المجموع : 4
ما للحقيقة من بدايةْ
ما للحقيقة من بدايةْ / كلاً وليس لها نهاية
هي عند أرباب العقو / ل أجلّ من حَدَ وغاية
خَفَيت ولكن كم وكم / ظهرت لها في الكون آية
كَم راح مرفوعاً لها / فوق الربا علَم وراية
هي في مقام ظهورها / كالشمس تحجبها غياية
ما بين أعين من يَرو / ن وبينها إلاّ شواية
فلو انجلت غفلاتنا / لتكشّفت عنّا العماية
هي منظر فيه الجلا / ل ومخبر فيه الكفاية
هي في الطبيعة تستفي / ض على الوجود لها جراية
هي في الضياء وفي الظلا / وفي المسير وفي السراية
هي في الفضيلة والفضو / ل وفي النقيصة والزراية
هي في اللباب وفي القشو / ر وفي الحثالة والنفاية
هي في السلام وفي الحسرو / ب وفي الهوادة والنكاية
هي كلّ ما شكت الشكا / ة وكل ما بعث الشكاية
هي في الرُماة إذا رمَوْا / وهي الإصابة في الرماية
هي في العفاة وفي العفا / ء وفي الجناة وفي الجناية
هي في الغياض وفي الريا / ض وفي الفراشة والجداية
هي في المغاني والمبا / ني والبناة وفي البناية
هي في الغباوة والذكا / ء وفي الشفاعة والوشاية
هي في الملاح وفي القبا / ح وفي الرشاد وفي الغواية
وإلى الحقيقة تنتهي / طرق الضلالة والهداية
هي من يموت ومن يعي / ش وكل قابلة وداية
هي كل ما وعت العقو / ل وكل ما روت الرواية
منها الفنا وبها البقا / ومن الفناء هي الوقاية
ليس الوجود لغيرها / إلا خيالاً في مراية
وإذا نظرت الكائنا / ت بأسرها فهي السناية
إني أرى سرّ الحقي / قة كائنا في اللانهاية
وأرى الوجود وإن تعدّ / د واحداً عند الدراية
فاليك يا طاغور جئ / ت عن الحقيقة بالحكاية
أنت الذي قال الحقي / قة بالصراحة والكناية
ما أخطأتْ سنن العلا / إذ هذّيتك يد العناية
لا زلت مشمول الجنا / ب من من الحقيقة بالرعاية
أرى الأيام ظامئة وليست
أرى الأيام ظامئة وليست / بغير دم الأنام تريد ريّا
ولو لم تَنْوِ حرباً ما تبدّى / بها شكل الأهِلّة خنجرِيّا
ودلّ على تقلّبها انقلاب / لجِرم الأرض حين غدا كُرِيّا
وأصْلَدَت الحقيقة في الليالي / فلمّا تَقتَدح زنداً وَرِيّا
نَفَضت يديّ من أبناء دهر / أهانوا الشَهم واحترموا الزرَيِا
وقَلّ حياؤهم حتى رأينا / ظَنين القوم يتّهم البَريّا
وساد الجاهلون فلست أدري / اعزّي العلم أم ابكي الدُريّا
لهم عَين تراعي الشرّ يقظي / وقلب ظلّ في عَمَهٍ كَرِيّا
تَقَلَّدت السيوف رُعاةُ مَعزٍ / وكانت قبلُ تحتمل الهِرِيّا
فجرَّد منهم الرعديد عَضباً / وهَزَّ أخو الجبَانة سمهريّا
وكم تَرِب تجسّس للأعادي / فاصبِح من تجسّسه ثريّا
وساعٍ كان يسرح بالمَواشي / فأمْطِي من سِعايته شَريّا
وأن لساسة الدنيا لقلباً / قَسياً في السياسة مرمريّا
قد اتخذوا الحُسام لهم لسناً / فقالوا البُطل واختلقوا الفريا
وكيف تُساس مملكة بعدل / إذا ما الحكم أصبح عسكريّا
ألا ما بال دمعي ليس يرقا / كأنّ بمُقلتي عِرقاً ضَرِيّا
إذا ذُكر العراق بكَيْت شجواً / بدمع طمّ سائله القَرِيّا
ولما سرت في جبل وسهل / وكابدت السمائم والعرِيا
نزلت بايلياء على كرام / وخيم العيش عاد بهم مَرِيّا
فكدت بقربهم أنسى بلادي / وأسلو الطفّ ثمة والغَريّا
ولم أر كالنشاشيبيّ ندباً / إلى العَلياءُ مبتدراً جَريّا
فتىً سعت المفاخر وهي عطشى / إلى آدابه فأصبنِ ريّا
تجَدَّد في العلاء فكان بِدْعاً / فعاش بمصره رجلاً طريّا
وأحرز في الورى شرِفاً رفيعاً / وصِيتاً في العُلى اسكندريا
ولم أر سيّداً كأبي سَرِيّ / ولا مثل ابنه ولداً سريّا
هما متشابهان فعبقريّ / من الآباء أنجب عبقريّا
أبٌ في المجد أرْوَع أحْوَريّ / نَمى للمجد أروع أحوريّا
إلى الشهم السكاكينيّ أهدي / ثناءً لا يزال به حَرِيّا
فتىً غرس المكارم ثم منها / جنى ثمر العلا غَضّاً طَرِيّا
يَعاف معاشه إلاّ شريفاً / ويأبى المجد إلاّ جَوهريّا
علام حُرِمنا منذ حينٍ تلاقيا
علام حُرِمنا منذ حينٍ تلاقيا / أفي سفر قد كنت أم كنت لاهيا
عهدناك لا تَلهو عن الخِلّ ساعةً / فكيف علينا قد أطلت التجافيا
وما لي أراك اليوم وحدك جالساً / بعيداً عن الخُلاّن تأبَى التدانيا
أنابَكَ خَطب أم عَراك تعشُّقٌ / فإنّي أرى حزناً بوجهك باديا
وما بال عينيك اللتين أراهما / تُديران لحظاً يحمل الحزن وانيا
وأيُّ جَوىً قد عُدت اصفر فاقعاً / به بعد أن قد كنت أحمر قانيا
تكلّم فما هذا الوُجوم فأنني / عهدتك غِرِّيداً بشعرك شاديا
تَجَلَّد تجلّد يا سليم ولا تكن / بما ناب من صرف الزمان مُباليا
ولا تبتئس بالدهر أن خطوبه / سحابة صيف لا تَدوم ثوانيا
فقال ولم يملِك بوادرَ أدمع / تناثَرْن حتى خلتهنّ لآليا
لقد هجتني يا أحمد اليومِ بالأسى / وذكَّرتني ما كَنت بالأمس ناسيا
أتعجَبُ من حزني وتعلمَ أنني / قَرِيع تباريح تُشيب النواصيا
لقد عشت في الدنيا أسيفاً وليتني / تَرَحّلت عنها لا عليَّ ولا ليا
وقد كنت أشكو الكاشحين من العدى / فأصبحت من جور الأخِلاّء شاكيا
وما رحت أستشفي القلوب مداوياً / من الحِقد إلاّ عدت عنها كما هيا
ودارَيت حتى قيل لي متملِّق / وما كان من داء التَمَلُّق دائبا
وحتى دعاني الحزم أن خَلِّ عنهم / فإن صريح الرأي أن لا تُداريا
وربّ أخ أوْقَرت قَلبي بحبّه / فكنت على قلبي بحُبِّيه جانيا
أراد انقيادي للهوان وما درى / بأنيَ حر النفس صعب قياديا
إذا ما سمائي جاد بالذُلّ غَيْثها / أبَيْت عليها أن تكون سمائيا
ألا فَابْك لي يا أحمد اليوم رحمةً / ودعني وشأني والأسى وفؤاديا
فإنّ أحقَّ الناس بالرحمة امرؤٌ / أضاعِ وداداً عندَ من ليس وافيا
وما كان حَظي وهو في الشعر ضاحك / ليظهر إلاّ في سوى الشعر باكيا
ركِبت بحور الشعر رَهْواً ومائجاً / وأقْحَمْت منها كلّ هَوْلٍ يراعيا
وسَيَّرت سُفْني في طِلاب فنُونه / وألْقيت في غير المديح المَراسيا
وقلت اعصِني يا شعر في المدح إنني / أرى الناس مَوْتَى تستحق المرانيا
ولو رضِيَت نفسي بأمرٍ يَشيِنها / لما نطقت بالشعر إلاّ أهاجيا
وكم قامَ ينعَى حين أنشدت مادحاً / إليّ الندى ناعٍ فأنشدت راثيا
وكم بشّرتَنْي بالوفاء مقالة / فلما انتهت للفعل كانت مناعيا
فلمّا بكى أمسكت فَضلِ ردائه / وكفكفت دمعاً فوق خَدَّيْه جاريا
وقلت له هَوِّن عليك فإنما / تَنوب دواهي الدهر من كان داهيا
وما ضَرّ أن أصفَيْت وُدّك مَعشراً / من الناس لم يَجْنُوا لك الوُدّ صافيا
كفى مَفخراً أن قد وفَيْت ولم يَفُوا / فكنت الفتى الأعلى وكانوا الأدانيا
لعلّ الذي أشجاك يُعقب راحة / فقد يَشكر الأنسان ما كان شاكيا
ألاّ ربّ شرّ جرّ خيرا وربما / يجُرّ تجافينا الينا التصافيا
فلو أن ماء البحر لم يك مالحاً / لرُحنا من الطوفان نشكو الغواديا
ولولا اختلاف الجذب والدفع لم تكن / نجوم بأفلاك لهنّ جواريا
وكيف نرى للكهرباء ظواهراً / إذا هي في الأثبات لم تلق نافيا
تموت القوى أن لم تكن في تبايُنٍ / ويَحَيْين ما دام التبايُنُ باقيا
فلا تعجبَنْ من أننا في تنافر / ألم تر في الكون التنافر ساريا
وهَبْهم جَفَوْك اليوم بُخْلاً بوُدّهم / ألم تَغْنَ عنهم أن ملكت القوافيا
فطِرْ في سموات القريض مرفرفا / وأطلع لنا فيها النجوم الدراريا
فأنت امرؤٌ تُعطي القوافيَ حقّها / فتبدو وأن أرخصتهن غواليا
يجيبك عفواً أن أمرت شَرودها / وتأتيك طوعاً أن دعوت العواصيا
فقال وقد ألْقَي على الصدر كفّه / فشدّ بها قلباً من الوجد هافيا
لقد جئتني بالقول رَطباً ويابساً / فداويت لي سُقماً وهيّجت ثانيا
فإني وأن أبدي لي القوم جفوةً / أُمَنّي لهم مما أحبّ الأمانيا
وما أنا عن قومي غنيّاً وأن أكن / أطاول في العزّ الجبال الرواسيا
إذا ناب قومي حادث الدهر نابني / وأن كنت عنهم نازح الدار نائيا
وما ينفع الشعر الذي أنا قائل / إذا لم أكن للقوم في النفع ساعيا
ولست على شعري أروم مَثوبةً / ولكنّ نُصح القوم جُلّ مراميا
وما الشعر إلاّ أن يكون نصيحة / تنشِّط كسلاناً وتُنهض ثاويا
وليس سَرِيّ القوم من كان شاعراً / ولكن سري القوم من كان هاديا
فعلّمهم كيف التقدم في العلا / ومن أيّ طُرْق يبتغون المعاليا
وأبْلَى جديد الغَيّ منهم برُشده / وجدّد رشداً عندهم كان باليا
وسافر عنهم رائداً ِخصب نفعهم / يَشق الطَوامي أو يَجوب المواميا
وأن أفسدتهم خُطّة قام مُصلِحاً / وأن لَدَغَتْهمِ فتنةٌ قام راقيا
هذي بلودان وذا نزلها
هذي بلودان وذا نزلها / تلقي به الأنفس ما تهوى
من روضة تنعش روح الفتى / وعيشة ممحوّة الشكوى
ومن جمال كل من راءه / يبلغ منه الغاية القُصوى
ومن نسيم طيّ هبّاته / تسمع أذني للهوى نجوى
ومن علوّ في ذرا هَضْبه / لن يجد الطير بها مثوى
قد عانقته سدرة المنتهى / وغازلته جنّة المأوى
من حلّ فيه وادّعى خلده / كان لعمري صادق الدعوى
يبتسم الأنس بلا حشمة / فيه على مرأىً من التقوى
خلاعة في طيّ كتمانها / لا يفعل الفحش ولا ينوي