المجموع : 4
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ / وكم يَقْوَى على النَّبْلِ الرّمِيُّ
وكم للغِيدِ من نظرٍ كَليلٍ / يُصابُ بسَهمه بَطلٌ كَمِيّ
وكنتُ من الهوَى حُرّاً إلى أن / سَباني منكَ طَرْفٌ جاهليّ
سَقيمٌ قد رمَيْتَ به فؤادي / وقد يُبْلَى بذي السَّقْمِ البَريّ
فإن يكُ حُبُّ ذاتِ الخالِ غَيّاً / كما زعَموا فلا رَشَدَ الغَويّ
ذكرْتُ العامريّةَ والمَطايا / يُطَرِّبُها الغُلامُ العامِريّ
فحَنَّ الأرحبِيُّ وهَمَّ شَوقاً / بكَفّي أَن يَحِنَّ الأصبَحيّ
وبِتُّ وللصّبابةِ في فُؤادي / مَكانٌ ليس يَعْرِفُه الخَليّ
أَقولُ ولَيْلتي تَزدادُ طُولاً / ومالي غَيرَ كوكبِها نَجِيّ
ألا صُبْحٌ يُتاحُ لنا مُضيء / أَلا لَيلٌ يُتاحُ له مُضيّ
فحُلَّ عِقالَها يا صاحِ إنّا / بأرضٍ عِداً يمَلُّ بها الثَّويّ
ولمّا رابَني إظْلالُ أَمرٍ / ولاحظَ مُنْتَهاهُ الألمعيّ
زجَرْتُ بأرضِ خُوزِسْتانَ عَنْسي / مُروقَ السّهمِ أَسْلَمَه الحَنيّ
ووافَيْتُ الجِبالَ كما تَسامَى / إلى قُلَلِ الشّوامخِ مَضْرَحيّ
وأعرَضَ بعدَهُنَّ فلا عُراضٌ / لأنفاسِ الرّياح بها دَويّ
وغُبْرٌ من بني الغَبْراءِ مَلأى / فلا يَجْري بها إلاّ جَريّ
يُسَلُّ لهمْ من الجَفنَينِ خوفاً / معَ اللّيلِ الكرَى والمَشرَفيّ
فلَم نَنزِلْ بشابُر خُواةَ إلاّ / وكلُّ رِكابنا نِضْوٌرَذيّ
فألمَمْنا بها واللّيلُ يَحكي / زِناداً ضَوْؤُه فيه خَبيّ
وصَبّحْنا بَروجِرْداً فمِلْنا / إليها والنهارُ بها فَتِيّ
فما بلَغتْ بنا همَذانَ إلاّ / وقد أَلوى بها الأمدُ القَصيّ
بأثباجٍ كما انتطحَتْ وُعولٌ / بِشابةَ أَو كما انأطَرَتْ قِسيّ
فأعجَلْنا بها للرَّكْبِ زاداً / ورُحْنا للرَّكابِ بنا هَويّ
وشارَفْنا المُعسكرَ بعْدَ لأْيٍ / وقد نقرَ الطُّبولَ بها العَشيّ
ولاح لنا الخيامُ البيضُ منه / على بُعْدٍ كما برَق الحَبيّ
وطاولَتِ السّماءَ سُرادِقاتٌ / على أَبوابها رُكزَ القُني
فجاذبَنا أَعنَّتَها المَذاكي / وسالبَنا أَزِمّتَها المَطيّ
وقُلنا اليوم حان لنا مُناخٌ / به تُلقى مع اليُمْنِ العِصيّ
فلمّا أَن دنَتْ منها رِكابي / تَلقّاني بإدراري نَعيّ
فقلتُ وإصبَعي في فيَّ تَدْمَى / لقد عاشَ السّخاءُ الحاتِميّ
كذا فَلْيُكرَمِ الزَّورُ المُوافي / كذا فَلْيُكرِمِ المَولَى الوَفيّ
حياءً معشرَ الكُتّابِ منّا / فما حازَ النُّهَى إلاّ حَبِيّ
وما بَينَ الكتابةِ من ذِمام / وبينَ الشِّعرِ مُتَّضِحٌ جَليّ
وليس يُلابِسُ الآدابَ أَدنَى / من الإطنابِ إن أَنِفَ الأبيّ
أَيُزْعَمُ أَنَّ إدراري لغَيْري / لعَمْرُكَ إنّه كَذِبٌ فَريّ
فيا قلمَ الكتابةِ أَنتَ عندي / كَذوبٌ بعدَ فَعْلِتها دَعيّ
وليس لسانُك المَشْقوقُ إلاّ / لِكذْبكَ إن تَأمّلَهُ ذَكيّ
فقال وهَزَّ من عِطْفي مُجيباً / وما بِيراعةِ الكُتّابِ عِيّ
لعلّ خِتامَ ما كتبوا جَميلٌ / يُسَرُّ بهِ وإنْ كُرِهَ البَديّ
فخَطُّ الفَصِّ مَعكوسٌ عَجيبٌ / ويَصدُرُ عنه مَقْرؤٌ سَويّ
تَعجّبَ صاحبي من طُولِ هَمّي / فقلتُ لِيَهْنِكَ البالُ الرَّخِيّ
وخَوَّفني تَصاريفَ اللّيالي / فقلتُ اللهُ حَسْبي والصَّفيّ
وكيف يَخافُ رَيبَ الدَّهرِ حُرٌّ / وَليُّ الدَّولتَينِ له وَليّ
وهل يُخشَى كَسادُ الفَضلِ يوماً / وناصِرُه أَبوه الأريَحيّ
لقد أَهدَى الغداةَ شِفاءَ صَدري / فتىً وجْهُ الزّمانِ به وَضىّ
أَخو هِمَمٍ لَوِ استَعْلَتْ لظَلّتْ / سَواميَ في السّماء لها رُقىّ
غدا لعُفاتِه فرعاً كريماً / نَماهُ منَ العُلا أَصْلٌ زكيّ
فهَزَّهُ عِطفه فَنَنٌ رَطيبٌ / وجودُ بنانِه ثَمَرٌ جَنيّ
كأنّ الوافدِينَ نُجومُ لَيلٍ / ورَحْبَ جَنابِه الفَلَكُ العليّ
إذا ما حانَ من فِرَقٍ ذَهابٌ / أُتيحَ إليه من فِرَقٍ مَجِيّ
ومُستوفي مَمالكَ قاصياتٍ / كِفايتُه لِعاطلِها حُليّ
أَظلَّ به على الآفاقِ عِلْمٌ / فما مِنْ أَمرها عنه خَفيّ
كعَينِ الشّمسِ يَلْحَظُ كُلَّ قُطْرٍ / من الأقطار ناطرُها المُضيّ
له قلمٌ بما يَحمي شَحيحٌ / وصاحبُه بما يَحوي سَخيّ
كلَمْعِ البَرقِ أَنملُه حِساباً / وفيه الغَيثُ مَشرَبُه رَويّ
أَيا مَن طبعُه عَدْلٌ وفَضْلٌ / فمِنه الحُرُّ بالنُّعْمَى حَريّ
ومَن أَدْنى مَناقِبه سَناءٌ / ومَن أَدنَى مَواهبِه سَنيّ
أَيُقصَدُ نَقْلُ إدراري بظُلْمٍ / وظُلمُ النّاسِ مَرتَعُه وَبيّ
ولم يُحْسَنْ إليّ بحِفْظِ غَيبٍ / ومثْلُك حينَ لم يُحسِنْ مَسيّ
حلَفْتُ بربِّ مكّةَ والمسَاعي / ومَن واراه طَيْبةُ والغَرّي
لقد كادَتْ تُعاتِبُهمْ قوافٍ / لها الأقلامُ تُطرِقُ والدُّويّ
وقد مُلِئتْ قوارصَ مؤلماتٍ / ولكنْ مُلجَمٌ قيلَ التّقيّ
وقَيدُ أوابدي كَرَمٌ وَدينٌ / عنِ الأقوام لا حَصَرٌ وعِيّ
وحاشا أَن أذُمَّ سَراةَ قومٍ / وزَنْدي في العُلا بِهمُ وَريّ
لقد أَزِفَ المَسيرُ بلا عِتادٍ / وشَحَّ بدَرّهِ الخِلْفُ البَكيّ
وتَحتي أعوَجِيٌّ لا يُجارَى / ولكنْ تحت رَحْلي أَخْدَريّ
فهل لك أن تَجودَ وأنتَ بحْرٌ / به لا عنه كُلٌ فتىً غَنِيّ
بعالي القَدِّ سافِلُه وَثيقٌ / لراكبِه وعاليهِ وَطيّ
غدا في الخيلِ من طَرْفٍ نسيباً / عريقاً وهْو من طَرَفٍ نَفيّ
قَصيرَ العُرْفِ أربَعُه طِوالٌ / يُباهي الخيلَ مَنظرُهُ البَهيّ
تَطيرُ حصَى الأماعزِ من يدَيْهِ / كما نقَد الدَّراهِمَ صَيّرفيّ
ويَسْتَدني البعيدَ منَ الفيافي / كما يُطوَى النّسيجُ الأتحَميّ
ولو أجريتَه حَولاً صَبورٌ / ولو أوقَرتَه طَوداً قَويّ
وظَنّي أن يَمُنَّ به سَماحاً / فتىً للوَفْد نائلُه هَنيّ
مَليءٌ أن يَجودَ به وفكْري / بمَدْحي أن يَجودَ له مَليّ
أيا بحراً ومَشرَعُه نَداهُ / ويا بدراً ومَطلَعُه نَديّ
ويَتْبَعُه كرامُ النّاسِ طُرّاً / كما تَبعَ السِّنانَ السَّمْهَريّ
كريمٌ يُفصِحُ المُدّاحُ فيه / وصَوغُ المَدْحِ في اللُّؤَماء عِيّ
أهبْتُ إلى مَديحِك بالقوافي / فكاد يُسابِقُ الصَّدَرَ الرَّويّ
فدونَكَها مُوشَّحةَ المَعاني / كما جُلِيَتْ على البَعْلِ الهَديّ
وإن أضحَتْ ومَنظرُها جَميلٌ / فقد أمسَتْ وخاطِبُها كَفيّ
فدُمتَ لنا مُطاعَ الأمرِ عِزّاً / ودام لك البَقاءُ السَّرمَديّ
ولا سَلَب الزّمانُ عُلاك يوماً / فأنت لعاطلِ الدُّنيا حُليّ
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً
مَن كان فوق سَراةِ المجدِ مُعتلِياً / مِن أين يَغْشاهُ صَرْفُ الدَّهرِ معتَرِيا
يا مُشتكَي كُلِّ حُرٍّ رابَه زَمنٌ / لا روَّع الحُرَّ أن يَلقاكَ مُشتكيا
إنّ العُلا صَعبةٌ أعيى تَسنُّمها / وما بَرِحْتَ لها في الدّهرِ ممتَطيا
قالوا قد اختلَفتْ منه الخُطا خطأً / فقلتُ حاشا العُلا ما خَطْوهُ خَطيا
قُلْ رام في دَرَجٍ للقَصْرِ مُنحَدِراً / وكانَ في درَجٍ للمجد مُرْتَقيا
فلم تُطِقْ في زمانٍ واحدٍ قَدَمٌ / إن كان مُستَفِلاً فيه ومُعتَليا
ألا فدُمْ لثنايا المَجْدِ تَطلُعها / فمِثلُ سَعيِك في العَلْياء ما سُعيا
لازِلتَ في بُردةٍ للعَيشِ ضافيةٍ / تُفْني عِداك وتَبْقَى الدَّهرَ ما بَقِيا
على المَجرّةِ جَرّارُ الذيُّول لها / والثُّريّا لنَعْلِ الفَخرِ مُحتذِيا
يا ماجداً لو قَضَوْا حقّاً لأخمصِه / لم يَعْدُ في النّاس بالأحْداقِ أن وُقيا
لو يَفرُشُ النّاسُ ديباجَ الخدودِ له / ما كان إلاّ أقَلُّ الحقِّ قد قُضيا
أكرِمْ بغُصْنِ ندىً مالَ الثّمارُ به / حتّى أَرَينَك منه العِطْفَ مُنثنيا
نأى عُلُوّاً أو أدناهُ تَكرُّمُه / مِن كَفِّ مَن يَجْتني منه ليَجْتنيا
وزعزعتْه رِياحُ الأريحيّةِ إذ / مَدَّ المُلمَّ إليه الكَفَّ مُجتديا
ماذا يَقولُ حَسودٌ أن تَزلَّ له / نَعْلٌ بها مَنْكِبُ الجَوزاءِ قد وُطيا
إن زَلَّ نَعْلٌ فيأْبَى أن يَزِلَّ به / جَدٌّ له في المعالي طالما رَقيا
في كُلِّ يومً خطابٌ للخُطوبِ معي / فيمَنْ أَكونُ له بالنّفْسِ مُفْتَدِيا
بُليتُ بالدّهرِ تَعْروني حَوادثُه / والدَّهرُ أيضاً بصَبْري فيه قد بُليا
يا غُربةً أغْرَبتْ لي في عَجائِبها / وبَيّتتْني بنارِ الهَمِّ مُصْطَليا
قد مَرَّ بي فيك ما مِنّي بأيْسَرِهِ / قدِ اشْتَفَى زَمني إن كان مُشتفيا
قلبي مُقيمٌ بأرضٍ لا يُفارِقُها / هوىً ونِضْوي إلى أقصى المدَى حُديا
كأنّني فَتْحُ بَركارٍ لدائرةٍ / أضحَى المُديرُ بتَسْديدٍ له عُنيا
فشَطْرُه في مكانٍ غيرِ بَارحِه / وشَطرُه يَمسَحُ الأطرافَ مُرتميا
قد كان نِضْوي بباقي البِيدِ آونةً / حتّى وَصلْنا فأفناها وقد فَنِيا
لولا العدا والعَوادي كنتُ ذا وطنٍ / بكَسرةٍ وبكِسْرٍ فيه مُكتَفيا
حَتّامَ سَيْري إلى دُنْياي مُعتَسفاً / هل آن سَيْري إلى عُقْبايَ مُنْزَويا
أمَا تَراني لظَهْري داعِماً بِيَدي / إذا مشيتُ ولو قارَبْتُ خُطْوتيا
هل بعدَ إصباحِ لَيلِ الرّأسِ من عُذُرٍ / ألا أرَى هادياً للسُّبْلِ مُهْتَديا
هَبِ السَّوادَ الّذي أبلَيتُ كنتُ له / مُجَدِّداً بِبَياضٍ بَعْده غَشِيا
هل من لباسٍ سوى غَبراءَ مُظلمةٍ / إذا البياضُ الّذي جَدَّدْتُه بَلِيا
وقد علَتْ غُبرةُ الشَّيبِ الشَّبيبةَ لي / فبِتُّ للأجَلِ المكْتوبِ مُكْتَليا
كتابُ عُمْري اللّيالي تَرّبتْه وما / أدنَى المُترَّبَ أن تَلْقاه مُنْطَويا
أبتْ دَريئةُ لَهْوٍ أن يكونَ لها / إصابةٌ بقَنا قَدٍّ إذا حُنِيا
أنا ابْنُ دَهرٍ جَفاني فيه كلُّ أخٍ / إلى بُنوَّته قد راحَ مُنْتَميا
أمّا الكِبارُ فما يَخْفَى جَفاؤهمُ / ولم أكنْ لصِغارِ النّاسِ مُرتَجيا
لكنْ جَميعُ ذنوبِ الدَّهرِ مُغْتَفَرٌ / وعن صَحيفةِ قلبي ذِكرُها مُحِيا
صَفْحُ الزّمانِ له عن عَثْرةٍ بدَرَتْ / بالصَّفْحِ عن عَثَراتِ الدَّهْرِ قد جُزيا
أقالَ حتّى أقَلْنا مقتدينَ به / ولم أكنْ قبلَها بالدَّهْرِ مُقتَديا
مَن كان يَبْرأُ من ذَمّي له زَمني / فقد بَرِئتُ من الشَّكْوى وقد بَرِيا
سلامةٌ سَلمَ المُلكُ العقيمُ بها / وأوجبَتْ شُكرَ دَهْرٍ طالما شُكيا
فقُلْ لدَهْرك يَستأنِفْ له عَمَلاً / فعَن مَواضيهِ مُذْ عوفيتَ قد عُفيا
يا مَن به تَحفَظُ الدُّولاتُ صِحَّتَها / إذا شُفِيتَ فقلْ كلُّ الورى شُفيا
لولا ذِمامٌ للدّهْرِ أنت عاقِدُه / ما كنتُ عن ذمّهِ ما عشْتُ مُنْتَهيا
أصْبحتَ للدّهر عُذراً صادقاً فغَدا / لذكْرِه كلُّ ذنبٍ سابقٍ نُسيا
فخُذْ إليك الّذي لا أرتَضيه وإن / أصبحْتَ من كرمِ الأخلاقِ مُرتَضيا
إنّي لَمِنْ سالفِ التّقصير مُعتَذِرٌ / بما يُضاعِفُ تَخْجيلي إذا تُليا
وكيف أَغدو منَ التّقصيرِ مُعتذِراً / ونَفْسُ عُذْريَ تَقصيرٌ إذا رُئيا
يا كاملاً فيه أشتاتُ العُلا جُمعَتْ / فراحَ للفَضْلِ والإفضالِ مُحتويا
مازال مِن لينِ أخلاق كرُمْنَ لَه / لفاسدٍ الخِلّ بالإصلاحِ مُعْتَنيا
مهما اعتذَرْتُ بعُذْرٍ لي أكونُ له / في النّاسِ مطرِقَ طَرْفِ العين مستَحيا
أخذْتَ عذْريَ مُعوَجّاً وتَعرِضُه / على الورى مُستقيماً حيثُما اجْتُليا
كالشّمعِ يَقبلُ نقْشَ الفَصّ مُنعكساً / مَكتوبهُ ليُريهِ النّاسَ مُسْتَويا
شِعْرِي وأنتَ له الرّاوي لرفعتِه / شِعْرَى وشِعرِيَ شِعْرَى حيثُما رُويا
والبَحرُ يَلفِظُ دُرّاً كان واقِعُه / في أُذْنِ أصنافهِ قَطْراً إذا وُعيا
حَبٌّ لمُزْنٍ غَدا حَبّاً بلُجّته / ودُرُّ سُحْبِ غدا دُرّاً كما حُكِيا
فالبَحرُ أَنت لعَمْري من نُهىً وندىً / إذا طلَعْتَ لنا في الحَيِّ مُنتَدِيا
كأنّما أنت من حِلْمٍ ومن كرمٍ / طَودٌ بجودٍ غدا للسُّحْبِ مُرتَديا
إسْعَدْ بجَدِّ الزّمان أنت غُرّتُه / بأيِّ حَظٍّ كبيرٍ منْك قد حَظيا
تَنظَّمَتْ لك ملْء الدّهرِ واتّصلَتْ / مَحاسنٌ قُبحُهُ في حُسْنِها خَفيا
إنّ المَعالي لَحَلْيٌ أنت لابسُه / لكنْ زمانُك تَطفيلاً به حَليا
والجِيدُ لا يَكْتسي العِقدَ النَظيمَ له / في الحَلْيِ حتّى يكونَ السِّلكُ مكتَسِيا
يا مُبدعَ القَولِ مَبْسوطاً ومُخَتصراً / ومُحسِنَ الفِعلِ مُعتاداً ومُبْتَديا
لمّا غدا حَسناً ما أنت فاعِلُه / قُلنا بفِعلكِ قد أصبَحْتَ مكتَنيا
إذا أردتَ إلى سَعدِ الوَرى نَظَراً / فكنْ لوَجْهِك في المِرآةِ مُجتليا
وإنْ دَجا ليلُ خطبٍ لا صباحَ له / فكنْ لرأيك في داجِيه مُنتَضيا
تابَ النَّصوحُ إليك الدّهرَ من زَلَلٍ / منه تَقَدَّمَ لمّا جارَ مُعتَديا
والنَصرُ مازال رَبُّ العَرْشِ ضامِنَه / لِمنْ عليه بلا اسْتحقاقِه بُغياً
فِداؤه مَن مع التَّقْصيرِ عنه غَدا / بَغْياً لرُتْبته العَلْياء مُبْتَغِيا
قد كان تَقْديمُهمْ إيّاهُ مقتَرِباً / وكان إعدادُهمْ إيّاكَ مُنتَسيا
كالسَّهْم قَرَّبَه رامٍ ليُبْعِدَه / والسّيفِ يَقْرُبُه حامٍ ليَنْتضيا
فَلْيَهنأ النّاسَ عَوْدٌ من أخي كرمٍ / عُداتُه اليومَ تَرجو كلَّ من خُشيا
عادتْ إلى حضرةِ السُّلطانِ طَلعتُه / والجَفْنُ لم يَفترِقْ إلاّ لَيلْتقيا
وأتلفَ المُقتنَى جُوداً فأخلفَه / والغُصْنُ لا يَكْتسي إلاّ إذا عَريا
فدام للدّولةِ الغَرّاءِ مُعتَمَداً / مُسدَّداً رائحاً بالنُّصْح مُغْتديا
فهْو الّذي لم يزَلْ للمجدِ مُبتَنيا / طَوْعَ المكارمِ أو للحَمْدِ مُقْتنيا
له من اللُّطْفِ أنفاسٌ إذا نفحَتْ / رَميمَ عظْمٍ رَجاءً للفتَى حَييا
قد كان حتّى أماطَ اللهُ عارِضَه / مريضُ قلبي منَ الأطرافِ مُحتَميا
فلْتَفدِه من خُطوبِ الدّهرِ نازلةً / حُشاشتي وهو أَولَى من بها فُدِيا
فهْو المُقرِّبُ أغراضي إذا بَعُدَتْ / وهْو المُجيبُ إلى نَصْري إذا دُعيا
وكاشحٌ صَدرُه مَلآنُ من غُلَلٍ / فلو سقَوْهُ بحارَ الأرضِ ما رَويا
يُبْقيهِ حِلْمٌ ستُغْنيهِ مَغبّتُه / كم سقْطِ جَهْلٍ به زَنْدُ الحِجاوَريا
سجَعْنَ فأذْكَرْنَ العهودَ الخواليا
سجَعْنَ فأذْكَرْنَ العهودَ الخواليا / وقد يَذكرُ الإنسانُ ما كان ناسيا
ولولا الهوَى ما كان نَوحُ حَمائمٍ / على عَذَباتِ الأيكِ ممّا شَجانيا
نَوادِبُ أَبلَيْنَ الحدادَ فما تَرى / عليها سوى ما زُرَّ في الجِيدِ باقيا
ولمّا التقَى الواشون والحَيُّ ظاعنٌ / وقد راحَ للتّوديعِ منّي يَرانيا
بدَتْ في مُحيّاهُ خَيالاتُ أَدمُعي / صَفاءً وظَنُّوا أنْ بَكي لبكائيا
قِفا وَلِّيا شكْوايَ أُذْناً سَميعةً / وطَرْفاً سَخيَّ الجَفْنِ أَو مُتساخيا
دَعاني فقد شَطّتْ ديارُ أَحِبّتي / بدَمْعي أُجبْ شَوقاً إليهمْ دَعانيا
تَمنَّوا أُموراً ساءهم أُخْرياتُها / وكم من مَنايا يَبتدِينَ أَمانيا
وما الطّودُ قد أَضحى على الأرضِ راسخاً / يُزعزَعُ أَن يَلقَى الرّياحَ الجواريا
فشُكراً عبادَ اللهِ إنَّ مَواهباً / إذا رُبطَتَ بالشّكرِ تُلقي المَراسيا
فما زادَكَ الأيّامُ إلاّ تَرفُّعاً / ولا فَقدُكَ الأقرانَ إلاّ تعاليا
وكنّا نَراكَ البدْرَ والصّيدَ أَنجُماً / فصِرنا نَراكَ الشّمسَ والجوَّ خاليا
غدَوتَ لدُنيا النّاسِ بالنّعلِ واطئاً / وكنتَ لها لو شئتَ بالكفِّ حاويا
ويَعظُمُ كلَّ العُظْمِ عندَ ذوي النُّهى / عنِ المُلْكِ لا بالمُلْكِ مَن كان عاليا
أَتَتْكَ ابنةُ الفكرِ الّتي لا يَسوؤها / مع الكِبْرِ أَلاّ تَجعلَ المَهرَ غَاليا
ثَناءٌ إذا أَنشدْتُ فيكَ لصدْقه / كأنّيَ أتلو منه سَبْعاً مَثانيا
بُيوتٌ أجلَّ الفْكرُ قَدْرَ قَريضِها / وأَلفاظَها لمّا أَدَقَّ المَعانيا
وسوف أُواليها إليك قَصائداً / إذا كنتَ بالإكرامِ تَلْقى المُواليا
فحَسْبيَ أَن تُهدي إليَّ عنايةً / وحَسبُكَ أَن أُهدي إليك القوافيا
فلا زال شَمسَ الدينِ جَدُّك صاعداً / وسَعيك مَشْكوراً وزَندُك واريا
ويَلْقَى رئيسُ الدّينِ قاصيةَ المُنى / إذا ما تَسامَى للمَعالي تَسامِيا
وأنت ذُكاءٌ للعُلا وهو ابْنُه / لأعيُنِنا كُلُّ يُضيءُ الدَّياجيا
لك النّاسُ يُهدُون التّهاني وإنّما / لهمْ بكَ أُهدي ما بَقِيتُ التّهانيا
فلا زالتِ الدُّنيا لعَينِك طَلْقةً / ولازال منها وِرْدُ عَيشِك صافيا
ولا جعلَتْ إلاّ بوَجْهِكَ عِيدَها / ولا رَضيتْ إلاّ عِداكَ الأضاحيا
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ / وَاِنهَزَمَت عَساكِرُ الصَقيعِ
فَالماءُ في مُضاعَفِ الدُروعِ / وَالنورُ كَالأَسِنَّةِ الشُروعِ
قَد هَزَّ مِن أَغصانِهِ ذَوابِلاً / وَسَلَّ من غُدرانِهُ مَناصِلا
وَبَلَغَت ريحُ الصَّبا رَسائِلاً / حينَ ثَنى العِطفَ الشتاءُ راحِلا
وَنُصِبَت مَنابِرُ الأَشجارِ / وَخَطَبَت سَواجِعُ الأَطيارِ
وَاِستَفصَحَت عِبارَةً الهِزارِ / فَهوَ لمَنشورِ الرَبيعِ قاري
وَأَقبَلَ النَيروز مِثلَ الوالي / فَارتَجَعَ الفَضلَ مِنَ اللَيالي
وبشِّر الناقِصَ بِالكَمالِ / فَعادَتِ الدُنيا إِلى اِعتِدالِ
وَالدينُ وَالشَمسُ لِسَعدٍ مُؤتَنَف / كُلٌّ بِهِ اللهُ اِنتَهى إِلى شَرَف
فَأَصبَحَ العَدلُ مُقيماً وَاِعتَكَف / وَوَدَّعَ الجَورُ ذَميماً وَاِنصَرَف
بِالشَرَفَينِ اِستَسعَدَ الشَمسانِ / شَمسُ الضُحى وَغُرَّةُ السُلطانِ
في أَسعَدِ الأَيّامِ وَالأَزمانِ / مُبَشِّراً بِالأَمنِ وَالأَمانِ
فَاِعتَدَلَ الأَنامُ وَالأَيّامُ / وَأَمِنَ المُسيمُ وَالمُسامُ
مُذ طَلَعا وَنظَرَ الأَنامُ / لَم يَبقَ لا ظُلمٌ وَلا ظَلامُ
قَد أَصبَحَت قَوسُ الزَمانِ سَهما / وَقُد رَمى الأَرضَ بِهِ فَأَصمى
فَالكَتفُ مِنها بِالشَقيقِ تَدمى / وَالرُعبُ أَضحى لِلشِتاءِ هَزما
اِبيَضَّ قَبلَ الإِخضِرارِ الفَنَنُ / فَشابَ مِن قَبلِ الشَبابِ الغُصُنُ
وَاِسوَدَّ مِن بَعدِ البَياضِ القُنَنُ / فَشَبَّ مِن بَعدِ المَشيبِ الزَمَنُ
قَد غَنِيَ الوَعدُ عَنِ التَقاضي / وَأَعرَضَ الغيدُ عَنِ الإِعراضِ
وَخَرَجَت بِالحَدَقِ المِراضِ / تُواجِهُ الرِياضَ بِالرِياضِ
قَد سَئِمَت بُيوتَها النُفوسُ / وَأَصبَحَت كَأَنَّها حُبوسُ
وَأَسلَمَ المُنَمِّسَ التَنميسُ / وَصاحَ في جُنودِهِ إِبليسُ
أَبَحتُ لِلنسِ دَمَ الزِقاقِ / في حَيثُ لاقوها مِنَ الآفاقِ
وَجَرَّها كَجُثَثِ المُرّاقِ / وَشُربَها بِكَأسِها الدِهاقِ
إِلى الجِنانِ عَجَباً دَعاكُمُ / مَن كانَ مِنها مُخرِجاً أَباكُمُ
يَجعَلُها كَفّارَة لِذاكُمُ / فَأَصحِروا لِتُبصِروا مَأواكُمُ
فَالأَرضُ مِن كَفِّ الزَمانِ حاليه / كَجَنَّةٍ لِلناظِرينَ عالِيَه
مِن كُلِّ ساقٍ عِندَ كُلِّ ساقِيَه / يَجعَلُ مِن صافٍ مِزاجَ صافِيَه
وَالشَمسُ في البُرجِ الَّذي يَشوونَهُ / إِذا غَدَوا شَرباً وَيَأكُلونَهُ
وَفيهِمُ قَومٌ يُثاكِلونَهُ / طولَ الزَمانِ وَيُناطِحونَهُ
بِحَملٍ قَد باعَتِ الشَمسُ الأَسَد / وَكانَ هَذا عِندَنا الرَأيَ الأَسَد
فَاِعتاضَ طَبعاً في الزَمانِ وَاِستَجَد / مِن غَضَبٍ بِشَهوَةٍ كُلُّ أَحَد
حَتَى غَدا بَعضُ بَني الأَشكالِ / يَقولُ قَولاً ظاهِرَ الإِشكالِ
لَكِنَّهُ مِن كَثرَةِ البَلبالِ / قَد قالَ ما قالَ وَلَم يُبالِ
كَم أوكِفُ الظَهرَ بِطَيلَسانِ / وَيُشبِهُ العِدلَينِ لي كُمّانِ
مُستَبضِعاً عِندَ بَني الزَمانِ / وِقرَ نِفاقٍ ثِقلُهُ أَعياني
هَل لَكَ في حَمراءَ مِثلَ الحُصِّ / يا قوتَةٍ قَد شُرِبَت بِرُخصِ
مَجلوبَةٍ مِن مَعدِنٍ في القُفصِ / تَلوحُ في الإِصبَعِ مِثلَ الفَصِّ
يَسعى بِها عَلَيهِ يا فِشِيُّ / وَطَرفُهُ الساحِرُ بابِلِيُّ
وَثَغرُهُ كَكَأسِهِ رَوِيُّ / وَوَردُهُ كَخَدِّهِ جَنِيُّ
أَغيَدُ يَومُ وَصلِهِ تَأريخُ / لِصُدغِهِ مِن نِقسِهِ تَضميخُ
وَالجَمرُ في خَدَّيهِ لا يَبوحُ / كَما يَحِلُّ العَقرَبُ المَرّيخُ
يَضحَكُ مِن تَشبيبِ عاشِقيهِ / عَن لُؤلُؤٍ لِنَظمِهِم شَبيهِ
فَلا يَزالُ مُظهِراً لِمَّتّيهِ / بِدُرِّ فيهِ أَو بِدُرٍّ فيهِ
لفُرَصِ اللذاتِ كُن مُنتَهِزاً / وَلا تَبت مِن عاذِلٍ مُحتَرِزا
فَالدهرُ مِخلافٌ فَخُذ ما أُنجِزا / فَرُبَّما طَلَبتَهُ فَأَعوَزا
فَقَد تَغَنّى الطَيرُ في الشُروقِ / وَالريحُ دارَت دَورَةَ الرَحيقِ
فَظَلَّ كُلُّ غُصُنٍ وَريقِ / لِلسكرِ في رَقصٍ وَفي تَصفيقِ
وَالزهرُ لِلروضَةِ عَينٌ تُلمَحُ / يَضُمُّها طَوراً وَطَوراً يَفتَحُ
تُمسى بِها قَريرَةً وَتُصِبحُ / لَكِنَّها مِنَ الدُموعِ تَطفَحُ
وَالرَوضُ في شَمسِ سَناها يُعشى / وَالسُحبُ بِالقُربِ لَها تَمَشِّ
فَكُلَّما أَدارَ عَينَ المَغشي / عَلَيهِ جادَت وَجهَهُ بِرَشِّ
صَحوٌ وَغَيمٌ في الرِياضِ اِشتَرَكا / يُقَطِّعانِ اليَومَ ضَحكاً وَبُكا
إِذا الجَنوبُ أَقبَلَت فيهِ بَكى / حَتّى إِذا عادَت شَمالا ضَحِكا
صارَ الأَضا في حَلَقٍ وَخُوَذِ / وَرَمتِ الأَرضُ لَها بِالفِلَذِ
فَالغُصنُ خَوفَ جُندِها المُستَحوِذِ / كَإِصبَعٍ تُشيرُ بِالتَعَوُّذِ
ساعِد عَلى الراحِ وَلا تُبالِ / وَالناسَ لا تُخطِرُهُم بِبالِ
أَوِ اِستِراقاً في مَكانٍ خالِ / لا تَعلَمُ اليَمينُ بِالشَمالِ
وَإِنَّما يَعلَمُهُ مَن يَغفِرُه / إِذا رَجَعتَ نادِماً تَستَغفِرُه
وَلَو بَقيتَ عُمُراً تُكَرِّرُه / ما عِندَ عفوِ اللَهِ ذَنبٌ يُكبِرُه
لَستُ أَرى مُحَللاً في مَذهَبِ / إِهلاكِيَ النَفسَ بِغَيرِ موجِبِ
أَنا اِمرُؤٌ عَجِبتَ اَو لَم تَعجَبِ / يَأكُلُني الهَمُّ إِذا لَم أَشرَبِ
ما كانَ مِن دُرّي وَمِن عَقيقي / نَزَفتُهُ في فُرقَةِ الفَريقِ
فَمِن دَم الكَرمِ أُيعضس عُروقي / تُحيِ بِهِ نَفسَ أَمرِئٍ صَديقِ
فَقُلتُ خَلِّ عَنكَ يا خَليلي / تَجاوُزَ الفَضلِ إِلى الفُضولِ
فَلَيسَ لي مَيلٌ إِلى الشَمولِ / إِلّا الَّتي تَزيدُ في العُقولِ
حَظّي مِنَ الآدابِ أَسنى حَظِّ / وَالراحِ ما رَوَّقتُهُ مِن لَفظي
وَما اِبنَةُ الكَرمِ بِمَرمى لَحظي / وَلا لَها اللَهُ بِحُبّي مُحظِ
لِذاكَ أَصبَحتُ مَنيعَ الجانِبِ / نَديمَ مَولانا الأَجَلِّ الصاحِبِ
العادِلِ الكامِلِ في المَناقِبِ / وَالناسِكِ التارِكِ لِلمَثالِبِ
أَسقى كُؤوسَ المَدحِ وَهوَ يَشرَبُ / وَأُسمِعُ الثَناءَ وَهوَ يَطرَبُ
وَأَسَلُ الأَمساكَ وَهوَ يَهَبُ / مَواهِباً تَعدادُها لي مُتعِبُ
دَأَبُ الوَزيرِ هَكَذا وَدابي / الشُّربُ مِن سُلافَةِ الآدابِ
وَمُعجِبٌ نِهايَةَ الإِعجابِ / تَناسُبُ المَصحوبِ وَالأَصحابِ
مُدامُنا الحَلالُ لا الحَرامُ / ما خَلَّصَ اللِسانُ لا الفِدامُ
تَغذو بِها عُقولَها الأَنامُ / وَتَنتَشي بِكَأسِها الكِرامُ
قَد عادَ وَجهُ الدينِ وَهوَ أَزهَرُ / وَعادَ لِلمُلكِ النِظامُ الأَكبَرُ
نِعمَةُ رَبٍّ لِلعُقولِ تَبهَرُ / تَجِلُّ عَن شُكرِ الوَرى وَتُشكَرُ
فَردٌّ وَفيهِ جُمعَ المَحامِدُ / فَلَم يَجِد لَهُ نَظيراً واجِدُ
كَم في الوَرى مِن واحِدٍ تُشاهِدُ / أَمّا الوَرى في واحِدٍ فَواحِدُ
أَروعُ لا يُحينُ إِلّا يُحسِنا / وَمُقدِمٌ يَجبُنُ عَن أَن يَجبُنا
وَمُنعِمٌ يُنيلُ غاياتِ المُنى / فَقرُ الفَتى إِلَيهِ ميعادُ الغِنى
إِذا رَأى إِعدامَ مُعتَفيهِ / حَسِبتَهُ لِلمالِ إِذ يُقنيهِ
مِن مُعتَفيهِ العُدمَ يَشتَريهِ / يَأخُذُهُ مِنهُ بِما يُعطيهِ
سائِلُهُ شَريكُهُ في نَعمَتِه / يَقولُ قاضي عَجَبٍ مِن شيمَتِه
أَعانَهُ اللَهُ عَلى مَكرُمَتِه / بِزَمَنٍ يَسَعُ عُظمَ هِمَّتِه
ذو كَرَمٍ أَخلاقُهُ حَديقَه / حَقيقَةٌ بِالحَمدِ في الحَقيقَه
يَجري مِنَ الجُودِ عَلى طَريقَه / خَليقَةٍ بِمَدحِ ذي الخَليقَه
مَن يَكنِزُ الأَموالَ في الرِقابِ / وَيَذخَرُ الثَناءَ لِلأَعقابِ
أَيادِياً مُعييَةَ الحُسّابِ / تَبقى وَمُوليها عَلى الأَحقابِ
قُل لِمُغيثِ الدينِ ذي المَعالي / وَالصَدقُ أَبهى حَليَةِ المَقالِ
اليَومَ أَوثَقتَ عُرا الآمالِ / أَجَدتَ يا مُنتَقِدَ الرِجالِ
يا ملكاً مِن رَأفَةٍ يَحكي مَلَك / بَل وَطأَةٌ مِنكَ عَلى ظَهرِ الفَلَك
ليس الثريا من نُجومٍ تَشتَبِك / بل وطأَةٌ منك على ظَهر الفَلك
بَلَّت بِسَيفٍ صارِمٍ يَداكا / ما لِمُلوكِ الأَرضِ مِثلُ ذاكا
وَهوَ أَدام اللَهُ ما آتاكا / أَنفَسُ ما وَرِثتَهُ أَباكا
اُنظُر إِلى الشاهِدِ مِن رُوائِهِ / وَقِس بِهِ الغائِبَ مِن آرائِهِ
فَهوَ وَزيرٌ لَيسَ فَوقَ رائِهِ / رَأى سِوى رَأيِكَ في اِرتِضائِهِ
إِن سُمِّيَ اِثنانِ بَنوا شَروانِ / وَوُصِفا بِالعَدلِ وَالإِحسانِ
فَاللَيلُ مازالَ لَهُ فَجرانِ / وَإِنَّما الصادِقُ فيهِ الثاني
أَعدَلُ مَولىً وَهوَ فيهِ نَعلَمُ / لِمالِهِ دونَ العِبادِ يَظلِمُ
وَراحِمٌ إِذا اِستَقالَ المُجرِمُ / لِنَفسِهِ مِن جودِهِ لا يَرحَمُ
أَعيَت رُكامُ جودِهِ الغَماما / وَفاقَ ما ضي رَأيِهِ الحُساما
وَتابَعَ الصَنائِعَ الجِساما / فَأَرضَيتِ الأُمَّةَ وَالإِماما
لَهُ زَمانُ كُلُّهُ رَبيعُ / وَهِمَّةٌ جَنابُها مُريعُ
فَالناسُ في رِياضِها رُتوعُ / وَالدَهرُ عَبدٌ سامِعٌ مُطيعُ
تُمطِرُ شَمسُ وَجهِهِ وَتُشرِقُ / وَلا يَغيمُ وَجهُهُ وَيَبرُقُ
وَبَحرُ جَدواهُ الَّذي يُدَفَّقُ / يَستَغرِقُ الوَصفَ وَلَيسَ يغرِقُ
سَيفٌ بِهِ المُلكُ حَمى أَطرافَهُ / وَالدينُ هَزَّ طَرَباً أَعطافَهُ
تَهُزُّهُ اليَمينُ لِلخِلافَه / حَتّى يُبيدَ مَن نَوى خِلافَهُ
ماضٍ وَما تَنفَكُّ دِرعٌ غِمدَه / لِلنَصرِ سُلطانُ الوَرى أَعَدَّه
وَهوَغَنِيٌّ أَن يَشيمَ حَدَّهُ / فَيَهزِمُ الجَيشَ لَهُ اِسمٌ وَحدَهُ
لَهُ يَدٌ مِنها الأَيادي تَسجُمُ / يَصغَرُ عَنها البَحرُ وَهيَ تَعظُمُ
ما سَبعَةٌ مِن واحِدٍ تَنتَظِمُ / إِلّا الأَقاليمُ لَهُ وَالقَلَمُ
رُمحٌ غَدا مِن نَفسِهِ سِنانُهُ / وَفَرَسٌ في طِرسِهِ مَيدانُهُ
ما إِن يُرَدُّ عَن مَدىً عِنانُهُ / فَإِنَّما عِنانُهُ بَنانُهُ
لِخَيلِهِ في الصَخرِ نوناتٌ تُخَطُّ / لَهُنَّ آثارُ المَساميرِ تُقَط
وَالرُقشُ مِن أَقلامِهِ بِلا شَطَط / تَقتَصُّ مِن هامِ العِدا بِما نُقَط
عِزُّ عَلى مَرِّ اللَيلي زائِدُ / يُربي عَلى البادِئِ مِنه العائِدُ
مُتَّصِلٌ فَل يَرتَقِبهُ الحاسِدُ / فَإِنَّما مَبدَأُ أَلفٍ واحِدُ
مِن قَبلِ أَن مَلَكَهُ بِلادَهُ / مَلَّكَهُ مَولى الوَرى فُؤادَهُ
كَما كَساهُ قَلبُهُ سواده / من فبل أن يكسٌوَه أبراده
تشريفه أبطأُ من تأدبه / وَإِن ضَجِرنا نَحنُ مِن تَرَقُّبِه
مُخَبِّراً أَنَّ عَظيمَ مَنصِبِه / يَجِلُّ عَنهُ فَوقَ ما يَجِلُّ بِه
بَل لَم يَكُن مِن عَجَلِ المُشَرِّفِ / إِلّا مِنَ الخَجلَةِ في تَوَقُّفِ
كَيفَ يَكونُ عِندَ فَقدِ المُنصِفِ / تَشريفُ مَولىً هُوَ نَفسُ الشَرَفِ
لَو بَلَغَ التَشريفُ في التَضعيفِ / مَعدودَ قَولِ قائِلٍ تَشريفي
كُلٌّ على أَقصى الأَماني يوفي / لَكانَ دونَ قَدرِهِ المُنيفِ
كَفاهُ ما خالِقُهُ كَساهُ / مِن ثوبِ مَجدٍ وَعُلاً كَفّاهُ
لَو لَم يَكُن ضَمَّنَهُ رِضاهُ / سُلطانُ أَرضِ اللَهِ شاهِنشاهُ
يا فارِعَ السَماءِ بِالسُمُوِّ / مُنعِلَ الهِلالِ في العُلُوِّ
فَما مَحَلُّ مَفرِقِ العَدُوِّ / أَمَنتَ مُداحَكَ مِن غُلُوِّ
عَلَيكَ مِمّا صاغَتِ العُقولُ / ما دونَهُ السِوارُ وَالإِكليلُ
فَأَينَ يا شِعرُ لَكَ الفُحولُ / هَذا أَوانُ القَولِ فَليَقولوا
كَم أَحبِسُ العُقودَ في الحَقاقِ / دونَ تَراقيها إِلى التَراقي
ما قُلتُهُ وَما فَعَلتَ باقِ / كِلاهُما قَلائِدُ الأَعناقِ
دونَكَها خَوالِعاً لِلعُقلِ / أَعَرتُها وَهُنَّ ذَوبُ العَقلِ
تَهازُلاً مِنّي بِغَيرِ هَزلِ / فَضلَ اِتِّباعٍ في مَجالِ فَضلي
حاشَ لِطَبعي أَن يُسرى فيهِ طَبَع / لا سِيَّما مِن بَعدِ شَيبٍ وَصَلَع
لَكِنَّ ما يَأَتى بِهِ الجِدُّ لُمَع / وَلَيسَ في خالٍ عَلى خَدٍّ بِدَع
لا عَيبَ فيما قالَهُ مُشَبِّبُ / تَشبيبُ مُدّاحِ المُلوكِ أَضرُبُ
أَلَيسَ حَسّانُ وَلا يُؤَنَّب / مِن قَولِهِ فَهوَ حَرامٌ طَيَّبُ
مَولايَ إِكرامُكَ لي ابتِداءَ / أَوجَبَ مِن كُلٍّ بِكَ اِقتِداءَ
وَمَن أَبى ذاكَ فَقَد أَساءَ / فَالظِلُّ يَحكي عودَهُ اِستِواءَ
لِلمَوعِدِ المَضروبِ جِئتُ أَرقُبُ / فَحالَ دوني حاجِبٌ مُقَطِّبُ
وَمَن يَكُن مَكانُهُ المُقَرَّبُ / خَلفَ حِجابِ القَلبِ كَيفَ يُحجَبُ
دَولَتُكَ الغَرّاءُ في اِرتِفاعِهِما / كَالشَمسِ أَو أَشمَلَ بِاِصطِناعِها
وَالشَمسُ تُحظي الناسَ مِن شُعاعِها / بِحاجِبٍ قَد صيغَ مِن طِباعِهِما
يا شَرَفَ الدينِ كَرُمتَ سَمعاً / وَلِلنَدى وَالبَأسِ دُمتَ تُدعى
أَدامَ حِفظُ الله عنك الدفعا / مُظاهِراً مِنهُ عَلَيكَ دِرعا
مِن دَوحِ مَجدٍ باسِقٍ أَغصانُهُ / بيتُ عُلا ثابِتَةٌ أَركانُهُ
داموا وَدامَ عالِياً مَكانُهُ / مُضاعِفاً إِقبالَهُم سُلطانُهُ
نَورِز بِسَعدٍ دائِماً وَمَهرِجِ / وَاِبقَ لَنا في ظِلِّ عَيشٍ سَجسَجِ
مُقَوِّماً بِالرَأيِ كُلَّ أَعوَجِ / وَفاتِحاً بِالجَدِّ كُلَّ مُرتَجِ
قَد ضَمِنَ اللَهُ وَلَيسَ يَنكُثُ / أَنَّكَ ما اِمتَدَّ الزَمانُ تَلبَثُ
أَلَيسَ في كِتابِهِ فَليَبحَثوا / أَنَّ الَّذي ينَفعُ فَهوَ يَمكُثُ
يا مَن يَظَلُّ خَلفاً عَمَّن مَضى / وَلَيسَ عَنهُ خَلَفٌ فَلا اِنقَضى
دُمتَ عَلى الأَيّامِ سَيفاً مُنتَضى / يُفني وَيُغني السُخطُ مِنكَ وَالرِضا
ذا دَولَةٍ عَلى الوَلِيِّ تُسبَغُ / ظِلالُها وَلِلعَدُوِّ تَدمَغُ
دائِمَةٍ آخِرُها لا يُبلَغُ / كَأَنَّما عُمرُكَ طَوقٌ مُفَرَغُ