم أنفسهم أو آباؤهم  قاموا بمقاومة الدب الأحمر (الإتحاد السوفياتي Soviet Union) وخلصوا منه العالم كله، وخاصةً أمريكا التي كان هذا الدب عدوها اللدود، من براثنه الضارية الدموية الغلاّبة الغاشمة، فأميركا كانت قائمة مستقيمة ثابتة راسخة في سياسة كرة الأرض كـ'هملايا' لقوة اقتصادها وطاقة رأسمالها وإثمارها واستثمارها، وبنوكها ومصارفها، وإداراتها ومؤسساتها.

ولكنها اليوم جوفاء متخلخلة شلاء مفلوجة إقتصادياً وتمويلاً، والذي أنت تراه من قيامها على رجليها في هذا المجال فهو تزوير واصطناع ليس بقيام حقيقي كما كان، ويُصدِّق ما قلناه تقارير صحفية عن مختلف مؤسساتها الكبرى كشركات الطيران، وشركات الاتصالات، وشركات المطاعم، وانخفاض دولارها يوماً فيوماً في مقابلة سائر العُملات، ولا سيما 'اليورو' الأوروبية في الأسواق التجارية العالمية.

ولا يخطرنَّ ببالكِ يا أمة القرآن تجهزها  بجميع أسباب القتل والدمار، لأن الله سبحانه وتعالى يُبطل تأله الآلهة الباطلة ، ألا ترى أنه تعالى ماذا فعل بأبرهة الأشرم حينما دعا عليه جد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عبد المطلب.

وقال:

يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدوّ البيت من عاداكا ** امنعهم أن يخربوا فناكا

وثانياً: انهدام أمريكا خلقياً وإجتماعياً: فهو يكون طبعاً: لأن أي مجتمع إذا يصل إلى ما وصل إليه المجتمع الأمريكي من انحطاط خلقي، وانحطاط إنساني، وفشو الظلم، واتباع الأهواء والرغبات النفسانية الشيطانية، والإنكباب المهلك على الاكتساب المادي، والاستخفاف بالشعوب والأقوام والأمم وآرائهم وحضاراتهم، وفرض هيمنة حضارتهم وثقافتهم على الآخرين كرهاً وإجباراً، والتفريق داخلياً بين الفقير والغني إجتماعياً وإدارياً ،فهكذا المجتمع يكبو على ركبتيه ويجثو لوجهه حتماً، وتاريخ الدول والملوك والمترفين خير شاهد على ما نقول، وإليك صورةً للمجتمع الأمريكي المنهار:

ففي سنة 2002م قام 27 ألف أمريكي بالانتحار، وسواهم خمسة آلاف حاولوه ولم يفوزوا فيه، واغتيل 26 ألف أمريكي داخل بيوتهم و23 ألفاً قُتلوا على مرأى ومشهد من الناس، وجرح 85 ألفاً بإطلاق النيران أو السكاكين، فمنهم 83 ألفاً لقوا حتفهم فيما بعد إثر الجروح، ومن بين هؤلاء القتلى 2600 طفل. وأصيب ثلاثة عشر مليوناً أمريكياً بحوادث السرقة والنهب والغصب والزنا والحملات الأخرى، وأصيب بالأمراض العصبية والذهنية والدماغية كالشلل والاضطراب والجنون والصرعة 13 مليوناً أمريكياً ونصف مليون، فثلاثة ملايين منهم يستخدمون البنج للتسكين العصبي، وستون مليوناً آخرون يستعملون الأدوية البديلة عن المخدرات، وستة ملايين ونصف مليون منهم يستخدمون المواد المخدرة مباشرةً كالحشيش، وخمسة آلاف من هؤلاء المتأخرين يموتون لشدة السكر والتخدير، ومئةألف و35 ألف طفل أمريكي لا يذهبون إلى مدارسهم إلا ومسلحين دفاعاً عن أنفسهم، ومئة ألف و25 ألف صبي يموتون قبل وصولهم إلى الشباب لشدة تعاطيهم الخمور. واعتقل 55 ألف أمريكي في العام الماضي لارتكاب الجرائم، (هذا غير جرائم المرور)، وأربع مئة ألف و37 ألفاً يلقون حتوفهم جراء التدخين سنوياً. هذه حالة المترفين .

وثالثاً: ومن المبشرات الأخرى على زوال أمريكا بعد الفساد الاقتصادي والأخلاقي، عزلتهم الدبلوماسية وفشل سياستها كما حصل لأول مرةٍ في مجلس الأمن الدولي، ثم الانتقادات الهائلة من جميع الجهات: من عامة الناس، ومن مشايخ الأديان ومن دول عدم الانحياز ومن منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن جامعة الدول العربية، ولا سيما انتقاد سياستها العولمية تحت 'النظام العالمي الجديد' من الفاتيكان ومن البابا جان بال، ومن بابوات بريطانيا، وانتقاد رؤسائها الأسابق كبيل كلينتون وبوش الأب على جنون بوش حول الحرب، ولذا في حق أمثال بوش قيل:

إذا كان الغراب دليل قوم ** سيهديهم سبيل الهالكين

فهي سقطت أولاً: إقتصادياً وتمويلياً، وثانياً: انحدرت اجتماعياً وخلقياً، وثالثاً: سقطت دبلوماسياً ورابطةً، ورابعاً: ستنهار عن قريب حكومةً ونظاماً، وتنكدر نجومها الواحد والخمسون واحداً تلو الآخر بإذن الله تعالى الذي ينصر من يشاء: {وَلَيَنْصُرَن اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللهَ لَقَوِي عَزِيزٌ} (الحج: 40)، والذي {لَا يُسْأَلُ عَما يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء: 23).

وأما فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، والدول ذوات الأصوات الجهورية على منابر المحافل والمجالس الدولية، وذوات التأثير القوي في القضايا القارّية والمنطقية، اتحادها ضد الدب الأمريكي خير دليل على اقتراب موته، لأن أصعب ما كان، كان تعليق الجرس في عنقه، وقامت فرنسا بهذه العملية، وقد فازت وظفرت في التعليق، وهو أظهر من الشمس اليوم، في عدم استطاعة صيدها مجلس الأمن الدولي، وعدم استطاعتها تخطي رقبة 'ناتو'، وكذلك عدم استطاعتها إقناع تركيا لتمهد له المساعدات أرضاً وجواً وإعلاماً ومخابرةً. فسبحان من يقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنبياء: 30) .{إِنهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (الطارق).{وَأُمْلِي لَهُمْ إِن كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف:183).

أمة القرآن فاستقيمي وكوني مصداقاً لـ{إِن الذِينَ قَالُوا رَبنَا اللهُ ثُم اسْتَقَامُوا تَتَنَزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنةِ التِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.

فغورباتشوف أمريكا على آثار غورباتشوف السوفيتي، الذي كان أودى بدولته إلى الدمار حتى امحى اسم 'الإتحاد السوفياتي' من قرطاس جغرافيا العالم، فكذا غورباتشوف الولايات المتحدة الأمريكية عن قريب سيؤدي بدولته إلى التشتت والتفكك والتشرذم والتمزق كما أن سياسته تجاه العالم تُنادي بهذه الحقيقة بأعلى صوت بلسان الحال، وسوف يعود الفضل والاعتزاز والافتخار لأمة القرآن مرةً أخرى لمواجهة غورباتشوف الثاني ومصيره إلى الهلاك، كما كان في مقاومة غورباتشوف الأول وفوزها ونجاحها حينذاك.

أمة القرآن لا تشعري بالنقص بعد قول الله عز وجل: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139) ،{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَس الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الذِينَ ءَامَنُوا وَيَتخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِب الظالِمِينَ}. وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنةَ وَلَما يَعْلَمِ اللهُ الذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصابِرِينَ}.

وصلى الله على النبي العربي وسلم

ملحوظة: تمّ تحرير المقالة إبّان بداية حرب العراق.

الشيخ ولي خان المظفر حفظه الله

الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي
الشيخ ولي خان المظفر بن الحاج مظفر خان

الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي



لقد وقف الشيخ حفظه الله حياته في مختلف المحطات لترقية الأدب العربي والأردي.

لقراءة السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ.. يرجى الانتقال إلى مقالة تلميذه الرشيد عنه بالنقر هنا:



مقالة عن الشيخ ولي خان المظفر


مجموع المواد : 92
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025