القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 4
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ / وكم يَقْوَى على النَّبْلِ الرّمِيُّ
وكم للغِيدِ من نظرٍ كَليلٍ / يُصابُ بسَهمه بَطلٌ كَمِيّ
وكنتُ من الهوَى حُرّاً إلى أن / سَباني منكَ طَرْفٌ جاهليّ
سَقيمٌ قد رمَيْتَ به فؤادي / وقد يُبْلَى بذي السَّقْمِ البَريّ
فإن يكُ حُبُّ ذاتِ الخالِ غَيّاً / كما زعَموا فلا رَشَدَ الغَويّ
ذكرْتُ العامريّةَ والمَطايا / يُطَرِّبُها الغُلامُ العامِريّ
فحَنَّ الأرحبِيُّ وهَمَّ شَوقاً / بكَفّي أَن يَحِنَّ الأصبَحيّ
وبِتُّ وللصّبابةِ في فُؤادي / مَكانٌ ليس يَعْرِفُه الخَليّ
أَقولُ ولَيْلتي تَزدادُ طُولاً / ومالي غَيرَ كوكبِها نَجِيّ
ألا صُبْحٌ يُتاحُ لنا مُضيء / أَلا لَيلٌ يُتاحُ له مُضيّ
فحُلَّ عِقالَها يا صاحِ إنّا / بأرضٍ عِداً يمَلُّ بها الثَّويّ
ولمّا رابَني إظْلالُ أَمرٍ / ولاحظَ مُنْتَهاهُ الألمعيّ
زجَرْتُ بأرضِ خُوزِسْتانَ عَنْسي / مُروقَ السّهمِ أَسْلَمَه الحَنيّ
ووافَيْتُ الجِبالَ كما تَسامَى / إلى قُلَلِ الشّوامخِ مَضْرَحيّ
وأعرَضَ بعدَهُنَّ فلا عُراضٌ / لأنفاسِ الرّياح بها دَويّ
وغُبْرٌ من بني الغَبْراءِ مَلأى / فلا يَجْري بها إلاّ جَريّ
يُسَلُّ لهمْ من الجَفنَينِ خوفاً / معَ اللّيلِ الكرَى والمَشرَفيّ
فلَم نَنزِلْ بشابُر خُواةَ إلاّ / وكلُّ رِكابنا نِضْوٌرَذيّ
فألمَمْنا بها واللّيلُ يَحكي / زِناداً ضَوْؤُه فيه خَبيّ
وصَبّحْنا بَروجِرْداً فمِلْنا / إليها والنهارُ بها فَتِيّ
فما بلَغتْ بنا همَذانَ إلاّ / وقد أَلوى بها الأمدُ القَصيّ
بأثباجٍ كما انتطحَتْ وُعولٌ / بِشابةَ أَو كما انأطَرَتْ قِسيّ
فأعجَلْنا بها للرَّكْبِ زاداً / ورُحْنا للرَّكابِ بنا هَويّ
وشارَفْنا المُعسكرَ بعْدَ لأْيٍ / وقد نقرَ الطُّبولَ بها العَشيّ
ولاح لنا الخيامُ البيضُ منه / على بُعْدٍ كما برَق الحَبيّ
وطاولَتِ السّماءَ سُرادِقاتٌ / على أَبوابها رُكزَ القُني
فجاذبَنا أَعنَّتَها المَذاكي / وسالبَنا أَزِمّتَها المَطيّ
وقُلنا اليوم حان لنا مُناخٌ / به تُلقى مع اليُمْنِ العِصيّ
فلمّا أَن دنَتْ منها رِكابي / تَلقّاني بإدراري نَعيّ
فقلتُ وإصبَعي في فيَّ تَدْمَى / لقد عاشَ السّخاءُ الحاتِميّ
كذا فَلْيُكرَمِ الزَّورُ المُوافي / كذا فَلْيُكرِمِ المَولَى الوَفيّ
حياءً معشرَ الكُتّابِ منّا / فما حازَ النُّهَى إلاّ حَبِيّ
وما بَينَ الكتابةِ من ذِمام / وبينَ الشِّعرِ مُتَّضِحٌ جَليّ
وليس يُلابِسُ الآدابَ أَدنَى / من الإطنابِ إن أَنِفَ الأبيّ
أَيُزْعَمُ أَنَّ إدراري لغَيْري / لعَمْرُكَ إنّه كَذِبٌ فَريّ
فيا قلمَ الكتابةِ أَنتَ عندي / كَذوبٌ بعدَ فَعْلِتها دَعيّ
وليس لسانُك المَشْقوقُ إلاّ / لِكذْبكَ إن تَأمّلَهُ ذَكيّ
فقال وهَزَّ من عِطْفي مُجيباً / وما بِيراعةِ الكُتّابِ عِيّ
لعلّ خِتامَ ما كتبوا جَميلٌ / يُسَرُّ بهِ وإنْ كُرِهَ البَديّ
فخَطُّ الفَصِّ مَعكوسٌ عَجيبٌ / ويَصدُرُ عنه مَقْرؤٌ سَويّ
تَعجّبَ صاحبي من طُولِ هَمّي / فقلتُ لِيَهْنِكَ البالُ الرَّخِيّ
وخَوَّفني تَصاريفَ اللّيالي / فقلتُ اللهُ حَسْبي والصَّفيّ
وكيف يَخافُ رَيبَ الدَّهرِ حُرٌّ / وَليُّ الدَّولتَينِ له وَليّ
وهل يُخشَى كَسادُ الفَضلِ يوماً / وناصِرُه أَبوه الأريَحيّ
لقد أَهدَى الغداةَ شِفاءَ صَدري / فتىً وجْهُ الزّمانِ به وَضىّ
أَخو هِمَمٍ لَوِ استَعْلَتْ لظَلّتْ / سَواميَ في السّماء لها رُقىّ
غدا لعُفاتِه فرعاً كريماً / نَماهُ منَ العُلا أَصْلٌ زكيّ
فهَزَّهُ عِطفه فَنَنٌ رَطيبٌ / وجودُ بنانِه ثَمَرٌ جَنيّ
كأنّ الوافدِينَ نُجومُ لَيلٍ / ورَحْبَ جَنابِه الفَلَكُ العليّ
إذا ما حانَ من فِرَقٍ ذَهابٌ / أُتيحَ إليه من فِرَقٍ مَجِيّ
ومُستوفي مَمالكَ قاصياتٍ / كِفايتُه لِعاطلِها حُليّ
أَظلَّ به على الآفاقِ عِلْمٌ / فما مِنْ أَمرها عنه خَفيّ
كعَينِ الشّمسِ يَلْحَظُ كُلَّ قُطْرٍ / من الأقطار ناطرُها المُضيّ
له قلمٌ بما يَحمي شَحيحٌ / وصاحبُه بما يَحوي سَخيّ
كلَمْعِ البَرقِ أَنملُه حِساباً / وفيه الغَيثُ مَشرَبُه رَويّ
أَيا مَن طبعُه عَدْلٌ وفَضْلٌ / فمِنه الحُرُّ بالنُّعْمَى حَريّ
ومَن أَدْنى مَناقِبه سَناءٌ / ومَن أَدنَى مَواهبِه سَنيّ
أَيُقصَدُ نَقْلُ إدراري بظُلْمٍ / وظُلمُ النّاسِ مَرتَعُه وَبيّ
ولم يُحْسَنْ إليّ بحِفْظِ غَيبٍ / ومثْلُك حينَ لم يُحسِنْ مَسيّ
حلَفْتُ بربِّ مكّةَ والمسَاعي / ومَن واراه طَيْبةُ والغَرّي
لقد كادَتْ تُعاتِبُهمْ قوافٍ / لها الأقلامُ تُطرِقُ والدُّويّ
وقد مُلِئتْ قوارصَ مؤلماتٍ / ولكنْ مُلجَمٌ قيلَ التّقيّ
وقَيدُ أوابدي كَرَمٌ وَدينٌ / عنِ الأقوام لا حَصَرٌ وعِيّ
وحاشا أَن أذُمَّ سَراةَ قومٍ / وزَنْدي في العُلا بِهمُ وَريّ
لقد أَزِفَ المَسيرُ بلا عِتادٍ / وشَحَّ بدَرّهِ الخِلْفُ البَكيّ
وتَحتي أعوَجِيٌّ لا يُجارَى / ولكنْ تحت رَحْلي أَخْدَريّ
فهل لك أن تَجودَ وأنتَ بحْرٌ / به لا عنه كُلٌ فتىً غَنِيّ
بعالي القَدِّ سافِلُه وَثيقٌ / لراكبِه وعاليهِ وَطيّ
غدا في الخيلِ من طَرْفٍ نسيباً / عريقاً وهْو من طَرَفٍ نَفيّ
قَصيرَ العُرْفِ أربَعُه طِوالٌ / يُباهي الخيلَ مَنظرُهُ البَهيّ
تَطيرُ حصَى الأماعزِ من يدَيْهِ / كما نقَد الدَّراهِمَ صَيّرفيّ
ويَسْتَدني البعيدَ منَ الفيافي / كما يُطوَى النّسيجُ الأتحَميّ
ولو أجريتَه حَولاً صَبورٌ / ولو أوقَرتَه طَوداً قَويّ
وظَنّي أن يَمُنَّ به سَماحاً / فتىً للوَفْد نائلُه هَنيّ
مَليءٌ أن يَجودَ به وفكْري / بمَدْحي أن يَجودَ له مَليّ
أيا بحراً ومَشرَعُه نَداهُ / ويا بدراً ومَطلَعُه نَديّ
ويَتْبَعُه كرامُ النّاسِ طُرّاً / كما تَبعَ السِّنانَ السَّمْهَريّ
كريمٌ يُفصِحُ المُدّاحُ فيه / وصَوغُ المَدْحِ في اللُّؤَماء عِيّ
أهبْتُ إلى مَديحِك بالقوافي / فكاد يُسابِقُ الصَّدَرَ الرَّويّ
فدونَكَها مُوشَّحةَ المَعاني / كما جُلِيَتْ على البَعْلِ الهَديّ
وإن أضحَتْ ومَنظرُها جَميلٌ / فقد أمسَتْ وخاطِبُها كَفيّ
فدُمتَ لنا مُطاعَ الأمرِ عِزّاً / ودام لك البَقاءُ السَّرمَديّ
ولا سَلَب الزّمانُ عُلاك يوماً / فأنت لعاطلِ الدُّنيا حُليّ
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً / مِن أين يَغْشاهُ صَرْفُ الدَّهرِ معتَرِيا
يا مُشتكَي كُلِّ حُرٍّ رابَه زَمنٌ / لا روَّع الحُرَّ أن يَلقاكَ مُشتكيا
إنّ العُلا صَعبةٌ أعيى تَسنُّمها / وما بَرِحْتَ لها في الدّهرِ ممتَطيا
قالوا قد اختلَفتْ منه الخُطا خطأً / فقلتُ حاشا العُلا ما خَطْوهُ خَطيا
قُلْ رام في دَرَجٍ للقَصْرِ مُنحَدِراً / وكانَ في درَجٍ للمجد مُرْتَقيا
فلم تُطِقْ في زمانٍ واحدٍ قَدَمٌ / إن كان مُستَفِلاً فيه ومُعتَليا
ألا فدُمْ لثنايا المَجْدِ تَطلُعها / فمِثلُ سَعيِك في العَلْياء ما سُعيا
لازِلتَ في بُردةٍ للعَيشِ ضافيةٍ / تُفْني عِداك وتَبْقَى الدَّهرَ ما بَقِيا
على المَجرّةِ جَرّارُ الذيُّول لها / والثُّريّا لنَعْلِ الفَخرِ مُحتذِيا
يا ماجداً لو قَضَوْا حقّاً لأخمصِه / لم يَعْدُ في النّاس بالأحْداقِ أن وُقيا
لو يَفرُشُ النّاسُ ديباجَ الخدودِ له / ما كان إلاّ أقَلُّ الحقِّ قد قُضيا
أكرِمْ بغُصْنِ ندىً مالَ الثّمارُ به / حتّى أَرَينَك منه العِطْفَ مُنثنيا
نأى عُلُوّاً أو أدناهُ تَكرُّمُه / مِن كَفِّ مَن يَجْتني منه ليَجْتنيا
وزعزعتْه رِياحُ الأريحيّةِ إذ / مَدَّ المُلمَّ إليه الكَفَّ مُجتديا
ماذا يَقولُ حَسودٌ أن تَزلَّ له / نَعْلٌ بها مَنْكِبُ الجَوزاءِ قد وُطيا
إن زَلَّ نَعْلٌ فيأْبَى أن يَزِلَّ به / جَدٌّ له في المعالي طالما رَقيا
في كُلِّ يومً خطابٌ للخُطوبِ معي / فيمَنْ أَكونُ له بالنّفْسِ مُفْتَدِيا
بُليتُ بالدّهرِ تَعْروني حَوادثُه / والدَّهرُ أيضاً بصَبْري فيه قد بُليا
يا غُربةً أغْرَبتْ لي في عَجائِبها / وبَيّتتْني بنارِ الهَمِّ مُصْطَليا
قد مَرَّ بي فيك ما مِنّي بأيْسَرِهِ / قدِ اشْتَفَى زَمني إن كان مُشتفيا
قلبي مُقيمٌ بأرضٍ لا يُفارِقُها / هوىً ونِضْوي إلى أقصى المدَى حُديا
كأنّني فَتْحُ بَركارٍ لدائرةٍ / أضحَى المُديرُ بتَسْديدٍ له عُنيا
فشَطْرُه في مكانٍ غيرِ بَارحِه / وشَطرُه يَمسَحُ الأطرافَ مُرتميا
قد كان نِضْوي بباقي البِيدِ آونةً / حتّى وَصلْنا فأفناها وقد فَنِيا
لولا العدا والعَوادي كنتُ ذا وطنٍ / بكَسرةٍ وبكِسْرٍ فيه مُكتَفيا
حَتّامَ سَيْري إلى دُنْياي مُعتَسفاً / هل آن سَيْري إلى عُقْبايَ مُنْزَويا
أمَا تَراني لظَهْري داعِماً بِيَدي / إذا مشيتُ ولو قارَبْتُ خُطْوتيا
هل بعدَ إصباحِ لَيلِ الرّأسِ من عُذُرٍ / ألا أرَى هادياً للسُّبْلِ مُهْتَديا
هَبِ السَّوادَ الّذي أبلَيتُ كنتُ له / مُجَدِّداً بِبَياضٍ بَعْده غَشِيا
هل من لباسٍ سوى غَبراءَ مُظلمةٍ / إذا البياضُ الّذي جَدَّدْتُه بَلِيا
وقد علَتْ غُبرةُ الشَّيبِ الشَّبيبةَ لي / فبِتُّ للأجَلِ المكْتوبِ مُكْتَليا
كتابُ عُمْري اللّيالي تَرّبتْه وما / أدنَى المُترَّبَ أن تَلْقاه مُنْطَويا
أبتْ دَريئةُ لَهْوٍ أن يكونَ لها / إصابةٌ بقَنا قَدٍّ إذا حُنِيا
أنا ابْنُ دَهرٍ جَفاني فيه كلُّ أخٍ / إلى بُنوَّته قد راحَ مُنْتَميا
أمّا الكِبارُ فما يَخْفَى جَفاؤهمُ / ولم أكنْ لصِغارِ النّاسِ مُرتَجيا
لكنْ جَميعُ ذنوبِ الدَّهرِ مُغْتَفَرٌ / وعن صَحيفةِ قلبي ذِكرُها مُحِيا
صَفْحُ الزّمانِ له عن عَثْرةٍ بدَرَتْ / بالصَّفْحِ عن عَثَراتِ الدَّهْرِ قد جُزيا
أقالَ حتّى أقَلْنا مقتدينَ به / ولم أكنْ قبلَها بالدَّهْرِ مُقتَديا
مَن كان يَبْرأُ من ذَمّي له زَمني / فقد بَرِئتُ من الشَّكْوى وقد بَرِيا
سلامةٌ سَلمَ المُلكُ العقيمُ بها / وأوجبَتْ شُكرَ دَهْرٍ طالما شُكيا
فقُلْ لدَهْرك يَستأنِفْ له عَمَلاً / فعَن مَواضيهِ مُذْ عوفيتَ قد عُفيا
يا مَن به تَحفَظُ الدُّولاتُ صِحَّتَها / إذا شُفِيتَ فقلْ كلُّ الورى شُفيا
لولا ذِمامٌ للدّهْرِ أنت عاقِدُه / ما كنتُ عن ذمّهِ ما عشْتُ مُنْتَهيا
أصْبحتَ للدّهر عُذراً صادقاً فغَدا / لذكْرِه كلُّ ذنبٍ سابقٍ نُسيا
فخُذْ إليك الّذي لا أرتَضيه وإن / أصبحْتَ من كرمِ الأخلاقِ مُرتَضيا
إنّي لَمِنْ سالفِ التّقصير مُعتَذِرٌ / بما يُضاعِفُ تَخْجيلي إذا تُليا
وكيف أَغدو منَ التّقصيرِ مُعتذِراً / ونَفْسُ عُذْريَ تَقصيرٌ إذا رُئيا
يا كاملاً فيه أشتاتُ العُلا جُمعَتْ / فراحَ للفَضْلِ والإفضالِ مُحتويا
مازال مِن لينِ أخلاق كرُمْنَ لَه / لفاسدٍ الخِلّ بالإصلاحِ مُعْتَنيا
مهما اعتذَرْتُ بعُذْرٍ لي أكونُ له / في النّاسِ مطرِقَ طَرْفِ العين مستَحيا
أخذْتَ عذْريَ مُعوَجّاً وتَعرِضُه / على الورى مُستقيماً حيثُما اجْتُليا
كالشّمعِ يَقبلُ نقْشَ الفَصّ مُنعكساً / مَكتوبهُ ليُريهِ النّاسَ مُسْتَويا
شِعْرِي وأنتَ له الرّاوي لرفعتِه / شِعْرَى وشِعرِيَ شِعْرَى حيثُما رُويا
والبَحرُ يَلفِظُ دُرّاً كان واقِعُه / في أُذْنِ أصنافهِ قَطْراً إذا وُعيا
حَبٌّ لمُزْنٍ غَدا حَبّاً بلُجّته / ودُرُّ سُحْبِ غدا دُرّاً كما حُكِيا
فالبَحرُ أَنت لعَمْري من نُهىً وندىً / إذا طلَعْتَ لنا في الحَيِّ مُنتَدِيا
كأنّما أنت من حِلْمٍ ومن كرمٍ / طَودٌ بجودٍ غدا للسُّحْبِ مُرتَديا
إسْعَدْ بجَدِّ الزّمان أنت غُرّتُه / بأيِّ حَظٍّ كبيرٍ منْك قد حَظيا
تَنظَّمَتْ لك ملْء الدّهرِ واتّصلَتْ / مَحاسنٌ قُبحُهُ في حُسْنِها خَفيا
إنّ المَعالي لَحَلْيٌ أنت لابسُه / لكنْ زمانُك تَطفيلاً به حَليا
والجِيدُ لا يَكْتسي العِقدَ النَظيمَ له / في الحَلْيِ حتّى يكونَ السِّلكُ مكتَسِيا
يا مُبدعَ القَولِ مَبْسوطاً ومُخَتصراً / ومُحسِنَ الفِعلِ مُعتاداً ومُبْتَديا
لمّا غدا حَسناً ما أنت فاعِلُه / قُلنا بفِعلكِ قد أصبَحْتَ مكتَنيا
إذا أردتَ إلى سَعدِ الوَرى نَظَراً / فكنْ لوَجْهِك في المِرآةِ مُجتليا
وإنْ دَجا ليلُ خطبٍ لا صباحَ له / فكنْ لرأيك في داجِيه مُنتَضيا
تابَ النَّصوحُ إليك الدّهرَ من زَلَلٍ / منه تَقَدَّمَ لمّا جارَ مُعتَديا
والنَصرُ مازال رَبُّ العَرْشِ ضامِنَه / لِمنْ عليه بلا اسْتحقاقِه بُغياً
فِداؤه مَن مع التَّقْصيرِ عنه غَدا / بَغْياً لرُتْبته العَلْياء مُبْتَغِيا
قد كان تَقْديمُهمْ إيّاهُ مقتَرِباً / وكان إعدادُهمْ إيّاكَ مُنتَسيا
كالسَّهْم قَرَّبَه رامٍ ليُبْعِدَه / والسّيفِ يَقْرُبُه حامٍ ليَنْتضيا
فَلْيَهنأ النّاسَ عَوْدٌ من أخي كرمٍ / عُداتُه اليومَ تَرجو كلَّ من خُشيا
عادتْ إلى حضرةِ السُّلطانِ طَلعتُه / والجَفْنُ لم يَفترِقْ إلاّ لَيلْتقيا
وأتلفَ المُقتنَى جُوداً فأخلفَه / والغُصْنُ لا يَكْتسي إلاّ إذا عَريا
فدام للدّولةِ الغَرّاءِ مُعتَمَداً / مُسدَّداً رائحاً بالنُّصْح مُغْتديا
فهْو الّذي لم يزَلْ للمجدِ مُبتَنيا / طَوْعَ المكارمِ أو للحَمْدِ مُقْتنيا
له من اللُّطْفِ أنفاسٌ إذا نفحَتْ / رَميمَ عظْمٍ رَجاءً للفتَى حَييا
قد كان حتّى أماطَ اللهُ عارِضَه / مريضُ قلبي منَ الأطرافِ مُحتَميا
فلْتَفدِه من خُطوبِ الدّهرِ نازلةً / حُشاشتي وهو أَولَى من بها فُدِيا
فهْو المُقرِّبُ أغراضي إذا بَعُدَتْ / وهْو المُجيبُ إلى نَصْري إذا دُعيا
وكاشحٌ صَدرُه مَلآنُ من غُلَلٍ / فلو سقَوْهُ بحارَ الأرضِ ما رَويا
يُبْقيهِ حِلْمٌ ستُغْنيهِ مَغبّتُه / كم سقْطِ جَهْلٍ به زَنْدُ الحِجاوَريا
سجَعْنَ فأذْكَرْنَ العهودَ الخواليا
سجَعْنَ فأذْكَرْنَ العهودَ الخواليا / وقد يَذكرُ الإنسانُ ما كان ناسيا
ولولا الهوَى ما كان نَوحُ حَمائمٍ / على عَذَباتِ الأيكِ ممّا شَجانيا
نَوادِبُ أَبلَيْنَ الحدادَ فما تَرى / عليها سوى ما زُرَّ في الجِيدِ باقيا
ولمّا التقَى الواشون والحَيُّ ظاعنٌ / وقد راحَ للتّوديعِ منّي يَرانيا
بدَتْ في مُحيّاهُ خَيالاتُ أَدمُعي / صَفاءً وظَنُّوا أنْ بَكي لبكائيا
قِفا وَلِّيا شكْوايَ أُذْناً سَميعةً / وطَرْفاً سَخيَّ الجَفْنِ أَو مُتساخيا
دَعاني فقد شَطّتْ ديارُ أَحِبّتي / بدَمْعي أُجبْ شَوقاً إليهمْ دَعانيا
تَمنَّوا أُموراً ساءهم أُخْرياتُها / وكم من مَنايا يَبتدِينَ أَمانيا
وما الطّودُ قد أَضحى على الأرضِ راسخاً / يُزعزَعُ أَن يَلقَى الرّياحَ الجواريا
فشُكراً عبادَ اللهِ إنَّ مَواهباً / إذا رُبطَتَ بالشّكرِ تُلقي المَراسيا
فما زادَكَ الأيّامُ إلاّ تَرفُّعاً / ولا فَقدُكَ الأقرانَ إلاّ تعاليا
وكنّا نَراكَ البدْرَ والصّيدَ أَنجُماً / فصِرنا نَراكَ الشّمسَ والجوَّ خاليا
غدَوتَ لدُنيا النّاسِ بالنّعلِ واطئاً / وكنتَ لها لو شئتَ بالكفِّ حاويا
ويَعظُمُ كلَّ العُظْمِ عندَ ذوي النُّهى / عنِ المُلْكِ لا بالمُلْكِ مَن كان عاليا
أَتَتْكَ ابنةُ الفكرِ الّتي لا يَسوؤها / مع الكِبْرِ أَلاّ تَجعلَ المَهرَ غَاليا
ثَناءٌ إذا أَنشدْتُ فيكَ لصدْقه / كأنّيَ أتلو منه سَبْعاً مَثانيا
بُيوتٌ أجلَّ الفْكرُ قَدْرَ قَريضِها / وأَلفاظَها لمّا أَدَقَّ المَعانيا
وسوف أُواليها إليك قَصائداً / إذا كنتَ بالإكرامِ تَلْقى المُواليا
فحَسْبيَ أَن تُهدي إليَّ عنايةً / وحَسبُكَ أَن أُهدي إليك القوافيا
فلا زال شَمسَ الدينِ جَدُّك صاعداً / وسَعيك مَشْكوراً وزَندُك واريا
ويَلْقَى رئيسُ الدّينِ قاصيةَ المُنى / إذا ما تَسامَى للمَعالي تَسامِيا
وأنت ذُكاءٌ للعُلا وهو ابْنُه / لأعيُنِنا كُلُّ يُضيءُ الدَّياجيا
لك النّاسُ يُهدُون التّهاني وإنّما / لهمْ بكَ أُهدي ما بَقِيتُ التّهانيا
فلا زالتِ الدُّنيا لعَينِك طَلْقةً / ولازال منها وِرْدُ عَيشِك صافيا
ولا جعلَتْ إلاّ بوَجْهِكَ عِيدَها / ولا رَضيتْ إلاّ عِداكَ الأضاحيا
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ / وَاِنهَزَمَت عَساكِرُ الصَقيعِ
فَالماءُ في مُضاعَفِ الدُروعِ / وَالنورُ كَالأَسِنَّةِ الشُروعِ
قَد هَزَّ مِن أَغصانِهِ ذَوابِلاً / وَسَلَّ من غُدرانِهُ مَناصِلا
وَبَلَغَت ريحُ الصَّبا رَسائِلاً / حينَ ثَنى العِطفَ الشتاءُ راحِلا
وَنُصِبَت مَنابِرُ الأَشجارِ / وَخَطَبَت سَواجِعُ الأَطيارِ
وَاِستَفصَحَت عِبارَةً الهِزارِ / فَهوَ لمَنشورِ الرَبيعِ قاري
وَأَقبَلَ النَيروز مِثلَ الوالي / فَارتَجَعَ الفَضلَ مِنَ اللَيالي
وبشِّر الناقِصَ بِالكَمالِ / فَعادَتِ الدُنيا إِلى اِعتِدالِ
وَالدينُ وَالشَمسُ لِسَعدٍ مُؤتَنَف / كُلٌّ بِهِ اللهُ اِنتَهى إِلى شَرَف
فَأَصبَحَ العَدلُ مُقيماً وَاِعتَكَف / وَوَدَّعَ الجَورُ ذَميماً وَاِنصَرَف
بِالشَرَفَينِ اِستَسعَدَ الشَمسانِ / شَمسُ الضُحى وَغُرَّةُ السُلطانِ
في أَسعَدِ الأَيّامِ وَالأَزمانِ / مُبَشِّراً بِالأَمنِ وَالأَمانِ
فَاِعتَدَلَ الأَنامُ وَالأَيّامُ / وَأَمِنَ المُسيمُ وَالمُسامُ
مُذ طَلَعا وَنظَرَ الأَنامُ / لَم يَبقَ لا ظُلمٌ وَلا ظَلامُ
قَد أَصبَحَت قَوسُ الزَمانِ سَهما / وَقُد رَمى الأَرضَ بِهِ فَأَصمى
فَالكَتفُ مِنها بِالشَقيقِ تَدمى / وَالرُعبُ أَضحى لِلشِتاءِ هَزما
اِبيَضَّ قَبلَ الإِخضِرارِ الفَنَنُ / فَشابَ مِن قَبلِ الشَبابِ الغُصُنُ
وَاِسوَدَّ مِن بَعدِ البَياضِ القُنَنُ / فَشَبَّ مِن بَعدِ المَشيبِ الزَمَنُ
قَد غَنِيَ الوَعدُ عَنِ التَقاضي / وَأَعرَضَ الغيدُ عَنِ الإِعراضِ
وَخَرَجَت بِالحَدَقِ المِراضِ / تُواجِهُ الرِياضَ بِالرِياضِ
قَد سَئِمَت بُيوتَها النُفوسُ / وَأَصبَحَت كَأَنَّها حُبوسُ
وَأَسلَمَ المُنَمِّسَ التَنميسُ / وَصاحَ في جُنودِهِ إِبليسُ
أَبَحتُ لِلنسِ دَمَ الزِقاقِ / في حَيثُ لاقوها مِنَ الآفاقِ
وَجَرَّها كَجُثَثِ المُرّاقِ / وَشُربَها بِكَأسِها الدِهاقِ
إِلى الجِنانِ عَجَباً دَعاكُمُ / مَن كانَ مِنها مُخرِجاً أَباكُمُ
يَجعَلُها كَفّارَة لِذاكُمُ / فَأَصحِروا لِتُبصِروا مَأواكُمُ
فَالأَرضُ مِن كَفِّ الزَمانِ حاليه / كَجَنَّةٍ لِلناظِرينَ عالِيَه
مِن كُلِّ ساقٍ عِندَ كُلِّ ساقِيَه / يَجعَلُ مِن صافٍ مِزاجَ صافِيَه
وَالشَمسُ في البُرجِ الَّذي يَشوونَهُ / إِذا غَدَوا شَرباً وَيَأكُلونَهُ
وَفيهِمُ قَومٌ يُثاكِلونَهُ / طولَ الزَمانِ وَيُناطِحونَهُ
بِحَملٍ قَد باعَتِ الشَمسُ الأَسَد / وَكانَ هَذا عِندَنا الرَأيَ الأَسَد
فَاِعتاضَ طَبعاً في الزَمانِ وَاِستَجَد / مِن غَضَبٍ بِشَهوَةٍ كُلُّ أَحَد
حَتَى غَدا بَعضُ بَني الأَشكالِ / يَقولُ قَولاً ظاهِرَ الإِشكالِ
لَكِنَّهُ مِن كَثرَةِ البَلبالِ / قَد قالَ ما قالَ وَلَم يُبالِ
كَم أوكِفُ الظَهرَ بِطَيلَسانِ / وَيُشبِهُ العِدلَينِ لي كُمّانِ
مُستَبضِعاً عِندَ بَني الزَمانِ / وِقرَ نِفاقٍ ثِقلُهُ أَعياني
هَل لَكَ في حَمراءَ مِثلَ الحُصِّ / يا قوتَةٍ قَد شُرِبَت بِرُخصِ
مَجلوبَةٍ مِن مَعدِنٍ في القُفصِ / تَلوحُ في الإِصبَعِ مِثلَ الفَصِّ
يَسعى بِها عَلَيهِ يا فِشِيُّ / وَطَرفُهُ الساحِرُ بابِلِيُّ
وَثَغرُهُ كَكَأسِهِ رَوِيُّ / وَوَردُهُ كَخَدِّهِ جَنِيُّ
أَغيَدُ يَومُ وَصلِهِ تَأريخُ / لِصُدغِهِ مِن نِقسِهِ تَضميخُ
وَالجَمرُ في خَدَّيهِ لا يَبوحُ / كَما يَحِلُّ العَقرَبُ المَرّيخُ
يَضحَكُ مِن تَشبيبِ عاشِقيهِ / عَن لُؤلُؤٍ لِنَظمِهِم شَبيهِ
فَلا يَزالُ مُظهِراً لِمَّتّيهِ / بِدُرِّ فيهِ أَو بِدُرٍّ فيهِ
لفُرَصِ اللذاتِ كُن مُنتَهِزاً / وَلا تَبت مِن عاذِلٍ مُحتَرِزا
فَالدهرُ مِخلافٌ فَخُذ ما أُنجِزا / فَرُبَّما طَلَبتَهُ فَأَعوَزا
فَقَد تَغَنّى الطَيرُ في الشُروقِ / وَالريحُ دارَت دَورَةَ الرَحيقِ
فَظَلَّ كُلُّ غُصُنٍ وَريقِ / لِلسكرِ في رَقصٍ وَفي تَصفيقِ
وَالزهرُ لِلروضَةِ عَينٌ تُلمَحُ / يَضُمُّها طَوراً وَطَوراً يَفتَحُ
تُمسى بِها قَريرَةً وَتُصِبحُ / لَكِنَّها مِنَ الدُموعِ تَطفَحُ
وَالرَوضُ في شَمسِ سَناها يُعشى / وَالسُحبُ بِالقُربِ لَها تَمَشِّ
فَكُلَّما أَدارَ عَينَ المَغشي / عَلَيهِ جادَت وَجهَهُ بِرَشِّ
صَحوٌ وَغَيمٌ في الرِياضِ اِشتَرَكا / يُقَطِّعانِ اليَومَ ضَحكاً وَبُكا
إِذا الجَنوبُ أَقبَلَت فيهِ بَكى / حَتّى إِذا عادَت شَمالا ضَحِكا
صارَ الأَضا في حَلَقٍ وَخُوَذِ / وَرَمتِ الأَرضُ لَها بِالفِلَذِ
فَالغُصنُ خَوفَ جُندِها المُستَحوِذِ / كَإِصبَعٍ تُشيرُ بِالتَعَوُّذِ
ساعِد عَلى الراحِ وَلا تُبالِ / وَالناسَ لا تُخطِرُهُم بِبالِ
أَوِ اِستِراقاً في مَكانٍ خالِ / لا تَعلَمُ اليَمينُ بِالشَمالِ
وَإِنَّما يَعلَمُهُ مَن يَغفِرُه / إِذا رَجَعتَ نادِماً تَستَغفِرُه
وَلَو بَقيتَ عُمُراً تُكَرِّرُه / ما عِندَ عفوِ اللَهِ ذَنبٌ يُكبِرُه
لَستُ أَرى مُحَللاً في مَذهَبِ / إِهلاكِيَ النَفسَ بِغَيرِ موجِبِ
أَنا اِمرُؤٌ عَجِبتَ اَو لَم تَعجَبِ / يَأكُلُني الهَمُّ إِذا لَم أَشرَبِ
ما كانَ مِن دُرّي وَمِن عَقيقي / نَزَفتُهُ في فُرقَةِ الفَريقِ
فَمِن دَم الكَرمِ أُيعضس عُروقي / تُحيِ بِهِ نَفسَ أَمرِئٍ صَديقِ
فَقُلتُ خَلِّ عَنكَ يا خَليلي / تَجاوُزَ الفَضلِ إِلى الفُضولِ
فَلَيسَ لي مَيلٌ إِلى الشَمولِ / إِلّا الَّتي تَزيدُ في العُقولِ
حَظّي مِنَ الآدابِ أَسنى حَظِّ / وَالراحِ ما رَوَّقتُهُ مِن لَفظي
وَما اِبنَةُ الكَرمِ بِمَرمى لَحظي / وَلا لَها اللَهُ بِحُبّي مُحظِ
لِذاكَ أَصبَحتُ مَنيعَ الجانِبِ / نَديمَ مَولانا الأَجَلِّ الصاحِبِ
العادِلِ الكامِلِ في المَناقِبِ / وَالناسِكِ التارِكِ لِلمَثالِبِ
أَسقى كُؤوسَ المَدحِ وَهوَ يَشرَبُ / وَأُسمِعُ الثَناءَ وَهوَ يَطرَبُ
وَأَسَلُ الأَمساكَ وَهوَ يَهَبُ / مَواهِباً تَعدادُها لي مُتعِبُ
دَأَبُ الوَزيرِ هَكَذا وَدابي / الشُّربُ مِن سُلافَةِ الآدابِ
وَمُعجِبٌ نِهايَةَ الإِعجابِ / تَناسُبُ المَصحوبِ وَالأَصحابِ
مُدامُنا الحَلالُ لا الحَرامُ / ما خَلَّصَ اللِسانُ لا الفِدامُ
تَغذو بِها عُقولَها الأَنامُ / وَتَنتَشي بِكَأسِها الكِرامُ
قَد عادَ وَجهُ الدينِ وَهوَ أَزهَرُ / وَعادَ لِلمُلكِ النِظامُ الأَكبَرُ
نِعمَةُ رَبٍّ لِلعُقولِ تَبهَرُ / تَجِلُّ عَن شُكرِ الوَرى وَتُشكَرُ
فَردٌّ وَفيهِ جُمعَ المَحامِدُ / فَلَم يَجِد لَهُ نَظيراً واجِدُ
كَم في الوَرى مِن واحِدٍ تُشاهِدُ / أَمّا الوَرى في واحِدٍ فَواحِدُ
أَروعُ لا يُحينُ إِلّا يُحسِنا / وَمُقدِمٌ يَجبُنُ عَن أَن يَجبُنا
وَمُنعِمٌ يُنيلُ غاياتِ المُنى / فَقرُ الفَتى إِلَيهِ ميعادُ الغِنى
إِذا رَأى إِعدامَ مُعتَفيهِ / حَسِبتَهُ لِلمالِ إِذ يُقنيهِ
مِن مُعتَفيهِ العُدمَ يَشتَريهِ / يَأخُذُهُ مِنهُ بِما يُعطيهِ
سائِلُهُ شَريكُهُ في نَعمَتِه / يَقولُ قاضي عَجَبٍ مِن شيمَتِه
أَعانَهُ اللَهُ عَلى مَكرُمَتِه / بِزَمَنٍ يَسَعُ عُظمَ هِمَّتِه
ذو كَرَمٍ أَخلاقُهُ حَديقَه / حَقيقَةٌ بِالحَمدِ في الحَقيقَه
يَجري مِنَ الجُودِ عَلى طَريقَه / خَليقَةٍ بِمَدحِ ذي الخَليقَه
مَن يَكنِزُ الأَموالَ في الرِقابِ / وَيَذخَرُ الثَناءَ لِلأَعقابِ
أَيادِياً مُعييَةَ الحُسّابِ / تَبقى وَمُوليها عَلى الأَحقابِ
قُل لِمُغيثِ الدينِ ذي المَعالي / وَالصَدقُ أَبهى حَليَةِ المَقالِ
اليَومَ أَوثَقتَ عُرا الآمالِ / أَجَدتَ يا مُنتَقِدَ الرِجالِ
يا ملكاً مِن رَأفَةٍ يَحكي مَلَك / بَل وَطأَةٌ مِنكَ عَلى ظَهرِ الفَلَك
ليس الثريا من نُجومٍ تَشتَبِك / بل وطأَةٌ منك على ظَهر الفَلك
بَلَّت بِسَيفٍ صارِمٍ يَداكا / ما لِمُلوكِ الأَرضِ مِثلُ ذاكا
وَهوَ أَدام اللَهُ ما آتاكا / أَنفَسُ ما وَرِثتَهُ أَباكا
اُنظُر إِلى الشاهِدِ مِن رُوائِهِ / وَقِس بِهِ الغائِبَ مِن آرائِهِ
فَهوَ وَزيرٌ لَيسَ فَوقَ رائِهِ / رَأى سِوى رَأيِكَ في اِرتِضائِهِ
إِن سُمِّيَ اِثنانِ بَنوا شَروانِ / وَوُصِفا بِالعَدلِ وَالإِحسانِ
فَاللَيلُ مازالَ لَهُ فَجرانِ / وَإِنَّما الصادِقُ فيهِ الثاني
أَعدَلُ مَولىً وَهوَ فيهِ نَعلَمُ / لِمالِهِ دونَ العِبادِ يَظلِمُ
وَراحِمٌ إِذا اِستَقالَ المُجرِمُ / لِنَفسِهِ مِن جودِهِ لا يَرحَمُ
أَعيَت رُكامُ جودِهِ الغَماما / وَفاقَ ما ضي رَأيِهِ الحُساما
وَتابَعَ الصَنائِعَ الجِساما / فَأَرضَيتِ الأُمَّةَ وَالإِماما
لَهُ زَمانُ كُلُّهُ رَبيعُ / وَهِمَّةٌ جَنابُها مُريعُ
فَالناسُ في رِياضِها رُتوعُ / وَالدَهرُ عَبدٌ سامِعٌ مُطيعُ
تُمطِرُ شَمسُ وَجهِهِ وَتُشرِقُ / وَلا يَغيمُ وَجهُهُ وَيَبرُقُ
وَبَحرُ جَدواهُ الَّذي يُدَفَّقُ / يَستَغرِقُ الوَصفَ وَلَيسَ يغرِقُ
سَيفٌ بِهِ المُلكُ حَمى أَطرافَهُ / وَالدينُ هَزَّ طَرَباً أَعطافَهُ
تَهُزُّهُ اليَمينُ لِلخِلافَه / حَتّى يُبيدَ مَن نَوى خِلافَهُ
ماضٍ وَما تَنفَكُّ دِرعٌ غِمدَه / لِلنَصرِ سُلطانُ الوَرى أَعَدَّه
وَهوَغَنِيٌّ أَن يَشيمَ حَدَّهُ / فَيَهزِمُ الجَيشَ لَهُ اِسمٌ وَحدَهُ
لَهُ يَدٌ مِنها الأَيادي تَسجُمُ / يَصغَرُ عَنها البَحرُ وَهيَ تَعظُمُ
ما سَبعَةٌ مِن واحِدٍ تَنتَظِمُ / إِلّا الأَقاليمُ لَهُ وَالقَلَمُ
رُمحٌ غَدا مِن نَفسِهِ سِنانُهُ / وَفَرَسٌ في طِرسِهِ مَيدانُهُ
ما إِن يُرَدُّ عَن مَدىً عِنانُهُ / فَإِنَّما عِنانُهُ بَنانُهُ
لِخَيلِهِ في الصَخرِ نوناتٌ تُخَطُّ / لَهُنَّ آثارُ المَساميرِ تُقَط
وَالرُقشُ مِن أَقلامِهِ بِلا شَطَط / تَقتَصُّ مِن هامِ العِدا بِما نُقَط
عِزُّ عَلى مَرِّ اللَيلي زائِدُ / يُربي عَلى البادِئِ مِنه العائِدُ
مُتَّصِلٌ فَل يَرتَقِبهُ الحاسِدُ / فَإِنَّما مَبدَأُ أَلفٍ واحِدُ
مِن قَبلِ أَن مَلَكَهُ بِلادَهُ / مَلَّكَهُ مَولى الوَرى فُؤادَهُ
كَما كَساهُ قَلبُهُ سواده / من فبل أن يكسٌوَه أبراده
تشريفه أبطأُ من تأدبه / وَإِن ضَجِرنا نَحنُ مِن تَرَقُّبِه
مُخَبِّراً أَنَّ عَظيمَ مَنصِبِه / يَجِلُّ عَنهُ فَوقَ ما يَجِلُّ بِه
بَل لَم يَكُن مِن عَجَلِ المُشَرِّفِ / إِلّا مِنَ الخَجلَةِ في تَوَقُّفِ
كَيفَ يَكونُ عِندَ فَقدِ المُنصِفِ / تَشريفُ مَولىً هُوَ نَفسُ الشَرَفِ
لَو بَلَغَ التَشريفُ في التَضعيفِ / مَعدودَ قَولِ قائِلٍ تَشريفي
كُلٌّ على أَقصى الأَماني يوفي / لَكانَ دونَ قَدرِهِ المُنيفِ
كَفاهُ ما خالِقُهُ كَساهُ / مِن ثوبِ مَجدٍ وَعُلاً كَفّاهُ
لَو لَم يَكُن ضَمَّنَهُ رِضاهُ / سُلطانُ أَرضِ اللَهِ شاهِنشاهُ
يا فارِعَ السَماءِ بِالسُمُوِّ / مُنعِلَ الهِلالِ في العُلُوِّ
فَما مَحَلُّ مَفرِقِ العَدُوِّ / أَمَنتَ مُداحَكَ مِن غُلُوِّ
عَلَيكَ مِمّا صاغَتِ العُقولُ / ما دونَهُ السِوارُ وَالإِكليلُ
فَأَينَ يا شِعرُ لَكَ الفُحولُ / هَذا أَوانُ القَولِ فَليَقولوا
كَم أَحبِسُ العُقودَ في الحَقاقِ / دونَ تَراقيها إِلى التَراقي
ما قُلتُهُ وَما فَعَلتَ باقِ / كِلاهُما قَلائِدُ الأَعناقِ
دونَكَها خَوالِعاً لِلعُقلِ / أَعَرتُها وَهُنَّ ذَوبُ العَقلِ
تَهازُلاً مِنّي بِغَيرِ هَزلِ / فَضلَ اِتِّباعٍ في مَجالِ فَضلي
حاشَ لِطَبعي أَن يُسرى فيهِ طَبَع / لا سِيَّما مِن بَعدِ شَيبٍ وَصَلَع
لَكِنَّ ما يَأَتى بِهِ الجِدُّ لُمَع / وَلَيسَ في خالٍ عَلى خَدٍّ بِدَع
لا عَيبَ فيما قالَهُ مُشَبِّبُ / تَشبيبُ مُدّاحِ المُلوكِ أَضرُبُ
أَلَيسَ حَسّانُ وَلا يُؤَنَّب / مِن قَولِهِ فَهوَ حَرامٌ طَيَّبُ
مَولايَ إِكرامُكَ لي ابتِداءَ / أَوجَبَ مِن كُلٍّ بِكَ اِقتِداءَ
وَمَن أَبى ذاكَ فَقَد أَساءَ / فَالظِلُّ يَحكي عودَهُ اِستِواءَ
لِلمَوعِدِ المَضروبِ جِئتُ أَرقُبُ / فَحالَ دوني حاجِبٌ مُقَطِّبُ
وَمَن يَكُن مَكانُهُ المُقَرَّبُ / خَلفَ حِجابِ القَلبِ كَيفَ يُحجَبُ
دَولَتُكَ الغَرّاءُ في اِرتِفاعِهِما / كَالشَمسِ أَو أَشمَلَ بِاِصطِناعِها
وَالشَمسُ تُحظي الناسَ مِن شُعاعِها / بِحاجِبٍ قَد صيغَ مِن طِباعِهِما
يا شَرَفَ الدينِ كَرُمتَ سَمعاً / وَلِلنَدى وَالبَأسِ دُمتَ تُدعى
أَدامَ حِفظُ الله عنك الدفعا / مُظاهِراً مِنهُ عَلَيكَ دِرعا
مِن دَوحِ مَجدٍ باسِقٍ أَغصانُهُ / بيتُ عُلا ثابِتَةٌ أَركانُهُ
داموا وَدامَ عالِياً مَكانُهُ / مُضاعِفاً إِقبالَهُم سُلطانُهُ
نَورِز بِسَعدٍ دائِماً وَمَهرِجِ / وَاِبقَ لَنا في ظِلِّ عَيشٍ سَجسَجِ
مُقَوِّماً بِالرَأيِ كُلَّ أَعوَجِ / وَفاتِحاً بِالجَدِّ كُلَّ مُرتَجِ
قَد ضَمِنَ اللَهُ وَلَيسَ يَنكُثُ / أَنَّكَ ما اِمتَدَّ الزَمانُ تَلبَثُ
أَلَيسَ في كِتابِهِ فَليَبحَثوا / أَنَّ الَّذي ينَفعُ فَهوَ يَمكُثُ
يا مَن يَظَلُّ خَلفاً عَمَّن مَضى / وَلَيسَ عَنهُ خَلَفٌ فَلا اِنقَضى
دُمتَ عَلى الأَيّامِ سَيفاً مُنتَضى / يُفني وَيُغني السُخطُ مِنكَ وَالرِضا
ذا دَولَةٍ عَلى الوَلِيِّ تُسبَغُ / ظِلالُها وَلِلعَدُوِّ تَدمَغُ
دائِمَةٍ آخِرُها لا يُبلَغُ / كَأَنَّما عُمرُكَ طَوقٌ مُفَرَغُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025