رُدُّوا المآثرَ والعليا على وطني..!
زَها الربيعُ بِرَبْع اللهوِ فانْتَعَشتْ
شجْرُ الرُّبوعِ وزانَ الروضةَ الزَّهَرُ
تَوَافَدَتْ حَلَقاتُ الطَّيْرِ تقرأُ مِنْ
آيِ الجَمَالِ فيُصغِي النجمُ والقَمَرُ
والشمسُ تَبْسِمُ للدُّنْيَا ببهجَتِها
والماءُ من قِمَمِ الأجْبَالِ يَنْحَدِرُ
يكسُو الجِبالَ حريرٌ ناعِمٌ خَضِرٌ
يَسقي الحدائقَ ثلجٌ ذابَ، والمطَرُ
* * *
دَعْنِي أُخَيَّ وَشَأنِي؛ إنَّ لِيْ شُغُلاً
عَن الطبيعةِ، ما الآصالُ؟ ما السَّحَرُ؟!
ماذا أريدُ؟ ومن ذا سوف يَفهمُنِي؟
إنَّ المقالَ - إذا أَصْغَيْتَ - معتبرُ
إني أرَى الجهلَ غَلَّ الناسَ عسكرُهُ
والظلمُ خَيَّمَ، والعُدوانُ منتشِرُ
والصدق ضاع، وراج الكذب في وطني
واللؤمُ والخبثُ والإفسادُ والبطرُ
سوقُ الكرامةِ لا تُشرَى بضائِعها
ومَتْجَرُ اللؤمِ لا ينفكُّ يزدهِرُ
واستَوْلَتِ الفُجَّارُ الخائنونَ على
حُكمِ البِلاد فأمسى العدْلُ يُحْتَضَرُ
قالوا: التكبرُ زَيْنٌ، والفُسُوقُ كَمَا
لٌ، والرّياءُ لِرأسِ القَوْم متَّزرُ
غدا النفاقُ لِباساً يفخَرُوْنَ بِهِ
وزخْرَفُوه فيا بئس الذي ابتكرُوا
قد شتَّتُوا الشّعْبَ أحزاباً مُفرَّقَةً
وحوَّلُوا البَلْدَ نِيْراناً لها شَرَرُ
وأجرَوُا المَكْسَ فِي الأشياء و انتَهَبُوا
مالَ الأنامِ فلمْ يُبقُوا ولم يَذَرُوا
وأَوْدَعُوْهُ بُنُوكَ الغَرْبِ واتَّخَذُوا
لَهُمْ خَزَائِنَ في البلدانِ وادَّخَرُوا
* * *
رُحْماكَ ربِّ! أضاعَ القومُ مجدَهُمُ
وبِالهَوَانِ جَبِيْنَ العِزِّ قَدْ عَفَرُوا
نسُوا بٍأن قيامَ الوطنِ لمْ يَكُ مِنْ
أَخْذِ القَرَارِ، ولَمْ يُحْرِرْهُ أنْ نَعَرُوا
لا، بَلْ سَقَتْهُ دماءَ المجدِ زاكيةً
آباءُ صدقٍ فما آلُوا وما ضَجِرُوا
باعُوا النفوسَ بدار الأمنِ وابتَدَرُوا
إلى الوفاءِ بِعَهْدِ اللهِ إذْ هَجَرُوا
وشيَّدُوها بِنَاءً شامخاً وغَدَا
فيهِ الإخاءُ وعَيْشُ الأمنِ يُنْتَظَرُ
* * *
لكن.. تَلَتْهُمْ بنُو الأهواء فانتبذوا
نهْجَ الجُدُودِ، وما أغْنَتْهُمُ النُّذُرُ
عواتِقٌ بِدُيُونِ الغَربِ مُثْقَلَةٌ
وبالوجوهِ مَعِيْنُ الذُّلِّ منفجِرُ
على اللسان حروف الودّ ظاهرَةٌ
وفي القلوبِ معانِي الحِقْدِ تَسْتَتِرُ
صَدُّوا العطاءَ لِذي الحاجاتِ وامتنعُوا
عن الزكاة، فبئس الصَّفْقَةَ اتَّجَرُوْا!
شَعْبٌ أحاطَ بِهِ الأعْدَاءُ وارْتَقَبُوا
والشَّعبُ نام ومِلْءُ الأعْيُنِ السَّكَرُ!
* * *
كأنَّنِي بِكُمُ تَجْرون من فَزَعٍ
نحوَ الملاجِئ والأعداءُ قد دَمَرُوا
قد أهلكوا الحرثَ والأولادَ وانتهكوا
أعراضَكم، وحِمَاكُمْ فيه قد خَطَرُوا
وصيَّروا الأرضَ أقفاراً متبَّرةً
وخربوها فلا رسم ولا أثرُ
وعمَّروها على أنقاضِ دولتِكم
ولا كُمَاةَ يَدُكُّوْنَ الَّذِيْ عَمَرُوا
* * *
فيا حُماةُ أما في القوم مِنْ أُسُدٍ
غُلْبِ العزائِمِ لا يَثْنِيْهِمُ الخَطَرُ
يُدَافِعُوْنَ عَنِ الأوطان، بُغيتُهم
رِضا الإلهِ وظِلُّ الأمْنِ والظّفَرُ
إذا عَلَوْا فبِأعلَى الفلكِ منزِلُهم
وإن رأوا فبِعقلٍ ثاقبٍ نَظَرُوا
فيا مِهَادُ! نُرَجّيْ مثلَهم أُسُدًا
ويا مدارسُ! أعْطِيْنَا الأُلَى ذُكِرُوْا
ويا ميادينُ! لا لهوٌ ولا لَعِبٌ
بل البطولةُ والإقدامُ والحَذَرُ
ويا بلادُ! نريد اليومَ كَوْكَبَةً
لهم حِجَارةُ صُلْبِ الصَّلْدِ تنفطرُ
قَومي همُ القومُ في عزٍّ وفي شرَفٍ
شعبِي هُوَ الشعبُ لا يَقْوَى له الوَعَرُ
* * *
رُدُّوا المآثرَ والعليا على وطَنِي!
لهْفي عليه! رماهُ الجُبنُ والغَدَرُ
رُدُّوا عليه سلاحاً منه مُنتزَعاً
وأْسُوا الجروحَ؛ لعلَّ الجُرْح يَنْجَبِرُ
كَيْمَا تَرُوْقَ لأرواحِ الجُدُودِ سَحَا
ئِبُ السّلامِ على الأوْطانِ تنتشِرُ
وكي يناديَكم (إقبالُ) مُنْبَسِطاً:
«كَذَاكَ فَلْيَكُنِ الشَّاهِيْنُ والصَّقَرُ!»
وكي تكون (لِبَاكِسْتَانَ) مَنْزِلَةٌ
فوقَ السِّمَاكَيْنِ، والأقْوَامُ تَأْتَمِرُ
وكي تكونَ بِحَقٍّ دَولَةً كَسَحَتْ
رِجسَ الفُسوقِ وأمْسَتْ منه تَطَّهِرُ
* * *