القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 19
يقول أبو سُفيانَ أودى مُحمدٌ
يقول أبو سُفيانَ أودى مُحمدٌ / قتيلاً ويأبى الشيخُ إلا تماديا
فلما أراد الحقَّ أقبل سائلاً / فأبدى له الفاروقُ ما كان خافيا
وقال له لا يَعْلُ صوتُك إنّه / لَيسمعُه مَن جاءَ بالحقّ هاديا
كذلك ظنّ القومُ إذ طاحَ مُصعَبٌ / فراحوا سُكارى يُكثرون الدعاويا
وَريعتْ قلوبُ المؤمنين فأجفلوا / يخافون من بعد النبيِّ الدواهيا
وزُلزِلَ قومٌ آخرون فأدبروا / سِراعاً يَجرُّونَ الظُّبَى والعواليا
يقولون ما نبغي وهذا نبيُّنا / تردَّى قتيلاً ليته كان باقيا
فما أقبلوا حتّى انبرت أُمُّ أيمنٍ / وقد جاوزَ الغيظُ الحشا والتراقيا
تُدافِعُهم غضبَى وتحثو ترابها / تُعفِّر منهم أوجُهاً ونواصيا
تقول ارجعوا ما بالمدينة منزلٌ / يُبارِكُ منكم بعد ذلك ثاويا
أمِن ربّكم يا قومُ تبغون مهرباً / فيا ويحكم إذ تتَّقون الأعاديا
ألا فانصروا الدّينَ القويمَ وجاهدوا / جِهاداً يُرينا مصرعَ الشِّركِ داميا
فَمن خاف منكم أن يعودَ إلى الوغى / فذا مغزلي وليعطني السَّيفَ ماضيا
لكِ الخيرُ لو تدرينَ ما قال معتبٌ / لأرسلتِ شُؤبوباً من الدمعِ هاميا
جزى الله ما قدَّمتِ يا أمَّ أيمنٍ / من الخيرِ تقضينَ الحُقوقَ الغواليا
تَطوفينَ بالجرحَى تُواسِينَ شاكياً / يَمُجُّ دماً منهم وتسقين صاديا
سعَى بك من إيمانِك الحقِّ دائبٌ / يَفوتُ المدى الأقصى إذا جدَّ ساعيا
عَجِبتُ لمن يَرمِيك ماذا بدا له / أطاشتْ يداهُ أم رمى منك غازيا
ألم ير هنداً يرحم السَّيفُ ضعفَها / فَيَصدف عنها وافِرَ البرِّ وافيا
تَورَّعَ عنها مُؤمنٌ ليسَ دينهُ / كدينِ حُبابٍ إنّه كان غاويا
جَزاهُ بها سعدٌ إساءَة ظالمٍ / فأمسى رسولُ اللهِ جذلانُ راضيا
وإذ أنزل الله النعاس فأمسكت / جوانح لولا الله ظلت نوازيا
كذلك إيمان النُّفوسِ إذا رَسَتْ / قَواعِدُه أمستْ ثِقالاً رواسيا
يَنامُ الفتَى والموتُ يلمس جَنبَه / ويَرجِعُ عنه واهنَ الظّفرِ واهيا
يُجانِبُهُ حتّى إذا جاءَ يَومُه / فأبعدُ شيءٍ أن يُرَى منه ناجيا
فما اسطعتَ فاجعل مِن يقينك جُنَّةً / كفى بيقينِ المرءِ للمرءِ واقيا
هَوتْ من عيونِ الهاجِعينَ سَناتُها / ولاحتْ عُيونُ الحربِ حُمراً روانيا
وهبَّ أميرُ الغيلِ يدفعُ دونه / ويُولِعُ بالفتكِ اللّيوثَ الضواريا
يُزلزِلُ أبطالَ الكريهةِ مُقدماً / ويَصرعُهم في حَوْمَةِ البأسِ داميا
توالت جراحاتُ الكَتومِ فأسأَرتْ / بهم أثراً من ساطعِ الدّمِ باديا
تضِنُّ بنجواها وتكتُم صوتَها / لِيَخْفى من الأسرارِ ما ليس خافيا
تظلُّ شظاياها تَطايَرُ حوله / وللرّمْيِ ألهُوبٌ يُواليه حاميا
هو القائد الميمونُ ما خاض غمرةً / فغادرها حتَّى يَرى الحقَّ عاليا
أبا طلحةَ انْظُر كيف يرمِي وجارِهِ / قضاءً على القومِ المناكيدِ جاريا
ويا سعدُ لا ترفَقْ بقوسكَ وَارْمِها / سِهاماً أصابت من يدِ اللّهِ باريا
ودونك فاضربْ يا سهيلُ نُحورهَم / ودعني أصِفْ للنّاسِ تلك المرائيا
وعينَك فَاحْمِلْ يا قتادةُ عائذاً / بمن لا ترى مِن دونه لك شافيا
ألا ليتني أدركتُ أمَّ عمارةٍ / فألثُم منها مَوطِئَ النّعلِ جاثيا
وأشهدُ من حولِ النبيِّ بلاءَها / وأُنشِدُها في اللّهِ هذي القوافيا
وأجعلُ من وجهِي وَقاءً لوجهها / إذا ما رماها مُشرِكٌ من أماميا
ويا ليتَ أنّي قد حملتُ جِراحَها / وكنتُ لها في المأزقِ الضّنكِ فاديا
تَفِيضُ على الجرحى حناناً وتَصطلِي / من الحربِ ما لا يصطلي اللّيثُ عاديا
كذلك كان المسلمونَ وهذه / سجايا اللواتي كنَّ فيهم دراريا
إذا الحادثاتُ السّودُ عبَّ عُبابها / كَففنَ البلايا أو كشفنَ الدياجيا
مَناقِبُ للدنيا العريضةِ هِزَّةٌ / إذا ذُكِرتْ فَلْيَشدُ من كان شاديا
لها من معاني الخُلدِ كلُّ بديعةٍ / فيا ليتَ قومي يفهمون المعانيا
ووأسفي إن لم تَجِدْ من شُيوخِهم / حَفِيظاً يُلقَّاها ولم تُلْفِ واعيا
إذا ما رأيتَ الهدمَ للقومِ دَيْدَناً / فوارحمتا فيهم لِمَنْ كان بانيا
أقبلْ نُعَيْمُ هَداك ربُّكَ ساريا
أقبلْ نُعَيْمُ هَداك ربُّكَ ساريا / وكفى بربّك ذي الجلالةِ هاديا
جِئتَ النبيَّ فقلتَ إنّي مُسلمٌ / من أشْجَعٍ لم يَدْرِ قومي ما بيا
مُرْني بما أحببتَ في القومِ الأُلَى / كَرِهوا الرشادَ أكن لأمرِكَ واعيا
قال ارمهم بالرأيِ يَصدعُ بأسَهم / عنّا ويتركُه ضعيفاً واهيا
عُدْ يا ابنَ مسعودٍ إليهم راشداً / وَاصْنَعْ صَنيعَكَ آمراً أو ناهيا
قال استعنتُ بمن هَداكَ بِنُورِه / ومَحا بِملّتِكَ الظلامَ الداجيا
ومضى فهزَّ بَني قَريظَة هِزّةً / يَغتالُ رَاجفُها الأشمَّ الراسيا
قال اتبعوا يا قومُ رأيَ نَدِيمكم / إنّي مَحضتُكمُ الودادَ الصافيا
أفما رأيتم ما أصابَ مُحمّدٌ / مِن قومِكم لمّا أطاعوا الغاويا
جَهلوا فعاجلهم ببأسٍ عاصفٍ / لم يُبقِ منهم في الجزيرة ثاويا
فَدَعُوا قُريشاً لا تظنّوا أمرَها / من أمركم أمَماً ولا مُتدانِيا
إنّ البلادَ بلادُكم فإذا انثنت / ومَضى البلاءُ فلن تُصيبوا واقيا
إن تأخذَوا سَبعين من أبطالهم / رَهناً يَكُنْ حَزماً ورأياً شافيا
وأتى قريشاً في مَخِيلَةِ ناصحٍ / يُبدِي الهَوى ويُذيعُ سِرّاً خافيا
يا قومُ إنّ بني قُريظةَ أحدثوا / أمراً طَفقتُ له أعضُّ بنانيا
قال المنبِّئُ إنّهم نَدموا على / ما كان مِنهم إذ أجابوا الداعيا
بعثوا فقالوا يا محمدُ ما ترى / إن نحن أحْسَنّا أتُصبحُ راضيا
نُعطِي سُيوفَك من قريشٍ ثُلَّةً / ونَسوقُ من غَطفانَ جَمعاً رابيا
من هؤلاءِ وهؤلاءِ نَعدُّهم / سَبعينَ تقتلُهم جزَاءً وافيا
وتردُّ إخوتَنا إلى أوطانهم / بعد الجلاءِ وكان حُكمُكَ ماضيا
كانوا على حَدَثِ الزّمانِ جَناحَنا / فتركتَ ناهِضَهُ كسيراً داميا
ومَشَى إلى غَطفان يُنبئُهم بما / سَمعتْ قريشٌ أو يَزيدُ مُحابيا
أهلي مَنحتُ نَصيحَتي وعَشِيرَتِي / نَبَّهْتُ أخشى أن يَجلَّ مُصابيا
هَفَتِ المخاوفُ بالنّفوسِ فزُلزِلتْ / ومَضتْ بها هُوجُ الظّنونِ سَوافيا
لم يُبقِ منها الأشجعيُّ بمكرِهِ / ودهَائِهِ غيرَ الهواجِسِ باقيا
جَلَس ابنُ حربٍ في سَرَاةِ رجالهِ / هَمّاً يُطالِعُهم وخطباً جاثيا
والرّهطُ من غَطفان يَنظُر واجماً / حِيناً ويهدرُ عاتِباً أو لاحِيا
لبثوا يُديرُ الرأيَ كلُّ مُجرِّبٍ / منهم فيا لكِ حَيْرَةً هِيَ ماهيا
بعثوا فقالوا لليهودِ تأهَّبوا / للحربِ نَطوِي شرَّها المتماديا
لم يَبْقَ من خُفٍّ ولا من حافرٍ / إلا سيُصبحُ هالكاً أو فانيا
طال المقامُ ولا مُقامَ لمعشرٍ / نزلوا من الأرضِ البعيدَ النائيا
أمستْ منازلُهم بأرضِ عَدُوِّهمِ / والموتُ يَخْطِرُ رَائحاً أو غاديا
قالوا أيومَ السَّبْتِ نبرزُ للوغَى / ولَقَدْ عَلِمْنا ما أصابَ الباغيا
لسنا نُقاتِلُ أو تُؤدُّوا رَهْنَكم / إنّا نرى الدّاءَ المُكتَّمَ باديا
سَبْعِينَ إن خُنتم قَضينا أمرَنا / فيهم ولن يَجدوا هُنالِكَ فاديا
غَضِبَ ابنُ حربٍ ثم قال لقومه / صَدَقَ ابنُ مسعودٍ وخابَ رجائيا
غَدَرَ اليهودُ وتلك من عاداتِهم / يا قومِ ما للغادِرينَ وماليا
ما كنتُ أَحْسَبُ والخطوبُ كثيرةٌ / أنَّ الأحبَّةَ يُصبحونَ أعاديا
هذا بِناءُ القومِ مَالَ عَمودُه / فَوهَى وأصبحَ رُكنهُ مُتداعيا
هَدَمَ الإمامُ العبقريُّ أساسَهُ / وَسما بدينِ العبقريَّةِ بانيا
شَيخُ السِّياسةِ ليس يَبعثُ غارةً / أو يبعثَ الرأيَ المظفَّرَ غازيا
الله عَلَّمَهُ فليس كَفَنِّهِ / فَنٌّ وإن بَهَر العقولَ معانيا
اللَّهُ أرسلهُ عليهم عاصفاً / مُتمرِّداً يَدَعُ الجِبالَ نوازيا
شَرِسَ القُوى عَجْلانَ أهوجَ يرتمِي / يُزجي الغوائلَ مُستبِدّاً عاتيا
ما لامرئٍ عَهدٌ يُظنُّ بمثلِهِ / من بعدِ عادٍ رائياً أو راويا
قلب المنازِلَ والبيوتَ فلم يَدَعْ / إلا مَصائِبَ مُثَّلاً ودواهيا
ألقَى على القومِ العذابَ فما يُرَى / مُتزحزِحاً عنهم ولا مُتجافيا
الأرضُ واسعةُ الجوانبِ حولهم / ما مسَّ منها عامراً أو خاليا
نزلتْ جُنودُ اللَّهِ رُعباً بالغاً / ملأَ القُلوبَ فما بَرِحْنَ هوافيا
وأتى حُذيفة في مَدارِع غَيْهَبٍ / ألْقَى على الدنيا حِجاباً ضافيا
يَتَلمَّسُ الأخبارَ ماذا عِندهم / أأفاقَ غاويهم فَيُصبِحُ صاحيا
جاء الرجالَ يَدُسُّ فيهم نَفْسَهُ / والحتفُ يَرْقُبُه مخوفاً عاديا
بِيَدَي معاويةٍ وعمروٍ أمسكت / كلتا يَدَيْهٍ مُوارباً ومُداجِيا
لولا الرسولُ ودَعوةٌ منه مضت / لَقِيَ الأسِنَّةَ والسُّيوفَ مواضيا
بَلَغَ البلاءُ بهم مَداهُ فلم يَجِدْ / منهم سِوَى شاكٍ يُطارِحُ شاكيا
يدعو أبو سُفيانَ يا قومِ انظروا / إنّا وجدنا الأمرَ صَعْباً قاسيا
فِيمَ المقامُ كفى التعلُّلُ بالمنى / هُبّوا فإنّي قد مَللتُ مُقاميا
حَسْبي على ألمِ الرحيلِ وحَسْبُكم / أن يرجعَ الجيشُ العرمرمُ ناجيا
ثم اعتلى ظَهْرَ البعيرِ وقال سِرْ / لا كانَ ذا الوادي المُروِّعُ واديا
فاهتاجَ عكرمةٌ وقال أهكذا / يَهِنُ الزعيمُ ألا تُقيم لياليا
إنزلْ وَسِرْ في القومِ سِيرةَ ماجدٍ / لا تُشْمِتَنَّ بك العدوَّ ولا بيا
نزل الزعيمُ يَجرُّ حبلَ بَعيرهِ / ويقولُ سِيروا مُسرِعينَ ورائيا
ساروا وقال ابنُ الوليدِ أمالنا / يا عمروُ أن نَلقى اللُّيوثَ ضواريا
إن كنتَ صاحبَ نجدةٍ فأقِمْ معي / وَلْيَبْقَ مَن رُزقوا النُّفوسَ أوابيا
أبيا الرحيلَ حَمِيَّةٌ فَتخلَّفا / وأباهُ قومٌ يتّقونَ الزاريا
ثم استبدَّ بهم قضاءٌ غالبٌ / فمضوا وأدبرَ جمعُهُم مُتراميا
ومضى حُذيفةُ بالبَشارةِ يبتغِي / عِندَ النبيِّ بها المحلَّ العاليا
وافاه في حَرَمِ الصَّلاةِ وقُدْسِها / والنُّورُ نورُ اللَّهِ يَسْطَعُ زاهيا
حتى قضاها سَمحةً مقبولةً / مُتهجّداً يتلو الكتابَ مُناجيا
رَكَعاتُ ميمونِ النَّقيبَةِ مُشرِقٍ / تَرِدُ السَّماءَ أهِلّةً ودراريا
سَمِعَ الحديثَ فراحَ يَحمدُ رَبَّه / فَرحاً ويشكُر فَضلَه المتواليا
إن يجمعِ القومُ الجنودَ فإنّما / جمعوا مَزاعِمَ تُفتَرى ودعاويا
جمعوا لأغوالٍ يَطولُ غليلُها / ممّا تَحاماها المنونُ تحاميا
من كُلِّ مُقتحِمٍ سَواء عنده / وَرَد المنيَّة شارباً أو ساقيا
سِرْ في عبيدِكَ يا ابنَ حربٍ إنّما / لاقيتَ منهم سادةً ومَواليا
لن تبلغَ النَّصرَ المرومَ ولن ترى / إلا ظُبىً مهزومةً وعواليا
ذهبت لِطيَّتها الكتائبُ خُيَّباً / وذهبتَ تبعثُ بالكتابِ مُناويا
بئسَ الكتابُ عَوَيْتَ فيه ولن ترى / ضِرغامَة الوادي يخاف العاويا
ورفعتَ للأصنامِ فيه لواءها / وهيَ التي تركتْ لِواءكَ هاويا
أتعِيبُها أن لم تكن عربيَّةً / أفما رأيتَ جَمالَها المتناهيا
أنكرتَ حُسْنَ الفارسيَّةِ غَيْرَةً / وحَسَدْتَها فجعلت نفسَكَ واشيا
زِدْهَا من الوصفِ البديعِ وغنِّنا / للَّهِ دَرُّكَ يا ابنَ حربٍ شاديا
ماذا أصابك من كتابِ مُحمدٍ / لا تُخْفِ ما بك إن أردت مُواسيا
أفما صعقتَ له وبِتَّ بليلةٍ / تَسْرِي أراقمُها فَتُعِيي الراقيا
انهض أبا سُفيانَ نهضةَ مُهتَدٍ / أفما تزالُ القاعِدَ المُتوانيا
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ / وَتَسلُكُهَا مُعَبَّدَةً سَوِيَّهْ
أَضَلَّتكَ اليهودُ فَرُحْتَ تَبْغِي / ثَمارَ النّخلِ يا لَكَ من بَلِيَّهْ
لَبِئْسَ الأجرُ أجرُكَ مِن أُناسٍ / يَرَوْنَ الحقَّ مَنزلَةً دَنِيَّهْ
أتَرضَى أن تكونَ لهم حَليفاً / لَعَمْرُكَ إنّهم شَرُّ البَرِيَّهْ
رَمَوْكَ بِرُسْلِهِم يَرجونَ نصراً / فَمَا وَجَدوكَ من أهلِ الرَّوِيَّهْ
أَهَبْتَ بِقَوْمِكَ انطَلِقُوا وَرَائِي / فَتِلْكَ سَرِيَّةٌ تتلو سَرِيَّهْ
تُريدُ مُحَمّداً وَبَنِي أبيهِ / أُولِي النَّجَدَاتِ والهِمَمِ العَلِيَّهْ
حُماةُ الحقِّ ليس له سِواهم / إذا غَلَتِ الحفيظَةُ والحَمِيَّهْ
نهاك مُحَمَّدٌ فأَبيتَ رُشْداً / لِنَفْسِكَ إنّها نَفْسٌ غَوِيَّهْ
وقلتَ أنتركُ الحلفاءَ نَهْباً / ونحن أُولُو السُّيُوفِ المَشْرَفِيَّهْ
رُوَيْدَكَ يا عُيَيْنَةُ أيُّ خطبٍ / أصابَكَ ما الحديثُ وما القَضِيَّهْ
وما الصَّوتُ المردَّدُ يا ابنَ حِصنٍ / وَرَاءَكَ في منازِلِكَ القَصِيَّهْ
وَرَاءَكَ يا عُيَيْنَةُ لا تَدَعْها / فما هِيَ عن دِفَاعِكَ بالغَنِيَّهْ
رَجعتَ بِجُنْدِكَ المهزومِ رُعْباً / فَمَرْحَى ما الهزيمةُ كالمَنِيَّهْ
لَوَ انّكَ جِئْتَ خَيْبَرَ وَهْيَ ظَمْأَى / سَقَتْكَ من الرَّدَى كأساً رَوِيَّهْ
نَوَيْتَ غِيَاثَها فَشُغِلْتَ عنها / وأمرُ الله يَغلبُ كلَّ نِيَّهْ
بِرَبِّكَ يا فتى غَطفَانَ آمِنْ / فإنّ لهُ لآياتٍ جَلِيَّهْ
رَجعتَ إلى النَّبيِّ تَقولُ مَا لا / يَقولُ المرءُ ذُو النَّفْسِ الحَيِيَّهْ
ألستُ لمن ظَفَرْتَ بهم حَلِيفاً / فَهَبْ لي من مَغَانِمِهم عَطِيَّهْ
وَإنّي قد أَبَيْتُ فلم أُعِنْهُم / عَلَيكَ وما تَرَكْتُكَ عن تَقِيَّهْ
فقال كَذَبْتَ مَالَكَ مِن خَلاقٍ / وما تَخْفَى على الله الطَّوِيَّهْ
عَلَيكَ بِذِي الرُّقَيْبَةِ إنّ فيه / لَمَا أحببتَ من صلةٍ سَنِيَّهْ
تَأَمَّلْ هل مَلَكتَ عليَّ أمرِي / وهل صَدَقَتْكَ رُؤيَاكَ الغَبِيَّهْ
لكلٍّ من دُعاةِ الشِّركِ حربٌ / مُظَفَّرَةُ الوقائِعِ خَيْبَرِيَّهْ
سَجَايا المُرهفاتِ البيضِ أَوْلَى / بمن جَعلوا النِّفاقَ لهم سَجِيَّهْ
خَفِ اللَّهَ يا جَدُّ بن قيسٍ ولا تُطِعْ
خَفِ اللَّهَ يا جَدُّ بن قيسٍ ولا تُطِعْ / هَواكَ وَدَعْها خُطّةً هِيَ ماهِيَهْ
كَذبتَ رسولَ اللهِ تُضمِرُ غيرَ ما / تَقولُ وما تَخْفَى على اللَّهِ خافِيَهْ
تَقولُ لهُ ائْذَنْ لِي ولا تَبْغِ فِتنتي / فَإنِّي امرؤٌ أُعطِي النِّساءَ عِنانِيَهْ
وإنّ نِساءَ الرُّومِ يَغْلِبْنَنِي على / عَفافِي فَدَعْنِي ما لهنّ ومالِيهْ
فأعرضَ عنهُ غيرَ راضٍ وساءَهُ / فُجورُ امرئٍ يُبدي الفُجورَ عَلانِيَهْ
وجاءَ ابنُه يُصليهِ نَارَ مَلامةٍ / فيا لكِ من نارٍ على المرءِ حَامِيَهْ
يقول له بل جئتَها جاهليَّةً / دعتكَ إليها من نفاقك دَاعِيَهْ
لك الويل يا جدُّ بن قيسٍ فإن تَتُبْ / وُقِيتَ وإن تَفْسُقْ فمالكَ وَاقِيَهْ
أبَا رافعٍ لا يَرفعُ اللّهُ طاغيا
أبَا رافعٍ لا يَرفعُ اللّهُ طاغيا / ولا يَدَعُ الخَصْمَ المُشاغِبَ نَاجيا
جمعتَ من الأحزابِ ما شِئتَ تَبتغي / لنفسِكَ من تلكَ العقابيلِ شَافيا
وَرُحتَ تَصُبُّ المالَ في غيرِ هِينَةٍ / تُريدُ بدينِ المسلمينِ الدَّواهيا
هو ابنُ عتيكٍ إن جَهِلتَ وصَحبُه / فلستَ بلاقٍ من حِمامِكَ واقيا
يَدُبُّ وقد جُنَّ الظَّلامُ مُقنَّعاً / يُريدُكَ مُغتالاً ويلقاكَ غازيا
كأنّ حِمارَ الحصنِ أُوتِيَ رُشدَهُ / فأجمعَ ألا يصحبَ الدَّهرَ غاويا
أعان عليكَ السَّيفَ يكرهُ أن يرى / دماً فاجراً في مَسْبَحِ الكُفرِ جاريا
يقول له البوّابُ مالك جالِساً / وقد دخل الرّهطُ الذي كُنتَ رائيا
إلى الحصنِ فَادْخُلْ لَسْتُ تاركَ بابِهِ / لأجلِكَ مفتوحاً ودَعْنِي لما بيا
فقامَ ولو يَدرِي خَبِيئةَ نَفسه / أعضَّ وَرِيْدَيْهِ الحُسامَ اليمانيا
ولاحت لِعَيْنَيْهِ الأقاليدُ فَانْتَحى / يَضُمُّ عليها مِخلبَ اللّيثِ ضَاريا
فلمَّا غَفا السُّمارُ أقبلَ صَاعِداً / إلى الأخرقِ المغرورِ يَعلو المراقيا
سَقاهُ بِحَدِّ الهنْدُوَانِيِّ حَتْفَهُ / فَبُورِكَت من سيفٍ وبُورِكَ ساقيا
هَوتْ رِجلُهُ من زَلَّةٍ قَذفتْ بهِ / إلى الأرضِ في ظَلماءَ تُخفي الدرارِيا
فما بَرحتْ حتّى أُصِيبَ صَميمُها / بِصَدْعٍ فأمْسَى وَاهِنَ العَظمِ واهيا
وباتَ يُواري نَفسَهُ في مكانِهِ / ويزورُّ في بُرديه يَخشَى الأعاديا
تَنادَوْا فقالوا فاتكٌ من عَدُوِّنا / رَمى السَّنَدَ الأعلى فلا كان راميا
مَتى جاءَ كيفَ انسلَّ في غَسَقِ الدُّجَى / وماذا جَرى من كان للحصنِ حاميا
مِنَ الجِنِّ هذا أم من الإنس يا لَهُ / مُصاباً يُنَسِّينا الخُطوبَ الخواليا
وراحوا سِراعاً مُهطِعينَ يَهيجُهم / طِلابُ الذي ما زالَ في الحِصْنِ ثاويا
فما تركوا في أرضِ خَيبرَ بقعةً / ولا غادروا ممّا هُنالِكَ واديا
وعادُوا يَعُضُّونَ البَنانَ ولو رَأَوْا / مكانَ الرَّدى المجتاحَ أَلْفَوْهُ جَاثيا
فما زالَ حتّى أذّنَ الدِّيكُ وانْبَرى / مِنَ القومِ داعٍ يَرفعُ الصَّوتَ ناعيا
هُنالِكَ وافى صَحبُه فتحدَّبُوا / عليه وكان الظنُّ أن لا تلاقيا
فَتىً يركبُ الأهوالَ لا يَتَّقِي الرَّدى / ولا يتوقَّى الحتفَ يَلقاهُ عاديا
قُصارَاهُ أن يَرْعَى أمانةَ رَبِّهِ / ويلقى رسولَ اللهِ جَذْلانَ راضيا
شَفَى رِجلَهُ ممّا بها فكأنَّها / بِخَيْبرَ لم تُكْسَرْ ولم يَكُ شاكِيا
أبا رافعٍ ما ذا لَقِيتَ بحُفرةٍ / طَوَتْ منكَ جبّاراً قضَى العُمرَ عاتيا
عَكفتَ على البَغْيِ المُذمَّمِ والأذَى / فَذُبْ أسفاً واعْكُفْ على النَّارِ صَاليا
إلى ذاتِ السَّلاسِلِ مِن بَليِّ
إلى ذاتِ السَّلاسِلِ مِن بَليِّ / وعُذْرَةَ فَامْضِ بُورِكَ مِن مُضِيِّ
تَدَفَّقْ بالأُلى جاشَتْ قُواهُم / إليكَ تَدَفُّقَ السَّيْلِ الأتِيِّ
إلى قومٍ من الأعداءِ تُطوَى / جَوانِحُهُم على الدّاءِ الدَوِيِّ
تَألَّبَ جَمعُهُم من كلِّ أَوْبٍ / يُحاوِلُ بالسّيوفِ حِمَى النَّبيِّ
أهزلٌ من قُضاعةَ أم خيالٌ / غَوِيٌّ جَالَ في جَوٍّ غَوِيِّ
تَوَلَّى الكفرُ أمرَ القومِ فيه / فسوفَ يَرَوْنَ عاقِبَةَ الوَليِّ
جَمعتَ لحربهم يا عمروُ بأساً / يُزلزِلُ كلَّ جَبارٍ عتِيِّ
رأيتَ جُموعَهم شتَّى فهذا / رَسولُكَ جاء بالمَدَدِ القويِّ
عليه أبو عُبَيْدَةَ في سلاحٍ / يَمُجُّ عُصارَةَ الموتِ الوَحِيِّ
نَهاهُ مُحمّدٌ عن كلِّ أمرٍ / تَضِيقُ بهِ وما هو بالعَصِيِّ
يُنازِعُكَ الإمامَةَ ثم يَرْضَى / وتِلكَ سَماحةُ الخُلُقِ الرَّضِيِّ
رَميتَ الكافِرينَ بكل ماضٍ / مِنَ الأبطالِ يَعصِفُ بالرَّمِيِّ
فزالوا عن حظائِرِهِم سِراعاً / ولم تُغْنِ الرِّباقُ عن الشَّوِيِّ
تَوَاصَوْا بالثَّباتِ فَزَلزَلْتُهُم / صَوَاعِقُ ما تَكُفُّ عَنِ الهُوِيِّ
هُوَ البأسُ اسْتَطَارَ فلا ثَباتٌ / لِغيرِ السَّيفِ والبطَلِ الكَمِيِّ
قَضَيْتَ السُّؤْلَ من قَتلٍ وغُنْمٍ / وَنِلْتَ ذُؤابَةَ الشَّرفِ العَلِيِّ
وكنتَ القائدَ الفَطِنَ المُلَقَّى / فُنونَ المكرِ والكَيْدِ الخَفِيِّ
مَنعتَ النّارَ خِيفةَ أن تُعَرَّى / جُنودُكَ شِيمَةَ الحَذِرِ الذّكِيِّ
تُدافِعُ دُونَ عِدَّتِهم عَدُوّاً / تُخادِعُهُ عنِ الأمرِ الجَلِيِّ
ولم تَتْبَعْ قضَاعَةَ إذ تَوَلَّتْ / وإذ ذَهَلَ الصَّفِيُّ عَنِ الصَّفِيِّ
تُقَاتِلُها بسيفٍ من دَهاءٍ / يُمزِّقُها بِحَدٍّ لَوْذَعِيِّ
رَمى الفاروقُ من عَجَبٍ بقولٍ / يُثيرُ حَمِيَّةَ الرَّجُلِ الأبِيِّ
فقال له أبو بكرٍ رُوَيْداً / ولا تَعْدِلْ عَنِ السَّنَنِ السَّوِيِّ
رسولُ اللهِ أكثرُ مِنكَ عِلماً / بِصاحِبِهِ ولستَ لهُ بِسِيِّ
وما للحربِ إلا كلُّ طَبٍّ / يُصرِّفُها برأيٍ عَبْقَرِيِّ
أميرَ الجُندِ يا لكَ من سَرِيٍّ / أصابَ إمارةَ الجُندِ السَّرِيِّ
مَشَى الصِّديقُ والفاروقُ فيه / على أدبٍ من الخُلُقِ السَّنِيِّ
وهل يُقضَى على اسمِ اللهِ أمرٌ / فَيُنكِرُهُ التَّقِيُّ على التَّقِيِّ
إذا استوتِ المراتِبُ وَهْيَ شَتَّى / فما فضلُ اللَّبيبِ على الغَبِيِّ
أجَلْ يا عمروُ ما بِكَ من خَفَاءٍ / إذا فَزَعَ الرجالُ إلى الكَفِيِّ
شَأوتَ السّابِقينَ إلى مَحَلٍّ / يُجاوِزُ غايَةَ الأمَدِ القَصِيِّ
وذلك فضلُ ربِّكَ زِيدَ فيهِ / على يدِهِ لِذِي الجَدِّ الحَظِيِّ
أُعلِّلُ نَفسِي بِالعَواقِبِ أَرتَجِي
أُعلِّلُ نَفسِي بِالعَواقِبِ أَرتَجِي / لِأَدواءِ قَومي مِن يَد اللَهِ شافيا
عَسَى واضحٌ مِن نُورِهِ أَن يُظلَّنا / فَيصدعُ عَن آمالِ مِصرَ الدِياجيا
أَراها كَسارِي الليلِ لا يَأمنُ الرَدى / وَلا هوَ يَرجو مِن سَنا النَجمِ هاديا
تَلفُّ الدُجى في غَمرةِ الهَمّ بِالدُجى / وَتَلبس أَهوالَ السُرى وَالدَواهيا
وَتَعزفُ تَدعو الجنَّ أَن يَكشفوا الأَذى / تُعالجُ مِن كَربٍ يَهول الأَناسيا
مَن يُسعِدُ الأَوطانَ غَيرُ بَنيها
مَن يُسعِدُ الأَوطانَ غَيرُ بَنيها / وَيُنيلُها الآمالَ غَيرُ ذَويها
لَيسَ الكَريمُ بِمَن يَرى أَوطانَهُ / نَهبَ العَوادي ثُمَّ لا يَحميها
تَرجو بِنَجدَتِهِ اِنقِضاءَ شَقائِها / وَهوَ الَّذي بِقُعودِهِ يُشقيها
وَتَوَدُّ جاهِدَةً بِهِ دَفعَ الأَذى / عَن نَفسِها وَهوَ الَّذي يُؤذيها
سُبُلُ المَكارِمِ لِلكِرامِ قَويمَةٌ / فَعَلامَ يُخطِئُها الَّذي يَبغيها
ما أَكثَرَ المُتَفاخِرينَ وَإِنَّما / فَخرُ الكِرامِ بِما حَبَت أَيديها
يَحوي الكَريمُ المالَ لا يَبغي بِهِ / شَيئاً سِوى أُكرومَةٍ يَحويها
وَالجودُ يُحمَدُ حَيثُ كانَ وَخَيرُهُ / ما نالَ أَوطانَ الفَتى وَبَنيها
وَلَقَلَّما أَرضى اِمرُؤٌ أَوطانَهُ / حَتّى تَراهُ بِنَفسِهِ يَفديها
يا آلَ مِصرَ وَما يُؤَدّي حَقَّها / إِلّا فَتىً يَكفي الَّذي يَعنيها
أَيَضنُّ مِنكُم بالمعونة موسرٌ / يلهو ويمرح كلَّ آنٍ فيها
هي أمُّكُم لا كانَ مِن أَبنائِها / مَن لا يُواسيها وَلا يُرضيها
وَهَبَتكُمُ الخَيرَ الجَزيلَ فَهَل فَتىً / مِنكُم بِحُسنِ صَنيعِها يَجزيها
سَعِدَت لَعَمري بِالصَنائِعِ حِقبَةً / وَلَّت عَلى عَجَلٍ فَمَن يَثنيها
لَو يَسمَعُ المَوتى الهُمودُ مَقالَتي / أَسدوا إِلى الأَوطانِ ما يُغنيها
دارُ الصَنائِعِ خَيرُ دارٍ تُبتَنى / فَاللَهُ يَجزي الخَيرَ مَن يَبنيها
أَلا لا أَرى في مِصرَ إلّا دَعاوِياً
أَلا لا أَرى في مِصرَ إلّا دَعاوِياً / وَإِلّا صَدىً يُشجي الرِياحَ الذَوارِيا
أَرى هِمَماً يَعصِفَنَّ بِالنَجمِ رِفعَةً / وَهُنَّ جِثِيٌّ ما رَفَعنَ النَواصِيا
أَرى شِيَماً تُفني الأَماديحَ كُلَّها / وَما بَرَحَت تُملي عَلَيَّ الأَهاجِيا
أَرى ذِمَماً يُنسينَ في الدَهرِ مَن وَفى / وَيُولِعنَ بِالغَدرِ الذِئابَ الضَوارِيا
أَرى أُمَّةً لا يُخطِئُ المَجدَ سَعيُها / وَلَكِنَّها لا تَستَطيعُ المَساعِيا
وَلَولا رِجالٌ جاهَدوا لِبَقائِها / لَما تَرَكتَ مِنها يَدُ الدَهرِ باقِيا
أولَئِكَ رُوّادُ الحَياةِ رَمَت بِهِم / مَطايا المُنى في الخافِقَينِ المَرامِيا
يُنادونَ في الأَقطارِ إِنّا نُريدُها / حَياةً تَرُدُّ النيلَ رَيّانَ صافِيا
فَلَسنا حماة النيل حتى نعزَّهُ / وحتى نرى ملكَ الكنانة عاليا
أنتركها لِلغاصِبينَ وَنَبتَغي / لَنا وَطَناً فَوقَ البَسيطَةِ ثانِيا
غَضِبنا لِمِصرٍ غَضبَةً ما نَرُدُّها / إِلى أَن نَرى المُختارَ في القَبرِ راضِيا
فَلَسنا ذَويهِ إِن أَضَعنا تُراثَهُ / وَلَسنا بَنيها إِن أَطَعنا الأَعادِيا
أَنُمسي عَبيداً يَملِكونَ نُفوسَنا / وَأَموالَنا مِن دونِنا وَالذَرارِيا
أَما يَسأَلونَ الدَهرَ إِذ نَحنُ أُمَّةٌ / نَسوسُ الوَرى ساداتِهِم وَالمَوالِيا
رَفَعنا عَلى هامِ المَمالِكِ حُكمَنا / فَكانَ لَها تاجاً مِنَ العَدلِ غالِيا
وَكُنّا إِذا هَزَّ المُلوكَ عُرامُها / هَزَزنا لَهُم أَسيافَنا وَالعَوالِيا
أَفَالآنَ لَمّا غَيَّرَ الدَهرُ عَهدَهُ / يُريدُ الأَعادي أَن نُطيلَ التَغاضِيا
سَيَنسِفُ بَغيُ القَومِ شامِخَ عِزِّنا / إِذا نَسَفَ الوَهمُ الجِبالَ الرَواسِيا
دَرَجنا عَلى أَنّا نَكونُ أَعِزَّةً / نَصولُ فَنَجتاحُ العَدُوَّ المُناوِيا
نَدينُ بِأَلّا تُستَباحَ بِلادُنا / وَأَلّا نَرى فيها مَدى الدَهرِ غازِيا
وَلَن يَقضِيَ الإِنسانُ حَقَّ بِلادِهِ / إِذا هُوَ لَم يَبذُل لَها النَفسَ فادِيا
شُغِفنا بِوادي النيلِ إِذ نَحنُ أَهلُهُ / فَأَحبِب بِنا أَهلاً وَبِالنيلِ وادِيا
أَما ودُموعِ المُدَّعينَ بِهِ الهَوى / لَقَد كِدنَ يُضحِكنَ القُلوبَ البَواكِيا
أَلَحَّت تَباريحُ الغَرامِ فَمَيَّزَت / أَخا الصِدقِ مِنّا وَالدَعِيَّ المُرائِيا
جَزى اللَهُ في ذاتِ الإِلَهِ جِهادَنا / وَرَوَّحَ هاتيكَ النُفوسَ العَوانِيا
أَلا إِنَّهُ خَيرٌ مُثيباً وَجازِياً / وَلَن يَخذِلَ الهُدّامُ مَن كانَ بانِيا
بَكيتَ فَأَبكَيتَ الطُلولَ البَوالِيا
بَكيتَ فَأَبكَيتَ الطُلولَ البَوالِيا / فَما إِن تَرى إِلّا عُيوناً بَواكِيا
دَعاكَ هَوى سُكّانِها فَدَعَوتَها / فَبورِكتَ مَدعُوّاً وَبورِكتَ داعِيا
لَقَد هاجَ رَسمُ الدارِ وَجدَكَ إِذ عَفا / وَحَسبُكَ وَجداً أَن تَرى الرَسمَ عافِيا
لَكَ اللَهُ لا أَلحاكَ في مُهراقَةٍ / سَقيتَ بِها تِلكَ الطُلولَ الصَوادِيا
وَقَبلَكَ أَبكاني تَحَمُّلُ مَعشَرٍ / كَرِهتُ مُقامي بَعدَهُم وَبَقائِيا
جَزى اللَهُ عَنّا أَهلَها وَأَثابَهُم / مَثوبَةَ مَن أَمسى إِلى الحَقِّ هادِيا
هُمُ القَومُ لَم يَرضوا سِوى المَجدِ مَطلَباً / وَلَم يُؤثِروا إِلّا العُلا وَالمَساعِيا
بَنوها عَلى هامِ النُجومِ وَلَم يَكُن / لِيَبلُغَ هَذا الشَأوَ مَن كانَ بانِيا
فَأَمسَت بِمُستَنِّ العَوادي تَضيمُها / وَقد لَبِثَت دَهراً تَضيمُ العَوادِيا
هُمُ اِستَودَعوناها فَضاعَت وَلا أَرى / مِنَ الصَحبِ إِلّا عاجِزاً مُتَوانِيا
إِذا ما رَفَعتُ الصَوتَ أَبغي اِنبِعاثَهُ / لِيَبعَثَ مَيتاً أَو لِيُرجِعَ ماضِيا
تَبَلَّدَ مُغبَرّاً وَأَرعَدَ خائِفاً / وَأَحجَمَ مُزوَرّاً وَأَعرَضَ نائِيا
وَإِن يَدعُهُ داعي الغِوايَةِ يَستَجِب / وَيَغشَ الدَنايا طائِعاً وَالمَخازِيا
وَما ذاكَ خَطبُ القَومِ في مِصرَ وَحدَهُ / فَثَمَّ خُطوبٌ تَستَخِفُّ الرَواسِيا
جَنوها عَلَينا ما نُطيقُ دِفاعَها / بَلايا سَئِمنا حَملَها وَدَواهِيا
تَمادى الرِضى وَالصَبرُ نَرجو اِنقِضاءَها / وَتَأبى عَلى الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا
تَطولُ أَمانينا عَلى غَيرِ طائِلٍ / فَلا كانَ مِنّا مَن يُطيلُ الأَمانِيا
أَلا إِنَّها الدَولاتُ تَأتي وَتَنقَضي / وَما زالَ حُكمُ اللَهِ في الناسِ جارِيا
فَلَو كانَ يَهدي ذا الغِوايَةِ ناصِحٌ / وَجَدِّكَ ما أَلفَيتَ في مِصرَ غاوِيا
ظَلَلتُ أُواليها نَصائِحَ مُشفِقٍ / وَعاها مِنَ الأَقوامِ مَن كانَ واعِيا
تُطالِعُها مِن كُلِّ أُفقٍ وَتَنتَحي / رَوائِحَ في أَقطارِها وَغَوادِيا
فَهَوِّن عَلَيكَ الخَطبَ لا تَبتَئِس بِهِ / فَما لَكَ أَمرُ الجاهِلينَ وَلا لِيا
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها / فَقَد ضاقَت وُجوهُ العَيشِ فيها
أَتَلقى الحَتفَ لا حامٍ فَيَحمي / مَقاتِلَها وَلا واقٍ يَقيها
أَغيثوها فَما شَقِيَت بِلادٌ / بَنو السَكسونِ أَكبَرُ مُصلِحيها
أَلَستُم أَعدَلَ الأَقوامِ حُكماً / وَأَعوَزَهُم إِذا اِفتَخَروا شَبيها
أَغيثوا أُمَّةً تَشكو إِلَيكُم / أَذى الحِدثانِ وَالعَيشَ الكَريها
نَعوذُ بِعَدلِكُم أَن تُسلِمونا / إِلى نارِ الخَصاصَةِ نَصطَليها
رُعاةُ البَهمِ تَكفي ما يَليها / فَإيهاً يا بَني السَكسونِ إيها
تَرَدَّدَ في الدُجى نَفَسٌ لَهيفٌ / تَعَلَّقَ بِالمَدامِعِ يَمتَريها
نَفَضتُ لَهُ الكَرى عَن ذاتِ قَرحٍ / أُكاتِمُها الغَليلَ وَأَتَّقيها
وَقُمتُ أَجُرُّ أَوصالاً ثِقالاً / تُعاني المَوتَ مِمّا يَعتَريها
نَصَبتُ السَمعَ ثُمَّ بَعَثتُ طَرفي / وَراءَ البابِ أَعتَرِفُ الوُجوها
رَأَيتُ الهَولَ يَنبَعِثُ اِرتِجالاً / فَتَنصَدِعُ القُلوبُ لَهُ بَديها
رَأَيتُ البُؤسَ يَركُضُ في جُلودٍ / يُجانِبُها النَعيمُ وَيَحتَميها
رَأَيتُ نُيوبَ ساغِبَةٍ تَلَوّى / كَأَمثالِ الأَراقِمِ مِلءَ فيها
تُريدُ طَعامَها وَالبَيتُ مُقوٍ / فَتوشِكُ أَن تَميلَ عَلى بَنيها
مَوالِيها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / فَإِنَّ العَجزَ أَلّا تَصدَعوها
فَأَينَ المُصلِحونَ أَلا حَفِيٌّ / بِمِصرَ مِنَ النَوائِبِ يَفتَديها
مَواليها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / كَفاها ما تَتابَعَ مِن سِنيها
رَعَينا الجَدبَ في تلَعاتِ مِصرٍ / وَخَلَّينا الرِياضَ لِمُرتِعيها
لَقَد أَعيَت مَوارِدُها عَلَينا / وَما أَعيَت عَلى مَن يَجتَويها
هِبونا مِثلَكُم غُرَباءَ فيها / أَما نَرجو الحَياةَ وَنَبتَغيها
أَلَيسَ النَصفُ أَلّا تَمنَعونا / مَرافِقَها وَلَو كُنتُم ذَويها
أَنيلوا سُؤرَكُم هَلكى نُفوسٍ / نَعوذُ بِبِرِّكُم أَن تُرهِقوها
حُماةَ النيلِ كَم بِالنيلِ طاوٍ / يُريدُ عُلالَةً ما يَحتَويها
وَصادي النَفسِ لَو أَنَّ المَنايا / جَرَت ماءً لَأَقبَلَ يَحتَسيها
وَعاري الجَنبِ يُغضي مِن هَوانٍ / وَكانَ لِباسُهُ صَلفاً وَتيها
حُماةَ النيلِ كَم نُفسٍ تُعاني / مَنِيَّتَها وَتَدعو مُنقِذيها
أَنيلونا الدِيّاتِ وَلا تَكونوا / كَمَن يُردي النُفوسَ وَلا يَديها
زَعَمتُم أَنَّنا شَعبٌ سَفيهٌ / صَدَقتُم عَلِّموا الشَعبَ السَفيها
أَيَومَ الحَشرِ مَوعِدُنا إِذا ما / تَلَمَّسَتِ الشَعوبُ مُعَلِّميها
أَسَأتُم في سياسَتِكُم إِلَينا / وَتِلكَ سِياسَةٌ لا نَرتَضيها
لَمِنَ الرَواسِمُ يَرتَمينَ صَوادِيا
لَمِنَ الرَواسِمُ يَرتَمينَ صَوادِيا / وَيَجُزنَ بِالعَذبِ الرَوِيِّ أَوابِيا
الطالِعاتِ عَلى الصَباحِ حَنادِساً / السارِياتِ مَعَ الظَلامِ دراريا
الدامِياتِ مَناسِماً وَغَوارِباً / المُدمِياتِ جَوانِحاً وَمَآقِيا
الحائِماتِ مَعَ النُسورِ جَوارِحاً / العادِياتِ عَلى الأُسودِ ضَوارِيا
مَرَّت بِمُهتَزِمِ الرُعودِ قَواصِفاً / وَجَرَت بِمُختَرقِ الرِياحِ هَوافِيا
وَسَرَت بِمُلتَمعِ البُروعِ خَواطِفاً / تَفري أَهاضيبَ الغَمامِ هَوامِيا
حاوَلنَ عِندَ الشِعريَينِ مَآرِباً / وَحَمَلنَ مِلءَ الخافِقينَ أَمانِيا
عِفنَ البِقاعَ خَصيبَها وَجَديبَها / وَبَني الزَمانِ رَشيدَهُم وَالغاوِيا
أَينَ الرَشادُ مِنَ النُفوسِ نَوازِعاً / لِلشَرِّ تَستَبِقُ الضَلالَ نَوازِيا
أَينَ المَسامِعُ وَالعُقولُ فَإِنَّما / تُجدي المَقالَةُ سامِعاً أَو واعِيا
أَمسَكتُ عَن بَعضِ القَريضِ فَلَم أَجِد / في الصُحُفِ إِلّا لائِماً أَو لاحِيا
إيهاً فَإِنَّ مِنَ السُكوتِ بَلاغَةً / جَللاً تَفيضُ عَلى العُقولِ مَعانِيا
صُنتُ القَريضَ عَنِ المَحالِ وَأَرجَفوا / حَولي فَما جاوَبتُ مِنهُم عاوِيا
وَحَمَيتُ مِن عِرضِ المَقالِ وَلا أَرى / فيمَن أَراهُم لِلحَقيقَةِ حامِيا
مِن أَينَ لي بِفَتىً إِذا عَلَّمتُهُ / لَم أُلفِهِ عِندَ التَجارِبِ ناسِيا
مَن لي بِهِ حُرِّ اليَراعِ أَبِيِّهِ / عَفِّ النَوازِعِ والمَطامِعِ عالِيا
يَستَصغِرُ الدُنيا أَمامَ يَقينِهِ / فَيَصُدُّ عَنها مُشمَئِزَّاً زارِيا
يَأبى النَعيمَ مُلَطَّخاً بِمَذَلَّةٍ / وَيَرى مُقامَ السوءِ عاراً باقِيا
إِنّي رَأَيتُ مِنَ المَقالِ مَناقِباً / مَأثورَةً وَوَجَدتُ مِنهُ مَخازِيا
وَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الخِلالِ مَراقِياً / تُعلي جُدودَ مَعاشِرٍ وَمَهاوِيا
وَلَقَد بَلَوتُ الكاتِبينَ جَميعَهُم / فَوَجَدتُ أَكثَرَ ما يُقالُ دَعاوِيا
شَدّوا العِيابَ عَلى هِناتٍ لَو بَدَت / مَلَأَت مَناديحَ الفَضاءِ مَساوِيا
لا بورِكَت تِلكَ الأَكُفُّ فَإِنَّها / ضَرَبَت عَلى الأَلبابِ سَدّاً عاتِيا
حَجَبَت صَديعَ الرُشدِ عَنها فَاِرتَمَت / تَجتابُ لَيلَ الغَيِّ أَسفَعَ داجِيا
سَلني أُنَبِّئكَ اليَقينَ فَإِنَّ لي / عِلماً بِما تُخفي السَرائِرُ وافِيا
أَلفَيتُ أَصدَقَ مَن بَلَوتُ مُداهِناً / وَرَأَيتُ أَمثَلَ مَن رَأَيتُ مُداجِيا
بَعَثوا الصَحائِفَ يَلتَوينَ كَأَنَّما / بَعَثوا بِهِنَّ عَقارِباً وَأَفاعِيا
يَلسِبنَ مَن صَدعَ العِمايَةَ زاجِراً / وَأَهابَ بِالشَعبِ المُضَلَّلِ هادِيا
صُحُفٌ يَزِلُّ الصِدقُ عَن صَفَحاتِها / وَيَظَلُّ جِدُّ القَولِ عَنها نابِيا
لَو يَبغِيانِ بِها القَرارَ لَصادقا / في غَفلَةِ الحُرّاسِ مِنها ماحِيا
ماجَت فِجاجُ المَشرِقينَ مَصائِباً / وَطَغَت شِعابُ الوادِيَينِ دَواهِيا
حاقَت بِنا الأَزَماتُ تَترى وَاِنبَرَت / فينا الخُطوبُ رَوائِحاً وَغَوادِيا
جَفَّت أَمانينا وَكُنَّ حَوافِلاً / وَهَوَت مَطامِعُنا وَكُنَّ رَواسِيا
إِنّا لَنَضرِبُ في غَياهِبَ غَمرَةٍ / تَتَكَشَّفُ الغَمَراتُ وَهيَ كَما هِيا
نَبكي تُراثَ الغابِرينَ مُقَسَّماً / وَلَوِ اِستَطاعَ لَقامَ يَبكي الباكِيا
ذَهَبَ الرِجالُ العامِلونَ فَما تَرى / في القَومِ إِلّا ناعِباً أَو ناعِيا
هَدُّوا مِنَ الشرفِ المُرَفَّعِ ما بَنَوا / وَمَحَوا مَعالِمَهُ وَكُنَّ زَواهِيا
طارَت بِهِ هوجُ العُصورِ عَواصِفاً / وَمَضَت بِهِ نُكبُ الخُطوبِ سَوافِيا
فَإِذا نَشَدَت نَشَدتَ رَسماً عافِياً / وَإِذا رَأَيتَ رَأَيتَ وَسماً خافِيا
يا لِلمَشارِقِ صارِخاتٍ وُلَّهاً / تَدعوا المُغيثَ وَتَستَجيرُ الكافِيا
عَدَتِ الخُطوبُ وَما بَرَحنَ جَواثِماً / وَهَفَت بِهِنَّ وَما فَتِئنَ جَواثِيا
مَلَكَت سَبيلَيها الغُزاةُ وَإِنَّني / لَإِخالُ خَفقَ الريحِ فيها غازِيا
أَخَذَ العُقوقُ عَلى بَنِيها مَوثِقاً / لَم يُلفَ مُحكَمُهُ لَدَيهِم واهِيا
صَدَقوا العَدُوَّ وَلاءَهُم وَتَمَزَّقوا / خُصماءَ فيما بَينَهُم وَأَعادِيا
فَهُمو المَعاوِلُ إِن رَماهُم هادِماً / وَهُمو الدَعائِمُ إِن عَلاهُم بانِيا
وَهُمو السِلاحُ إِذا يُشيحُ مُناجِزاً / وَهُمو العَديدُ إِذا يصيحُ مُناوِيا
ما لي أُهيبُ بِمَن لَوَ اَنّي نافِخٌ / في الصُورِ ما نَبَّهتُ مِنهُم غافِيا
أَفزَعتُ أَصحابَ الرَقيمِ مُنادِياً / وَعَصَفتُ بِالعَظمِ الرَميمِ مُناجِيا
هِيَ صَرعَةٌ مِن رازِحينَ تَقاسَموا / أَلّا يُفيقوا أَو يُجيبوا الداعِيا
لَيتَ الزلازِلَ وَالصَواعِقَ في يَدي / فَأَصَبَّها لِلغافِلينَ قَوافِيا
فَنِيَت بَراكينُ القَريضِ وَلا أَرى / ما شَفَّني مِن جَهلِ قَومي فانِيا
فَلَئِن صَمَتُّ لَأَصمُتَنَّ تَجَلُّداً / وَلَئِن نَطَقتُ لَأَنطِقَنَّ تَشاكِيا
هِيَ الحِمايَةُ هَبَّ اليَومَ داعيها
هِيَ الحِمايَةُ هَبَّ اليَومَ داعيها / رُدّوا الأَكُفَّ وَصُدّوا عَن مَخازيها
لا تَجعَلوا النيلَ صَيداً في مَخالِبِها / فَالوَيلُ لِلنيلِ إِن هاجَت ضَواريها
تَكَشَّفَت غَمَراتُ الرَوعِ وَاِنحَسَرَت / غاراتُ كُلِّ رَحيبِ الدرعِ ضافيها
ما زالَتِ الحَربُ حَتّى اِرتَدَّ قائِدُها / وَاِنصاعَ في السَلبِ المُبتَزِّ غازيها
الخَيلُ تَجمَحُ وَالأَبطالُ مُدبِرَةٌ / فَوضى يَحيدُ عَنِ الداعينَ ناجيها
وَلهى مِنَ الذُعرِ يَدعو في أَواخِرَها / سَعدٌ وَتَدعو عَلى سَعدٍ أَواليها
ما كانَ بِالقائِدِ المَيمونِ طالِعُهُ / لَو اِستَبانَ سَبيلَ الرُشدِ غاويها
لَئِن دَعاها إِلى الطُغيانِ آمِرُها / لَقَد نَهاها عَنِ الطاغوتِ ناهيها
ما أَظلَمَ القَومَ يَجزونَ البِلادَ أَذىً / وَهيَ الحَياةُ وَما تُسدي جَوازيها
يا سَعدُ إِنَّ عُقوقَ النَفسِ مهلكَةً / فَاِستَبقِ نَفسَكَ وَاِحذَر بَطشَ باريها
لا يُفلِحُ المَرءُ يَنفي النُصحَ مَسمَعُهُ / إِذا دَعا جامِحَ الأَقوامِ داعيها
وَلَن تَرى ماكِراً يُخفي سَريرَتَهُ / يَبغي النَكيثَةَ إِلّا سَوفَ يُبديها
أَكُلَّما قُلتُ قَولَ الصِدقِ أَنكَرَني / شَعبٌ يَرى الصِدقَ تَضليلاً وَتَمويها
أَلومُ سَعداً وَما يَألوهُ تَكرِمَةً / وَكُلَّما زِدتُ لَوماً زادَ تَنزيها
لَولا الكِنانَةُ أَحميها وَتَمنَعُني / طاحَ الحِمامُ بِنَفسٍ جَدَّ راميها
أَحَبَبتُها حُبَّ مَشغوفٍ بِحاضِرها / وَبِالغَدِ الحُرِّ مَفتونٍ بِماضيها
وَالحُبُّ في شِرعَةِ الأَقوامِ مَهزَلَةٌ / يُشجيكَ ضاحِكُها طَوراً وَباكِيها
رِوايَةٌ صاغَها سَعدٌ وَزَيَّنَها / مِن صَحبِهِ الصيدِ لِلأَطفالِ راويها
برِئتُ مِن كُلِّ خَدّاعٍ لِأُمَّتِهِ / يُساوِمُ الخَصمَ إِن جَدَّ الرَدى فيها
إِذا نَجا لَم يَرُعهُ هَولُ مَصرَعِها / وَإِن شَدا لَم يَزَعهُ صَوتُ ناعيها
اللَهُ أَكبَرُ بِاِسمِ اللَهِ أَهديها
اللَهُ أَكبَرُ بِاِسمِ اللَهِ أَهديها / تَحِيَّةً أَنا أَولى مَن يُؤَدّيها
مِصرُ التَحِيَّةُ هَزَّ الفَتحُ شاعِرَها / فَاِهتَزَّ يُسمِعُ قاصيها وَدانيها
حَيِّ الغُزاةَ وَبَشِّر أُمَّةً صَدَقَت / آمالُها وَجَرَت سَعداً أَمانيها
تِلكَ الحَياةُ لِشَعبٍ ظَلَّ يُخطِئُهُ / مَجدُ الحَياةِ وَتَعدوهُ مَعاليها
أَودى بِهِ حُكمُ أَقوامٍ جَبابِرَةٍ / أَغرى سَياسَتَهُم بِالظُلمِ مُغريها
لا عَهدَ أَشأَمَ مِن عَهدٍ لَهُم جَمَحَت / فيهِ النُفوسُ وَضَلَّت في مَساعيها
تَلَقى الشُعوبُ مَناياها وَما جَهِلَت / أنَّ المَعارِفَ وَالأَخلاقَ تُحييها
إِنّي لَأَعلَمُ ما جَرَّ الزَمانُ عَلى / أَخلاقِ قَومي وَلَكِنّي أُداريها
وَكَيفَ أَطمَعُ في إِصلاحِ ما جَمَعت / مِنَ المَعائِبِ وَالقانونُ يَحميها
لاذَ الغُواةُ بِهِ وَاِستَعصَمَت فِئَةٌ / شُرُّ الكَبائِرِ مِن أَدنى مَساويها
تَدينُ بِالشَرِّ وَالدَيّانُ زاجِرُها / وَتُدمِنُ السُوءَ وَالقُرآنُ ناهيها
تَبيتُ آياتُهُ غَضبى مُرَوَّعَةً / وَما يَخافُ عَذابَ اللَهِ غاويها
مَضى الهُداةُ وَمالَ القَومُ عَن سُنَنٍ / ما يَستَبينُ لِطولِ العَهدِ خافيها
هِيَ السبيلُ إِلى الرضوانِ لَو وَضَحَت / وَاِستَنَّتِ القَومُ تَترى في مَناحيها
يا أُمَّةً أَفزَعَ الأَجيالَ نادِبُها / وَرَوَّعَ الدَهرَ وَالحِدثانَ شاكيها
كُفّي العَويلَ وَغُضّي الطَرفَ وَاِحتَفِظي / بِعَبرَةٍ ضاعَ في الأَطلالِ جاريها
أَما تَرَينَ شُعوبَ الأَرضِ هازِئَةً / يُومي إِلَيكِ مِنَ الأَقطارِ زاريها
أَكُلَّما نَزَلَت بِالشَرقِ نازِلَةٌ / أَرسَلتِ عَيناً يَمَجُّ الحُزنَ باكيها
وَيحَ الضُلوعِ أَما تُشفى لَواعِجُها / وَيحَ القُلوبِ أَما تُروى صَواديها
وَيحَ النَوائِبِ وَالأَرزاءِ ما فَعَلَت / بِأُمَّةٍ أَخذَتها مِن نَواصيها
ما لِلشُعوبِ إِلى العَلياءِ مُنتَهَضٌ / حَتّى يَجِدَّ عَلى الآثارِ ساعيها
لا ذَنبَ لِلدَهرِ فيما نالَ مِن أُمَمٍ / جَدَّ النِضالُ فَلَم يَغلِبهُ راميها
تَعدو الخُطوبُ فَنَشكوها وَما ظَلَمَت / فيما لَقينا وَلا جارَت عَواديها
نَحنُ الجُناةُ عَلَينا لا غَريمَ لَنا / إِلّا النُفوسُ الَّتي أَربَت مَخازيها
لَنا الأَكُفُّ الَّتي يَعتَزُّ هادِمُها / وَيَحمِلُ الذُلَّ وَالحِرمانَ بانيها
لَنا النُفوسُ يَضيمُ الدَهرَ سافِلُها / وَلا يُؤوبُ بِغَيرِ الضَيمِ عاليها
لَنا الوُجوهُ يَباباً ما يُلِمُّ بِها / طَيفُ الحَياءِ وَلا يَمشي بَواديها
لَنا القُلوبُ مِراضاً ما يُفارِقُها / داءُ الحُقودِ وَلا يُرجى تَصافيها
أَرى مَشاهِدَ مِن قَومي مُبَغَّضَةً / يَرضى العَمى وَيَوَدُّ المَوتَ رائيها
أَرى قُصوراً يِضمُّ العارَ شامِخُها / أَرى طَيالِسَ يُخفي السوءَ غاليها
هاجوا الغَليلَ عَلى حَرّانَ مُكتَئِبٍ / مُعَذَّبِ النَفسِ وَالآمالِ عانيها
لا يَرفَعُ الصَوتَ يَدعوهُم لِمَنقبَةٍ / إِلّا تَنافَسَ قَومٌ دونَهُم فيها
أَينَ السُيوفُ لِأَعناقٍ بِها زَوَرٌ / لَولا الحِفاظُ أَقامَتهُ مَواضيها
هِيَ الدَواءُ الَّذي يُرجى الشِفاءُ بِهِ / لِأَنفُسٍ حارَ فيها مَن يُداويها
أَعيَت عَلى نُطُسِ الكُتّابِ عِلَّتُها / فَاِرتَدَّ يَعثُرُ بِالأَقلامِ آسيها
وَأَعجَزَت مِن بَياني كُلَّ مُعجِزَةٍ / تَكادُ تَنهَضُ بِالمَوتى قَوافيها
وَيَلُمِّها أُمَّةً في مِصرَ ضائِعَةً / الخَسفُ مَرتَعُها وَالذِئبُ راعيها
ما تَرفَع الرَأسَ إِلّا غالَ نَخوتَها / تَهدارُ مُضطَرِمِ الأَحشاءِ واريها
وَلا تَطاوَلَتِ الأَعناقُ مِن شِمَمٍ / إِلّا عَلَتها يَدُ الجَلّادِ تَلويها
وَلا اِبتَغَت صالِحَ الأَعمالِ ناهِضَةً / إِلّا اِنبَرى ناهِضُ العُدوانِ يَثنيها
وَلا عَلَت رايَةٌ لِلعِلمِ تَنشُرُها / إِلّا تَلَقَّفَها دَنلوبُ يَطويها
قالوا الصَنائِعُ لِلأَقوامِ مرتبَةٌ / ما في المَراتِبِ مِن شَيءٍ يُساويها
قُلنا صَدَقتُم وَفاضَت ديمَةٌ ذَهَبٌ / رَنّانَةُ الوَرقِ يَشجي الوُرقَ هاميها
كَأَنَّ إِسحاقَ يَشدو في هَيادِبِها / أَو مَعبداً يَتَغَنّى في عَزاليها
كانَت أَلاعيبَ أَقوامٍ قَراضِبَةٍ / لَها مَآرِبُ في مِصرٍ تُواريها
أَينَ الصَنائِعُ هَل جاءوا بِواحِدَةٍ / تُغني البِلادَ وَتُعلي شَأنَ أَهليها
مِن حاجَةِ اللِصِّ بَيتٌ لا سِلاحَ بِهِ / وَلَيلَةٌ يَحجِبُ الأَبصارَ داجيها
وَالظُلمُ لِلضَعفِ جارٌ لا يُفارِقُهُ / فَإِن رَأى قُوَّةً وَلَّى يُجافيها
هَذا لَنا وَلَهُم فيما مَضى مَثَلٌ / وَإِنَّما يَضرِبُ الأَمثالَ واعيها
لا تَبلُغُ النَفسُ ما تَرضى نَوازِعُها / حَتّى تَكونَ المَنايا مِن مَراضيها
إِذا أَضاعَ بَنو الأَوطانِ حُرمَتَها / فَمَن يُغالي بِها أَم مَن يُراعيها
وَإِن هُمو كَشَفوا يَوماً مَقاتِلَها / فَلا تَسَل كَيفَ يَرميها أَعاديها
شَرُّ الجُناةِ وَأَدنى الناسِ مَنزِلَةً / مَن خانَ أُمَّتَهُ أَو راحَ يُؤذيها
يا أُمَّةً تاجَرَ الأَعداءَ بائِعُها / وَتاجَرَ اللَهَ وَالمُختارَ شاريها
خُوضي غِمارَ الخُطوبِ السودِ وَاِرتَقِبي / فُلكَ العِنايَةِ إِنَّ اللَهَ مُزجيها
وَيحَ العُهودِ أَصابَ الخَسفَ ذاكِرُها / وَآبَ بِالبِرِّ وَالإِكرامِ ناسيها
وَيحَ الكِنانَةِ خانَت عَهدَها فِئَةٌ / بِالمُخزِياتِ حَياءٌ مِن مَآتيها
ضاقَ السَبيلُ عَلى الأَعداءِ فَاِتَّخَذَت / أَيديهِمُ السُبلَ شَتّى بَينَ أَيديها
تَرى الحَياةَ بِأَيديهِم وَتَحسَبُها / طَعامَ جائِعِها أَو ثَوبَ عاريها
جِنايَةٌ أَفزَعَ المُختارَ واصِفُها / وَرَوَّعَ البَيتَ ذا الأَستارِ جانيها
حَرباً عَلَينا وَسِلماً لِلأُلى ظَلَموا / تِلكَ الكُلوم يَمُجُّ السُمَّ داميها
بِالغَدرِ آناً وِبِالإِغراءِ آوِنَةً / وَبِالنَمائِمِ تُؤذينا أَفاعيها
وَبِالشَماتَةِ إِن مَكروهَةٌ عَرَضَت / وَاِستَرسَلَت آلُ نِمرٍ في دَعاويها
ما بَشَّرَتنا بِمَحبوبٍ وَما بَرَحَت / يَنعى إِلَينا حُماةَ المُلكِ ناعيها
مَرَّت بِنا مِن أَفاعيلِ العِدى حِجَجٌ / صُمٌّ مَصائِبُها عُميٌ دَواهيها
الحَشرُ رَوعَةُ يَومٍ مِن رَوائِعِها / وَالدَهرُ لَيلَةُ سوءٍ مِن لَياليها
تُغري بِنا المَوتَ حَتّى ما يُدافِعُهُ / إِلّا اليَقينُ وَآمالٌ نُرَجّيها
ما أَبغَضَ العَيشَ إِلّا أَن تُجَمِّلَهُ / سودٌ يُدَمِّرُ صَرحَ البَغيِ ذاريها
تَقضي فَيَمسَحُ عَهدَ الظُلمُ عادِلُها / عَنّا وَيَمحو زَمانَ السوءِ ماحيها
مَتى أَرى الجَيشَ كَالتَيّارِ مُندَفِعاً / بِكُلِّ مُلتَطِمِ الغاراتِ طاميها
تَرمي السُدودُ سَراياهُ وَيَقذِفُهُ / مِنَ الحَواجِزِ وَالأَسوارِ عاتيها
مَتى أَرى الخَيلَ تَحتَ النَقعِ يَبعَثُها / قوداً مُضَمَّرَةً تَسمو هَواديها
يا أُمَّةً مَحَتِ الأَيّامُ نَضرَتَها / وَصَكَّها الدَهرُ فَاِندَكَّت رَواسيها
فُكّي الأَداهمَ وَالأَغلالَ وَاِنطَلِقي / تِلكَ النَجاةُ دَعاكِ اليَومَ داعيها
طاحَ الَّذي وَأَدَ الأَقوامَ وَاِنبَعَثَت / مِنَ القُبورِ شُعوبٌ رُوِّعَت فيها
يَمشي عَلى شِلوِهِ المَأكولِ رائِحُها / وَيَحتَذي سَيفَهُ المَغلولَ غاديها
لِكُلِّ شَعبٍ ضَجيجٌ حَولَ مَصرَعِهِ / وَلِلمَمالِكِ أَعيادٌ تُواليها
ضارٍ مِنَ الوَحشِ لَو يَسطيعُ مِن كَلَبٍ / لَم تَنجُ مِنهُ الدَراري في مَساريها
دامي المَخالِبِ وَالأَنيابِ ما عَرَضتَ / لَهُ الفَريسَةُ إِلّا اِنقَضَّ يَفريها
ما زالَ يَأكُلُ حَتّى اِكتَظَّ مِن شبَعٍ / وَاِنشَقَّ عَن أُمَمٍ يَنسابُ ناجيها
يا دَولَةَ الظُلمِ يَرمينا تَطاوُلُها / بِالمُزعِجاتِ وَيَشجينا تَماديها
شُدّي الرِحالَ وَزولي غَيرَ راجِعَةٍ / تِلكَ الكِنانَةُ جاءَتها مَواليها
تَمَّت رِوايَتُها الكُبرى وَأَودَعَها / خَزائِنَ الدَهرِ وَالأَجيالِ راويها
هَل كانَ عَهدُكِ إِلّا غُمَّةً كُشِفَت / أَو غَمرَةً ذَهَبَت عَنّا غَواشيها
ما بَينَ مِصرٍ وَآمالٍ تُراقِبُها / إِلّا لَيالٍ مَضى أَو كادَ باقيها
تَراكَمَت ظُلُماتُ الخَطبِ فَاِنبَلَجَت / طَلائِعُ الفَتحِ بيضاً في حَواشيها
نَهَضتُ أَو جاشَتِ الأَعراقُ تَنهَضُ بي / إِلى سُيوفِ بَني عَمّي أُحَيّيها
أَسبابُ دُنيا وَدينٍ بَينَنا اِجتَمَعَت / بَعدَ التَفَرُّقِ وَاِنضَمَّت أَواخيها
قالَ الوُشاةُ تَمادى عَهدُها فَهَوَت / أَينَ الوُشاةُ وَأَينَ اليَومَ واهيها
إِذا النُفوسُ تَناءَت وَهيَ كارِهَةٌ / كانَ الهَوى وَالتَداني في تَنائيها
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الحَقُّ وَاِزدَلَفَت / جُندٌ مَلائِكَةٌ يَعتَزُّ غازيها
المُصحَفُ السَيفُ وَالآياتُ أَدرُعُها / وَالقائِدُ الروحُ وَالمُختارُ حاميها
مَن ذا يُصارِعُها مَن ذا يُقارِعُها / مَن ذا يُدافِعُها مَن ذا يُناويها
خَلّوا السَبيلَ بَني التاميزِ وَاِجتَنِبوا / أُسداً تَفِرُّ المَنايا مِن ضَواريها
دَعوا الخِلافَةَ إِنَّ اللَهَ حافِظُها / وَإِنَّ بَأسَ بَني عُثمانَ واقيها
يَمشي الزَمانُ مُكِبّاً تَحتَ أَلوِيَةٍ / راموا السَماءَ فَنالَتها عَواليها
صانوا الكِتابَ فَصانَ اللَهُ دَولَتَهُم / وَاِستُؤصِلَت دُوَلٌ بِالسوءِ تَبغيها
أَمسَت حَديثاً وَأَمسى كُلُّ مُعتَمِرٍ / فيها طلولاً يُناجي البومَ عافيها
إِنَّ السُيوفَ سُيوفَ التُركِ ما بَرِحَت / تَحمي حِماها وَتَمضي في أَعاديها
كانَت لِويلسونَ نوراً يَستَضيءُ بِها / في ظُلمَةِ الحَربِ لَمّا ضَلَّ هاديها
لَمّا مَضى القَومُ في أَحكامِهِم شَطَطاً / أَوحى إِلَيها صَوابَ الحُكمِ موحيها
لاذوا بِهِ وَأَذاعوا كُلَّ رائِعَةٍ / مِنَ الأَحاديثِ تَضليلاً وَتَمويها
سَجِيَّةٌ لِبَني التاميزِ نَعرِفُها / وَخِدعَةٌ لَم تَغِب عَنّا مَراميها
كَم رَوَّعوا مِصرَ بِالأَنباءِ لَو صَدَقَت / لَم يَترُكِ اليَأسُ حُرّاً في مَغانيها
دانوا لِحُكمِ الرِقاقِ البيضِ إِذ طَلَعَت / يُملي عَلَيهِم عُهودَ الصُلحِ مُمليها
اِستَسلَموا طَوعَ جَبّارينَ ما غَضِبوا / إِلّا أَطاعَ مِنَ الجِنَّانِ عاصيها
هَزّوا المَمالِكَ في أَيمانِهِم فَهَوَت / عُروشُها الشُمُّ وَاِنهارَت صَياصيها
لَهُم عَلَينا حُقوقٌ لا نَقومُ بِها / اللَهُ يَشكُرُها عَنّا وَيَجزيها
يا رَبِّ أَصبَحنا نَخافُ العادِيا
يا رَبِّ أَصبَحنا نَخافُ العادِيا / يا رَبِّ لا نَبغي سِواكَ واقِيا
هَيِّئ لَنا أَمناً وَعَيشاً راضِيا / وَلا تَرُدَّ اليَومَ مِنّا داعِيا
إِنَّ العِدى قَد أَحدَثوا الدَواهِيا / وَرَوَّعوا الآباءَ وَالذَرارِيا
وَغادَروا دينَكَ رَسماً عافِيا / وَزَلزَلوا أَعلامَهُ الرَواسِيا
يا رَبِّ زَلزِل خَصمَكَ المُناوِيا / وَلَقِّهِ مِنكَ الجَزاءَ الوافِيا
وَكُن لِما تَخشى النُفوسُ كافِيا /
يَقولونَ لي ماذا قَرَأتَ لَعَلَّهُم
يَقولونَ لي ماذا قَرَأتَ لَعَلَّهُم / يُصيبونَ عِلماً عَن بَني الأَرضِ شافِيا
فَأُطرِقُ حيناً ثُمَّ أَرفَعُ هامَتي / أَقُصُّ مِنَ الأَنباءِ ما لَستُ واعِيا
أُديرُ أَحاديثَ السَلامِ مُبَشِّراً / وَأَهذي بِذِكرِ النارِ وَالدَمِ ناعِيا
وَكُنتُ أَظُنُّ العَقلَ يَهدي ذَوي العَمى / فَما لي وَعَقلي لا نَرى اليَومَ هادِيا
لَكَ الوَيلُ إِن صَدَّقتَ في الناسِ كاتِباً / وَأَمَّلتَ فيهِم لِلحَقيقَةِ راوِيا
أَرى صُحُفاً تَزوَرُّ مِن سوءِ ما بِها / عَنِ القَومِ تَستَحيي العُيونَ الرَوانِيا
تُخَطُّ بِأَقلامٍ كَأَنَّ لُعابَها / لُعابُ الأَفاعي تَترُكُ القَرحَ دامِيا
تَلوحُ فَتَصفَرُّ الوُجوهُ وَتَنطَوي / عَلى الرُعبِ أَقوامٌ تَخافُ الدَواهِيا
إِذا ما تَرامَت في البِلادِ تُريدُنا / كَرِهنا عَلى طولِ الحَنينِ التَلاقِيا
وَإِن أَعوَزَتها في المَطايا نَجيبَةٌ / جَعَلنا مَطاياها الرِياحَ الذَوارِيا
هِيَ الحادِثاتُ السودُ أَغَرَت بِقَومِنا / أَخِلّاءَ مِن كُتّابِها وَأَعادِيا
أَراهُم سَواءً لا تَفاوُتَ بَينَهُم / وَلَن تَستَبينَ العَينُ ما كانَ خافِيا
لَنا مِن وُجوهِ الأَمرِ ما كانَ ظاهِراً / وَسُبحانَ مَن يَدري السَرائِرَ ماهِيا
رَأَيتُ جُناةَ الحَربِ لا يَسأَمونَها / وَلا يَبتَغونَ الدَهرَ عَنها تَناهِيا
يَضِجّونَ أَن أَلوَت بِهِم نَكَباتُها / وَهُم جَلَبوا أَسبابَها وَالدَّواعِيا
مَطامِعُ قَومٍ لَو يُصيبونَ سُلَّماً / لَأَلقوا عَلى السَبعِ الطِباقِ المَراسِيا
فَراعينُ لا يَرعونَ لِلَّهِ حُرمَةً / وَلا يَعرِفونَ الحَقَّ إِلّا دَعاوِيا
رَموا بِشُعوبِ الأَرضِ في جَوفِ مُزبِدٍ / مِنَ الدَمِ يُزجي المَوتَ أَحمَرَ طامِيا
أَماناً مُلوكَ النارِ فَالأَرضُ كُلُّها / تُناشِدُكُم تِلكَ العُهودَ البَوالِيا
أَماناً حُماةَ السِلمِ لَو أَنَّنا نَرى / مِنَ المَعشَرِ الغازينَ لِلسِلمِ حامِيا
كَفى ما أَصابَ الهالِكينَ مِنَ الرَدى / وَراعَ الثَكالى وَالنُفوسَ العَوانِيا
يُخَوِّفُني عُقبى المَمالِكِ أَنَّني / أَرى الحَربَ لا تَزدادُ إِلّا تَمادِيا
طَوَت حِجَجاً سوداً كَأَنَّ بِطاءَها / تُقِلُّ الخَطايا أَو تَجُرُّ الرَواسِيا
وَما كُنتُ أَخشى أَن أَراهُنَّ أَربَعاً / فَأَصبَحتُ أَخشى أَن يَكُنَّ ثَمانِيا
كَأَنَّ المَنايا الحُمرَ آلَينَ حِلفَةً / لِغَليومَ لا يُبقينَ في الناس باقِيا
يَلومونَهُ أَن زَلزَلَ الأَرضَ بَأسُهُ / وَأَجرى دَماً أَقطارَها وَالنَواحِيا
فَهَل زَعَموا أَن لَن تَذوقَ نَكالَهُ / بِما حَمَلَت أَوزارُهُم وَالمَعاصِيا
رَماهُم فَقالوا يا لَها مِن إِغارَةٍ / وَيا لَكَ جَبّاراً عَلى الأَرضِ عاتِيا
أَطاعَتهُ أَسبابُ المَنِيَّةِ كُلُّها / وَلَبّاهُ عِزرائيلُ إِذ قامَ داعِيا
يَسيرُ عَلى آثارِهِ كُلَّما اِنتَحى / يَسوقُ السَرايا وَالكَتائِبُ غازِيا
مَضى ينظِمُ الأَقطارَ بِالبَأسِ فاتِحاً / كَنَظمِكَ إِذ جَدَّ المِراحُ القَوافِيا
أَقَمنا عَلى أَعدائِنا الحَربَ نَبتَغي / شِفاءَ الأَذى لَمّا مَلَلنا التَداوِيا
تَقاضَتهُمُ البيضُ المَآثيرُ حَقَّنا / وَكُنّا زَماناً لا نُريدُ التَقاضِيا
إِذا ما تَغاضَينا عَلى الحَقِّ هاجَنا / لِعُثمانَ سَيفٌ لا يُحِبُّ التَغاضِيا
عِصامُ اللَيالي ما نَزالُ إِذا طَغَت / نَكُفُّ بِهِ أَحداثَها وَالعَوادِيا
يَرُدُّ عَلَيها حِلمَها وَوَقارَها / إِذا رَدَّها الإِغضاءُ حَمقى نَوازِيا
نَعُدُّ لِأَيّامِ الوَغى الطِرفَ أَجرَداً / وَنَذخُرُ لِلقَومِ العِدى السَيفَ ماضِيا
وَجُنداً لَهُ مِن صادِقِ البَأسِ مَعقِلٌ / يَخُرُّ لَهُ أَعلى المَعاقِلِ جاثِيا
إِذا ما دَجا لَيلُ العَجاجِ رَأَيتَهُ / يَشُقُّ عَنِ النَصرِ العِدى وَالدَياجِيا
سَمَونا إِلى الهَيجاءِ نَلقى بِها العِدى / وَتَلَقى بِنا ساداتِها وَالمَوالِيا
سَلِ الروسَ وَالأَحلافَ ماذا لَقوا بِها / وَهَل يَملِكونَ اليَومَ إِلّا التَشاكِيا
وَنَحنُ صَدَعنا جَمعَهُم إِذ تَأَلَّبوا / يُريدونَ مُلكاً لِلخَلائِفِ عالِيا
أَهابَ بِهِم داعي الغُرورِ فَأَقبَلوا / يُمَنّونَ ضُلّالَ النُفوسِ الأَمانِيا
تَرامى بِهِم أُسطولُهُم فَاِنبَرَت لَهُ / بُروجٌ تَصُبُّ المَوتَ أَحمَرَ قانِيا
وأُخرى كَأَفواهِ البَراكينِ تَرتَمي / حِثاثَ الخُطى تَعلو الذُرى وَالرَوابِيا
وَجاشَت بِأَعماقِ الغِمارِ صَواعِقٌ / تُذيعُ بِها سِرّاً مِنَ الحَتفِ خافِيا
وَلاذَت بِأَكنافِ الجَزيرَةِ مِنهُمو / كَتائِبُ حَلَّت مِن جَهَنَّمَ وادِيا
كَذَلِكَ نَفري كلَّ ذي جَبَرِيَّةٍ / يُغيرُ عَلى مُلكِ الخَواقينَ عادِيا
لَعَمرُكَ إِنّا ما تَزالُ جُنودُنا / تُلَبّي إِلى الحَربِ العَوانِ المُنادِيا
تَسُدُّ فِجاجَ الأَرضِ تَبتَدِرُ الوَغى / وَتَزحَمُ في الجَوِّ النُسورَ الضَوارِيا
وَتَذهَبُ في الدَأماءِ تَطلُبُ صَيدَها / فَتَقنُصُ فيها السابِحاتِ الجَوارِيا
مَناقِبُ مِلءَ الدَهرِ أَربى عِدادُها / فَقُل لِبَني التاميزِ عُدّوا المَخازِيا
وَزيرَ الأَمنِ ماتَ الناسُ خَوفاً
وَزيرَ الأَمنِ ماتَ الناسُ خَوفاً / وَضَجَّت مِصرُ حَولَكَ بِالشِكايَهْ
رَوى زيدٌ وَحَدَّثَ عَنهُ عَمرٌو / فَما صَدَقَ الحَديثُ وَلا الرِوايَهْ
بِرَبِّكَ ما الَّذي تُبدي وَتُخفي / وَهَل لِلأَمرِ عِندَكَ مِن نِهايَهْ
بِأَيَّةَ خُطَّةٍ وَبأَيِّ حِزبٍ / تُريدُ بِنا الإِساءَةَ وَالنِكايَهْ
جَرَيتَ إِلى الوَراءِ بِلا عِنانٍ / فَماذا تَبتَغي وَلِأَيِّ غايَهْ
وَزيرَ الأَمنِ إِنَّ لِمِصرَ حَقّاً / وَإِنَّ الحُرَّ شيمَتُهُ الرِعايَهْ
أَتَكرَهُ أَن تَسودَ وَأَن تَراها / بِمَنزِلَةِ الطَليقِ مِنَ الوِصايَهْ
أَتَخشى الذُلَّ وَيحَكَ في بَنيها / إذا رُفِعَت بِها لِلعِزِّ رايَهْ
دَعاكَ الناصِحونَ إِلى التَأَنّي / وَعَلَّمَكَ الصَوابَ أُولو الدِرايَهْ
أَلا حَزمٌ مِنَ المَكروهِ واقٍ / فَإِنَّ الحَزمَ داعِيَةُ الوِقايَهْ
وَما في الأَرضِ أَسعَدُ مِن وَفِيٍّ / أَمينِ العَهدِ مَأمونِ الجِنايَهْ
يَرى الدُنيا بِعَينِ فَتىً كَريمٍ / كَبيرِ النَفسِ يوسِعُها زِرايَهْ
وَيَعلَمُ أَنَّ وَعدَ اللَهِ حَقٌّ / وَأَنَّ لَهُ الحُكومَةَ وَالوِلايَهْ
رَأَيتُ المَرءَ يَركَبُ كُلَّ صَعبٍ / وَيَطمَعُ أَن تُظَلِّلَهُ العِنايَهْ
أَظُنُّ القَومَ لا يَرجونَ أُخرى / وَلا يَخشَونَ عاقِبَةَ الغِوايَهْ
وَلا يَرضونَ دينَ الحَقِّ ديناً / وَلَو جاءَ الهُداةُ بِكُلِّ آيَهْ
سَتَنشَقُّ الغَيابَةُ بَعدَ حينٍ / عَنِ المُثلى وَتَنجابُ العَمايَهْ
إِذا تابَ العُصاةُ عَنِ الخَطايا / فَحَسبُكَ أَن تَتوبَ عَنِ الحِمايَهْ
يا قومُ ماذا تحملو
يا قومُ ماذا تحملو / نَ من الدّعابةِ والزّرايهْ
إن تجهلوا معنى الحِما / يةِ فاسألوا أهلَ الدّرايهْ
كَبّرتُ إذ لم تُحسِنوا / في مِصرَ تمثيلَ الرّوايهْ
الله أكبرُ أستعي / ذُ به وأَسأَلُه الوقايهْ
لا تظلموا استِقلالَكم / حَسْبي أَأنتم والحِمايهْ
لئن ظهرت لنا رَغَباتُ قومٍ
لئن ظهرت لنا رَغَباتُ قومٍ / لقد ضاقَ التحفّظُ بالبقايا
تَلوذُ بموضعِ الكِتمانِ حَيْرى / وتَقذِفُها الضّمائرُ والطّوايا
ومَن زَعمَ الزُّجاجَ يكون حُجباً / فقد زَعَمَ الشُّموسَ من الخفايا
فقل للوفدِ كيف سُحِرتَ حتّى / ذَهلتَ عن الحوادثِ والوصايا
ألا لله دَرُّكَ حين تمشي / على الجِسرِ المُقامِ من الضّحايا
وما الزّعماءُ إلا في ضلالٍ / إذا جعلوا الشُّعوبَ لهم مطايا
إذا طلبوا المغانم لم يبالوا / بما تَلْقَى البلادُ من الرّزايا
وَفَيْنَا بالعُهودِ فضجَّ قومٌ / يَعُدّونَ الوفاءَ من الخطايا
تتابعتِ السِّهامُ فما رأينا / سِوَى مُهجِ الرُّماةِ لها رمايا
كأنَّ الحقَّ مَقْتَلُ كلِّ نفسٍ / فمن يَضرِبْهُ لا يُوقَ المنايا
وليس الشُّؤمُ فيما نال علمي / سوى شُؤمِ الضّرائبِ والسّجايا
وما نكبت مواليَها المعالي / كما نكبت مواليَها الدَّنايا
نريد الغايةَ القُصوى لمصرٍ / ويطلبُ غيرُنا بعضَ المزايا
أتسألُ فيمَ تختلف المساعي / وتَعجبُ كيف تَلتبِسُ القضايا
رُويدَك سوف تُنبِئُكَ اللّيالي / فتعلمَ ما تُكِنُّ من البلايا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025